مقدمة الكتاب
المقدمة
التوطئة
1 - تحديد الصحافة وأشهر مسمياتها ومواضيعها المختلفة
2 - تعريف الصحافة من أقوال مشاهير الملوك والكتاب والصحافيين
3 - مؤرخو الصحافة العربية
4 - وجوه تسمية الصحف الدورية لدى العرب
5 - فوائد تاريخية وشذرات أثرية عن الصحافة عموما والعربية منها بنوع خاص
6 - عطا بك حسني
7 - معرفة الجميل
8 - الصحافة وأعاظم الرجال
الكتاب الأول
الباب الأول
1 - تكون الصحافة العربية
2 - أخبار الصحف من أول نشأتها إلى سنة 1850م
3 - أخبار الصحف من منتصف القرن التاسع عشر إلى فتنة بر الشام سنة 1860
4 - أخبار الصحف من فتنة بر الشام سنة 1860 إلى سنة 1869
5 - أحوال الصحافة العربية في الحقبة الأولى وأمثلة من كتاباتها
الباب الثاني
1 - الشيخ ناصيف اليازجي
2 - بطرس البستاني
3 - رفاعة بك الطهطاوي
4 - أحمد فارس الشدياق
5 - الكونت رشيد الدحداح
6 - خليل الخوري
7 - رزق الله حسون
8 - ميخائيل مدور
9 - إلياس بك حبالين
10 - الحاج حسين بيهم
11 - سليمان الحرائري
12 - يوسف الشلفون
13 - إبراهيم سركيس
14 - حنا بك أبو صعب
15 - حسن العطار
16 - عبد الله أبو السعود
17 - سليم الخوري
18 - سليم شحادة
19 - الشيخ يوسف الأسير
20 - محمد بيرم الخامس
21 - فرنسيس مراش
22 - الدكتور كرنيليوس فانديك
الكتاب الثاني
المقدمة
الصحافة العثمانية
1 - يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات في مدينة بيروت
2 - تراجم مشاهير الصحافيين في بيروت في الحقبة الثانية
3 - أخبار الصحف في سائر البلدان العثمانية خارجا عن مدينة بيروت
4 - تراجم مشاهير الصحافيين العثمانيين خارجا عن بيروت في الحقبة الثانية
صحافة أوروبا
1 - يشتمل على أخبار كل الصحف العربية في أوروبا في الحقبة الثانية
2 - تراجم مشاهير الصحافيين في أوروبا في الحقبة الثانية
جدول عام
1 - صحف السلطنة العثمانية
2 - صحف أوروبا
الكتاب الثالث
مقدمة
وصف أحوال الصحافة المصرية بوجه الإجمال
الباب الأول
1 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1869 إلى 1877
2 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1878 إلى 1882
3 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1883 إلى 1886
4 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1887 إلى 1889
5 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1890 إلى نهاية الحقبة الثانية سنة 1892
الباب الثاني
1 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1869 إلى 1876
2 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1877 إلى 1880
3 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1881 إلى 1886
4 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1887 إلى 1892
الباب الثالث
1 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1848 إلى سقوط الخديو إسماعيل سنة 1879
2 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1880 إلى 1886
3 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1887 إلى 1889
4 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1890 إلى 1891
5 - أخبار سائر مجلات القاهرة إلى نهاية الحقبة الثانية
الباب الرابع
1 - أخبار مجلات الإسكندرية من سنة 1881 إلى 1888
2 - أخبار سائر مجلات الإسكندرية إلى نهاية الحقبة الثانية
الكتاب الرابع
المقدمة
القسم الأول
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في آسيا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في آسيا
القسم الثاني
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أفريقيا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أفريقيا
القسم الثالث
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أوروبا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أوروبا
القسم الرابع
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أميركا الشمالية والوسطى
2 - يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في أميركا الشمالية والوسطى على الإطلاق
القسم الخامس
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أميركا الجنوبية
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أميركا الجنوبية
ذيل
الخاتمة
إحصاء عام
إحصاء إجمالي (1)
إحصاء إجمالي (2)
إحصاء إجمالي (3)
إحصاء إجمالي (4)
مقدمة الكتاب
المقدمة
التوطئة
1 - تحديد الصحافة وأشهر مسمياتها ومواضيعها المختلفة
2 - تعريف الصحافة من أقوال مشاهير الملوك والكتاب والصحافيين
3 - مؤرخو الصحافة العربية
4 - وجوه تسمية الصحف الدورية لدى العرب
5 - فوائد تاريخية وشذرات أثرية عن الصحافة عموما والعربية منها بنوع خاص
6 - عطا بك حسني
7 - معرفة الجميل
8 - الصحافة وأعاظم الرجال
الكتاب الأول
الباب الأول
1 - تكون الصحافة العربية
2 - أخبار الصحف من أول نشأتها إلى سنة 1850م
3 - أخبار الصحف من منتصف القرن التاسع عشر إلى فتنة بر الشام سنة 1860
4 - أخبار الصحف من فتنة بر الشام سنة 1860 إلى سنة 1869
5 - أحوال الصحافة العربية في الحقبة الأولى وأمثلة من كتاباتها
الباب الثاني
1 - الشيخ ناصيف اليازجي
2 - بطرس البستاني
3 - رفاعة بك الطهطاوي
4 - أحمد فارس الشدياق
5 - الكونت رشيد الدحداح
6 - خليل الخوري
7 - رزق الله حسون
8 - ميخائيل مدور
9 - إلياس بك حبالين
10 - الحاج حسين بيهم
11 - سليمان الحرائري
12 - يوسف الشلفون
13 - إبراهيم سركيس
14 - حنا بك أبو صعب
15 - حسن العطار
16 - عبد الله أبو السعود
17 - سليم الخوري
18 - سليم شحادة
19 - الشيخ يوسف الأسير
20 - محمد بيرم الخامس
21 - فرنسيس مراش
22 - الدكتور كرنيليوس فانديك
الكتاب الثاني
المقدمة
الصحافة العثمانية
1 - يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات في مدينة بيروت
2 - تراجم مشاهير الصحافيين في بيروت في الحقبة الثانية
3 - أخبار الصحف في سائر البلدان العثمانية خارجا عن مدينة بيروت
4 - تراجم مشاهير الصحافيين العثمانيين خارجا عن بيروت في الحقبة الثانية
صحافة أوروبا
1 - يشتمل على أخبار كل الصحف العربية في أوروبا في الحقبة الثانية
2 - تراجم مشاهير الصحافيين في أوروبا في الحقبة الثانية
جدول عام
1 - صحف السلطنة العثمانية
2 - صحف أوروبا
الكتاب الثالث
مقدمة
وصف أحوال الصحافة المصرية بوجه الإجمال
الباب الأول
1 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1869 إلى 1877
2 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1878 إلى 1882
3 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1883 إلى 1886
4 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1887 إلى 1889
5 - أخبار جرائد القاهرة من سنة 1890 إلى نهاية الحقبة الثانية سنة 1892
الباب الثاني
1 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1869 إلى 1876
2 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1877 إلى 1880
3 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1881 إلى 1886
4 - أخبار جرائد الإسكندرية من سنة 1887 إلى 1892
الباب الثالث
1 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1848 إلى سقوط الخديو إسماعيل سنة 1879
2 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1880 إلى 1886
3 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1887 إلى 1889
4 - أخبار مجلات القاهرة من سنة 1890 إلى 1891
5 - أخبار سائر مجلات القاهرة إلى نهاية الحقبة الثانية
الباب الرابع
1 - أخبار مجلات الإسكندرية من سنة 1881 إلى 1888
2 - أخبار سائر مجلات الإسكندرية إلى نهاية الحقبة الثانية
الكتاب الرابع
المقدمة
القسم الأول
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في آسيا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في آسيا
القسم الثاني
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أفريقيا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أفريقيا
القسم الثالث
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أوروبا
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أوروبا
القسم الرابع
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أميركا الشمالية والوسطى
2 - يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في أميركا الشمالية والوسطى على الإطلاق
القسم الخامس
1 - فهارس جميع الجرائد العربية في أميركا الجنوبية
2 - فهارس جميع المجلات العربية في أميركا الجنوبية
ذيل
الخاتمة
إحصاء عام
إحصاء إجمالي (1)
إحصاء إجمالي (2)
إحصاء إجمالي (3)
إحصاء إجمالي (4)
تاريخ الصحافة العربية
تاريخ الصحافة العربية
مقدمة الكتاب
يحتوي على أخبار كل جريدة ومجلة عربية ظهرت في العالم شرقا وغربا مع رسوم أصحابها والمحررين فيها وتراجم مشاهيرهم.
فيليب دي طرازي.
يا معشر الصحب ذا رسم به اقترنت
رسومكم وبها قد صار مزدانا
فتلك آثارنا أضحت تضم معا
رغما عن الدهر في ذا السفر إخوانا
المقدمة
أما بعد فيقول الفقير إليه تعالى فيليب بن نصر الله بن أنطوان بن نصر الله بن إلياس بن بطرس دي طرازي: إنني منذ سنتين أذعت نشرة معلنا فيها عزمي على تأليف كتاب شامل لتاريخ الصحافة العربية في مشارق الأرض ومغاربها، فصادف مشروعي ارتياحا لدى روام المسائل التاريخية الذين أتحفوني برسائل التنشيط واستحثوني على إبراز هذا الفكر إلى حيز العمل، ولا يخفى ما يحول دون ذلك من المصاعب الكثيرة التي تستلزم درسا طويلا وجهدا متواصلا؛ لقلة ما كتب في هذا الموضوع حتى الآن. ولما كان قدماء الصحافيين قد طواهم الزمان وكادت آثارهم تنقرض بمرور الأيام اضطررت إلى التفتيش عن صحفهم بكل وسيلة فعالة فضلا عن مفاوضة الشيوخ من معاصريهم لبلوغ الضالة المنشودة، فكأن خدمة الأدب والأدباء ذللت أمامي كل الصعاب، ومهدت لي سبيل الوصول إلى الغاية المقصودة بعد البحث المدقق. ولكي يحيط العموم علما بأهمية هذا المشروع أكتفي بإيراد عبارة شهيرة قالها أحد أفاضل الكتاب وهي تستحق أن تكتب بماء الذهب: «البلاد التي لا صحافة فيها لا صحة فيها.»
فأقدمت على تحقيق هذه الأمنية تعزيزا لمقام صحافتنا الشريفة وإعلاء لمنارها أمام الغربيين الذين برزوا في هذا الفن الجليل وجاهدوا في جادته الجهاد الحسن. وهكذا تيسر لي بعد العناء الشديد أن أسد هذه الثلمة في لغتنا العربية وأزف عملي لكل ناطق بالضاد. وهو يحتوي على أخبار الصحف إفرادا وإجمالا مع أميال أصحابها وأسماء محرريها وتراجم المشاهير منهم بعبارة يفهمها الخاص والعام. وتخليدا لذكرهم زينت الكتاب برسوم الصحافيين الذين توفقت إلى الحصول عليها بعد بذل النفس والنفيس، آسفا لعدم الفوز برسومهم قاطبة، فجاء سفرا جزيل المنافع لا يستغني عنه السياسي والصحافي والمؤرخ والشاعر والأديب والمصور والتاجر والأستاذ والتلميذ والحاكم والمحكوم؛ إذ يجد فيه كل واحد منهم ما يتوق إليه من ضروب السياسة، أو كنوز الصحافة، أو آثار التاريخ، أو أساليب النظم، أو بدائع الرسوم، أو أطايب الأخبار والفكاهات؛ ما لا يلاقيه في كتاب سواه؛ فإنه أشبه شيء بدائرة معارف عصرية لا تقتصر موادها على الصحافة فقط، بل تتضمن أيضا أكثر مطالب العلوم والآداب والفنون المفيدة.
وقد انتقدت كل جريدة أو مجلة أو نشرة أو رسالة موقوتة بما تستحقه من المدح والذم، بقطع النظر عن مذاهب أربابها وأحوالهم الشخصية، وذلك بنية صادقة وقصد سليم. واستندت فيما رويته إلى أوثق المصادر حرصا على الحقيقة وعملا بحرفة التاريخ. وقسمت الكتاب إلى أربعة أقسام أو حقب، بحيث تتناول كل حقبة قسما من أخبار الصحافة، ثم صدرته بتوطئة ذات ثمانية فصول؛ في تعريف الصحافة وآدابها وأسماء مؤرخيها وغير ذلك مما تهم معرفته إتماما للفائدة، وختمته بجدول عام يشتمل على أسماء الصحف بلا استثناء شيء منها، على قدر ما يستطيعه باحث محقق في بلاد الشرق، وقد رتبتها بحسب البلدان والممالك التي ظهرت فيها، متتبعا في تاريخ صدورها نظام الأقدم فالأقدم، وجعلت بجانب كل منها اسم صاحبها وبيان خطتها ويوم نشأتها؛ ليكون العمل وافيا بكل أطرافه. ومع إقراري الصريح بأني لست من فرسان هذا الميدان فإنني واثق بشهامة القراء الكرام وحملة الأقلام وسائر أرباب النهضة الأدبية أنهم سيتلقون كتابي بسرور، ويطالعونه بلذة، ينسياني شيئا من التعب الذي عانيته في المراجعة والمقابلة والمراسلة والبحث والتنقيب، وحسبي الله ونعم الوكيل.
التوطئة
وفيها ثمانية فصول
الفصل الأول
تحديد الصحافة وأشهر مسمياتها ومواضيعها المختلفة
الصحافة صناعة الصحف، والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب، والصحافيون القوم ينتسبون إليها ويشتغلون فيها، والمراد الآن بالصحف أوراق مطبوعة تنشر الأنباء والعلوم على اختلاف مواضيعها بين الناس في أوقات معينة، فإن فيها من تواريخ الأول، وأخبار الدول، وفكاهات الروايات، وغرائب الاكتشافات، وأسعار التجارة، وفنون الصناعة، وضروب الانتقاد، وشئون الاقتصاد، وأخلاق الغرباء، وعوائد البعداء؛ ما يغني عن التوجه إلى بلادهم، ومخالطة شعوبهم، والوقوف على أحوالهم. ولذلك عول الفضلاء على إنشاء الصحف؛ بحيث أصبح سكان أقاصي المشرق يصل إليهم خبر أقاصي المغرب بأقرب حين، بعد أن كانت الأنباء تتجاوز الأيام العديدة للوصول من مكان لمكان آخر مجاور له، فتأتي مختلفا فيها لا يكاد الباحث عنها يعلم الحقيقة.
وأول من استعمل لفظة «الصحافة» بمعناها الحالي كان الشيخ نجيب الحداد
1
منشئ جريدة «لسان العرب» في الإسكندرية وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في اختيارها، فقلده سائر الصحافيين من بعده. وكانت تسمى الصحف في أول عهدها «الوقائع»، ومنها جريدة «الوقائع المصرية» كما دعاها به رفاعة بك الطهطاوي، وسميت أيضا «غزتة» نسبة إلى قطعة من النقود بهذا الاسم كانت تباع الصحيفة بها فعرفت كذلك. وقيل أيضا إن أول صحيفة ظهرت في البندقية سنة 1566 كانت تسمى «غزتة»، فشملت هذه التسمية كل صحيفة بلا استثناء. ولما نشأت الصحافة العربية أطلقت عليها لفظة غزتة؛ لأن هذه الصناعة كانت حديثة العهد عند الناطقين بالضاد ولا أثر لها لدى كتابهم الأقدمين.
السيدة لبيبة هاشم؛ صاحبة مجلة «فتاة الشرق» في القاهرة. (نشرنا في خلال فصول «التوطئة» رسوم بعض السيدات المحصنات ورجال الفضل الذين مدوا لنا يد المساعدة الأدبية في مشروعنا هذا، كما نوهنا بذلك في الفصلين السادس والسابع من الباب المذكور.)
ولما أنشأ خليل الخوري سنة 1858 جريدة «حديقة الأخبار» في بيروت أطلق عليها لفظة «جرنال» وهو كلمة فرنسية معناها «يومي» أي المنسوب إلى اليوم؛ للدلالة على الصحف اليومية، بينا كانت جريدته أسبوعية. وإليك ما كتبه أديب إسحاق في نبذة له عنوانها «مباحث في الجرائد» قال:
ولا مناسبة بين الجرنال وبين الجريدة إلا أن يقال إنه أطلق أولا على الصحائف اليومية من قبيل تسمية الشيء بما هو عليه، ثم عممه الاصطلاح فعرفت به الجرائد يومية كانت أو غير يومية.
ثم رأى الكونت رشيد الدحداح اللبناني صاحب جريدة «برجيس باريس» الباريسية سد هذه الثلمة فاختار لفظة «صحيفة»، وجرى مجراه أكثر أرباب الصحف في ذاك العهد وبعده؛ فما كان من أحمد فارس الشدياق اللبناني صاحب «الجوائب» في القسطنطينية ومناظر الكونت رشيد الدحداح في بعض المسائل اللغوية إلا أنه عقد العزيمة على استعمال لفظة «جريدة» وهي «الصحف المكتوبة» كما ورد في معجمات اللغة، ومن ذاك الوقت شاع اسم الجريدة لدى جميع الصحافيين بمعناها العصري.
ومنهم من استعمل غير ذلك من المسميات كالقس لويس صابونجي السرياني صاحب «النحلة» الذي اتخذ لفظة «نشرة» بمعنى جريدة أو مجلة، وهكذا صنع المرسلون الأميركيون أصحاب «النشرة الشهرية» و«النشرة الأسبوعية» في بيروت وغيرهم. ومن تلك المسميات أيضا «الورقة الخبرية» أو «الرسالة الخبرية» وقد استعملتهما جريدة «المبشر» مع أكثر الصحف الدورية في بلاد الجزائر المغربية التابعة لحكومة فرنسا في شمال أفريقيا، ومنها «أوراق الحوادث» وهو الاسم الذي أطلقه للدلالة على صحف الأخبار نجيب نادر صوايا منشئ مجلة «كوكب العلم» في القسطنطينية.
وكان الصحفيون لا يفرقون أولا بين الجريدة
Journal
وبين المجلة
Revue
في الاستعمال، ومن المعلوم أن الإفرنج أطلقوا اسم المجلة
Revue
على الصحف الدورية التي تصدر على شكل الكراسة.
فلما تولى الشيخ إبراهيم اليازجي إدارة مجلة «الطبيب» البيروتية سنة 1884 بالاشتراك مع الدكتورين بشارة زلزل وخليل بك سعادة أشار باستعمال لفظة «مجلة»
2
وهي صحيفة علمية أو دينية أو أدبية أو انتقادية أو تاريخية أو ما شاكل تصدر تباعا في أوقات معينة، فأثبتها بمعناها العصري، وتابعته في هذا الاصطلاح جميع المجلات التي صدرت بعدها والتي كانت قبلها، ثم شاعت في جميع الأقطار العربية شيوعا أجهز على المعنى الأصلي حتى صار مهجورا بالمرة، فلا يتبادر الآن إلى ذهن المطالع لدى عثوره على لفظه «مجلة» إلا الصحيفة الدورية دون سواها، ولا يطلق أحد من كتاب العصر هذه التسمية على «صحيفة فيها الحكمة» إلا إذا كانت تصدر تباعا في آونة معينة، ومع ذلك إذا طالعت المعاجم العصرية لا ترى فيها للفظة المذكورة معناها الحالي الشائع بل القديم المهجور.
3
هكذا توفق العرب المولدون إلى وضع أسماء لمسميات الصحافة الحديثة، وهو مطلب غير بعيد على أهل هذه اللغة طلبوه بأسبابه ودخلوه من أبوابه.
وتختلف مواضيع الصحف باختلاف غايات أصحابها ونزعاتهم ومشاربهم، فتارة تكون دينية وطورا سياسية وحينا أدبية، وقس عليها العلمية والفنية والانتقادية والروائية والهزلية والتهذيبية والإخبارية والعمرانية والقضائية والأخلاقية والتاريخية وغيرها. ولكل من هذه التقاسيم الكبرى فروع بل فروع فروع يطول بنا شرحها لكثرتها فنضرب عنها صفحا. وقد أصاب الدكتور شبلي شميل فيما كتبه بهذا المعنى قال:
4 «الصحف أنواع بقدر المواضيع التي تتناولها معارف البشر، وربما قصروها على فرع من علم، بل على مبحث من فرع؛ استيفاء للبحث، وساعدهم على ذلك كثرة خاصتهم وحب عامتهم لرفع شأن العلم ... بحيث لم تنقصهم في سبيلها النفقات التي هي لحياة الصحف كالغذاء لحياة الأبدان، فتكاثر عددها عندهم جدا، حتى صارت فوائد العلم بها قريبة المنال عامة العرفان في كل مكان؛ إذ ليس للعلم وطن يؤثره على وطن.»
ولما كانت الصحف تصدر في آجال معلومة فقد سماها الإفرنج «الصحف الدورية» أو «الصحف الموقوتة» أعني
؛ لأنها تنشر شهرية أو أسبوعية أو يومية، بل منها أيضا ما يصدر مرتين في الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو غير ذلك من المواعيد.
الفصل الثاني
تعريف الصحافة من أقوال مشاهير
الملوك والكتاب والصحافيين
تحت هذا العنوان نورد ما قاله أعاظم مشاهير الأرض وأفاضل حملة الأقلام عند أكثر القبائل العربية وغيرها في تعريف الصحافة. وهي مجموعة نفيسة من الأقوال السامية الدالة على شرف هذه المهنة التي تحسب بلا مراء أعظم قوة في دولة القلم؛ فيرى القارئ مرآة تنعكس فيها أفكار أرباب الدين والشرع والسيف والسياسة والعلم والأدب بمظهر حسن ترتاح إليه القلوب، وتهتدي بنبراسه عقول الكتاب. وقد اقتطفناها من مصادرها المختلفة بعد البحث الطويل؛ لأننا رأيناها جامعة بين اللذة والفائدة، بل جديرة بأن تدون في بطون التاريخ؛ فعسى أن يتخذها الصحافيون الصادقون قاعدة لمصلحتهم التي تعلو على كل مصلحة، ويبتروا لسان المتطفلين على هذه المهنة الجليلة صونا لكرامتها وخدمة للحق. وقد سردنا أولا أقوال مشاهير الأرض، ثم ألحقناها بأقوال حملة الأقلام مرتبة على حروف الهجاء لأسماء أصحابها:
قال البابا لاون الثالث عشر: «الصحف رسالة خالدة.»
وقال الإمبراطور نابليون الأول: «الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تشيد عليها دعائم الحضارة والعمران.»
وقال روزفلت رئيس جمهورية الولايات المتحدة في أمريكا: «ليس المجرم الحقيقي هو من يعتمد القتل أو ارتكاب أعظم المعاصي، بل هو الذي يملك شيئا لا يكون من أهله بالغش والخداع، كالصحافي المقلد أو السياسي المنافق؛ لأن الواجبات الأولية في الصحافي أو السياسي هي أن يكونا حاصلين على ثقة الشعب بمجرد القدوة الصالحة في الأعمال والأقوال.»
