Çöküş Çağı: Arap Ulusunun Tarihi (Yedinci Cilt)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Türler
ومن آثار الفاطميين في مصر أيضا: خزانة كتب الخليفة العزيز بالله، فقد كان محبا للعلم حريصا على تثقيف الناس، ولذلك بنى دارا عظيمة ملحقة بقصره، جمع فيها كثيرا من المؤلفات القيمة في الأدب والتاريخ والحكمة والفلسفة والفقه، وقالوا: إن عدد كتبها بلغ نحوا من مليون وستمائة ألف كتاب، وذكروا أنه كان من بينها كتاب «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي، ونيف وثلاثون نسخة متقنة، منها نسخة عليها خط المصنف، كما كان فيها نيف وعشرون نسخة من «تاريخ الطبري»، ونسخة من كتاب «الجمهرة في اللغة» لابن دريد، وكان العزيز بالله يتردد إليها ويتحدث إلى قيمها، ويناقشه في مسائل العلم وأحوال الكتب.
وأعظم أثر علمي خلد اسم الفاطميين على الدهر هو «الجامع الأزهر» المعمور الذي بناه الأمير جوهر الصقلي بأمر الخليفة المعز لدين الله في سنة 363ه وجعله مدرسة كبرى لتعليم العلم وتهذيب النفس، وأقام إلى جانبه خزانة كتب غنية، وقد ظلت هذه المؤسسة الضخمة عامرة بالعلم، عاملة على نشر المذهب الفاطمي الشيعي إلى أن جاء الناصر صلاح الدين الأيوبي، فحولها إلى مدرسة شافعية، وما زال شأنها يسمو في عصر الأيوبيين حتى درست فيها المذاهب الأربعة واللغة والآداب والرياضيات والفلك، فلما استولى المماليك على مصر زادوا العناية بها، وأكثروا مواردها وعظموا عدد طلابها وشيوخها، كما أنهم وسعوا بناءها، وزادوا أروقتها وبخاصة في عهد الملك الظاهر بيبرس والملك «قايتباي» والملك «قانصوه» الغوري، وقد أضحت هذه المدرسة بل الجامعة العظمى الملجأ الحصين للغة والدين في عصور الانحلال والانحدار، ولم يكن أثر الأزهر الشريف مقصورا على أهل مصر وحدها؛ بل كان المسلمون يقصدونه منذ العصر الأيوبي من كافة أنحاء العالم الإسلامي حتى من بلاد المغرب واليمن والهند وأواسط أفريقيا، وأخذت هذه الصلة تقوى بين الأزهر وبين البلاد الإسلامية حتى أضحى في العصر العثماني مأوى المسلمين وحصنهم المتين في كافة بقاع الإسلام من بلاد الشركس والقفقاس إلى بلاد الهند والأفغان، وقد بلغ عدد طلابه في القرن التاسع للهجرة نحوا من ألف طالب.
2
هذا وقد وقف الأمراء والمماليك كثيرا من دور العلم والعبادة منذ عهد صلاح الدين في الشام ومصر، وقد أكثر هو نفسه من بناء هذه المعاهد في مصر والإسكندرية والقدس ودمشق وحلب وحماه، وخلفه أبناؤه ورجال أسرته فساروا على غراره، ولما جاءت دولة المماليك بعدهم أكثروا من بناء المدارس كثرة واضحة حتى قال المقريزي في خططه: إن مدارس المماليك في الشام ومصر قد بلغت نحوا من سبعين مدرسة ومعهدا للتدريس، ويقال: إن مثل ذلك العدد كان في الأصقاع والولايات التابعة لهم.
وهكذا ازدهرت المدارس، وارتفع شأن العلم في عصر المماليك على الرغم من انحطاط شأن العرب السياسي، فلما جاء الأتراك العثمانيون، واحتلوا الشام ومصر تأخرا من الناحية الثقافية، وبخاصة الناحية الأدبية بشكل بارز، فقد نكب الأدباء والشعراء وتفرقوا في البلاد، وفشت الجهالة وعلى الأخص حين وقعت الفتن والحروب بين الأتراك وبقايا المماليك ، فتأخر الأزهر، وانحطت مدارس الشام الكبرى، وهدم أكثر معاهد العلم، وظلت حالة الجهل متفشية في عهد السلطان محمد الثالث، ففي سنة 1004ه بعث إلى مصر محمد باشا واليا عليها؛ فاهتم بالمعاهد الدينية، وأحيا شعائرها، وأعاد بناء «الجامع الأزهر» إلى ما كان عليه، وجعل فيه وظائف يومية من العدس المطبوخ تفرق على الطلبة الفقراء، كما رمم المشهد الحسيني، وأخذ الأزهر منذ ذلك الحين يستعيد نشاطه الفكري، كما شرع رجاله يعنون بنشر العلم والتأليف والوعظ والإرشاد، واستمرت هذه الحالة حتى جاء نابليون وأوجد تلك النهضة المعروفة التي سنتحدث عنها فيها بعد.
