Raşidun Halifeleri Çağı: Arap Ümmeti Tarihi (Üçüncü Cilt)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Türler
الخليفة الراشد الأول: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)
1 - في نسبه وأوليته وإسلامه
2 - استخلافه وسيرته
3 - في أعماله، في خلافته
4 - في وفاته ومناقبه وأسرته
5 - في أعماله الإدارية والتنظيمية
6 - في مشهوري رجال عصره
الخليفة الراشد الثاني: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
1 - في نسبه وأوليته في الجاهلية وثقافته
2 - في إسلامه وأحواله أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
Bilinmeyen sayfa
3 - في خلافته وأعماله فيها
4 - في أعماله الإدارية والتنظيمية
5 - في مقتله ومناقبه وأسرته
6 - في مشهوري رجال دولته
الخليفة الراشد الثالث: عثمان بن عفان
1 - في نسبه وأوليته في الجاهلية
2 - في إسلامه وأحواله قبل الخلافة
3 - في خلافته
4 - أعماله في خلافته، وفتوحاته
5 - في الأحداث الكبرى في خلافته
Bilinmeyen sayfa
6 - في تنظيماته وأعماله الدينية والدنيوية
7 - في مناقبه وأسرته
8 - في كبار رجال الدولة في عهده
الخليفة الراشد الرابع: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
1 - في نسبه وأوليته وإسلامه
2 - في إجمال حياته وسيرته عليه السلام
3 - في أعماله الجليلة في خلافته
4 - في مقتله، ومناقبه، وآثاره العلمية والدينية
5 - في أعماله الإدارية وتنظيماته
6 - في أولاده وأسرته الطاهرة
Bilinmeyen sayfa
7 - في مشهوري رجال دولته
8 - في المختار من أدبه عليه السلام
9 - باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام
الخليفة الراشد الأول: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)
1 - في نسبه وأوليته وإسلامه
2 - استخلافه وسيرته
3 - في أعماله، في خلافته
4 - في وفاته ومناقبه وأسرته
5 - في أعماله الإدارية والتنظيمية
6 - في مشهوري رجال عصره
Bilinmeyen sayfa
الخليفة الراشد الثاني: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
1 - في نسبه وأوليته في الجاهلية وثقافته
2 - في إسلامه وأحواله أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
3 - في خلافته وأعماله فيها
4 - في أعماله الإدارية والتنظيمية
5 - في مقتله ومناقبه وأسرته
6 - في مشهوري رجال دولته
الخليفة الراشد الثالث: عثمان بن عفان
1 - في نسبه وأوليته في الجاهلية
2 - في إسلامه وأحواله قبل الخلافة
Bilinmeyen sayfa
3 - في خلافته
4 - أعماله في خلافته، وفتوحاته
5 - في الأحداث الكبرى في خلافته
6 - في تنظيماته وأعماله الدينية والدنيوية
7 - في مناقبه وأسرته
8 - في كبار رجال الدولة في عهده
الخليفة الراشد الرابع: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
1 - في نسبه وأوليته وإسلامه
2 - في إجمال حياته وسيرته عليه السلام
3 - في أعماله الجليلة في خلافته
Bilinmeyen sayfa
4 - في مقتله، ومناقبه، وآثاره العلمية والدينية
5 - في أعماله الإدارية وتنظيماته
6 - في أولاده وأسرته الطاهرة
7 - في مشهوري رجال دولته
8 - في المختار من أدبه عليه السلام
9 - باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام
عصر الخلفاء الراشدين
عصر الخلفاء الراشدين
تاريخ الامة العربية (الجزء الثالث)
Bilinmeyen sayfa
تأليف
محمد أسعد طلس
الخليفة الراشد الأول: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)
10-13ه/632-634م
مقدمة
توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر بالسنح، وهو من ضواحي المدينة حيث كان يسكن، وعمر حاضر، فلما بلغت أسماع أبي بكر أخبار النازلة خف إلى بيت رسول الله، وعمر يخطب الناس، وجمهور المسلمين في صخب واضطراب، فدخل أبو بكر على رسول الله في بيت عائشة ودموعه على لحيته، فكشف على وجه رسول الله وقبله، ثم رد الثوب على وجهه وخرج وعمر ما زال يخطب في الناس ويقول فيما يقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
توفي، وأن رسول الله مات، والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات.