وقال الأمير حسين كامل باشا نجل إسماعيل خديوي مصر: «إن كل أمة متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، ونود أن تكون معها يدا في يد لتتعلم منها وتستفيد مما ينشر فيها من الفوائد، الجرائد أكثر من أن تكون مهنة لتعيش أصحابها، بل هي أشرف من ذلك، ولها فوائد عامة عديدة.»
وقال اللورد رز بيري: «يجب أن تكون قاعدة الصحف: كن صادقا ولا تخف.»
وقال تولستوي الفيلسوف الروسي الطائر الصيت: «الجرائد نفير السلام وصوت الأمة وسيف الحق القاطع ومجيرة المظلومين وشكيمة الظالم، فهي تهز عروش القياصرة وتدك معالم الظالمين.»
وقال اللورد ملنر أحد كبار الساسة الإنكليز: «إن الصحافة أجل وأعظم حرفة في العالم، وربما استثني من ذلك منصب الوزارة.»
وقال فولتير الكاتب الفرنسي الشهير: «الصحافة هي آلة يستحيل كسرها، وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالما جديدا.»
وقال تشارلس دانا: «إن الذريعة الوحيدة لتعلم الصحافة أن تفترش الصحف وتقتات الحبر.»
وقال هنري وترسون: «إن أساس النجاح في الصحافة هو العادات الجيدة، والعقل الحاذق، والشواعر الصادقة، والتهذيب الكامل؛ وبالتالي الثبات.»
وقال الشيخ إبراهيم اليازجي صاحب مجلة «الضياء» في القاهرة: «الجرائد عند كل قوم تتخذ عنوانا على منزلتهم من العلوم والآداب والأخلاق والعادات؛ لأنها المرآة التي تتجلى فيها صور هذه المعاني كلها وتتمثل بها درجة الكاتب والقارئ جميعا؛ لأن الكاتب إنما يكتب على مكانة علمه وذوقه، وإنما يختار من المباحث ما يعلم أنه يقع من قارئه موقعا مقبولا، وإلا سقطت جريدته من نفسها فقضي عليها بالإهمال.»
وقال الشيخ إبراهيم اليازجي والدكتور بشارة زلزل منشئا مجلة «البيان» في القاهرة: «فهي جليس العالم وأستاذ المريد، والموعد الذي يتلاقى فيه المفيد والمستفيد ، بل هي خطيب العلم في كل ندوة، وبريده إلى كل خلوة، والمشكاة التي تستصبح بها بصائر أولي الألباب. والمنار الذي تأتم به المدارك إذا اشتبهت عليها شواكل الصواب.»
وقال أحمد الأزهري ومصطفى الدمياطي صاحبا مجلة «المنتقد» في القاهرة: «إن نعمة الجرائد على البلدان لا تقل عما تشرف به الإنسان من نعمة البيان، وإن كل بلاد توفر حظها من هاته النعمة تكون أسمى وأرقى من التي لم تنل حظا بدرك هذه النعمة.»
وقال الشيخ أحمد حسن طبارة منشئ جريدة «الاتحاد العثماني» في بيروت: «الصحافة قوة معنوية عظيمة، عرف العالم المتمدن حقيقتها؛ فأكرم منزلتها ورفع مكانتها وجعلها والوزارة في مرتبة واحدة، فبينما ترى فلانا صحافيا إذا هو متربع في دست الوزارة، أو وزيرا إذا هو جالس وراء منضدة الصحافة. وهذا المستر روزفلت رئيس جمهورية أمريكا لم يكد يتخلى عن كرسي الرئاسة حتى عين رئيسا لتحرير إحدى الجرائد الأمريكية. على أن هذه القوة هي كسائر القوى التي أودعها الله في هذا المعترك الحيوي، فإن وجهتها إلى الخير والإصلاح أفادت فائدة كلية، وإن استعملتها في وجوه الأغراض والشهوات أضرت ضررا كبيرا.»
وقال أحمد نديم صاحب جريدة «النصيحة» بالقاهرة: «الصحافة اليوم تعد القوة الوطنية الكبرى، بل هي الجند الباسل الذي يهاجم ويدافع ... غير أنه جند سلام لا جند حسام.»
وقال إدوار جدي صاحب مجلة «الثريا» في القاهرة: «لا شيء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها من الهيئة الاجتماعية مثل الجرائد، فهي المنظار الأكبر الذي ترقب فيه حركاتها وسكناتها، بل الصفحة البيضاء التي تكتب فيه حسناتها وسيئاتها، بل هي رائد الإصلاح ومهب ريح التقدم والفلاح، بل هي كواكب الهدى السيارة، ومطلع شمس التمدن والحضارة، رآها الناس آية فهاموا بها وعظموا شأنها ورفعوا مقامها، فأصبحت من أعظم أسباب حياتهم الأدبية، بل من أعظم ما يحتاجون إليه في هذه الحياة.»
وقال أديب بك إسحاق صاحب جريدة «مصر» في القاهرة: «الجريدة لفظ أطلق اصطلاحا على الصحيفة المفردة، أو الصحائف المصحفة تطبع في أوقات معينة، مشتملة أنباء وآراء ومباحث من السياسة أو الأدب أو العلم، أو منهن جمعاء.»
وقال أسعد خالد ونعوم لبكي صاحبا جريدة «الرقيب» في ريودي جانيرو: «والذي يقال عن اليراع من حيث هو خادم العقل، وممثل تصوراته بمرئيات الأمثلة، ومجسم أوهامه أجسام الحقيقة؛ يقال عن الصحافة نزيعته بالفائدة، وشقيقته بحميد العاقبة؛ فهي المعرض تتعارض به نفيسات نفثاته، فمؤثره حميد ومنبوذه أحمد، والساحة تعترك فيها صوارم الأقلام، فقتيلها راض والقاتل بريء.»
وقال الخوري أفتيميوس عفيش وحافظ عبد الملك منشئا «جريدة العالمين» في منتريال بأميركا: «يحسب بعضهم أن الصحافة مهنة للاستعطاء، ويعدها آخرون من أشرف المهن، إنها كالماء يتلون بلون الإناء، هي للاستعطاء إذا كان صاحبها مستجديا، وهي شريفة إذا كان صاحبها شريفا ... هي كالخطابة، إلا أن صوتها يرمي إلى أقصى، تسيطر على الناس بشيء محسوس، ولكنه غير محدد ولا معروف ... قد تزول دولة السيف والمدفع، وتلاشى قوة الكهرباء، وأما ذلك الفوز وتلك القوة المنبثقان من سماء الفكر، والمتجليان على طور الصحافة فلن يزولا.»
وقال الآباء اليسوعيون أصحاب جريدة «البشير» في بيروت: «الصحف إنما جعلت لسد منافذ الرذيلة وفتح أبواب الفضيلة.»
وقالت الأميرة ألكسندرة ملتيادي أفيرينوه صاحبة مجلة «أنيس الجليس» في الإسكندرية: «الصحافة إنما هي مدرسة جوالة، ترود ما بين الأفهام لتصلحها، وتجول ما بين المدارك لتهذبها، وإن كل منشئ لها إنما هو أستاذ لكل هؤلاء الناس الذين يقرءونها. وحسبك بهذا تعريفا للمنزلة العليا التي وصلت إليها، والمكان الرفيع الذي بلغته دون سواها من فنون الآداب التي تقدمتها.»
وقال الشيخ إسكندر العازار صاحب امتياز جريدة «صدى البرق» في بيروت: «الجرائد لسان الأمة، وهي كالحمامة تجوب البلاد وتحمل الأخبار إلى كل قطر.»
وقال إلياس زيادة صاحب جريدة «المحروسة» في القاهرة: «الصحافة دليل ارتقاء الأمة؛ فهي عنوان نشاطها وبرهان تقدمها، فكلما كانت جرائد أمة ما راقية كانت تلك الأمة راقية أيضا. ومن الثابت الذي لا يحتاج إلى دليل أن الصحف الساقطة لا يتسنى لها أن تعيش في وسط مرتق، وأن الجرائد المرتقية لا يمكنها أن تحيى وتنشأ في دائرة منحطة .»
وقال الأب أنستاس الكرملي منشئ مجلة «لغة العرب» في بغداد: «الصحافة هي نتاج العقل والعقل العامل، وحيث لا عقل عامل لا صحافة، نعم قد يكون أصحاب البلد الواحد عقلاء وعلماء وأذكياء بدون نشر الصحف والمجلات بين ظهرانيهم، لكن يقال عن هؤلاء الفضلاء النجباء الألباء: إن عقولهم راكدة جامدة هامدة لا نشاط فيها، بل لا حراك فيها، بل ولا حياة فيها، وإنما طائر الموت قد نشر جناحيه عليها فأسكت نأمتهم وأخمد ناشئتهم. والعكس بالعكس؛ أي إذا رأيت أمة عاملة نشيطة رافعة علم العلم ولواء العمران يخفق عليها حكمت بالضرورة أنها ذات صحافة راقية، وأن أهلها من أبعد الناس إمعانا في الحضارة. وكما أن العاقل العامل قد يكون عاملا للخير وعاملا للشر؛ تكون الصحافة أيضا عاملة للخير وعاملة للشر، فهي إذا من أقوى الوسائل لبث الصلاح بين الأمة، كما هي من أعمل العوامل لنشر المفاسد بين الصلحاء أنفسهم.»
وقال أنطون الجميل منشئ مجلة «الزهور» في القاهرة: «كان حامل القلم كحامل السيف في يمين كليهما سلاح ماض ... وأصبح حامل القلم في العصر الحديث كالقابض على الصولجان كلاهما نافذ الكلمة مرعي الجانب، ولكن لا يتم ذلك للكاتب إلا إذا فهم حقيقة مهمته، وأدرك شرف مهنته، فإذا لم يكن كل من هز الحسام بضارب فكذلك ليس كل من هز اليراع بكاتب، وأبعد حملة الأقلام نفوذا الآن هم الصحافيون؛ بفضل انتشار الصحف وإقبال الكبير والصغير عليها؛ وعليه يجب أن تكون الصحافة - كما قال أحد كبار المفكرين - شجرة الحقيقة يغرد على أفنانها الكتاب الصادقون.»
السيدة جان ديريو، المعروفة أيضا باسم «جمانة رياض» أو «فاطمة الزهراء»، منشئة مجلة «الإحياء» في مدينة الجزائر بشمال أفريقيا.
وقال بشارة عبد الله الخوري منشئ جريدة «البرق» في بيروت: «الصحافة من الأمة آلة الحياة، وأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر ولا قلب لها فتشعر ... وعنوان كل أمة صحافتها؛ فإنك لتعرف بها قسط كل شعب من الرقي ومبلغه من المدنية، فحيث كانت الصحافة راقية بمادتها فاحكم برقي تلك الأمة مادة وأدبا، وحيث كانت الصحافة ضعيفة في الأدب والمادة فقل: إن هنالك لأمة ذات هلال يصير إلى البدر أو ذات بدر يصير إلى الهلال.»
وقال جبرائيل دلال الحلبي منشئ جريدة «السلام» في الآستانة: «الجرائد هي مرآة الكائنات.»
وقال جرجي باز صاحب مجلة «الحسناء» في بيروت: «الصحافة مهنة كالتجارة والصناعة تتناول الجرائد والمجلات إنشاء وتحريرا وإدارة ومراسلة، وهي فن مؤثر في الناس تأثيرا عظيما، وله قواعد وأصول، وقد أنشئوا له في أوروبا وأمريكا مدارس لتعليم طالبيه قواعده وأصوله، وهو شاق متعب يجهد العقل ويذيب حبات القلب، ولطالما رجع عنه المقدمون عليه بصفقة المغبون بالنظر لما يقتضيه من وفرة القوى الأدبية والمادية.»
وقال جرجي زيدان منشئ مجلة «الهلال» في القاهرة: «الجرائد عنوان الحضارة ودليل المدنية، فإذا رسخت قدم جماعة في المدنية كثرت جرائدهم وتعددت مواضيعها.»
وقال حبيب كرم صاحب مجلة «الأقباط الكاثوليك» بالقاهرة: «إن عنوان كل أمة راقية في هذا الزمان وميزان رقيها هو صحافتها، فللصحافة إذا شأن عظيم في تقويم الآراء وإرشاد الأمم وتهذيب النفوس؛ لأنها اللسان الفصيح الناطق بأوضح تعبير وأعذب مورد وأسهل أسلوب وأنصع بيان.»
وقال حسن لبيب البري صاحب جريدة «سيف العدالة» بالقاهرة: «الصحافة الحقيقية يراد بها تقويم المعوج وإصلاح الفاسد وعلاج المعتل.»
وقال خليل البدوي صاحب جريدة «الأحوال» في بيروت: «الجرائد على ما قيل أقلام الحق ولكن إذا صحت مبادئها، وألسنة الصدق ولكن إن استقامت غايتها وأخلصت للوطن خدمتها، بل هي والحالة هذه لسان الأمة ومرآة أحوالها، ودواء أدوائها، ومهماز تمدنها، ودليل تقدمها، وعماد آدابها، فضلا عن كونها للمستوحش سميرا أنيسا، وللأسيف معزيا، وللجاهل أستاذا، وللعالم تذكرة.»
وقال داود مجاعص منشئ جريدة «الحرية» في بيروت: «الصحافة حزب للحق تنصره حيث كان، وتنظر إلى ما يقال وما يفعل لا إلى من يقول ومن يفعل.»
وقال المحامي داود نقاش في بيروت: «الصحافة للناس كالهواء النقي، فعلى الشعب أن يسعى للانتفاع بها وعلى الحكومة أن تحافظ على كيانها كمحافظتها على الصحة العمومية.»
وقال الشيخ سعيد الشرتوني منشئ قاموس «أقرب الموارد» في بيروت: «الجرائد خطباء منبثة في كل وجه من البلاد، فكأن كل جريدة قائمة على منبر في مشهد عام غاص بالخواص والعوام، وليس فيهم إلا الصاغي المشتاق إلى سماع ما تقول ... فالجريدة تسطو على الأفكار بقوتين؛ قوة البرهان وقوة حسن التعبير، فلا سطوة لجريدة لا تجرد سيف الدليل القاطع ولا تظهر بثوب البلاغة الجميل الرائع.»
وقال سليم عقاد محرر جريدة «الأحوال» سابقا في بيروت: «الصحافة مرآة تنعكس فيها آداب كتابها ومبادئهم، وكل إناء بما فيه ينضح.»
وقال سليم عنحوري مؤسس جريدة «مرآة الشرق» في القاهرة: «الجرائد هي مرآة أبكار أفكار، ومجموعات طرف وأخبار، ومعارض تحف وآثار، وصحائف تواريخ وقصص الأجيال الغابرة، ومشخصة أحوال رجال كل بادية وحاضرة.»
أم التمدن بنت كل مزية
حسنى ربية كل أصمع فاضل
جرثومة العمران أصل سعادة ال
إنسان مصدر كل خير حاصل «كيف لا وهي لسان حال الأمة، ونقادة أحوال الحكومة، وشكيمة جماح كل ظالم غاشم، ومطلق عنان كل مظلوم عادم، وعصا تأديب كل آمر عسوف، ومأمور بسوء الإدارة موصوف، وممهدة أعمال الزراعة والصناعة، ومبينة أحوال التجارة والإمارة، ورائد الوطن ودليله، وحاديه ورسوله، تجوب السهول والأوعار، وتمخر في الأنهار والأبحار، وتدخل قصور الملوك، وبيوت الصعاليك، وتسترق السمع من كل من شب، في الشرق والغرب. خائضة مطامع الحرب والحرب، خارقة صفوف أرباب المآدب والطرب، جائلة بين طوائف العجم وقبائل العرب.»
وقال سليم النقاش صاحب جريدة «العصر الجديد» في الإسكندرية: «المرشد الحر الصادق في خدمة الإنسانية هو الجرائد وصحف الأخبار اليومية والأسبوعية والشهرية، فهي الآن بين يدي سكان الكرة كالأستاذ، تأتي بكل غريبة وتحدث عن كل عجيبة، وهي وإن كانت متعددة المنشأ متنوعة الإنشاء مختلفة الألسن فلا تخلو واحدة منها من الثمرات والفوائد الجمة.»
وقال شبل دموس اللبناني صاحب جريدة «الإصلاح» في نيويورك: «الجريدة مدرسة العالم الكبرى، ومن الواجب أن تلقي على طلابها العلم الصحيح لينتفعوا به، فإن كانت جاهلة أضلتهم، وإن كانت على هدى قادتهم في منهج الرقي؛ لذلك يتوجب على الجريدة ألا تنشر بين أعمدتها إلا كل ما هو ممحص بالبرهان السديد.»
وقال شكري جرجس أنطوان صاحب جريدة «العدل» في ريودي جانيرو: «الصحافة في العالم الراقي موقرة معتبرة، وهي قائدة الرأي العام ... الصحافة في العالم المتمدن قوة تخشاها جنود البر ومدافع البحر، الصحافة في العالم الراقي هي الحاكم وهي المراقب وهي الأمة ... روزفلت بعد أن وصل إلى أكبر وظيفة في العالم، أي رئاسة جمهورية أمريكا الشمالية، البلاد الغنية بالمال والرجال والعلم والمعارف، لم ير أحسن من الصحافة مهنة، اختار روزفلت الصحافة؛ لأنها منبر حر، اختارها لأنها مراقبة على أعمال كبار الأرض.»
وقال السيد عبد الرحمن الكواكبي صاحب جريدة «الاعتدال» في حلب: «إن موضوع الجرائد هو مطلق خدمة الإنسانية؛ من حيث تهذيب الأخلاق، وتأليف الأفكار، ورذل النقائص، واحترام الكمالات، والمحافظة على العدالة، والمحاماة عن الحقوق، إلى غير ذلك من الوظائف العمومية الجليلة التي تجعل الإنسان يعتبر الجرائد بمقام خادم عمومي ساع بالخير.»
وقال عبد الحميد زكي صاحب جريدة «السياسة المصورة» بالقاهرة «الجرائد مدرسة العامة.»
وقال السيد عبد القادر الإسكندراني صاحب مجلة «الحقائق» بدمشق: «وضعت الصحف لتعرف الإنسان بما له وما عليه من الواجبات ... ونرى أنها الدالة على حضارة قومها وترقي آلها، وأنها يد البائس وعضد المسكين ولسان الخائف وساعد المظلوم، وأنها تاريخ عام للمحسن والمسيء تنتقد للإصلاح، وتسير على نهج الفلاح، تصدع بالحق ولو آلمها، وتجهر بالصدق ولو جرحها.»
وقال عبد القادر حمزة صاحب جريدة «الأهالي» في الإسكندرية: «إذا حوسب كل امرئ على عمله كان حسابه مجملا لا مفصلا، وإذا حوسب الكاتب الصحافي على ما يرقش ويسطر كان حسابه على كل كلمة من كلماته وتعبير من تعبيراته؛ لأن الكاتب الصحافي مرشد ومؤرخ وقيم وناصح ومعلم، وبمقدار هذه الصفات الجليلة يحاسبه الجمهور عليها حسابا كبيرا.»
وقال السيد علي باش حانبة صاحب جريدة «التونسي» في تونس: «لا مراء ولا فرية في أن الصحف في هذا العهد هي: أعضاد الحكومات، وسواعد الأمم، ومطايا الأحزاب، ورسل الأفكار، ونوادي الآراء، ومنابر الأنباء، وملتقى القرائح، ومحك النباغة، وأسفار التهذيب، ولسان الدفاع، وصدى صوت المظلوم ونفير الاجتماع ، ومدرسة التقدم ، ونذير الحروب، وداعية السلام.»
وقال فارس دبغي صاحب جريدة «الأمازون» في سان باولو: «الصحافة عمل شريف وشرفها صادر عن سمو الغاية، فهي قوام العلم والفضيلة والأدب والسياسة، تطرد الضلال وترد إلى الهدى، تحوي الحديث العذب المورد، وتنقل الخبر الرائق المجتنى الجزيل النفع، تضرب على أيدي الطغاة لتقديس حقوق الأمة، وتظهر للفرد واجباته نحو وطنه، وتفرض على الشعب المطلب الرفيع، وتستنهض الهمم لنشد المجد فتقيلها من أدوار الانحطاط والعسف.»
وقال قيصر المعلوف صاحب جريدة «البرازيل» في سان باولو:
ترى ما الذي ترجو الصحافة خيره
إذا لم يكن ما ترتئيه له صدى
فهل نفعت خيل بدون فوارس
وهل دفعت سمر القنا وحدها العدى
وقال قيصر باشا كرم صاحب جريدة «تركيا» في القاهرة: «الجرائد في كل أمة مرآة تمدنها، وعنوان حضارتها، والوسيط الوحيد بينها وبين الهيئة الحاكمة، وترجمان عواطفها، فالتصدر لإنشائها وعر السبيل، صعب المنال، وعلى صاحبه فروض كثيرة: أولها الصدق والاعتدال، ثم الإخلاص في النصيحة، والتمسك بالوطنية التامة، مع ميل عن كل ما تشتم منه رائحة التمليق والغرض.»
وقالت السيدة لبيبة هاشم صاحبة مجلة «فتاة الشرق» بالقاهرة: «لا ريب في أن الجرائد أعظم مهذب للأمة، وأفضل مقياس لدرجة ارتقائها؛ فهي المدرسة الثانية التي يوكل إليها تنوير الأذهان وإصلاح الأخلاق والآداب، ولذلك أنشأ لها الغربيون مدارس خاصة لتعليم آداب اللغة والتاريخ والفلسفة، إلى غير ذلك مما يلزم الصحافي لترويج بضاعته وإفادة قرائه، فارتقى بذلك شأن الصحافة، وسمت منزلة أصحابها أدبيا وماديا.»
وقال لطفي بك عيروط صاحب جريدة «المنعم» في القاهرة: «الجرائد هي مدرسة الشعب الكبرى، التي تعلمه شرف المبدأ، والأخلاق الحسنة، والعوائد القويمة، والآداب الاجتماعية، وتوقفه على مجريات أحوال الأمم النائية من سعادة وشقاء وارتقاء وهبوط، ويقرأ الإنسان فيها ما يطرأ من الحوادث المهمة في داخلية البلاد وخارجيتها ليكون على بينة من أمره وقومه، ليتمكن أن يهيئ لنفسه المقام الأول من الثروة والسؤدد والملك والتقدم في العلوم والصنائع.»
وقال الأب لويس شيخو اليسوعي صاحب مجلة «المشرق» في بيروت: «إنها لشريفة مهنة الصحافة ورتبة الكتابة في الهيئة الاجتماعية؛ إذ يجرد الكاتب قلمه لخدمة كل مشروع صالح وكل مسعى حميد من شأنه ترقية الخير العام ورفع شأن الوطن، غير أن هذا القلم أشبه بسيف ذي حدين؛ إذا وقع في أيدي الجهال ولعبت بنصله الأغرار، فربما كان آفة وبيلة، وآلة مشئومة، يجرح بها اللاعب نفسه، ويضر بغيره.»
