بسم الله الرحمن الرحيم
[١]
كتاب الطهارة
١ - مسألة: الخارج النجس من بدن الآدمي، من أي موضع كان، يوجب انتقاض الطهارة. وعنده من السبيلين
والوجه فيه - أن الخارج من غير السبيلين يشارك الخارج من السبيلين في الوصف المؤثر في إيجاب الوضوء، فيشاركه في إيجاب الوضوء ..
وإنما قلنا ذلك- وذلك لأنه يشاركه في خروج، فيكون مشاركًا له في الوصف المؤثر في إيجاب الوضوء.
وإنما قلنا بأن يشاركه في خروج النجاسة، لأن الدم نجس، ولهذا منع جواز الصلاة إذا زاد على الدرهم بالإجماع، وخروج النجاسة وصف مؤثر في إيجاب الوضوء، لأن نجاسة المحل توجب الإخلال بالتقرب إلى المعبود وتمنع التعظيم في العبادة، فمست الحاجة إلى كمال التعظيم في العبادة، وذلك برفع المانع من التعظيم، وهو النجاسة، ورفع النجاسة. إنما يكون بضدها، وهو الطهارة، حكميًّا كان أو حقيقيًا.
1 / 3
فعلم أنه يشاركه في الوصف المؤثر في إيجاب الوضوء، فيشاركه في إيجابه.
فإن قيل: قولكم بأن الخارج من غير السبيلي يشارك الخارج من السبيلين- قلنا: لا نسلم. وظاهر أنه لا يشاركه، لأن الحكم في السبيلين ثبت نصًا غير معقول المعنى، على سبيل التعبد، فلا يتعدى إلى غيره.
ولئن سلمنا أنه يشاركه فيما ذكرتم، ولكن لم قلتم بأن خروج النجاسة وصف مؤثر، أو نقول: الحكم تعلق بحقيقة النجاسة أم بدليلها؟ ع م. وهذا لأن الخارج من السبيلين قد يكون نجسًا كالبول والعَذِرة، وقد يكون طاهرًا كالولد والدود، فلو علقنا الحكم بأحدهما دون الآخر يحتاج الإنسان إلى النظر والتمييز بين خارج وخارج، فيؤدي إلى الحرج والاستقذار- فالشرع أعرض عن اعتبار حقيقة النجاسة وعلق الحكم بدليلها، وقد وجد ذلك في السبيلين، لأنها أعدا لخروج النجاسة خلقة، فكان نفس/ الخروج دليلًا على نجاسة الخارج، ولم يوجد في غير السبيلين، لأنه أعد لخروج الطاهرات كالدمع والبزاق والعرق وغيرها، فلا يكون المخرج دليلًا على نجاسة الخارج.
ولئن سلمنا أن الحكم معلق بحقيقة النجاسة- لكن لم قلتم بأن نجاسة الخارج من غير السبيلين مثل النجاسة الخارجة من السبيلين، ليصح القياس؟ . وبيان التفاوت أن النجاسة الخارجة من السبيلين أغلظ، لأن المحلين أعدا لخروج النجاسة. ثم الدليل على المفارقة بينهما الأحكام:
منها- أن النجاسة القليلة إذا ظهرت على رأس الجرح لا توجب.
1 / 4
ومنها- أن الدودة إذا سقطت منه لا توجد، وإذا سقطت من السبيلين توجب أو ظهرت على رأس الإحليل.
ومنها- أن الريح إذا خرجت من غير السبيلين لا توجب، وإذا خرجت من السبيلين توجب.
ثم هذا معارض بقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ﴾ منسوقًا على قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ﴾: علق إيجاب الوضوء بالمجئ من الغائط، والمعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط. وبما روى عن النبي ﷺ أنه قاء فغسل فمه وقال: "هكذا الوضوء من القيء". ولحديث عمر وابن عباس.
1 / 5
الجواب:
- أما قوله بأن الحكم ثمة ثبت غير معقول المعنى -قلنا: لا نسلم، بل ثبت معقول المعنى، وإن كان منصوصًا. والمعقول ما ذكرنا من المناسبة.