Bilinmeyen sayfa
ولما خرج أبو بكر وسمعه يقول ذلك أقبل على الناس وعلى عمر، فقال له: على رسلك يا عمر، أنصت، فأبى عمر أن ينصت لشدة اضطرابه وعظم ما فيه، فلما رأى أبو بكر منه تلك الحكمة التفت إلى الناس وقال: أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، والله تعالى يقول:
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين .
1
فلما سمع الناس ذلك صفعوا وكأنهم لم يسمعوا قبل ذلك هذه الآية حتى تلاها أبو بكر. قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت ساعتئذ أن النبي قد مات، وأراد أبو بكر وعمر أن يرجعا إلى بيت رسول الله، ولكنهما فوجئا بأن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة يتشاورون ويتذاكرون فيمن يخلف النبي، فتوجها إليهم.
الفصل الأول
في نسبه وأوليته وإسلامه
هو أبو بكر عبد الله عقيق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب سعد بن تيم بن حرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ... بن معد بن عدنان. وأمه: هي أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن معد بن عدنان. وكان أبو قحافة من سادات قريش في الجاهلية، ولد سنة 83 قبل الهجرة، فنشأ سريا نبيلا تاجرا ذا مكانة رفيعة في قومه، فلما أعلن الرسول دعوته كان أبو بكر أول من أسلم، ولم يسلم أبوه إلا عام فتح مكة، وبايع رسول الله وكان قد كف بصره فجاء به ابنه يقوده إلى رسول الله، فلما رآه الرسول قادما قال لأبي بكر: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آت، فقال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه. ثم مسح الرسول صدره، وكان رأس أبي قحافة أبيض كالثغامة، فقال: «غيروا هذا بشيء وجنبوه السواد»، فكان أبو قحافة أول مخضوب خضب في الإسلام. وأما أمه فهي ممن أسلمن قديما وبايعن النبي أيام الدعوة الأولى في دار الأرقم.
1
ولد أبو بكر لسنتين من مولد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكانا صديقين حميمين، تصادقا ولأبي بكر ثمان عشرة سنة وللنبي عشرون في تجارة إلى الشام، وكان لا يفارقه في أسفاره وحضره، وقد وصف أبو بكر بأنه كان أبيض البشرة نحيفا خفيف العارضين، منحنيا لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، معروقا غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع (أصول الأصابع)، يخضب بالحناء، وشب كما يشب نبلاء فتيان قريش كاتبا عالما بأنساب قومه عاقلا نبيلا وجيها رئيسا من رؤسائهم، وكانت إليه الأشناق، وهي من الديات، كان إذا تحمل شنقا صدقته قريش وأمضت حمالته، وإذا حملها غيره خذلوه ولم يقبلوه، وكان يتاجر بالبزر والمنسوجات، وبلغ رأسماله أربعين ألف درهم، وكان مشهورا بالعفة والاستقامة والأمانة، ولم يشرب الخمر قط.
Bilinmeyen sayfa
ولما كانت الإرهاصات تأتي النبي قبل البعثة كان يقص ذلك على أبي بكر؛ فقد روى شرحبيل أن النبي كان إذا برز سمع من يناديه: «يا محمد»، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان رسول الله قد قال لخديجة: «إني إذا خلوت سمعت نداء، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا»، فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك أمرا؛ فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث. ودخل أبو بكر مرة - وليس رسول الله موجودا - فذكرت خديجة له حديثه
صلى الله عليه وسلم ، وقالت: يا عتيق، اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل، فلما دخل رسول الله أخذ أبو بكر بيده فانطلق به إلى ورقة، فقص عليه ما يسمع، فصار ورقة يثبته ويقول له: والله إن هذا هو الناموس الذي أنزله على نبيه موسى
صلى الله عليه وسلم .
