[استشهاد أبي السرايا]
عن نصر بن مزاحم: قال أتى هرثمة يوم الأضحى أصحابه فأمرهم أن يتعبئوا أحسن تعبئة، ويتهيئوا أكمل تهيئة، وقد خرج محمد بن محمد فصلى بالناس فلما صعد المنبر زحف هرثمة حتى صار منه قريبا بقدر مزجر الكلب، فخطب محمد الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:يا أهل الكوفة قد برح الخفاء وحق التصريح، إن هؤلاء القوم قد جدوا وتهاونتم، وصدقوا وكذبتم، وأيم الله ما بعد موقفكم هذا غاية، ولابعد تقاعدكم عنهم فشل ولا مهانة، فاستحيوا من الله في حقه، وخيانة محمد في ذريته، فقد أصبحنا والله بين أظهركم وقد بدت لعدونا مقاتلنا، فلم يبق إلا أن يطلعوا على فشلكم، ويتجاوزوا إليكم حيطانكم، ثم يقع ما لا مهرب منه، ويجب ما لا يملك دفعه، وبكى، ثم تلا هذه الآية ?إنك ميت وإنهم ميتون?[الزمر:30]، فبكى الناس حوله، ونهضوا للحرب، وزحفوا إلى هرثمة، فلما رأى هرثمة كثرتهم وجدهم صرف أعنة دوابه قبل أن يرمى بسهم أو يزهق بسيف، وانصرف الناس من المصلى إلى الكوفة.
قال نصر: فحدثني مشائخ من أهل الكوفة ممن حضر محمدا يخطب الناس، فقالوا: ما رأينا أحدا كان أربط جأشا ولا أثبت جنابا منه، والله لقد قربوا منا حتى لقد كادت تصل إلينا رماحهم، وتطؤنا خيلهم وإنه لعلى منبره ماض في خطبته، ما تزل له قدم، ولا ينقطع له قول.
Sayfa 484