وقرأت هكذا أن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى المزنى وابن عبد الحكيم المصرى كانا من تلاميذ الشافعى ، وكلاهما كان مساويا فى الجاه والمال ، انشغل المزنى بالزهد فى الدنيا ، وابن عبد الحكيم تولى القضاء فى مصر ، وذات يوم كان المزنى يمر بولاية مصر وكان المطر يتساقط آنذاك والأرض تكونت بها برك ومستنقعات وحدث اضطراب فى الطريق ، فلما نظر المزنى رأى ابن عبد الحكيم فى وسط كوكبه مطأطئ الرأس ، " ( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ) " (1) بعد ذلك رفع رأسه وقال (بلى نصبر بلى نصبر ، وما عند الله خير للأبرار) (2) والحق سبحانه وتعالى يقول ، ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) (3).
سئل أحد العلماء : ، لماذا الحق جل جلاله قد حول أرزاق العباد إلى عالم الغيب ، وبيننا وبينه مسافة كثيرة لن يتيسر الوصول إليها بجهد البشر؟ (50) ، فأجاب بأنه علم أزلا بما سيكون عليه أخلاق بنى آدم وطغيانهم وكفرهم وإصرارهم واستكبارهم ، ولو لم يكن العجز والمسكنة فى أسباب رزقنا لاغتررنا بحولنا وقوتنا وعلمنا وحكمتنا ، ولن نرفع الرأس إلى السماء إلا عن تكبر ولن نضع قدما ثابتة على جادة العبودية مثلما فعل قارون وفرعون ( قال إنما أوتيته على علم ) (4) وفرعون قال (أليس لى ملك مصر) (5) ويروى عن صاحب الشريعة صلوات الله عليه ، أن قال تعالى (إنى سخرت المال لقارون فطغى والنيل لفرعون فعتا فلو جعلت أسباب الأرزاق لهم بحيث تناولها الأيدى وتبلغها أفهام أولى العلم لها دعوا أنفسهم شركائى فيما خلقت) وقد ورد فى الأخبار أن الله عز اسمه حينما خلق آدم مزج فى طينته الحرص والطمع ، وسيبقى ذلك فى أعقابه حتى يوم القيامة ، والأنبياء والأولياء الذين تميزوا بالتأييد الإلهى وترف العقل قد بذلوا جهدا كبيرا حتى يختفى منهم ذلك ، ولأننا قد خلقنا بأوباش الطبيعة والخرافات فقد وضعت فضيحة الحرص والأمل على الجمل وطاف بها العالم ولا يلزم الخوف من ذلك ، فإما أن نموت من الجوع أو أن نحترق من العرى وحسنا قال
Sayfa 67