ولما بعث الله محمدا برسالته كان أبو بكر أول من آمن به وصدقه، وأعلن إسلامه، وأخذ يدعو الناس إلى الإسلام، قال ابن إسحاق: لما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعائه فيما بلغني: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله حين استجابوا له فأسلموا، وكان هؤلاء مع علي وزيد وأبي بكر النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام وصدقوا رسول الله.
وكان أبو بكر قد اتخذ مسجدا بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيجتمع عليه الناس ويستمعون إلى قراءته وينظرون إلى صلاته وبكائه،
2
ولقد لقي أبو بكر على الرغم من مكانته كثيرا من عنت جهال قريش وسفهائها لإسلامه ولدفاعه عن النبي؛ فقد قالت أسماء بنت أبي بكر وقد قيل لها: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: كان المشركون قعدوا في المسجد الحرام فتذاكروا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله المسجد، فقاموا إليه بأجمعهم يضربونه حتى غشي عليه، فأتى الصريخ أبا بكر فخرج فوجد رسول الله والناس مجتمعون عليه، فقال: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟! فتركوا الرسول وتناولوا أبا بكر يضربونه، فرجع إلى أهله وهو لا يحس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام،
Bilinmeyen sayfa
3
ولما اشتد تعدي المشركين على رسول الله وأبي بكر أذن الرسول لصاحبه بالهجرة، فضاق بذلك أول الأمر، ثم قبل أن يهاجر نحو الحبشة، فلما بلغ قارة «برك الغماد»
4
لقيه سيد القارة المعروف بابن الدغنة، فسأله: أين تريد؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي، فقال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج، إنك لتكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فارجع فاعبد ربك، فارتحل ابن الدغنة وأرجع أبا بكر، وكان ابن الدغنة في كفار قريش، وقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر ليعبد ربه في داره وليصل ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا.
فكان أبو بكر يصلي في مسجد داره ويقرأ القرآن، فتقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه ، وكان يكاد لا يملك دموعه حين يتلو القرآن ويرتله، فأفزع ذلك مشركي قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، فأعلن الصلاة، وخشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره خفية، وإن أبى فليرد ذمتك. فأتى ابن الدغنة أبا بكر وطلب منه ما طلبته قريش، فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله. ورجعت قريش تؤذيه، فتحمل ذلك صابرا محتسبا كل ما يلقاه في سبيل الله، إلى أن ضاق ذرعا بما يلقاه من أذى قريش، فاستأذن النبي في الهجرة، فقال له الرسول: على رسلك يا أبا بكر، فإني أرجو الله أن يأذن لي بها فنخرج معا، ففرح أبو بكر وقال: أوترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ فقال الرسول: نعم، ففرح أبو بكر وأخذ يعد عدة السفر وعلف راحلتين كانتا عنده.
وروي عن السيدة عائشة أنها قالت: بينما نحن جلوس يوما في بيتنا في الظهيرة إذ قال قائل لأبي: هذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مقبل متقبع، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبي: فداه أبي وأمي، إن به في هذه الساعة لأمرا. قالت: فجاء الرسول فاستأذن فدخل فقال لأبي: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي وأمي أنت، فقال الرسول: قد أذن لي بالخروج، فقال أبو بكر: فالصحبة بأبي وأمي أنت يا رسول الله، فقال الرسول: نعم، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، فخذ إحدى راحلتي هاتين، فقال الرسول: بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب، وقطعت أسماء من نطاقها وأوكت به الجراب؛ ولذلك سميت: ذات النطاقين، ودخل رسول الله بغار في جبل ثور، ولحق به أبو بكر فمكثا فيه ثلاث ليال، وكان يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، وكان يدلج من عندهما سحرا فيصبح عند قريش كبائت بينهم، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام.
