بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله أجمعين زادك الله في الأدب رغبةً وللعوم محبة ووفقك للحجة ودلك على المحجة وأعانك على طلبك بالرشد وأظفرك بالغرض عند الفحص سألتني أعزك الله أن أثبت لك أبياتًا من تشبيهات الشعراء الواقعة وبدائعهم فيها الظريفة وقد تقدم الناس أعزك الله في اختيار الشعر وتمييزه غير أنهم لم يصنفوه أبوابًا وذلك أن الشعر مقسوم على ثلاثة أنحاء منه المثل السائر كقول الأخطل
فأقسم المجدُ حقًا لا يحالفهم ... حتى يحالفَ بطنَ الراحةِ العشرُ
وكقول الفرزدق
أما العدوُّ فإنا لا نلينُ له ... حتى يلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ
ومنه الاستعارة الغريبة كقول الطرماح
فقلتُ لها يا أمَّ بيضاء إنه ... هريق شبابي واستشنَّ أديمى
وكقول الحطيئة
قد ناضلوك فأبدوا من كنائنهم ... مجدًا تليدًا ونبلًا غيرَ أنكاسِ
ومنه التشبيه الواقع النادر كقول امرئ القيس في العقاب
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالِ
وكقول عديّ بن الرقاع في وصف الثور البري
تزجى أغنَّ كأنَّ إبرةَ روقهِ ... قلم أصابَ من الدواةِ مدادَها
وما خرج من هذه الأقسام الثلاثة فكلام وسط أو دون لا طائل فيه ولا فائدة معه ورأيت أجلَّ هذه الأنحاء وأصعبها على صانعها التشبيه وذلك أنه لا يقع إلا لمن طال تأمله ولف حسه وميزَ بين الأشياء بلطيف فكره وأنا أثبت لك في هذا الكتاب أبياتًا من التشبيه مختارة وأتخلل المعاني المختلفة والتشبيهات المتداولة إلى الأبيات الطريفة النادرة وأقتصر على جملة يكون لك فيها حظ ومتعة وتأدب ورياضة وأتجنب الإطالة التي يتلقاها الملالةُ وأتبع ذلك بكتاب في الأمثال وكتاب في الاستعارة وبالله الحول والقوة.
ونبتدئ على اسم الله بتشبيهات خالق الأشياء جل وعز في كتابه إنه كان أكمل شاهدٍ وأوضح حجة فمما شبه به الأشخاص المماثلة قوله ﷿ " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " وقوله ﷿ " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وقوله " كأنهن الياقوت والمرجان " " وكأنهن بيض مكنون " وقوله في تشبيه الأفعال " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " وقوله " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " ومثل هذا كثير في القرآن وبالله نستعين على كل مطلوب والعرب أيدك الله تشبه بكأنَّ كقول امرئ القيس
كأنَّ عيونَ الوحش حولَ خبائنا ... وأرحلنا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وبكمنْ كقول أوس بن حجر
فإنكما يا ابنَيْ جنابٍ وجدتما ... كنْ دبَّ يستخفي وفي الحلقِ جلجل
وبالكافِ كقوله
ونارٍ كسحرِ العودِ يرفعُ ضوءها ... مع الليلِ هباتُ الرياحِ الصواردِ
وبمثلٍ كقولِ السلامي
مثل التي يحسبها أهلها ... عذراء بكرًا وهي في التاسعِ
وبكما كقولِ كعبِ بن زهير
ولا تمسكُ بالعهدِ الذي عهدت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيلُ
وبكمثلِ وكأمثال وتخال وتظن وتكاد وما أشبهها وبإضمار أحد هذه الحروف إذا لم يتسع للشاعر إقامة الوزن بإظهاره كقوله
سموتُ إليها بعدَ ما نامَ أهلُها ... سموَّ حبابِ الماءِ حالًا على حالِ
أراد مثلَ سموِ حبابِ الماء
باب) ٢ (في
الثريا
فمن التشبيهات الحسان قول امرئ القيس في الثريا
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... تعرضَ أثناءِ الوشاحِ المفصلِ
وقد شبهها جماعةٌ من الشعراءِ فأصابوا وقاربوا فمن ذلك قول ابن الطثرية
إذا ما الثريا في السماء كأنها ... جمانٌ هوى منْ سلكهِ فتبددا
وقال آخر في هذا المعنى
إذا ما بلغتُ والثريَّا كأنها ... قلادةُ درٍ سلَّ عنها نظامها
وقال آخر
ولاحتْ لسارِيها الثريا كأنها ... لدى الجانبِ الغربي قرطٌ مسلسلُ
وقال علي بن العباس الرومي نحوه
قد ترشفتُ ريقهُ بعدَ وهنٍ ... والثريَّا بالجانبِ الغربِ قرطُ
وقال ذو الرمة يصفُ أرضًا قطعها
وردتُ اعتسافًا والثريا كأنها ... على قمةِ الراسِ ابنُ ماءٍ محلقُ
يدبُّ على آثارها دبرانُها ... فلا هو مسبوقٌ ولا هو يلحقُ
1 / 1
وقال أبو قيس بن الأسلت
وقدْ لاحَ في الصبحِ الثريَّا لمن يرَى ... كعنقودِ ملاحيةٍ حين نورا
وتبعه إبراهيم بن المهدي ووصف أرضًا قطعها فقال
خطرفتُها وثريَّا النجمِ خاضعةٌ ... كأنها في أديم الليلِ عنقودُ
وأنشد المبرد
إذا ما الثريا في السماء تعرضتْ ... يراها الحديدُ العينِ سبعةَ أنجمِ
على كبدِ الجرباء وهيَ كأنَّها ... جبيرةُ درٍّ ركبتْ فوقَ معصمِ
شبهها بالدستينجِ العريض وقال ابن المعتز
كأنَّ الثريا في أواخرِ ليلها ... تفتحُ نورٍ أو لجامٌ مفضضُ
وقال أيضًا
فناولنيها والثريَّا كأنها ... جنَى نرجسٍ حبا الندامَى بهِ الساقِي
وشبهها ابنُ الرومي بقدمٍ بيضاء فقال وذكر شعر امرأة المنسرح
تغشى غواشِيْ قرونها قدمًا ... بيضاءَ للناظرينَ مقتدرهْ
مثلَ الثريَّا إذا بدتْ سحرًا ... بعدَ غمامٍ وحاسرٍ حسرهْ
وأخذَه ابنُ المعتز وزادَ فقالَ
وأرى الثريَّا في السماءِ كأنَّها ... قدمٌ تبدتْ منْ ثيابِ حدادِ
والعربُ تسمي الثريَّا النجمَ وينشدونَ في طلوعها في الشتاء
طابَ شربُ الراحِ لما ... طلع النجمُ عشاءا
وابتغى الراعي لمشتا ... هُ من القرِّ كساءا
وقال آخرُ في طلوعها في الصيف
طلعَ النمُ غديهْ ... فابتغى الراعِي شكيهْ
وقال كعب الغنوي في الجوزاء
وقد مالت الجوزاءُ حتى كأنها ... فساطيطُ ركبٍ في الفلاةِ نزولِ
وقال ابنُ المعتز
كأنما الجوزاءُ في أعلى الأفقْ ... أغصانُ نورٍ أو وشاحٌ منْ ورق
وقال الدلفي في جملةِ الكواكبِ
إذا السماءُ روضةٌ ... نجومها كالزهرِ
والجوُّ صافٍ لمْ يكدرهُ انتشارُ النشرِ
وقال ابنُ المعتز
كأنَّ سماءنا لما تجلتْ ... خلالَ نجومها عندَ الصباحِ
رياضُ بنفسجٍ خضلٍ نداهُ ... تفتحُ بينهُ نورُ الأقاحِ
وقال امرؤ القيس
نظرتُ إليها والنجومُ كأنها ... مصابيحُ رهبانٍ تشبُّ لقفالِ
وقال ابنُ المعتز
كأنَّ نجومَ الليلِ في فحمةِ الدجى ... رؤوسُ مدارٍ ركبتْ في معاجرِ
وقال عبدُ العزيز بنُ عبد اللهِ بن طاهر
واعترضتْ وسطَ السماءِ الشعرَى ... كأنها ياقوتةٌ في مدرَى
وشبه أبو نواسٍ الدرهم بها فقال
أنعتُ صقرًا يغلبُ الصقورا ... مظفرًا أبيضَ مستديرا
تخلهُ في قدهِ العبورا
وقال آخر
يقرُّ بعيني أنْ أرى بمكانهِ ... سهيلًا كطرفِ الأخزرِ المتشاوسِ
وقال جران العودِ
أراقبُ لمحًا من سهيلٍ كأنهُ ... إذا ما بدا من آخرِ الليلِ يطرفُ
وقال البحتري
كأنَّ سهيلًا شخصُ ظمآنَ جانحٌ ... من الليلِ في نهيٍ من الأرضِ يكرعُ
وقال آخر
إذا كانت الشعرَى العبورُ كأنها ... معلقُ قنديلٍ عليهِ الكنائسُ
ولاحَ سهيلٌ منْ بعيدٍ كأنهُ ... شهابٌ ينحيه عن الريحِ قابسُ
وقال عبد الله بن المعتز
وقد لاح للسارِي سهيلٌ كأنهُ ... على كلِ نجمٍ في السماءِ رقيبُ
وقال العلوي الأصبهاني
كأنَّ سهيلًا والنجومُ أمامهُ ... يغارضُها راعٍ وراءَ قطيعِ
إذا قامَ من مرباتِهِ قلتَ راهبْ ... أطالَ انتصابًا بعدَ طولِ ركوعِ
وقال العلوي في النسرِ أي النسرِ الواقع
وركبٍ ثلاثٍ كالأثافي تعاوروا ... دجى الليلِ حتى أومضتْ سنةُ الفجرِ
إذا اجتمعوا سميتهم باسمِ واحدٍ ... وإن فرقوا لمْ يعرفوا آخرَ الدهرِ
وأنشدَ الطائي
وتبدتْ بناتُ نعشٍ فلاحتْ ... مثلَ نعشٍ عليهِ ثوبٌ جديدُ
وكانَّ الجوزاء لما استقلتْ ... وتدلتْ سرادقٌ ممدودُ
وقال العلويُّ الإصبهانيُّ
وكواكب الجوزاء تبسطُ باعها ... لتعانق الظلماء وهي تودعُ
وكأنها في الجو نعش أخي بلى ... يبكي ويوقفُ تارةُ ويشيع
وقال ابنُ المعتز في إصغاء الثريا
وقد أصغتْ إلى الغربِ الثريَّا ... كما أصغى إلى الحسِ الفروقُ
كأنَّ نجومها والفجرُ بادٍ ... لأعيننا سقيماتٌ تفيقُ
وقال ابنُ الزبيرِ الأسديُّ في ذلك
1 / 2
وقدْ خرمَ الغربَ الثريا كأنها ... بهِ رايةٌ بيضاءُ تخفضُ للطعنِ
وقال ابنُ المعتز نحوه
وقدْ هوى النمُ والجوزاءُ تتبعهُ ... كذاتِ قرطٍ أدارتهُ وقد سقطا
وله أيضًا العميق
وترومُ الثريَّا ... في الغروبِ مراما
كانكبابِ الطمرِّ ... كادَ يلقِي لجاما
وله
وقدْ سقانِي المدامَ والليلُ بالصبحِ مؤتزرْ
والثُّريَّا كنورِ غصنٍ على الغربِ منتثرْ
وقال أبو النجمِ في إصغاء الشمس للغروب
حتى إذا المسُ اجتلاها المجتلي ... بين حفافيْ شفقٍ مهولِ
فهيَ على الأفقِ كعينِ الأحولِ ... صغواءُ قدْ كادتْ ولمّا تفعلِ
وقال أيضًا
صبَّ عليهِ قانصٌ لما غفلْ ... والشمسُ كالمرآةِ في كفِّ الأشلْ
وقال العلوي الأصبهاني
ومجلسِ شربٍ جئتهُ متطربًا ... عشاءُ وعينُ الشمسِ في الأفقِ تنعسُ
وقال ابنُ الرومي في هذا المعنى
كأنَّ جنوحَ الشمسِ ثمَّ غروبها ... وقدْ جعلتْ في مجنحِ الليلِ تمرضُ
تخاوصُ عينٍ من أجفانَها الكرى ... يرنقُ فيها النومُ وهيَ تغمضُ
وقال ابنُ المعتز
تظلُّ الشمسُ ترمقنا بلحظٍ ... مريضٍ مدنفٍ من خلفِ سترِ
تحاولُ فتقَ غيمٍ وهو يأبَى ... كعنينٍ يريدُ نكاحَ بكرِ
وفي طلوع الشمس من خلال السحاب يقول ابن الرومي
واليومُ مدجونٌ فحرتُهُ ... فيه بمطلعٍ ومحتجبِ
ظلتْ تساترُنا وقدْ بعثتْ ... ضوءَ يلاحظنا بلا لهبِ
وقال ذو الرمة يصف امرأة
تريك بياضَ لمتها وجههًا ... كقرنِ الشمسِ أفتقَ ثم زالا
أصابَ خصاصةً فبدا كليلًا ... كلا وانغلَّ سائرهُ انغلالا
وقال ابن الرومي في غروب الشمس
إذا رتقتْ شمسُ الأصيل ونفضتْ ... على الأفقِ الغربيِّ ورسًا مزعزعا
