(وإن الفناء مكتف من أين يعان وأنت محتاج إلى أن تعين نفسك وقومك بما يزينك فى دار الفناء وينفعك فى دار البقاء) واعلم الحقيقة أن كل من يهمل السعى ويتواكل على القضاء والقدر سوف يصير ذليلا وحقيرا ، وكل من يسعى ويجرى فى السعى ويكذب القضاء والقدر يكون جاهلا ومغرورا ، ويجب على العاقل أن يسلك بين السعى والطلب ولا يكتفى بأحدهما لأن القدر والسعى مثل متاع المسافر على ظهر الدابة لو أن جانبا منهما أثقل من الآخر يهوى المتاع إلى الأرض وينفصل عن ظهر الدابة ويتعب المسافر ويتخلف عن مراده ، ولو كان الجانبان متساويين فلن يتعب المسافر وتستريح الدابة وسوف يصلون إلى المقصود ، ويقال إنه كان ملك فى قديم الأيام يدعى (جهنل) كان له مذهب فى القدر يبين فى الغلو والتعصب ، وكان يقول :
ولن يمحو الإنسان ما خط حكمه
وما القلم المشاق فى اللوح رقشا (1)
وقد أنكر أهل الزمان وأهل عهده مذهبه وطريقته حتى إن واحدا من إخوانه نازعه واستولى على الملك منه ، وأخرجه من تلك الولاية هو وأولاده فالتحقوا" بقير انشاه" وظلوا فى خدمته زمنا بلا كرامة ، ولم يسع فى طلب الملك ، واعتمد على القضاء والقدر إلى أن بلغ الأمر حدا أصبحوا معه عاجزين عن كسب القوت فأتى أولاده إليه وقالوا : إن اعتقادك فى القدر جعلنا بلا قدر ، وذللت نفسك ، وخسست طبعك ، وساءت رؤيتك على هذا مثل الجمل من جبنه يستطيع طفل ذو عشر سنوات أن يضع على ظهره الحشيش ويضع السرج فى أنفه ويطلقه إلى الأسواق ، ولو كان الجمل به قلب عصفور لما استطاع الطفل أن يذله كل هذا الذل ، وساقوا فى هذا قصة لأبيهم صارت مثلا لدى أهل العلم قالوا : إن فى وقت ما ، كان أعمى فى قرية من القرى المجاورة للصحراء ولم يكن له قائد كى يتجول به ، ولوازم حياته غير مواتية بأى وجه قط ، وبجانبه درويش مقعد مثله ، وكان يحضر إليهما كل يوم رجل زاهد لقمة ، ويتركها لهما وصارا يعيشان من ذلك الأمر حتى كان اليوم الذى انتظراه فيه فى وقت الأصيل ولم يحضر الزاهد فقد حل أجله ومات ، ومر يوم واثنان والعاجزان قد بلغا الموت جوعا ، ففكرا بأن يأخذ الأعمى المقعد على كتفيه ، ويكون المقعد دليله ، ويمشيان فى المنازل والأسواق ودبرا أمر
Sayfa 58