هنري غلياردو؛ واضع أساس تاريخ الصحافة العربية.
وقال السيد محمد الجعايبي منشئ جريدة «الصواب» في تونس: «للصحافة مقام رفيع بين الأمم الراقية؛ لأنها تعتبرها ترجمان أفكارها ورائد مقاصدها والمنبه الوحيد للحكومات إذا زلت أقدام ساستها أو تنكبوا عن طريق العدالة والمساواة، فهي كما قال بعضهم: صديق لا يراوغ، ونصوح لا يبخل بإسداء النصيحة، ومعاتب لا يمل العتاب، ولئن كانت لها سيئات فلها من حسناتها ألف شفيع كما قال مسيو كمبون سفير فرنسا بلندره.»
وقال محمد سامي صادق صاحب جريدة «الوجدان» في طرابلس الشام: «الصحافة عامل قوي في تهذيب الأمة والنهوض بها من قرارة الفساد والجهل، ولكن بشرط أن يكتبوا بأقلام لا يحاولون فيها اتجارا بوطن وشعب، بل الغاية التي يرمون إليها هي الخدمة الصادقة التي ينجم عنها احتقار المصلحة الخاصة حيال الصالح العام.»
وقال محمد الشريف ابن الشيخ المنوبي التجاني صاحب جريدة «خطيب العالم» في تونس: «الصحافة هي العمل الذي تهابه السلاطين، ويخضع له كل جبار في العالمين.»
وقال السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني منشئ مجلة «العلم» في النجف: «أليست هي (الصحافة) للأمة عينا مراقبا، ولسانا ناطقا، وخطيبا صادقا، ودرعا واقيا، ومعلما هاديا، ومؤدبا ناصحا، وصراطا واضحا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا تحمي في الباطل حميما، ولا تهضم في الحق خصيما، وكل صحيفة أخطأت هذا الصراط فعلى الأمة تأديبها ولو بالسياط.»
وقال محمد غانم بالقاهرة: «الصحف هي ملك للجمهور، فصاحب الجريدة لا يملك منها سوى الحبر والورق وما يحصله من قيمة الاشتراك، وهذه أشياء لا تتعلق بجوهر الصحافة التي ما وجدت إلا لتؤدي وظيفة الخدمة العامة للأمة.»
وقال محمود بك حسيب صاحب مجلة «المجلات العربية » في القاهرة : «الصحافة كما لا يخفى هي لسان حال الأمة وترجمانها لدى حكومتها، والمشكاة التي تبدد ظلمات الجهل بنور الآداب، والمورد العذب الذي يرتشف منه الأدباء ماء العلوم على أهون سبيل، بل هي المربي الذي يثقف عقول أبناء الوطن ويرشدهم إلى سبل المجد ورفعة الشأن، والجنة الدانية القطوف فيجني الناس منها ثمار الآداب وفواكه العرفان.»
وقال محمود الشاذلي منشئ مجلة «الصيحة» في طنطا: «الجرائد في كل الأمم هي القائدة إلى مواطن الحكم، وهي المرشدة إلى الصواب، المنبهة باجتناب ما يعاب، وهي الناقلة لأخبار من مضى والممثلة لأعمال من حضر، الداعية إلى ما يجلب الخير، الناهية عن جانب الضرر، الناطقة بثناء العادلين، الخافضة بمقام الظالمين، وما من أمة كثرت فيها الجرائد وراج سوقها، إلا وكان لها القدح المعلى في المدنية، والقسط الأوفى من الآداب، والنصيب الأعظم من العلم والعرفان.»
وقال محمود كامل كاشف صاحب مجلة «الإخاء» في طوخ قليوبية بمصر: «الصحافة في الغرب حكومة عاملة في قلب حكومة عاملة.»
وقال مصطفى راغب توكل صاحب جريدة «الإصلاح الحجازي» في جدة: «الجرائد وجدت لتهذيب الشعب، ومساعدته في حياته الاجتماعية والعمرانية ... إن مهنة الصحافي من أشرف المهن، وعليه أن يكون صبورا حكيما متحملا لكل أنواع الصعوبات التي تقوم في وجهه، ومخلصا نحو قرائه وساعيا لخيرهم من كل الوجوه.»
وقال الأمير نسيب محمود شهاب أحد أصحاب مجلة «العريس» في حمص: «الجرائد هي قادة الأفكار وترجمان الأمة والمثقفة الحكيمة، تكرس أيامها لفائدة قرائها وتعرض ذاتها لانتقام بعض الناس رغبة في الإصلاح، تبش تارة وتعبس أخرى، تضرب طورا بمنديل من حرير وطورا بعصا من حديد حسب مقتضى الحال والزمان، بواسطتها تعرف أخلاق البلاد وعادات السكان ودرجة رقيهم الصحيح ومركزهم الحقيقي من التمدن والآداب، فمتى ارتقت الجرائد في دولة فبشر الإنسان بارتقاء تلك الأمة.»
وقال نسيم ملول صاحب جريدة «السلام» في القاهرة: «الجرائد هي عامل من عوامل الإصلاح والرقي وقوة لا يستهان بها، تجمع ما بين القلوب المتنافرة وتصلح معوج الأمة، وهي أس النجاح واليد القوية في إحياء الشعوب.»
وقال نعيم صوايا صاحب مجلة «الحقيقة» في الإسكندرية: «الصحافة مجلى عمران الأمة ومجرى سوابق أفكارها ومرآة أخلاقها وعاداتها، فهي طائرها الغرد ومرشدها الحكيم ودليلها الأمين، بل هي من الأمة بمثابة المرضع من الطفل؛ تغذوه بلبانها وترأمه بحنانها وتغذيه بروحها، ولا تدع سبيلا لمرضاته إلا نهجته مسوقة إليه بحادي الحب والحنو، وهما منها في الغاية القصوى والذروة التي لا يبلغها متناول.»
وقال ولي الدين بك يكن مؤلف كتاب «المعلوم والمجهول» في القاهرة: «الجرائد هي ألسن العقلاء تنطقها الحكمة ولا يستميلها الهوى، وإن الواجب عليها أن تقود لا أن تقاد.»
الفصل الثالث
مؤرخو الصحافة العربية
(1)
لما كانت الصحافة العربية حديثة العهد لم يقم أحد بين الكتبة تحرى البحث عن تاريخها سوى في الآونة المتأخرة، وأول من شمر عن ساعد الجد لطرق هذا الباب كان هنري غلياردو قنصل فرنسا سابقا في حيفا ونزيل بيروت حالا، فإنه أثناء وجوده في منصب ترجمان لقنصلية دولته في القاهرة سنة 1884م وضع تقريرا مسهبا في اللغة الفرنسية يتضمن تاريخ الصحف العربية التي تنشر حينئذ في وادي النيل، ثم أضاف إلى أخبار كل جريدة ترجمة صاحبها وأمياله السياسية وأغراضه الذاتية. ولهذا التقرير نسختان مخطوطتان إحداهما في خزائن الوزارة الخارجية في باريز والثانية في الوكالة الإفرنسية بعاصمة الخديوية المصرية. هكذا أتيح لأمة الفرنسيس أن يكون السبق لأحد أبنائها في وضع زاوية البنيان لتاريخ الصحافة العربية، كما أتيح لها أن يكون تأسيس باكورة الصحف العربية على يد أحد أبطالها العظام الإمبراطور نابليون الكبير. (2)
أما أول الذين كتبوا بعده أخبار الصحافة من الناطقين بالضاد فكان جرجي زيدان الذي أنشأ مقالة ذات ثماني صفحات سماها «الجرائد العربية في العالم» ثم نشرها في العدد الأول للسنة الأولى من مجلة الهلال. وبعدما تكلم باختصار عن هذا الموضوع سرد أسماء الجرائد والمجلات التي ظهرت إلى سنة 1892م، فبلغ مجموعها على روايته مائة وسبعا وأربعين صحيفة، ولولا حرصه على إحياء ذكرها لدخل كثير منها في خبر كان، وطمس عليها الزمان، وباتت في زوايا النسيان. غير أنه مع شدة تدقيقه فاتته أسماء صحف شتى، إما سهوا وإما لعدم وقوفه عليها؛ لقلة عناية الشرقيين قبله وعدم اهتمامهم بصيانة آثار الأقدمين، وذكر بعض جرائد لم نعرف لها اسما ولا رسما بين الصحف العربية كجريدة «تلمسان» في مدينة تلمسان من أعمال الجزائر، وإنما توجد جريدة فرنسية لا عربية بهذا العنوان كما أفادنا أكثر من واحد من علماء تلمسان الخبيرين ولدينا نسخة منها. ثم ألف سنة 1910م نبذة أخرى أوسع من الأولى عنوانها «تاريخ النهضة الصحافية في اللغة العربية»، وطبعها في الجزء الثامن للسنة الثامنة عشرة من مجلته المذكورة، وهنا أسهب الكاتب في البحث عن هذا الموضوع لا سيما فيما يتعلق بالصحافة المصرية التي نالت المقام الأعلى بين رصيفاتها في سائر الأقطار. وقد روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت في العالم من أول عهد الصحافة إلى ظهور المقالة المذكورة بلغ نحو ستمائة صحيفة، والحال أنها تبلغ أكثر من ضعفي هذا العدد، كما يتضح من جدول الصحف في آخر كل جزء من هذا الكتاب. فكفى منشئ الهلال فخرا أنه فتح السبيل لغيره لأجل التفتيش عن عتائق الصحافة ومهد لهم طريق معرفة أخبارها، ونحن أول من يعترف بفضله الواسع، ويثني على حماسته العظيمة لإعلاء شأن الأدب وخدمة لسان العرب، كما سنبينه في المجلد الثاني من هذا الكتاب. (3)
وفي 13 آذار 1893م نشر محمد كامل البحيري في العدد الأول من جريدته «طرابلس» نبذة ذات ثلاثة أعمدة ونيف، سرد فيها تاريخ نشأة الجرائد وفوائدها وعددها في العالم، فلما أتى على ذكر الصحف العربية منها جعل «حديقة الأخبار» في بيروت وجريدة «الرائد التونسي» في تونس أقدمهما عهدا، مع أن الأولى تحسب ثامنة الجرائد والأخرى تعد الثانية عشرة بالنسبة إلى عدد الصحف التي أنشئت قبل كليهما وهي: أولا «الحوادث اليومية»، ثانيا «الوقائع المصرية»، ثالثا «المبشر»، رابعا «مجموع فوائد»، خامسا «أعمال الجمعية السورية»، سادسا «مرآة الأحوال»، سابعا «السلطنة»، ثامنا «حديقة الأخبار»، تاسعا «عطارد»، عاشرا «برجيس باريس»، حادي عشر «الجوائب»، ثاني عشر «الرائد التونسي»، ثم روى أن عدد الجرائد العربية التي صدرت إلى التاريخ المذكور يقارب الأربعين، والحال أنه أكثر من ذلك بأضعاف بحيث كان يناهز المائتين بكل تأكيد.
جرجي زيدان؛ أول من كتب في تاريخ الصحافة العربية بين الناطقين بالضاد. (4)
ونشر عبد الله الأنصاري أستاذ اللغة العربية في دار العلوم الخديوية بالقاهرة سنة 1312 هجرية/1893م كتاب «جامع التصانيف المصرية الحديثة من سنة 1301 إلى سنة 1310 هجرية» في 76 صفحة، فخصص منها تسع صفحات للصحف العربية التي نشأت في المدة المذكورة، كما أورد المستعرب مرتين هرتمان في كتابه
The Arabic Press Of Egypt
الذي سيأتي ذكره. غير أننا لم نطلع على كتاب الأنصاري لنبدي رأينا فيه. (5)
وفي فاتحة سنة 1895م أصدر نجيب غرغور في الإسكندرية مجلة «العام الجديد» مستترا تحت اسم «حاجب فضلي» وضمنها تاريخ أهم الجرائد المصرية مع تراجم أصحابها ورسومهم في إحدى عشرة صفحة، فجاء عمله المفيد فريدا بل مبتكرا في بابه، ثم كتب في 2 كانون الثاني 1910م مقالة ذات اثني عشر عمودا عنوانها «الصحافة في ثلاثين عاما» ونشرها على صفحات جريدة «الاتحاد المصري» بمناسبة دخولها في السنة الثلاثين من عمرها، وقد أورد فيها أخبار أهم الصحف التي برزت في مدينة الإسكندرية في الحقبة المذكورة، ثم ختمها بسرد أسماء الصحف التي أنشأها باسمه أو باسم مستعار أو بالاشتراك مع غيره، وقد بلغ عددها تسع صحف بين جريدة ومجلة. (6)
وفي السنة ذاتها عول ديمتري نقولا الدمشقي صاحب مجلة «الفكاهة» سابقا في القاهرة على وضع تاريخ الصحافة، فاعتنى أولا بجمع آثار الصحف العربية التي صدرت منذ نشأتها إلى ذاك التاريخ تمهيدا للمشروع المذكور، فتوفق باجتهاده للحصول على أكثر الصحف القديمة والحديثة من أطراف الشرق والغرب، وما كاد يباشر العمل حتى اضطر إلى تركه لموانع خاصة، فكان ذلك داعيا لأسف الأدباء الذين يعهدون بالعالم المشار إليه مقدرة وكفاءة لمثل هذا العمل الخطير. (7)
وفي السنة التابعة ظهر إعلان بتوقيع حكمت شريف باشكاتب المجلس البلدي في طرابلس الشام سابقا ومنشئ جريدة «الرغائب» حالا ينبئ بأنه باشر تأليف كتاب «الخرائد في الجرائد» خدمة للآداب العربية وللهيئة الاجتماعية، وكان في نيته أن يجمع أسماء الصحف العربية والتركية والفارسية على ترتيب حروف المعجم، وقد كتب لنا أنه ضرب صفحا عن متابعة العمل؛ لما كان يحول دون ذلك من المصاعب الجمة في عهد الاستبداد الحميدي. (8)
وسنة 1899م نشر الدكتور مرتين هرتمان أستاذ اللغات الشرقية والآداب الإسلامية في برلين كتابا سماه
The Arabic Press Of Egypt
في اللغة الإنكليزية، وضمنه تاريخ الصحافة المصرية حتى السنة المذكورة في 94 صفحة بدقة يشكر عليها، فبلغ عدد الصحف التي وصفها 168 بين جريدة ومجلة، قد استند في أكثرها إلى ما وقف عليه من المجاميع المحفوظة في دار الكتب الخديوية؛ ولذلك فاته ذكر جانب كبير من الصحف التي لا أثر لها في المكتبة المشار إليها كما هو معلوم ولا في غيرها، وهذا النقص لا يقلل شيئا من قدر الكتاب ولا يحط من منزلة مؤلفه، وقد انتقده جرجي زيدان في مجلة «الهلال» مبينا ما فيه من الحسنات والسيئات بما لا يوصف من العدل. (9)
وبتاريخ 26 حزيران 1897م نشر ميخائيل بن أنطون صقال الحلبي في مجلة «الأجيال» بالقاهرة مقالة ذات أربع صفحات ضمنها وصف «الصحافة في القطر المصري» لذاك العهد بكل اختصار، ثم ألحقها بجدول يحتوي على أسماء الجرائد والمجلات وقسمها بحسب مواضيعها فبلغ عددها 49 صحيفة، ورغما من كثرة اجتهاده فقد فاته ذكر بعض الجرائد إما سهوا وإما لعدم وقوفه عليها، وأخطأ في تاريخ ظهور بعض الصحف كجريدة «الرائد المصري» التي جعل تأسيسها سنة 1897م بدلا من سنة 1896م، والمؤيد سنة 1890م بدلا من 1889م، والوطن سنة 1878م بدلا من 1877م، والمحروسة سنة 1877م بدلا من 1880م، والمقتطف سنة 1877م بدلا من 1876م، والفلاح سنة 1888م بدلا من 1885م، والفردوس سنة 1898م بدلا من 1896م، والتوفيق سنة 1896م بدلا من 1897م. (10)
وقام بعده المستشرق الفرنسي أكليمنت هوار
Clèment Huart
ونشر سنة 1902م كتابا سماه
Littèrature Arabe
وأودعه فصلا عن تاريخ الصحافة العربية عموما في سبع صفحات، فأصاب المرمى في جميع مباحثه كرجل عاش بيننا واختبر أحوالنا ووقف على أسرار لغتنا وآدابنا. (11)
وفي السنة ذاتها ظهر في مدينة سان باولو من أعمال البرازيل كتاب «التحفة العامية» بقلم شكري الخوري صاحب جريدة أبو الهول المستتر تحت اسم «زيد» كما يتضح من الكتابة المطبوعة في أسفل رسم المؤلف، وفي آخره نبذة عنوانها «جرائدنا في البرازيل» تتضمن أخبار الصحف التي ظهرت في هذه البلاد من عام 1896م مع أسماء أصحابها ومحرريها ورسومهم، وهي عبارة عن اثنتي عشرة صفحة بقطع صغير. (12)
وللمستعرب الفرنسي السيد ميرنت
Mirante
مدير جريدة «المبشر» الجزائرية نبذة عنوانها
La Presse Pèriodique Arabe
نشرها سنة 1905م في الجزء الثالث من كتاب
Actes du Xlve Congrès International des Orientalistes ، إلا أننا لم نتوفق للوقوف عليه. (13)
وللأب لويس شيخو اليسوعي منشئ مجلة «المشرق» كلام مفيد عن الصحافة وعن تاريخ أشهر الصحافيين في كتابه المسمى «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» حيث روى أمورا متفرقة لم يروها الذين سبقوه في هذا المضمار، غير أن مباحثه لا تتناول موضوع الصحافة بوجه خاص، بل تشمل الكلام عن الآداب والأدباء بين الناطقين بالضاد في جميع البلاد. (14)
وفي 10 كانون الثاني 1907م كتب محمد صادق المحمودي في جريدته «المعارف» الصادرة بتونس لمعة ذات ستة أعمدة عنوانها «تاريخ الجرائد» تتضمن مختصر أخبار الصحافة لا سيما التونسية منها، فجاءت روايته طبق المرام إلا في بعض أمور تافهة كنسبته جريدة «المقطم» إلى القبط مع أن أصحابها سوريون، ومنها أيضا قوله إن الشيخ سليمان الحرائري أصدر جريدة «برجيس باريس»، بينما أن مؤسسها كان الكونت رشيد الدحداح اللبناني الذي تركها للشيخ سليمان ... وغير ذلك من الأغلاط. (15)
ونشر
L. Bouvat
سنة 1907 في مجلة
Revue du monde Musulman
المطبوعة في باريز مقالة عنوانها «الصحافة العربية التونسية» في ست صفحات، فأتى فيها على وصف الجرائد التي صدرت في إمارة تونس وتاريخها وبيان خطتها، غير أنه أهمل ذكر جانب كبير منها كجريدة «المنتظر» و«سبيل الرشاد» و«لسان الحق» و«القلم» و«حبيب الأمة» و«ترويح النفوس». (16)
ثم نشر
L. Mercier
في المجلة ذاتها بتاريخ شهر آذار 1908م مقالة فرنسية عن «الصحافة الإسلامية في مراكش» في 12 صفحة، فذكر أنها كانت حديثة العهد في السلطنة المشار إليها جاعلا جريدة «لسان المغرب» لمنشئها فرج الله نمور سنة 1907م باكورة الصحف العربية في تلك البلاد، ومن المعلوم أنه ظهر في مراكش قبل العهد المذكور أكثر من جريدة وأشهرها «المغرب» عام 1888م لصاحبيها عيسى فرح وسليم كسباني اللبنانيين ثم «الاستقصا في المغرب الأقصى» سنة 1900م لمحررها إبراهيم يزبك اللبناني أيضا، ومنها جريدة «السعادة» سنة 1905م وجريدة «الصباح» عام 1906م لمحررهما وديع كرم اللبناني. (17)
وفي 20 حزيران 1909م أنشأ جرجي باز مقالة عنوانها «المجلات النسائية العربية» نشرت في مجلته «الحسناء» في ثلاث صفحات ونيف، فذكر منها أربع عشرة مجلة طبعت بأسرها في القاهرة والإسكندرية ما عدا مجلته المذكورة التي ظهرت في بيروت، لكن فاته التنويه ببعض مجلات نذكر منها: أولا «الفردوس» لصاحبتها لويزا حبالين في القاهرة، والثانية «البرنسيس» لمنشئتها فطنت هانم في المنصورة، والثالثة «الزهرة» لصاحبتها مريم مسعد في الإسكندرية، والرابعة «مجلة ترقية المرأة» لمنشئتها فاطمة راشد في القاهرة، والخامسة «المودة» لسليم خليل فرح بالإسكندرية، ولجرجي باز مقالة أخرى ذات ثماني صفحات عنوانها «الصحف والصحافيون» نشرها بتاريخ 4 كانون الثاني 1904م في مجلة «المحبة» البيروتية، وقد ألمع فيها إلى آداب الصحافة وتاريخها في العالم بعبارة شائقة تدل على ذكاء منشئها، ودقة مباحثه، ورسوخ قدمه في صناعة التحرير، غير أنه جعل صدور «الوقائع المصرية» عام 1830م بدلا من 1828م، ومثلها «حديقة الأخبار» عام 1857م بدلا من 1858م. (18)
ومنذ 31 آذار 1910م أخذ عيسى إسكندر المعلوف ينشر في مجلة «النعمة» التي تصدرها بطريركية الروم الأرثوذكس في دمشق مقالات متتابعة عن «الصحافة العربية» على الإطلاق، ومن مميزات مباحثه أنه بين ما كانت عليه الصحافة في دورها الأول من الركاكة في التعبير، وما آلت إليه الآن من بلاغة الكلام والمعاني، ثم أورد على ذلك أمثلة شتى وبراهين دامغة تشير إلى ما عاناه من شدة التنقيب في مباحثه الصحافية، وقد أجاد غاية الإجادة فيما كتبه عن الدورين الأول والثاني بحيث إنه أسهب في هذا الموضوع أكثر من جميع المؤرخين الذين سبقوه. ولما كان البحث في تاريخ الصحافة العربية من أصعب المباحث لخلوها من المصادر الموثوق بها؛ فلا عجب إذا فات صديقنا عيسى أفندي بعض حقائق نستأذنه بالإشارة إليها، وربك فوق كل ذي علم عليم.
