همتهم ويمن بركتهم فى هذه الفكرة بأن ينبض ذلك السواد بمدد من القلم وكنت قد تشرفت بوصول رسالة من أبى الذى كان كريما وحسنا ، مضمون تلك الرسالة :
أناخ الدهر كلكله علينا
وعركنا كتعريك الأديم
لى من جفاء الفلك الأزرق ما يشبه المرآة ، ومن غصص هذه الدنيا الدنية التى تربى الدون.
وجنة كالكأس مفعمة بالدمع من العين وقلب فى الصدر مفعم بالدم القانى كالخمر الصراح.
واعلم يا بنى أن هذا المنزل الذى قيل إنه لا يعبره كثير من الأشخاص قد اجتزته أكثر من خمس عشرة مرة ، وقلبت الدنيا رأسا على عقب فلم أجد سواك ، أنت يا بنى القائل لمؤلفه :
أيها القلب إلى متى تأمل وتزحف طلبا للأمل طالما أنه لا يتأتى من الفلك سوى خسة الطبع.
حقا لو أن الزمان يليق لذلك بأن تشكو منه وتشكره.
وأنا أبوك القائل أيضا :
لقد آن الوقت لكى أرحل عن ركن الفناء ، وحان الوقت لكى أستقر فى كنز البقاء.
فما أكثر ما طويت الدنيا وفارقتنى ، وحيث إن عظماءك قد مضوا فاعلم أن العظماء عند ما ينهضون من على المائدة يجلس الصغار على المائدة ، فاجلس أنت متفضلا بدلا من أن تجلس إليها مأمورا فتأجج فى كيانى من هذه الرسالة مثل اشتعال النار فى جزل الغضا ، وفى الليل ودون إعلام الرفاق قررت أن أنفرط من نظم عقدهم مع عدة غلمان وخدم وأرسلت لهم من الطريق هذين البيتين :
لئن سرت بالجثمان عنكم فإننى
أخلف قلبى عندكم وأسير
Sayfa 24