5
ولما قدم أبو بكر المدينة مع رسول الله كان عونه وعضده وسميره ووزيره، وكان لا يبخل عليه بماله، وينفق كل ما يملكه في سبيل الدعوة، وروى عروة بن الزبير قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله وفي سبيل الله. وعن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر كل ماله معه وهو خمسة آلاف درهم أو ستة خرج بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا.
Bilinmeyen sayfa
وقد تجلت بطولة أبي بكر في شجاعته وتفانيه في نصرة الدعوة الإسلامية وفي تنظيمه لشئون المسلمين في دار الهجرة وفي الغزوات التي رافق النبي
صلى الله عليه وسلم
وأظهر فيها كل ضروب النبل والإخلاص والمروءة، وفي معاونته للنبي وحله للمشاكل والمعضلات التي كانت تعتوره، قال ابن خلدون: كان
صلى الله عليه وسلم
يفاوض أصحابه ويشاورهم في مهماته العامة والخاصة، ويخص مع ذلك أبا بكر بخصوصيات أخرى، فكان العرب الذين عرفوا الدول وأحوالها في بلاد كسرى وقيصر والنجاشي يسمون أبا بكر وزيره.
6
الفصل الثاني
استخلافه وسيرته
توجه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى سقيفة بني ساعدة - وهي صفة مظللة كانوا يجتمعون فيها، وهي لبني ساعدة بن كعب بن الخزرج
1 - وكان الأنصار قد اجتمعوا فيها يريدون مبايعة سعد بن عبادة الخزرجي سيد الأنصار، وأخذوا يتداولون في الأمر، وكان سعد بن عبادة يومئذ مريضا، فقال لابنه: إني لا أقدر أن أخطب وأسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعه إياهم، فقال بعد أن حمد الله: «يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن من قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله، ولا أن يعزوا دينه ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا، حتى أثخن الله عز وجل لرسولكم بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، استبدوا بهذا الأمر دون الناس، فإنه لكم دون الناس.»
Bilinmeyen sayfa
فأجاب كل الأنصار الدعوة وقالوا أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر؛ فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضي. ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم،
2
وطال جدل القوم في الأمر حتى قال بعضهم: نقول للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير.
فلما دخل أبو بكر وصاحباه عليهم أخذ يتكلم، فلم يترك شيئا نزل في الأنصار أو ذكره النبي
صلى الله عليه وسلم
من شأنهم إلا وذكره، ثم قال: «لقد علمتم أن رسول الله قال: لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادي الأنصار»، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم.
3
فقام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال: يا معشر الأنصار، إن تقدموا قريشا اليوم يقدموكم إلى الخير يوم القيامة، فأنتم الأنصار وفيكم كتاب الأمر وإليكم الهجرة وفيكم أمر رسول الله، فاطلبوا رجلا تهابه قريش وتأمنه الأنصار، فقال الأنصار: ومن ذلك؟ فقال: سعد بن عبادة، فقالوا: فسعدا نريد.
ثم قام أسيد بن حصين الأوسي، وهو يومئذ من أثبات الأنصار وأهل الطاعة فيهم، فقال: يا معشر الأنصار، إنه قد عظمت نعمة الله عليكم أن سماكم الأنصار، وجعل فيكم الهجرة، وقبض فيكم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، واجعلوا ذلك شكرا، فإن هذا الأمر في قريش دونكم ، فمن قدموه فقدموه، ومن أخروه فأخروه، فشتم الرجل واضطر أن يلحق بالمهاجرين.
Bilinmeyen sayfa
ثم قام بشير بن سعد الخزرجي فقال: يا معشر الأنصار، إنما أنتم بالمهاجرين وإنما المهاجرون بكم، فإن كانت دعواكم حقا لم يعترض فيكم المهاجرون، وإن قلتم نصرنا وآوينا فما أعطاكم الله خير ما أعطيتم أنفسكم، ولا تكونوا ممن بدل نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار يصلونها فبئس دار القرار، فشتم الرجل ولحق بالمهاجرين.