فلقد رأينا في أبحاثه المفيدة أنه أهمل ذكر كثير من الصحف كجريدة «المبشر» المطبوعة في الجزائر وهي ثالثة الجرائد العربية في قدمة العهد، ونسب جريدة «أبو الهول» في باريز سنة 1881 للدكتور لويس صابونجي وهي ليست له كما أفادنا الدكتور المشار إليه، ثم جعل جريدتي «المخير» و«البستان» بين صحف الجزائر بدلا من تونس ولم يشر إلى أنهما كانتا تطبعان بالحرف العبراني، ولما تشرفنا بزيارته سنة 1911 في منزله بمدينة زحلة ألفتنا نظره إلى هذا السهو لأجل إصلاحه في طبعة أخرى، وأحصى «العلم المصري» و«المنتقد» و«اليانصيب» و«الأرغول» وغيرها بين الجرائد المصرية في الدور الثالث مع أنها مجلات، وأخطأ في تاريخ ظهور صحف شتى بحيث إنه قدم أو أخر بعضها على بعض كما يتضح بالمقابلة بين الجداول التي نشرها وبين الجداول التي نشرناها في هذا المجلد أو سننشرها في الأجزاء التالية، إنما كل ذلك لا يشوه على الإطلاق ما بذله من الدقة في التفتيش عن تاريخ الصحافة التي خدمها بكل أمانة قولا وعملا. ولعيسى أفندي مقالة نشرها في مجلة «الزهور» المطبوعة في القاهرة (سنة 1، عدد 9، صفحة 376)، وذكر فيها أن عدد الجرائد العربية بلغ ثمانمائة صحيفة، مع أنها كانت في ذلك العهد (أي سنة 1911) لا تقل عن ألف وأربعمائة صحيفة أكثرها موجود عندنا وتحت يدنا. (19)
وبتاريخ 25 و27 تشرين الأول 1910م نشرت جريدة «العلم» في القاهرة خطبة عنوانها «مركز الصحافة في مصر والأدوار التي تعاقبت عليها في عهد الاحتلال الإنكليزي» في اثني عشر عمودا، وهذه الخطبة ألقاها المحامي عبد الرحمن الرافعي في إحدى جلسات المؤتمر الوطني الذي عقده أحرار مصر سنة 1910م في مدينة بروكسل، وتتناول هذه الخطبة أخبار الصحافة المصرية بعد الاحتلال المذكور مع كل ما طرأ عليها من التقييد أو الحرية بأسلوب حسن وإسهاب كامل، لكن لهجته لا تخلو من المغالاة في ذم المحتلين. (20)
وفي شهر كانون الثاني 1911 نشر السيد البشير الفورتي صاحب جريدة «التقدم» في تونس مقالة عن «تاريخ الصحافة التونسية» على صفحات جريدة «الهدى» النيويوركية، وهي ضافية الذيول كثيرة الفوائد كما أفادنا السيد محمد الجعايبي التونسي، ولكننا لم نقف عليها لنقوم بوصفها رغما مما بذلناه من السعي في هذا السبيل. (21)
وفي غرة شباط 1911 نشر الأب أنسطاس الكرملي في مجلة «المسرة» اللبنانية مقالة مسهبة تقع في 38 صفحة عن «صحافة بغداد» فوصفها وصفا صحيحا لم تبق بعده زيادة لمستزيد، فإنه ذكر كل واحدة منها مبينا ما فيها من الحسنات والسيئات بعين نقادة ونفس مجردة عن الغرض خدمة للغة والتاريخ. ولا ريب في أن أدباء الزوراء يشكرون له هذا الصنيع، ويسعون في رقي جرائدهم التي أكثرها لا يعود بالافتخار على مدينتهم، التي كانت في القرون الغابرة مهدا للمعارف والآداب العربية على عهد الخلفاء العباسيين.
رزوق عيسى؛ منشئ مجلة «العلوم» في بغداد.
ديمتري نقولا؛ صاحب مجلة «الفكاهة» سابقا في القاهرة. (22)
وفي 7 شباط للسنة ذاتها وضع توفيق حبيب؛ صاحب مجلة «فرعون» ومنشئ جريدة «الإكسبرس» في القاهرة مقالة عنوانها «الصحافة القبطية» تقع في 14 صفحة كبرى مخطوطة باليد، فأجاد وأفاد فيما كتبه عن صحف طائفته بلا محاباة ولا تحيز؛ لأنه أورد الحقيقة على علاتها مستهجنا ما رآه في الصحف مما يستحق الذم ومستحسنا منها ما يوافق المدح، وقد اعتمدنا في أكثر ما قلناه عن الصحف القبطية على رواية هذا الكاتب المنصف المدقق. (23)
وفي 29 تشرين الثاني 1912م كتب الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» بتونس نبذة في «تاريخ الصحافة التونسية» إجابة لطلبنا، وهي ذات تسع صفحات تتضمن أخبار الصحف التي ظهرت في القطر المذكور باختصار وصدق ونزاهة وتدقيق، وقد ذكرها قاطبة، وما فاته منها سوى الجرائد العربية المطبوعة بحرف عبراني.
هذا ما أمكننا الاطلاع عليه من الكتابات المتعلقة بأخبار صحافتنا سواء كانت من قلم أبناء اللسان العربي أو الأجانب، وقد حملنا داعي البحث على إبداء رأينا الضعيف في كل من الكتابات المذكورة توصلا للحقيقة لا تنكيتا بأصحابها الأجلاء الذين سبقونا في هذا الميدان الوعر، وحاشا لنا أن نقصد في هذا العمل مس حاساتهم أو الخفض من قدرهم؛ لأننا نعتقد فيهم صلاح النية والتجرد عن كل غاية في خدمة هذا الفن الشريف، وليس من منكر ما لهم من المساعي المشكورة في سبيل تعزيز شأن الصحافة التي تتحدث بفضلهم، وترفع لواء الثناء على منزلتهم الرفيعة في عالم الآداب.
الفصل الرابع
وجوه تسمية الصحف الدورية لدى العرب
لما ظهرت الصحافة العربية كان أكثر أسمائها مبتكرا؛ لأن الكتاب تبعوا فيها اصطلاحات اللغة وذوق أهل العصر، فلقبوا الصحف بأسماء تطيب معانيها وتروق ألفاظها كقولهم: حديقة الأخبار ومرآة الأحوال ونزهة الأفكار وغيرها، ثم توسعوا شيئا فشيئا بحيث حذوا حذو الغربيين في مسميات الجرائد والمجلات فعربوها وأطلقوها على صحفنا. هكذا درج عندنا كما درج عند الإفرنج أسماء: الزمان، والوقت، والصباح، والفجر، والأيام، والحضارة، والمدنية، والعمران، والترقي، والتقدم، والنجاح، والتمدن، والنهضة، والإصلاح. وتبعوهم أيضا في أسماء المدن: كالقاهرة والإسكندرية وطنطا وحلوان والفيوم والخرطوم والقدس وبيروت ودمشق وحمص وطرابلس واللاذقية وبغداد والبصرة وباريس ودير القمر، وقس عليها أسماء الدول: كتركيا ومصر وتونس وزنجبار والبرازيل وصدى المكسيك، أو أسماء الأقاليم والولايات كسورية، والحجاز، وفلسطين، وبين النهرين، والسودان، وطرابلس الغرب.
ومن هذا القبيل أسماء البحار والأنهار والينابيع: كالمحيط، والكوثر، والفرات، والأمازون، والنيل، والبردوني، وبردى، ونهر العاصي، والشاغور، ومثلها أسماء الجبال: كلبنان، والكرمل، وصهيون، وعرفات، والمقطم، وجبل عامل، أو أسماء الجهات: كالشرق والمشرق والمغرب وصدى الجنوب، تليها أسماء القارات كقولهم: كوكب أمريكا، وكوكب أفريقيا، والعالم الجديد، وجريدة العالمين.
وقلد صحافيونا كتاب الإفرنج في استعمال أسماء الكواكب والسيارات فدعوا بها بعض صحفهم وهي: الشمس، والزهرة، والهلال، والقمر، والمشتري، والشهاب، والثريا، ونجم المشرق، واتخذوا مثلهم ثلاث كلمات الدستور: الحرية والمساواة والإخاء، ومن ذلك أسماء الفضائل: كالعدالة والاستقامة والحق والصدق والحكمة والثبات والوفاء والإخلاص والسلام والإيمان والرجاء والأمل والمحبة، ومنها الأسماء الدالة على النور: كالمصباح والفانوس والنبراس، أو على فصول السنة: كمجلة الشتاء ومجلة الربيع، أو على الآفات: كالطاعون، ثم اقتفوا آثارهم أيضا في أسماء العلوم والصنائع والفنون: كالزراعة والتجارة ومجلة المساحة والاقتصاد والحقوق والشرع والقضاء والبيان والبلاغة والآداب، وجروا مجراهم في الأسماء الهزلية كقولهم: المسخرة، وعيواظ، وكراكوز، وحط بالخرج، وضاعت الطاسة، وانخلي يا هلالة، والحشاش، والمكنسة، وأبو نظارة، وأبو صفارة، وأبو زمارة، والجاسوس، وحمارة منيتي، وحمارة بلدنا، والعصا وظهرك بالك.
وعمد بعض الصحافيين إلى استعمال الأسماء الدينية أو الواردة في كتب الدين فأطلقوها على صحفهم تبركا: كالصليب والكلمة والنعمة والمسرة والصخرة والحرمين والخلافة والكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية والمجمع الفاتيكاني ومظلة داود وأخبار عن انتشار الإنجيل، ورغب بعضهم في ألفاظ التحبب: كالفتى والفتاة والعريس والعروس والنديم والحسناء وأنيس الجليس وفتاة الشرق واللطائف والظرائف والتودد والشبيبة، وعول بعضهم على أسماء تشير إلى النبات وما له علاقة بالطبيعة: كالحديقة والبستان والريحانة والروضة والرياض والجنان والجنة والجنينة والمرج والفردوس والثمرة والثمرات والزهور، كذلك قل عن أسماء الحيوان: كالنحلة والغزالة والطاووس والأسد الإسلامي والأسد المرقسي والفيل الأبيض ويعسوب الطب والحمارة، وقس عليها الأسماء الدالة على الصوت وآلات الطرب كالنفير ونفير سوريا ونفير الحرب والصدى ورجع الصدى وصدى الأهرام وصدى بابل ولسان الحال ولسان العرب ولسان الشرق ولسان المغرب والصيحة والأرغول، ومن هذا القبيل ما استعملوه من الأسماء الدالة على الجولان: كالجوائب والبريد والطواف والطائف والسيار والسفير ورائد النيل والرائد التونسي والرائد المصري.
محمد عثمان؛ مدير مجلة «الصدق العثماني» في القاهرة.
ولبعض الصحف أسماء تدل على المهن: كالطبيب والرسام والأستاذ والمهندس والمحامي والخطيب والمبشر والمرشد، وغيرها يشير إلى العظمة والافتخار: كالسلطنة واللواء والعلم والبيرق والمنار والطغراء والمنبر والمفتخر والممتاز والعجائب والمستقل والاستقلال ودار الخلافة وطوالع الملوك والكائنات وضياء الخافقين والدنيا في باريس، وبعضها يتناول الآثار العتيقة والمدن المندرسة: كالأهرام وأبي الهول والأرز والفسطاط ونينوى ومنفيس والكنانة، ومنها ما هو منسوب إلى المعاهد العلمية الكبرى أو الجمعيات الشهيرة: كالأزهر والكلية والشرقية والجمعية العلمية السورية وأعمال شركة مار منصور والعروة الوثقى والتوفيق ومجلة الملاجئ العباسية، وغيرها يعبر عن أسماء الشعوب أو الطوائف أو القبائل: كجريدة آل سام ونهضة العرب والاتحاد العربي والاتحاد العثماني والائتلاف العثماني والإخاء العثماني والعالم الإسلامي والاتحاد المصري والمارونية الفتاة والأقباط الكاثوليك وجراب الكردي .
وتفرد صحافيو العرب في استعمال أسماء لجرائدهم لم ينسج على منوالها لدى سائر الأمم إلا ما ندر، فمنهم من أعطاها اسمه: كسركيس والحافي والصادق والشدياق والرسائل الغانمية، وبعضهم أطلق عليها نعوت البلدان: كالشهباء والفيحاء والزوراء والمحروسة، وغيرهم اتخذ أسماء مشاهير الرجال أو النساء: كالأصمعي وأبي نواس وأبي الهدى وجهينة وحذام، وقسم منهم تيمن بأسماء السلاطين والملوك والخلفاء والأمراء: كالرشيد والمأمون والرشاد والمعتصم والظاهر وفرعون والعباس والمنعم، ولجأ بعضهم بلا ضرورة إلى الأسماء الأجنبية فاستعملوها كقولهم: الإكسبرس والبورصة والبوستة والتلغرافات الجديدة وتلغراف الريف، ونختتم هذا الفصل بعبارة نشرتها مجلة الزهور (عدد 5، سنة أولى) في القاهرة وهي:
ومن الجرائد ما لا ينطبق اسمها على حقيقتها، فالإكسبرس مثلا جريدة أدبية لطيفة الأسلوب تصدر مرة في الأسبوع، مع أن اسمها يفيد معنى جريدة سياسية تتلقى الأخبار قبل سواها وتصدر على الأقل مرتين في النهار وأخرى في الليل، وكذلك قل عن البرق البيروتية.
الفصل الخامس
فوائد تاريخية وشذرات أثرية عن الصحافة عموما والعربية
منها بنوع خاص
نذكر في هذا الفصل فوائد شتى اقتطفناها بعد البحث الطويل من مصادر متفرقة وموارد كثيرة. وهي جامعة بين الفكاهة والعلم والاختصار لما فيها من الشئون التاريخية التي تتعلق بالصحافة عموما والعربية منها خصوصا، ولهذه المعلومات اعتبار كبير لدى عشاق التاريخ والباحثين عن الآثار العتيقة؛ لأنه لم يسبق نشرها كلها في كتاب أو جريدة أو مجلة على الإطلاق، فأحببنا أن ننشرها على صفحات هذا الكتاب ليطلع عليها الناطقون بالضاد وهي: (1)
أول جريدة أنشئت في العالم «كين بان» سنة 911 قبل المسيح، وهي الصحيفة الرسمية لحكومة الصين، ولم تزل حتى الآن بحيث إنها تنشر ثلاث مرات في اليوم؛ صباحا بلون أصفر، وظهرا بلون أبيض، ومساء بلون أحمر. (2)
وأول جريدة ظهرت في أوروبا «الأعمال اليومية» في رومة على عهد الإمبراطور يوليوس قيصر في أواسط القرن الأول للمسيح. (3)
وأول جريدة مطبوعة اسمها «كنبو» ظهرت محفورة على الخشب في بكين عاصمة الصين منذ أربعة قرون تقريبا ولم تزل حية حتى الآن. (4)
وأول جريدة برزت بعد انتشار فن الطباعة الحديثة كانت تسمى «غزتة» عام 1566م في مدينة البندقية بإيطاليا. (5)
وأول مجلة علمية «مجلة العلماء» الفرنسية صدرت عام 1665م. (6)
وأول جريدة يومية «الدايلي كوران» الإنكليزية ظهرت في 11 آذار 1702م. (7)
وأول جريدة ظهرت في العالم الجديد «بوسطن نيولستر» سنة 1704م في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة. (8)
وأول جريدة عربية هي التي أنشأها نابليون الأول سنة 1799م في القاهرة عندما كان قائدا للحملة الفرنسية في وادي النيل، واسمه حينئذ الجنرال بونابرت. (9)
وأول صحيفة ظهرت في السلطنة العثمانية جريدة «بريد أزمير» الفرنسية سنة 1825م. (10)
وأول جريدة تركية «تقويمي وقائع» ظهرت في القسطنطينية سنة 1832م بعناية مصطفى رشيد باشا في عهد السلطان محمود. (11)
وأول من اعتنى بجمع الجرائد في العالم كان أندراوس ورزي في نواحي سنة 1835م. (12)
وأول من كتب عن الصحافة كان أندراوس ورزي المشار إليه، فإنه ألف تاريخا يتضمن في نحو 300 صفحة أخبار جرائد بلجيكا من سنة 1605م إلى سنة 1844م. (13)
وأول جريدة عربية أنشأها رجل عربي هي «مرآة الأحوال» في الآستانة سنة 1854م لرزق الله حسون الحلبي. (14)
وأول جريدة عربية مصورة «أخبار عن انتشار الإنجيل في أماكن مختلفة» سنة 1863م للمرسلين الأميركيين في بيروت. (15)
وأول مجلة عربية مصورة بكل معنى من معاني الكلمة «النحلة» أنشأها القس لويس صابونجي السرياني بتاريخ 15 حزيران 1877م في لندن. (16)
وأول من كتب عن الصحافة العربية هنري غلياردو قنصل فرنسا سابقا في حيفا عندما كان موظفا في قنصلية القاهرة سنة 1884م. (17)
وأول صحيفة عربية مرسومة بألوان جريدة «أبو نظارة» في باريس للشيخ يعقوب صنوع المصري بتاريخ 22 كانون الثاني 1887م. (18)
وأقدم جريدة عربية لم تزل منتشرة حتى اليوم «الوقائع المصرية» المؤسسة في 20 تشرين الثاني 1828م في القاهرة. (19)
وأول ناد تأسس للمولعين بجمع الصحف كان سنة 1890م في مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا.
يوحنا غوتنبرج وفاوست؛ وهما أول من اخترع فن الطباعة الحديثة في العالم. (20)
وأول جريدة عربية ظهرت في العالم الجديد «كوكب أمريكا» بتاريخ 15 نيسان 1892م. (21)
وأول معرض للجرائد كان سنة 1893م في بروكسل. (22)
وأول مؤتمر للصحافة أنشئ سنة 1894م في مدينة انفرس أثناء معرضها العام. (23)
وأول صحافي عربي حضر بصفة رسمية مؤتمرا عاما للصحافة كان الأمير أمين أرسلان اللبناني سنة 1897 في استوكهلم عاصمة أسوج. (24)
وأول مدرسة للصحافة أنشئت عام 1899م في باريس. (25)
وأول مؤتمر للصحافة العربية التأم سنة 1900م بهمة أصحاب جرائدنا في المهجر في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة. (26)
وأجمل نسخة صدرت بين جميع الصحف العربية قديما وحديثا عدد جريدة «البشير» المنشور في 22 شباط 1902م في فرصة اليوبيل الحبري الفضي للبابا لاون الثالث عشر. (27)
وأول متحف للصحافة تأسس في بروكسل عام 1907م، وهو يحتوي على أوسع مجموعة للجرائد والمجلات في العالم كله. (28)
وأول من اخترع آلة لصف حروف الطباعة العربية وآلة لتوزيع الحروف تسهيلا لسرعة انتشار الجرائد؛ كان رشيد أفندي الخوري صاحب جريدة «الرموز» سابقا في بونس أيرس سنة 1908م. (29)
وأول جريدة عربية أقامت احتفالا رسميا لمرور خمسين سنة على عهد ظهورها «حديقة الأخبار» البيروتية في 13 كانون الأول سنة 1908م. (30)
وأشهر مجموعة للجرائد والمجلات خاصة بالأفراد خلا المجاميع العمومية يملكها ألبرت دي فوفنت، ويبلغ عددها نحو 55 ألف صحيفة مختلفة الأسماء واللغات. (31)
وأوسع مجموعة للصحف العربية وحدها يملكها فيليب دي طرازي كاتب هذه السطور. وهي تبلغ نحو 1200 جريدة ومجلة مختلفة، ما عدا التقلبات والتغييرات التي طرأت على كل منها، ولدى كاتب هذه السطور أيضا مجموعة نفيسة من الصحف التي ظهرت في اللغات الشرقية كالسريانية والتركية والأرمنية والفارسية والعبرانية والتترية والأردوية واليابانية والصينية والملاوية والجاوية وغيرها من ألسنة الشعوب البعيدة. (32)
وأول مرة في تاريخ الصحافة الأميركية لم تصدر الصحف كان ذلك في عيد الميلاد سنة 1912م.
الفصل السادس
عطا بك حسني
لا يجهل أحد ما لهذا الرجل الوجيه من المآثر الطيبة؛ فإنه بلا مراء من أبناء مصر الذين وقفوا حياتهم في سبيل خدمة الأدب والوطن والملة، ولذلك قرظته الصحف الوطنية والأجنبية ونشرت رسمه مع ترجمته إقرارا بفضله، فمن الجرائد العربية والتركية نذكر: «ثروت فنون» في الآستانة ثم «الوطن» و«الرقيب» و«المفتاح» و«المحيط» و«الجريدة المصورة» و «المعرض» و«العمران» و«الراية العثمانية» وغيرها من الصحف المصرية، أما الصحف الأجنبية فنذكر منها:
The Near East
في لندن ومجلة
Magazine Illuslré
في باريس ومجلة
La Donna
في رومة وجريدة
Le Bosphore
ومجلة
The Sphinx
في القاهرة وغيرها، فإنها أجمعت قاطبة على امتداح سعادته بعبارات التعظيم والتوقير وأشارت إلى مساعيه الحميدة في جانب المنافع العمومية والأعمال المبرورة نحو كل النحل والملل.
وما كاد يبلغ خبر عزمي على تأليف كتاب «تاريخ الصحافة العربية» مسمعي هذا الشهم الجليل حتى أبدى ارتياحه لهذا العمل وأطراه، وشدد عزائمي على إخراجه من حيز القوة إلى دائرة الوجود، فبادر كرما منه وأتحفني بمجموعة نفيسة من الجرائد والمجلات العربية التي يبلغ عددها نيفا وثلاثمائة صحيفة مختلفة لأستعين بها في مشروعي المذكور، وإليك نص الرسالة التي بعث لي بها في هذا الشأن:
جناب الفيكونت المفضال الكريم الخلال
أسأل خاطر جنابكم الخطير بالإكرام الجزيل والاعتبار الوفير، والمعروض أنه قد أطلعني المحب المخلص صديقنا الكاتب الأديب ديمتري أفندي نقولا على خطابكم الكريم الذي نوهتم فيه بي، ورغبتم في الاطلاع على مجموعة الجرائد العربية الموجودة عندي. ولما كانت عنايتكم بأمر العلوم والآداب موجبة لمزيد الإعجاب والثناء المستطاب، فإنني بادرت بمزيد الارتياح إلى تقديم هذه المجموعة هدية لمكتبة جنابكم الحاوية نوادر الأخبار ونفائس الآثار راجيا تكرمكم لقبولها عنوان ولاء وتذكار وفاء مع المجلد الأول من «حلى الأيام في خلفاء الإسلام» وتشريفي بكل ما يعرض لجنابكم من الأمور والمهام، فإنني أتمنى توثيق عرى التعارف الثمين، وتوطيد دعائم الولاء المتين، بفضل مناقبكم العالية ومظاهر وجاهتكم السامية ... مكررا لذاتكم الكريمة اعتباري الصميم واحتراماتي العظيمة، ودامت معاليكم أفندم.
أول ذي القعدة سنة 1328.
