حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»
انتهى كلام البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، في شرح هذا الباب: مراد البخاري، من هذه الترجمة للباب، هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا؟ وإيراده قول ابن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره.
ومراد البخاري من هذه التعاليق، من قول ابن مسعود، وحذيفة، وأبي العالية، أن الصحابي قال تارة: حدثنا، وتارة سمعت، فدل على أنهم لم يفرقوا بين الصيغ.
وأما أحاديث ابن عباس وأنس وأبي هريرة في رواية النبي ﷺ عن ربه، فقد أراد بذكرها هنا التنبيه على العنعنة، وأن حكمها الوصل عند ثبوت اللقي، وأشار على ما ذكره ابن رشيد، إلى أن رواية النبي ﷺ إنما هي عن ربه، سواء صرح الصحابي بذلك أم لا، ويدل له حديث ابن عباس المذكور، فإنه لم يقل فيه في بعض المواضع، عن ربه، ولكنه اختصار فيحتاج إلى التقدير.
قلت: القائل ابن حجر، ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة، لأن الواسطة بين النبي ﷺ وبين ربه، فيما لم يكلمه به مثل ليلة الإسراء، جبريل.
وهو مقبول قطعًا، والواسطة بين الصحابي وبين النبي ﷺ مقبول اتفاقًا، وهو صحابي آخر، وهذا في أحاديث الأحكام دون غيرها، فإن بعض الصحابة ربما حملها عن بعض التابعين مثل كعب الأحبار.
فإن قيل: من أين تظهر مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة، وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور؟ فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور، ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه، فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب: فحدثوني ما هي، وفي رواية نافع عند المؤلف في كتاب التفسير: أخبروني، وفي رواية الإسماعيلي: أنبئوني، وفي رواية مالك عن المصنف في باب الحياء في العلم: حدثوني ما هي، وقال فيها: فقالوا: أخبرنا بها، فدل ذلك على أن التحديث والإخبار والإنباء سواء. وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة، ومن أصرح الأدلة فيها قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، وقوله تعالى: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤] . وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف. فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزهري، ومالك، وابن عيينة، ويحيى القطان، وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة، ورجحه ابن الحاجب في مختصره، ونقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة. ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه، وتقييده حيث يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم. ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جريج، والأوزاعي، والشافعي، وابن وهب، وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني، ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه. وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب، فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته.
نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور، لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوز عنها احتاج إلى الإتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد، بخلاف المتأخرين، انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وقد تعرض لهذه المسألة أيضا الإمام الحافظ ابن عبد البر الأندلسي حافظ المغرب رحمه الله تعالى، في كتابه النفيس العجاب: جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله، فقال: باب في العرض على العالم وقول أخبرنا وحدثنا، واختلافهم في ذلك، وفي الإجازة والمناولة، ثم استهل هذا الباب بكلام الإمام الحافظ الفقيه الطحاوي، ونقل من رسالته المعنية قدرا حسنا معتمدا له ومؤيدا، ثم عززه بنقول أخرى ناطقة صريحة في الباب، فكان كلام الإمام الطحاوي في هذه حجة عند الشيخ الحجة الإمام ابن عبد البر، رحمهما الله تعالى، وإني ناقل كلام الإمام ابن عبد البر بكامله وعلى طوله، لاستيفاء المقام، وبالله التوفيق. باب في العرض على العالم، وقول أخبرنا وحدثنا واختلافهم في ذلك، وفي الإجازة والمناولة حدثنا عبد الرحمن بن مروان، قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن سليمان بن عمر البغدادي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، قال: اختلف أهل العلم في الرجل يقرأ على العالم ويقر له العالم به، كيف يقول فيه أخبرنا أو حدثنا؟ فقالت طائفة منهم لا فرق بين أخبرنا وحدثنا، وله أن يقول أخبرنا وحدثنا. وممن قال بذلك مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، كما حدثنا ابن أبي عمران، قال: حدثنا سليمان بن بكار، قال: حدثنا أبو قطن، قال: قال لي أبو حنيفة: اقرأ علي وقل حدثني، وقال لي مالك: اقرأ علي وقل حدثني. وكما حدثنا روح بن الفرج، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: لما فرغنا من قراءة الموطأ على مالك ﵀، قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، كيف نقول في هذا؟ فقال: إن شئت فقل حدثنا، وإن شئت فقل أخبرنا، وإن شئت فقل حدثني، وإن شئت فقل أخبرني، وأراه قال: وإن شئت فقل سمعت.