وودعتِ الدنيا لتقضِي نحبها ... وشولَ باقِي عمرها وتشعشعا
ولاحظت النوارَ وهي مريضةٌ ... وقدْ وضعتْ خدًا على الأرضِ أضرعا
كما لاحظتْ عوادهُ عينُ مدنفٍ ... توجعَ من أوصابهِ ما توجعا
وظلتْ عيونُ النورِ تخضلُ بالندَى ... كما أغرورقتْ عينُ الشجيِّ لتدمعا
وبينَ إغماءُ الفراقِ عليهما ... كأنهما خلاّ صفاءٍ تودعا
وقال آخر في دارةِ الشمس
والشمسُ معرضةٌ تمورُ كأنّها ... ترسٌ يقبلهُ كميٌّ رامحُ
وقال ابن المعتز في الهلال
ما ذقتُ طعم النوم لوْ تدرِي ... كأنَّ أحشائي على جمرِ
من قمرٍ مستبرقٍ نصفهُ ... كأنهُ محرقةُ العطرِ
وقال أيضًا
أهلًا بفطرٍ قدْ أنارَ هلالهُ ... فالآنَ فاغدُ على المدامِ وبكرِ
وانْظرْ إليهِ كزورقٍ من فضةٍ ... قدْ أثقلتهُ حمولةٌ منْ عنبرِ
وقال آخرُ
وقدْ لاحَ ضوءُ البدرِ آخرَ ليلةٍ ... على قمةٍ كأنهُ نصفُ دملجِ
وقال ابن المعتز
في ليلةٍ أكل المحاقُ هلالها ... حتى تبدَّى مثلَ وقفِ العاجِ
وأنشدنا ثعلب المتقارب
كأنَّ ابنَ مزنتها جانًا ... فسيطٌ لدى الأفقِ من خنصرِ
وقال ابن المعتز
وجاءني في قميصِ الليلِ مستترًا ... يستعجلُ الخطوَ منْ خوفٍ ومنْ حذرِ
ولاحَ ضوءُ هلالٍ كادَ يفضحهُ ... مثل القلامةِ قد قدتْ من الظفرِ
وقال أيضًا
إذا الهلالُ فارقتهُ ليلتهْ ... صارَ لمنْ يبصرُ وينعتهْ
كأنهُ أسمرُ شابتْ لحيتهْ
وقال العلوي الأصبهاني
ما للهلالِ ناحلًا في المغربِ ... كالنونِ قد خطتْ بماءٍ مذهبِ
وقال الناجم
وعاذلٍ وسخَ إسمي وقدْ ... لامَ سحيرًا أيَّ توسيخِ
قلتُ لهُ للراحِ أنبهتنِي ... فهاتها وأغرَ بتوبيخِ
والبدرُ قدْ قابلنِي طالعًا ... كأنَّها حزةُ بطيخِ
وضمخَ الحائطَ جاديهُ ... لما تعالى أيَّ تضميخِ
وأنشدني أبو العسكرِ
وقومٍ همُ كانوا ملوكًا هديتهمْ ... ببيداءَ لا يبدو بها ضوءُ كوكبِ
ولا قمرٌ إلا صغيرًا كأنهُ ... قلامةُ أظفورِ الفتاةِ المخضبِ
باب) ٣ (في
وضوح الصبح
ومن حسن التشبيه في وضوح الصبح قول ذي الرمة
1 / 3
وقدْ لاحَ للسارِي الذي كملَ السرَى ... على أخرياتِ الليلِ فتقٌ مشهرُ
كمثلِ الحصانِ الأنبطِ البطنِ قائمًا ... تمايل عنهُ الجلُّ واللونُ أشقرُ
وشبه اختلاط الضوء بالظلمةِ بالفرسِ الأنبط وهو الأبيض البطن وقال ابن المعتز
وساقٍ يجعلُ المنديلَ منهُ ... مكانَ حمائلِ السيفِ الطوالِ
غدا والصبحُ تحتَ الليلِ بادٍ ... كطرفٍ أشقرٍ ملقي الجلالِ
وأنشد أبو الفرح
باتا بأنعمِ ليلةٍ حتى بدا ... صبحٌ تبينَ كالأغرِّ الأشقرِ
فتلازما عندَ الفراقِ صبابةً ... أخذ الغريمِ بفضلِ ثوبِ المغفرِ
ومن التشبيهات الأندلسية قول أبي يوسف الرمادي
وليلة أنسٍ قد أنرنا ظلامَها ... بأنجمِ راحٍ تستنيرُ فترشفُ
إلى أنْ بدا ضوءُ الصباحِ كأنما ... تحملَ لقمانُ وأقبلَ يوسفُ
وقال حميدُ بن ثور
وترى الصباحَ كأنَّ فيه مصلتًا ... للسيفِ يحملهُ حصانٌ أشقرُ
وقال ابن المعتز
وما راعنا إلا الصباحُ كأنهُ ... جلالُ قباطيٍّ على سابحٍ وردِ
وقال ذو الرمة
كأنَّ عمودَ الصبحِ جيدٌ ولبةٌ ... وراء الدجى منْ حرةِ اللونِ حاسرِ
وقال ابنُ المعتز
والصبحُ يتلو المشترِي فكأنهُ ... عريانُ يمشي في الدجى بسراجِ
وقال العلوي الأصبهاني
والفجر في صفو الهواء موردٌ ... مثل المدامةِ في الزجاجِ تشعشعُ
وله أيضًا
كأنَّ انجلاءَ الليلِ عنْ وجهِ صبحهِ ... نصولُ خضابٍ كانَ سترَ نصوعِ
وقال ذو الرمة في حسن الاستعارة
أقامتْ بهِ حتى ذوَى العودُ في الثرَى ... وجرَّ الثريا في ملاءتهِ الفجرُ
وقال أبو نواس
فقمت والليلُ يجلوهُ الصباحُ كما ... جلا التبسمُ عنْ غرِّ الثنياتِ
وقال ابن المعتز
لاما تعرى أفقُ الضياءِ ... مثلَ ابتسامِ الشفةِ اللمياء
وقال ابنُ الرومي في سوداء المنسرح
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تعرى دجاهُ عنْ فلقِ
وقال الطائي
أمسى ابتسامك والألوانُ كاسفةٌ ... تبسمَ الصبحِ في داجٍ من الظلمِ
وقال ابن المعتز
قد أغتدي على الجياد الضمرِ ... والصبحُ قدْ أسفرَ أو لم يسفرِ
حتى بدا في ثوبهِ المعصفرِ ... ونجمهُ مثل السراجِ الأزهرِ
كأنهُ غرةُ مهرٍ أشقرِ
وقال أبو نواس
قدْ أغتدِي والصبحُ في دجاهُ ... كطرةِ البردِ على مثناهُ
وقال ابن المعتز
حتى بدا ضوءُ صباحٍ فالقِ ... مثل تبدِي الشيب في المفارقِ
وقال الشمرذل بن شريك
ولاحَ ضوءُ الصبحِ فاستبينا ... كما رأيتَ المفرقَ الدهينا
وقال آخر
إذا ما الليلُ كان الصبحُ فيه ... أشقَّ كمفرقِ الرأسِ الدهين
وقال ابن المعتز
حتى بدا الإصباحُ منْ نقابِ ... كما بدا المنصلُ من قرابِ
وقال أيضًا
وقد رفع الفجرُ الظلمَ كأنهُ ... ظليمٌ على بيضٍ تكشفَ جانبهُ
وقال أبو نواس
لما تبدى الصبحُ من حجابهِ ... كطلعةِ الأشمطِ منْ جلبابهِ
وقال ابن المعتز
حتى بدا الصبحُ من الحجابِ ... كشيبةٍ حلتْ على شبابِ
وقال أيضًا
لما انجلَى ضوءُ الصباح وفتقْ ... تجليَ الصفوةِ من تحتِ الرنقْ
وقال أبو نواس
قد اغتدي والليلُ في حريمهِ ... معسكرًا في الزهرِ من نجومهِ
والصبحُ قد نشمَ في أديمهِ ... يدعهُ بكنفيْ حيزومهِ
دع الوصيِّ في قفا يتيمهِ
وقال ابن المعتز
قد أغتدي والليلُ في إهابهِ ... كالحبشيِّ فرَّ منْ أصحابهِ
والصبحُ قدْ كشفَ عنْ أنيابهِ ... كأنهُ يضحكُ من ذهابهِ
وله أيضًا
أما الظلامُ فحين رقَّ قميصهُ ... وارَى بياضَ الصبحِ كالسيفِ الصدِي
وقال أيضًا
ولقدْ قفوتُ الغيثَ ينطفُ دجنهُ ... والصبحُ ملتبسٌ كعينِ الأشهلِ
وقال أيضًا المنسرح
أما ترى الفجر تحت ليلتهِ ... كموقدٍ باتَ ينفخُ الفحما
ووصف خيلًا فقال
فوردتْ قبلَ الصباحِ المغتدِي ... والأفق الغربيُّ ذو التوردِ
كأنهُ أجفانُ عينِ الأرمدِ
وله أيضًا
حتى رأيتُ الليل في الآفاقِ مسودَّ الذوائبْ
1 / 4
وكأنهُ لما تبدَّى في المشارقِ خطُّ شارِبْ
وقال الطائي في سواد الليل
إليك هتكنا جنحَ ليلٍ كأنهُ ... قد اكتحلتْ منهُ البلادُ بإثمدِ
وقال أبو نواس
أبنْ لي كيفَ صرتَ إلى حريمي ... وجفنُ الليلِ مكتحلٌ بقارِ
وقال آخر
وألقَى الليلُ كلكلهُ عليهِ ... كأنَّ سوادهُ لونُ المدادِ
وقال عبدُ الصمدِ بنُ المعذلِ وهو من حسن الاستعارة المتقارب
أقولُ وجنحُ الدجى ملبَدٌ ... ولليلِ في كلِّ فجٍ يدُ
وقال ذو الرمة
ودويةٍ مثل السماء اعتسفتها ... وقدْ صبغَ الليلُ الحصى بسوادِ
وقال أيضًا
ألمتْ بنا والليلُ داجٍ كأنهُ ... جناحا غرابٍ عنهُ قد نفضا القطرا
وقال ابنُ المعتز
يا ربَّ ليلٍ كجناحِ الناعقِ ... قد خضتهُ قبلَ طلوعِ الشارقِ
وقال أيضًا
يا ربَّ ليلٍ اسودِ الجلبابِ ... ملتحفٍ بخافقي غرابِ
وقال ذو الرمة
وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعتهُ ... بأربعةٍ والشخصُ في العينِ واحدُ
احمُّ علافيٌّ وأبيضُ صارمٌ ... وعيسُ مهريٌّ وأروعُ ماجدُ
وقال البحتري نحوه
يا خليليَّ بالهواجرِ منْ معنِ ... بنِ عوفٍ وبحترِ بن عتودِ
اطلبا ثالثًا سوايَ فإني ... رابعُ العيسِ والدجى والبيدِ
باب) ٤ (في
الحرباء
ومن حسن التشبيه بالحرباء قول ذي الرمة يصف أرضًا
ودويةٍ جرداء جداءَ جثمتْ ... بها هبواتُ الصيفِ منْ كلِ جانبِ
كأنَّ يديْ حربائها متشمسًا ... يدا مذنبٍ يستغفرُ الله تائبِ
الحرباء دويبة شبيهة بالعظاءة تأتي شجرة تعرف بالتنضبة وما أشبهها من ذوات الأغصان فتمسك بيديها غصنين من الشجرة وتقابل بوجهها عين الشمس وكلما زالت عين الشمس عن ساق خلت الحرباء يدها عنه وأمسكت بساق آخر حتى تغيب الشمس ثم تستخفي وعلى ذلك قول أبي دؤادٍ الإيادي
أنَّى ايتحَ لها حرباءُ تنضبةٍ ... لا يرسلُ الساقَ إلا ممسكًا ساقا
وقال ابن الرومي في قينةٍ
ما بالها قدْ حسنتْ ورقيبُها ... أبدًا قبيحٌ قبحَ الرقباءُ
ما ذاك إلا أنها شمسُ الضحى ... أبدًا يكونُ رقيبها الحرباءُ
وقال ذو الرمةِ
وقد جعل الحرباءُ يصفرُّ لونهُ ... وتخضرُّ من حرِ الهجيرِ غباغبهْ
ويشبحُ بالكفينِ حتى كأنهُ ... أخو فجرةٍ عالَى بهِ الجذعَ صالبُهْ
وقال عبد الله بن المعتز
ومهمهٍ فيه بيضاتُ القطا كسرًا ... كأنها في الأفاحيصِ القواريرُ
كانَّ حرباءهُ والشمسُ تصهرُهُ ... صالٍ دنا من لهيبِ النارِ مقرورُ
ومن حسن الاستعارة فيه قول ذي الرمة
يصلي بها الحرباءُ للشمسِ ماثلاُ ... على الجذعِ إلا أنهُ لا يكبرُ
إذا حولَ الظلَّ العشيُّ رأيتهُ ... حنيفًا وفي قرنِ الضحى ينتصرُ
خبرَ أنه يدور بإزاء الشمس حيث دارت وقال البحتري في بابك وقد صلب
مستشرفًا للشمسِ منتصبًا لها ... في أخريات الجذعِ كالحرباء
باب) ٥ (في
المصلوب
وقد شبهت الشعراء المصلوب فأكثروا فمن أحسن ما قيل في ذلك ما أنشدناه من قول أبي كبر محمد بن عبد الله الأخيطل الواسطي المعروف ببرقوقاء في وصفه يوم الفراق
كأنه عاشقٌ قد مد بسطته ... يوم الوداعِ إلى توديعِ مرتحلِ
أو قائمٌ من نعاسٍ فيه لوثتهُ ... مداومٌ لتمطيه من الكسل
وقال الطائي في بابك
أهدى لمتنِ الجذعِ متنيهِ كذا ... منْ عافَ متنَ الأسمرِ العسالِ
سامٍ كأنَّ الجذعَ يجذبُ ضبعهُ ... وسموهُ من ذلةٍ وسفالِ
لا كعبَ أسفلُ موضعًا منْ كعبهِ ... مع أنهُ عن كلِ كعبٍ عالِ
وقال ابنُ الرومي
كنَّ لهُ في الوِ حبلًا يبوعهُ ... إذا ما انقضى حبلٌ أتيحَ له حبلُ
يعانقُ أنفاسَ الرياحِ بسحرةٍ ... وداعَ رحيلٍ ما يخطُّ لهُ رحلُ
وقال الطائي
ولقدْ شفَى الأحشاءَ من برحائِها ... أنْ صارَ بابكُ جارَ مازيارِ
وفي المفتاحِ بعد قوله: ولقد شفى:
ثانيهِ في كبدِ السماءِ ولمْ يكنْ ... كاثنينِ ثانٍ إذْ هما في الغارِ
سودُ اللباسِ كأنما نسجتْ لهمْ ... أيدِي السمومِ مدارعًا من قارِ
1 / 5
بكروا وأسروا في متونِ صوافنٍ ... قيدتْ لهم من مربطِ النجارِ
لا يبرحونَ ومنْ رآهمْ خالهمْ ... أبدًا على سفرٍ من الأسفارِ
ومما يتبعُ هذا في الاستعارة قول مسلم
ورأس مهرانَ قد ركبتَ قلتهُ ... لدنًا كفاهُ مكانَ الليتِ والجيدِ
ما زالَ يعنفُ بالنعمى ويغمطُها ... حتى استقلَّ بهِ عودٌ على عودِ
وضعتهُ حيثُ ترتابُ الريحُ به ... وتحسدُ الطيرَ فيه أضبعُ البيدِ
تغدو السباعُ فترميهِ بأعينها ... تستنشقُ الجو أنفاسًا بتصعيدِ
وقال الخزيمي
وعصبةٍ أصبحوا ركبًا على خشبٍ ... منصوبة قد رسا في الأرضِ راسيها
مجردينَ سوى ما كانَ منْ أزرٍ ... ما يرتجى خلفٌ يومًا لمبليها
وقال الآخرُ في
قائمٌ قاعدٌ بفيهِ شريطْ ... كالحُ الوجهِ ظاهرُ الأضراسِ
باسطٌ باعهُ بغيرِ عناقٍ ... مائلٌ رأسهُ بغيرِ نعاسِ
وقال ابن الرومي
كمْ بأرضِ الشآمِ غادرتَ منهمْ ... غابرًا موفيًا على أرضِ نجدِ
يلعبُ الدستبندَ فردًا وإنْ كا ... نَ بهِ شاغلٌ عنِ الدستبندِ
وأنشد المبردُ له
قام ولما يستعنْ بساقهِ ... آلفَ مثواهُ على فراقهِ
كأنهُ في الشبحِ منْ وثاقهِ ... رأى حبيبًا همَّ باعتناقهِ
كأنه يضحكُ من أشداقهِ
وقال ابنُ المعتز
أرانيكَ الإلهُ قرينَ جذعٍ ... يضمكَ غيرَ ضمِ الالتزامِ
كلوطيٍّ لهُ أيرٌ طويلٌ ... يفخذُ للمؤاجرِ من قيامِ
وقال إبراهيمُ بن المهدي
كأنهُ شلوُ كبشٍ والهواءُ لهُ ... تنورُ شاويةٍ والجذعُ سفودُ
وقال دعبلٌ
لمْ ترعيني مثلَ صفِّ الزطِّ ... خمسينَ منهمْ صلبوا في خطِ
كأنما غمستهمْ في نفطِ
وأفرد واحدًا فقال:
... ... كأنهُ في جذعهِ المشتطِّ
أخو نعاسٍ جدَّ في التمطي ... قدْ خامرَ النومَ ولمْ يغطِّ
وأحسن ما قيل في ذلك قول بعض الأعراب
وكأنهُ رأسٌ برأسِ تنوفةٍ ... ناطتْ عصاهُ يداهُ بالأكتافِ
باب) ٦ (في
الفرس
ومن التشبيهات الجياد في صفة الفرس قول امرئ القيس
وقد أعتدي والطيرُ في وكناتها ... بمنجردٍ قيدِ الأوابدِ هيكلِ
مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا ... كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ من علِ
فوصفهُ بالسرعةِ في العدوِ والظفرِ عند الطلب وقال عبد الله بن المعتز في سرعة الفرس
أسرعُ من ماءٍ إلى تصويبِ ... ومنْ رجوعِ لحظةِ المريبِ
وقال آخرُ وهو عليُّ بن الجهم
فوقَ طرفٍ كالطرفِ في سرعةِ الطرْ ... فِ وكالقلبِ قلبهُ في الذكاءِ
لا تراهُ العيونُ إلا خيالًا ... وهو مثلُ الخيالِ في الانطواء
ووصف ابن القريةِ فرسًا أهداهُ الحجاجُ إلى عبدِ الملك فقال قد وجهت بفرس حسن القد أسيل الخد يسبق الطرف ويستغرق الوصف وقيل لأعرابي كيف عدو فرسكَ قال يعدو ما وجد أرضًا وللشعراء في وصف الفرس أشعار كثيرة منهم أبو دؤاد الإيادي والنابغة والجعدي والأسعر الجعفي ومزرد وسلامة بن جندل وطفيل الغنوي وغيرهم من القدماء والمحدثين ولمن بينهم، ولكن الشرط في ما بينته في هذا الكتاب اختيار نوادر التشبيهات دون الأوصاف والاستعارات وما جاء في ذكر هذا الباب كثير ولو قصدنا تبويب الأبواب لبطل الشرط في التشبيه وزال حسن الاختيار واختلط الغث بالسمين والبارد بالحار وبالله نثق ونستعين قوله: قيد الأوابدِ هيكل: فالأوابد كل ما تأبد أي توحش من بقر الوحش والظباء وغيرهما واحدتها آبدة ومنه قولهم: لقد جئت بآبدة من الكلام أي بوحشيته، فأخبر أنه أدركها فصار كالقيد لها وفي الظفر بالصيد يقول في قصيدة أخرى
إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتنا الصيد نحطبِ
وقال عمارة بن عقيل يذكر فرسًا
وأرى الوحش في يمنيي إذا ما ... كانَ يومًا عنانهُ في شمالي
وقال أبو نواس في مثل هذا من الثقة
قدْ أغتدِي والطيرُ في مثواتها ... بأكلبٍ تمرحُ في قداتِها
تعدُّ عينَ الوحشِ منْ أقواتِها
وقال الشماخُ
قليلُ التلادِ غيرَ قوسٍ وأسهمٍ ... كأنَّ الذي يرمَى من الوحش تارزُ
1 / 6
أي جامدٌ باردٌ والهيكل البيت ويشبه الفرس به إذا كان ضخمًا وعلى ذلك قول البحتري
كالهيكل المبنيِّ إلا أنهُ ... في الحسنِ جاء كصورةٍ في هيكلِ
وقال امرؤ القيس المتقارب
وأركبُ في الروعِ خيفانةً ... كسا وجهها سعفٌ منتشر
الخيفانة الجرادة ويقال للطويلة القوائم ة اللحم من إناث الخيل خيفانة وذلك يحمد فيها.
لها حافرٌ مثل قعبِ الوليدِ ركبَ فيه وظيفٌ عجرْ
أراد أن حافرها مقعب وهو أثبتُ لها وعلى ذلك بيتُ ابن الخرع:
لها حافرٌ مثل قعبِ الوليدِ يتخذُ الفأرُ فيه مغارا
والوظيف ما بين الرسغ إلى الركبة:
لها عجزٌ كصفاةِ المسيلِ أبرزَ عنها جحافٌ مضرْ
يقال سيلٌ حجافٌ وجرافٌ إذ اجتحف كل شيء وبذلك سميت الجحفة لأن سيلًا في الجاهلية اجتحفها:
لها ذنبٌ مثلُ ذيلِ العروسِ ... تسدُّ بهِ فرجها من دبرْ
ذيل العروسِ مجرور لأنها أخفر ما تكون تلك الليلة:
لها جبهةٌ كسراةِ المجنِّ حذفهُ الصانعُ المقتدرْ
المدنُّ الترس أرادَ أن جبهتها عريضة:
إذا أقبلتْ قلتَ دباءةٌ ... من الخضرِ مغموسةٌ في الغدر
أراد أنها ملساء مثل الدباء وهي القرعة ودقةُ المقدم محمودة في إناث الخيل ولذلك شبهوها بالسلاءة لدقة مقدمها:
وإن أعرضتْ قلتَ سرعوفةٌ ... لها ذنبٌ خلفها مسبطر
السرعوفة الجرادة شبهها لخفتها:
وإنْ أدبرتْ قلتَ أثفيةٌ ... ململمةٌ ليسَ فيها أثرْ
وتعدو كعدوِ نجاء الظبا ... ءِ أخطأها الحاذقُ المقتدرْ
ومما يجمع حسن التشبيه وحسن الاستعارة وبراعة المعنى أبيات الطائي يصف فيها فرسًا حمله عليه الحسن بن وهب تحسن باتصال نظمها ووصفها ولو فككنا أبيات التشبيه من الأبياتِ التي تدل عليها أو تشير إليها منها ومن غيرها مما نسق نظمهُ لجاء البيت مبتورًا منقطعًا ولقلت الفائدة فيه وضاقت المتعة منه وغرضنا في ما نثبته نوادر التشبيه فإذا اتصل بيت التشبيه بما يليه ذكرناه إذا كان يدل عليه وإذا كان قائمًا بنفسه ولم يخلط به سواه وكذلك إن جاء الشيءُ لا تشبيه فيه متشاكلًا بمعنى ما فيه حرف التشبيه ذكرناه معه وأضفناه إليه: قال الطائي المنسرح
نعم متاعُ الدنيا حباكَ به ... أروعُ لا حيدٌ ولا جبسُ
أصفرُ منها كأنهُ محةُ ال ... بيضةِ صافٍ كأنهُ عجسُ
هاديه جذعٌ منَ الأراكِ وما ... خلفَ الصلا منهُ صخرةٌ جلسُ
يكادُ يجري الجاديُّ من ماءِ عط ... فيهِ ويجنى من متنهِ الورسُ
هذبَ في جنسهِ وحازَ المَدَى ... بنفسهِ فهوَ وحدهُ جنسُ
ضمخَ منْ لونهِ فجاءَ كأنْ ... قدْ كسفتْ في أديمهِ الشمسُ
قوله: فهو وحده جنس: أراد أن نسله ينسب إليه دون غيره لنجابته كما يقال هذا الفرس من نسل ذي العقال وأشقر مروان وما أشبهها وقال رسول الله ﷺ لأصحابه: " إتبعوني تكونوا أبياتًا أو بيوتًا ": قال وآل أبي بكر يقال لهم البكريون ولا يقال لهم التيميون وآل عمر يقال لهم العمريون دون العدويين وقوله: صافٍ كأنهُ عجسُ: والعجس مقبض القوس وإنما صفا وحسن لكثرة وقوعِ اليد عليه وقال البحتري في فرس أشقر
شيةٌ تخدع العيونَ ترى أ ... نَّ عليهِ منها سحالةَ تبرِ
صبغةُ الأفقِ بين آخرِ ليلٍ ... منقضٍ شأنهُ وأولِ فجرِ
وقال ابن المعتز في فرس كميت
وقارحٍ أربعةٌ أضواؤهُ ... كأنما من جلدهِ عشاؤهُ
وقال البحتري
أراجعتي يداكَ بأعوجيٍّ ... كقدحِ النبعِ في الريشِ اللؤامِ
بأدهمَ كالظلامِ أغرَّ يجلو ... بغرتهِ دياجيرَ الظلامِ
ترى أحجالهُ يصعدنَ فيهِ ... صعودَ البرقِ في الغيمِ الجهامِ
قوله: كقدحِ النبعِ: أراد سهمًا وشبههُ به لملاسته وضموره كما قال جرير
وطوى الطراد مع القياد متونها ... طيَّ التجارِ بحضرموتَ برودا
وقال الأسعر يصف خيلًا مجتمعةً
يخرجنَ من خللِ الغبارِ عوابسًا ... كأصابعِ المقرورِ أقعى فاصطلى
المقرورُ إذا اصطلى جمع أصابعه ولم يفرقها وقال ابن المعز
وخيلٍ طواها القود حتى كأنها ... أنابيبُ سمرٌ منْ قنا الخطِّ ذبلُ
صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيدٍ سراعٌ وأرجلُ
1 / 7
ومثله قوله في فرس
أضيعُ شيءٍ سوطهُ إذْ يركبهْ
وتشبيهه إياها بالأنابيب تشبيه قديم متعاورٌ ونحوهُ قول أبي دؤادٍ المتقارب
وقدْ أغتدي في بياضِ الصباحِ ... وأعجازِ ليلٍ مولي الذنبْ
بطرفٍ ينازعني مرسنًا ... سلوفِ المقادةِ محضِ النسبْ
إذا قيدَ قحمَ منْ قادَهُ ... وولتْ علابيهُ واجلعبْ
كهزِّ الرديني بينَ الأكفِ ... جرى في الأنابيبِ ثمَّ اضطربْ
وقال الطائي يذكر فرسًا
إنْ زارَ ميدانًا سبى أهلهُ ... أو ناديًا قام إليهِ الجلوس
ترى رزانَ القومِ قدْ اسمجتْ ... عيونهم من حسنهِ وهي شوسْ
كأنما لاحَ لهمْ بارقٌ ... في المحلِ أو زفتْ إليهمْ عروسْ
سامٍ إذا استعرضتهُ زانهُ ... أعلى رطيبٌ وقرارٌ يبيسْ
كأنما خامرهُ أولقٌ ... أو غازلتْ هامتهُ الخندريسْ
عوذهُ الحاسدُ ضنًا بهِ ... ورفرفتْ خوفًا عليهِ النفوسْ
وقال البحتري وكان وصافًا للخيل
أما الجوادُ فقدْ بلونا يومهُ ... وكفى بيومٍ مخبرًا عن عامهِ
جارَى الجيادَ فطارَ عنْ أوهامها ... سبقًا وكادَ يطيرُ عنْ أوهامهِ
جذلانُ تلطمهُ جوانبُ غرةٍ ... جاءتْ مجيء البدرِ عندَ تمامهِ
واسودَّ ثمَّ صفت لعينيْ ناظرٍ ... جنباتهُ فأضاء في إظلامهِ
مالت نواحي عرفهِ فكأنها ... عذباتُ أثلٍ مالَ تحتَ حمامهِ
ومقدمُ الأذنين تحسبُ أنهُ ... بهما يرى الشخصَ الذي لأمامهِ
وكأنَّ فارسهُ وراءَ قذالهِ ... ردفْ فلستَ تراهُ منْ قدامهِ
