وعند السهروردي أن هذا القطب يجب أن يكون إمام الإنسانية ورئيس العالم كله.
مذهبه: على الرغم من الاختلاف في الأسلوب والتعبيرات، يلاحظ الباحث أن مذهب السهروردي لا يخرج عن كونه نسيجا محكما على منوال مدرسة ابن سينا الإشراقية المتأثرة بالأفلاطونية الحديثة.
ينقسم العالم عند السهروردي إلى قسمين: عالم النور، وعالم الظلام، فالأول هو العالم الروحاني الأعلى المنير، وعلى رأسه الإله الذي يدعوه بنور النور، ويلي هذا الإله في المكانة عقول الكواكب، وهو يسميها الأنوار القاهرة أو الحاكمة أو السائدة، وتليها العقول الأخرى ويسميها الأنوار فقط.
والثاني هو عالم المادة والوضاعة والرداءة، وأشخاص هذا العالم تدعى عنده بالأوثان أو بالبرازخ.
وكيفية صدور الموجودات عن الإله هي أنه قد انبثق إشراق واحد من نور النور، وهذا الإشراق الأول، أو النور الحاكم الصادر عن الإله هو عين ما كان ابن سينا يدعوه بالمعلول الأول، وهذا النور على إثر صدوره ينظر إلى بارئه وإلى ذاته فيجد نفسه مظلما بالنسبة إلى الإله، ومن هذا ينشأ البرزخ الأول، وهو ما كان ابن سينا يسميه بجسم الفلك الأول أو الفلك المحيط، وعلى هذا النظام تصدر الأنوار والبرازخ الأخرى، وهذه البرازخ تتحرك بتأثير الأنوار حركة تجعل الأنوار قاهرة والبرازخ مقهورة، وهكذا يظل النور ينتشر نازلا حتى يعم عالمنا على النهج الذي رأيناه في العالم الأعلى، أي إن كل عقل إنساني يمثل في برزخه العقول العليا في برازخها.
لم يسلك السهروردي الأنهاج الفلسفية فيما يتعلق بنشأة الكون فحسب، وإنما سلكها أيضا في مشكلة الصدور العام، وهي مشكلة «الرياليسم»، «النوميناليسم»، أي الحقيقية والاسمية،
6
فقرر أنه لا يؤيد فكرة المثالية المطلقة، ولا يرى أن للإنسانية أو للحيوانية نموذجا ذا وجود ذاتي، كما قرر أصحاب هذا المذهب؛ لأن الفكرة العامة لا يمكن أن توجد إلا في العقل، إذ لو فرض وجودها في الأفراد لفقدت عموميتها، ولكن ليس معنى هذا أنه لا يوجد غير هذه الأفكار العامة، كلا، بل إن هناك شيئا حقيقيا أسمى من الكائنات المادية وأثبت من الفكر المجردة، إذ كيف يعقل أن الكليات العامة التي هي أرفع من الأشخاص المحسة تنتزع منها؟ وكيف يصدر الأعلى عن الأدنى؟ وكيف يصدر النموذج المثالي من الوثن الوضيع الذي لم يصنع إلا على صورته؟ وإذا، فهناك مبدأ هو الذي يسود أشخاصها ويحددها، وهذا المبدأ هو نور، وهذا النور القاهر الذي يثوي في عالم النور النقي له استعدادات خاصة وصور معينة، وهذه الصور هي صور الحب والسرور والسيادة، وحين يقع ظل هذا النور على عالمنا تنتج منه أشخاص نوعه المرئية، أو أوثانه التي تصير على أثر ذلك أناسي أو حيوانات أو معادن أو طعوما أو روائح، وهذه الصيرورة تقع تبعا للاستعدادات الخفية التي تعد مواد هذه الكائنات لتقبل صور هذا النور، وعلى أثر ذلك توجد الأفكار العامة في العقول.
من هذا يبين أن السهروردي متأثر طورا بالأفلاطونية الحديثة وطورا آخر بالفلسفة الفارسية التي تقسم الكون كله إلى نور وظلام وتخضع الثاني للأول، وتجعله قاهرا له سائدا عليه. (8) ابن الفارض
ولد في القاهرة في سنة 576ه، وتوفي في الأزهر في سنة 632ه، وهي السنة التي توفي فيها عمر السهروردي، وكان في حياته التصوفية فريسة لأنواع كثيرة من الغيبوبة والاضطراب إلى حد أنه كان أحيانا يظل ممتدا على الأرض بضعة أيام دون أن يبدي حراكا، وأحيانا أخرى يتقلب ويتدحرج على سطح الأرض يمينا وشمالا دون أن يعرف أحد ما به، ومن الغريب أنه كان يصنع شعره على أثر هذه النوبات مباشرة.
Bilinmeyen sayfa