33

Lotus Etkisi

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Türler

استيقظت فاندا على صداع شديد، وكانت الساعة السابعة إلا الثلث. لا يزال أمامها بعض الوقت. في العادة كانت تستيقظ في السابعة حتى تكون في المعهد في الساعة الثامنة والنصف على أقصى تقدير. كانت مستلقية على ظهرها، مركزة جل انتباهها على آلامها التي تعتصر جمجمتها بين أسنان كماشة. استدارت لتستلقي على بطنها، ودست أنفها في الوسادة، وبدأت تتحسس بحذر المكان الذي تلقت فيه الضربة على مؤخرة رأسها. كان فعلا موجودا، تورم صغير لا يصل إلى حجم بيضة حمامة، لكنه ممتلئ بالأعصاب الرفيعة مثل ورقة زهرة ميموسا. شعرت بالحاجة الملحة لأن تتصل بصديقتها زابينة. لكن ساعتها خطر ببالها أنها قد نسيت ليلة أمس ذاكرة اليو إس بي الخاصة بها في الكمبيوتر. لم تترك لها هذه الفكرة مجالا تنعم فيه بالراحة، فنهضت، وتحممت بسرعة ثم سلكت طريقها إلى المعهد. لا ينبغي أن يجدها يوهانيس قبل أن تصل هي إليها. وإن استعجلت قليلا فقد يكون في الوقت متسع كيما تمر على طبيب المعهد؛ فهذا كفيل بأن يوفر عليها توبيخ يوهانيس لها وكأنه أمها.

قبل الثامنة بقليل كانت فاندا تجلس بالفعل في حجرة الانتظار بالعيادة الطبية، وتدريجيا بدأت تشعر بمفعول القرصين اللذين ابتلعتهما بمجرد استيقاظها. كان الضغط قد بدأ يخف من على جبينها حين انفتح الباب مقدما لها فرصة أن تقتنص لنفسها استشارة طبية في غرفة الكشف.

استقبلها الدكتور جليزر على الباب، مد يده مسلما عليها بود، ثم أشار لها بالجلوس على مقعد جلدي أسود اللون، أما هو فجلس وراء مكتبه قبالتها. وبينما كان يفحص هو بطاقة سجلها الطبي، كانت هي تتجول بعينيها على الصور المعلقة على الجدران. شاهدت أضرحة بوذية مزينة بأعلام ملونة، ومعابد متهالكة كانت تبدو في ضوء الغروب الأصفر مقمرة وبنية مثلها مثل وجه هذا الطبيب الذي بدأ يتطلع إليها سائلا من فوق حافة نظارته الطبية. كان يبدو مسترخيا على نحو يدعو إلى الحسد. «كيف حالك؟» «أعتقد أني سأصاب بالبرد»، وكان صوتها يقدم دليلا واضحا على ذلك. كانت ترى أنها شاحبة شحوب جرذ الألبينو رغم أن الجو صحو. كل ما تقوله صحيح، كما أنها في نهاية الأمر لم تكن بحاجة إلا إلى دليل كي تكون حافظت على وعدها ليوهانيس. أعجبتها تلك العيون الأبوية الرقيقة لهذا الطبيب الذي تتفحصها نظراته.

أجابها مبتسما: «هذا ما تظنين.» «أعاني من الصداع منذ عدة أيام، واليوم كان الألم أقوى نوعا ما» ... فكرت فاندا أن ما يدعو للضحك أنها بدأت تشعر بالتحسن فعلا. «تبدو عليك أمارات التعب، كما أن وجهك شاحب. هل تعملين كثيرا؟» «أستطيع أن أعمل على مدار اليوم لو أراد رئيسي ذلك.» انفلتت منها ضحكة عاجزة وقالت: «ربما أنام أقل مما ينبغي.»

كان يريد أن يكتب لها إجازة مرضية حتى آخر الأسبوع، لكن فاندا رفضت. في كل الأحوال طلب منها تحليل صورة دم كاملة، كما أراد أن يفحص مستويات الحديد في دمها. لم تبد اعتراضا. كانت سعيدة أنه لن يفحصها أكثر من ذلك.

