İslam Tasavvufu Edebiyat ve Ahlak
التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق
Türler
15
والخلاصة أن التصوف ليس وقفا على أولئك الدراويش الذين يعيشون عيش التسول، ويتخذون شمائل الزهاد، صادقين أو كاذبين؛ إنما التصوف نزعة روحية يحسها الأغنياء كما يحسها الفقراء، ويدركها الفاجر كما يدركها العفيف، وكم لفتة من لفتات الصدق تقع من رجل معروف بالطيش هي أقرب إلى التصوف والروحانية من أعمال كثير من المرائين الذين يلبسون مسوح الرهبان، ويضمرون غرائز اللئام من السباع والحشرات!
إن الرجل الذي يجود بدرهم مما يملك أقرب إلى الزهد من الفقير الذي يعف عن دينار مما لا يملك، وليس الزهد أن تطيب نفسك عن مغانم قد تنال وقد لا تنال، وإنما الزهد أن تطيب نفسك عن مال تعمر به خزائنك، ثم تجود به طائعا للفقراء والمعوزين.
إن من الإجرام في الحياة العقلية والوجدانية أن نصف المفلسين والعجزة بالزهد والعفاف، إن الزهد أن تترك بعض ما تملك، والعفاف أن تكون عند القدرة مسيطرا على هواك. أما أولئك الدراويش الذين لا يقدرون على فسق ولا زيغ فهم طفيليون في عالم الأخلاق. وإنما يتبين الخلق عند الغنى والعافية، فمن شاء أن يدرس التصوف حق الدرس فلينظر في حياة أرباب الثروة الضافية والشباب السليم، أولئك هم المجاهدون في عالم الأخلاق، وأولئك هم الصوفية وإن لم يرتدوا المرقعات ولم يلزموا المحاريب.
إن المال عزيز على مالكيه، وهم لا يبذلونه طائعين، وإنما يتبرعون طاعة لرغبة قاهرة من المعاني النفسية، وهي معان لا يخضع لها المرء إلا إن تصوف.
والشباب غلاب قهار، ولا يسلك الشاب مسلك التجمل إلا طاعة لرغبة عاتية من المعاني النفسية، وهي معان لا يخضغ لها المرء إلا إن تصوف.
وما أريد أن أحكم بأن كل تفضل زهد، أو أدعي أن كل تجمل عفاف، وإنما أقول: بأن الزهد لا يدل على قوة النفس إلا حين يتضمن معنى الحرمان، والحرمان مما تملك أقسى وأصعب من الحرمان مما تؤمل؛ لأن الملك يغريك بالحرص، ويطمعك في المزيد. أما المأمول فهو سراب، والخفة إليه لا تضمن في جميع الأحوال، فالزهد فيه فضيلة الفارغين.
وكذلك العفاف لا يكون إلا عند القدرة والعافية. أما عفاف العجزة والمفلسين فهو من الفضائل الخسيسة التي لا يتمدح بها إلا الرعاع في عالم الأخلاق.
فإن أردتم مثالا للزهد الذي أعنيه فإني أذكركم بالرجل الصالح إبراهيم بن أدهم الذي ترك ماله وجاهه؛ ليتقرب إلى الله بعيش الفقراء .
وإن أردتم مثالا للعفاف فإني أذكركم بألوف الشبان الذين يجاهدون أنفسهم وأهواءهم في سبيل المجد، ويقضون الليل والنهار في العمل الشريف، ولو غفت عنهم مطامحهم العالية لصرعتهم الشهوات.
Bilinmeyen sayfa