- قوله: الحكم تعلق بحقيقة النجاسة أم بدليلها؟ قلنا: بحقيقة النجاسة، لأن المؤثر حقيقة النجاسة على ما مر.
- قوله: التميز متعذر- قلنا: لا حاجة إلى التميز، لأن الخارج من السبيلين لا يكون إلا نجسًا، إما بذاته أو بمجاورة النجس إياه. وإذا أمكن تعلق الحكم بالحقيقة لا ضرورة إلى تعليق الحكم بالدليل، وهو المخرج لأنه عضو طاهر.
- قوله: لم قلتم بأن الخارج مثل الخارج- قلنا: لأن الشرع سوى بينهما في أحكام النجاسة.
- قوله: بأن الملحين أعد لخروج النجاسة- قلنا: بلى، ولكنه عضو طاهر كسائر الأعضاء، فلا تأثير له في غلظ الخارج.
- وأما الأحكام: فالأصل في تخريجها/ أن الطهارة وإنما تنتقض بخروج النجاسة إلا أن الخروج من السبيلين يحصل بمجرد الظهور، لأن ذلك الموضع ليس بموضع النجاسة، فإذا ظهرت النجاسة علم أنها انتقلت من موضع آخر، وفي غير السبيلين لا يتحقق الخروج إلا بالسيلان، لأن تحت كل بشرة بلة سيالة فتظهر بزوال الحائل، لا بالانتقال، فلا بد من السيلان.
وكذلك الدودة والريح، لا يخلو عن مجاورة قليل النجاسة المنتقلة عن موضع آخر، فيتحقق الخروج. وفي غير السبيلين لا يتحقق الخروج، فافترقا.
وأما الآية- قوله: المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط- قلنا: لا نسلم. وظاهر
1 / 6
أنه لا ينفي وجوده قبل الشرط، فإنه لو علق طلاق امرأته بدخول الدار لا يكون نافيًا طلاقها قبل الدخول على ما عرف.
وأما حديث القيء- قلنا: يحتمل أنه كان ملء الفم فيكون ناقضًا. ويحتمل أنه كان أقل منه فلا يكون ناقضًا. على أن الظاهر من حالة قلة القيء، لقلة أكله، عملًا بالدليل.
وأما حديث عمر- فلا حجة فيه، لأنه صاحب الجرح السائل.
وحديث ابن عباس- محمول على نفي الاغتسال، ردًا على من كان يوجب ذلك، عملًا بالأدلنة.
والله أعلم.
٢ - مسألة: النية والترتيب في الوضوء ليسا بشرط. وعنده شرط
والوجه فيه- أن شرط جواز الصلاة إنما هو الطهارة، وقد حصلت، فتجوز الصلاة، قياسًا على مواضع الإجماع.
وإنما قلنا- لقوله ﵇: "لا صلاة إلا بطهارة".
وإنما قلنا: قد حصلت الطهارة، لأنه وجد استعمال الماء، والماء طهور مطلقًا، لقوله تعالى: ﴿وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ والطهور اسم لما يطهر غيره نقلًا عن أئمة التفسير واللغة. وإذا وجد استعمال المطهر، تحصل الطهارة ضرورة، فيكتفي به.
فإن قيل: قولكم بأن الطهور اسم لما يطهر غير- قلنا: لا نسلم، بل الطهور اسم للطاهر على سبيل المبالغة، كالأكول اسم للآكل على سبيل المبالغة.
1 / 7
ولئن سلمنا أن الطهور للمطهر، ولكن بمعنى إزالة/ النجاسة الحقيقة أم بمعنى إزالة النجاسة الحكمية؟ م ع غاية ما في الباب أنه مطلق، ولكنهما أمران متغايران، فلو حملنا اللفظ عليهما يؤدي إلى اشتمال اللفظ الواحد على معنيين مختلفين.
ولئن سلمنا أن الطهارة قد حصلت، ولكن لم قلتم بأنه يجوز الصلاة بدون النية للصلاة عند الوضوء؟ .
ثم هذا معارض بالكتاب والسنة.
