وانتشى لحد الطرب، وأعرب عن نشوته بضغطة رقيقة من راحته فوق ظهر كفها. ثم تذكر أنه سيلقى كريمة بين ذراعيه بعد ساعات فساوره القلق، وخاف العينين الزرقاوين السعيدتين، ثم تراءت له أخيلة مظلمة نفثت في أعصابه بهيمية خفية. آه، كثيرا ما عشق أكثر من امرأة في وقت واحد بلا عذاب ولا قلق. ولكنه مع إلهام تعذبه كريمة، ومع كريمة تعذبه إلهام، والتوحيد بينهما أمنية لا يجرؤ على تمنيها.
وسألها هاربا من أفكاره: خبريني ألم تعرفي الحب من قبل؟
فقالت بلا تردد وهي تبتسم: لا، لا أظن، عواطف الصبا وهمية، وأين هي؟ لا أثر هناك لها، وهي كانت موجهة إلى ممثل كبير قد مات من زمن، لا، لم أحب قبل هذه المرة، ولكني خطبت مرة وفسخت الخطبة عندما طالبني بالاستقالة من وظيفتي، وبعض الزملاء في الجريدة يكلمونني عن الحب بأسلوب الصفحة الأخيرة من الجريدة، كل ذلك لهو لطيف بلا غاية، سأحدثك عن ذلك كله فيما بعد، على شرط ألا تسافر، أو على الأقل ألا تنسى القاهرة. - قد أسافر إلى آخر الدنيا ولكني لن أنسى القاهرة. - حسن أن أسمع ذلك، ولكن ما شأنك أنت مع الحب؟ - ما عرفته ينبغي أن يكون له اسم آخر. - إذن فلنمر عليه بسلام، وأنا أفهم الحياة بدرجة لا بأس بها، وعندما أنظر في وجهك لا أشك في أنني أرى وجه رجل صالح!
سيطر بسرعة على دهشته، ثم تساءل باهتمام: ماذا تعنين ؟ - لا أدري، أنت ... أنت ... أعفني من التعاريف، شيء يشع من عينيك أقنعني ... هو المسئول ... هو المسئول عن عواطفي الصادقة، الأفضل أن تتكلم أنت.
العينان الصافيتان لا تريان، أيدل وجهه حقا على أنه رجل صالح! وأين ذهبت عربدة الحياة والدعارة والبهيمية؟ وأمه وأساطيرها ونزوات الليالي المرعبة؟ يجب أن يجيء الأب لينتشله من مأزقه ويطرد الأكاذيب. قال: لا أود أن أمدح نفسي، ولكن حبي دليل على أني إنسان خير مما كنت أظن. - أكثر من ذاك، انظر كيف تشقى بالبحث عن أخيك، أعرفته يوما ما؟ - كلا. - ومع ذلك فأنت تجد وراءه كما لو كنت عاشرته العمر كله، أليس ذلك نبلا؟
لعنة الله على الكذب. لذلك يفقد حديث إلهام معناه كأنه الصمت. - ما هي إلا مهمة كلفت بها. - ولو! ثم إن تحقيقها ليس في صالحك من الناحية المادية فلا تنكر نبلك.
كريمة مثله تمرغت في التراب طويلا، وهما يتفاهمان حتى على البعد. وفي أعمق لحظات الحب الحارة تتمالك أنفاسها لتهمس في أذنه «متى تختفي العقبة التي تهدد حبنا؟» فيمسه رعب الوعي كصفعة مباغتة، وتهمس تضاعيف الظلام بالجريمة. أما إلهام فلا تقرأ في وجهه سطرا واحدا من الجريمة. ولا يجري لها في بال أنه قد يقتل للاستئثار بامرأة أخرى، وأنه بات يشم رائحة دم مسفوك، وأنه لا معنى لتشبث عم خليل بالحياة إلا أن يدفعه إلى مصير محتوم. ولأنك يا إلهام لم تنقذيني من الهاوية أحببت، وأنت لا تدرين، مجرما. وإذا مضيت في الكذب عليك فسوف أجن. ولم تضعف أنت أمام الحقيقة بالرغم من أنك قاتلت حتى أوشكت أن تقتل، وأنك تفكر طويلا في القتل؟ قل أنا فقير معدم، والرحيمي أبي لا أخي، وإنه إن لم يعترف بي فلن أساوي حفنة من تراب، وماضي غارق في الدعارة والفضيحة! آه .. ستصرخ من الفزع. وينطفئ شعاع عينيك الذي يلهم الحب. ثم ترى هي الوجه الصالح على حقيقته. لو أنشأتك أمك نشأة مناسبة لكنت اليوم قوادا سعيدا، لكنها صانتك في النبي دانيال لتتعذب أبد الدهر، ثم أحيت أباك لتحرمك نعمة اليأس. - ماما لها رأي، هي تعرف عنك الكثير، وقالت لم لا ينشئ عملا في القاهرة؟
ماما! إنه يخاف الأمهات. كأمه تستطيع أن ترى حقيقته بنظرة واحدة. لن يعميها الإشعاع المزعوم الذي يشع من عينيه. - أي عمل؟
بعد تردد: هذا يتوقف على استعدادك؟
قل لها إنك تتقن السكر والرقص والعراك والحب. - إدارة الأملاك هي خبرتي الوحيدة. - لا مؤاخذة، ليس عندي فكرة عن دراستك!
Bilinmeyen sayfa