قال أبو جعفر الطحاوي، وقالت طائفة منهم في العرض أخبرنا، ولا يجوز أن يقال حدثنا إلا فيما سمعه من لفظ الذي يحدثه به. قال أبو جعفر ولما اختلفوا نظرنا فيما اختلفوا فيه، فلم نجد بين الحديث وبين الخبر في هذا فرقا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ. فأما ما في كتاب الله فقوله جل وعز: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، فجعل الحديث والخبر واحدا، وقال: ﴿لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤]، وهي الأشياء التي كانت منهم، وقال في مثله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] وقال: ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٤٢]، وقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا﴾ [الزمر: ٢٣]، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: ١] و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: ٢٤] . وقال أبو جعفر: وكان المراد في هذا كله أن الخبر والحديث واحد. قال: وكذلك روي عن رسول الله ﷺ، قال أبو عمر: فذكر: حديث مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن» . وحديث فاطمة بنت قيس أنه ﷺ، قال: «أخبرني تميم الداري، فذكر قصة الدجال» . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله ﷺ: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» . وحديث جابر في الرؤيا: أن رسول الله ﷺ، قال للأعرابي: «لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام» . وحديث أنس، عن عبادة بن الصامت، «أن رسول الله ﷺ أراد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان» . وحديث أنس، أن عبد الله بن سلام، سأل رسول الله ﷺ: ما أول أشراط الساعة؟ قال: «أخبرني جبريل أن نارا تحشرهم من المشرق» . وحديث أنس أن رسول الله ﷺ، قال: «ألا أخبركم بخير دور الأنصار» .
وحديث رافع بن خديج، قال: مر علينا رسول الله ﷺ ونحن نتحدث، فقال: «ما تحدثون؟» فقلنا: نتحدث عنك، قال: «تحدثوا وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم» . قال أبو عمر: وذكر أخبارا من نحو هذا، تركت ذكرها لأنها في معنى ما ذكرنا، ثم قال: هذا كله يدل على أن لا فرق بين أخبرنا وحدثنا. قال: وقد ذهب قوم فيما قرئ على العالم فأجازه وأقر به أن يقال فيه: قرئ على فلان، ولا يقال فيه: حدثنا ولا أخبرنا، قال: ولا وجه لهذا القول عندنا، قال: وسواء عندنا القراءة على العالم وقراءة العالم، ولكل واحد ممن سمع بشيء من ذلك أن يقول حدثنا أو أخبرنا. قال أبو عمر: هذا قول الطحاوي دون لفظه، أنا عبرت عنه، وأنا أورد في هذا الباب أخبارًا يستدل بها على مذاهب القوم وبالله العون. أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه النجاد ببغداد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الواسطي، قال: حدثنا عوف، أن رجلًا سأل الحسن فقال: يا أبا سعيد، إن منزلي ناء، والاختلاف يشق علي، ومعي أحاديث، فإن لم يكن بالقراءة بأس قرأت عليك، فقال: ما أبالي قرأت علي أو قرأت عليك، فقال: يا أبا سعيد، فقال حدثني الحسن؟ فقال: نعم، قل: حدثني الحسن. وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن سلمان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: سألت منصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، عن القراءة على العالم فقالا: جيد، وفي نسخة واحد. حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلًا من بني أمية، يسأل الزهري وعرض عليه كتابًا من علمه، فقال: أأحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: نعم فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض على الزهري. وبه عن عبد الرزاق، قال: سمعت معمرًا، يقول: كنا نرى أن قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، من علم الزهري، وقال عبد الرازق: عرضنا وسمعنا وكل سماع.
أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن سلمان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزق، حدثنا معمر، قال: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلًا من بني أمية، يسأل الزهري، وعرض عليه كتابًا من علم، فقال: أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض عليه العلم فيجيزه. قال معمر: وكان منصور لا يرى بالعرض بأسًا. حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا محمد بن أحمد القاضي المالكي، حدثنا محمد بن علي، حدثنا محمد بن الحسن بن مكرم، حدثنا قطن بن إبراهيم النيسابوري، حدثنا الحسين بن الوليد، عن مالك بن أنس، قال: لما قدم الزهري، أخذت الكتاب لأقرأ عليه، فقال: من أنت؟ فقلت أنا مالك بن أنس وانتسبت له، فقال: ضع الكتاب، ثم أخذ الكتاب محمد بن إسحاق يقرأ وانتسب له، فقال له: ضع الكتاب، ثم أخذ الكتاب عبيد الله بن وقال: أنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، فقال: اقرأ، فجميع ما سمع الناس يومئذ مما قرأ عبيد الله. أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا ابن جامع، قال: حدثنا المقدامي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، أنه قيل له: أرأيت ما عرضنا عليك، أتقول فيه حدثنا؟ قال: نعم، قد يقول الرجل إذا قرأ على الرجل: أقرأني فلان وإنما قرأ عليه، ولقد قال ابن عباس: كنت أقرأ على عبد الرحمن بن عوف. فقيل مالك: أفيعرض عليك الرجل أحب إليك أم تحدثه؟ قال: بل يعرض إذا كان يتثبت في قراءته، فربما غلط الذي يحدث أو سها، وقال: الذي يعرض أعجب إلي في ذلك، وقال ابن أبي أويس عن مالك، نحو رواية ابن القاسم، وابن وهب، عنه على حسب ما ذكرنا، قال: وقال لي: ألست أنت قرأت على نافع وتقول أقرأني نافع. وقال أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: يا أبا عبد الله كيف تقول فيما سمعناه يقرأ عليك من هذه العلوم أخبرنا أو حدثنا؟ قال: قولوا إن شئتم حدثنا، وإن شئتم أخبرنا، فقد رأيت العلم يقرأ على ابن شهاب.