أما الكتاب-[فـ] قوله تعالى: ﴿إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ﴾ أي للصلاة.
وأما السنة-[فـ] قوله ﵇: "الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
الجواب:
قوله: الطهور اسم للطاهر- قلنا: لا نسلم، بل اسم للمطهر [في] اللغة [والتفسير].
1 / 8
[قوله: بمعنى إزالة النجاسة الحقيقية أم الحكمية؟ - قلنا: اللفظ مطلق فيتناولهما.
قوله: بأن الطهارة الحقيقية مخالفة للطهارة الحكمية- قلنا: هذه مخالفة من حيث النوع، وإنها لا تمنع دخوله تحت مطلق الاسم، كالرقبة التركية والهندية في قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾.
قوله: لم قلتم بأنه تجوز الصلاة بدون النية للصلاة عند الوضوء وإن حصلت الطهارة- قلنا: لأن الطهارة إذا حصلت وجب القول بجواز الصلاة، لقوله ﵇: "لا صلاة إلا بطهارة": نفي واستثنى، والاسثتناء من النفي إثبات.
وأما الآية- قلنا: نقل عن ابن عباس أنه أضمر فيها "إذا قمتم إلى الصلاة، وأنتم محدثون" فلم قلتم بأنه محدث؟ .
وأما الحديث- قلنا: المراد من الأحاديث الأعمال التي هي عبادة لإجماعنا على أن النية ليست بشرط فيما ليس بعبادة، ونحن نسلم أن الوضوء إذا عرى عن النية لا يقع عبادة، ولكنه يقع وسيلة إلى الصلاة، لما ذكرنا من حصول الغرض، وهو الطهارة، كالسعي إلى الجامع.
1 / 9
٣ - مسألة: إزالة النجاسة الحقيقية بما سوى الماء من المائعات الطاهرات جائزة وعنده لا يجوز
والوجه فيه- أن الخل شارك الماء في كونه مؤثرًا في إزالة النجاسة، فيشاركه في إفادة الطهارة.
وإنما قلنا ذلك- لأن الماء شيء رقيق لطيف فيدخل خلال الثوب/ فتصحبه أجزاء النجاسة. فإذا عصر الثوب يزول عنه الماء فيزول معه ما صحبه من أجزاء النجاسة، والخل يشاركه في هذا الوصف بل فوقه في قلع الآثار، فعلم أن الخل يشارك الماء في كونه مؤثرًا في إزالة النجاسة، فوجب أن يشاركه في إفادة الطهارة، لأن الماء إنما يؤثر في إفادة الطهارة لكونه مؤثرًا في إزالة النجاسة، لأن نجاسة الثوب ما كان باعتبار ذاته، فإن ذاته طاهر، بل اعتبار مجاورة النجاسة إياه، فإذا زالت المجاورة صار الثوب طاهرًا- هذا المعنى موجود في الخل، بل أقوى، فيفيد الطهارة ضرورة.
فإن قيل: قولكم بأن الخل شارك الماء في كونه مؤثرًا لإزالة النجاسة- قلنا: لا نسلم بأنه يؤثر في غزالة النجاسة، وهذا لأن الخل إذا خالط نجاسة الثوب يصير نجسًا، والنجس لا يزيل النجاسة، وهكذا نقول في الماء، إلا أن الشرع حكم ثمة بالطهارة لمكان الضرورة غير معقول المعنى، فلا يتعدى إلى غيره.
ولئن سلمنا أن الخل يؤثر في إزالة النجاسة الحقيقية، ولكن لم قلتم بأنه يؤثر في إفادة الطهارة الشرعية، وهذا لأن المعنى من الطهارة الشعرية كون المحل بحال يجوز أداء الصلاة معه، وهذه الحالة تزول بسبب المجاورة، كما تزول عن أعضاء المحدث بسبب الحدث، ثم زوال السبب وهو عين النجاسة، لا يوجب زوال هذا الحكم- دل عليه أنه لا يجوز إزالة الحدث به.
1 / 10
ثم هذا معارض بقوله ﵇: "حتيه واقرصيه واغسليه بالماء".