لانتْ معاطفهُ فخيلَ أنهُ ... للخيزرانِ مناسبٌ لعظامهِ
في شعلةٍ كالشيبِ مر بمفرقيْ ... غزلٍ لها عنْ شيبهِ بغرامهِ
وكأنَّ صلتهُ إذا استعلَى بها ... رعدٌ يقعقعُ في ازدحامِ غمامهِ
مثلَ الغرابِ مشى يبارِي صحبهُ ... بسوادِ صبغتهِ وحسنِ قوامهِ
والطرفُ أجلبُ زائرٍ لمؤونةٍ ... ما لمْ تزرهُ بسرجهِ ولجامهِ
وقال ابن المعتز
قدْ أغتدي والصبحُ كالمشيبِ ... بقارحٍ مسومٍ يعبوبِ
ذي أذنٍ كخوصةِ العسيبِ ... أو آسةٍ أوفتْ على قضيبِ
وأنشد العماني الراجز الرشيد في صفةِ الفرس
كأنَّ أذنيه إذا تشوفا ... قادمةً أو قلما محرفَا
فعلم من حضر أنه قد لحنَ ولم يهتدوا لإصلاحه فقال الرشيد قلْ:
تخالُ أذنيهِ إذا تشوفا
وقال عديُّ بنُ زيد في فرس المتقارب
له عنقٌ مثلُ جذعِ السحو ... قِ والأذنُ مصغيةٌ كالقلمْ
وذكر المبرد أن جريرًا قال دخلت على الوليد بن عبد الملك ببن مروان وابن الرقاع ينشده داليته فلما بلغ إلى قوله
تزجِي أغنَّ كأنَّ إبرةَ روقهِ
قلتُ في نفسي وقع والله الشيخ من أين له كأن فلما قال
قلمٌ أصابَ من الدواةِ مدادها
حسدتهُ فخرجت ولم أنشد شيئًا وقال البحتري
وأغرَّ في الزمنِ البهيمِ محجلٍ ... قدْ رحتُ منهُ على أغرَّ محجلِ
كالهيكلِ المبنيّ إلا أنهُ ... في الحسنِ جاء كصورةٍ في هيكلِ
ذنبٌ كما سحبَ الرداءُ يذبُّ عنْ ... عرفٍ وعرفٌ كالقناعِ المسبلِ
جذلانَ ينفضُ عذرةً في غرةٍ ... يققٍ تسيلُ حجولها في جندلِ
كالرائحِ النشوانِ أكثرُ مشيهِ ... عرضًا على النسقِ البعيدِ الأطولِ
تتوهمُ الجوزاءَ في أرساغهِ ... والبدرُّ غرةُ وجههِ المتهللِ
صافِي الأديمِ كأنما عنيتْ بهِ ... لصفاءِ نقبتهِ مداوسُ صيقلِ
وكأنما نفضتْ عليهِ صبغتها ... صهباءُ للبردانِ أو قطربلِ
وتخالهُ كسيَ الخدودَ نواعمًا ... مهما تواصلها بالحظٍ تخجلِ
وتراهُ يسطعُ في الغبارِ لهيبهُ ... لونًا وشدًا كالحريقِ المشعلِ
هزجُ الصهيلِ كأنَّ في نغماتهِ ... نبراتُ معبدِّ في الأولِ
ملكَ العيونَ فإنْ بدا أعطينهُ ... نظرَ المحبِّ إلى الحبيبِ المقبلِ
وقال ابن الزيات في البرذون الذي أخذه من الواثق
وكأنَّ سرجك إذْ علاك غمامةٌ ... وكأنما تحتَ الغمامةِ كوكبُ
وغدوتَ طنانَ اللجامِ كأنما ... في كلِّ عضوٍ منكَ صنجٌ يضربُ
وقال ابن المعتز
1 / 8
وبلدةٍ ليستْ بذاتِ نيقِ ... قصرتها بقارحٍ صدوقِ
نعم رفيقُ السفرِ منْ رفيقِي ... يقذفُ بالرجلِ حصى الطريقِ
كأنهُ رامٍ بلا تحقيقِ
وله أيضًا
قدْ أغتدِي بقارِحٍ ... مسومٍ يعبوبِ
ينفي الحصى بحافرٍ ... كالقدحِ المكبوبِ
وضحتْ غرتهُ ... في موضعِ التقطيبِ
وقال البحتري يستهدي ابن حميد فرسًا
فأعنْ على غزوِ العدوِّ بمنطوٍ ... أحشاؤهُ طيَّ الكتابِ المدرجِ
إمَّا بأشقرَ ساطعٍ أغشَى الوغا ... منهُ بمثلِ الكوكبِ المتأججِ
متسربلٍ شيةً طلتْ أعطافهُ ... بدمٍ فما يلقاكَ غيرَ مضرجِ
أوْ أدهمٍ صافِي الأديمِ كأنهُ ... تحتَ الكميِّ مظهرٌ بيرندجِ
ضرمٍ يهيجُ السوطُ منْ شؤبوبهِ ... هيجَ الجنائبِ من حريقِ العرفجِ
خفتْ مواقعُ وطئهِ فلو أنهُ ... يجري برملةِ عالجٍ لمْ يرهجِ
أو أشهبٍ يققٍ يضيءُ وراءهُ ... متنٌ كمتنِ اللجةِ المترجرجِ
تخفَى الحجولُ ولوْ بلغنَ لبانهُ ... في أبيضٍ متألقٍ كالدملجِ
أوفى بعرفٍ أسودٍ متفردٍ ... فيما يليه وحافرٌ فيروزجي
أو أبلقٍ يأتي العيونَ إذا بدا ... من كلِّ لونٍ معجبٍ بنموذجِ
أرمي بهِ شوكَ القنا وأردهُ ... كالسمعِ أثر فيهِ شوك العوسجِ
وأهدى العباس بن جرير إلى المتوكل برذونًا فقي يوم سعانين وكتب إليه بقصيدة فيها الهزج
وعندي لكَ برذونٌ ... كضوء النجمِ في النورِ
له سالفتا ظبيٍ ... من القناصِ مذعور
إذا ضاحبهُ أوفى ... بمتنٍ منهُ مضبورِ
وجاشتْ نفسهُ خلتَ ... بهِ لسعةَ زنبورِ
عليهِ نقطٌ سودٌ ... كمسكٍ فوقَ كافورِ
وقال ابن المعتز يصف حمارًا وأتنًا الهزج
رعى شهرينِ بالديرينِ قبًا كالطواميرِ
يقلبنَ إلى الذعرِ ... عيونًا كالقواريرِ
وآذانًا سميعاتٍ ... كأنصافِ الكوافيرِ
كأنَّ الأرضَ تلقاها ... باذنابِ الزنابيرِ
وقال آخر في فرسٍ
جاء كلمعِ البرقِ جاشَ ماطره ... تسبحُ أولاهُ ويطغو آخره
فما يمسُّ الأرضَ منهُ حافره
وقال خلف الأحمر في ثور
وكأنما جهدتْ أليتهُ ... ألا تمسَّ الأرضَ أربعهُ
وقال آخر في الكلاب
كأنما يرفعنَ ما لا يوضعُ
وقال ابنُ المعتز
ولقد أغتدي على طرفِ اللي ... لِ بذي ميعةٍ كميتٍ مطارِ
بللَ الركضُ جانبيهِ كما فا ... ضتْ بكفِّ النديمِ كأسُ العقارِ
وقال آخر في فرسٍ عرقٍ
كأنهُ والطرفُ منهُ سامِ ... مشتملٌ جاء من الحمامِ
وأهدى البحتري إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان فرسًا وكتب إليه
ماذا ترى في مدمجٍ عبلِ الشوى ... منْ نسلِ أعوجَ كالشهابِ اللائحِ
لا تربهُ الجذعُ الذي يعتاقهُ ... وهنُ الكلالِ وليسَ كلَّ القارحِ
يختالُ في شيةٍ يموجُ ضياءها ... موجَ القتير على الكميِّ الرامحِ
لوْ يكرعُ الظمآنُ فيها لمْ يمل ... طرفًا إلى عذبِ الزلالِ السائحِ
أهديتهُ لتروحَ أبيضَ واضحًا ... منهُ على جذلانَ أبيضَ واضحِ
فتكونُ أولَ سنةٍ مأثورةٍ ... أو يقبلُ الممدوحُ رفدَ المادِحِ
وقال ابن المعتز
ولقدْ وطئتُ الغيثَ يحملني ... طرفٌ كلونِ الصبحِ حينَ وفدْ
يمشي ويعرضُ في العنانِ كما ... صدَفَ المعشقُ ذو الدلالِ وصدْ
جماعُ أطرافِ الصوارِ فما ال ... إجرا عليهِ إذا جرى بأشدْ
بلَّ المها بدمائهنَّ ولمْ ... يبتلَّ منهُ بالحميمِ جسدْ
وكأنهُ موجٌ يذوبُ إذا ... أطلقتهُ وإذا حبستَ جمدْ
وله أيضًا
وقدْ أجارِي عنانَ الصبحِ مبتكرًا ... والليلُ مفتضحُ الأكنافِ منصرفُ
والنجمُ تصقلهُ ريحٌ شآميةٌ ... والصبحُ كالعرفِ تحت الليلِ منكشفُ
بسابحٍ هيكلٍ نهدٍ مراكلهُ ... يبوعُ في الخطوِ بوعًا وهو مشترفُ
تمتْ له غرةٌ كالصبحِ مشرقةٌ ... يكادُ سابلها عنْ وجههِ يكفُ
إذا تقرطَ يومًا بالعذارِ بدا ... كأنهُ غادةٌ في أذنها شنفُ
باب) ٧ (في
الطرد والظفر
1 / 9
ومنَ التشبيهات في الطرد والظفر قول أبي نواس في الكلب
كأنَّ لحييهِ لدى افترارِهِ ... سكُّ مساميرٍ على طوارِهِ
كأنَّ خلفَ ملتقَى أشفارِهِ ... جمرَ غضًى ذرَّ منِ استعارهِ
فانصاعَ كالكوكبِ في انحدارهِ ... لفتَ المشيرِ موهنًا بنارهِ
وقال ذو الرمة في سرعة العدوِ
كأنهُ كوكبٌ في إثرِ عفريةٍ ... مسومٌ في سوادِ الليلِ منقضبُ
وأخذ ذلك ابن الرومي فقال في آخر قصيدة له هجا بها رجلًا
خذها تبوعًا لمنْ ولَّى مسومةً ... كأنها كوكبٌ في إثرِ عفريتِ
وقال ابن المعتز في كلبةٍ
وكلبةٍ زهراء كالشهابِ ... تحسبها في سرعةِ انسيابِ
نجمًا منيرًا لاحَ في انصبابِ ... خفيفةُ الوطئِ على الترابِ
وقال خلف الأحمر في ثور
كالكوكبِ الدري مبتذلًا ... شدًا يفوتُ الطرفَ أسرعهُ
وكأنما جهدتْ أليتهُ ... ألا تمسَّ الأرضَ أربعهُ
وقال أبو نواس يصف الكلبَ
أرسلهُ كالسهمِ إذ غالى بهِ ... يسبقُ طرفَ العينِ في إلهابهِ
يكادُ أنْ ينسلَّ منْ إهابهِ ... كلمعانِ البرقِ في سحابهِ
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ لم ترَ وقتَ شدِّها ... قطُّ إذا ما أطلقتْ من قدها
خضتُ بها ليلًا يرى كجلدها ... كأنهُ استعارَ لونَ بردِها
فأبصرتْ عشرًا أتتْ من بعدها ... وأطلقتْ فانطلقتْ من عقدها
كالسهم لا تحسنُ غيرَ جدها ... أفقدني الرحمن يومَ فقدها
وقال أبو نواس في الكلب
كأنَّ متنيهِ لدى انسلابهِ ... متنا شجاعٍ لج في انسيابهِ
كأنما الأظفورُ في قنابهِ ... موسَى صناعٍ ردَّ في نصابهِ
تراهُ في الحضرِ إذا هاها بهِ ... يكادُ أن يخرجَ من إهابهِ
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ تاهتْ على الكلابِ ... بجلدةٍ صفراءَ كالزريابِ
تنسابُ مثلَ الحيةِ المنسابِ
ومعنى قول بي نواس: يكاد أن يخرج من إهابه: لذي الرمة يصف ثورين ندَّا
لا يذخرانِ من الإيغالِ باقيةً ... حتى تكادُ تقرَّى عنهما الأهبُ
وقال كثير في فرس
إذا جرى معتمدًا لأمهِ ... يكادُ يفرِي جلدهُ عن لحمهِ
وقال ابن الرقاع في ثورين يعدوان
يتعاورانِ من الغبارِ ملاءةً ... بيضاءَ محكمةً هما نسجاها
تطوَى إذا وردا مكانًا جاسيًا ... وإذا السنابكُ أسهلتْ نشراها
وقال الطرماح في ثور
يبدو وتضمرهُ البلاد كأنهُ ... سيفٌ على شرفٍ يسل! ُ ويغمدُ
وقال ابن المعتز في الكلاب
تخالها في حلقِ الأطواقِ ... ضواحكًا من سعةِ الأشداقِ
وقال أبو نواس فيه
ترى إذا عارضتهُ مفرورا ... خناجرًا قدْ نبتتْ سطورا
يعطيك أقصى حضرهِ الموفروا ... شدًا ترى من همزهِ الأظفورا
منشطًا من أذنهِ سيورا
وقال ابن المعتز
وكلبةٍ غدا بها فتيانُ ... أطلقهمْ من يدهِ الزمانُ
كأنها إذا تمطتْ جانُ ... أو صعدةٌ وخطمها السنانُ
ونجمتْ للحظها غزلانُ ... فلحقتْ ما لحقَ العنانُ
وقال أبو نواس
ترى له شدقين خطا خطا ... وملمظًا سهلًا ولحيًا سبطا
ذاك ومتنينِ إذا تمطَّا قلتَ شراكان أجيدا قطا
ترى إذا كان الجراءُ غبطا ... براثنا سحمَ الأثافي ملطا
ينشطُ أذنيهِ بهن نشطا ... تخالُ مأزمينِ منه شرطا
ما إنْ يقعنَ الأرضَ إلا فرطا ... كأنما يعجلنَ شيئًا لُقطا
وقال ابن المعتز في فرس
وأربعٍ كأنها تستلبهْ ... تخالها تعجلُ شيئًا تحسبهْ
وأنشد الجاحظ
يكادُ عندَ ثملِ المراحِ ... يطيرُ في الجوِّ بلا جناحِ
وقال آخر وهو ابن المعتز
تحسبهُ يطيرُ وهو يعدُو
وقال آخر
تفوتُ خطاها الطرفَ سبقًا كأنها ... سهامُ مقالٍ أو رجومُ كواكبِ