وأخبرنا أحمد بن قاسم، ومحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: رأيت مالك بن أنس يقرأ على الزهري، قال: فحدثت بذلك سفيان بن عيينة ففرح بذلك وجعل يقول: قرأ. أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا أبو ضمرة، عن عبيد الله بن عمر، قال: كنت أرى الزهري يأتيه الرجل بالكتاب لم يقرأه عليه ولم يقرأ عليه، فيقال له: أرويه عنك؟ قال: نعم. قال أبو عمر: هذا معناه أنه كان يعرف الكتاب بعينه، ويعرف ثقة صاحبه، ويعرف أنه من حديثه، وهذه هي المناولة، وفي معناها الإجازة إذا صح تناول ذلك. حدثنا خلف بن القاسم، قراءة مني عليه، قال: حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قلت للأوزاعي في المناولة: أقول فيها حدثنا؟ قال: إن كنت حدثتك فقل حدثنا، فقلت: أقول أخبرنا؟ قال: لا؟ قلت: فكيف أقول؟ قال: قل عن أبي عمرو، أو قال أبو عمرو. حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثني صفوان بن صالح، قال: حدثني عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، قال: دفع إلي يحيى بن أبي كثير صحيفة فقال: اروها عني، ودفع إلى الزهري صحيفة، فقال: اروها عني. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن أحمد بن كامل، حدثنا ابن رشدين، حدثنا أحمد بن صالح، قال: كان عمرو بن أبي سلمة حسن المذهب، كان عنده شيء سمعه من الأوزاعي وشيء أجازه له، فكان يقول فيما سمع، حدثنا الأوزاعي، ويقول فيما أجازه له قال الأوزاعي. وسمعت أحمد بن صالح، يقول: وقد سئل عن الرجل يحدث الرجال يقول أحدهم حدثني، أو يحدث الرجل وحده، ويقول حدثنا؟ قال: نعم، ذلك كله جائز في كلام العرب.
قال: وسمعت أحمد بن صالح، يقول: إذا عرض الرجل على عالم ثم قال: حدثنا، لم أخطئه ولم أكذبه، وأحب إلي أن يقول قرأت على فلان ولا يقول: حدثنا. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو القاسم نصر بن الفتح مولى الحسن بن الحارث بن قطن المرادي، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان، قال: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير، يقول: لما فرغنا من عرض الموطأ على مالك، قال له رجل من أهل المغرب: يا أبا عبد الله، هذا الذي قرئ عليك كيف نقول فيه، حدثنا أو حدثني أو أخبرنا أو أخبرني؟ فقال: ما شئت أن تقول من ذلك فقل. وأخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا الربيع، قال: كان الشافعي ﵀ إذا حدث عن مالك فمرة يقول: حدثنا مالك، ومرة يقول: أخبرنا مالك، كأنه عنده سواء. قال الربيع: وقد سمعت الشافعي، يقول: إذا قرأ عليك العالم فقل حدثنا، وإذا قرأت عليه فقل أخبرنا. وذكر أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، عن حسين الكرابيسي، قال: لما كانت قدمة الشافعي الثانية، يعني ببغداد، أتيته، فقلت له: أتأذن لي أقرأ عليك الكتب، فأبى وقال لي: قد كتب الزعفراني الكتب فانسخها، فقد أجزتها لك، فأخذتها إجازة. قال أبو عمر: الآثار في هذا الباب كثيرة على نحو ما ذكرنا، فرأيت الاقتصار أولى من الإكثار. واختلف العلماء في الإجازة، فأجازها قوم، وكرهها آخرون، وفيما ذكرنا في هذا الباب دليل على جوازها، إذا كان الشيء الذي أجيز معينًا أو معلومًا محفوظًا مضبوطًا، وكان الذي يتناوله عالمًا بطرق هذا الشأن، وإن لم يكن ذلك على ما وصفت لم يؤمن أن يحدث الذي أجيز له عن الشيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين من أول إسناد الديوان، فقد رأيت قومًا وقعوا في مثل هذا، وما أظن الذين كرهوا الإجازة كرهوها إلا لهذا، والله أعلم. وذكر ابن عبد الحكم، عن ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك أنه سئل عن الرجل يقول له العالم: هذا كتابي فاحمله عني، وحدث بما فيه عني؟ قال: لا أرى هذا يجوز، ولا يعجبني، لأن هؤلاء إنما يريدون الحمل الكثير بالإقامة اليسيرة فلا يعجبني ذلك.