ومما يجدر بنا ذكره هنا أن اللغة العربية وعلومها كانت مزدهرة في العصر المملوكي؛ لأن المماليك كانوا يتعلمونها ويعلمونها أبناءهم ومماليكهم ويشجعونهم على إتقانها والبراعة فيها وفي آدابها وعلومها، كما أسلفنا، فلما جاء العهد التركي ضعفت اللغة العربية، وانحطت آدابها، وتدنت أساليب تدريسها، وسفلت طرائق كتابتها، وقد زعم بعض المؤرخين أن السلطان سليما العثماني أراد حين فتح الشام ومصر أن يجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية بدلا من اللغة التركية وأنه كان مصمما على ذلك، ولكن المنية عاجلته قبل إتمام هذا المشروع الهام حتى قال المرحوم الأستاذ محمد كرد علي: «والغالب أنه نشأ له هذا الفكر يوم افتتح مصر والشام، وخطب له في الحرمين الشريفين؛ فسمي فاتح ممالك العرب، فرأى أن العرب في مملكته أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأن الترك وهم عنصر الدولة الأصلي لا يشق عليهم أن يستعربوا، ولو وفق السلطان سليم إلى إنفاذ هذه الأمنية لخلصت الدولة العثمانية في القرون التالية من مشاكل عظيمة، ودخلت في جملة العرب عناصر كثيرة مهمة، ولارتقت اللغة العربية فأضحت الأستانة موطنا لها كما كانت بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغرناطة.»
3 •••
أما عن الحالة الاجتماعية: فقد بلغت في مصر أثناء العصر الفاطمي وأوائل العصر الأيوبي درجة رفيعة في الحضارة والرقي والسمو الاجتماعي حتى صارت زعيمة البلاد الشامية والحجازية، وكانت ثروتها نعم المعين لها على نشر هذه الحضارة وتعميم أسباب العلم، ولكن انشقاق الأيوبيين بعد وفاة زعيمهم صلاح الدين وانقسامهم وتقسيمهم مملكة صلاح الدين الواسعة الممتدة من مصر إلى الشام والموصل واليمن والحجاز قد ضعضع تلك الدولة، فاختل التوازن الاجتماعي حينا من الدهر بعد هذه التجزئة، واضطرب حبل الأمن، وباضطرابه اختلت القيم الأخلاقية، وكثرت الدسائس في البلاط الملكي وفي قصور الأمراء، ووصلت هذه الدسائس والفتن إلى صفوف الوجهاء وطبقات الشعب، ولم يأت القرن السابع للهجرة إلا وأسرة صلاح الدين قد جعلت بأسها بينها، فضعفت عصبيتها، واختل نظامها، ورأت أن تستمد قوة من بعض العناصر الأجنبية كالشركس والروم والأتراك والصقالبة ممن دخلوا في الدين الحنيف، وأخذوا يتحينون الفرص لاستعادة سلطانهم المفقود عن طريق الدس أو الاحتيال أو إيقاع الفتن بين صفوف رجال الأسرة الحاكمة أو بين الشعب وطبقاته.
وقد كان لهؤلاء الأجانب أثرهم القوي في الحياة الاجتماعية، وخصوصا حين قوي أمرهم، وأضحى الملوك والأمراء الأيوبيون ألعوبة في أيديهم يصرفونهم كما يشاءون، كما أضحى الشعب مدفوعا إلى تقليدهم والاقتباس من أحوالهم وأخلاقهم، على أن هؤلاء المماليك الأجانب كما أثروا في أهل البلاد، قد تأثروا بهم واقتبسوا كثيرا من أخلاقهم وأوضاعهم، وأحبوا البلاد التي نزلوا فيها، ونذروا على أنفسهم الدفاع عنها من الغزاة الذين أرادوا القضاء عليها كما قضوا على العراق وفارس، والحق أن هؤلاء المماليك كانوا حماة بلاد الشام ومصر من أن يفعل بها المغول ما فعلوه في إيران والعراق، وبخاصة بغداد قلب الإسلام وعروس بلاده، ولهؤلاء المماليك الفضل الأكبر في الإبقاء على سلامة البلاد وإنقاذها من شرور الصليبيين الذين أرادوا أن يفرضوا نظمهم وقوانينهم وأحوالهم الاجتماعية على البلاد، ولكن المماليك أقصوهم وردوهم شر رد.
ولا يسعنا الأمر أن نترك الحديث عن أبناء الشعب على الرغم من قلة المعلومات التي لدينا عنهم في هذه الحقبة، وأغلب الظن أنهم كانوا مسوقين كالقطعان، يعملون على تقليد أمرائهم من الأيوبيين والمماليك؛ لأنهم في نظرهم قد غدوا القدوة الصالحة، على الرغم مما هم فيه من السوء وفساد الخلق، إلا من رحم ربك، وسلمه الحظ إلى مالك كريم النفس علمه الدين والخلق وبعث به إلى حلقات الذكر أو مدارس العلم فتهذبت نفسه وسما عقله، وقد كان لهؤلاء المماليك تقاليد وأحكام وشارات يتميزون بها عن غيرهم، كما كان بطبقتهم أنظمة خاصة بها، وكان لهم طبقات؛ فطبقة شاراتها صور بعض الحيوانات كالأسد والفهد والنمر والصقر والطاووس، وطبقة شاراتها صور الزهور كالزنبق والأقحوان والياسمين والقرنفل، وطبقة شاراتها صور بعض الأدوات الحربية كالسيوف والسناجق والكئوس والمغافر، وكان لكل طبقة قرطق خاص تلبسه ومناطق معينة تتخصص بها في ألوان جميلة مختلفة اختصت كل طبقة بلون خاص.
Bilinmeyen sayfa