الحمير أصبر على العناء ، أما ما هو موضع اعتبار الجمهور من الأعمال والخصائص والفضائل فهو الأغلب الصحيح لا الشاذ والنادر الذى يعد لغوا ، ويجب عليك أن تقبل نصيحتى وتحتفظ بمروءة نفسك وتسرع إلى الخدمة وقد رغبت فى ألا أجيبك عما تكره الجواب عليه وفيه ما فيه من العار ، ولقد فكرت مرة ثانية فيما لو أنك ترى أشياء أخرى خلافا لهذه الصورة التى حسبتها من أفعال وأحكام الملك وقد أثارت إليك العجب فلا يجب عليك أن تعجب من هذا ، فالعجب إنما يكون من طريقة فوزه بملك العالم بمفرده مع أن جميع الأرض تموج من الأسود الضارية ، ولقد انقضت أربعمائة عام كانت الدنيا مملوءة بالسباع والوحوش والشياطين الذين لهم صورة البشر المجردين من الدين والأدب والثقافة والعقل والحياء ، ولم يصدر منهم شىء سوى خراب وفساد الدنيا وتحولت المدن إلى صحراء والعمارة إلى خراب فأوصلها فى مدة أربعة عشر عاما بالحيلة والقوة والكناية إلى ما عليه الآن ؛ بحيث جعل جميع الصحراء مياها جارية وأقام صرح المدن فظهرت القرى والرساتيق بما لم تكن عليها قط طوال أربعة آلاف عام من قبله مما أوجد العمار ومعمريه من البشر ، وأمر بتعبيد الطرق ومن القواعد والقوانين فى المأكل والمشرب والملبس فى السفر والإقامة فلم يرفع يده عن شىء قط حتى وثق أهل الدنيا فى كفايته ، ولقد أبلغ كل شىء نهايته ، ولقد حمل على الزمان القادم ولمدة ألف عام بعده للحيلولة دون وقوع خلل ولقد كان احتفاؤه بأمر الدهر القادم واهتمامه بمصالح من سيأتون من بعده أبلغ من عنايته بعهده المبارك ، ولصلاح أمر الخلائق المعاصرين له أثر بالغ فى صحته الشخصية ونفسه ، وكل من ينظر فى أعماله فى الأربعة عشر عاما يرى فضله وعلمه وبيانه وفصاحته وعظمته ورضاه وسخاءه وحياءه ودهاءه وذكاءه ، ويدرك ويقر بأنه منذ أن كورت القدرة المبدعة لهذا العالم هذا الفلك المقوس لم يكن للأرض ملك فى استقامته ، كما أن باب الخير والصلاح الذى فتحه على الخلائق سوف يظل ، ولولا أننا نعلم أنه بعد ألف عام سوف يحدث فى الدنيا اضطراب وفوضى لبعد الناس عن وصاياه ، وسوف يحلون كل ما عقده وسوف يعقدون كل ما حله ، لكنا قلنا إنه حمل هم العالم إلى الأبد ، ويجب أن تكون من أهل ذلك ، ولا تعن العناء فيحل بك وبقومك سريعا مثلما قال الحكماء :
Sayfa 57