Uyumluluk Çağı: Arap Ulusu Tarihi (Dördüncü Kısım)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Türler
وفي العراق نشأت الفرق المناوئة لبني أمية من خوارج وكيسانية وأشاعثة ومرجئة ومعتزلة وغيرهم ممن أقضوا مضجع الدولة وآذوا أهلها. «وأنا موقن» أنه لولا قسوة الحجاج وزياد الممزوجة بالعدل والتعصب للعرب، لما هدأ العراق طوال عهد الأمويين؛ فقد كان هؤلاء - على ظلمهم وجبروتهم - يرفعون من شأن عرب العراق، وكان الحجاج يجل شيوخ عرب العراق، وجعل منهم النواة التي غزت الشرق، وسيطرت عليه، فقد جعل العراق في عهده معقل الجيوش العربية.
وأما الحجاز فقد انقلبت في هذا العهد من العصر الأموي إلى بيئة ساكنة، يرغب أهلها في الهدوء والحياة الوادعة اللاهية؛ لأن طبيعة الحجازيين ناعمة مترفة، وقد أتيح لها أن تبعد عن السياسة، وأغدقت عليها الأموال، فانصرف أهلها إلى المرح واللهو والغناء وبناء القصور، وبخاصة الرجال الذين كان الأمويون يحشدونهم من أبناء أهل السابقة من وجوه المهاجرين والأنصار، فظهرت طبقات ميالة إلى المرح واللهو، كما ظهرت طبقات ميالة إلى إشادة القصور، ووجد أناس ينصرفون إلى العلم والدين، وأناس يميلون إلى الصلاح والتقوى، وما إلى ذلك مما يبعدهم عن السياسة إلى غيرها، ولما جاء عبد الملك وأولاده ساروا على تلك السياسة.
وأما الجهات الإسلامية الأخرى من العالم فهي الجهات المفتوحة، كشمال إفريقية والأندلس والمشرق، فقد رأى أهلها قوة العرب الفاتحين فخنعوا لهم وهم يتحينون الفرص طوال العصر الأموي للتخلص من نير هؤلاء القوم الفاتحين. وكانت هذه البلاد لا تخلو دوما من فتن وثورات، ولكن حزم بني أمية وولاتهم استطاعوا أن يوطدوا أقدامهم في تلك الديار، ويفرضوا الإسلام على أهلها، ولم يكن النتاج الإسلامي في هذه الديار من النواحي الثقافية والحضارية ذا أثر ملموس، إلا في أواخر العصر الأموي أو العصر العباسي.
ومما هو جدير بالذكر أن أهل الذمة من نصارى ويهود ومجوس قد عاشوا تحت لواء بني أمية عيشة هنية رضية؛ لأن الأمويين كانوا بعيدين عن روح التعصب الديني، كما كانوا يحرصون على حماية أهل الذمة لقاء ضريبة الخراج والجزية التي أخذوها على أن يحموهم، ولما كثر دخول أهل الذمة في الإسلام ورأى الخلفاء - كعبد الملك والوليد وسليمان - أن كثرة دخولهم سيحرم بيت المال من موارد جسيمة، استمروا يأخذون تلك الضرائب منهم؛ لأنهم كانوا ينظرون إلى المصلحة العامة، وإن كان في ذلك مخالفة لظاهر الشرع الإسلامي، ولكن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز منع ذلك كله ولم يقبل بأخذها، وألغى قوانين الاحتيال والمواربة التي اصطنعتها عمال بني أمية لإجبار أهل الذمة الذين دخلوا في الإسلام لاستمرار دفع هؤلاء للخراج والجزية.
ومما هو جدير بالذكر أن سكان الدولة الإسلامية في ذلك كانوا يتأثرون بأحوال الخلفاء؛ ففي عهد عبد الملك انصرف الناس جميعا إلى العناية بأمور الدولة، فإن حركة الإصلاح العامة التي قام بها في الدواوين والمصالح العامة وفي تنظيم شئون الدولة قد جعل الناس في عصره يهتمون بأمثال هذه الأمور. فلما ولي ابنه الوليد وكانت في عهده الفتوح واليسر والرخاء كثر البناء، وتخففت الأعباء عن كاهل المسلمين. وفي عهد سليمان بن عبد الملك دب الترف والبذخ اللذين كانا يسيطران على البلاط إلى سائر الأرجاء. وفي عهد عمر بن عبد العزيز، كان الناس يتدارسون القرآن، ويعملون على إحياء سنن الشريعة، والانصراف إلى الزهد والنسك والتواضع. ولما ولي يزيد والوليد الثاني عم اللهو وانتشرت الخلاعة؛ لأن الناس على دين ملوكهم. وفي عهد هشام كثرت عناية الناس بتعمير الأرض وتقوية الثغور وحفر القنوات؛ لأنه كان مغرما بهذا عاكفا عليه.
الفصل الثالث عشر
الحركات العلمية والعقلية
مقدمة
قلنا في الفصل السادس من الباب الأول: إن الشام كان في العهد الأول من العصر الأموي مجالا خصبا لنشوء حركات علمية وأدبية لأسباب؛ منها أن الشام أرض عريقة في العلم والفن، ومنها أن تأسيس الدولة الجديدة اقتضى إيجاد حركة علمية وأدبية تلائم الحركات السياسية وتماشيها، ولكن طبيعة الإنشاء تقضي أن تكون الباكورة ساذجة؛ فلذلك لم نسمع بأثر كبير لهذه الحركات في تلك الحقبة.
ونضيف ها هنا إلى ذلك أن الاستقرار السياسي الذي أعقب عصر معاوية ومروان قد أنتج نتاجا طيبا في الحقل العقلي والعلمي والأدبي؛ وذلك لميل الخلفاء إلى إظهار أبهة الخلافة. يقول القلقشندي: لم يزل أمر المكاتبات في الدولة الأموية جاريا على سنن السلف إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك، فجود القراطيس وجلل الخطوط، وفخم المكاتبات، وتبعه من بعده الخلفاء على ذلك، إلا عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد، فإنهما جريا في ذلك على طريق السلف، ثم جرى الأمر من بعدهما على ما سنه الوليد إلى أن صار الأمر إلى مروان بن محمد - آخر خلفائهم - وكتب له عبد الحميد بن يحيى، وكان من اللسن والبلاغة على ما أشهر ذكره، فأطال الكتب وأطنب فيها، حيث اقتضى الحال تطويلها والإطناب فيها، حتى يقال: إنه كتب كتابا عن الخليفة، وقر جمل، واستمر ذلك فيما بعده.
Bilinmeyen sayfa