Tasavvuf: İslam'da Ruhani Bir Devrim
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Türler
لما شاء الحق من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود، ويظهر به سره إليه: فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير هذا المحل ولا تجليه له ... إلخ.
10
أي لما شاء الحق ذلك أوجد الإنسان، أو أظهر صفاته وأسماءه في أكمل صورة خلقية هي الصورة الإنسانية.
والمرتبة الثالثة مرتبة شهود الحق في قلب الصوفي حيث تمحى الكثرة وتتجلى الوحدة ويفنى المتناهي في اللامتناهي، وفي هذا الحال لا يرى الصوفي لنفسه ولا للعالم الخارجي وجودا، وإنما يرى الله وحده ويعرف معرفة ذوقية عن طريق اتصاله به، ويتحقق بوحدته الذاتية معه.
هذا هو الجانب الميتافيزيقي لمذهب ابن عربي في طبيعة الوجود، ويلزم عنه منطقيا أنه لا محل فيه لفكرة الألوهية بمعناها الديني المعروف: أي لا محل فيه لإله خالق للعالم بالمعنى المعروف لكلمة الخلق، معبود محبوب، مدبر للكون، عالم مريد، سميع بصير، إلى غير ذلك من صفات «الشخصية» التي تخلعها الأديان على الله، وابن عربي لا ينكر صفات التنزيه التي تقول بها الأديان كالقدم والأزلية والواحدية والوجود الذاتي ونحو ذلك من صفات السلوب، ولكنه يئول أسماء المعاني التي وصف بها الله نفسه تأويلا يخرجها إلى حد كبير عن ظاهر معناها ويجعلها أكثر تمشيا مع فكرته الفلسفية العامة، وهو يلجأ في ذلك إلى حيل لغوية غريبة يظهر فيها أثر منهجه «الظاهري». فاسم «الجبار» عنده مشتق من «الجبر»، والحق جبار بمعنى أنه عنصر الضرورة والوجوب الذي يجعل الكائنات تظهر على نحو ما هي عليه، فهي تخضع لضرورة ذاتية إذ تخضع للحق المتجلي فيها، والاسم «الغفار» مشتق من «غفر» بمعنى غطى، والحق غفار بمعنى أنه «يغطي» ذاته في صور أعيان الممكنات، والاسم «العدل» مشتق من عدل بمعنى مال، والحق عدل لأنه مال من حضرة الوجوب الذاتي إلى حضرة الوجوب بالغير، والاسم «الحفيظ» مشتق من حفظ بمعنى صان، والله هو الحفيظ بمعنى المقوم والصائن لوجود كل شيء بذاته، وهو العليم بمعنى الذي يعلم نفسه بنفسه في تجليه الذاتي لنفسه، وهو السميع بمعنى الذي يسمع الكلام الذاتي للموجودات في حال ثبوتها ، وهكذا وهكذا.
11
من هذا يتضح أن ابن عربي موزع الفكر بين تصورين مختلفين للأولهية: بين إله وحدة الوجود الذي هو مبدأ ميتافيزيقي مجرد من الصفات المشخصة، وإله الأديان الذي له هذه الصفات، وهو يحاول جاهدا أن يوفق بين التصورين فلا يصيب في هذا التوفيق إلا قليلا من النجاح، ولكن الذي لا شك فيه أنه يدين بوجود إله ما يتشبث بعبادته وحبه والتقرب إليه. بل إن عاطفته الدينية لترتفع في حرارتها أحيانا إلى الحد الذي لا يدانيها فيه عاطفة الرجل المؤمن غير المتفلسف، وترى من خلالها قوة الإيمان وصدقه. استمع إليه وهو يصف افتقار الموجودات كلها إلى الله بمعنى تقومها ووجوب وجودها به:
قال تعالى تشريفا لجميع الموجودات وشهادة لهم:
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله . فالفقراء هم الذين يفتقرون إلى كل شيء من حيث أن ذلك الشيء هو مسمى الله، فإن الحقيقة تأبى أن يفتقر إلى غير الله، وقد أخبر الله أن الناس فقراء إلى الله على الإطلاق، والفقر حاصل منهم، فعلمنا أن الحق ظهر في صورة كل ما يفتقر إليه فيه. فلا يفتقر إلى الفقراء إلى الله بهذه المثابة شيء، وهم يفتقرون إلى كل شيء. فالناس محجوبون بالأشياء عن الله، وهؤلاء السادة (يقصد فقراء الصوفية) ينظرون الأشياء مظاهر الحق تجلى فيها لعباده حتى في كل أعيانهم فيفتقر الإنسان إلى سمعه وبصره وجميع ما يفتقر إليه من جوارحه وإدراكاته ظاهرا وباطنا، وقد أخبر الحق في الحديث الصحيح أن الله سمع العبد وبصره ويده، فما افتقر هذا الفقير إلا إلى الله في افتقاره إلى سمعه وبصره. فسمعه وبصره إذن مظهر الحق ومجلاه، وكذلك جميع الأشياء بهذه المثابة. فما ألطف سريان الحق في الموجودات وسريان بعضها في بعض ... فهذا حال الفقراء إلى الله لا ما توهمه من لا علم له بطريق القوم. قال أبو يزيد البسطامي: يا رب بماذا أتقرب إليك؟ قال: بما ليس لي: الذلة والافتقار.
12
Bilinmeyen sayfa