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا أبو الخير محمد بن علي بن الحسن بمرو، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن يزداد الرازي، يقول: سمعت أبا العباس عبد الله بن عبيد الله الطيالسي ببغداد، يقول: كنا عند أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، إذ جاءه قوم يسألونه إجازة كتاب قد حدث به، فأملي عليهم. كتابي إليكم فافهموه فإنه ... رسولي إليكم والكتاب رسول فهذا سماعي من رجال لقيتهم ... لهم ورع في فقههم وعقول فإن شئتم فارووه عني فإنما ... تقولون ما قد قلته وأقول قال أبو عمر: وتلخيص هذا الباب أن الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة، حاذق بها، يعرف كيف يتناولها، ويكون في شيء معين معروف لا يشكل إسناده، فهذا هو الصحيح من القول في ذلك، والله أعلم. حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال قاسم وأخبرنا الخشني، قال: حدثنا بندار، قالا: سمعنا يحيى بن سعيد، يقول: أخبرنا وأخبرني واحد، وحدثنا وحدثني واحد. أنبأنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي، حدثني عبد الله بن محمد الهمداني، حدثنا عبد الله بن حمران بن وهب الدينوري، حدثنا سعيد بن عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن أبيه، عن مالك، في قول الله ﵎: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤]، قال: هو قول الرجل حدثني أبي عن جدي. قال عبد الله بن حمران: سمعه مني إسماعيل بن إسحاق، انتهى كلام الحافظ بن عبد البر، مصححًا ما وقع فيه سقط وتحريف. وقد عقد الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى، في كتابه: الكفاية في علم الرواية، بابًا مطولًا بعنوان: باب ذكر الرواية عمن أجاز في أحاديث العرض حدثنا، ولا يفرق بين سمعت وحدثنا وأخبرنا، وساق جملة كثيرة من الآثار عن الأئمة الكبار في جواز ذلك، وختمها بما ساقه عن الطحاوي من القول بذلك أيضًا.
وجاء في ذيل طبقات الحنابلة للحافظ بن رجب في ترجمة محمود بن الحسين الأصبهاني الواعظ المحدث المتوفى سنة ٥٤٨ قول الحافظ ابن رجب قرأت بخطه في الإجازة: فليرووا عني بلفظة التحديث، وإن أرادوا بلفظة الإخبار، قلت: أي ابن رجب، وهذا وإن اشتهر عند المحدثين من المتأخرين إنكاره، كما أنكره الخطيب على أبي نعيم الأصبهاني، لكن هو قول طوائف من علماء الحديث. وقد روي عن الإمام أحمد، ﵁، أخبرنا أبو الفتوح الميدومي بمصر، أخبرنا أبو الفرج الحراني، حدثنا أبو المعالي أحمد بن يحيى الخازن، من لفظه ببغداد، حدثنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، إملاء، قال: سمعت الإمام أبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، يقول: حدثني عمي أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، قال: سمعت غلام الخلال، يقول: سمعت الخلال، يقول: قال الإمام أبو عبد الله أحمد، ﵁، لولده صالح: إذا أجزت لك شيئًا فلا تبالي، قلت: أخبرنا أو حدثنا. وروى الخطيب بإسناده عن أبي اليمان الحكم بن نافع، قال: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة؟ قلت: قرأت عليه بعضًا، وبعضًا قرأه علي، وبعضًا أجاز لي، وبعضًا مناولة، فقال أحمد قل في كل ذلك أخبرنا شعيب. وقد روي هذا المذهب عن مالك، والحارث بن مسكين، وذكره ابن الصلاح، في كتابه، عن الزهري، ومالك، وغيرهما من المتقدمين، وحكاه ابن شاهين، عن طائفة من العلماء. وذكر السلفي في مقدمته لإملاء الاستذكار أن مذهب أبي عمر بن عبد البر وعامة حفاظ الأندلس: الجواز فيما يجاز قول حدثنا وأخبرنا، أو ما شاء المجاز مما يقرب منه، قال: بخلاف ما نحن وأهل المشرق عليه، من إظهار السماع والإجازة، وتمييز أحدهما عن الآخر بلفظ لا إشكال فيه. وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة جزءًا.