صديقكم المخلص
عطا حسني
فمن صميم القلب أرفع لسعادته عبارات الشكران، وعواطف الامتنان والإحسان، متوسلا إلى العزة الصمدانية، أن تكلأه بعين عنايتها الربانية، وتجعل مقامه مرفوعا على منارة الأدب، بين العجم والترك والعرب، وقد رأيت تخليدا لذكره الميمون، أن أسرد خلاصة ترجمة حياته لتبقى آثاره محفوظة على ممر القرون، وأفردت لها فصلا مخصوصا قبل تراجم مشاهير الكتاب، الذين سيأتي الكلام عنهم في أجزاء هذا الكتاب:
هو عطا بك ابن حسن حسني بك أمير الحج ابن صالح بن حسن بك من أشراف مدينة ديار بكر، ولد في شهر ذي الحجة 1298 / 1881 ميلادية في مدينة القاهرة، ويتسلسل أجداده من إحدى العشائر المشهورة بين الأكراد في بلاد الأناضول. ومنذ نعومة أظفاره دخل المدارس العالية فانصب على تحصيل العلوم واللغات حتى نال منها النصيب الأوفر، وبعد خروجه من المدرسة أخذ يتردد على صفوة العلماء ونخبة الأساتذة، فازداد تعمقا في درس التاريخ الاجتماعي وسائر المعارف العصرية، وكان يراقب سير الترقيات الحديثة بعين يقظى وفطنة وقادة حتى صار عالما أخلاقيا وسياسيا محنكا ومؤرخا شرقيا بكل معنى من معاني الكلمة، وقد قال أحدهم عنه إنه «الرجل المصري المثري الوحيد الذي شغف بالعلوم، وبذل نفسه لأجل خدمة وطنه وملته، وأنفق جزءا كبيرا من ماله في سبيل المصلحة العامة.»
عطا بك حسني.
واستهل عطا بك أعماله بتأليف كتابه المسمى «خواطر في الإسلام» ثم ترجمه بقلمه إلى اللسان التركي باسم «خاطرات إسلام» فنال شهرة واسعة حتى أعيد طبع النسخة العربية التي كثر إقبال القراء على مطالعتها، وألف أيضا كتاب «حلى الأيام في خلفاء الإسلام» وهو يتضمن تاريخ الأمة المحمدية من عهد الهجرة إلى الآن، وله كتاب «السياحة العثمانية» وهو مزين بصور مشاهير الدولة العلية ورسوم المشاهد المهمة والآثار القديمة، أنجزه مؤلفه بعد أن ساح مرارا في أقطار السلطنة العثمانية وامتزج بسكانها على اختلاف عناصرها، فشرح فيه حال السلطنة قبل إعلان الدستور وبعده، وأتى على وصف مشاهد أوروبا وعواصمها التي جال فيها كلها، وهذا الكتاب تحت الطبع مع كتاب آخر دعاه «صيانة الإسلام في وجود دولة آل عثمان» شرح فيه أدواء الدولة العثمانية، فجاء سفرا حاويا سديد الآراء وبعد النظر في غور السياسة الشرقية.
وظهرت مآثره ظهورا جليا في جريدة «الجوائب المصرية» اليومية التي جدد صدورها في القاهرة وأنشأ لها مطبعة كبيرة، فأودع فيها من نفثات قلمه حتى صارت الصحيفة الشرقية التي أنشئت لخدمة المصلحة القومية، فدافع عن حقوق الاستقلال العثماني بمقالات اجتماعية وإصلاحية تعود بالخير والإسعاد على الشرق والشرقيين.
ونظرا لشهرته في عالم الأدب عينته الجمعية العلمية في باريس عضوا عاملا لها، ثم انتدبته الجمعية الجغرافية للخطابة في حفلتها السنوية في مدينة رمس
Reims
فلبى الطلب وألقى خطبة نفيسة دافع بها عن العثمانيين خاصة والشرقيين عامة، ونشرت هذه الخطبة في الكتاب الذهبي للمؤتمر المذكور.
واتصف صاحب الترجمة بدماثة الأخلاق ومحبة عمل الخير وكرم اليد والابتعاد عن التعصب الذميم لوطنه ودينه، ولنا على صحة هذا القول براهين كثيرة تشهد بشهامة نفسه ونزاهة مبادئه؛ فمن ذلك أنه تبرع لمنكوبي أطنه من الأرمن بمساعدة مالية وافرة سلمها لمطران هذه الطائفة في القاهرة، وتبرع أيضا بمبلغ آخر من المال مساعدة لبناء كنيسة الطائفة المارونية في الخرطوم، وقد رفعت البطريركية المارونية تقريرا بهذا الشأن إلى قداسة الحبر الأعظم؛ فكان ذلك داعيا لسرور الدوائر الفاتيكانية وامتنانها. ولما عرج على رومة سائحا حظي بمقابلة البابا بيوس العاشر في مقابلة خصوصية مدة عشرين دقيقة كان فيها موضوع التفات قداسته. وقد عامله الحبر الأعظم كما يعامل الأمراء الأجانب، وأمر باطلاعه على متاحف الكرسي الرسولي وخزائن الكتب وسائر الآثار القديمة، ثم تلطف وأهداه «وسام القديس غريغوريوس الكبير» طبقته الأولى.
وتشرف أثناء وجوده في باريس بمقابلة مظفر الدين شاه إيران سابقا، فشكر له الشاه على صدق أمانته الملية وأظهر إعجابه به، ثم منحه وسام «شير خورشيد» الثاني وعلقه بيده على صدر الممنوح له مع «وسام المعارف» الذهبي، ونال أيضا بعض علامات الشرف كوسام «سرتيب» الأول من دولة إيران، ووسام «المجيدي الثاني» ثم «مدالية الحجاز الذهبية» والرتبة الأولى من الصنف الثاني من الدولة العثمانية، وأحرز وسام «نجمة الصباح» الأول من سلطان لحج، ووسام «فخر عمان» الأول من سلطان مسقط وعمان وغيرها.
وفي رحلته إلى الآستانة سنة 1910م قابل في زيارة خاصة الأمير يوسف عز الدين ولي عهد السلطنة العثمانية، فلقي لدى سموه من الحفاوة ما لم ينله مصري سواه قبل الآن، وقد أهداه الأمير المشار إليه رسمه متوجا باسمه الكريم ومكتوبا بخط يده، وما عدا ذلك فإن عطا بك فاز بمقابلة كثير من الملوك والأمراء شرقا وغربا فأهدوه رسومهم وشملوه بانعطافهم، ومما لا يسعنا السكوت عنه في هذا المقام أن داره العامرة أصبحت بلطفه وكرمه محطا لعظماء الرجال وكبار السياح والعلماء الأعلام؛ وغيرهم الذين يزورون وادي النيل.
نسأل الله سبحانه أن يكلل بالنجاح جميع مساعيه العائدة لعمل الخير وتعزيز كلمة الوطن وتوسيع نطاق المعارف، وأن يمنح سعادته عمرا طويلا مقرونا بالعز والهناء والعافية، ويصون أنجاله المحروسين بعين عنايته الصمدانية، إنه أكرم الأكرمين وخير المسئولين .
الفصل السابع
معرفة الجميل
لما كان بعض الأدباء والأديبات قد مدوا لي يد المساعدة في إرسال ما لديهم من الصحف القديمة والحديثة تعزيزا لمشروعي وخدمة للصحافة؛ تحتم علي هنا أن أرفع ألوية الثناء على حماستهم العربية ونخوتهم الأدبية، وإنني بكل افتخار أنشر رسومهم على صفحات «التوطئة» في صدر هذا الكتاب تنويها بكرمهم وإقرارا بصنيعهم، فبلسان الناطقين بالضاد قاطبة أقدم لحضراتهم عبارات معرفة الجميل؛ ليبقى فضلهم فضلا ما توالت الأعوام، وتحدثت بعلو هممهم أفواه الشعراء وحملة الأقلام، وها إنني أسرد أسماءهم مرتبة على حروف الهجاء: (1)
في مقدمة الجميع أذكر حضرة المحامي الشهير والشهم الكريم إبراهيم أفندي جمال صاحب جريدة «الحقوق» في القاهرة؛ فإنه أهداني مجموعة كبيرة من الجرائد والمجلات النادرة الوجود قد عني بالتقاطها منذ خمس عشرة سنة ليزين بها خزائن كتبه ويستفيد من مطالعتها. وتشتمل المجموعة على جانب كبير من الصحف العربية النفيسة التي ظهرت قديما وحديثا في العالم كله، وترى رسمه منشورا في محل آخر من هذا الكتاب. (2)
الشيخ يعقوب صنوع المصري الملقب بأبي نظارة وصاحب الجريدة الهزلية المعروفة باسمه في باريز، فإنه أرسل لي المجموعة الوحيدة الموجودة لديه من كل جرائده الكثيرة مع غيرها من الصحف، وقد نشرت رسمه في غير هذا المكان. (3)
حضرة الكاتب الاجتماعي الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» في تونس الخضراء، فإنه أتحفني بأول عدد من نحو ثلاثين صحيفة مختلفة برزت في الإمارة التونسية منذ عهد بعيد إلى الآن.
السيد هبة الدين الشهرستاني؛ صاحب مجلة «العلم» في النجف . (4)
حضرة الكاتبة المستعربة السيدة جان ديربو منشئة مجلة «الإحياء» في مدينة الجزائر بشمال أفريقيا؛ فقد جمعت لي أكثر الصحف المطبوعة في أنحاء عديدة من البلاد الجزائرية الفرنسية والسلطنة المراكشية وروسيا وغيرها، وتعرف هذه السيدة عند الجزائريين الأصليين باسم «جمانة رياض» أو «فاطمة الزهراء». (5)
حضرة العالم المفضال ديمتري أفندي نقولا منشئ مجلة «الفكاهة» سابقا في القاهرة؛ فإنه كان أكبر عضد لي في الحصول على أهم الجرائد والمجلات العتيقة والحديثة التي لم يتيسر لي الوصول إليها بواسطة غيره من الأدباء، وقد زاد على فضله فضلا أنه أفادني بمباحثه الصحافية وتنقيبه عن أمور شتى تتعلق بهذا الكتاب.
يوسف صفير؛ صاحب مكتبة «المدارس» في بيروت. (6)
حضرة السيدة الجليلة روزا بسول أرملة المرحوم نجيب بن ميخائيل مدور في بيروت؛ فإنها تكرمت علي بصحف نادرة الوجود موروثة من قديم الزمان عن أسرة زوجها المشهورة بالنهضة العلمية والآثار الأدبية. (7)
حضرة الكاتب الألمعي عيسى أفندي رزوق منشئ مجلة «العلوم» في بغداد؛ فإنه عانى تعبا وافرا في التقاط جانب كبير من الصحف التي صدرت في أنحاء العراق وأتحفني بها. (8)
حضرة الكاتبة البليغة والخطاطة البارعة السيدة لبيبه هاشم منشئة مجلة «فتاة الشرق» وصاحبة المحاضرات الشهيرة في «الجامعة المصرية» بالقاهرة؛ فإنها بعثت لي بعدد وافر من الصحف المصرية الحديثة العهد. (9)
حضرة العلامة الخطير الأب لويس شيخو اليسوعي صاحب امتياز مجلة «المشرق» في بيروت؛ فقد أهداني كل ما عثر عليه من الصحف المفيدة في سبيل مشروعي، ثم سهل لي السبل لمطالعة ما كنت محتاجا إليه في «المكتبة الشرقية» المؤسسة بعنايته في كلية القديس يوسف، ونظرا لاتضاعه لم يشأ أن ننشر صورته هنا، وسنبذل الجهد للحصول عليها ونشرها لدى الكلام عن مجلة «المشرق». (10)
حضرة الشهم الكريم محمد أفندي عثمان مدير مجلة «الصدق العثماني» في القاهرة؛ فإنه بعث لي بنيف وثلاثين مجلة وجريدة قديمة العهد، أكثرها من القطر المصري. (11)
حضرة العالم الكبير السيد هبة الدين الشهرستاني منشئ مجلة «العلم» في النجف؛ فإنه أتحفني بعدد وافر من الجرائد والمجلات الصادرة في العراق والهند والفرس وغيرها . (12)
حضرة الكاتب الأديب يوسف أفندي صفير صاحب مكتبة «المدارس» في بيروت ومؤسس الجمعية الخيرية لأبناء عرامون ومزارعها في كسروان؛ فإنه أتحفني بالعدد الوافر من الصحف التي صدرت في أنحاء مختلفة من العالمين القديم والجديد وكانت محفوظة في مكتبته العامرة.
ثم أضيف إلى من سبق ذكرهم بعض الأعيان والأفاضل الذين فتحوا لي خزائن كتبهم المعتبرة وتكرموا علي بما تيسر لديهم من منثورات الصحف، وهذه أسماؤهم على ترتيب حروف الهجاء أيضا مع حفظ الألقاب: إبراهيم حنا العورا، والشيخ إسكندر العازار، وجرجي ديمتري سرسق، وجرجي نقولا باز، وسليم أيوب تابت، والخوري فضل الله فاضل الماروني، والأب لويس معلوف اليسوعي مدير جريدة «البشير» في بيروت، وعيسى إسكندر المعلوف في زحلة، ونجيب ميخائيل ساعاتي في القدس الشريف، ومحمد فهمي بشير في الإسكندرية، والخورفسقفوس عبد الأحد جرجي السرياني في بغداد، والقس باسيل أيوب السرياني في حلب.
وفي الختام أسدي الشكر الجزيل لسائر الذين أعاروني رسوم بعض الصحافيين التي زينت بها هذا الكتاب وهم: صاحب العزة خليل أفندي سركيس مؤسس «المطبعة الأدبية» وجريدة «لسان الحال» الغراء في بيروت، وعزتلو جرجي بك زيدان صاحب مجلة «الهلال» الشهيرة في القاهرة، ثم الكاولير يوسف بن خطار غانم مؤلف كتاب «برنامج أخوية القديس مارون» في بيروت، وسليم سركيس صاحب المجلة المعروفة باسمه في القاهرة، وأنطون أفندي الجميل، وأمين أفندي تقي الدين صاحبا مجلة «الزهور» المعتبرة في عاصمة وادي النيل، وغيرهم. لا زالت الآداب العربية، باسمة الثغر، مرفوعة الشأن؛ بفضل من تقدم ذكرهم. والله ولي التوفيق.
الفصل الثامن
الصحافة وأعاظم الرجال
تناقلت بعض الجرائد العربية كلمات مأثورة عن أعاظم رجال العصر الحاضر تتعلق بالصحافة، فرأينا أن نثبتها هنا؛ لما فيها من الحكمة السامية والعبرة الفائقة والفائدة التاريخية، ثم أضفنا إليها أقوالا أخرى منسوبة لغيرهم من الملوك ومشاهير الأرض إتماما للغرض المقصود وهي بالحرف الواحد:
قال السلطان عبد الحميد الثاني بعد خلعه من عرش السلطنة العثمانية: «لو عدت إلى يلدز لوضعت محرري الجرائد كلهم في أتون كبريت.»
وقال نابليون الأول: «إنني أوجس خوفا من ثلاث جرائد أكثر مما أوجس من مائة ألف جندي.»
وقال نقولا الثاني قيصر روسيا: «جميل أنت أيها القلم، ولكنك أقبح من الشيطان في مملكتي.»
وقال عمانوئيل ملك البرتغال للصحافيين بعد سقوطه من عرش المملكة: «أنتم سبب سقوطي، ولا تزالون تطلبون رأيي بالحكومة الجديدة.»
وقال غيليوم الثاني إمبراطور ألمانيا لشقيقه الأمير هنري عند ذهابه إلى الولايات المتحدة الأمريكية: «إنك ستجتمع بكثير من الصحافيين فيها، فاعلم أن لهم هناك من المنزلة مثل ما لقوادي في الجيش.»
وقال السنيور كسترو رئيس حكومة فنزويلا سابقا: «لا أخاف بوابة جهنم إذا فتحت بوجهي، ولكني أرتعش من صرير قلم محرر الجريدة.»
وقال مظفر الدين شاه إيران سابقا: «إنها لقضية صعبة عندما تقابل صحافيا.»
يوسف خطار غانم.
هاك رسمي يبقى مدى الدهر ذكرا
لشهيد البرنامج المشهور
قمت أسعى في جمع آثار قوم
قاصدا حفظ رسمهم للدهور
كان كل الجزاء أن أنفق العمر
أسيفا في موت مسعى خطير
وقال دياز رئيس جمهورية المكسيك: «أود أن أكون صاحب معامل الورق والحبر لأحرقها.»
وقال روزفلت رئيس حكومة الولايات المتحدة الأميركية: «يجب أن يكون كاتب بين كل عشرة أنفار من هذه البلاد.»
وقالت ماري خريسيين ملكة إسبانيا: «بين الحشرات تجد الصحافي.»
وقال ألفونس الثالث عشر ملك إسبانيا: «ويعرف الصحافي خفايا قصرنا كذلك.»
وقال مولاي يوسف سلطان مراكش لمكاتب جريدة
Le Temps
في مدينة طنجة: «نعم إنني أعلم ذلك، فالصحافيون مع كونهم أعظم الذين لا يستطيعون كتمان السر فإنهم عين الأمم وروحها وفكرها، فمن واجباتنا أن نرحب بهم ونلاطفهم؛ لأن الحكم علينا في المستقبل يستند إلى ما يكتبون.»
وبعث دي بلويتر مكاتب «التيمس» الباريسي إلى جريدته بصورة معاهدة مؤتمر برلين قبل أن وقع عليها معتمدو الدول، فلما اجتمعوا في اليوم الثاني من مؤتمرهم رفع البرنس بسمرك غطاء المنضدة المسترسل، فقيل له: لماذا؟ فأجاب بسمرك: «لأرى إذا كان دي بلويتر مختبئا تحتها ليستطلع أسرارنا!»
وقال وليم ستيد صاحب «مجلة المجلات الإنكليزية» الذي غرق في حادثة الباخرة «تيتانك» سنة 1912م: «الكاتب السياسي يرتعش من منظره رئيس مجمع الشياطين.»
وقال أرثر برسيان الكاتب الأميركي الشهير: «أموت لأجلها ... ولكني أفضل العذاب في سبيل القلم.»
وقال باكس: «في جنة عدن كان الصحافي.»
وقال روكفلر بالكونت تولستوي: «أمعه مال بقدر ما يحوي على أفكار؟»
وقال أحد كبار رجال السياسة الإنكليزية: «أنشئوا الجرائد؛ لأن بها حياة الأمة.»
وقال المسيو كمبون سفير فرنسا في لندن: «ولئن كانت للصحافة سيئات فلها من حسناتها ألف شفيع.»
الكتاب الأول
الحقبة الأولى
تمتد منذ تكون الصحافة إلى تاريخ افتتاح ترعة السويس 1799-1869م
الباب الأول
يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات التي ظهرت في هذه الحقبة مع وصفها وبيان أحوالها.
الفصل الأول
تكون الصحافة العربية
بزغت شمس الصحافة العربية في ختام القرن الثامن عشر بمدينة القاهرة، وكان ذلك على يد الحملة الفرنسية التي جاءت وادي النيل بقيادة الجنرال بونابرت؛ الذي ارتقى بعد ذلك إلى العرش القيصري في فرنسا باسم نابليون الأول. وهكذا أتيح لأمة غريبة أن تدخل هذا الفن الشريف إلى البلاد العربية مع سائر جراثيم التمدن الحديث.
وكانت البعثة العلمية التي رافقت الحملة البونابرتية قد أحضرت معها مطبعة من باريس يديرها رجلان فرنسيان: أحدهما عالم والآخر عامل بسيط، أما العالم فهو المستشرق يوحنا يوسف مرسال، وأما العامل فهو مرك أوريل، وقد تنوسي هذا الرجل ثم أحيت ذكره الأيام، وأول عمل باشرته هذه البعثة العلمية أنها نشرت ثلاث جرائد في المطبعة المذكورة: إحداها «الحوادث اليومية» كان يحررها إسماعيل بن سعد الخشاب، وهي جدة الصحف في لغة الناطقين بالضاد، والثانية
Décade Egyptienne
والثالثة
Courrier d’Egypte
وهما باللسان الفرنسي، وقد انقرضت هذه الصحف برجوع تلك الحملة إلى بلادها سنة 1801.
وبقيت اللغة العربية محرومة من فوائد الصحافة حتى قيض الله لها بعد 27 سنة عصرا جديدا من الفلاح بفضل محمد علي باشا الكبير رأس العترة الخديوية، الذي أنشأ «الوقائع المصرية» لحكومته، ثم رأت الدولة الفرنسية أن تصدر جريدة في أملاكها بشمال أفريقيا تكون واسطة للتفاهم بينها وبين السكان الوطنيين؛ فأنشأت «المبشر» عام 1847م في مدينة الجزائر عاصمة المغرب الأوسط.
نابليون الأول إمبراطور الفرنساويين؛ واضع أساس الصحافة العربية.
أنشأت بكر صحائف عربية
فرفعت شأن لساننا بين الورى
شهدت لك الدنيا بأنك فردها
ولذاك أحرزت الفخار بلا مرا
أما أول رجل عربي الأصل أصدر باسمه صحيفة عربية واستحق دون سواه هذه الكرامة الجليلة فهو رزق الله حسون الحلبي منشئ «مرآة الأحوال» سنة 1855م في عاصمة آل عثمان؛ ولأجل ذلك يمكننا بكل صواب أن نسميه إمام النهضة الصحافية عندنا بلا مراء، بل جد الصحافيين وزعيمهم على الإطلاق، فاقتفى أثره بعض أرباب العلم والفضل من أبناء سوريا المسيحيين الذين برزوا في هذه المهنة وخلدوا آثارا تذكر فتشكر؛ وهم: إسكندر شلهوب صاحب جريدة «السلطنة» عام 1857م في الآستانة، وخليل الخوري مؤسس «حديقة الأخبار» سنة 1858م في بيروت، والكونت رشيد الدحداح منشئ «برجيس باريس» 1858م في عاصمة فرنسا، وأحمد فارس الشدياق
1
صاحب «الجوائب» 1860م في الآستانة، والمعلم بطرس البستاني منشئ «نفير سورية» 1860م، ويوسف الشلفون ناشر «الشركة الشهرية» 1866م في بيروت، وفي سنة 1858م نشر المستشرق الفرنسي منصور كرلتي جريدة «عطارد» في مرسيليا.
ثم تنبه المسلمون المصريون إلى هذا الأمر الجلل؛ فنشروا في آخر الحقبة الأولى ثلاث صحف في القاهرة: إحداها «يعسوب الطب» سنة 1865م لمحمد علي باشا البقلي، والثانية «وادي النيل» 1866م لعبد الله أبي السعود، والثالثة «نزهة الأفكار» 1869م لإبراهيم المويلحي ومحمد عثمان جلال، ونضيف إلى ذلك جريدة «نتائج الأخبار» التي صدرت بتونس في نواحي سنة 1863م لمنشئها حسين المقدم.
وهناك صحف أخرى، منها رسمية أنشئت في بعض الولايات العثمانية أو التابعة لسيادة الباب العالي وهي: «الرائد التونسي» 1861 في تونس، ثم «سوريا» 1865 في دمشق، وكذلك «لبنان» 1867 في بيت الدين قاعدة جبل لبنان، و«الفرات» 1867 في حلب، وأخيرا «الزوراء» 1869 في بغداد. ومنها علمية ظهرت كلها في بيروت وهي: «مجموع فوائد» سنة 1851 ومجلة «أعمال الجمعية السورية» 1852 ومجلة «مجموع العلوم» سنة 1868 للجمعية العلمية السورية. ومنها دينية صدرت قاطبة في بيروت وهي: «أخبار عن انتشار الإنجيل» 1863 ومجلة «النشرة الشهرية» 1866 للمرسلين الأميركان، وثالثتها «أعمال شركة مار منصور دي بول» للجمعية المعروفة بهذا الاسم . ومنها جدلية كمجلة «رجوم وغساق» 1868 لرزق الله حسون في لندن.