الجواب:
قوله: الخل بمخالطة النجاسة يصير نجسًا، فلا يزيل النجاسة- قلنا: عنه جوابان:
أحدهما- لا نسلم بأنه يصير نجسًا، بل يبقى طارهًا شرعًا ما دام على المحل، ضرورة إقامة التكليف.
والثاني- أنه يصير نجسًا، ولكن نجاسة المجاورة لا نجاسة الذات. فإذا تقللت المجاورة وزالت النجاسة شيئًا فشيئًا بتكرار الغسل، يبقى الماء الأخير خاليًا من المجاور النجس، فكان طاهرًا.
/قوله: لم قلتم بأنه يؤثر في إفادة الطهارة الشرعية- قلنا: لأنه المعنى من طهارة الثوب شرعًا، كونه بحال يجوز أداء الصلاة فيه، والثوب كان بهذه الحالة، إلا أنه امتنع عمله لمانع، وهو مجاورة النجاسة، فإذا زال المانع، عمل عمله، وصار الثوب بحال لو صلى معه يحصل كمال التعظيم، فاشتراط الماء منع له من ذلك، فلا يجوز، بخلاف المحدث، لأنه نجاسة حكمية، فيتبع في إزالته مورد الشرع، أما ههنا بخلافه وبخلاف المائعا الدسمات، لأن الدسومة مانعة من القلع.
وأما الحديث- قلنا: أوجب الغسل بالماء لغيره، وهو زوال النجاسة، لا لعينه، لأن الغرض هو التطهير بالآية، فإذا حصل المقصود، فلا حاجة إلى اشتراط الماء على التعيين.
والله أعلم.
1 / 11
[٢]
كتاب الزكاة
٤ - مسألة: الزكاة واجبة في الحلى. ولا تجب عنده
والوجه فيه- أن الزكاة حكم متعلق بوصف ملازم لعين الذهب والفضة، وهو الثمنية، فيبقى ما بقى العين، قياسًا على حكم الربا: فإنه متعلق بوصف ملازم للذهب والفضة وهو الوزن أو الثمنية.
وإنما قلنا ذلك- لأن سبب وجوب الزكاة مال نام مقدر، لأن الزكاة في اللغة عبارة عن النماء والزيادة، إلا أن الحكم غير متعلق بحقيقة النماء، لأنه قد يحصل وقد لا يحصل، فتعلق الحكم بدليله، وهو التجارة. ولا يمكن أيضًا تعليقه بحقيقة التجارة، لأنها قد توجد وقد لا توجد، فتعلق بدليل التجارة، ودليل التجارة في الذهب والفضة الثمنية، لأنها داعية إلى التجارة، فكانت الزكاة متعلقة بوصف الثمنية، ووصف الثمنية ملازم لعين الذهب والفضة، وإنها باقية بعد الصياغة، لأن المعنى من الثمنية كونه بحال يقدر به مالية الأشياء ويتوصل إليها، وهو بهذه الصفة بعد الصياغة، فيبقى الحكم المتعلق، فتجب الزكاة.
فإن قيل: قولكم بأن سبب وجوب الزكاة مال نام، لأن الزكاة عبارة عن النماء- قلنا: لا نسلم، بل الزكاة عبارة عن الطهارة، فلا يناسبهـ[ـا] النماء.
1 / 12
ولئن/ سلمنا أن سبب وجوب الزكاة مال نام، ولكن لم قلتم بأنه موجود هنا؟ .
قوله- بأن الحكم تعلق بدليل النماء، وهو دليل الثمنية: قلنا: [هل] الحكم تعلق بالثمنية التي تثبت بأصل الخلقة أم بالثمنية التي تثبت باصطلاح الناس؟ ع م. وهذا لأن الذهب والفضة كما يصلحان لجهة الثمنية يصلحان لمصالح أخر، فلا تتعين الثمنية بأصل الخلقة، وإنما تصير الثمنية باصطلاح الناس، وهو الداعي إلى التجارة، والحلي لا تعد للثمنية باصطلاح الناس غالبًا، فلا يجب فيها الزكاة.
