بالأدِلَّةِ مُوصِلٌ إلى المَدْلُولِ، والأدِلَّةُ لا تُوصِلُ إلى المدلولِ إلا بواسطةِ العِلْمِ بها.
والحاصلُ: أنَّ الأدِلَّةَ لها حقائِقُ في أَنْفُسِها من حيثُ دَلاَلَتُها، ومِن حيثُ تَعَلُّقُ العِلْمِ بها، فهل موضوعُ أصولِ الفقهِ تلكَ الحقائقُ أو العِلْمُ بها؟ والمختارُ الأوَّلُ؛ لأنَّ أهلَ العُرْفِ لا يُسَمُّونَ العلومَ أُصُولًا، ويقولُ: هذا كتابُ أُصُولٍ، ولأنَّ الأصولَ لُغَةً: الأدِلَّةُ، فجَعْلُه اصطلاحًا نفسَ الأدِلَّةِ أقربُ إلى المدلولِ اللُّغَوِيِّ، ومِن هنا جَعَلَ المصنِّفُ وغيرُه الفِقْهَ: العلمَ بالأحكامِ، لا نَفْسَها؛ لأنَّه أقربُ إلى الاستعمالِ اللُّغَوِيِّ؛ إذ الفِقْهُ لغةً: الفَهْمُ، وليسَ كذلك الأصولُ، وبهذا يَنْفَصِلُ عن سؤالِ جَعْلِ الأصولِ الأدِلَّةَ، والفِقْهِ العِلْمَ بالأحكامِ.
هذا تقريرُ كلامِ المصنِّفِ، وفيه كَلِمَاتٌ:
الأُولَى: أَنَّه إنَّما يُحَدُّ اللَّقَبِيُّ، لا الإضافيُّ؛ بدليلِ أنَّه لم يُعَرِّفِ الأصولَ بمفردِهِ، وحينَئذٍ فكيفَ يَصِحُّ جَعْلُه نفسَ الأدِلَّةِ؟! فإنَّ اللَّقَبِيَّ هو ما نُقِلَ عن الإضافةِ وجُعِلَ عَلَمًا على الفَنِّ، أو صارَ عَلَمًا بالغَلَبَةِ، لا نَقْلَ فيه.
وكيفَ يَصِحُّ أنْ يَحْكِيَ فيه قَوْلًا: إنَّه معرفةُ الأدِلَّةِ، وليسَ ذلك خِلافًا مُتَوَارِدًا على مَحَلٍّ واحدٍ، بل هما طريقانِ لمقصوديْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، فمَن قَصَدَ الإضافِيَّ فَسَّرَهُ بالأدِلَّةِ، ومَن قَصَدَ اللَّقَبِيَّ فَسَّرَهُ بالعِلْمِ بها؛ ولهذا لَمَّا جَمَعَ ابنُ الحاجِبِ بينَهما عَرَّفَ اللَّقَبِيَّ بالعِلْمِ، والإضافِيَّ بالأدِلَّةِ، ومَن أَوْرَدَ عليه أنَّ أصولَ الفقهِ نفسُ تلكَ القواعدِ، لا العِلْمُ بها؛ لِثُبُوتِها في نفسِ الأمرِ، عَلِمَ بها أم لا - فقد غَفَلَ عن هذا المعنَى، ولم يَقَعْ على مُرَادِهِ؛ فإنَّه قبلَ العِلْمِيَّةِ بمعنى الأدِلَّةِ، وأمَّا بعدَه فصارَ معنى
1 / 123