Refah Çağı: Arap Milletinin Tarihi (Beşinci Cilt)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Türler
رأينا فيما أسلفنا رقي الحياة الاجتماعية وتنظيم الموارد المالية تنظيما متقنا، وهذا يدلنا على وضع الحياة الاقتصادية، فالرقي والحضارة لا يكونان إلا حيث تكون الحياة الاقتصادية ذات مستوى عال، سواء في الزراعة أو في التجارة أو الصناعة، وسنقف وقفة قصيرة أمام كل نوع من هذه الأنواع التالية:
أما الزراعة:
فقد رأينا عناية الخليفة بها وطلبه إلى قاضي القضاة الإمام أبي يوسف أن يهتم بدراسة أحوال الأرض ويبين حكم الله فيها، وقد فعل وطبق ذلك القانون، واطمأن إليه الناس وازدهرت الزراعة في ذلك العصر؛ لأن الأرض بقيت في أيدي أصحابها السابقين، وعادت الحياة إلى قسم كبير مما كان هجره أهله في السواد أو الجزيرة، وقد وجهت الحكومة عناية خاصة إلى بقاع ملتقى الرافدين لخصب الأرض هناك وكثرة الماء فشقت الأقنية الجديدة، وأحيت الأقنية والقساطل القديمة، وفي كتاب «المسالك والممالك» لابن حوقل (ص166) تفاصيل دقيقة عن هذا.
أما موارد إقليم العراق الزراعية فهي الحبوب من حنطة وشعير وأرز، والتمر والقطن والسمسم والقنب، وكان الجنوب ينتج بالإضافة إلى جانب ذلك الفواكه والخضار والرياحين، وأما موارد إقليم خراسان فهي لموارد العراق، وهي أراضي بلاد العجم وأكثرها غلالا وخيرات، وأما بلاد المشرق فإن أخصب أرضها بلاد بخارى، وهي جنة ذلك الإقليم على حد تعبير اليعقوبي (كتاب المسالك، ص555)، وفيها يقع وادي العقد أحد جنان الدنيا الأربع، كان القدماء يقولون: «إن الأولى هي شعب بوان الذي ذكره المتنبي، والثانية غوطة دمشق المشهورة، والثالثة بساتين الأبلة وهي الممتدة من البصرة إلى جنوب شرق الأردن.»
وأما بلاد الشام والجزيرة فمواردها الحبوب والقطاني والفواكه والزيتون والورود.
وقد اهتم الناس في هذا العصر بالتأليف في كتب الزراعة والطيوب، منها ما ترجم عن اليونانية والنبطية، ومنها ما هو مرتجل كما هو مفصل في كتاب «الفهرست» لابن النديم (ص317 وما بعدها).
وأما التجارة:
فقد ارتقت رقيا عظيما عما كانت أيام الدولة الإسلامية في العصر الإسلامي والأموي، يقول المستشرق آدم ميتز في كتابه الحضارة العربية في القرن الرابع (ترجمة الأستاذ أبي ريدة، ج2، 311). «يحكى عن عمر أنه ذكر أمامه حديث كان قد نسيه وطلب البينة عليه، فلما جاءه به أبو سعيد الخدري قال عمر: أخفي علي من أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ألهاني الصفق في الأسواق، يعني الخروج إلى التجارة، وكان الأمويون لا ينظرون إلى التاجر بعين التقدير، ولم يكن هذا ناشئا عن إشفاقهم مما أشار إليه عمر، بل لأنهم كانوا جيلا من المحاربين الفرسان وأمراء القطائع ، حتى لا نجد للتجار شأنا في تاريخهم، وقد أحدث القرن الثالث في هذا الباب انقلابا كبيرا».
وكلام الأستاذ ميتز هذا حق، فقد ارتقت التجارة في عصر الرشيد وما بعده وأصبحنا نجد للتجار طبقات بارزة متمايزة، وانقسم الناس في هذا العصر إلى طبقات تجارية متمايزة، «أولها» طبقة كبار أهل التجارة والصناعات التجارية الكبيرة، و«ثانيتها» طبقة كبار الباعة وأغنيائهم، و«ثالثتها» طبقة السوقة والكسبة، ومما تجدر الإشارة إليه أن التجارة كانت في العصر الأموي وأوائل العصر العباسي بيد أهل الذمة من يهود ونصارى وأقباط وزرادشتيين، ولكن في هذا العصر والعصور التي تلته أخذ العرب يهتمون - بعد أن كسدت سوق الزراعة بعض الكساد - في رواج التجارة ومواردها الضخمة، فلم يعودوا ينظرون إليها نظرة الاحتقار التي كانوا ينظرونها إليها في العصر الأموي، وذلك بعد أن أخذت بغداد مكانتها في العالم، وأصبحت سوقها مجمع تجارات العالم في الدنيا، وسافر تجارها إلى الشرق والهند، فاتصلوا بأهل تلك البلاد منذ عهد المنصور، وأقدم مصدر عربي يبحث عن علاقات التجار العرب بالصين والهند هو «بيان رحلات التاجر سليمان» الذي نشره البروفسور لانغلي
Bilinmeyen sayfa