ثم قام عويمر بن ساعد الأنصاري فقال: يا معشر الأنصار، إن يكن الأمر فيكم دون قريش فانفردوا حتى نبايعكم عليه، وإن كان لهم دونكم فسلموا لهم بذلك، فوالله ما مات رسول الله حتى عرفنا أن أبا بكر خليفته حتى أمره أن يصلي بالناس ... فشتم الرجل أيضا فلحق بالمهاجرين.
ثم قام ثابت بن قيس - وهو يومئذ خطيب الأنصار - فقال: يا معشر المهاجرين، إن الله بعث محمدا فأقام بمكة، سمع الأذى والتكذيب، وأمره الله بالكف والصفح الجميل، ثم أمره بالهجرة وكتب عليه القتال، فنقله عن داره إلينا فكنا أنصاره، وكانت دارنا مهاجره، ثم قدمتم علينا فقاسمناكم معاشر المهاجرين الأموال، وأنزلناكم الديار، وكفيناكم العمل، وآثرناكم بالمرافق، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معاشر المهاجرين بضعة منا، وقد دقت إلينا من قومكم داقة، وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار»، فاسلكوا شعب رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
فقام حينئذ أبو بكر، فقال: أما ما ذكرتم من فضلكم فأنتم كذلك، ولكن العرب لا تقر بهذا الأمر إلا لقريش؛ لأنهم أوسط العرب دارا، وأنهم دعوة إبراهيم، وقد رضيت أحد هذين الرجلين: إما عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح.
فقام عمر وأهوى على يد أبي بكر ليبايعه، فضربها بشير بن سعد بيده وقال: والله لا بايعه أحد قبلي، ولا تخلف عن بيعته أنصاري من الخزرج والأوس فيضحك إليه سني. فلما رأى ذلك الأوس والخزرج بايعوا، وازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه، وأراد عمر أن يتكلم، فقال له أبو بكر : على رسلك يا عمر، ثم قال: نحن المهاجرين أول الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرمهم أحسابا، وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة في العرب، وأمسهم وأوسطهم رحما من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؛ لأنا عترته التي خرج منها، وبيضته التي تفقأت عنه، أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن عليكم، وأنتم إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا في العدد، وأنتم واسيتم فجزاكم الله خيرا، ونحن الأمراء وأنتم الوزراء، ألا لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، وأنتم محقون لا تنافسون على إخوانكم من المهاجرين ما ساقه الله إليهم من خلافة النبوة والقيام بأمر الإمامة، والسلام.
4
وتزعم الأوس أن أول من بايع أبا بكر هو بشير أبو النعمان، وتزعم الخزرج أنه أسيد بن حضير، فلما بايع أهل السقيفة أبا بكر ازدحم الناس عليه ليبايعوه، فقال قائل منهم: قتلتم سعدا - وكان جالسا متزملا بثوبه - فقال عمر: اقتلوه فإنه صاحب فتنة، وتدخل أبو بكر في الأمر، وانتهت الفتنة، وظل سعد منزويا في بيته ولم يبايع أبا بكر.