وبعد نصف ساعة كانت قد اتخذت السلالم صعودا نحو الماسورة الرئيسية. «الأشخاص يبدءون يومهم بإلقاء تحية الصباح على زملائهم.» جاءها الصوت متكسرا من ورائها. التفتت فاندا ورأت وجه بيترا المتبرم. كانت مساعدتها الفنية من أولئك الذين يستيقظون مبكرا، وكانت تعد إفطارها الثاني الآن. كانت تقف في الركن أمام الحوض الصغير واضعة يديها على فخذيها متخذة سمت الشكائين، فيما كانت ماكينة القهوة تغرغر من ورائها وتقذف قطرات القهوة في المصفاة.

زمجرت فاندا «حالا»، ثم اندفعت من الباب المفتوح نحو غرفة الكمبيوتر. كان بها اثنان من زملاء العمل لم يتحركا لرؤيتها، فقد كانا ينظران كالممسوسين إلى شاشات الكمبيوتر وما عليها من أعمالهما. لم يكن ثمة إساءة أدب؛ فأيضا فاندا حين اضطرت إلى الجلوس والعمل هنا في البداية، كانت تعرف أن على ذهنها أن يعتزل كل شيء، ليعطيها الفرصة الوحيدة لإنجاز العمل في هذا المكان الذي تتقلص فيه المساحة الشخصية لتقتصر على حساب المعلومات الخاص. كان الكمبيوتر الذي بحثت من خلاله ليلة البارحة في بنك معلومات زابينة مطفأ. أما ذاكرة اليو إس بي الخاصة بها فلم ترها في أي مكان.

نادت بسرعة في الغرفة: «مرحبا، هل رأى أحدكم ذاكرة يو إس بي ملقاة في مكان ما هنا؟»

كانت لي وانج أول من حررت نظرتها من على الشاشة ونظرت إلى فاندا مبتسمة. كانت الفتاة الصينية قد حصلت على منحة بحثية لمدة ستة أشهر هنا في ماربورج، وفي الواقع لم يكن يهتم بها أحد؛ إذ فرض الرئيس على ميشائيل أن يتولى أمرها. ولأن أحدا لم يفهم لي حقا ظل يحيط بها الحجاب الساحر لثقافة الشرق الأقصى، ولأن أحدا لم يكن أيضا يعلم على وجه الدقة موضوعات أبحاثها، فقد فتح ذلك الباب للتكنهات المسلية حولها؛ فيوهانيس يخمن مثلا أن شتورم يريد أن يستبدل الآسيويين بهم جميعا، خصوصا لأن سعر عالمين ألمانيين كفيل بشراء عشرين من أمثالهم من الصينيين. هذا بخلاف الشائعات التي تداولوها في تلك الأثناء عن أن طموحات شتورم العملية تجعله يوجه بصره نحو الصين من أجل توسعة شركته، وكانوا يرسمون له صورة وهو جالس على مكتبه مرتديا الكيمونو ليستقبل شاي الياسمين من سكرتيرته السيدة بونتي، ومن إحدى فتيات الجيشا ليكملوا المشهد وفق الكليشيهات المتداولة، ثم يفيقوا من وهمهم مرعوبين ومحرجين على ضحكات لي وانج والسيدة باترفلاي اللتين انسلتا فجأة وبلا صوت مثل الفراشات من ورائهم واستمعتا لحديثهم. «لا يوجد ذاكرة يو إس بي هنا»، أجابتها لي وهي لا تزال مبتسمة وكأن فاندا ستفرح بهذا.

وعلى الجانب الآخر، أخذ ابن لادن يداعب لحيته المنكوشة متفكرا. في الواقع كان اسمه عبد الرحمن، لكن اسم عائلته كان أصعب من أن يتذكره أحد، وكان عالما زائرا من إيران، والكل كان يسميه عليا، أما اسم ابن لادن فكانوا يطلقونه عليه في غيابه؛ إذ كان الشبه بينه وبين أسامة بن لادن مذهلا. ولثوان معدودة شعرت فاندا بنظراته المنكرة الجادة مثبتة عليها.

Bilinmeyen sayfa