Tasavvuf: İslam'da Ruhani Bir Devrim
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Türler
يقول ذو النون: «إنه بمقدار ما يعرف العبد من ربه يكون إنكاره لنفسه، وتمام المعرفة بالله تمام إنكار الذات.» والمقصود بمعرفة الله هنا إدراك العبد أن الحق وحده هو الفاعل لكل شيء، المريد لكل شيء، القادر على كل شيء، وأن العبد لا فعل له ولا قدرة ولا إرادة، وهكذا تؤدي المعرفة بالله - كما يفهمها ذو النون - إلى تمام إنكار الذات؛ إذ يصبح العارف محوا لا فعل له ولا أثر، وهذا معنى الفناء الصوفي الذي تحدث عنه أبو يزيد وكان أول من أفاض القول فيه.
وقد فصل ذو النون القول في المعرفة وأنواعها ودرجاتها وطرق الوصول إليها على نحو لم يسبق إليه. فمعرفة وحدانية الله طريقها الكتاب والسنة، ومعرفة فردانيته وقدرته طريقها الكشف، ومعرفة اسم الله الأعظم هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده.
ولا شك أن إلمام ذي النون المصري بعلوم الأسرار كان له أثره في تصوفه، فقد اعتبر التصوف واحدا من هذه العلوم، ولعله كان في ذلك متأثرا بجابر بن حيان صاحب الكيمياء الذي كان صوفيا أيضا؛ إذ الصلة بين التصوف وعلوم الأسرار أقدم من ذي النون لأنها ترجع - فيما يقال - إلى الإمام جعفر الصادق وتلميذه جابر بن حيان المذكور، غير أن ذا النون كان له الفضل في تعميق فكرة «الباطنية» وتطبيقها في نواح شتى من تصوفه. من ذلك مثلا أنه في كلامه عن التوبة - وهي أول المقامات الصوفية - يذكر نوعين؛ توبة العوام، وتوبة الخواص التي هي من العلم الباطن. فيقول: «توبة العوام تكون من الذنوب، وتوبة الخواص تكون من الغفلة (أي الغفلة عن ذكر الله).»
14
وفي كلامه عن «المحبة» يقول: «إنها سر من أسرار الله لا يجوز الخوض فيها.» بل إنه تحت تأثير فكرة السرية أو الباطنية في التصوف، كثيرا ما يستعمل لغة الرمز التي كانت شائعة في بعض الأوساط اليونانية، كأن يتحدث عن «كأس المحبة» «التي يسقي الله بها المحبين».
15
ومما يتصل بباطنية التصوف: الوجد والسماع، وهما المظهر الخارجي لما يعتلج في تفس الصوفي من أحوال باطنية، وقد كان ذو النون أول من وضع تعريفا لهاتين الحالتين، وبالإضافة إلى المصطلحات الصوفية الإشراقية المتصلة بموضوع المعرفة والأحوال والمقامات، وكلها من وضعه تقريبا، استعمل ذو النون الثروة الكبيرة من المصطلحات التي كانت شائعة إلى عهده. كما نقل مصطلحات من علوم إسلامية كعلم الكلام وأضفى عليها مسحة صوفية؛ من ذلك «التوحيد» الذي كان أول من عرفه تعريفا صوفيا بقوله: «هو أن تعلم أن قدرة الله تعالى في الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه، وليس في السموات العلا ولا في الأرضين السفلى مدبر غير الله، وكل ما تصور في وهمك فالله بخلاف ذلك.»
16
وقد خلف ذو النون طابعه في تصوف البلاد التي زارها، وهي كثيرة منها: دمشق وبيت المقدس وأنطاكية وبغداد، وفي الجزء الغربي من العالم الإسلامي برمته. بل كان بمثابة مدرسة متجولة متنقلة وحوله جماعة سرية باطنية لهم نظام سري خاص، ومن أبرز تلاميذه: يوسف بن الحسين الرازي المتوفى سنة 304، وأبو تراب النخشبي المتوفى سنة 245. •••
أما الفرع الشامي من هذه المدرسة فأظهر رجاله وأقدمهم أبو سليمان الداراني (وداران قرية من قرى دمشق) المتوفى سنة 215، وتلميذه أحمد بن أبي الحواري المتوفى سنة 230، وأحمد بن الجلاء الذي ينتمي إلى الشام بالإقامة وكان من أصل بغدادي، وهم أقرب إلى الصوفية القح منهم إلى الصوفية المتفلسفين أو أصحاب النظريات، وإن كنا نلمس في بعض أقوالهم أثرا لنظريات ذي النون، من ذلك قول أحمد بن الجلاء: «من رأى الأفعال كلها من الله عز وجل فهو موحد لا يرى إلا واحدا.»
Bilinmeyen sayfa