فقال النسانيس : يجب أن توضح لنا سبب هذا الأمر وموجب هذا التحرك وأن توضح لنا ما فى هذه الفكرة من صلاح حتى تتفق الآراء ، فإن كانت تتضمن النجاح والخير فلن يكون هناك عصيان لأمرك ، فقال : لن أطلعكم قط على هذه الفكرة فقد طاب لكم هذا المنزل فهو مكان فسيح حبيب إلى قلوبكم موفور النعمة ، واعلموا أننى لو أطلعتكم على ما أعلمه فلن يكون له فى عيونكم ولا فى قلوبكم وزن ولا محل ، لكن بحكم ما تعرفونه عنى من فضل الرأى وغلبة العقل على اقبلوا نصيحتى والتمسوا متابعتى حتى نحل فى مكان آخر فقد أشار العقلاء بذلك :
وما الحزم إلا أن يحن ركائبى
إذا مولدى لم أستطب منه موردى (1)
فالهجرة والجلاء بعدا عن الجفاء ومغادرة البلاء هى سنة الأنبياء والمرسلين فى كل زمان ولا يقبل لدى العقل أن العاقل ، يستصغر ذلك حتى يرى تباشير الشر ، ومنكرات الضر فى نفسه وأتباعه وأهله ، وأشياعه ، ويفضل المعاناة من أجل الطعام والوجود على سعادة العمر التى فيها كل الخير ، وإن فعل ذلك فإنه ينسب إلى الجهل والكسل ويجر الأجل على نفسه بهذا الحمق :
فما كوفة أمى ولا بصرة أبى
ولا أنا يثنينى عن الرحلة الكسل
فالكريم العنصر الشريف الجوهر فى كل منزل ومقر يستقر فيه يكون متمتعا بفضائل الذات وهناء اللذات فإذا ما سقط مثلا فى البحر فإن السماحة والفلاح يسبحان معه ولو كان العز والمنقب والرزق والمرتبة تجعل مقاما دون مقام لما قيل :
لو حاز فخرا مقام المرء فى وطن
ما جازت الشمس يوما بيتها الأسد (3)
Sayfa 49