كأنَّ بناتِ القفزِ حينَ تفرقَتْ ... غدونَ عليها بالمنايا الشواعبِ
وقال ابن المعتز
فأبصرتْ سربًا من الظباء ... فغادرتهنٌ بلا إعياء
شبهها لحظي على تناءِ ... بمدةٍ من قلمٍ سوداءِ
ترضَى من اللحومِ بالدماءِ
وقال أبو نواس في البازي
1 / 10
كأنّ عينيه إذا ما أنورا ... فصانِ قيضا من عقيقٍ أحمرا
في هامةٍ علياءَ تهدى منسرا ... كعطفةٍ الجيمِ بكفٍّ أعسرا
يقولُ منْ فيها بعقلٍ فكرا ... لو زادها عينًا إلى فاءٍ ورا
واتصلتْ بالجيم كان جعفرا
وقال ابن المعتز
ونذعرُ الصيدَ ببازٍ أقمرِ ... كأنهُ في جوشنٍ مزرر
وجوجؤٍ منمنمٍ محبرِ ... كأنَّه رقٌّ خفيُّ الأسطرِ
وقال أيضًا
غدوتُ في ثوبٍ من الليلِ خلقْ ... بطارِحِ النظرةِ في كلِّ أفقْ
ومقلةٍ تصدقهُ إذا رمقْ ... كأنها نرجسةٌ بلا ورقْ
مباركٍ إذا رأى فقد رزقْ
وقال أبو نواس
ألبسهُ التكريرُ من حوكهِ ... وشيًا على الجؤجؤِ موضونا
له حرابٌ فوقَ قفازهِ ... يجمعنَ تنييفًا وتسنينا
كلُّ سنانٍ عجَّ منْ متنهِ ... تخالُ محنَى عطفهِ نونا
ومنسرٌ أكلفُ فيه شغًا ... كأنه عقدُ ثمانينا
ومقلةٌ أشربَ آماقها ... تبرًا يروقُ الصيرفيينا
الموضون المصفوف بعضه إلى بعض: ووضنت الخوص صففتهُ: وتنييفًا تعليةً ونيفَ على المائة زاد عليها: والشغا إشراف المنقار الأعلى على الأسفل ومنه قيل للعقاب شغواءُ: وقال أيضًا
يصقلُ حملاقًا شديدَ الطحرِ ... كأنه مكتحلٌ بتبرِ
في هامةٍ لمتْ كلمِّ الفهرِ ... وجؤجؤْ كالحجرِ القهقرِ
يقال عين طحراء إذا أخرجت القذى والملموم المستوى التدوير والقهقرُّ الصلب من الحجارة وقال آخر في صفة عقعقٍ المتقارب
إذا باركَ اللهُ في طائرٍ ... فلا باركَ اللهُ في العقعقِ
يقلبُ عينينِ في وجههِ ... كأنهما قطرتا زئبقِ
طويلُ الذنابَى قصيرُ الجناحِ ... متى ما يجدْ غفلةً يسرقِ
وقال آخر في صفة ناقة
كأنما عينُها من طولِ ما جشمتْ ... حرَّ الهواجر زيتٌ في قواريرِ
وقال الشمردل اليربوعي في صقرٍ
كأنَّ عينيهِ إذا جلاهما ... ياقوتتانِ رابحٌ شراهما
وقال ابن المعز في صفة بازٍ
قدْ أغتدي في نفسِ الصباحِ ... بقرمٍ للصيدِ ذي ارتياحِ
معلقِ الألحاظِ بالأشباحِ ... يركضُ في الهواءِ بالجناحِ
قمشَ ريشًا حسنَ الأوضاحِ ... عليهِ منه كحبابِ الراحِ
ذو جلجلٍ كالصرصرِ الصياحِ
وله أيضًا
وفيتانٍ غدوا والليلُ داجٍ ... وضوءِ الصبحِ متهمُ الطلوعِ
كأنَّ بزاتهمْ أمراءُ جيشٍ ... على أكتافهم صدأُ الدروعِ
وقال في الزرق
وزرقٍ ريانَ من شبابهِ ... كأنَّ سلخَ الأيمِ من أثوابهِ
قال الشمردل في الصقر
قد أغتدي والليلُ في جلبابهِ ... بتوجي صادَ في شبابهِ
فانقضَّ كالجلمودِ إذْ علا بهِ ... كأنما بالحقِ من خضابهِ
عصفرةُ الصباغِ أو قصابهِ ... أو عترة المسكِ الذي يطلى بهِ
وقال ابن المعتز
وأجدلٍ يفهمُ نطقَ الناطقِ ... ململمِ الهامةِ فخمِ العاتقِ
أقنى المخاليبِ طلوبٍ مارقِ ... كأنَّها نوناتُ كفِّ الماشِقِ
ذي جؤجؤٍ لابسِ وشيٍ رائقِ ... كمبتدا اللاماتِ في المهارقِ
أو كامتدادِ الكحلِ في الحمالقِ ... ونجمتْ للحظِ عينِ الرامقِ
عشرٌ من الإوزِ في غلافقِ ... فمرَّ كالريح بعزمٍ صادقِ
حتى دنا منه دنوَّ السارقِ ... ثم علاها بجناحٍ خافقِ
فطفقتْ من هالكٍ أو زاهقِ
وله أيضًا
وأجدلٍ لم يخلُ من تأديبِ ... يرى بعيدَ الشيءِ كالقريبِ
يهوِي هويَّ الدلوِ في القليبِ ... بناظرٍ مستعجمٍ مقلوبِ
كناظرِ الأقبلِ ذي التقطيبِ ... رأَى إوزًا في ثرًى رطيبِ
فكان كالمستوهلِ المرعوبِ ... ينفذُ في الشمالِ والجنوبِ
وقال عبد الصمد بن المعذل في الفهد
كأنها والخزرُ في أحداقِها ... والخططُ السودُ على أشداقِها
تركٌ جرى الإثمدُ من آماقِها
وقال آخر فيه
وليس للطرادِ إلا فهدُ ... كأنَّما ألقتْ عليه الكردُ
من خلقها أو ولدتْها الأسدُ
وقال ابن المعتز في الفهد المتقارب
ولا صيدَ إلا بوثابةٍ ... تسيرُ على أربعٍ كالعذبْ
تضمُّ الطريدَ إلى نحرها ... كضمِّ المحبةِ منْ لا تحبْ
1 / 11
إذا ما رأى عدوَها خلفهُ ... تناجتْ ضمائرُهُ بالعطبْ
لها مجلسٌ في مكانِ الرديفِ ... كتركيةٍ قد سبتْها العربْ
ومقلتُها سائلٌ كحلُها ... وقد حليتْ سبجًا من ذهبْ
باب) ٨ (في
الحية
ومن الشبيهات في الحية قول الأحمر
وحنشٍ كأنه رشاءُ ... أسودُ ما لمسهِ دواءُ
فمسهُ سيانِ والقضاءُ
وقال آخر
منْ كلِّ نضناضٍ جرازِ اللحيينْ ... حتى إذا تابعَ بينَ سلخينْ
وعادَ كالميسمِ أحماهُ القينْ
وقال خلف
وكأنما لبستْ بأعلى لونها ... بردًا من الأثوابِ أنهجهُ البلَى
في عينها قبلٌ وفي خيشومِها ... فطسٌ وفي أنيابِها مثلُ المدَى
وله أيضًا
لهُ عنقٌ مخضرةٌ مدَّ ظهرهِ ... وشومٌ كتحبيرِ اليماني المرقمِ
إلى هامةٍ مثلِ الرحى مستديرةٍ ... بها نقطٌ سودٌ وعينانِ كالدمِ
وقال ابن المعتز
أنعتُ رقطاء لا تحيا لديغتها ... لوْ قدَّها السيفُ لم يعلقْ به بللُ
تلقي إذا انسلختْ في الأرضِ جلدتَها ... كأنها كمُّ درعٍ قدهُ بطلُ
وقال آخر
لو شرحتْ بالمدى ما مسَّها بللٌ ... ولوْ تكنفها الراقونَ ما قدروا
وقال خلفٌ
وحيةٍ مسكنهُ الرمالُ ... كأنه إذا انثنى خلخالُ
وقال أشجعُ السلمي في رجل ضراط ذكروه عند مالك بن طوق البسي
إن امرءًا يبتغي صيدى بحارضةٍ ... فحجاء مبلولةٍ حصرُ السراويلِ
لكالمدلّى يدًا عسماء في حجرٍ ... إلى شبيهٍ بشرطِ البردِ مسدولِ
وقال علي بن الجهم فيها المجتث
جسمٍ كعودِ أراكِ ... ما يرتضَى لسواكِ
ما فيه نفعٌ لباغٍ ... إلا انتحالَ سواكِ
وقال آخر
فإذا رأيتَ رأيتَ عودَ أراكةٍ ... وإذا قرعتَ قرعتَ قرنيْ فادرِ
خلقتْ حمامًا للنفوسِ وآيةً ... للسائلينَ وعبرةً للناظرِ
وقال أبو صفوانَ الأسدي المتقارب
ومنْ حنشٍ لا يجيبُ الرقا ... ةَ أرقشَ ذي جمةٍ كالرشا
أصمَّ صموتٍ طويلِ السبا ... تِ منهرتِ الشدقِ عاري القرا
وقال آخر
أرقشَ بينَ حنشٍ وثعبانْ ... كأنما في شدقهِ سنانانْ
وفي حجاجيْ رأسهِ سراجانْ
وقال خلف
ومنطوٍ على النقا مثل الطبقْ ... كأنه داجٍ من الليل غسقْ
وقال آخر
خلقتْ لهازمهُ عزينَ ورأسهُ ... كالقرصِ فلطحَ من دقيقِ شعيرِ
وكأنَّ شدقيْهِ إذا استعرضتَهُ ... شدقا عجوزٍ مضمضتْ لطهورِ
ويديرُ عينًا للوقاعِ كأنها ... عينا شجاعٍ من وراء قتيرِ
وقال آخر
يا ربِّ إنْ كان أخي زيدٌ أكلْ ... لحميَ ظلمًا عللًا بعدَ نهلْ
فابعثْ له أصلةً من الأصلْ ... كبساءَ كالقرصةِ أو خفِّ الجملْ
وقال آخر
وأفعوانٍ مسهُ كالمبردِ ... في قدرِ شبرينِ كساقِ المقعدِ
كأنَّ عينيْهِ سراجا موقدِ ... تخالُ رزَّ نفخهِ المرَدَّدِ
صريفَ نابَيْ جملٍ في قرْدَدِ ... أو غليانَ مرجلٍ لم يبردِ
وقال رجل من بني شيبان
وحنشٍ كحلقةِ السوارِ ... غايتهُ شبرٌ من الأشبارِ
كأنه قضيبُ ماءٍ جاري ... يفترُّ عن مثلِ تلظّى النارِ
وقال آخر
وحيةٍ تصيفُ بالرمالِ ... كأنها قطعةُ حبلٍ بالِ
تخالُ رزَّ نفخها العضالِ ... نشنشةَ اللحمِ على المقالِ
يديرُ حملاقَيْنِ كالذبالِ
وقال خلف
كأنّ صوتَ جلدها إذا استدرْ ... نشيشُ لحمٍ عند طاهٍ مقتدرْ
وقال آخر
أبترَ ما زادَ على الذراع ... يديرُ حملاقينِ كالشجاعِ
وقال خلفٌ
ثم أتى بحيةٍ لا ينجِي ... أبترَ مثل بيذقِ الشطرنجِ
وقال خلفٌ الأحمرُ وهو أحسن ما قيل في ذلك ولو لم يكن فيه تشبيه
صلُّ صفًا لا تنطوي من القصرْ ... طويلةُ الإطرافِ من غيرِ خفرْ
داهيةٌ قد صغرتْ من الكبرْ ... مهروتهُ الشدقينِ حولاءُ النظرْ
تفترُّ عن عوجٍ حدادٍ كالإبرْ
وقال عبد الصمد
كأنَّ ورسًا شبهُ بعظلمِ ... على قراهُ نضحا بالعندمِ
أرأسُ أهوى كالجديل المبرمِ ... ذو مذربٍ مثل السنانِ اللهذمِ
يستنبطُ المهجةَ من قبلِ الدمِ
1 / 12
وقال آخر يصف صوت الحلب
كأنّ صوتَ شخبِها المرفضِّ ... كشيشُ افعًى أجمعتْ بعضِ
هيَ تحكُّ بعضها ببعضِ
وقال آخر في ذلك
كأنّ صوتَ شخبها غديهْ ... حفيفُ ريحٍ أو كشيشُ حيهْ
وقال الهذلى في مزاحفِ الحيات على الطريق
كأنّ مزاحفَ الحياتِ فيه ... قبيلَ الصبحِ آثارُ السياطِ
وقال آخر المتقارب
كأنَّ مزاحفها أنسعٌ ... جررنَ فرادَى ومنها تثنَّى
وقال ابن أبي ربيعة
لا يزالُ الخلخالُ فوقَ الحشايا ... مثلَ أثناءِ حيةٍ مقتولِ
وقال آخر
يا ليتَ أفعًى ما لمنْ ... سلكتْ محجتهُ نجاهْ
تنسلُّ كالسيفِ السري ... عِ بهامةٍ مثلِ الصفاهْ
أوليتَ أسودَ سالخًا ... أعيا على كل الرقاهْ
يرقونهُ فكأنما يعنَى برقيتهِ سواهْ
يضحِي ضجيعَ جليسنا ... فأراح منه ومن أذاهْ
وقال خلف
كأنه مدرعٌ حصيرا ... كأنَّ ورسًا قد أسفَّ قيرا
سراتهُ مبطنهًا حريرا
وقال آخر
به نقطٌ سودٌ وصفرٌ كأنما ... ينضحُ نضحًا بالكحيلِ وبالورسِ
وقال خلف
كأنما خططته تخطيطا ... ترى بمثنَى جلدهِ خطوطا
وظهرهُ كما رأيتَ الفوطا
وقال آخر
كأنما جلدتهُ كتابُ ... لم تبلهِ السنينُ والأحقابُ
وقال أشجع في حية
وكأنما التدريجُ في بطنانها ... أمواجُ دجلةَ في هبوبِ الشمألِ
وقال خلف في الرتيلاء
ابعثْ له يا ربِّ ذات أرجلِ ... في فمها أحجنُ مثلُ المنجلِ
دهماء مثلَ العنكبوتِ المحولِ ... تأخذهُ من تحتهِ ومن عَلِ
وقال عبد الصمد في العقرب
يا ربَّ ذي إفكٍ كثيرٍ خدعهْ ... يبرزُ كالقرنينِ حينَ تطلعُهْ
في مثلِ صدرِ السبتِ حينَ تقطعهْ ... أسودُ كالسبجةِ فيه مبضعهْ
تشخصهُ طورًا وطورًا ت رجعهْ ... أعطلُ خطارٌ تلوحُ شنعهْ
لا تصنعُ الرقشاءُ ما لا يصنعهْ
باب) ٩ (في
لمع البرق
