İslam Medeniyeti Tarihi (Birinci Cilt)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Türler
فنزل عليه الوحي وقرأ عليه أول سورة من سور القرآن ودعاه إلى أن يرددها وراءه، فرددها، وأصابه الروع، وأسرع إلى زوجته خديجة وأنبأها بما وقع وقال إن الملك أمره أن يقول «اقرأ باسم ربك الذي خلق» الآية، فقرأها، وإنه خرج إلى وسط الجبل فسمع صوتا من السماء يناديه «يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل» فذعر وأسرع إلى خديجة فأخبرها، وكان لها ابن عم اسمه ورقة بن نوفل قرأ الكتب ونظر فيها وخالط أهل التوراة والإنجيل وسمع أقوالهم، وكان مشهورا في مكة بسعة العلم في الدين والنبوات، فذهبت إليه وأخبرته بما كان فقال «والذي نفس ورقة بيده، لئن صدقتني يا خديجة لقد جاء الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه نبي هذه الأمة».
فرجعت خديجة إليه وأخبرته بقول ورقة فاطمأن باله، ولكنه لم ير إظهار دعوته، لعلمه بما سيكون لها من ثقل الوطأة على قريش، لما فيها من تعييب آلهتهم وتحقير أصنامهم، وفي ذهاب تلك الأصنام ذهاب تجارتهم وأموالهم وكل آمالهم، ولم يكن من الجهة الأخرى يتوقع إذا أنبأهم برسالته أنهم يصدقونه فعمد إلى بث دعوته سرا بين أقرب الناس إليه، قضى في ذلك ثلاث سنين فاجتمع حوله نفر قليلون في جملتهم ابن عمه علي بن أبي طالب وكان لا يزال غلاما وأبو بكر الصديق وكان من وجهاء قريش وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم، فهم بدعوة الناس جهارا وبدا بعشيرته الأقربين فكلف ابن عمه عليا أن يصنع لهم طعاما يدعو أهله إليه وفيهم عمومته بنو عبد المطلب وأولادهم وهم نحو أربعين رجلا، فدعاهم إلى بيت أبيه أبي طالب، فلما فرغوا من الطعام هم محمد بالكلام وكان أهله قد سمعوا بدعوته سرا واستخفوا بها، فلما هم بالكلام علموا أنه سيدعوهم إلى ترك الأصنام وعبادة الله فابتدره عمه أبو لهب وكان أشدهم وطأة عليه فأسكته فسكت وتفرقوا ولم يقل شيئا.
لكنه لم يفشل ولا ضعفت عزيمته فأعاد الوليمة ثانية وقد صمم على التصريح بما في ضميره فلما فرغوا من الطعام قال «ما أعلم أن إنسانا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني في هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟»
2
فظلوا ساكتين وكان سكوتهم استخفافا، فتقدم علي ابن عمه وقال «أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليهم» فأخذ النبي برقبته وقال «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا» فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب «قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيعه» ثم انصرفوا. (1-3) النبي وقريش
على أن استخفافهم هذا لم يقعده عن عزمه ولا أبعده عن قومه، فبدلا من وقوفه عند ذلك الحد، تهيبا وحذرا جاهر بسب الأصنام ونسب أهله وآباءهم إلى الكفر والضلال، فلما علموا بمجاهرته بسب الأصنام أجمعوا على عداوته ومقاومته وتعمدوا أذاه، لكنهم لم يروا سبيلا إلى ذلك وهو في كفالة عمه أبي طالب ... فجاءوا عمه وفيهم أبو سفيان فقالوا له «يا أبا طالب إن ابن أخيك عاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فانهه عنا أو خل بيننا وبينه» فردهم أبو طالب ردا حسنا ووعدهم خيرا.
ثم رأوه لا يزال ماضيا في سب آلهتهم فعادوا إلى أبي طالب وقد اشتد بهم الغيظ وقالوا له «إن لم تنه ابن أخيك وإلا نازلناك وإياه حتى يهلك أحد الفريقين» فعظم ذلك على أبي طالب وأدرك عاقبة الأمر فلما عادوا من عنده قال لابن أخيه «يا ابن أخي إن قومك قالوا كذا وكذا» فظن أن عمه يخذله فشق عليه ذلك وقال «يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر» وبكى وهم بالانصراف فناداه عمه وقال له «قل ما أحببت، فوالله لا أسلمك أبدا».
وكانت دعوته في أثناء ذلك تذيع على مهل، وقد أسلم جماعة من خيرة الناس كان لهم شأن عظيم في التاريخ الإسلامي منهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وحمزة بن عبد المطلب (عمه) وعمر بن الخطاب، وكان لإسلام هذين الأخيرين وقع حسن عند النبي، لأنهما كانا من أهل الوجاهة والقوة.
أما سائر أعمامه وأهله فلما يئسوا من وساطة عمه أبي طالب، رأوا أن يحتالوا في استرضائه بالحسنى، فبعثوا إليه وقد اجتمع كبارهم في ندوة ... فجاء فاستقبلوه بالترحاب وقالوا له «يا محمد إنا قد بعثنا إليك وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه أو نعذر فيك».
فقال لهم «ما بي ما تقولون وما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني رسولا، وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم».
Bilinmeyen sayfa