Refah Çağı: Arap Milletinin Tarihi (Beşinci Cilt)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Türler
وعمومته أربعة، فأجابه اثنان أحدهما أبي، وكفر به اثنان أحدهما أبوك ... وما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكنكم بنو ابنته، وإنها لقرابة قريبة غير أنها لا تجوز الميراث ولا يجوز أن تؤم، فكيف تورث الإمامة من قبلها، وأفضى أمر جدك إلى الحسن فسلمه إلى معاوية بخرق ودراهم، وأسلم في يديه شيعته، ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل، حتى خرجنا عليهم فأدركنا بثأركم؛ إذ لم تدركوه ورفعنا أقداركم ...
ولما بعث المنصور كتابه هذا خاف أن يثور الخراسانية انتقاما لأبي مسلم الذي لم يمض على قتله إلا قليل، ونصرة لآل علي الذين يحبونهم، أتبع كتابه بجيش لجب على رأسه عيسى بن موسى فوصل المدينة في 12 رمضان سنة 145ه، ودارت المعركة بين الفريقين وظهرت من محمد ذي النفس الزكية ضروب من الشجاعة، ولكنه لم يلبث أن قتل،
6
فثار أخوه إبراهيم بن عبد الله في البصرة، ونصره جمع كثير من الخراسانيين، وكان ذلك في أواخر رمضان سنة 145ه، وكاتبه أهل الكوفة يؤيدونه فقوي أمره وخاف المنصور مغبة حركته، فكتب إلى عيسى بن موسى أن يغادر الحجاز لقتال إبراهيم، وكان إبراهيم قد سيطر على الأهواز وفارس، وفتح واسطا وسار نحو الكوفة، فالتقى به جيش عيسى بن موسى عند «باخمري»، وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة، فهزم إبراهيم وتفرق جنده في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 145ه.
وبموت محمد وإبراهيم تخلص المنصور من خصمين قويين، وابتهج بهذا الخلاص ابتهاجا عظيما، فقد خطب خطبة في تلك المناسبة أمام الشيعة الخراسانية جاء فيها: «يا أهل خراسان، أنتم شيعتنا وأنصارنا وأهل دولتنا، ولم بايعتم غيرنا لم تبايعوا من هو خير منا، وإن أهل بيتي هؤلاء من ولد علي بن أبي طالب تركناهم، والذي لا إله إلا هو، والخلافة لم تعرض لهم فيها بقليل ولا كثير، فقام علي وتلطخ وحكم عليه الحكمان فافترقت عنه الأمة واختلفت عليه الكلمة، ثم قام من بعده الحسن، فوالله ما كان فيها برجل، ثم عرضت عليه الأموال فقبلها، ثم قام من بعده الحسين فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة، ثم قام من بعده ثم وثب علينا بنو أمية فأماتوا شرفنا ... فصرنا تارة بالطائف وتارة بالشام ومرة بالشراة حتى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا، فأحيا شرفنا وعزنا بكم، أهل خراسان، ودفع بحقكم أهل الباطل وأظهر حقنا، فلما استقرت الأمور فينا وثبوا علينا ظلما وحسدا منهم لنا، وبغيا لما فضلنا الله به عليهم، وأكرمنا من خلافته وميراث نبيه؛ جهلا علينا وجبنا عن عدوهم ... لبئست الخلتان الجهل والجبن.» ثم ما لبثت الأمور أن استقرت للمنصور فانصرف إلى ترتيب شئون دولته وتوطيد أركان إمبراطوريته إلى أن وافاه أجله وهو في طريق الحج في 6 ذي الحجة سنة 158ه. (1) الإدارة في عهده
يعتبر المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، فهو أبو الأملاك العباسيين جميعا، وهو الذي قضى على الفتن الكبرى التي هددت قواعد المملكة، وأبعد عنها إجماع الطامعين، ثم انصرف إلى إدارة شئونها فأحسن القيام بالأمر، وكان من أجل أعماله التي قام بها في ذلك تأسيس عاصمة جديدة للدولة، وتنظيم دواوينها وإداراتها، وتنظيم جيشها وعلاقاتها السياسية الخارجية، وتنظيمها المالي، وإليك تفصيل ذلك في النقاط الآتية: (1-1) بناء العاصمة الجديدة
رأينا أن «السفاح» قد تنقل بين ثلاث عواصم، فلما جاء المنصور عزم على أن يبني لنفسه عاصمة جديدة تكون مقر ملكه ومسكن أنصاره ومعسكرا لجيشه، فاختار موقع «بغداد» لوقوعها على دجلة، ولتوسطها إقليم العراق، ولسيطرتها على الطريق التجارية الهامة الموصلة بين الشرق والغرب، ويروي بعض المؤرخين أن المنصور قال لما اختار هذا الموقع: «هذا موضع معسكر صالح، هذه دجلة ليس بينها وبين الصين شيء، يأتينا فيها كل ما في البحر، وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية وما حول ذلك، وهذا الفرات يجيء فيه كل شيء من الشام والرقة وما حول ذلك.»
ويذكر المقدسي (في أحسن التقاسيم، ص119) أن أهل بغداد - وكان ثمة قرية قديمة تعرف بهذا الاسم ترجع إلى العهد البابلي - قالوا للمنصور: «تنزل في بغداد؛ فإنك تصير بين أربعة طساسيج؛ طسوجان في الجانب الغربي، وطسوجان في الجانب الشرقي، فاللذان في الغربي «قطربل» و«بادوربا»، واللذان في الشرقي «نهر بوط» و«كلواذي»، فأنت تكون بين نخيل وقرب الماء، فإن أجدب طسوج وتأخرت عمارته كان الآخر عامرا، وأنت يا أمير المؤمنين على الصراة تجيئك الميرة في السفن من الصين والهند والبصرة، وواسط في دجلة، وتجيئك الميرة من أرمينية وما اتصل بها حتى الزاب، وتجيئك الميرة من الروم، آمد والجزيرة والموصل في دجلة، وأنت بين أنهارك لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة، فإذا أقطعت الجسر وأخربت القناطر لم يصل إليك عدوك، وأنت بين دجلة والفرات لا يجيئك أحد من المشرق والمغرب إلا احتاج إلى العبور وأنت متوسط للبصرة وواسط والكوفة والموصل والسواد كله، وأنت قريب من البحر والبر والجبل ...»
7
فأعجبه ذلك ثم أمر بتخطيط المدينة، وأمر أن تكون مدورة الشكل، وجعل لها سورين أحدهما داخل وهو سور المدينة، وسمكه في السماء 35 ذراعا، وعليه أبرجة سمك، كل برج منها فوق السور خمسة أذرع، وعلى السور شرف، وعرض السور من أسفله نحو عشرين ذراعا، ويليه من الخارج فصيل بين السورين وعرضه ستون ذراعا، ثم السور الأول وهو سور الفصيل ودونه الخندق، للمدينة أربعة أبواب متساوية البعد تؤدي إلى طرق أربعة، فتبدأ من مركز الدائرة، وتسير إلى أطراف الإمبراطورية الأربعة فباب سماه «باب الكوفة»، وباب سماه «باب البصرة» وباب سماه «باب خراسان» ورابع سماه «باب الشام»، وفي قلب المدينة يقوم قصر الخليفة، وإلى جانبه المسجد الجامع.
Bilinmeyen sayfa