ومن حسن التشبيه في لمع البرق قول امرئ القيس
أصاحِ ترى برقًا أريكَ وميضهُ ... كلمعِ اليدينِ في حبيٍّ مكللِ
وقال آخر
أرقتُ لبرقٍ آخرَ الليلِ يلمعُ ... سرى دائبًا منها يهبُّ ويهجعُ
سرى كاحتساء الطيرِ والليلُ ضاربٌ ... بأرواقهِ والصبحُ قد كاد يسطعُ
وقال آخر المتقارب
أرقتُ لبرقٍ سرى موهنًا ... خفيٍّ كغمزكَ بالحاجبِ
كأنَّ تألقهُ في السماء ... يدا كاتبٍ أو يدا حاسبِ
وقال ابن المعتز يصف سحابةً
رأيتُ فيها برقها منذُ بدتْ ... كمثلِ طرفِ العينِ أو قلبٍ يجبْ
ثمَّ حدتْ بها الصبا حتى بدا ... فيها إلى البرقِ كأمثالِ الشهبْ
تحسبهُ فيها إذا ما انصدَعتْ ... أحشاؤها عنه شجاعًا يضطربْ
وتارةً تحسبهُ كأنهُ ... أبلقُ مالَ جلُّهُ حين وثبْ
حتى إذا ما رفَعَ اليومَ الضحى ... حسبتهُ سلاسلًا من الذهبْ
الشجاعُ هاهنا الحية وهو مأخوذ من قول دعبل في قوله
أرقتُ لبرقٍ آخر الليلِ منصبِ ... خفيٍ كبطنِ الحيةِ المتقلبِ
وقال للبيد بن ربيعة
تسمعُ الرعدَ في المخيلة منها ... كهدير القرومِ في الأشوالِ
وترى البرقَ عارضًا مستطيرًا ... مرح البلقِ جلنَ في الأجلالِ
وقال آخر
كأنه حين تبدَّى ساطعا ... هنديةٌ تهتزَّ حين تنتضي
والبرقُ في حافتهِ يفعلُ ما ... يفعلهُ وجدُ الحزينِ بالحشا
وقال الطائيّ يصف سحابةً
سيقتْ ببرقٍ ضارمِ الزنادِ ... كأنه ضمائر الأغمادِ
وقال العلوي في سحابةٍ
وكأنَّ لمعَ بروقِها ... في الجوِّ أسيافُ المثاقفْ
وقال دعبل
ما زلتُ أكلأُ برقًا في جوانبهِ ... كطرفةِ العينِ يخبو ثمَّ يختطفُ
برقٌ تجاسرَ من خفانَ لامعهُ ... يقضي اللبانةَ من قلبي وينصرفُ
وقال عنترة في تمكثه وضيائه
ألا يا من لذا البرقِ اليماني ... يلوحُ كأنه مصباحُ باني
شبهه بسراج الباني بأهله لأنه لا يطفأ في تلك الليلة من طول مكثه وقال آخر
وحتى حسبتُ البرقَ نارين شبتا ... ببرقةِ ساقٍ ما بنَى موقداهما
وقال الطائي
1 / 13
يا سهمُ للبرقِ الذي استطارا ... ثابَ على رغمِ الدجى نهارا
آض لنا ماءً وكان نارا ... أرضَى الثرى وأسخطَ الغبارا
وينشد أهل المعاني فيه
نارٌ تجددُ للعيدانِ تضرمها ... والنارُ تلفحُ عيدانًا فتحترقُ
وقال البحتري
فسقاهمْ وإنْ أطالتْ نواهُ ... خلفةُ الدهرِ ليلهُ ونهارهُ
كلُّ جودٍ إذا التقَى البرقُ فيه ... أوقدتْ للعيونِ بالماءِ نارهُ
وقال آخر
بدا البرقُ من نحوِ الحجازِ فشاقني ... وكلُّ حجازيٍّ له البرقُ شائقُ
سرى مثلَ نبضِ العرقِ والليلُ دونهُ ... وأعلامُ نجدٍ كلها والأسالقُ
وقال الطائي مثله
إليكَ سرى بالمدحِ قومٌ كأنهم ... على الميسِ حياتُ اللصابِ النضانضُ
تشيم بروقًا من تدارك كأنها ... وقد لاحَ أولاها عروقٌ نوابضُ
اللصاب الطرق في الجبال واحدها لصب والنضانض الحيات الواحد نضناض وهو الذي له حركةٌ لا تستقر، والميس خشب الرحل فخبر أنهم قد أعيوا من السير حتى صاروا في الدقة كالحيات ومثله قوله أيضًا
وركبٍ كأمثالِ الأسنةِ عرسوا ... على مثلها والليلُ تسطو غياهبهْ
لأمرٍ عليهمْ أنْ تتمَّ صدورهْ ... وليسَ عليهمْ أن تتمَّ عواقبه
وله من سفر قد أنضوا ركائبهم
فقد أكلوا منها الغواربَ بالسرى ... وصارتْ لها أشباحهم كالغواربِ
باب) ١٠ (في
نحول المسافرين
ومما يتصل بذلك في تحولِ المسافرين وضمور الإبلِ وشدة التعب قول ذي الرمة
وأشعثَ مثل السيفِ قد لاحَ جسمهُ ... وجيفُ المهارَى والهمومُ الأباعدُ
سقاهُ الكرى كأسَ النعاسِ فرأسُهُ ... لدينِ الكرى من أولِ الليلِ ساجدُ
وقال آخر
وفلاةٍ كأنما اشتمل اللي ... لُ على ركبها بأبناء حامِ
خضتُ فيها إلى الخليفة بالشر ... فةِ بحريْ ظهيرةٍ وظلامِ
وقال الطائي يصف مسافرين
سفعَ الدؤبُ وجوههمْ فكأنَّهم ... وأبوهمُ سامٌ أبوهم حامُ
وقال ابن المعتز
ثمَّ استشارهمُ دليلٌ فارطٌ ... يسمو لغايتهِ بعينيْ أجدلِ
لبسَ الشحوبَ مع الظهائرِ وجههُ ... فكأنه ماويةٌ لم تصقلِ
وقال ذو الرمة
ألمتْ بشعثٍ كالسيوفِ وأينقٍ ... حراجيجَ من نسلِ الجديلِ وداعرِ
جذبنَ البرَى حتى شدفنَ وأصعرَتْ ... أنوفَ المهارَى لقوةً في المناخرِ
وفي نعت الناقة يقول أيضًا
رجيعةِ أسفارٍ كأنَّ زمامها ... شجاعٌ على يسرى الذراعينِ مطرقُ
وقال آخر
تنازعُ مثنى حضرمي كأنه ... حبابُ نقًى يتلوهُ مرتحلٌ يرمي
شبهَ زمامها بالحية وقال الفرزدق
إذا ما أنيختْ قابلتْ عن ظهروها ... حراجيج أمثالُ الأهلةِ شسفُ
وقال ثابتُ قطنةَ في ناقة
وكأنَّ مدرجةَ النسوعِ بدفِّها ... طرقٌ تقدُّ سباسبًا وإكاما
وقال ابن المعتز في ناقة
ترنو بناظرةٍ كأنّ حجاجها ... قلتْ أنافَ بشاهقٍ لم يحللِ
وكأنَّ آثارَ النسوعِ بدفِّها ... مسرى الأساودِ في هيامٍ أهيلِ
وكأنَّ مسقطها إذا ما عرستْ ... آثارُ مسقطِ ساجدٍ متبتلِ
ويسدُّ حاذيها بحبلٍ كاملٍ ... كعسيبِ نخلٍ خوصهُ لم ينجلِ
وقال أيضًا
كأن المطايا إذْ غدونَ بسحرةٍ ... تركنَ أفاحيص القطا في المباركِ
وقال مالك بن أخي رفيع
كأنَّ عيونهنَّ قلاتُ هضبٍ ... تحدرُ من مدامعهنَّ ماءُ
وقال العتابي
إذا الركائبُ مخسوفٌ نواظرها ... كما تضمنتِ الدهنَ القواريرُ
ونحوهُ قول آخر في ناقة كالةٍ وهو ذو الرمة
كأنما عينُها منها وقد ضمرتْ ... وضمها السيرُ ضمًا في الأضاميمُ
الأضا الغدرانُ والميضأة التي يتوضأ فيها للصلاة وقال آخر
ألا حبذا عيشُ الرخاء وضجعهُ ... إلى جنبِ مقلاقِ الوضينِ سعومِ
الوضين للبعير مثل الحزام للدابة والسعوم الواسعة الخطو
ترامتْ بها الأهوالُ حتى كأنما ... تحيف من أقطارها بقدومِ
وقال ابن الخطيم نحو ذلك
وقد ضمرتْ حتى كأنَّ وضينها ... وشاحُ عروسٍ جال منها على خصرِ
وقال ذو الرمة في كلال ناقة
1 / 14
تشكو الخشاش ومجرى النسعتينِ كما ... أنَّ المريضُ إلى عوادِهِ الوصبُ
الخشاش مثل البرةِ ومثله قول المثقب العبدي
إذا ما قمتُ أحلها بليلٍ ... تأوهُ آهةَ الرجلِ الحزينِ
وقال أبو نواس في سرعتها
وتجشمتْ بي هولَ كلِّ تنوفةٍ ... هوجاء فيها جرأةٌ مقدامُ
تذرُ المطيَّ وراءها وكأنَّها ... صفٌّ تقدمهنَّ وهيَ إمامُ
وكلهم يصف ناقة بالضخمِ والعلوِ كقول طرفة
كقنطرةِ الروميِّ أقسمَ ربها ... لتكتنقنْ حتى تشاد بقرمدِ
وكقول عنترة
فوقفتْ فيها ناقتي وكأنها ... فدنٌ لأقضِيَ حاجةَ المتلومِ
وقال ابن المعتز
لنا إبلٌ ملءُ الفضاءِ كأنما ... حملنَ التلاعَ الجونَ قوقَ الحواركِ
وقال ابن أبي حفصة
يتبعنَ جاهلةَ الزمامِ كأنها ... إحدى القناطرِ وهي حرفٌ ضامرُ
وقال الراعي يصف أضلاعها
وكأنما انتطحتْ على أثباجها ... فدرٌ بشابةَ قد كملْنَ وعولا
وقال الفرزدق في سرعتها
تشيح بها أجوازَ كلِّ تنوفةٍ ... كأنَّ المطايا يتقينَ بها جمرا
وقال الفرزدق في ناقة
تنفِي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ ... نفى الدراهيمِ تنقادُ الصياريفِ
ونحوهُ قول الآخر المتقارب
تطيرُ مناسمهنَّ الحصى ... كما نقدَ الدرهمَ الصيرفُ
وقال رؤبة
كأنّ أيديهنَّ بالقاعِ القرقْ ... أيدي جوارٍ يتعاطينَ الورقْ
وقال مسلم بن الوليد
إلى الإمامِ تهادانا بأرحلنا ... خلقٌ من الريحِ في أشباهِ ظلمانِ
كأنَّ إفلاتها والفجرُ يأخذها ... إفلاتُ صادرةٍ عن قوسِ حسبانِ
والعرب تشبه سرعتها بشرود النعام قالت ليلى الأخيلية
روموها بأثوابٍ خفافٍ فلا ترى ... لها شبهًا إلا النعامَ المنفرا
قال ثعلب الأثواب ههنا الأبدان قال وفي قوله ﷿ " وثيابك فطهر " قال قلبك وقال آخر
إذا بركتْ خرتْ على ثفناتها ... مجافيةُ صلبًا كقنطرةِ الجسرِ
كانَّ يديها حين تجري ضفورها ... طريدانِ والرجلانِ طالبتا وترِ
وقال آخر
حمراءُ من نسلِ المهارَى نسلها ... إذا ترامتْ يدها ورجلُها
كأنها غيرَي استفزَّ عقلها ... أتَى التي كانتْ تخافُ بعلها
وقال الغطمش الضبي
كأنّ يديها حينَ جدَّ نجاؤها ... بدا سابحٍ في غمرةٍ يتبوعُ
ومثله قول بشامة بن الغدير المتقارب
كأنَّ يدَيْها إذا أرقلتْ ... وقد حرنَ ثمَّ اهتدينَ السبيلا
يدا سابحٍ غصَ في غمرةٍ ... فأدركهُ الموتُ إلا قليلا
ومما يدخل في هذا الباب وإن لمي يكن فيه تشبيه قول الشاعر
أقولُ لنضوٍ أذهبَ السيرُ نيها ... فلم يبقَ منها غيرُ عظمٍ مجلدِ
خذي بي ابتلاكِ الله بالشوقِ والهوى ... وشاقكِ تغريدُ الحمامِ المغردِ
فسارتْ مراحًا خوفَ دعوةِ عاشقٍ ... تخب بي الظلماءُ في كل فدفدِ
فلما ونتْ في السيرِ ثنيتُ دعوتي ... فكانتْ لها سوطًا إلى ضحوةِ الغد
وقال القضاعيّ
خوصٌ نواجٍ إذا حثَّ الحداةُ بها ... حسبتَ أرجلها قدامَ أيديها
وقال مسلم
إليك أمينَ اللهِ راعتْ بنا القطا ... بناتُ الفلا في كلِ ميثٍ وفدفدِ
أخذنَ السرَى أخذَ العنيفِ وأسرعَتْ ... خطاها بها والنجمُ حيرانُ مهتدِ
لبسنَ الدجَى حتى نضتْ وتصوبتْ ... هوادي نجومِ الليلِ كالدحوِ باليدِ
باب) ١١ (في
السراب
ومما يتصل بهذا الباب في حسن التشبيه في السراب قول مسلم في هذه الكلمة
وقاعةٍ رجلَ السبيلِ مخوفةٍ ... كأنّ على أرجائها حدَّ مبردِ
مؤزرةٍ بالآلِ فيها كأنها ... رجالٌ قعودٌ في ملاءٌ معمدِ
وقال آخر
أخوفُ بالحجاجِ حتى كأنما ... يحركُ عظمٌ في الفؤادِ مهيضُ
ودونَ يدِ الحجاجِ من أن تنالَني ... بساطٌ لأيدِي الناعجاتِ عريضُ
مهامهُ أشباهٌ كانَّ سرابها ... ملاءٌ بأيْدي الغاسلاتِ رحيضُ
وقال ابن المعز
والآلُ قد رقصتْ فيه الإكامُ كما ... لحبتْ حواملُ ولدانٍ بتنقيزِ
كأنه حللٌ بينَ الصوَى نشرتْ ... فهنَّ من بينِ مكسوٍّ ومبروزِ
1 / 15