ولئن سلمنا بأن الذهب والفضة خلقا في الأصل ثمنًا، ولكن لم قلتم بأنه بقي هذا الوصف بعد الصياغة؟ وهذا لأن الوصف الثابت بأصل الخلقة قد يبطل بعارض من جهة العبد، بأن يجعل العوامل سوائم والسوائم عوامل، فتجب الزكاة مرة وتبطل أخرى، واتخاذه حليًا يشعر بإعداده للإمساك، فكونه ثمنًا يشعر بإعداده للإخراج، وبينهما تناف.
ثم هذا القول معارض بقوله ﵇: "لا زكاة في الحلي" وقول ابن عمر: "زكاة الحلي إعارتها".
الجواب:
- قوله: بأن الزكاة عبارة عن الطهارة- قلنا: بلى. ولكن المراد ههنا معنى النماء،
1 / 13
لأن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة، والأمر بإيتاء الطهارة لا يجوز، فلا يجوز أن يقال "آتوا الطهارة" ولكن يجوز أن يقال "آتوا الزيادة من المال"، فكان ما ذكرناه أولى.
- قوله: الحكم تعلق بالثمنية الثابتة بأصل الخلقة أم باصطلاح الناس؟ قلنا: بالثمنية الثابتة بأصل الخلقة وإن كانـ[ـت] الثمنية الثابتة بالاصطلاح أدعى إلى النماء، لأن الحكم لا يدار على النهاية في الدليل، وإنما يدار على أصل الدليل، كما في السفر مع المشقة.
- قوله: هما لا يتعينان للثمنية- قلنا: لا نسلم، بل يتعينان من حيث إنها هي الخلقة الأصلية منهما، وغيرها تبع.
- قوله: لم قلتم بأنه بقي هذا الوصف بعد الصياغة؟ قلنا: لأنه كان قبل الصياغة، والصياغة لا تبطله حقيقة وشرعًا: أما حقيقة فلأن اتخاذه حليًا يحتمل الإمساك للتحلي ويحتمل/ الصرف في التجارة، لكونه صالحًا لهما، فلا تبطل الثمنية الخلقية بالشك والاحتمال. وأما شرعًا فلأن الشرع أطلق التحلي للنساء، ولو كان مبطلًا لما أطلق، لأنه حينئذ يكون إخلالًا بأعلى المصلحتين لإقامة أدناهما، بخلاف الدواب، لأن كلا من الإسامة والإعمال مصلحة موازنة للأخرى.
وأما الحديث- قالوا: إنه غير ثابت. ولئن ثبت فيحمل على اللآليء والجواهر عملًا بالدليلين.
والله أعلم.
1 / 14
٥ - مسألة: لا تجب الزكاة في المال الضمار، وعنده تجب
والوجه فيه- أن مال الضِمار ليس بنام، فلا تجب الزكاة فيه، قياسًا على ثياب البذلة.
وإنما قلنا ذلك- وذلك لأنه لو كان ناميًا: إما أن يكون ناميًا حقيقة، أو تقديرًا بقيام دليل النماء- لا وجه للأول لأنه لم يوجد حقيقة لأن الكلام فيه. ولا وجه للثاني لأن دليل النماء هو التجارة، ودليل التجارة القدرة عليها، ولم توجد القدرة ههنا- لأن ذلك إنما يكون ابالنبش والنبس إنما يكون بالتذكر، والتذكر غير مقدور له، فلا يكون ناميًا، لا بحقيقته ولا بدليله، فلا تجب الزكاة لانعدام السبب المناسب.
فإن قيل: التعليق يشكل بالمال الموضوع في صندوقه إذا نسيه حتى حال الحول، وبالدين على المفلس المقر، والمال المدفون في البيت، والكرم إذا نسى مكانه، والوديعة إذا نسى المودع، ومال ابن السبيل- فإنه تجب الزكاة في هذه الصور مع وجود ما ذكرتم.
ثم نقول: لا نسلم بأن دليل النماء هو القدرة على التجارة، بل دليل النماء صلاحيته للتجارة عند تصور التجارة، وقد وجد ههنا.
