عطا بك حسني.
واستهل عطا بك أعماله بتأليف كتابه المسمى «خواطر في الإسلام» ثم ترجمه بقلمه إلى اللسان التركي باسم «خاطرات إسلام» فنال شهرة واسعة حتى أعيد طبع النسخة العربية التي كثر إقبال القراء على مطالعتها، وألف أيضا كتاب «حلى الأيام في خلفاء الإسلام» وهو يتضمن تاريخ الأمة المحمدية من عهد الهجرة إلى الآن، وله كتاب «السياحة العثمانية» وهو مزين بصور مشاهير الدولة العلية ورسوم المشاهد المهمة والآثار القديمة، أنجزه مؤلفه بعد أن ساح مرارا في أقطار السلطنة العثمانية وامتزج بسكانها على اختلاف عناصرها، فشرح فيه حال السلطنة قبل إعلان الدستور وبعده، وأتى على وصف مشاهد أوروبا وعواصمها التي جال فيها كلها، وهذا الكتاب تحت الطبع مع كتاب آخر دعاه «صيانة الإسلام في وجود دولة آل عثمان» شرح فيه أدواء الدولة العثمانية، فجاء سفرا حاويا سديد الآراء وبعد النظر في غور السياسة الشرقية.
وظهرت مآثره ظهورا جليا في جريدة «الجوائب المصرية» اليومية التي جدد صدورها في القاهرة وأنشأ لها مطبعة كبيرة، فأودع فيها من نفثات قلمه حتى صارت الصحيفة الشرقية التي أنشئت لخدمة المصلحة القومية، فدافع عن حقوق الاستقلال العثماني بمقالات اجتماعية وإصلاحية تعود بالخير والإسعاد على الشرق والشرقيين.
ونظرا لشهرته في عالم الأدب عينته الجمعية العلمية في باريس عضوا عاملا لها، ثم انتدبته الجمعية الجغرافية للخطابة في حفلتها السنوية في مدينة رمس
Reims
فلبى الطلب وألقى خطبة نفيسة دافع بها عن العثمانيين خاصة والشرقيين عامة، ونشرت هذه الخطبة في الكتاب الذهبي للمؤتمر المذكور.
واتصف صاحب الترجمة بدماثة الأخلاق ومحبة عمل الخير وكرم اليد والابتعاد عن التعصب الذميم لوطنه ودينه، ولنا على صحة هذا القول براهين كثيرة تشهد بشهامة نفسه ونزاهة مبادئه؛ فمن ذلك أنه تبرع لمنكوبي أطنه من الأرمن بمساعدة مالية وافرة سلمها لمطران هذه الطائفة في القاهرة، وتبرع أيضا بمبلغ آخر من المال مساعدة لبناء كنيسة الطائفة المارونية في الخرطوم، وقد رفعت البطريركية المارونية تقريرا بهذا الشأن إلى قداسة الحبر الأعظم؛ فكان ذلك داعيا لسرور الدوائر الفاتيكانية وامتنانها. ولما عرج على رومة سائحا حظي بمقابلة البابا بيوس العاشر في مقابلة خصوصية مدة عشرين دقيقة كان فيها موضوع التفات قداسته. وقد عامله الحبر الأعظم كما يعامل الأمراء الأجانب، وأمر باطلاعه على متاحف الكرسي الرسولي وخزائن الكتب وسائر الآثار القديمة، ثم تلطف وأهداه «وسام القديس غريغوريوس الكبير» طبقته الأولى.
وتشرف أثناء وجوده في باريس بمقابلة مظفر الدين شاه إيران سابقا، فشكر له الشاه على صدق أمانته الملية وأظهر إعجابه به، ثم منحه وسام «شير خورشيد» الثاني وعلقه بيده على صدر الممنوح له مع «وسام المعارف» الذهبي، ونال أيضا بعض علامات الشرف كوسام «سرتيب» الأول من دولة إيران، ووسام «المجيدي الثاني» ثم «مدالية الحجاز الذهبية» والرتبة الأولى من الصنف الثاني من الدولة العثمانية، وأحرز وسام «نجمة الصباح» الأول من سلطان لحج، ووسام «فخر عمان» الأول من سلطان مسقط وعمان وغيرها.
وفي رحلته إلى الآستانة سنة 1910م قابل في زيارة خاصة الأمير يوسف عز الدين ولي عهد السلطنة العثمانية، فلقي لدى سموه من الحفاوة ما لم ينله مصري سواه قبل الآن، وقد أهداه الأمير المشار إليه رسمه متوجا باسمه الكريم ومكتوبا بخط يده، وما عدا ذلك فإن عطا بك فاز بمقابلة كثير من الملوك والأمراء شرقا وغربا فأهدوه رسومهم وشملوه بانعطافهم، ومما لا يسعنا السكوت عنه في هذا المقام أن داره العامرة أصبحت بلطفه وكرمه محطا لعظماء الرجال وكبار السياح والعلماء الأعلام؛ وغيرهم الذين يزورون وادي النيل.
نسأل الله سبحانه أن يكلل بالنجاح جميع مساعيه العائدة لعمل الخير وتعزيز كلمة الوطن وتوسيع نطاق المعارف، وأن يمنح سعادته عمرا طويلا مقرونا بالعز والهناء والعافية، ويصون أنجاله المحروسين بعين عنايته الصمدانية، إنه أكرم الأكرمين وخير المسئولين .
Bilinmeyen sayfa