يتضح مما سبق بيانه أنه ظهر في الحقبة الأولى سبع وعشرون صحيفة لم يزل ربعها حيا وهي: الوقائع المصرية والمبشر والرائد التونسي وسوريا ولبنان والفرات والزوراء، ويمكننا أن نضيف إليها صحيفة ثامنة وهي «النشرة الأسبوعية» التي قامت على أنقاض «النشرة الشهرية».
وإذا راعينا نسبة عدد تلك الصحف إلى الممالك التي ظهرت فيها فيكون السبق في هذا المضمار للدولة العثمانية؛ فإنه صدر فيها وحدها 16 صحيفة، أما الباقي فيتوزع كما يأتي: خمس في مصر، واثنتان في تونس، وواحدة في الجزائر، واثنتان في فرنسا ، وواحدة في إنكلترا. ومن الغريب أن بواكير هذه الصحف؛ أي «الحوادث اليومية» و«الوقائع المصرية» و«المبشر» ظهرت للوجود في البقعة الأفريقية دون سواها.
الفصل الثاني
أخبار الصحف من أول نشأتها إلى
سنة 1850م
(1) الحوادث اليومية
صحيفة يومية رسمية، أنشأها نابليون الأول سنة 1799 عندما كان قائدا للجيوش الفرنسية في وادي النيل؛ لنشر أخبار مصر وإذاعة أوامر حكومته بين سكان القطر المذكور. وعهد بكتابتها إلى إمام زمانه في العلوم الأدبية السيد إسماعيل بن سعد الخشاب كاتب «سلسلة التاريخ» في ديوان الحكومة المصرية؛ فقام بهذه المهمة أحسن قيام، كما روى معاصره العلامة عبد الله بن حسن الجبرتي في تاريخه (4، 238) بالحرف الواحد:
إن الفرنساوية عينوه في كتابة التاريخ لحوادث الديوان وما يقع فيه كل يوم؛ لأن القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية في جميع دواوينهم وأماكن أحكامهم، ثم يجمعون المتفرق في ملخص يرفع في سجلهم بعد أن يطبعوا منه نسخا عديدة يوزعونها في جميع الجيش، حتى لمن يكون منهم في غير المصر من قرى الأرياف؛ فتجد أخبار الأمس معلومة للجليل والحقير منهم. فلما رتبوا ذلك الديوان كما ذكر كان هو المتقيد برقم كل ما يصدر في المجلس من أمر أو نهي أو خطاب أو جواب أو خطأ أو صواب، وقرروا له في كل شهر سبعة آلاف نصف فضة، فلم يزل متقيدا في تلك الوظيفة مدة ولاية عبد الله جاك منو
Menou
حتى ارتحلوا من الإقليم.
أما اسم الجريدة فلم نتحققه على رغم ما بذلناه من البحث والتنقيب والاجتهاد، فعسى يتوفق غيرنا إلى معرفته خدمة للتاريخ وتقريرا للحقيقة. ومن المعلوم أن الجبرتي روى عن إسماعيل الخشاب أنه كان يعتني بضبط «الحوادث اليومية» ويطبع منها نسخا ويوزعها على جميع الجيش، فاستنادا إلى رواية هذا المؤرخ الجليل ترجح لدينا أن «الحوادث اليومية» هو اسم الجريدة، فعولنا على استعماله سيما أنه يطابق على أوصاف هذه الصحيفة التي كانت تنشر يوميا كما رأيت، فلم يبق ريب بعد ذلك في أن هذه النشرة التي تأسست بعناية حكومة فرنسا تعد أم الجرائد العربية وباكورتهن. وقد انطفأ سراجها لدى انسحاب العساكر الفرنسية من مصر في 14 تشرين الأول 1801 وانكسارهم أمام جيوش تركيا وإنكلترا في الإسكندرية، وقد ورد ذكر هذه الصحيفة في مقالة عن صحافة الشرق بقلم الشيخ صالح اليافي منشئ جريدة «الرشيد» البيروتية (عدد 1، سنة أولى) حيث قال: «ولما دخل الفرنساويون مصر اتخذوا لهم وريقة ولكنها لم تدم.»
وكان إسماعيل بن سعد الخشاب محرر هذه الجريدة كاتبا بليغا وشاعرا أديبا بشهادة علماء عصره، وقد ترك ديوان شعر صغير الحجم جمع بعد وفاته بعناية صديقه العلامة الشيخ حسن العطار. وكانت وفاته في 2 ذي الحجة سنة 1230 الموافقة لسنة 1815 مسيحية. (2) الوقائع المصرية
بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر بقيت اللغة العربية محرومة من فوائد الصحافة، حتى قيض الله لها سندا قويا في شخص محمد علي باشا الكبير رأس العترة الخديوية، فما كادت قدم هذا المصلح العظيم ترسخ في وادي النيل بعد حروبه مع الإنكليز والوهابيين والسودانيين واليونان وغيرهم حتى صرف همته إلى توسيع نطاق المعارف بين سكان القطر المصري؛ فاشترى مطبعة يوحنا يوسف مرسال المذكورة وحسنها وزاد عليها. وهكذا أسس سنة 1822 مطبعة بولاق الشهيرة التي أدت خدما وافرة وجزيلة لجميع الناطقين بالضاد، وكان إلياس مسابكي الدمشقي من جملة العمال الذين اصطنعوا قاعدة الحروف البولاقية وخدموا فن الطباعة في مصر. ثم رأى محمد علي باشا أن الحاجة ماسة إلى إيجاد جريدة تقوم بنشر أوامر الحكومة وإذاعة إعلاناتها وسائر الحوادث الرسمية؛ فأنشأ في 20 تشرين الثاني 1828 بعناية الدكتور كلوت بك مؤسس مدرسة «قصر العيني» الطبية؛ جريدة «الوقائع المصرية» التي جعلها لسان حال الحكومة الخديوية، ولا تزال حية إلى الآن. وقد فوض إدارتها وتحريرها إلى العالم الكبير رفاعة بك ابن رافع الطهطاوي بعد عودته من باريس، حيث تلقى الدروس الكاملة على نفقة الحكومة المصرية. وكان رفاعة بك مؤسسا وناظرا لمدرسة الألسن؛ فنبغ من تلاميذه عدد وافر نهضوا بمصر نهضة تنطق بفضل الرجل وعظيم شأنه.
محمد علي باشا خديوي مصر؛ منشئ جريدة «الوقائع المصرية» في القاهرة.
هذا العلي محمد البطل الذي
دهشت له الدنيا وعزت مصره
صدق المؤرخ إذ روى في حقه
تفنى الدهور وليس يفنى ذكره
ظهرت الوقائع المصرية في أول عهدها في اللسان التركي فقط، ثم برزت في اللغتين العربية والتركية، ثم عادت تركية محضة ثم عربية خالصة ولم تزل. وهي تصدر الآن ثلاث مرات في الأسبوع في اثنتي عشرة صفحة متوسطة الحجم، وكانت قبل ولاية الخديو إسماعيل تصدر غير منتظمة فرتب أحوالها وجعل لها إدارة خاصة بها.
وقد تولى تحريرها بعد الطهطاوي كثير من أرباب الشهرة الواسعة في العلم وهم: أحمد فارس الشدياق اللبناني، وحسن العطار، والسيد شهاب الدين محمد بن إسماعيل المكي، والشيخ أحمد عبد الرحيم، والشيخ مصطفى سلامة، وصالح مجدي بك، والشيخ محمد عبده، وعبد الكريم سلمان، والشيخ سليمان العبد، وسواهم. أما إدارتها ومطبعتها فمنوطتان برجل إنكليزي كسائر المصالح المصرية. (3) المبشر
لويس فيليب الأول ملك الفرنسيس؛ مؤسس جريدة «المبشر».
صحيفة رسمية أنشأتها حكومة فرنسا في 15 أيلول سنة 1847 باللغتين العربية والفرنسية لعموم ولاية الجزائر في المغرب الأوسط، وكان ذلك في عهد الملك لويس فيليب الذي غزا بجيوشه البلاد المذكورة التي كانت خاضعة للأمير عبد القادر الجزائري الشهير، فشاء هذا الملك أن تكون لأهلها صحيفة خاصة بهم ترشدهم إلى سبيل العلم والحضارة والزراعة والتجارة والصناعة أسوة بسائر الدول الإسلامية سيما السلطنة العثمانية والخديوية المصرية، ثم صدر أمره الملكي بإخراج هذا الفكر إلى دائرة العمل، فكانت تصدر مرتين في الشهر بحجم صغير في ثلاث صفحات وفي كل صفحة أربعة أعمدة، وهي من حيث قدمة العهد ثالثة الجرائد العربية في العالم كله. ولهذه الجريدة مجموعتان إحداهما محفوظة في مكتب الإدارة والأخرى في خزائن المكتبة العمومية في عاصمة الولاية. وللمبشر ثلاثة أدوار أولها من يوم نشأته إلى سنة 1884، والثاني إلى سنة 1905، والثالث إلى الزمان الحاضر. وكانت عبارته ركيكة في بادئ الأمر ثم أخذت بالتحسين تدريجا حتى صارت صحيحة الإنشاء، وكانت تستعمل فيه أولا لفظتا «الرسائل الخبرية» بمعنى الجريدة، وبعد ذلك درج بدلا منهما استعمال «الورقة الخبرية» بالمعنى المذكور.
وأول الذين تولوا إدارته كان السيد أرنو
Arnaud
مدة ثلاثين سنة، وخلفه المستعرب الشهير ميرنت
Mirante
ثم
Labouthiére
ثم ميرنت للمرة الثانية وهو المدير الحالي. أما الذين تولوا كتابة القسم العربي في هذه الجريدة منذ البداية حتى الآن فهذه أسماؤهم مرتبة بحسب التاريخ واحدا بعد الآخر: أحمد البدوي إلى سنة 1886 وهو أقدمهم عهدا، ثم علي بن عمر، وعلي بن سماية، ومحمود وليد الشيخ علي، وقدور باحوم، وعلي ولد الفكاي، والحفناوي بن الشيخ، ومحمد بن مصطفى، ومصطفى بن أحمد الشرشالي، ومحمد بوزار، ومحمد بن بلقاسم. ونورد هنا نص المقدمة التي نشرها «المبشر» في صدر عدده الأول ليقف القراء على ما كان عليه إنشاء الصحف في عهد تكونها:
ورود الأخبار
من جميع الأقطار
5 شوال سنة 1263
1
15 شتنبر سنة 1847
مقصود المبشر
اعلموا يا مسلمين، أرشدكم الله، أن المعظم سلطان أفرانصه، نصره الله، اتفق له برأيه وقوع هذا مختصر لفايدتكم وخيركم وتواتر النعمة عليكم، والشاهد لكم في ذلك كل ما يدل على نعمتكم ومسراتكم هو بفؤاده، ويرضى لكم ما يرضى لنفسه، ولا سيما أنكم بمسكن قلبه كعزيز الرعية عنده. واعلموا أن سلاطين أجناس النصارى مهما أرادوا يعرفون الرعية بالأمور الواقعة يبعثون لهم رسايل خبرية كما هو معروف عند جميع الدول كسلطان إصطنبول وصاحب مصر، وهكذا مراد سلطان أفرانصه، نصره الله، الإعلام لكم بكل أمر صادر من البايلك؛ أي من أرباب دولته من تصرفات الجزاير وساير عمالتها لتتحققوا بسبب وقوع هذه الأمور، وباطلاعكم وفهمكم لما ذكر يظهر لكم من فعل هذه الدولة المنصورة العدل والإنصاف والسيرة على الطريقة المستقيمة. فلأجل ذلك أمر الأمير بورود هذا المبشر عليكم مرتين في كل شهر، وبه يعرفون الولات والأعيان السيرة مع الرعية، وكذا الرعية تعرف السيرة مع الأعيان والولات. وبهذا الإعلام يتضح لكم مراد هذا الدولة منكم، وأعيانكم يجدون سهولة في التصرفات عليكم، وأنتم تعرفون حدود أحكامهم عنكم بحيث لا تخشون من تعديتهم وجواز الحدود التي بينها السلطان الأعظم كما بمراده. ومع ذلك إن هذه الرسالة التي اسمها المبشر تطلق على أخبار وفوايد شتى. واعلموا أن جميع العلوم والصنايع أنواع لا يدركها الإنسان ويزداد في تعليمها إلا بعد معرفته بأنواعها؛ ولذلك أردنا أن نخبركم بجميعها لكي تزدادوا معرفة وعلما بها مهما تبدلت، ولأنكم تختارون ما أردتم منها على حسب بلدتكم، ليسهل عنكم تعليمها وتكثر لديكم فوايدها مع قلة خدمتها وتعبها. وكل ما يدل على ذلك بأرضكم من تجارة وفلاحة نعرفكم به، ونخبركم أيضا عن جميع أرزاق ثمار أشجاركم وجميع نبات زرع أرضكم ومعادنها، وكذلك غلة أموالكم؛ أي من مواشيكم الرقيقة والغليظة، وجميع ما تستخرجونه من الكسوة بصناعة أيديكم يجوز بيعه بأسواقنا، كذلك نخبركم بما ينتج من أرزاق أرضنا يجوز بيعه ببخس الثمن في أسواقكم لتحصل الألفة ويجري بدل البيع والشراء بيننا وبينكم، وأيضا الأخبار التي نعلمكم بها ليست على إقليم الجزائر فقط بل على جميع الأقاليم، وسعادة سلطان أفرانصة له معرفة ومحبة بالغة مع سلاطين الإسلام وهم: صاحب إصطنبول، وصاحب العجم، وصاحب الهند وصاحب مصر، وصاحب الغرب، وصاحب تونس. وثبوت المحبة بينه وبين هؤلاء الدول العظام معرفتهم بإحسانه وعظيم سطوته وقوته مدة مديدة. وسنخبركم بجميع ما يقع في هذه الدول المذكورة، ولا سيما بلغكم من الحجاج الذين يسافرون بتذكرة من عندنا لجميع القوانصة وهم وكلة سعادة سلطان أفرانصة الذين ببر مصر وبر الحجاز وجميع بر الشام. وإن تلك التذكرة المذكورة هي حمايتهم، وبها يعتزون، وفي ذلك فايدة عظيمة. وهذا يشهد لكم عن عظيم هذه الدولة الفرانصوية التي أنتم تحت حمايتها، معظمة عند جميع الدول وعلو رايتها مساو مع أفخر الدول. وأيضا لنا معرفة وتحقق بالمؤلفين والعلماء من سالف الزمان أكثرهم من عندكم، وعلماؤكم الأوايل هم الذين ألفوا علم التاريخ وعلم السير والأدب وعلم الشعر وعلم الفلك والفقه وعلم الديانة وساير العلوم. والآن في هذه الأخبار التي أنشأناها نذكركم ببعض مسائل كتبكم المذكورة التي هي الآن بعضها عندكم مفقودة. وأيضا آخر فوائد هذا المبشر الذي أنعمنا عليكم بإنشائه هو لما تعلموا بمقصودنا وجميع ما يجب عليكم من إجراء الحكم والتصرفات وتطلعون على هذه الأخبار يقصي عنكم بسبب ذلك كلام الوشات أهل الشيطنة، دمرهم الله، الذين يسعون لكم في الهلاك وجر البلاء إليكم منا سابقا لتخليطهم وكذبهم، ونبين لكم طريق الشرع بالعدل التي نسير نحن بها، كما نعلمكم بالفوائد التي تحصل لكم بها الألفة معنا؛ فهذا غرضنا ومقصودنا. والله هو المعين في أمورنا.
الفصل الثالث
أخبار الصحف من منتصف القرن التاسع عشر إلى فتنة بر الشام
سنة 1860
(1) مجموع فوائد
الدكتور عالي سميث؛ مؤسس مجلة «مجموع فوائد».
يا رئيسا قد غادر الحزن ينمو
في صميم القلوب والأكباد
أنت عال قصدت دار الأعالي
حسبما يقتضيه رأي السداد
مجلة سنوية أنشأها المرسلون الأميركان ببيروت في غرة عام 1851 ونشروها في مطبعتهم الشهيرة على يد زعيمهم القس عالي سميث. وهي باكورة كل المجلات التي ظهرت باللسان العربي وأقدمها عهدا على الإطلاق؛ فكانت مصدرة بتقويم الشهور الشمسية والقمرية، ومباحثها تدور على الشئون الدينية والعلمية والتاريخية والجغرافية وسواها من المواضيع المفيدة. وعام 1855 ظهر منها ثلاثة أجزاء ثم احتجبت فبلغ مجموع عدد صفحاتها 144 صفحة، وكان عالي سميث رجل اجتهاد وعلم وفضل، فإنه رتب أحوال المرسلين الأميركيين في سوريا، وأنشأ لهم المدارس العديدة وجهز مطبعتهم في بيروت بكل أدوات فن الطباعة الحديثة، وباشر مع الشيخ ناصيف اليازجي سنة 1849 ترجمة الكتاب المقدس الذي أنجزه من بعده الدكتور كرنيليوس فان ديك، ولما حلت وفاته في 11 كانون الثاني 1857 رثاه خليل الخوري صاحب «حديقة الأخبار» بقصيدة نورد منها هذين البيتين المنشورين تحت الرسم السابق. (2) أعمال الجمعية السورية
أنشئت الجمعية السورية عام 1847 في بيروت لنشر العلوم وتنشيط الفنون بين الناطقين بالضاد، وكان أعضاؤها من خيرة العلماء الوطنيين والأجانب الذين يشار إليهم بالبنان، فمن الوطنيين نذكر: الشيخ ناصيف اليازجي، والمعلم بطرس البستاني، والدكتور ميخائيل مشاقة، وميخائيل مدور، وشكر الله بن نعمة الله خوري، وسليم دي نوفل، وميخائيل فرج الله، ونعمة ثابت، وأنطونيوس الأميوني. ومن الأجانب نخص بالذكر: القس عالي سميث، والدكتور كرنيليوس فان ديك، والقس وليم طمسن، والمستشرق منصور كرلتي، والدكتور يوحنا ورتبات، ويوسف كنفاغو، وتشرتشل بك. وفي 6 كانون الثاني 1852 أنشأت هذه الجمعية مجلة باسمها وعهدت بكتابة مقالاتها إلى المعلم بطرس البستاني، وكانت مباحثها تشتمل على جميع المواد العلمية والفنية والتاريخية والتجارية والأدبية والفلكية والشرائع والاكتشافات والاختراعات العصرية وغير ذلك. وكان أكثر أعضاء الجمعية يساعدون المعلم بطرس في تحرير المجلة ويدون كل منهم ما يكتبه بتوقيعه كالشيخ ناصيف اليازجي أحد مؤسسيها وغيره. (3) مرآة الأحوال
جريدة أسبوعية سياسية أصدرها رزق الله حسون الحلبي سنة 1855 أثناء حرب القرم بين الدولة العثمانية وروسيا، وهي أول صحيفة عربية نشأت في عاصمة السلطنة وعاشت نيفا وسنة، فكانت تنشر وقائع الحرب المذكورة وأشياء أخرى عن أحوال بلادنا السورية، لا سيما لبنان وبعلبك وحاصبيا وغيرها. وقد تضمنت فصولا لا تخلو من تقبيح الأتراك والتنديد بأعمال الحكومة العثمانية؛ لأن حسون كان حر الأفكار، طويل الباع في الإنشاء، مر الهجو في الشعر كالفرزدق، فصمم الباب العالي على إلقاء القبض عليه؛ ففر هاربا إلى الروسية، فحكم عليه الأتراك حكما غيابيا بالإعدام. وقد نظم حينئذ بعض أبيات في الفخر خاطب بها دولة الأتراك، ونحن نورد منها هذين البيتين اللذين رواهما لنا محمد باشا المخزومي:
أنا ابن حسون رزق الله أشهر من
نار على علم والكل بي علموا
كرا وبلغهم عني مغلغلة
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم (4) السلطنة
عنوان جريدة سياسية صدرت عام 1857 في الآستانة لمنشئها المرحوم إسكندر شلهوب السوري الأصل. وهي ثانية الصحف العربية السياسية في عاصمة السلطنة وسائر الممالك العثمانية. وما كادت تظهر لعالم الوجود حتى عطلها صاحبها قبل بلوغها تمام السنة من عمرها، كما أفادنا أحد الأدباء من آل شلهوب. ومن غرائب الاتفاق أنه في 20 آيار 1897 ظهرت صحيفة مصورة كبرى في مدينة القاهرة عنوانها «السلطنة» واسم صاحبها «إسكندر شلهوب» أيضا، وقد أراد الثاني بذلك إعادة مجد تلك الصحيفة القديمة، وإحياء ذكر مؤسسها الذي كان له نسيبا، ومن أخص رجال الفضل. (5) حديقة الأخبار
صحيفة أسبوعية سياسية علمية تجارية تاريخية، برزت في غرة كانون الثاني 1858 على يد مؤسسها خليل الخوري اللبناني. وهي أول جريدة سياسية أنشئت في البلاد العثمانية خارجا عن عاصمة السلطنة. وكان خليل الخوري قبل إنشاء «حديقة الأخبار» عازما على تسمية جريدته «الفجر المنير»، وعرضها للاشتراك على أعيان بلادنا وأدبائها، وعلمنا ذلك من وثيقة محفوظة في بيت ميخائيل مدور ومذيلة بأسماء الذين بادروا إلى الاشتراك في الفجر المنير. إنما نجهل السبب الذي حمل خليل الخوري على تبديل هذا الاسم بحديقة الأخبار، وإليك نص الوثيقة المذكورة بالحرف الواحد:
إنه سيطبع في مدينة بيروت بمطبعة خصوصية مجموع حوادث عربي العبارة يحتوي على حوادث هذه البلاد وعلى الحوادث الخارجية مؤلفة ومترجمة من أحسن وأعظم جرنالات الأوروبا، وعلى فوائد علمية عامة وأحوال متجربة ليكون نافعا سائر طبقات الناس، وذلك بهمة جمعية مؤلفة من أحذق وأنبه رجال البلاد المؤلفين والمترجمين والمصححين الذين ستشهر أسماؤهم فيما بعد لا سيما جناب عمر أفندي الأنسي الحسيني وجناب الشيخ ناصيف اليازجي، وابتداء العمل يكون حين ورود الفرمان العالي بعد أخذ الأسماء اللازمة لهذه العملية، فنلتمس من كل مهذب يرغب نفع البلاد أن يشرفنا بوضع اسمه في هذه القائمة، وثمن هذا المجموع مائة وعشرون غرشا بالعام تدفع عند استلام أول عدد، وهو يطبع في كل أسبوع تحت إدارة كاتبه خليل الخوري واسمه الفجر المنير.