وقال ابن الرومي يصف أينقًا قطعت به أرضًا
تطوي الفلا وكأنّ الآل أرديةٌ ... دثارةٌ وكأنّ الليلَ سيجانُ
ثم شبهَ الليل والآل بالبحر فقال
كأنها في ضحاضيح الضحى سفنٌ ... وفي الغمارِ من الظلماء حيتانُ
والساج الطيلسان الأسود وقد اختلفَ في تشبيه الليل به فقيل لسواده وقيل شبهَ به لأنه لا أقطارَ له وقال ابن المعز
الآلُ تنزو بالصوى أمواجهُ ... نزوَ القطا الكدريِّ في الأشراكِ
والظلُّ مقرونٌ بكلِّ مطيةٍ ... مشَى المهارَى الدهمِ بينَ رماكِ
ونحوه قول الآخر
وقد أنعلتها الشمسُ ظلًا كأنه ... قلوصُ نعامٍ زفها قد تمورا
وقال مسعود أخو ذي الرمة
ومهمهٍ فيه السرابُ يلمحُ ... دليلهُ بجوةٍ مطوحُ
يدأبُ فيه القومُ حتى يطلحوا ... ثم يظلونَ كأنْ لم يبرحوا
كأنما أمسوا بحيثُ أصبحوا
وقال المأمون المنسرح
تفتحُ بالوعدِ بابَ نائلها ... حتى ترى الوصلَ ثم ينطبقُ
وعدٌ كلمعِ السرابِ تحسبهُ ... منك قريبًا ودونه شفقُ
وتبعه آخر فقال
ما احتيالي لحبيبٍ ... وعدهُ لمعُ السرابِ
يعد الوصلَ ولكن ... دونه مسُّ السحابِ
أحمدُ اللهَ على ما ... بي وإنْ كنتُ لما بي
وكتب أبو عثمان الناجم إلى ابن الرومي يلومه على طلبه سمكًا من ابن بشر المرثدي المتقارب
أبا حسنٍ أنتَ منْ لا نزا ... لُ نحمدُ في الفحصِ رجحانهُ
فلم تحسنُ الظنَّ بالمرثديّ ... وقد قللَ الله إحسانهُ
وبحرُ السرابِ يفوتُ الطلوبَ ... فقلْ في طلابكَ حيتانهُ
وقد تكررت في كتابنا تشبيهات للمحدثين مثل أبي نواس وبشار ومسلم والطائي والبحتري وابن الرومي وابن المعتز وأضرابهم لأنا اعتمدنا على إثبات عيون التشبيهات المختارة والمعاني الغريبة البعيدة دون المتداولة المخلقة والمتقدمون وإنْ كانوا افتتحوا القول وفتحوا للمحدثين البابَ ونهجوا لهم الطريق فكان لهم فضل السبق واستئناف المعاني وصعوبة الابتداء، فإن هؤلاء قد أحسنوا التأمل وأصابوا التشبيه وولدوا المعاني وزادوا على ما نقلوا وأغربوا في ما أبدعوا ولو أثبتنا تشبيهاتهم القديمة كتشبيههم الناقة في الضخم بالقصر والقنطرة وفي الصلابة بالعلاة والصخرة وفي السرعة بالجندلة والأثفية وسرعة الفرس بنجاء الظبي وتشبيه الجواد بالبحر والسيد بالقرم وهو فحل الإبل والوجه الحسن بالقمر والشمس وأحداج النساء بالنخل والسفن والنجوم بالمصابيح والنساء ببيض النعام لطالَ بذلك الكتابُ وآل أكثره إلى معنى واحد وكان المحكي منه معروفًا غير مستغرب لزال حسن الاختيار وتنقي الألفاظ واستغراب المعاني وطلابنا الجيد حيث وجد وقصدنا الغض والنادر لمن كان وبالله الحول والقوة.
باب) ١٢ (في
طروق الخيل
ومن حسن التشبيه في طروق الخيل قول البحتري
أجدك ما ينفك يسري لزينبا ... خيالٌ إذا آبَ الظلامُ تأوبا
سرى من أعالي الشأمِ يجلبهُ الكرى ... هبوبَ نسيم الروضِ تجلبه الصبا
وقال أيضًا
ألمتْ بنا بعدَ الهدوء فسامحتْ ... بوصلٍ متى تطلبهُ في الجد تمنعِ
وولتْ كأنَّ البينَ يخلجُ شخصها ... أوانَ تولتْ من حشايَ وأضلُعي
وأصل هذا المعنى لقيس بن الخطيم ومنه أخذ البحتري وغيره وهو قوله
أني سريت وكنت غير سروب ... وتقربُ الأحلامُ غير قريب
وما تمنعى يقظى فقد تؤتينهُ ... في النوم غير مصردٍ محسوبِ
وعلى ذلك قول المؤمل
أتاني الكرى ليلًا بشخصٍ أحبهُ ... أضاءتْ له الآفاقُ والليلُ مظلمُ
وكلمني في النوم غير مغاضبٍ ... وعهدي به يقظانَ لا يتكلمُ
وذكر العباس بن الأحنف العلة في طروق الخيال فقال
خيالكِ حينَ أرقدُ نصبَ عيني ... إلى وقتِ انتباهي لا يزولُ
وليس يزورني صلةً ولكن ... حديثُ النفسِ عنكِ به الوصولُ
وتبعه الطائي فقال
زار الخيالُ لها لا بل أزاركهُ ... فكرٌ إذا نامَ فكرُ الخلقِ لم ينمِ
ظبيٌ تقنصتهُ لما نصبتُ له ... في آخر الليلِ أشراكًا من اللحمِ
وله أيضًا
زاركَ الزورُ ليلةَ من رم ... لةَ بين الحمى وبين المطالي
1 / 16
نمْ فما زاركَ الخيالُ ولكن ... ك بالفكرِ زرت طيفَ الخيالِ
وقال عبد الصمد بن المعذل
لم أنلهُ فنلتهُ بالأماني ... في منامي سرًا من الهجرانِ
واصل الحلمُ بيننا بعدَ هجرٍ ... والتقينا ونحن مفترقان
وقال البحتري
أراني لا أنفكُّ في كلِ ليلةٍ ... تعاودُ فيها المالكية مضجعي
أسرُّ بقربٍ من ملمٍ مسامرٍ ... وأشجى ببينٍ من حبيبٍ مودعِ
فكائنْ لنا بعد النوى من تفرقٍ ... تزجيه أحلامُ الكرى وتجمعِ
وقال الطائي
استزارتهُ فكرتي في المنامِ ... فأتاها في خفيةٍ واكتتامِ
الليالي أحفَى بقلبي إذا ما ... جرحتهُ النوى من الأيامِ
يا لها ليلةً تزاورتِ الارْ ... واحُ فيها سرًا من الأجسامِ
مجلسٌ لم يكن لنا فيه عيبٌ ... غيرَ أنا في دعوةٍ الأحلامِ
ومن حسن التشبيه في هذا المعنى قول البحتري
حبيبٌ أتى في خفيةٍ وعلى ذعرِ ... يجوبُ الدجى حتى التقينا على قدرِ
تشككتُ فيه من سرورٍ وخلتهُ ... خيالاُ أتى في النومِ من طيفهِ يسرِي
وقال أيضًا
خطرتْ في النوم منها خطرةٌ ... خطرةَ البرقِ ابتدَى ثم اضمحلْ
أيُّ زورٍ لك لو قصدا سرى ... وملمٍ بك لو حقًا فعلْ
يتراءى والكرى في مقلتي ... فإذا فارقها النومُ بطلْ
وقال علي بن يحيى نحو ذلك المديد
بأبي واللهِ منْ طرقا ... كابتسامِ البرقِ إذْ خفقا
زارني طيفُ الحبيبِ فما ... زادَ أنْ أغرَى بيَ الأرقا
ومثله قول أحمد بن يوسف
في سبيل الله ودٌّ حسنٌ ... دامَ من قلبي لوجهٍ حسنِ
وهوًى ضيعتهُ في سكنٍ ... ليسَ حظي منه غير الحزنِ
يرقدُ الليل ويستعذبهُ ... فإن استعذبتُ طيبَ الوسنِ
زارني منه خيالٌ ما له ... أربٌ في غير أنْ يوقظني
وقال البحرتي وهو أحد المحسنين في ذكر طروق الخيال
وأرى خيالك لا يزال مع الكرى ... متعرضًا ألقاهُ أو يلقاني
يدني إليَّ من الوصالِ شبيهَ ما ... يبديهِ لي أبدًا من الهجرانِ
وله أيضًا
وليلةَ هومنا على العيسِ أرسلتْ ... بطيفِ خيالٍ يشبهُ الحقَّ باطلهْ
فلولا بياضُ الصبحِ طالَ تشبثي ... بعطفيْ غزالٍ بتُّ وهنًا أغازلهْ
وقال التمار
لو زارني طيفكَ يا سيدي ... لقلتُ لا واللهِ لا نفترقْ
وقلبَ هذا المعنى فقال
آنسني طيفكَ حتى إذا ... همَّ بأن يمضي تعلقتُ بهِ
وقال البحتري المنسرح
وزائرٍ زار من أعفتهِ ... يخلطُ وزنًا بأنسهِ ذعرهُ
كأنه جاء منجزًا عدةً ... وبتُّ في الراقبينَ أنظرهْ
لم أنسهُ موشكًا على عجلٍ ... مدامجًا في الحديثِ يختصرهْ
كأنما الكاشحون قد حضروا ... مكانهُ أو أتاهمُ خبرهْ
باب) ١٣ (في
البكاء
ومن جيد التشبيه في البكاء قول الشاعر
نظرتُ كأنّي من وراءِ زجاجةٍ ... إلى الدار من ماء الصبابة أنظرُ
فعينايَ طورًا تغرقانِ من البكا ... فأعشَى وطورًا تحسراِ فأبصرُ
فلا مقلتي من غامرِ الماء تنجلي ... ولا دمعتي من شدةِ الوجد تقطرُ
وليس الذي يجري من العينِ ماءها ... ولكنما نفسي تذوب فتقطرُ
وقال البحتري
وقفنا والعيونُ مثقلاتٌ ... يغالبُ دمعها نظرٌ كليلُ
نهتهُ رقبةُ الواشين حتى ... تعلقَ لا يغيضُ ولا يسيلُ
وقال آخر
غلبتْ عيني الدموعُ فإنسا ... ني غريقٌ يبدو مرارًا ويخفَى
فكأني أراكَ من دون سترٍ ... هزتِ الريحُ متنهُ فتكفَّى
وقال آخر
لعلَّ جفونًا فرقَ الدهرُ بينها ... تلاءَمُ أو تحلَى بطعمِ رقادِ
ويحسرُ دمعٌ لا يزالُ كأنه ... على الخدِ منهلًا تدافعُ وادِ
كأنّ السواري والغوادي تكلفتْ ... له بسواري أدمعٍ وغوادي
وقال ابن هرمة
كأنّ عينيَّ إذا ولتْ حمولهمُ ... مني جناحًا حمامٍ صادفا مطرًا
أو لؤلؤْ سلسٌ في عقدِ جاريةٍ ... ورهاء نازعها الولدانُ فانتثرا
وقال ذو الرمة
ما بالُ عينكَ منها الماءُ ينسكبُ ... كأنه من كلًى مفريةٍ سربُ
ومثله قوله
1 / 17
وما شنتا خرقاءَ واهيتا الكُلّى ... سقى فيهما ساقٍ ولما تبللا
بأضيعَ من عينيكَ للماءِ كلما ... توسمتَ برقًا أو توهمتَ منزلا
وقال امرؤ القيس
عيناكِ دمعهما سجالُ ... كأنّ شأنيهما أوشالُ
أو جدولْ في ظلالِ نخلٍ ... للماءِ من تحتهِ مجالُ
وقال جران العودِ
أمستْ كأنّ العينَ أفنانُ سدرةٍ ... عليها سقيط من ندى الليلِ ينطفُ
وقال آخر
عشىَّ وداعٍ قبحتْ من عشيةٍ ... ولكنها لا قبحتْ من مودعِ
كأنّ انحدارَ الدمعِ منها تعدهُ ... لنا ذاتُ عدٍ قليلَ عدي وأسرعي
وقال ذو الرمة
قفِ العيسَ في أطلالِ ميةً واسلِ ... رسومًا كأخلاقِ الرداءِ المسلسلِ
أظنُّ الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعًا كتبذير الجمانِ المفصلِ
ومثل هذا التشبيه كثير مخلق والشرط في الاختيار أملك وقال الطائي
نثرتُ فريدَ مدامعٍ لم تنظمِ ... والدمعُ يحملُ بعض ثقلِ المغرمِ
وصلتْ نجيًا بالدموعِ فخدها ... في مثلِ حاشيةِ الرداء المعلمِ
ومثله قول الآخر
فواهَ من الأحزانِ إنْ أسفر الضحى ... وفي كبدي من حرهنَّ حريقُ
مزجنا دمًا بالدمعِ حتى كأنما ... يذابُ بعيني لؤلؤٌ وعقيقُ
وقال الطائي
سرتْ تستجيرُ الدمعَ خوفَ نوى غدٍ ... وعادَ قتادًا عندها كلُّ مرقدِ
فأذرى لها الإشفاقُ دمعًا موردًا ... من الجفنِ يجري فوق خدٍ موردِ
وأحسن ابن يوسف في قوله
عذبَ الفراقُ لنا قبيلَ وداعنا ... ثم اجترعناهُ كسمٍ ناقعِ
وكأنما أثرُ الدموعِ بخدها ... طلُّ سقيط فوق وردٍ يانعِ
وقال آخر في مثله
كأن سقوطَ الدمعِ في حر وجهها ... سقوطُ الندى أوفى على ورقِ الوردِ
وزاد ابن الرومي في هذا فقال المنسرح
ما يومُ بين الحبيبِ بالبعدِ ... ولا فؤادي عليه بالجلدِ
لو كنتَ يومَ الوداعِ شاهدنا ... وهنَّ يطفئنَ غلةَ الوجدِ
لم ترَ إلا دموعَ باكيةٍ ... تسفح من مقلةٍ على خدِ