Bilinmeyen sayfa
ثم اجتمعت جماعات الأوس والخزرج وبايعت أبا بكر، وأنكر على سعد بن عبادة وجماعته ما كانوا أجمعوا أمرهم عليه، وزفوا أبا بكر إلى المسجد فبايعه المهاجرون، ثم أقبل الأنصار والمهاجرون يتعاتبون في الأمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا معشر الأنصار، إنكم وإن كنتم كما قلتم فليس فيكم مثل أبي بكر، ولا مثل عمر، ولا مثل أبي عبيدة، فقال زيد بن أرقم: ما ينكر فضل من ذكرت، وإن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة، وفينا من أمر الله رسوله أن يقرئه السلام: أبي بن كعب، وفينا من أمضى الله شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت، وإن فيمن سميت من قريش لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد - يعني علي بن أبي طالب - ثم طال الجدال والعتاب بين الجانبين، وانتهت هذه الأزمة بسلام إلا ما كان من أمر أبي سفيان؛ فقد روى الطبري أن الناس لما اجتمعوا على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان علي والعباس؟ وقال لعلي: يا أبا الحسن، أبسط يدك حتى أبايعك، فأبى علي، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:
ولن يقيم على خسف يراد به
إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمحته
وذا يشج فلا يبكي له أحد
فزجره علي وقال: إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتن، وإنك والله طالما بغيت الإسلام شرا، لا حاجة لنا في نصيحتك، وكان هذا كله قبل دفن الرسول
صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أهله حجبوه عن الناس، فلما بايع الناس أبا بكر ورجع إلى المسجد جلس على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أيها الناس، إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي، وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا، وإن الله أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوا.» فبايع المسلمون بيعة العامة بعد بيعة السقيفة.
ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: «أما بعد أيها الناس، فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله .»
5
ولما أتم القوم الصلاة نظر أبو بكر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه، وذهب زيد بن ثابت وجماعة من الأنصار فأتوا به إليه، فقال له: أنت ابن عم رسول الله وختنه، وأردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال علي: لا تثريب يا خليفة رسول الله، وكذلك فعل الزبير، ثم انصرف أبو بكر والقوم إلى دفن رسول الله
Bilinmeyen sayfa
صلى الله عليه وسلم ، فلما أتموا ذلك لزم علي بيته حينا من الدهر يترضى السيدة فاطمة حين لم يقض لها أبو بكر بما طالبت به من مال أبيها، وظلت غضبى إلى أن ماتت، فبعث علي إلى أبي بكر: ائتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما يعلم من شدته، فقال عمر: لا تأته وحدك، فقال أبو بكر: لآتينهم وحدي، وما عسى أن يصنعوا بي؟ فانطلق حتى دخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده، فقام علي، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا ... ثم ذكر قرابته من رسول الله وحقه، فلم يزل يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر.
فلما صمت علي تشهد أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فوالله لقرابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أحب إلي أن أصلهم من قرابتي، وإني والله ما آلو بكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم على الحد، ولكن سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة»، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أذكر صنعة فيه إلا صنعته إن شاء الله تعالى، ثم قال علي: موعدك للبيعة العشية، فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به، ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر، فذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه وأقبل الناس إلى علي فقالوا: أصبت وأحسنت.
6
وهكذا تمت البيعة لأبي بكر فقبلها وهو كاره، ولما رأى إجماع الناس على بيعته دعته نفسه إلى الاستقالة؛ فقد روي عن زيد بن أسلم أنه قال: دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بطرف لسانه: إن هذا أوردني الموارد، ثم قال: يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم، فقال عمر: والله لا نقيلك ولا نستقيلك؛ قدمك رسول الله، فمن ذا الذي يؤخرك؟ ولما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال ويحترف للمسلمين.
الفصل الثالث
في أعماله، في خلافته
Bilinmeyen sayfa
(1) تسيير بعث أسامة
أول عمل قام به أبو بكر بعد الفراغ من تجهيز الرسول ودفنه هو أنه أمر مناديه أن ينادي من الغد من متوفى الرسول
صلى الله عليه وسلم
ألا يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة بن زيد الذي كان جهزه رسول الله إلا خرج إلى عسكره بالجرف قرب المدينة، ثم قام أبو بكر فخطب الناس بعد أن تجمعوا، فقال: «أيها الناس، إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يطيق، إن الله اصطفى محمدا على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها، ألا وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم، وأنتم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن لا يمضي الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم، فإياكم أن تكونوا أمثالهم، الجد الجد والوجاء الوجاء ، والنجاء النجاء ، فإن وراءكم طالبا حثيثا أجلا مره سريع، احذروا الموت واعتبروا بالآباء والأبناء والإخوان، ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات.»