وكانت حديقة الأخبار المظهر الوحيد للرسائل العمومية والأنباء المفيدة وتنشيط الناس على إقامة المدارس وتعميم الزراعة وترويج الصناعة وتحسين التربية والأخلاق والعادات، وقد حافظت في جميع أدوار حياتها على مبدأ الاستقامة والعدل وحب النفع العام؛ ولذلك قرظها الأمراء والوزراء والعلماء شرقا وغربا بما تستحقه من المدح، كأمير الأمراء السيد حسين التونسي، والصدر الأعظم خير الدين باشا الشهير، ونذكر منهم السيد رينو أحد أعضاء المحفل العلمي الفرنسي ورئيس «الجمعية الآسيوية» وأستاذ اللسان العربي في باريس وحافظ المخطوطات الشرقية في مكتبة الدولة الفرنسية، فإنه تلا تقريرا مطبوعا أمام الجمعية المذكورة في 29 حزيران 1858 وخصصه بوصف «حديقة الأخبار» مشبها إياها بأعظم الجرائد الأوروبية، ثم ذكر ما كابده منشئها من العناء في تعريب الأوضاع المستحدثة في أوروبا وإيجاد ألفاظ عربية تقابلها وتؤدي معناها الحقيقي بكل أمانة، ومنهم السيد فليشر أحد أركان «الجمعية الشرقية الألمانية» وأستاذ اللغات الشرقية في كلية ليبسيك، فإنه تلا خطابين سنة 1858 وسنة 1859 على محفل هذه الجمعية ونشرهما باللغة الألمانية، وهما يتضمنان الثناء على أسلوب إنشاء حديقة الأخبار التي مثلها بلسان حال التمدن السوري.
خليل الخوري؛ مؤسس جريدة «حديقة الأخبار» وصاحب امتيازها الأول.
صحبي لكم مني التحية والثنا
فأنا لكم طول الزمان خليل
وكان أكبر عضد في إنشاء هذه الصحيفة القديمة العهد رجل الفضل والشهامة ميخائيل بن يوسف مدور من أعيان بيروت وترجمان قنصلية فرنسا فيها؛ ولذلك قرظه خليل الخوري في العدد الخامس بما يأتي: «قد جعل بمساعدته حديقة الأخبار أن تزهر برياض الشام وتجري من ثغر بيروت زلالا ترتشفه أبناء الوطن، وهي تكون مشروعا يؤمل بواسطته تقدم ونجاح المعارف والتهذيب في هذه البلاد.» ولا غرو فإن ميخائيل مدور من أعاظم نصراء الأدب.
ولما حضر فؤاد باشا إلى سوريا سنة 1860 خصص حديقة الأخبار بخدمة الحكومة واتخذها بمثابة جريدة نصف رسمية، وقد عين لصاحبها بإرادة سنية راتب شهري قدره عشرون ليرة عثمانية إعانة على نشرها حتى ظهرت جريدة «سورية» الرسمية، وفي 13 آب 1868 صدرت باللغتين العربية والفرنسية؛ لأن فرنقو باشا حاكم جبل لبنان جعلها الصحيفة الرسمية لحكومته بدلا من جريدة «لبنان» الملغاة، وبمقابلة ذلك نال منشئها ثلاثين ليرة عثمانية راتبا شهريا، وكان يساعده في تحريرها أخوه سليم الخوري مع سليم بن ميخائيل شحادة وغيرهما من الأدباء، وبعد أن قطعت حكومة الجبل عن حديقة الأخبار راتبها الشهري استمر خليل الخوري على نشرها لحسابه إلى آخر أيامه وعهد بتحريرها إلى أخيه وديع.
وعلى إثر وفاته في 26 تشرين الأول 1907 تحول امتياز الحديقة إلى أخيه المشار إليه، وقد أتيح لصاحب الامتياز الثاني أن يحتفل بيوبيلها الذهبي في 13 كانون الأول 1908 بحضور أركان الحكومة وأعيان المدينة ومشاهير حملة الأقلام فيها، وهو أول احتفال رسمي قامت به جريدة عربية تذكارا لمرور خمسين سنة على تأسيسها، فتليت الخطب البليغة والقصائد الشائقة التي نورد منها الأبيات الآتية لناظم عقدها داود بك نقاش:
هذي الحديقة طالما
أرجت بها غر الأزاهر
بعثت إلى الأدباء تن
شر من لها قد كان ناشر
هي أم كل جريدة
عربية وبها نفاخر
فالحر كل الحر من
في مدحها أبدا يجاهر
وأخو الكمال فتى علي
ه مذ بكت شقت مرائر
والصدق في تاريخه
لحديقة الأخبار شاكر
1908
وكانت حديقة الأخبار قد احتجبت عاما كاملا قبل وفاة مؤسسها لاعتلال صحته، فبقيت كذلك حتى أعاد نشرها صاحب الامتياز الثاني ومحررها بالاشتراك مع أخيه حنا الخوري، فأصدراها يومية في 18 كانون الأول 1908 تيمنا بافتتاح مجلس النواب للمرة الأولى بعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية، وقد ضمناها مقالات شائقة في السياسة والأخلاق، وفصولا مفيدة في تأثير النساء وتهذيب البنات، وهي مأخوذة من كتاب مطول لصاحب الامتياز الثاني عنوانه «المرأة زهرة الآداب» لم يطبع للآن. وفي 17 حزيران 1909 توقف إصدار الحديقة لاختلال طرأ فجأة على آلة طباعتها، ثم عادت إلى الظهور من 15 تشرين الثاني 1910 إلى 20 نيسان 1911 ولم تزل محتجبة حتى اليوم. أما الذين تولوا تحرير «حديقة الأخبار» مع صاحبي الامتياز فهم: ميخائيل مدور، ونقولا منسي، وسليم بن جبرائيل الخوري، وسليم شحادة، وسليم بن عباس الشلفون. وقد بلغ مجموع الأعداد التي صدرت منها منذ تأسيسها إلى حين احتجابها 2973 عددا.
حنا الخوري؛ مدير شئون جريدة «حديقة الأخبار».
وديع الخوري؛ صاحب الامتياز الثاني لجريدة «حديقة الأخبار».
وقد أنعم السلطان محمد الخامس على وديع الخوري بخاتم مرصع بالحجارة الكريمة تقديرا لمساعيه في سبيل الصحافة والوطن. ومن مآثره الأدبية أيضا ديوان شعر طبع قسم من قصائده في جريدتي التقدم وحديقة الأخبار ومجلتي الجنان والمقتطف. ومنذ بضعة أعوام شرع في تعريب رواية «تليماك» نظما، فحذا فيها حذو سليمان البستاني في تعريب «الإلياذة» للشاعر اليوناني هوميرس، وقد راعى فيه الأصل والمعنى كل المراعاة حتى جاءت ترجمته من أحسن ما يلقى بين أيدي المتأدبين وطلاب المدارس، ثم نظم تاريخا شعريا مفصلا عن الحرب العثمانية الإيطالية في طرابلس الغرب، وقد جعله قسمين؛ ينتهي أولهما بفاجعة بيروت في 24 شباط سنة 1912 عندما أطلق عليها الإيطاليان قنابلهم، ويتضمن الثاني بقية حوادث الحرب. (6) عطارد
صحيفة سياسية أنشئت عام 1858 في مدينة مرسيليا بفرنسا وهي تاسعة الصحف العربية، وقد أسسها المستعرب الشهير منصور كرلتي
Carletti
الذي درس اللغة العربية في بيروت، وكان عضوا في الجمعية السورية العلمية السابقة الذكر، وما عتمت أن توقفت عن النشر في سنتها الأولى، ثم ذهب صاحبها بعد ذلك إلى تونس حيث كلفه الباي محمد الصادق باشا بإنشاء جريدة «الرائد التونسي» كما سترى. (7) برجيس باريس
جريدة سياسية نصف شهرية ظهرت بتاريخ 24 حزيران 1858 في مدينة باريس لمحررها الكونت رشيد الدحداح اللبناني ومديرها الأب فرنسيس بورغاد رئيس مدرسة القديس لويس، وكان رسم النسر الإمبراطوري الفرنسي يعلو عنوان هذه الجريدة، التي تعد باكورة الصحف العربية بكبر حجمها وجودة حروفها وإتقان طبعها واتساع مواضيعها، وقد ذاعت شهرتها في الخافقين، وأقبل الأدباء على الاشتراك فيها من كل الأقطار العربية، كما يتضح من أسماء وكلائها وأماكن بيعها المنشورة في صدرها إلى جانبي العنوان؛ فكانت عبارتها فصيحة، ومباحثها مفيدة تتناول كل فن ومطلب. وقد قرظها بعض العلماء والشعراء الذين نذكر منهم الشيخ محمود قبادو التونسي إذ قال:
أيا مجريا في البحر شم بوارج
ويا منضيا في البيد قب الركائب
عليك ببرجيس الرشيد فإنه
كفيل بما تعنى له من عجائب
فما هي إلا لمحة من سطوره
وقد دارت الأخبار من كل جانب
فتروي لك الدنيا بعرض صحيفة
وتشهد من أنبائها كل غائب
وفي سنتها الرابعة عرضت للكونت رشيد الدحداح أشغال مهمة مع باي تونس محمد الصادق باشا ألجأته إلى تسليم الجريدة للشيخ سليمان بن علي الحرائري الحسني التونسي من مشاهير كتاب ذاك العصر، فتولى هذا تحريرها حتى احتجبت في السنة الخامسة من عمرها، وقد نشر فيها كتاب «قلائد العقيان للفتح بن خاقان» ثم «سيرة عنترة» وطبعهما على حدة. (8) الجوائب
صحيفة أسبوعية سياسية برزت في الآستانة بتاريخ شهر تموز 1860 لمنشئها أحمد فارس الشدياق اللبناني، الذي كان ينشرها في المطبعة السلطانية. وقد أرخ الحاج حسين بيهم البيروتي صدورها بهذه الأبيات:
إن الجوائب بالأخبار قد شهدت
بالسبق في كل ميدان لمعربها
من كل فاكهة زوجين قد جمعت
فطاب واردها من طيب مشربها
تجوب دوما جهات الأرض جالبة
أخبار مشرقها أرخ لمغربها
سنة 1278 هجرية
ومنذ السنة العاشرة أنشأ أحمد فارس مطبعة خاصة بها، وجهزها بكل أدوات فن الطباعة؛ حتى صارت تعد من أشهر المطابع في السلطنة العثمانية. وقد انتشرت الجوائب انتشارا عظيما في الشرق والغرب، ونالت شهرة واسعة لم تنلها جريدة سواها منذ ظهور الصحافة العربية حتى ذاك العهد؛ فكان يقرؤها سلاطين العرب وملوكهم وأمراؤهم وعلماؤهم في تركيا ومصر ومراكش والجزائر وتونس وزنجبار وجاوا والهند وغيرها. وقد ساعد السلطان عبد العزيز على توسيع نطاق هذه الجريدة لبث فكر الخلافة النبوية بين المسلمين المنتشرين خارجا عن الدولة العثمانية. وكان أحمد فارس يقبض كل سنة خمسمائة ليرة عثمانية من السلطان المشار إليه؛ لهذه الغاية. وكان كل من إسماعيل باشا خديو مصر ومحمد الصادق باشا باي تونس ينفحه بمثل المبلغ المذكور لأجل خدمة أفكارهما وترويج مصالح بلادهما.
وفي شهر تموز 1879 صدر الأمر بتعطيل الجوائب مدة ستة شهور؛ لامتناع مديرها من نشر مقالة أدرجتها جريدة «ترجمان حقيقت» التركية طعنا في إسماعيل باشا الخديو، ومقابلتة تلك المقالة بمقالة أخرى عنوانها «سفاهة الحقيقة» دفاعا عن أمير مصر. وكانت الجوائب محقة بدعواها؛ إذ ليس من قانون يجبرها على نشر مقالة لم تعط لها بصورة رسمية، وللحاج حسين بيهم في تعطيل الجوائب حينذاك وإعادة نشرها بيتان نوردهما بالحرف الواحد:
لئن حجبت شمس «الجوائب» برهة
فذاك لسر قد بدا خيره فينا
حكت قمرا حين احتجاب وقد بدت
كبدر بأنواع المعارف يهدينا
وبهذه المناسبة أيضا نظم كثير من الشعراء قصائد التهنئة لأحمد فارس بإعادة نشر جريدته، ونقتصر منها على ذكر الأبيات الثلاثة التي ختم بها حنا بك صعب قصيدته مخاطبا صاحب الجوائب:
وأرجعت للدنيا جوائب فارس
فسرت بها الأقطار من كل جانب
وفي عودها قد قلت فالعود أحمد
فأهلا وسهلا ذر بدر الثواقب
وها قد تلا الصعبي حنا بن أسعد
لأحمدها حمدا بقلب وقالب
وسنة 1882 قبض أحمد فارس من سفارة إنكلترا في الآستانة مبلغ ألف ليرة إنكليزية حتى يطبع صورة المنشور الذي صدر من الباب العالي بإعلان عصيان عرابي باشا لإثارته نار الفتنة في وادي النيل؛ فكان ذلك سببا لانكسار عرابي وسقوط اعتباره من عيون المسلمين عامة والمصريين خاصة.
وكانت الجوائب لا تخلو من المناظرات العلمية أو السياسية، بين صاحبها وبين أكبر علماء ذاك العهد؛ كالشيخ إبراهيم اليازجي، والكونت رشيد الدحداح، والشيخ إبراهيم الأحدب، والدكتور لويس صابونجي، والشيخ سعيد الشرتوني، والمعلم بطرس البستاني، ورزق الله حسون، ويوسف باخوس، وسواهم من أساطين الجهابذة. ومما يعاب على أحمد فارس خلطه المناظرة العلمية بالمقاذعة، ثم العدول عن البرهان إلى الطعن والذم والشتم، إلى ما شاكل ذلك مما يغض من مقام العالم، ويحط من قدر الكاتب. وأقدم تلك المناظرات وأشهرها هي المناظرة اللغوية التي جرت بين جريدتي الجوائب وبرجيس باريس؛ فاستفحل الأمر بهذا المقدار حتى توسط بينهما الشيخ العلامة عبد الهادي نجا الإبياري، فإنه أبدى حكمه في كراسة عنوانها «النجم الثاقب في المحاكمة بين البرجيس والجوائب» وكان كلامه فصل الخطاب، وعلى إثر ذلك نظم أحمد فارس قصيدته الدالية التي يقول فيها:
أبدى لنا في مصر نجما ثاقبا
لكن سناه بكل مصر هاد
فيه الفوائد والفرائد فصلت
موصولة البرهان بالإسناد
إن قال لم يترك لقوال مدى
أو صال هال وطال كل معاد
هو فيصل في الحكم يرضى فصله
من كان لم يقنع من الأشهاد
لولاه لم يقطع لسان المفتري
عني ولم يفصل جدال جلاد
فلذاك كان على الجوائب مدحه
حقا وإيجابا مدى الآباد
ولما مات الشيخ ناصيف اليازجي سنة 1871 رثاه أحمد فارس على صفحات الجوائب، وانتقده في معرض التأبين، وكان موضوع الانتقاد لفظة «فطحل» كأنها وردت في مقامات كتاب «مجمع البحرين» ساكنة الثاني وقد يكون ذلك غلطا مطبعيا، فانتصر الشيخ إبراهيم اليازجي لأبيه على صفحات مجلة «الجنان» لبطرس البستاني، فحمل عليه أحمد فارس وقابله بكلام جارح، فقام الشيخ إبراهيم ورد عليه ردا طويلا بليغا وضمنه بيتين دلا على أدبه الجم ونفسه الكبيرة:
ليس الوقيعة من شأني فإن عرضت
أعرضت عنها بوجه بالحياء ندي
إني أضن بعرضي أن يلم به
غيري فهل أتولى خرقه بيدي
1
ومن تلك المناظرات أيضا أن الشيخ سعيد الشرتوني انتقد كتابا لأحمد فارس يسمى «غنية الطالب ومنية الراغب» في الصرف والنحو وحروف المعاني، ثم جمع هذه الانتقادات في كتاب سماه «السهم الصائب في تخطئة غنية الطالب» وطبعه سنة 1874 في بيروت، وقد كبر هذا الأمر على صاحب الجوائب؛ فاستنجد الشيخين يوسف الأسير وإبراهيم الأحدب، فألف كل منهما ردا على الكتاب المشار إليه، ومع شدة ميلهما الى المستنجد لم يسعهما أن يفرا في كثير من المواضع من الإقرار بصوابية الانتقاد، وقد وقفنا على قصيدة شائقة رثى بها الشيخ سعيد الشرتوني مناظره أحمد فارس، نورد منها الأبيات الآتية:
إن المنية أنشبت بالكاتب
أظفارها فغدا صريع معاطب
قد كان يلعب بالعقول بيانه
لعب المدامة بالنزيف الشارب
ليس الجدال بمانعي عن حقه
وأرى رثاه اليوم ضربة لازب
أبقى الجوائب شاهدا من بعده
يقضي له بالفضل غير موارب
كانت عليها كالعيال جرائد
ترجو لقاها كالحبيب الغائب
كنا نود معاده ويوده
فأتى الحمام فحال دون رغائب
أرجو له عفو الإله وصفحه
والله أعلم بالجزاء الواجب
وبعدما لعبت الجوائب دورا مهما في سياسة الشرق نقلت إدارتها سنة 1883 إلى عاصمة القطر المصري بحيث خلفتها جريدة «القاهرة» ثم جريدة «القاهرة الحرة» اللتان سيأتي ذكرهما. وكان احتجاب الجوائب قبل وفاة منشئها بأربعة أعوام. وقد جمع سليم بن أحمد فارس أنفس ما نشرته هذه الجريدة من منثور ومنظوم، ثم طبعه في سبعة مجلدات سماها «كنز الرغائب في منتجات الجوائب». وكان سليم فارس الروح العاملة في هذه الجريدة الطائرة الصيت، وله اليد الطولى في تدبير شئونها وإدارة سياستها وتشغيل مطبعتها، وكانت المقالات الافتتاحية مدبجة ببراعة ومشتملة على أهم حوادث الكون. (9) نفير سوريا
هو اسم جريدة صغيرة ذات صفحتين أذاعها المعلم بطرس البستاني سنة 1860 بعد الحرب الأهلية في بر الشام، وقد جعلها على شكل رسائل وطنية تتضمن نصائح مفيدة لشد عرى الألفة بين السكان على اختلاف مذاهبهم كالإسرائليين والنصارى والمسلمين والدروز، ثم أوقف نشرها بعد استتباب الراحة في هذه البلاد وخلود الناس إلى السكينة. وظهر من هذه النشرة ثلاثة عشر عددا، موسومة بالنفير الأول والنفير الثاني حتى الأخير، بدلا من العدد الأول والعدد الثاني ... إلخ، كما جرت العادة. وقد أتحفنا خليل سركيس صاحب جريدة «لسان الحال» بفقرة منقولة عن «نفير سوريا» فأثبتناها هنا بالحرف الواحد:
يا أبناء الوطن!
إن الفظائع والمنكرات التي ارتكبها أشقياؤنا هذه السنة كسرت القلوب وأسالت الدموع، وعكرت صفاء الألفة وأضاعت حق الجوار، أما تمالح الجاران؟ أما شربتم ماء واحدا؟ أما تنشقتم هواء واحدا؟ أما رأيتم العقلاء ساعين في تشييد أركان الألفة ورفع منار العلم؛ رغبة منهم في ارتقاء البلاد وسعادة العباد؟ اعلموا أنكم بعملكم المنكر قد أرجعتم الوطن إلى الوراء نصف قرن ... إلخ إلخ. هدانا الله وإياكم إلى سواء السبيل.
الفصل الرابع
أخبار الصحف من فتنة بر الشام
سنة 1860 إلى سنة 1869
(1) الرائد التونسي
صحيفة رسمية أسبوعية تأسست في غرة محرم 1278ه/9 تموز 1861م على يد محمد الصادق باشا؛ الباي الثالث عشر للدولة التونسية. وهي باكورة الصحف الدورية التي ظهرت في القطر المذكور، رأى هذا الأمير أن الصحافة من أقوى دعائم العمران للممالك؛ إذ ثبت لديه بالاختبار ما نتج من الفوائد العظيمة بواسطة انتشار صحيفة «الوقائع المصرية» في وادي النيل وجريدة «المبشر» في الجزائر؛ فأراد أن يقتفي آثار هاتين الحكومتين المجاورتين لبلاده ويفتح عهد حكمه بمأثرة جليلة تعزيزا لشأن العلم وتمهيدا لأسباب الحضارة في الإمارة التونسية؛ فأنشأ جريدة «الرائد التونسي» على مثال الجريدتين المذكورتين لتكون لسان حال الإمارة، وقد صدرها بهذه العبارة «حب الوطن من الإيمان، فمن يسع في عمران بلاده إنما يسعى في إعزاز دينه.» التي جعلها شعارا لها، وتوصلا للغاية المقصودة استدعى لديه رجلا فرنسيا من مشاهير المستعربين يسمى منصور كرلتي صاحب جريدة «عطارد» سابقا في مرسيليا، ثم كلفه بإخراج هذا المشروع من حيز القوة إلى حيز الفعل؛ فقام منصور بمهمته أحسن قيام؛ إذ هيأ المطبعة ونظم أدواتها، وعلم العملة ترتيب الحروف، وكان يحرر بذاته أكثر فصول الجريدة ويساعد العمال في طبعها . وبعد استقالته من هذه الوظيفة خلفه الشيخ محمد السنوسي، ثم السيد محمد بيرم الخامس، والحاج حسن لازغلي وسواهم في كتابة هذه الجريدة القديمة وإدارتها، فقضى الرائد التونسي أدوارا مهمة نفقت فيها آداب الكتبة، وتخرجت فيها جماعة من حملة الأقلام لا تزال آثارهم تشهد لهم بكمال الاقتدار والبراعة. ومن جملة أولئك الكتاب خير الدين باشا التونسي؛ الصدر الأعظم الشهير الذي نشر على صفحات الرائد «فصولا سياسية تسترق الألباب ليست مذيلة باسمه» كما روى محمد الجعايبي صاحب مجلة خير الدين. وبعدما بسطت الحكومة الفرنسوية حمايتها على تونس خصصت هذه الجريدة بالشئون الرسمية والإعلانات الشرعية، ثم جعلتها نصف أسبوعية، وزادت عدد صفحاتها التي لا تقل الآن عن اثنتي عشرة صفحة. وللرائد قسم فرنسي أسبوعي يطبع منفردا عن النسخة العربية.
محمد الصادق باشا؛ الباي الثالث عشر على المملكة التونسية ومؤسس جريدة «الرائد التونسي».