كأنّ تلك الدموعَ قطرُ ندًى ... يقطرُ من نرجسٍ على وردِ
وقال الناشي المتقارب
بكتْ للفراقِ وقد راعني ... بكاءُ الحبيب لبعدِ الديارِ
كأنّ الدموعَ على خدها ... بقيةُ طلٍ على جلنارِ
وقال البحتري في مقلوب ذلك
شقائقُ يحملنَ الندى فكأنه ... دموعُ التصابي في خدودِ الخرائدِ
وقال أبو نواس مما يدخل في هذا الباب وإن لم يكن في تشبيه
تقولُ غداةَ البينِ إحدى نسائهم ... ليَ الكبدُ الحرى فسرْ ولكِ الصبرُ
وقد غلبتها عبرةٌ فدموعها ... على خدها حمرٌ وفي نحرها صفر
يقول لون خدها أحمر فتشكلت الدمعة به لما وقعت عليه فصارت حمراء ولون نحرها أصفر عاجي فصار لونُ ما وصل إليه من الدمع أصفر وقيل للعباس بن محمد ما لون الماء؟ قال لون إنائه والعرب تنعت اللون الدري مثل قول ذي الرمة
كحلاء في برجٍ صفراءُ في نعجٍ ... كأنها فضةٌ قد مسها ذهب
البرج سعة العين والنعج شدة البياض وقال المرقش
النشرُ مسك والوجوه دنا ... نيرٌ وأطراف الأكفِ عنمْ
وقيل لأعرابية كيف لون ابنتك فقالت أحسن من النار الموقدة وقال بشار
وتخالُ ما جمعتْ عليه ثيابها ذهبًا وتبرا
وقال أبو نواس
ظبيٌ كأن الله أل ... بسهُ قشورَ الدرِ جلد
وترى على وجناتهِ ... في أيِّ حينٍ شئتَ وردا
وهذا كثير جدًا، ومن حسن الاستعارة في الدمع قول الطائي
مطرٌ من العبراتِ أرض خدهُ ... حتى الصباح ومقلتاه سماؤه
أحبابه فعلوا بمهحةِ قلبهِ ... ما ليس يفعلهُ به أعداؤه
ونحوه قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
ولما رأيتُ البينَ قد جد جدهُ ... وقد حانَ من نيلِ الفراقِ ركودُ
قعدنا فأمطرنا دموعًا سماؤها ... جفونُ عيونٍ والبقاعُ خدودُ
والرواةُ تستحسن قول ابن الأحنف المتقارب
بكتْ غيرُ آنسةٍ بالبكاءِ ... ترى الدمعَ في مقلتيها غريبا
وقال بشار ما زال غلام بني حنيفة يعني عباس بن الأحنف يدخل نفسه فينا ونخرجه حتى قال
نزفَ البكاءُ دموعَ عينكَ فاستعرْ ... عينًا لغيركَ دمعها مدرارُ
1 / 18
منْ ذا يعيركَ عينهُ تبكي بها ... أرأيت عينًا للبكاءِ تعارُ
وقال دعبل بن علي
يا ربعُ أينَ توجهتْ سلمى ... أمضتْ فمهجةُ نفسهِ أمضا
لا أبتغي سقيا السحابِ لها ... في مقلتي خلفٌ من السقيا
وقال العباس وشبه أحسن تشبيه ويروى لأبي نواس
لا جزَى اللهُ دمعَ عينيَ خيرًا ... وجزى الله كلَّ خيرٍ لساني
نمَّ دمعي فليسَ يكتمُ شيئًا ... ووجدتُ اللسان ذا كتمانِ
كنتُ مثل الكتابِ أخفاهُ طيٌّ ... فاستدلوا عليه بالعنوانِ
باب ١٤ في
مرض العين وغنجها
ومن حسن التشبيه في مرض العين وغنجها قول أبي نواس
ضعيفةُ كرِّ الطرفِ تحسبُ أنها ... قريبةُ عهدٍ بالإفاقةِ من سقمِ
وقال
يا غزالًا صيرَ الج ... سمَ كعينيهِ سقيما
حلَّ في جسميَ ما كا ... نَ بعينيك مقيما
وقيل أغزل بيت قالته العرب قول جرير
إنّ العيونَ التي في طرفها مرضْ ... قتلننا ثم لم يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا
وقال ابن المعتز
ضعيفةٌ أجفانهُ ... والقلبُ منه حجرُ
كأنما ألحاظهُ ... من قلبهِ تعتذرُ
وقال البحتري
وكأنّ في جسمي الذي ... في ناظريك من السقمْ
وقال أيضًا
أجدُ النارَ تستعارُ من النا ... رِ وينشا من سقم عين سقمي
وقال ابن المعتز
وتجرح أحشائي بعينٍ مريضةً ... كما لانَ متنُ السيفِ والحدُّ قاطعُ
وقال الطائي
بيضٌ يدرنَ عيونهنَّ إلى الصبا ... فكأنهنَّ بها يدرن كؤوسا
وقال البحتري
وما أسكرتني الكأس حتى أعانها ... عليَّ بعينيه الغداة مديرها
وقال ماني
وكأنما نهكت قوى أجفانهِ ... بالراحِ أو شيبتْ بإغفاءِ
وقال البحتري الهزج
وفي القهوةِ أشكالْ ... منَ الساقي وألوانُ
حبابٌ مثلُ ما يضح ... كُ عنهُ وهوَ جذلانُ
وسكرٌ مثل ما أسك ... ر جفنٌ منه وسنانُ
وطعمُ الريقِ إذ جادَ ... به والصبُّ هيمانُ
لنا من كفهِ راحٌ ... ومن رياهُ ريحانُ
وقال آخر نحو هذا
هي الخمرُ في حسنٍ وكالخمرِ ريقها ... ورقةُ ذاك اللونِ في رقةِ الخمرِ
فقد جمعتْ فيه خمورٌ ثلاثةٌ ... وفي واحدٍ سكرٌ يزيدُ على السكرِ
وقال البحتري
غداةَ تثنتْ للوداعِ وسلمتْ ... بعينيِ موصولٍ بجفنيهما السحرُ
توهمتها ألوى بأجفانها الكرى ... كرى النومِ أو مالت بأعطافها الخمرُ
وقال ذو الرمة
وعينانِ قال اللهُ كونا فكانتا ... فعولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ
وقال البحتري
تحسبهُ نشوانَ إما رنا ... للفتر من أجفانهِ وهو صاحْ
وشبهوا العينَ بالنرجس فقال ابن الرومي المتقارب
وأحسنُ ما في الوجوهِ العيونُ ... وأشبهُ شيءٍ بها النرجسُ
وقال أيضًا المنسرح
كأنَّ تلكَ الدموعَ قطرُ ندًى ... يسقطُ من نرجسٍ على وردِ
وقال أحدُ الظرفاء
شادنٌ خدهُ وعي ... ناهُ وردي ونرجسي
إنْ يجدْ لي بخمرِ في ... هِ فقد تمَّ مجلس
وقال ابن المعتز
وسنانُ قد خدع النعاسُ جفونهُ ... فحكى بمقلتهِ ذبولَ النرجسِ
ويشبهون العين في تلونها بعين الغزال وهذا تشبيه قديم كقول ذي الرمة
يذكرني ميَّا من الظبي عينهُ ... مرارًا وفاها الأقحوانُ المنورُ
وقال ابن الرقاعِ العاملي
وكأنها وسطَ النساء أعارها ... عينيهِ أحورُ من جاذرِ جاسمِ
وسنانُ أقصدهُ النعاسُ فرنقتْ ... في عينهِ سنةٌ وليسَ بنائمِ
وقال ذو الرمة
إذا أعرضت ب أدماءُ عوهجٌ ... لنا قلتُ هذى عينُ ميٍّ وجيدها
وإنما يشبهون الجيد بجيد الغزال في جيده وحسن نصته كما قال أبو تمام الطائي المنسرح
كالخوطِ في القدِّ والغزالةِ في البهجةِ وابن الغزالِ في غيدهْ
وما حكاهُ ولا نعيمَ لهُ ... في جيدهِ بلْ حكاهُ في جيدهْ
وقال أبو نواس
أعورُ المقلة منْ غيرِ دعجْ ... لوْ عداهُ أعورُ العينِ انسمجْ
تحسبُ النكتةَ في ناظرهِ ... درةً بيضاءَ في فصِ سبجْ
1 / 19
وقال ابن المعذل المديد
أشتهي في المقلة القبلا ... لا كثيرًا يشبهُ الحولا
واحمرارَ الخدِ من خجلٍ ... إنني أستحسنُ الخجلا
باب ١٥ في
الوجه وضيائه
ومن التشبيهات القديمة في الوجه وضيائه قول طرفة
ووجهٌ كأنَّ الشمسَ حلتْ رداءها ... عليه نقيًّ اللونِ لم يتخددِ
حلت بسطتْ وأحلهُ من الحل ضدَّ العقد وقال ابن الرومي
كأنما غنتْ لشمسِ الضحى ... فألبستها حسنها خلعهْ
وقال زهير في هرم
لو كنتَ من شيءٍ سوى بشرٍ ... كنتَ المنورَ ليلةَ البدرِ
وقال قيس بن الخطيم
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوتُ من لهوِ امرئٍ مكذوبِ
فرأيتُ مثل الشمسِ عندَ طلوعها ... في الحسنِ أو كدنوها لغروبِ
أي في وقتين يمكن النظر إلى الشمس فيهما وقال النمر بن تولب
فصدت كأنَّ الشمس تحتَ قناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنتْ بحاجبِ
أراد أنها أعرضت بوجهها للغضب وقال أبو نواس نحوه
يا قمرًا للنصفِ من شهرهِ ... أبدى ضياءً لثمانٍ بقين
وقال بشار في امرأةٍ أعرضتْ
ضنت بخدٍ وجلتْ عن خدِ ... ثمَّ انثنتْ كالنفسِ المرتدِ
ومن أحسن ما قيل في حمد الإعراض قول ابن الرومي
ما ساءني إعراضهُ ... عني ولكنْ سرني
سالفتاهُ عوضٌ ... من كلِّ شيءٍ حسنِ
ما قلتُ إنْ قدْ عقني ... بالصدِّ إلا برني
بدلني من حسنٍ ... حسنًا فماذا ضرني
وقال أبو نواس
تتيهُ الشمسُ والقمرُ المنيرُ ... إذا قلنا كأنهما الأميرُ
فإنْ يك أشبها منه قليلًا ... فقد أخطاهما شبهٌ كثيرُ
لأن الشمسَ تغربُ حين تمسي ... وأنَّ البدرَ ينقصهُ المسيرُ
ونورُ محمدٍ أبدًا تمامٌ ... على وضحِ الطريقةِ لا يحورُ
وقال علي بن الجهم
يا بدرُ كيفَ صنعتَ بالبدرِ ... أفضحتهُ من حيث لا يدري
الدهرُ أنتَ بأسرهِ قمرهْ ... ولذاكَ ليلتهُ من الشهرِ
وقال آخر
إذا أعتُبها شبهتها البدرَ طالعًا ... وحسبك من عيبٍ لها شبهُ البدرِ
وقال علي بن الجهم وذكر نساء
وقلنَ لنا نحنُ الأهلةُ إنما ... نضيءُ لمن يسري بليلٍ ولا نقري
لا بذلَ إلا ما تزودَ ناظرٌ ... ولا وصلَ إلا بالخيالِ الذي يسري
وقال أبو عثمان الناجم نحو ذلك
طالبتُ من شردَ نومي وذعرْ ... وكحلَ العينَ بملمولِ السهر
بقبلةٍ تحسنُ في القلب الأثر ... فقال لي مستعجلًا وما انتظرْ
ليس لغيرِ العينِ حظٌّ في القمر
وقال ابن المسيب الكاتب
ومعذرًا أبصرتهُ ... يهتزُّ كالغصنِ الرطيبِ
ضاهى بنبتِ الشعرِ ما ... في البدرِ منْ تلكَ الندوبِ
للهِ ما أهدتهُ أع ... ينُ ناظريهِ إلى القلوبِ
منْ ذي دلالٍ ناعمٍ ... ما شئتَ من حسنٍ وطيبِ
نهبتهُ أبصارُ الرجا ... لِ فلم يكنْ نزرًا نصيبِ
لكنْ دفعتُ إلى التل ... ذذ حين أسرعَ للمغيبِ
وكأنه بدر الدج ... نةِ حين أصغى للغروبِ
شبهتهُ بالبدرِ في ال ... حالينِ تشبيهَ المصيبِ
أعجبْ بذلك لو أطا ... عَ الغمز باللحظ المريبِ
فظفرت بالقمر الني ... رِ على قضيبٍ في كثيبِ
وعلوتُ منبرةً بره ... زٍ مثل ترجيع الخطيبِ
وأضفتُ ذاك إلى نخيرٍ مثل تشقيقِ الجيوبِ
قد كان ذلك ممكنًا ... لكن دفعتُ إلى الكروبِ
ومما يدخل في هذه الجملة من صفات النساء قول امرئ القيس
يضيءُ الفراشَ وجهها لضجيعها ... كمصباحِ زيتٍ في قناديلِ ذبالِ
كأنّ على لباتها جمرَ مصطلٍ ... أصابَ غضى جزلًا وكفَّ بأجذالِ
ضوء الزيت أنورُ من غيره وأقل دخانًا وعلى ذلك قول النابغة الجعدي في امرأة المتقارب
أضاءتْ لنا النارُ وجهًا أغ ... رَّ ملتبسًا بالفؤادِ التباسا
تضيءُ كمثلِ سراجِ السلي ... طِ لم يجعلِ الله فيه نحاسا
وقال عبد بني الحسحاس
كأنَّ الثريا علقتْ فوق َ نحرها ... وجمرَ غضًى هبتْ له الريحُ ذاكيا
إذا اندفعتْ في ريطةٍ وخميصةٍ ... ولاثتْ بأعلى الرأس بردًا يمانيا
1 / 20