ثم إنه اهتم في إنفاذ بعث أسامة، فقال له أصحابه: أما ترى ارتداد العرب عامة وخاصة؟ ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم
صلى الله عليه وسلم
Bilinmeyen sayfa
وقلتهم وكثرة عدوهم، وأن هؤلاء جل العرب والمسلمين على ما ترى، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين! فقال لهم: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذنه.
وكان الرسول قد أعد هذا البعث إلى أبنى لفتح أطراف الشام، وجعل فيه بعض كبار الصحابة وأمر عليهم أسامة بن زيد، ولم يكن تجاوز آخرهم الخندق حتى بلغهم نبأ وفاة الرسول، فوقف أسامة، ثم بعث إلى خليفة رسول الله يستأذنه في أن يرجع بالناس، فقال له أبو بكر: لا بد والله من تسيير البعث، ثم إنه أخذ يعد العدة لتسيير البعث، فأعدها وخرج بنفسه يودع أسامة ويشيعه، ولما قدم على أسامة وهو بالجرف خطب الناس فقال: «أيها الناس، قفوا أوصكم: أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان من الطعام، فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رءوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقا، اندفعوا باسم الله، أقناكم الله بالطعن والطاعون.»
1
ثم أمره أن ينفذ كل ما أمره رسول الله به من أن يبدأ بقضاعة، ثم يأتي آبل، وألا يقصر في شيء من أمر الرسول ؛ فمضى أسامة مغذا على ذي المروة والوادي، وانتهى إلى ما أمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم
من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل، فسلم وغنم، وكان فراغه في أربعين يوما سوى مقامه ومنقلبه راجعا، وقد كان تسيير هذا البعث سياسة حكيمة وطدت أمر الإسلام وأرهبت أهل الردة والمشركين الذين قالوا: لو لم يكن أبو بكر على بصيرة من أمره وقوة من نفسه وكثرة من جنده لما بعث هذا البعث في مثل هذا الظرف. وقد صرف الله لسبب هذا البعث عن أبي بكر والمسلمين كثيرا من الفتن التي كان المشركون وأهل الردة يعدونها للفتك بالإسلام وأهله. (2) فتنة الردة وحروبها
مني الإسلام بفتنة عظمى بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يكن زعيم المسلمين أبو بكر هو المتولي لإخماد تلك الفتنة لعمت مصيبتها وفتكت بالإسلام، ولكن حكمة الصديق وعقله هما اللذان حالا دون تشتت كلمة الإسلام وتفرق أمر المسلمين؛ وذلك أنه لما بلغ الأعراب نبأ وفاة الرسول وانتشر المنافقون ومن في قلوبهم مرض يحرضون على الردة وترك الإسلام. كثر المرتدون عن الإسلام، وانقسموا قسمين: قسما خرج عن الإسلام بالمرة، وهم: بنو طي، وغطفان، وأسد؛ جماعة المتنبي طلحة بن خويلد الأسدي، وحنيفة؛ جماعة مسيلمة الكذاب، وأهل اليمن الذين تزعمهم الأسود العنسي؛ وقسما ظلوا على إسلامهم، ولكنهم عطلوا شعيرة الزكاة، وهم: بعض بني تميم وغيرهم بزعامة مالك بن نويرة، وقد اختلف بعض الصحابة مع أبي بكر في وجوب قتال القسم الثاني كالقسم الأول، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن هؤلاء كما أقاتل أولئك؛ لأن تعطيل الزكاة كتعطيل الصلاة وسائر شعائر الإسلام، وقال عمر: وكيف نقاتلهم وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني مالهم وأنفسهم»؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقا أو عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، وقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدري لما قال أبو بكر، فعلمت أنه الحق، ثم إن أبا بكر شمر لقتال هؤلاء المرتدين والقضاء على هذه الفتنة.
