İhvan-ı Safa Yolu: İslami Gnostisizme Giriş
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Türler
نظرية التكوين
تشكل نظرية التكوين المحور الرئيس في مذهب إخوان الصفاء، وعنها تتفرع بقية المحاور، على الرغم من أن الإخوان لم يبسطوها في نص مطرد يشغل حيزا محددا من رسائلهم. ولسوف نعمد فيما يأتي إلى استقصاء هذه النظرية من خلال مقتبسات من رسائلهم توضح بالتدريج نظرية التكوين الصفائية، لنزود القارئ بالمفاتيح الرئيسة التي تعينه على فهم فكر الإخوان، ومتابعته عبر بقية المحاور. ولسوف نبتدئ أولا في استجلاء أفكار الإخوان في طبيعة الألوهة وماهيتها وصفاتها وعلاقتها بالعالم. «اعلم أن ملاك الأمر في معرفة حقائق الأشياء هو في تصور الإنسان حدوث العالم وكيفية إبداع الباري العالم، واختراعه إياه، وكيفية ترتيبه للموجودات، ونظامه للكائنات بما هي عليه الآن، ولم كان ذلك.
ثم اعلم أن كل عاقل إذا سمع كلام العلماء في حدوث العالم، وأقاويل الحكماء في كيفية إبداع الباري تعالى العالم، واختراعه له بعد أن لم يكن، وتفكر فيما قالوه، فإنه يشتهي ويتمنى لو علم كيف صنعه، ومتى عمله، ولم فعل ذلك بعد أن لم يكن قبل. فإن فكر في هذه الثلاثة من المباحث ولم يتصور كيفية ذلك، ولا متى ، ولا لم، لصعوبتها ودقتها، ربما تحير عقله، وتشككت نفسه فيما قالت الحكماء، وارتابت بها وتبلبلت.
ثم اعلم أن العلة في صعوبة التصور لحدوث العالم، وكيفية إبداع الباري تعالى له من غير شيء، هو من أجل العادة في الشاهد أن كل مصنوع فإن صانعه يعمله من هيولى ما، في مكان ما، في زمان ما، بحركات وأدوات. وليس حدوث العالم وصنعته وإبداع الباري له هكذا، بل أخرج من العدم إلى الوجود هذه الأشياء كلها، أعني الهيولى والمكان والزمان والحركات والأدوات والأعراض، فمن أجل هذا لا يتصور كيفية حدوث العالم وإبداعه.
ثم اعلم أن الله تعالى قد علم بأنه يعرض للعقلاء هذه الشكوك والحيرة حيث تفكروا في كيفية حدوث العالم، ولا يتصور بهذه الطريقة لصعوبتها، فجعل له طريقا آخر أسهل من هذه وأقرب، وركزها في نفوسهم كأنها مكتوبة فيها كتابة إلهية، لا يمكن لأحد من العقلاء إنكارها إذا أنصف عقله؛ لأنه يجد صدقها في نفسه شاهدا له بها، وهي كيفية صورة العدد، ومنشؤه من الواحد الذي قبل الاثنين» (40: 3، 344-347).
1 «ثم اعلم أن مسألة الخلاف للذات والصفات هي أيضا من إحدى المسائل الخلافية بين العلماء في الآراء والمذهب. وذلك أن كثرة الظنون والتخيلات العارضة للأفهام، إذا تفكرت النفوس في ماهية الله، وكيفية صفاته اللائقة، فلا تهتدي الظنون ولا تقر الأفهام عن الجولان، ولا تسكن النفوس إليه ولا تطمئن القلوب له حتى يعتقد الإنسان رأيا من الآراء، وتسكن نفسه إليه ويطمئن قلبه به.
فمن الناس من يرى ويعتقد أن الله تعالى شخص من الأشخاص الفاضلة، ذو صفات كثيرة ممدوحة وأفعال كثيرة متغايرة، لا يشبه أحدا من خلقه، ولا يماثله سواه من بريته، وهو منفرد من جميع خلقه في مكان دون مكان. وهذا رأي الجمهور من العامة وكثير من الخواص. ومنهم من يرى ويعتقد أنه في السماء فوق رءوس الخلائق جميعا. ومنهم من يرى أنه فوق العرش في السماوات، وهو مطلع على أهل السماوات والأرض، وينظر إليهم، ويسمع كلامهم، ويعلم ما في ضمائرهم لا تخفى عليه خافية من أمرهم. واعلم أن هذا الرأي والاعتقاد جيد للعامة من النساء والصبيان والجهال ، ومن لا يعلم شيئا من العلوم الرياضية والطبيعية والعقلية والإلهية؛ لأنهم إذا اعتقدوا فيه هذا الرأي تيقنوا عند ذلك وجوده، وتحققوا وعلموا وصاياه التي جاءت بها الأنبياء، عليهم السلام، من الأوامر والنواهي ... وكان في ذلك صلاح لهم ولمن يعاملهم ويعاشرهم من الخاص والعام، وليس يضر الله شيء مما اعتقدوه.
ومن الناس طائفة أخرى فوق هؤلاء في العلوم والمعارف ترى بأن هذا الرأي باطل، ولا ينبغي أن يعتقدوا في الله تعالى أنه شخص يحويه مكان، بل هو صورة روحانية سارية في جميع الموجودات، حيثما كان لا يحويه مكان ولا زمان ولا يناله حس ولا تغيير ولا حدثان وهو لا يخفى عليه من أمر خلقه ذرة في الأرضين والسماوات، يعلمها ويراها ويشاهدها في حال وجودها، وكان يعلمها قبل كونها وبعد فنائها.
ومن الناس طائفة أخرى فوق هؤلاء في العلوم والمعارف والعقل ترى وتعتقد أنه ليس بذي صورة؛ لأن الصورة لا تقوم إلا في الهيولى [= المادة]، بل ترى أنه نور بسيط من الأنوار الروحانية
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
Bilinmeyen sayfa