Refah Çağı: Arap Milletinin Tarihi (Beşinci Cilt)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Türler
وقد اهتم خلف بني العباس منذ فجر تأسيس سلطانهم بترتيب الدولة وتأسيسها وتنظيماتها ترتيبا جديدا يعتمد على الإصلاح والقوة، ويكاد يكون النظام الإداري للدولة الجديدة هو النظام الإداري السابق الذي وجد في أخريات أيام بني أمية، إلا ما أحدثه العهد الجديد من نظم وتراتيب استقاها من التراتيب الإدارية الأعجمية، أو الأنظمة الدولية الكسروية، ومن أبرز تلك التراتيب الأمور الآتية: (1)
أنهم عززوا وظيفة «الكاتب» أو «الوزير» وثبتوا مركزه ولقبه، وخولوه سلطانا واسعا، وجعلوه المشرف الأعلى على دواوين الدولة كافة والتي تعددت، وهذا لم يكن معروفا في العصر الأموي، فإن الكاتب أو الوزير وقتئذ ما كان إلا مدونا لما يمليه الخليفة عليه، ويبعث به إلى الأقاليم، وينفذ أوامره ويتقيد بإرشاداته.
أما نظام الوزارة في العهد الجديد فنظام ذو سلطان واسع وإشراف تام على مرافق الدولة ومؤسساتها كافة. (2)
أنهم أصلحوا شئون الدواوين، وأمروا بترتيب سجلاتها ترتيبا يحفظ أوراقها من التلف والضياع؛ حتى يمكن الرجوع إليه، كما أنهم حددوا وظائف كل من: أصحاب دواوين «الخراج» و«الخاتم» و«النفقات» و«الصدقات» و«البريد» و«الجند» و«الإقطاع» و«المصادرة» و«الشكاوى» و«الضرائب»، بعد أن كانت مختلفة في العهد الأموي. (3)
أنهم أشركوا غير العرب في الجيش بعد أن كان أمره محصورا بالعرب أيام بني أمية.
وقد بالغ العباسيون في الاعتماد على غير العرب، وبخاصة الخراسانيون، حتى غدا العربي في الجيش غريبا أو كالغريب، وخصوصا بعد عصر المتوكل على الله ومن بعده من الخلفاء، وقد اهتم الخلفاء العباسيون بالجيش وترتيبه وتنظيمه ترتيبا كسرويا، كما جعلوا فيه فرقا من الجند المرتزقة وسموا لهم الرواتب الكبيرة اعتمادا عليهم وثقة بهم. (4)
أنهم رتبوا الأمور المالية ترتيبا جديدا يلائم الحركة الجديدة والدولة الناشئة، فبعد أن كان النظام المالي في العصر الأموي نظاما أقرب إلى البساطة يعتمد في جميع موارده على الزكاة والصدقات والجزية والخراج والفيء، وهذه أمور جاء بها الشرع وعمل بها الخلفاء الراشدون، فلما جاء الأمويون استحدثوا بعض الضرائب والمكوس غير الشرعية، كهدايا النيروز والمهرجان، وأموال المصادرة، وجزية الموالي بعد إسلامهم، وجزية من أعفاهم الإسلام، إلى غير ذلك مما لم يقره الشرع.
فلما تولى بنو العباس واعتنوا بنظام ري الأراضي وفرض الضرائب عليها وعلى التجارة عن الموالي، وساووا بينهم وبين العرب، زادوا الخراج وأخذوا الجزية من بعض من منع الإسلام أخذها منهم كالرهبان ومن لم يبلغوا سن الحلم، كما أنهم أحدثوا ضرائب جديدة غير شريعة؛ كضرائب أخماس المعادن، وضرائب الركاز، وضرائب المصائد والسفائن وما يخرجه البحر، والضرائب التي تفرض على التجار وبعض السوقة وأهل الحوانيت، وضرائب المواريث والتركات، وضرائب المراعي والقوافل، وأكثر هذه الموارد قد استحدثه الأمراء العباسيون تمشيا مع تحضير الدولة، وسدا لأبواب النفقات التي اقتضتها الدولة الجديدة. (5)
أنهم اهتموا اهتماما عظيما بالناحية الثقافية والفنية تمشيا مع تقدم الأمة في مضمار الحضارة وتطلبا للمعرفة والإدراك، وقد لعب أبناء الدول المفتوحة من روم وسريان وأقباط وفرس وأنباط دورا خطيرا في إيجاد ثقافة إسلامية رفيعة، أنتجت أطيب الثمار في العصر العباسي الأول، ثم العصر العباسي الثاني، وليس هنا مجال تفصيل هذا البحث. (6)
أنهم من الناحية الاجتماعية خلقوا بيئة رفيعة غنية في أفكارها وحياتها وتقاليدها وآدابها وأخلاقها، فبعد أن كانت البيئة في العصر الأموي عربية أقرب إلى البداوة والسذاجة، أصبحت في هذا العهد بيئة معقدة مطعمة بخلاصة الحضارات القديمة العريقة من فارسية ورومية ومصرية وهندية، وقد اضمحلت الروح القبلية التي كانت في العصر الأموي وحلت محلها روح جديدة، هي روح التعصب القومي أو البلدي، بعد أن كان العرب في العصر الأموي منقسمين إلى قيس ويمن، أو قحطانية وعدنانية، أصبحنا نجدهم في هذا العصر صفا واحدا يحارب فكرة خطرة جاء بها الموالي لهدم كيانهم، ألا وهي فكرة الشعوبية، كما أصبحنا نرى كثيرا من الفكر الاجتماعية الغريبة عن البيئة العربية واضحة المعالم تمد برءوسها وترفع عقيرتها؛ مثل: فكرة الزندقة، والإلحاد، والمانوية، والمزدكية، والخرمية. (7)
Bilinmeyen sayfa