فإن قيل: من أين تظهر مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصريحة، وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور؟ فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور، ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه، فإن لفظ رواية عبد الله بن دينار المذكور في الباب: فحدثوني ما هي، وفي رواية نافع عند المؤلف في كتاب التفسير: أخبروني، وفي رواية الإسماعيلي: أنبئوني، وفي رواية مالك عن المصنف في باب الحياء في العلم: حدثوني ما هي، وقال فيها: فقالوا: أخبرنا بها، فدل ذلك على أن التحديث والإخبار والإنباء سواء. وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة، ومن أصرح الأدلة فيها قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، وقوله تعالى: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤] . وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف. فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزهري، ومالك، وابن عيينة، ويحيى القطان، وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة، ورجحه ابن الحاجب في مختصره، ونقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة. ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه، وتقييده حيث يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم. ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جريج، والأوزاعي، والشافعي، وابن وهب، وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني، ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه. وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب، فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته.
نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور، لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوز عنها احتاج إلى الإتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد، بخلاف المتأخرين، انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وقد تعرض لهذه المسألة أيضا الإمام الحافظ ابن عبد البر الأندلسي حافظ المغرب رحمه الله تعالى، في كتابه النفيس العجاب: جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله، فقال: باب في العرض على العالم وقول أخبرنا وحدثنا، واختلافهم في ذلك، وفي الإجازة والمناولة، ثم استهل هذا الباب بكلام الإمام الحافظ الفقيه الطحاوي، ونقل من رسالته المعنية قدرا حسنا معتمدا له ومؤيدا، ثم عززه بنقول أخرى ناطقة صريحة في الباب، فكان كلام الإمام الطحاوي في هذه حجة عند الشيخ الحجة الإمام ابن عبد البر، رحمهما الله تعالى، وإني ناقل كلام الإمام ابن عبد البر بكامله وعلى طوله، لاستيفاء المقام، وبالله التوفيق. باب في العرض على العالم، وقول أخبرنا وحدثنا واختلافهم في ذلك، وفي الإجازة والمناولة حدثنا عبد الرحمن بن مروان، قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن سليمان بن عمر البغدادي، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، قال: اختلف أهل العلم في الرجل يقرأ على العالم ويقر له العالم به، كيف يقول فيه أخبرنا أو حدثنا؟ فقالت طائفة منهم لا فرق بين أخبرنا وحدثنا، وله أن يقول أخبرنا وحدثنا. وممن قال بذلك مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، كما حدثنا ابن أبي عمران، قال: حدثنا سليمان بن بكار، قال: حدثنا أبو قطن، قال: قال لي أبو حنيفة: اقرأ علي وقل حدثني، وقال لي مالك: اقرأ علي وقل حدثني. وكما حدثنا روح بن الفرج، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: لما فرغنا من قراءة الموطأ على مالك ﵀، قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، كيف نقول في هذا؟ فقال: إن شئت فقل حدثنا، وإن شئت فقل أخبرنا، وإن شئت فقل حدثني، وإن شئت فقل أخبرني، وأراه قال: وإن شئت فقل سمعت.
قال أبو جعفر الطحاوي، وقالت طائفة منهم في العرض أخبرنا، ولا يجوز أن يقال حدثنا إلا فيما سمعه من لفظ الذي يحدثه به. قال أبو جعفر ولما اختلفوا نظرنا فيما اختلفوا فيه، فلم نجد بين الحديث وبين الخبر في هذا فرقا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ. فأما ما في كتاب الله فقوله جل وعز: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: ٤]، فجعل الحديث والخبر واحدا، وقال: ﴿لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤]، وهي الأشياء التي كانت منهم، وقال في مثله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ [البروج: ١٧] وقال: ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٤٢]، وقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا﴾ [الزمر: ٢٣]، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: ١] و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: ٢٤] . وقال أبو جعفر: وكان المراد في هذا كله أن الخبر والحديث واحد. قال: وكذلك روي عن رسول الله ﷺ، قال أبو عمر: فذكر: حديث مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن» . وحديث فاطمة بنت قيس أنه ﷺ، قال: «أخبرني تميم الداري، فذكر قصة الدجال» . وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله ﷺ: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» . وحديث جابر في الرؤيا: أن رسول الله ﷺ، قال للأعرابي: «لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام» . وحديث أنس، عن عبادة بن الصامت، «أن رسول الله ﷺ أراد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان» . وحديث أنس، أن عبد الله بن سلام، سأل رسول الله ﷺ: ما أول أشراط الساعة؟ قال: «أخبرني جبريل أن نارا تحشرهم من المشرق» . وحديث أنس أن رسول الله ﷺ، قال: «ألا أخبركم بخير دور الأنصار» .
