Ahlak Metafiziğinin Kuruluşu
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
Türler
من بين الأمور التي يمكن تصورها في هذا العالم، أو خارجه، لا يوجد شيء يمكن عده خيرا على وجه الإطلاق ودون قيد، اللهم إلا شيء واحد، هو: الإرادة الخيرة.
فالفهم، والذكاء، وملكة الحكم
1
وما سواها من مواهب العقل، أيا كان الاسم الذي تتسمى به، أو الشجاعة والتصميم والإصرار على الهدف بوصفها من خصائص المزاج، هي كلها بلا ريب خصائص خيرة خليقة بأن يطمح إليها الإنسان، غير أن هذه الهبات الطبيعية قد تكون سيئة بالغة السوء والضرر إذا لم تكن الإرادة التي عليها أن تستخدمها والتي يطلق على أخص خواصها من أجل هذا السبب اسم «الطبع»
2 [أو الخلق] - إرادة خيرة. ومثل هذا القول ينطبق على هبات الحظ؛ فالقوة، والغنى، والشرف، بل الصحة نفسها والهناء والرضا عن الحال، مما درجنا على تسميته «بالسعادة»، قد يتولد عنها الاعتزاز بالنفس الذي قد ينحرف في أغلب الأحيان فيصير غرورا واختيالا، هذا إن لم تكن ثمة إرادة خيرة تصلح من أثرها على الوجدان وتوجهها نحو غايات وأهداف عامة وتصحح مبدأ السلوك كله، وما بنا حاجة إلى القول بأن الشاهد العاقل غير المتحيز لا يمكن بأية حال أن ترضى نفسه برؤية كائن يتقلب في أعطاف النعيم وقد تعطل عن كل إرادة نقية خيرة. وهكذا يبدو أن الإرادة الخيرة هي الشرط الذي لا غنى عنه لكي يكون الإنسان خليقا بالسعادة.
3
هناك بعض الخصائص التي تسند هذه الإرادة الخيرة وقد تساعد على تيسير عملها مساعدة فعالة، ولكنها مع ذلك لا تحتوي في ذاتها على أية قيمة مطلقة، بل تفترض دائما وجود إرادة أخرى طيبة (سابقة عليها) مما يحد من التقدير العالي الذي نحمله لها بحق في أنفسنا ويجعل من المتعذر علينا أن ننظر إليها نظرتنا إلى إرادة خيرة مطلقة؛ فالاعتدال في العواطف والانفعالات، والسيطرة على النفس، والمقدرة على التدبر المتزن ليست خيرة من كثير من الوجوه فحسب، بل إنها تكون فيما يبدو جزءا من القيمة الباطنة (أو الذاتية) للشخص، غير أنه ينقصها الكثير لكي نعدها خيرة دون تحفظ (وإن كان الأقدمون قد أثنوا عليها ثناء لا مزيد عليه)؛ ذلك لأنها إذا لم تستند إلى المبادئ التي تقدم عليها الإرادة الطيبة فقد يستفحل شرها، وإن دم الشرير البارد لا يجعله أشد خطورة فحسب، بل إنه ليزيد مباشرة من بشاعته في أعيننا أكثر مما كنا سنحكم لو أنه تجرد عنها.
إن الإرادة الخيرة لا تكون خيرة بما تحدثه من أثر أو تحرزه من نجاح، لا ولا بصلاحيتها للوصول إلى هذا الهدف أو ذاك، بل إنها تكون كذلك عن طريق فعل الإرادة وحده؛ أعني أنها خيرة في ذاتها، وأنها إذا نظر إليها في ذاتها فلا بد لنا - بلا وجه للمقارنة - أن نقدرها تقديرا يرتفع بها درجات عن كل ما من شأنه أن يتحقق بوساطتها لمصلحة ميل من الميول أيا كان، لا بل لمصلحة كل الميول مجتمعة. وإذا ما شاءت نقمة الأقدار أو تقتير طبيعة تتسم بصفات الحموات أن تسلب هذه الإرادة كل قدرة على تحقيق أهدافها، وإذا ما عجزت برغم أشق الجهود التي تبذلها عن إدراك أي شيء، ولم يبق إلا الإرادة الخيرة وحدها (لا أريد بهذا بالطبع أن تبقى مجرد رغبة فحسب، بل أقصد أن تكون حشدا لجميع الوسائل الممكنة في طاقتنا) فسوف تلمع بذاتها لمعان الجوهرة، مثل شيء يحتفظ في نفسه بكل قيمته؛ فلا المنفعة تستطيع أن تضيف إلى هذه القيمة شيئا، ولا العقم يمكنه أن ينقص منها في شيء. ولن تزيد المنفعة على أن تكون التغليفة التي تيسر تداول الجوهرة بين الناس، أو تلفت إليها أنظار من لم يعرفوها بعد معرفة كافية، لا لكي توصي بها العارفين أو تحدد قيمة ثمنها.
في هذه الفكرة وحدها عن القيمة المطلقة للإرادة، ودون أن تحسب حساب المنفعة في تقديرنا لها؛ أقول إن في هذه الفكرة نوعا من الغرابة يثير بالضرورة وبالرغم عن التقابل التام بينها وبين الحس المشترك، لونا من الشبهة التي قد تدعو إلى الظن بأنها لا ترتكز إلا على وهم متعال، وأن الطبيعة ربما أسيء فهم قصدها من جعل العقل حاكما على الإرادة. من أجل هذا نريد أن نفحص هذه الفكرة من وجهة النظر هذه.
نحن نسلم، عند النظر إلى التكوين الطبيعي لكائن عضوي، أعني لكائن أعد للحياة، بمبدأ أساسي مؤداه أنه ما من عضو فيه جعل للوفاء بغاية من الغايات إلا وكان أنسب الأعضاء لتحقيق هذه الغاية وأكثرها ملاءمة لها؛ فلو كان الهدف الأساسي الذي تقصد إليه الطبيعة من كائن ذي عقل وذي إرادة أن توفر له «البقاء والهناء» وبالجملة «السعادة»، لكانت قد أساءت الاختيار إذ جعلت عقل هذا المخلوق أداة لتنفيذ غرضها؛ ذلك لأن جميع الأعمال التي ينبغي على هذا الكائن الحي أن يؤديها لتحقيق هذا الغرض وكذلك قاعدة سلوكه بتمامها كانت ترسمها له غريزته على وجه أدق، وذلك الغرض كان سيتحقق بطريقة أضمن مما كان يعجز عنه العقل لو أنه حاول ذلك، ولو أن هذا المخلوق وهب العقل لما نفعه في شيء إلا في نسج تأملات تدور حول الاستعدادات الطبيعية التي وفقه الحظ إليها، والإعجاب بها وتهنئة نفسه بما رزق منها والتعبير عن شكره للعلة التي أنعمت عليه بها، لا في إخضاع ملكة الاشتهاء والرغبة لديه لتلك القيادة الضعيفة المضللة والانحراف بالطبيعة عن قصدها وغايتها، وبالجملة فإنها تكون قد اتخذت الحيطة لتمنع العقل من أن يسير في طريق الاستخدام العملي أو يتجاسر فيحاول، ببصيرته الكلية، أن يضع خطة السعادة والوسائل المؤدية إليها ولعهدت بهما جميعا إلى الغريزة وحدها.
Bilinmeyen sayfa