فكانت أمنا بين الحين والآخر ترسلنا إلى إحدى جاراتها أو صديقاتها طالبة منهن قليلا من البصل، قليلا من الحطب، قليلا من الزيت، قليلا من ... وعندما أحست أنها أثقلت عليهن قالت لي: خذي فأس والدك وطوريته إلى السوق طالما هو لا يعمل بهما ... فلنأكلهما!
بعتهن بجنيهن، وجعنا، قالت لي: خذي وأختك عنقريب والدك إلى السوق، بعناه بجنيهات خمس، وعندما عاد في المساء وعرف لم يقل شيئا، ولكنه نام في عنقريبي، ونمت أنا ونورا سويا، ثم جعنا.
قالت لي أمي: خذي عنقريبك إلى السوق، وعندما عاد، نام في عنقريب نورا، ونمت أنا ونورا على الأرض، ثم جعنا.
ثم جعنا ...
ثم جعنا ...
ثم جعنا ... ... جعنا.
إلى أن نمنا جميعا على الأرض، مفترشين جوالات الخشيش والملابس القديمة، وأشياء قد نجدها هنا وهناك في ساحة المنزل، وراء القطية، في الشارع، أو في بيوت الجيران.
أصبح المنزل خاليا تماما من أشيائه: الزير، المنضدتين، أكواب الشاي، فناجين القهوة، حذاء أمي الذي كانت تلبسه في المناسبات الحميمة والمآتم، أو تسافر به لإخوانها ووالديها بالقرية، بعنا كل شيء إلا الجوع الذي سكن في عمق أحشائنا بقوة وعزيمة، وفي اليوم الأخير من الشهر الرابع نهضت أمي من فراشها، شاحبة الوجه، عيناها مبيضتان كالقطن وفمها جاف وشفتاها مبيضتان خاليتان من الدماء وميتتان، قالت لي: هيا نذهب إلى الجروف للعمل.
قلت: ولكنك مريضة. قالت بصوت واه ضعيف: سنذهب.
ولكنها سقطت عند الباب على مقلاعها وسلتها الكبيرة، وتجمع الجيران وجاء شيخ القرية، قالوا بعد كلام كثير ولغة شتى: خذي أطفالك واذهبي إلى قرية والدك وإخوانك، فالبنات بحاجة إلى رعاية وأنت مريضة، ولا تقدرين على شيء، أما زوجك ...
Bilinmeyen sayfa