Bilinmeyen sayfa
وكان سبب ارتداد أكثر العرب أنهم كانوا يظنون أن الرسول حي خالد لن يموت، وأنه سفير الله يبلغه أوامره ونواهيه، وأنه معصوم عن كل خطأ وزلل وموت، فلما انتقل الرسول إلى جوار ربه طاش صوابهم، وأخذ بعض شياطين العرب الطامعين في الملك والسلطان ينشرون الفتن بين الناس، ويكررون ما كان قاله شاعر المرتدين الخطيل بن أوس أخو الحطيئة:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده
فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
ثم إن جماعة من هؤلاء الطامعين أخذوا يشيعون في قبائلهم أن قريشا تريد أن تستعبد الناس وأن تجعل النبوة ملكا لها تتوارثه في أبنائها، وقد تجلى شيء من هذا الخوف في يوم السقيفة كما أسلفنا، ولكن حزم أبي بكر ورصانة الأنصار وطهارة قلوبهم وعمق الإيمان في قلوبهم جعل هذه الفتنة قصيرة الأمد، فاستسلمت أصحابها لأمر أبي بكر وخضعت للأمر الواقع، ولكن أعراب الأطراف وزعماء النواحي الطامعين لم يقبلوا بهذا الأمر الواقع فاستغلوها فرصة لشق عصا الطاعة وتفريق كلمة المسلمين.
وأول من شق العصا هم بنو عبس وذبيان؛ فإنهم خرجوا من ديارهم بنجد وجبل طيء، وساروا نحو المدينة حتى نزلوا بالأبرق وذي القصة، وبعثوا وفدا منهم إلى أبي بكر يطلبون إليه أن يعفيهم من الزكاة، وأن يقتصروا على أركان الإسلام الأربعة الباقية، فلما سمع أبو بكر مقالتهم اشتد غضبه وعزم على حربهم، وقال: والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. ثم رجع الوفد إلى أصحابهم وأخبروهم بقلة من في المدينة من الرجال؛ لأن بعث أسامة لم يكن قد عاد بعد، وأحس أبو بكر بسليم فطرته أن القوم يبيتون أمرا، فجعل على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود، ودعا الناس إلى المسجد، وقال لهم: «إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا، وأدناهم منكم على بريد. وكان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدوا.» فما لبث المرتدون إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذي حسى ليكونوا لهم ردءا، فلما بلغوا الأنقاب قاتلهم أهلها، وبلغ الخبر أبا بكر فبعث إلى أمراء الأنقاب أن الزموا أماكنكم، ثم خرج في أهل المدينة على النواضح - وهي إبل السقي - فلما علم المرتدون بقدوم أبي بكر هربوا، فتبعهم المسلمون إلى أن بلغوا وادي «ذي خشب»، فخرج عليهم الردء الذين خلفهم المرتدون بذي حسى والتقى الجمعان، وكادت الدائرة تدور على المرتدين لولا أنهم لجئوا إلى حيلة غريبة، هي أنهم نفخوا الأنحاء - أي القرب - التي كانت معهم وجعلوا فيها الحبال، ثم أخذوا يدهدهونها بأرجلهم في وجوه الإبل، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها - ولا تنفر الإبل من شيء مثل نفارها من الأنحاء - فثارت الإبل وقفلت راجعة بالمسلمين حتى دخلت بهم المدينة، ولكن لم يقتل من المسلمين أحد ولا صرع، وفي ذلك يقول الخطيل بن أوس أخو الحطيئة الشاعر:
فدى لبني ذبيان رحلي وناقتي
عشية يحدي بالرماح أبو بكر
ولكن يدهدي بالرجال فهبنه
Bilinmeyen sayfa
إلى قدر ما أن تقيم ولا تسري
ولله أجناد تذاق مذاقه
لتحسب فيما عد من عجب الدهر
أطعنا رسول الله ما كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده
وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
فهلا رددتم وخدنا بزمانه
وهلا خشيتم حس راعية البكر
وإن التي سألوكم فمنعتم
Bilinmeyen sayfa