وحديث رافع بن خديج، قال: مر علينا رسول الله ﷺ ونحن نتحدث، فقال: «ما تحدثون؟» فقلنا: نتحدث عنك، قال: «تحدثوا وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم» . قال أبو عمر: وذكر أخبارا من نحو هذا، تركت ذكرها لأنها في معنى ما ذكرنا، ثم قال: هذا كله يدل على أن لا فرق بين أخبرنا وحدثنا. قال: وقد ذهب قوم فيما قرئ على العالم فأجازه وأقر به أن يقال فيه: قرئ على فلان، ولا يقال فيه: حدثنا ولا أخبرنا، قال: ولا وجه لهذا القول عندنا، قال: وسواء عندنا القراءة على العالم وقراءة العالم، ولكل واحد ممن سمع بشيء من ذلك أن يقول حدثنا أو أخبرنا. قال أبو عمر: هذا قول الطحاوي دون لفظه، أنا عبرت عنه، وأنا أورد في هذا الباب أخبارًا يستدل بها على مذاهب القوم وبالله العون. أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه النجاد ببغداد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الواسطي، قال: حدثنا عوف، أن رجلًا سأل الحسن فقال: يا أبا سعيد، إن منزلي ناء، والاختلاف يشق علي، ومعي أحاديث، فإن لم يكن بالقراءة بأس قرأت عليك، فقال: ما أبالي قرأت علي أو قرأت عليك، فقال: يا أبا سعيد، فقال حدثني الحسن؟ فقال: نعم، قل: حدثني الحسن. وحدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن سلمان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: سألت منصور بن المعتمر، وأيوب السختياني، عن القراءة على العالم فقالا: جيد، وفي نسخة واحد. حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلًا من بني أمية، يسأل الزهري وعرض عليه كتابًا من علمه، فقال: أأحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: نعم فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض على الزهري. وبه عن عبد الرزاق، قال: سمعت معمرًا، يقول: كنا نرى أن قد أكثرنا عن الزهري، حتى قتل الوليد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب من خزائنه، من علم الزهري، وقال عبد الرازق: عرضنا وسمعنا وكل سماع.
أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن سلمان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزق، حدثنا معمر، قال: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلًا من بني أمية، يسأل الزهري، وعرض عليه كتابًا من علم، فقال: أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال: فمن يحدثكموه غيري، قال معمر: ورأيت أيوب يعرض عليه العلم فيجيزه. قال معمر: وكان منصور لا يرى بالعرض بأسًا. حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا محمد بن أحمد القاضي المالكي، حدثنا محمد بن علي، حدثنا محمد بن الحسن بن مكرم، حدثنا قطن بن إبراهيم النيسابوري، حدثنا الحسين بن الوليد، عن مالك بن أنس، قال: لما قدم الزهري، أخذت الكتاب لأقرأ عليه، فقال: من أنت؟ فقلت أنا مالك بن أنس وانتسبت له، فقال: ضع الكتاب، ثم أخذ الكتاب محمد بن إسحاق يقرأ وانتسب له، فقال له: ضع الكتاب، ثم أخذ الكتاب عبيد الله بن وقال: أنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، فقال: اقرأ، فجميع ما سمع الناس يومئذ مما قرأ عبيد الله. أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا ابن جامع، قال: حدثنا المقدامي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، أنه قيل له: أرأيت ما عرضنا عليك، أتقول فيه حدثنا؟ قال: نعم، قد يقول الرجل إذا قرأ على الرجل: أقرأني فلان وإنما قرأ عليه، ولقد قال ابن عباس: كنت أقرأ على عبد الرحمن بن عوف. فقيل مالك: أفيعرض عليك الرجل أحب إليك أم تحدثه؟ قال: بل يعرض إذا كان يتثبت في قراءته، فربما غلط الذي يحدث أو سها، وقال: الذي يعرض أعجب إلي في ذلك، وقال ابن أبي أويس عن مالك، نحو رواية ابن القاسم، وابن وهب، عنه على حسب ما ذكرنا، قال: وقال لي: ألست أنت قرأت على نافع وتقول أقرأني نافع. وقال أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: يا أبا عبد الله كيف تقول فيما سمعناه يقرأ عليك من هذه العلوم أخبرنا أو حدثنا؟ قال: قولوا إن شئتم حدثنا، وإن شئتم أخبرنا، فقد رأيت العلم يقرأ على ابن شهاب.
