وقد ظهرت ترجمة إنجليزية هذا الشهر لكتابه «الجورنال»؛ أي: المذكرات اليومية التي ينقل فيها إحساساته وتأملاته، والعجب في هؤلاء الإنجليز أنهم ارتضوا السجن لأوسكار وايلد سنتين، ثم هم يرحبون الآن بتلميذه الذي يدعو دعوته.
وأعظم ما يفتن في أندريه جيد هو هذا الأسلوب الفرنسي المستقطر، وهذا الاستطلاع السيكلوجي الذي يفتح الذهن على مكامن الظلام وأودية النور في الطبيعة البشرية، وأخيرا هذا التعلق بالحرية.
الفصل الخامس والثمانون
الشيخوخة المعذبة في مصر
إن الشيخوخة في مصر لا تجد ما تستحق من عناية، فإن الحكومة تقيل الموظف من عمله وهو في الستين، وتستغني بذلك عن اختباراته القيمة، مع أنه قد يستطيع العمل عشر سنوات أخرى ربما تكون خير سني حياته للخدمة الحكومية، وصحيح أن جهده الجسمي في هذه السنوات ينقص، ولكن ليس هناك أي دليل على أن جهده الذهني الذي تحتاج إليه الحكومة ينقص أيضا، بل إنه يمتاز على من دونه في السن بالخبرة التي تلهمه الحكمة والتبصر.
ثم هو حين يقال في الستين لا يجد شيئا من الاستمتاع، فليس عندنا أندية للمسنين، ثم نحن نقحم عليهم وقارا متزمتا ينكر عليهم الاستمتاعات البسيطة، فإذا لبس المسن جاكتة بيضاء، أو كرافتة حمراء، أو إذا سار على الشواطئ ببنطلون أبتر، أو إذا ضحك فقهقه، أو إذا زار الدور السينمائية أو غير ذلك، اتهم بالخروج عن عادة الشيخوخة ووقارها.
وهذا الوقار الإلزامي شرقي في أساسه، ولعل له علاقة بتلك الحركات الصوفية التي كانت تدعو إلى الهدوء والتأمل، أو الركود، وهو ركود الكسل والتعفن والبلى، فأصبح الصلاح يقصد منه خطأ كراهة النشاط والتزام السكينة بدعوى الوقار، وشيوخنا يذبلون لهذا السبب، وهم يقضون سني حياتهم التي قد تطول بعد الستين في ملابس قاتمة توحي بالكآبة والاغتمام في عزلة البيت أو على المقهى لتبديد الوقت في ألعاب الحظ السخيفة، أو في الزيارات العقيمة للأقارب!
واعتقادنا أن الحكومة تنتفع كثيرا، اقتصادا وكفاءة ، إذا رفعت سن الإحالة على المعاش إلى الخامسة والستين، ما لم يطلب الموظف هذه الإحالة لأسباب شخصية، وسن الخامسة والستين، بل سن السبعين، هي سن المعاش في كثير من الأمم الأوروبية، وخاصة في القضاء الذي يحتاج إلى أكبر المجهودات الفكرية.
واعتقادنا أيضا أننا يجب أن نربي جمهورنا على أن يعترف للمسنين بحقهم في النشاط الاجتماعي، والزي الاجتماعي، حتى لا يحس المسن أنه يختلف عن غيره، وحتى لا يكون لهذا أثر نفسي سيئ عنده، فيجب ألا ننتقد السيدة التي تزيد على الستين أو السبعين من العمر إذا وضعت وردة على صدرها أو صبغت شعرها، وإن كان الشعر الأبيض هو أجمل صبغة للمسنين.
ثم هناك واجب على المسنين هو أنه يجب ألا يهملوا رقيهم الشخصي والاجتماعي والثقافي وألا يركنوا إلى الركود، فعليهم أن يعنوا بملابسهم أكبر العناية، وأن يقرءوا ويحضروا الاجتماعات، ويهتموا بالشئون الحيوية لبلادهم حتى تبقى نفوسهم حية.
Bilinmeyen sayfa