1 / 15
ولئن سلمنا أن دليل النماء هو القدرة، ولكن لم قلتم بأنه لم توجد؟ وهذا لأن القدرة بالتذكر، والتذكر غالب الوجود، وإن لم يوجد فبله الحكم عليه، كما في السفر مع المشقة.
ثم هذا معارض بقوله تعالى: ﴿والَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ وقوله ﵇: "في الرقة ربع العشر" إلى غيرها من النصوص مطلقًا من غير فصل.
الجواب:
أما المال الموضوع في الصندوق-[فـ] لا يرد نقضًا، لأن التذكر/ ثم أغلب والنسيان نادر، أما ههنا على العكس.
وأما الدرين على المفلس- قلنا: القدرة ثابتة ثمة في الجملة، بأن يشتري شيئًا بالدراهم ويحيل البائع عليه.
وأما المال المدفون في البيت- فطريق الوصول في يده، وهو نبش كل البيت.
ومسألة المودع- إن لم يعرف في الابتداء، لا تجب الزكاة فيه. وإن عرفه ثم نسيه تجب، لأن نسيان من يودع نادر، فألحق بالعدم.
وأما المدفون من الكرم-[فقد] اختلف المشايخ فيه، فمنع.
1 / 16
وأما مال ابن السبيل-[فـ] مال نام، لأنه قدر على استنمائه، إما بنفسه بأن يذهب إليه، أو بنائبه.
قوله: بأن دليل النماء هو الصلاحية للتجارة- قلنا: ليس كذلك، لأن الصلاحية قد تفضي وقد لا تفضي، إذ ليس كل ما يصلح لأمر يستعمل في ذلك ليربو.
قوله: بأن التذكر غالب- قلنا: لا نسلم، بل هو محتمل احتمالًا على السواء.
ولئن سلمنا أنه غالب، ولكن إنما يكون قادرًا عند وجود طريقه، فإذا لم يوجد حتى ثم الحول، لم يكن الاعتذار دليلًا، بخلاف السفر، فإن المشقة فيه غالبة والترفه نادر.
وأما النصوص- قلنا: هذه عمومات خصت منها ثياب البذلة وبدل الكتابة غيرها- فيخص المتنازع فيه، بما ذكرنا من الدليل.
والله أعلم.
٦ - مسألة: المستفاد من جنس النصاب يضم إلى ما عنده من النصاب في حكم الحول. وأنه تجب الزكاة فيه عند تمام الحول على الأصل وعنده لا يضم.
والوجه فيه- أن اشتراط الحول للمستفاد يؤدي إلى العسر، فوجب أن لا يشترط، قياسًا على الأولاد والأرباح.
وإنما قلنا ذلك- لأن أسباب المستفاد يكثر وجودها، فلو شرطنا الحول لكل مستفاد، يحتاج إلى اعتبار ابتداء الحول وانتهائه لكل مستفاد فيؤدي إلى العسر، والحول في باب الزكاة حيث شرط إنما شرط لدفع العسر والحرج، فإذا أدى إلى العسر والحرج وجب أن لا يشترط كما قلنا في الأولاد والأرباح.
1 / 17
فإن قيل: التعليل يشكل بالمستفاد بخلاف الجنس ثم يقول: أيش/ تعني بأن اشتراط الحول في المستفد يؤدي إلى العسر؟ - تعني به أصل المشقة أو تعني به نهاية المشقة الخارجة عن الوسع؟ إن عنيت به الأول، فهو المقصود من العبادات. وإن عنيت به الثاني فلا نسلم أنه ثابت ههنا، وإن سلمنا أنه يؤدي إلى العسر. ولكن لم قلتم بأنه لا يشترط؟ .
وأما القياس على الأولاد والأرباح- قلنا: الفرق ظاهر، وهو أنا قلنا ثم بالضم لعلة التبعية، والتبع له حكم الأصل، أما ههنا بخلافه.
ثم هذا معارض بقوله ﵇ "لا زكاة في مال حتاي حول عليه الحول" وبقوله ﵇: "من استفاد مالًا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول".