وأخبرنا أحمد بن قاسم، ومحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: رأيت مالك بن أنس يقرأ على الزهري، قال: فحدثت بذلك سفيان بن عيينة ففرح بذلك وجعل يقول: قرأ. أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا أبو ضمرة، عن عبيد الله بن عمر، قال: كنت أرى الزهري يأتيه الرجل بالكتاب لم يقرأه عليه ولم يقرأ عليه، فيقال له: أرويه عنك؟ قال: نعم. قال أبو عمر: هذا معناه أنه كان يعرف الكتاب بعينه، ويعرف ثقة صاحبه، ويعرف أنه من حديثه، وهذه هي المناولة، وفي معناها الإجازة إذا صح تناول ذلك. حدثنا خلف بن القاسم، قراءة مني عليه، قال: حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قلت للأوزاعي في المناولة: أقول فيها حدثنا؟ قال: إن كنت حدثتك فقل حدثنا، فقلت: أقول أخبرنا؟ قال: لا؟ قلت: فكيف أقول؟ قال: قل عن أبي عمرو، أو قال أبو عمرو. حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثني صفوان بن صالح، قال: حدثني عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، قال: دفع إلي يحيى بن أبي كثير صحيفة فقال: اروها عني، ودفع إلى الزهري صحيفة، فقال: اروها عني. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن أحمد بن كامل، حدثنا ابن رشدين، حدثنا أحمد بن صالح، قال: كان عمرو بن أبي سلمة حسن المذهب، كان عنده شيء سمعه من الأوزاعي وشيء أجازه له، فكان يقول فيما سمع، حدثنا الأوزاعي، ويقول فيما أجازه له قال الأوزاعي. وسمعت أحمد بن صالح، يقول: وقد سئل عن الرجل يحدث الرجال يقول أحدهم حدثني، أو يحدث الرجل وحده، ويقول حدثنا؟ قال: نعم، ذلك كله جائز في كلام العرب.
قال: وسمعت أحمد بن صالح، يقول: إذا عرض الرجل على عالم ثم قال: حدثنا، لم أخطئه ولم أكذبه، وأحب إلي أن يقول قرأت على فلان ولا يقول: حدثنا. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو القاسم نصر بن الفتح مولى الحسن بن الحارث بن قطن المرادي، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان، قال: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير، يقول: لما فرغنا من عرض الموطأ على مالك، قال له رجل من أهل المغرب: يا أبا عبد الله، هذا الذي قرئ عليك كيف نقول فيه، حدثنا أو حدثني أو أخبرنا أو أخبرني؟ فقال: ما شئت أن تقول من ذلك فقل. وأخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا الربيع، قال: كان الشافعي ﵀ إذا حدث عن مالك فمرة يقول: حدثنا مالك، ومرة يقول: أخبرنا مالك، كأنه عنده سواء. قال الربيع: وقد سمعت الشافعي، يقول: إذا قرأ عليك العالم فقل حدثنا، وإذا قرأت عليه فقل أخبرنا. وذكر أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، عن حسين الكرابيسي، قال: لما كانت قدمة الشافعي الثانية، يعني ببغداد، أتيته، فقلت له: أتأذن لي أقرأ عليك الكتب، فأبى وقال لي: قد كتب الزعفراني الكتب فانسخها، فقد أجزتها لك، فأخذتها إجازة. قال أبو عمر: الآثار في هذا الباب كثيرة على نحو ما ذكرنا، فرأيت الاقتصار أولى من الإكثار. واختلف العلماء في الإجازة، فأجازها قوم، وكرهها آخرون، وفيما ذكرنا في هذا الباب دليل على جوازها، إذا كان الشيء الذي أجيز معينًا أو معلومًا محفوظًا مضبوطًا، وكان الذي يتناوله عالمًا بطرق هذا الشأن، وإن لم يكن ذلك على ما وصفت لم يؤمن أن يحدث الذي أجيز له عن الشيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين من أول إسناد الديوان، فقد رأيت قومًا وقعوا في مثل هذا، وما أظن الذين كرهوا الإجازة كرهوها إلا لهذا، والله أعلم. وذكر ابن عبد الحكم، عن ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك أنه سئل عن الرجل يقول له العالم: هذا كتابي فاحمله عني، وحدث بما فيه عني؟ قال: لا أرى هذا يجوز، ولا يعجبني، لأن هؤلاء إنما يريدون الحمل الكثير بالإقامة اليسيرة فلا يعجبني ذلك.