وهو يتكلم انتقل إلى الكرسي التي جلست عليه كريمة من قبل. ترى أين يقبع المخبر؟ وقال: كم خيب هذا التليفون أملي. - آه .. الغائب سره معه.
فرنا إليه برثاء قائلا: الحق أنك تعرضت لتجربة قاسية.
تقلص وجه العجوز وهو يقول: لا أراك الله ما رأيت! - لا شك أنه كان منظرا فظيعا، أنا لم أر ميتا قط، حتى جثة أمي أغمضت عيني وأنا أقرأ عليها الفاتحة. - ومع ذلك فالميتة شيء، والقتل شيء آخر. - أجل .. القتل .. الدم .. الوحشية! - وحشية تستحق اللعنات الأبدية. - إني أتساءل أي سبب يبرر القتل؟ - نعم، أي سبب؟ - والقاتل، أي إنسان هو؟ - من كان يصدق أو يتصور، رأيت قبل ذلك قاتلا، صبي بقال، وطالما ظننته وديعا كالحمام. - عجبت حقا! - ولكن أين المفر؟ - صدقت، أين المفر؟ وعما قريب سنسمع بالقبض عليه.
حدجه العجوز بنظرة حزينة، ثم قال: لقد قبض عليه بالفعل. - من؟ - القاتل. - القاتل! لم نسمع ولم نقرأ.
هز رأسه هزة العارف دون أن ينبس: ولكن من هو؟ - علي سريقوس. - ذلك الأبله؟ - كصبي البقال. - ألذلك لم أره اليوم ولا مساء الأمس؟ - ليرحمنا الله. - وهل علمت بذلك زوجة المرحوم؟ - طبعا. - الإنسان لغز. - ضبطوا عنده نقودا. - ربما كانت نقوده؟ - لكنه اعترف بالسرقة، لهم وسائلهم. - واعترف بالقتل؟ - لا أدري. - لكنك قلت إنهم قبضوا على القاتل! - هو ما قالت كريمة. - أيعني هذا أن السرقة كانت الباعث على القتل؟ - أظن ذلك. - كان بوسعه أن يسرق دون أن يقتل. - الراجح أن المرحوم استيقظ فاضطر إلى قتله. - كان طيبا لدرجة البلاهة. - الإنسان كما قلت لغز. - أكثر من لغز. - أتدري أن الشحاذ الذي نسمع مديحه النبوي كل ساعة كان في شبابه فتوة داعرا؟ - ذلك الرجل! - ثم فقد كل شيء من قوة ومال وبصر فتسول. - ولكن علي سريقوس عثر على حافظة نقودي صباح الجريمة فأتاني بها. - لعله أمكر مما نتصور.
هل تقع المعجزات بهذه السهولة أو هو بنيان من الأوهام يقوم على لا شيء؟ - أما كان الأجدر به بعد ذلك أن يهرب؟ - الهرب اعتراف. - وكيف يخفى المسروقات في حجرته؟ - ربما ضبطت في بيته. - تهريبها إلى بيته لا يقل غباء. - تلك حكمة ربنا. - عندما قابلني في الصباح قبل اكتشاف الجريمة كان هادئا لطيفا كعادته. - من الناس من يقتل القتيل ثم يمشي في جنازتك.
الثبات. احذر أن تفضح أطرافك اضطرابك الخفي. قد يوافيك التليفون بضوء. وعاد العجوز يقول: كنت أول من حقق معه. - أنت! - طبعا، فأنا آخر من كان معه ليلا، وأول من دخل شقته صباحا. - ولكن من يتصور. - تلقيت سيلا من الأسئلة، وكنت أغلقت الباب بيدي، وكانت النوافذ مغلقة، ولكن وجدت نافذة مردودة دون إغلاق. - لعلها نسيت. - أكدت الزوجة أن جميع النوافذ كانت مغلقة. - هل كسرها علي سريقوس؟ - غير معقول فالكسر حقيق بأن يوقظ النزلاء لا المرحوم فحسب. - لعله طرق الباب ففتح له الرجل. - ولماذا يفتح النافذة؟ ثم إنه لم يكن بوسع الرجل أن يغادر فراشه وقد قتل وهو نائم عليه.
ونظرة عينيه، وصوت الصمت. - ربما تمكن من الاختفاء في الداخل. - أبدا، لقد غادر الشقة قبلي وأنا من أغلقها. - لعله ...
ماتت بقية الجملة إذ خنقها الرعب. أوشك أن يقول لعله تظاهر بإغلاق النافذة دون أن يغلقها، مع أن المفروض أنه لا يعلم بأن علي هو الذي أغلق النوافذ. ورغم نجاته فقد تثلج من الرعب. وتساءل العجوز: لعله ماذا؟ - لعله فتح الباب بمفتاح آخر. - ربما، ولكن لم فتح النافذة؟ - الراجح أنها نسيت مفتوحة. - الله أعلم. - كانت محنة لك، ولكنك رجل طيب. - لا أدري كيف تركوني! ولكنهم يحسنون عملهم. - والجرائد سكتت فجأة، لا كلمة اليوم عن الجريمة. - الله يرحمك يا عم خليل، لقد عرفته منذ ستين عاما. - وكم بلغ عمره؟ - جاوز الثمانين. - ومتى تزوج؟ - منذ عشرة أعوام. - لكنه زواج عجيب، أليس كذلك؟ - لقد تزوج في شبابه وأنجب، ثم ماتت أسرته جميعا، ولبث أرملا عمرا، حتى تمت مشيئة الله، وكان يحبها كأب قبل كل شيء. - هذا هو المعقول. - كان رجل جد وعمل، وكان محسنا، ساعدني في تربية أولادي، الله يرحمه. - وكيف تزوج منها؟ - كان يسافر إلى الإسكندرية لبعض الأعمال. - فقاطعه: أهي من الإسكندرية؟ - كلا، كان عند كل رحلة يقيم أياما عند صاحب له في طنطا، وكانت هي متزوجة. - متزوجة؟ - من ابن خالتها، شاب بلطجي وضيع، وقد رآهما عند صاحبه، آه .. لقد تكلمت أكثر مما ينبغي. - ولكن كيف تزوجها؟ - طلقت من ابن خالتها فتزوجها. - وتزوجت من رجل فوق السبعين! - لم لا؟ لقد وفر لها الاحترام والطمأنينة.
فقال بذهول: والسلام!
Bilinmeyen sayfa