الجواب:
أما المستفاد بخلاف الجنس- إنما لا يضم، لأن اشتراط الحول لا يؤدي إلى العسر، لأنه لا يكثر وجوده. أما هنا بخلافه.
قوله: أيش تعني بالمشقة؟ قلنا: تعني بها المشقة الزائدة على المشقة الحاصلة بنفس أداء الزكاة لما ذكرنا، لا أصل المشقة.
قوله- بأن الضم في الأولاد إنما كان للتبعية- قلنا: لا نسلم، بل كان لما ذكرنا، من دفع الحرج، لمكان المناسبة.
وأما الأحاديث- قلنا: عمومات خص منها البعض، والعام إذا خص منه البعض
1 / 18
بقي حجة. على أن قوله: "من استفاد مالًا"- الصحيح أنه من كلام ابن عمر، وقول صحابي واحد لا يكون حجة.
٧ - مسألة: أثمان الإبل المزكاة لا تضم إلى ما عنده من النصاب في حكم الحول
والوجه فيه- أن إيجاب الزكاة في ثمن الإبل المزكاة عند تمام الحول على الأصل، يؤدي إلى أداء الزكاة مرتين، في مال واحد، في حول واحد، فوجب أن لا يجب.
وإنما قلنا ذلك- لأن المال وإن اختلف صورة، فهو متحد معنى، لأن الثمن قائم مقام المثمن.
وإنما قلنا بأن الحول متحد- لأن الزكاة إنما تجب في الثمن بحول يحول على الأصل، وقد مضى بعض حول الأصل على عين الإبل، وأداء زكاتها، فلو وجب الزكاة في بقية الحول في الثمن، كان ثنى وذلك منفي لقوله ﵇: "لا ثنى في الصدقة".
فإن قيل: قولم بأن المال واحد- قلنا: لا نسلم، بل تغايرا حقيقة وحكمًا: أما/ حقيقة فلأن حقيقة الدراهم غير حقيقة الإبل. وأما حكمًا فلأن الزكاة تعلقت بالإبل من حيث إنها عين الإبل، لا من حيث إنها مال، بدليل أنه لا يعتبر قيمتها.
1 / 19
ولئن سلمنا أن المال متحد، ولكن لم قلتم بأن الحول متحد، أو نقول: الحول متحد حقيقة أم حكمًا؟ ع م- بيانه: وهو أنا جعلنا حول الأصل حائلًا على الثمن حكمًا لا حقيقة فلم يتحد الحول.
ولئن سلمنا اتحاد المال والحول- ولكن لم قلتم بأنه لا يجوز؟ .
وأما حديث الثنى- قلنا: الحديث عن الثنى مطلقًا، فيصرف إلى الثنى من كل وجه، وهذا ثنى من وجه دون وجه، فلا يتناوله الحديث.
الجواب:
قوله: بأن الزكاة تعلقت بالإبل من حيث إنها عين الإبل، لا من حيث إنها مال- قلنا: لا نسلم بل تعلقت من حيث إنها مال، لأن الزكاة وإن تعلقت بالنصُب من حيث أعيانها، ولكن تعلقت أيضًا بوصف المالية في كل المواضع، لاقتضاء النصوص نحو قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ و﴿وفِي أَمْوَالِهِمْ﴾ و"هاتوا ربع عشور أموالكم". ولأن الزكاة وجبت شكرًا لنعمة هذه الأعيان من حيث إنها مال، والثمن أقيم مقام الإبل بوصف المالية فاتحد المال معنى، إلا أن الشرع قدر مالية الإبل بخمسة أعداد كما قدر مالية الدراهم بالمائتين.
قوله: الحول متحد حقيقة أم حكمًا؟ قلنا: لما ثبت أن الثمن بدل الإبل، وقيام البدل كقيام المبدل، فصار كأن الإبل قائمة معنى، ولو كان هكذا كان إيجاب الزكاة
1 / 20
في مال واحد في أقل من سنتين مرتين، وإنه يؤدي إلى الثني.