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا أبو الخير محمد بن علي بن الحسن بمرو، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن يزداد الرازي، يقول: سمعت أبا العباس عبد الله بن عبيد الله الطيالسي ببغداد، يقول: كنا عند أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، إذ جاءه قوم يسألونه إجازة كتاب قد حدث به، فأملي عليهم. كتابي إليكم فافهموه فإنه ... رسولي إليكم والكتاب رسول فهذا سماعي من رجال لقيتهم ... لهم ورع في فقههم وعقول فإن شئتم فارووه عني فإنما ... تقولون ما قد قلته وأقول قال أبو عمر: وتلخيص هذا الباب أن الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة، حاذق بها، يعرف كيف يتناولها، ويكون في شيء معين معروف لا يشكل إسناده، فهذا هو الصحيح من القول في ذلك، والله أعلم. حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال قاسم وأخبرنا الخشني، قال: حدثنا بندار، قالا: سمعنا يحيى بن سعيد، يقول: أخبرنا وأخبرني واحد، وحدثنا وحدثني واحد. أنبأنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي، حدثني عبد الله بن محمد الهمداني، حدثنا عبد الله بن حمران بن وهب الدينوري، حدثنا سعيد بن عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن أبيه، عن مالك، في قول الله ﵎: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤]، قال: هو قول الرجل حدثني أبي عن جدي. قال عبد الله بن حمران: سمعه مني إسماعيل بن إسحاق، انتهى كلام الحافظ بن عبد البر، مصححًا ما وقع فيه سقط وتحريف. وقد عقد الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى، في كتابه: الكفاية في علم الرواية، بابًا مطولًا بعنوان: باب ذكر الرواية عمن أجاز في أحاديث العرض حدثنا، ولا يفرق بين سمعت وحدثنا وأخبرنا، وساق جملة كثيرة من الآثار عن الأئمة الكبار في جواز ذلك، وختمها بما ساقه عن الطحاوي من القول بذلك أيضًا.
وجاء في ذيل طبقات الحنابلة للحافظ بن رجب في ترجمة محمود بن الحسين الأصبهاني الواعظ المحدث المتوفى سنة ٥٤٨ قول الحافظ ابن رجب قرأت بخطه في الإجازة: فليرووا عني بلفظة التحديث، وإن أرادوا بلفظة الإخبار، قلت: أي ابن رجب، وهذا وإن اشتهر عند المحدثين من المتأخرين إنكاره، كما أنكره الخطيب على أبي نعيم الأصبهاني، لكن هو قول طوائف من علماء الحديث. وقد روي عن الإمام أحمد، ﵁، أخبرنا أبو الفتوح الميدومي بمصر، أخبرنا أبو الفرج الحراني، حدثنا أبو المعالي أحمد بن يحيى الخازن، من لفظه ببغداد، حدثنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، إملاء، قال: سمعت الإمام أبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، يقول: حدثني عمي أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، قال: سمعت غلام الخلال، يقول: سمعت الخلال، يقول: قال الإمام أبو عبد الله أحمد، ﵁، لولده صالح: إذا أجزت لك شيئًا فلا تبالي، قلت: أخبرنا أو حدثنا. وروى الخطيب بإسناده عن أبي اليمان الحكم بن نافع، قال: قال لي أحمد بن حنبل: كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة؟ قلت: قرأت عليه بعضًا، وبعضًا قرأه علي، وبعضًا أجاز لي، وبعضًا مناولة، فقال أحمد قل في كل ذلك أخبرنا شعيب. وقد روي هذا المذهب عن مالك، والحارث بن مسكين، وذكره ابن الصلاح، في كتابه، عن الزهري، ومالك، وغيرهما من المتقدمين، وحكاه ابن شاهين، عن طائفة من العلماء. وذكر السلفي في مقدمته لإملاء الاستذكار أن مذهب أبي عمر بن عبد البر وعامة حفاظ الأندلس: الجواز فيما يجاز قول حدثنا وأخبرنا، أو ما شاء المجاز مما يقرب منه، قال: بخلاف ما نحن وأهل المشرق عليه، من إظهار السماع والإجازة، وتمييز أحدهما عن الآخر بلفظ لا إشكال فيه. وقد صنف بعض المحدثين المتأخرين في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة جزءًا.
Bilinmeyen sayfa