قوله- بأن الحديث ينفي الثني من كل وجه، وهذا ثني من وجه دون وجه- قلنا: الحديث ينفي الثني مطلقًا، وهو تثنية الزكاة، إلا أنا توافقنا على أن الثني عند تعدد الحول وتعدد المال صورة ومعنى غير مراد- فبقي الثني، عند اتحاد الحول والمال، معنى مرادًا بالنص، عملًا بالنص بقدر الإمكان.
والله أعلم.
٨ - مسألة: مسألة المديون بقدر الدين لا ينعقد سببًا لوجوب الزكاة
والوجه فيه- أن الزكاة لو وجبت عليه لا يخلو: إما أن تجب على وجه يؤدي من هذا المال أو يؤدي من مال آخر- لا وجه/ للأول، لأن هذا المال واجب الصرف إلى الدين، لأن الكلام فيما إذا لم يكن له مال آخر سواه، والدائن يضيق عليه بالمطابقة، ومطل الغني ظلم، فلو صرف إلى الفقير يكون إخلالًا بالواجب وظلمًا وإنه حرام. ولا وجه للثاني لأن الكلام فيما إذا لم يقدر على مال آخر أصلًا، فانتفى الوجوب، قياسًا على ثياب البذلة.
فإن قيل- قولكم بأن هذا المال واجب الصرف إلى الدين- قلنا: لا نسلم.
قوله- الكلام فيما إذا لم يكن له مال آخر- قلنا: نعم، ولكن يمكن قضاء الدين بواسطة الاكتساب والاستقراض، فلا يتعين هذا المال بدليل أنه لا يتعلق الدين بعينه، حتى لا يسقط الدين بهلاك هذا المال، ولا يكون للدائن منع التصرف فيه.
ولئن سلمنا أنه متعين لقضاء الدين، لكن كله أم ما وراء قدر الزكاة منه؟ ع م.
بيانه- أنه إذا حال الحول صار قدر الزكاة مستحقًا للفقير، فلا يبقى ملكًا له، فلا يجب عليه قضاء الدين من هذا القدر، لعدم ملكه.
1 / 21
ولئن سلمنا أن كله واجب الصرف إلى الدين- ولكن لم قلتم بأنه لا يجوز أن يكون أيضًا واجب الصرف إلى الفقراء، فيجتمع الواجبان، كالصلاة مع إنجاء الغريق وغيرها؟ .
ولئن سلمنا أنه لا تجب الزكاة لتؤدي من هذا المال ولا من مال آخر- ولكن لم قلتم بأنه لا تجب الزكاة دينًا في ذمته ليؤدي عند القدرة، كما قلنا في الحائض إذا طهرت في آخر جزء من الوقت والكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ؟
الجواب:
قوله- يمكن قضاء الدين بواسطة الاكتساب والاستقراض- قلنا: قضاء الدين واجب في الحال وإنه قادر على هذا المال، والاستقراض يحتمل الحصول، والمحتمل لا يعارض القطعي، والكلام فيما إذا تعين هذا المال لدفع ضرر الحبس المعجل.
قوله -لا يتعلق الدين بعينه- قلنا: تعلق الإنسان بمال الغير خلاف الدين إلا للضرورة، والضرورة في المرض، أما لا ضرورة في الصحة. وإنما لا يسقط الدين بهلاك هذا المال، لأنه ثابت في الذمة/ والذمة باقية، وأما الأداء فمتعين منه ههنا، بخلاف هلاك النصاب لأنه في المال.
قوله: تعين لقضاء الدين كله أم ما وراء قدر الزكاة؟ - قلنا: كله.
قوله: صار قدر الزكاة ملكًا للفقير وحقًا له- قلنا: لا نسلم، وإنما يكون كذلك أن لو وجبـ (ـت) الزكاة، وقد بينا أنه لا تجب الزكاة حقًا للدائن ودفعًا لضرر الحبس عن المديون.
قوله: لم لا يجوز أن يجتمع الواجبان؟ - قلنا: لتعذر الجمع. ولئن ثبتا يكون
1 / 22