الصادق العلم الحسيني الذي
به تونس حيطت بأعظم سور
إذ إنه الملك الذي أحيا لها
ربع المعارف بعد محض دثور
وقد روى جرجي زيدان في ترجمة أحمد فارس الشدياق المطبوعة في كتابه «تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر» أن أحمد فارس حرر في جريدة الرائد التونسي، والحال أن المشار إليه زار تونس قبل سنة 1857 ولم يعد إليها مرة ثانية، وكان ذلك قبل تأسيس الرائد التونسي بأربع سنين في عهد الباي أحمد باشا، وروى مثل ذلك الأب لويس شيخو في كتابه «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» فاقتضى التنويه؛ لأنه لما صدر «الرائد التونسي» كان أحمد فارس يحرر جريدة «الجوائب» في الآستانة التي لم يزايلها إلى أواخر أيامه. (2) أخبار عن انتشار الإنجيل في أماكن مختلفة
هي نشرة شهرية دينية مصورة يرتقي عهد أقدم أعدادها إلى غرة آذار 1863، أنشأها الدكتور كرنيليوس فان ديك الشهير من رؤساء المبشرين الأميركيين في سوريا. وهي تعد باكورة الصحف الدينية والمصورة معا في لسان العرب وسائر الألسنة الشرقية، وغرضها إذاعة أخبار المرسلين البروتستانت في أقطار العالم وتعميم انتشار الإنجيل بين القبائل المختلفة في الشرق الأدنى، فكانت تطبع أولا في صفحتين صغيرتين بقطع ربع، ثم نشرت في أربع صفحات حتى احتجبت في ختام سنة 1865 وأنشئت مجلة «النشرة الشهرية» بدلا منها، وكانت رسومها مطبوعة بغاية الإتقان، ويؤتى بقوالبها محفورة في أميركا. (3) نتائج الأخبار
عنوان لجريدة أسبوعية سياسية أنشأها السيد حسين المقدم في عاصمة الإمارة التونسية، وهي باكورة الصحف السياسية التي ظهرت في شمال أفريقيا من وادي النيل إلى المغرب الأقصى، فكانت تطبع بحجم صغير على مطبعة حجرية وتنشر أهم أخبار العالم شرقا وغربا. وروى لنا السيد الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» المعتبرة في تونس أن «نتائج الأخبار» ظهرت في نواحي سنة 1863 ولم يصدر منها سوى أعداد قليلة. (4) يعسوب الطب
مجلة طبية ظهرت في القاهرة سنة 1865 لصاحبيها محمد علي باشا الحكيم رئيس الأطباء بمصر، وإبراهيم الدسوقي. وهي أول مجلة من نوعها في اللسان العربي، شعارها «يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس» وكانت تطبع في مطبعة بولاق الأميرية بنفقة الحكومة المصرية، وقد دعيت بهذا الاسم إشارة إلى أنها تجني لمطالعيها من أزهار الطب ما يغنيهم عن مراجعة مطولات الكتب والمجلات كما يجني اليعسوب (أمير النحل) مواد العسل من زهور البساتين. ومنذ العدد السادس والعشرين انسحب إبراهيم الدسوقي من إدارتها؛ فتولاها محمد علي باشا وحده، ثم انضم إليه محمد إسماعيل منذ العدد الثاني والأربعين الصادر في 24 ربيع الآخر 1287، وصارت تصدر باسم كليهما. وما عدا المقالات الطبية التي كان ينشرها المديرون المشار إليهم فقد حرر في هذه المجلة كثير من الكتاب والكاتبات الذين نذكر منهم: أحمد ندا، وخليل حنفي، وحسن عبد الرحمن، والقابلة الشهيرة جليلة تمرهان.
وقد توفي محمد علي باشا في الحبشة سنة 1877 عندما رافق الأمير حسن باشا ابن الخديو إسماعيل باشا رئيس الحملة المصرية هناك، وترك بعض تآليف مفيدة، منها كتاب «غاية الفلاح في أعمال الجراح» وغيرها، وتولى رئاسة المدرسة الطبية ومستشفيات الحكومة وتخرج على يده كثير من مشاهير الأطباء المصريين، واشتهر بين أبنائه الدكتور أحمد باشا حمدي. (5) سورية
أحمد جودت باشا؛ مؤسس جريدة «فرات» في حلب .
جريدة أسبوعية رسمية صدرت في 19 تشرين الثاني 1865 بعناية راشد باشا والي ولاية سورية، وهي تظهر في أربع صفحات كبيرة، نصفها تركي يكتب بقلم مكتوبي الولاية، والنصف الآخر عربي يقوم بتحريره أحد الكتبة الدمشقيين الذين نعرف منهم أديب نظمي صاحب جريدة «الكائنات» حالا، ومحمد كرد علي صاحب مجلة «المقتبس» وجريدة «المقتبس» أيضا. وليس لهذه الجريدة «سورية» شأن في عالم الإنشاء والآداب والسياسة؛ لأنها مختصة بنشر أوامر الحكومة ونظاماتها، والحوادث الرسمية في الولاية من عزل ونصب، مع إعلانات دوائر الحكومة، وهي ما برحت حتى اليوم بإدارة مدير تحريرات الولاية.
وأول من رتب أحوالها ونظم مطبعتها كان خليل الخوري اللبناني منشئ جريدة «حديقة الأخبار» البيروتية، فلما انتظمت شئونها تركها بعدما تخرج على يده بعض العمال الماهرين، وآخر الذين تولوا إدارتها مصطفى واصف صاحب امتياز جريدتي «الشام» و«السكة الحجازية» سابقا. (6) الشركة الشهرية
مجلة شهرية أنشأها يوسف بن فارس الشلفون في غرة كانون الثاني 1866 بقطع صغير، ونشرها في المطبعة العمومية، وكان كل جزء منها تبعا لرتبته العددية يعرف بالشهر الأول والشهر الثاني والشهر الثالث، بدلا من الجزء الأول والجزء الثاني والجزء الثالث ... إلخ. فعاشت هذه المجلة ثمانية شهور ثم احتجبت لقلة مباحثها وعدم إقبال القوم على مطالعتها؛ لأن منشئها اقتصر على أن ينشر فيها نبذا من كتب الأقدمين أو قصصا مترجمة عن كتبة الإفرنج المحدثين، فأجزاؤها الثلاثة الأولى تضمنت نبذة من تاريخ «يوسيفوس بن كربون» اليهودي، ونشرت في الرابع والخامس قصة «منتوكريستو» لإسكندر دوماس مترجمة بقلم سليم صعب، وحوى السادس نبذة في «تهذيب الأخلاق» لأبي زكريا بن عدي، وطبع في السابع ديوان السلطان خليل الأشرف، وظهرت في الجزء الثامن والأخير «لامية العجم» للطغرائي. (7) النشرة الشهرية
هو اسم لجريدة شهرية دينية مصورة ذات ثماني صفحات صغيرة، أنشأها الدكتور كرنيليوس فان ديك، وقد ظهر عددها الأول في غرة كانون الثاني 1866 على أنقاض الصحيفة المسماة «أخبار عن انتشار الإنجيل في أماكن مختلفة» المار ذكرها، وكانت الغاية من إصدارها بث تعاليم المذهب البروتستانتي، مع إذاعة أخبار المبشرين به وأعمالهم بين الشعوب الناطقة بالضاد، فكان يحرر فيها قسوس الطائفة الإنجيلية وأبناؤها كالدكتور المشار إليه، والمعلم شاهين سركيس، وأخيه المعلم إبراهيم سركيس، والأستاذ رزق الله برباري وسواهم، وبعدما عاشت خمس سنين كاملة خلفتها عام 1871 جريدة «النشرة الأسبوعية» التي لم تزل حية إلى الآن، وفي العام الأخير من عمرها جرى بينها وبين مجلة «المجمع الفاتيكاني» الخاصة بالآباء اليسوعيين جدال يتناول بعض المسائل المختلف عليها بين الكاثوليك والبروتستانت، وكانت هذه الجريدة مكتوبة بعبارة بسيطة ملائمة لأهل ذلك العصر خاصتهم وعامتهم. (8) وادي النيل
هو عنوان مجلة سياسية علمية أدبية أنشأها سنة 1866 عبد الله أبو السعود ناظر المدرسة الكلية التي أسسها محمد علي باشا الكبير في القاهرة، وهي أول صحيفة عربية تناولت هذه المباحث في القطر المصري، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع مكتوبة بعبارة صحيحة وأفكار راقية وذوق سليم، ولا غرو فإن أبا السعود اشتهر بين علماء زمانه بفنون الإنشاء شعرا ونثرا، وعاشت جريدة «وادي النيل» اثنتي عشرة سنة حتى تعطلت عام 1878 بوفاة صاحبها، وكان الخديوي إسماعيل من أكبر المساعدين لها؛ لأنها كانت تخدم أفكاره بإخلاص تام واعتدال المشرب من دون أن تتعرض في جميع مباحثها للشئون الدينية. (9) فرات
صحيفة أسبوعية رسمية أسسها الوزير الخطير والمؤرخ التركي الشهير جودت باشا والي حلب سنة 1867م/1284 هجرية، وخصصها بنشر أخبار الولاية المذكورة وأوامر الحكومة وإعلاناتها، وكانت تطبع أولا في اللسانين العربي والتركي ، ثم أضيف إليهما في السنة الثانية قسم ثالث باللغة الأرمنية، فدام سنة ونصف سنة. وهي الآن تنشر فقط باللغتين الأوليين؛ أي العربية والتركية. وبعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية سنة 1908 اتسع نطاق مباحثها وتحسنت عبارتها وأخذت تنشر المقالات المفيدة سياسيا واجتماعيا وزراعيا واقتصاديا لمنفعة قرائها، وبعد أن كان لا يطالعها سوى أرباب المصالح ورجال الحكومة صارت كسائر الجرائد السيارة يقرؤها التاجر والكاتب والصانع والزارع والكبير والصغير. وأول من تولى كتابة قسمها العربي كان أحمد مصطفى زاده، وقد خلفه السيد عبد الرحمن الكواكبي الشهير مدة خمس سنين، ثم تولاها الشيخ كامل الغزي، وغيرهم، حتى انتهت اليوم كتابة القسم المذكور إلى حنفي أفندي، أما إدارتها وشئون مطبعتها فمتعلقة بجبرائيل برغود منذ سنين عديدة. (10) المشتري
فرنسيس مراش؛ منشئ المقالات الشائقة في «الجوائب» و«المشتري» و«المجمع الفاتيكاني» و«البشير» و«النحلة» و«الزهرة» و«الجنان» و«الجنة» و«مرآة الأحوال» و«النشرة الأسبوعية».
أنا لا أرى في الأرض شيئا يروقني
لذلك نور العمر عندي ناره
أيطربني هذا الزمان وكله
عراك على الدنيا يثور غباره
هو عنوان لجريدة سياسية كانت تنشر في باريس أثناء معرضها العام سنة 1867 في عهد نابليون الثالث إمبراطور الفرنسيس، واسم صاحبها مجهول لدينا على رغم ما بذلناه من التنقيب لمعرفته، وإنما يترجح عندنا أن منشئها كان الكنت رشيد الدحداح اللبناني الذي كان مقيما حينئذ في عاصمة فرنسا، ولا شك أنها كانت على جانب عظيم من الفائدة والمكانة؛ لأن الشاعر الحلبي الكبير فرنسيس بن فتح الله مراش أطراها، وقد وصفها بهذه الأبيات:
لي عين تظل جنح الدياجي
ترقب المشتري فيا سعد عيني
كوكب قد غدت أشعته أخبا
ر صدق ما شابها من مين
فمن الغرب قد بدا وللقيا
ه غدا الشرق باسط الراحتين
يرشد الناس للتمدن والتهذ
يب فهو الآتي من النوعين
فيه شمل الأخبار يحكي الثريا
فإليه يشار بالكفين (11) أعمال شركة مار منصور دي بول
ميخائيل فرج الله؛ مدير مجلة «أعمال شركة مار منصور» وأحد مؤسسيها.
مجلة شهرية ظهرت في غرة حزيران 1867 بعناية شركة القديس منصور دي بول في بيروت، وتولى إدارتها أحد مؤسسيها الطيب الأثر ميخائيل بن نقولا فرج الله، فكانت تنشر أخبار الشركة المذكورة، وميزانية حسابها السنوي، وخلاصة وقائع جلساتها العمومية، مع أنباء سائر فروعها الممتدة في أنحاء المعمور. وكان يحرر فصولها كرما منهم نخبة من آل الفضل والأدب كالخوري يوسف البستاني، والشيخ حبيب ابن الشيخ ناصيف اليازجي، وأنطون عيد الصباغ، وسليم بك تقلا، ودرويش تيان، وسواهم. واستمرت هذه المجلة على خطتها الشهرية حتى كثرت الصحف في بيروت؛ فصارت تصدر منذ مطلع السنة 1874 مرة كل ثلاثة شهور، ثم أبطلت بعد زمن قليل حتى قيض للشركة أن تنشر برنامجها السنوي عام 1898 عندما تولى رئاستها كاتب هذه السطور، فاقترح على مجلس شورى الشركة أن يوضع لها تاريخ يتضمن شتات أخبارها وحوادثها منذ نشأتها حتى ذاك العهد؛ فاستحسن المجلس هذا الرأي، وعين بتاريخ 11 كانون الثاني 1898 لجنة مؤلفة من فيليب دي طرازي رئيس الشركة، وأنطون شحيبر نائب الرئاسة، ونقولا قماطي، وخليل يارد، وشكري غلاييني، والمرحوم نجيب حبيقة؛ للقيام بهذا العمل. ولما كان يستحيل على أعضاء اللجنة الاجتماع بنظام لكثرة أشغالهم فوضوا إلى الرئيس المشار إليه أن يضع تاريخا جامعا لأخبار الشركة؛ فلبى الطلب بكل ارتياح، وكانت اللجنة تصدق على كتاباته بعد تدقيق النظر في محتوياتها؛ حتى أنجز العمل الذي جاء وافيا بالغاية المقصودة والضالة المنشودة. هكذا انتشر تاريخ جمعية مار منصور الذي أحيا آثار أعضائها والمحسنين إليها، ووفاهم نصيبهم من الثناء بمكيال الحق والعدالة. ولبث الرئيس بعد ذلك معتنيا بكتابة برنامج الشركة سنة فسنة مدة ثمانية أعوام متوالية حتى تنازل برضاه واختياره عن الرئاسة، عندما احتفلت الشركة سنة 1910 بيوبيلها الذهبي عينت لجنة لطبع برنامج هذه السنة وكان نقولا قماطي أحد أعضائها، فاستقل وحده بالعمل، ونسب لنفسه دون سواه وخلافا للحقيقة؛ تأليف التاريخ المذكور آنفا، ثم ضرب صفحا عن إيراد مآثر كثير من ذوي الفضل الذين سطرت لهم الشركة أعمالا تذكر فتشكر؛ بحيث جاهدوا الجهاد الحسن. فدفعا للالتباس وجب الإلماع إلى ذلك على سبيل إظهار الحقيقة، وهنا نورد نص الرسالة الرسمية التي وجهتها الشركة للرئيس المشار إليه بعد استقالته، وحسبنا بها برهانا قاطعا لفصل الخطاب في هذه القضية، وهاك نصها بالحرف الواحد:
جناب الفاضل الهمام الفيكونت فيليب دي طرازي الأفخم رئيس شركة مار منصور دي بول سابقا
أيها الأخ المحترم
إن استقالتكم من رئاسة شورى شركة القديس منصور دي بول في بيروت كان لها تأثير محزن ومؤثر للغاية في نفوس جميع إخوانكم أبناء هذه الشركة المحبوبة لا سيما أعضاء شوراها، فإنهم يذكرون بالشكر والافتخار ما لكم في سبيلها من الأيادي البيضاء من يوم انضوائكم تحت لوائها وخصوصا أثناء رئاستكم العامة عليها مدة ثماني سنين متوالية، نعم أيها الأخ المحترم لقد أحييتم رسوم مؤسسي الشركة وجمعتم آثار الأولين من أعضائها الذين أتوا في جادتها ونهضتها كل أثر يذكر فيشكر، ثم سعيتم في تجديد برنامجها السنوي وعنيتم بأوقافها ومدارسها وجمعياتها واحتفالاتها وسائر مصالحها الخيرية، قائمين بكل استحقاق بالمهمة السامية التي تقلدها أسلافكم الرؤساء الأفاضل الذين طابوا أثرا وذكرا وهم: يوسف برطالس الشريف نسبا، وبطرس ديشان الملتهب غيرة، وبشارة خوري المتدفق كرما؛ فأحرزتم جميع هذه الصفات المعتبرة، كما أنكم توفقتم إلى استدرار البركات الروحية والإمدادات الزمنية من لدن الأحبار الأعظمين ورؤساء الطوائف الكاثوليكية وسراة القوم، فضلا عن التبرعات السخية والخدم الجليلة التي بذلتموها حبا بالشركة التي تذكر لكم أيضا ما امتزتم به من علو الهمة وشهامة النفس ونبل المقاصد وسائر المناقب الفريدة. وفي الحقيقة أنكم جاهدتم في سبيل نجاحها جهادا حسنا حتى إنكم نلتم ثناء الجميع وصارت الشركة في عهد رئاستكم تتفاخر وتتباهى بين سائر الجمعيات الخيرية بانتظام أحوالها ونمو وارداتها واتساع دائرة أعمالها المبرورة.
وبناء عليه فمجلس الشورى في جلسته المنعقدة في مساء اليوم الرابع من شهر تموز الغابر قد أقر على كتابة هذا الرقيم معلنا شكره الحميم لجنابكم، ومعربا عن أسفه الشديد لاستقالتكم من منصب الرئاسة، وبرهانا على ما سبق ذكره، رأينا أن نزين قاعة الاجتماعات برسمكم الكريم الذي سيبقى أثرا خالدا يذكرنا بمساعيكم المحمودة وغيرتكم الوقادة. وفي الختام نتوسل إلى الله سبحانه أن يوفق أموركم ويوليكم مع أسرتكم العزيزة سوابغ النعم وقرائن القسم، وأن يمد بحياتكم الثمينة ويجعل التوفيق لكم أليفا والسعد حليفا والهناء ملازما والزمان خادما بمن الله سبحانه وكرمه.
صدر عن مركز الشركة ببيروت في 3 آب 1906 (مكان الختم)
أمين الصندوق
كاتب الوقائع
الرئيس
حبيب فرنسيس نادر
شكري غلاييني
أنطون شحيبر (12) لبنان
داود باشا؛ مؤسس جريدة «لبنان» الرسمية.
صحيفة أسبوعية رسمية، أنشأها داود باشا حاكم جبل لبنان سنة 1867 لخدمة مصالح الحكومة اللبنانية وإذاعة أوامرها وإعلاناتها. وقد نشرها في أربع صفحات حسنة التبويب لطيفة الحروف، نصفها عربي العبارة ونصفها الآخر فرنسي، وطبعها في المطبعة التي أتى بها إلى «بيت الدين» مركز الحكومة الصيفي، وانتدب لتنظيمها رجلا بيروتيا ذا همة كبيرة يدعى يوسف الشلفون، فرتب داود باشا للجريدة مكتبا مخصوصا وإدارة منتظمة على نسق الجرائد الكبرى في الدول المتمدنة، وجعل لها مراسلين في جميع الجهات، وكان كل عدد منها يتضمن خلاصة سياسية بوجه الإجمال ثم أنباء الحوادث الخارجية والأخبار الداخلية وغيرها. وقد تولى كتابة قسمها العربي أولا صاحب السيف والقلم حنا بك صعب، ثم خلفه حبيب خالد الحلو، ثم الأستاذ الشهير إلياس بك حبالين الذي صار فيما بعد رئيس قلم الترجمة في مجلس نظار مصر. أما قسمها الفرنسي فكان يحرره فرنسيس دياب رئيس القلم الأجنبي في الحكومة اللبنانية. وكانت هذه الجريدة متقنة الطبع، فصيحة العبارة، كبيرة الحجم، تعد من أهم صحف ذاك العهد، وبعدما عاشت عامين كاملين عطلها فرنقو باشا حبا للاقتصاد، واتخذ جريدة «حديقة الأخبار» البيروتية بدلا منها، لكنها بعد أربعين سنة عادت إلى الظهور في 25 كانون الثاني 1909 بعناية يوسف باشا المتصرف السابع على جبل لبنان ونجل فرنقو باشا المشار إليه، وقد تعين بولس زين محررا فيها ومديرا لشئونها. وهي الآن مكتوبة باللغة العربية فقط وتطبع في «بعبدا» ولا تنشر سوى الإعلانات الرسمية وأوامر الحكومة، وقد نظم حنا بك صعب قصيدة في مدح داود باشا لدى إنشاء مطبعة «بيت الدين» جاء في مطلعها :
في عصر داود مولانا المشير لقد
جادت سواجعنا في كل تغريد
مولى له الراية البيضاء في ملأ
غيث وغوث لظمآن ومنكود
وقال في آخرها:
كانت جوائبنا بالحزن منبئة
والآن تنبي بسر كل تهجيد
لذاك فرض علينا الدهر ننشدها
في حمد مولى سليم القلب داود
أنباء شكر على إيجاد مطبعة
في طود لبنان لا زالت بتجديد
إن تتل مدحا بتاريخ ترق جمل
راج لداود تأييدا بتأييد
1867 (13) مجموعة العلوم
مجلة تشتمل على أعمال «الجمعية العلمية السورية» في بيروت، وعلى مباحث عمومية كالزراعة والصناعة والتجارة والتاريخ والشعر وسائر المواضيع العلمية، نشأت في 15 كانون الثاني 1868 بعناية الجمعية المذكورة، وكان صدورها مرة في الشهر، يختلف باختلاف أوقات التئام الأعضاء، فظهرت منها في السنة الأولى عشرة أعداد، وفي السنة الثانية سبعة أعداد، آخرها في 25 آيار 1869 ثم احتجبت. وقد قرظها سليم رمضان مؤرخا افتتاحها بهذين البيتين:
قلت للدهر والنجاح تبدى
قمر في بلادنا السورية
أي يوم يتم ذا قال أرخ
يوم فتح الجمعية العلمية
سنة 1284 هجرية
وغرض هذه الجمعية تنشيط المعارف وتعزيز شأن الآداب وزيادة انتشار المدارس لتنوير أذهان الشعب وارتقاء الأمة في معارج الفلاح، وكانت عمدتها مؤلفة من الأدباء والأعيان الآتي ذكرهم: (الرئيس) الأمير محمد ابن الأمير أمين أرسلان، (المميزون) الحاج حسين بيهم، وسليم البستاني، وحنين الخوري، (أمين الصندوق) رزق الله خضرا، (المصححان) المركيز موسى دي فريج وسليم رمضان، (الكاتبان) عبد الرحيم بدران وسليم شحادة، (مدير الأشغال) حبيب جلخ، (أمين المكتبة) يوسف الشلفون، وفي 20 كانون الثاني 1869 انتخبت الجمعية عمدة جديدة فأصابت الرئاسة الحاج حسين بيهم، وعين سليم البستاني لنيابة الرئاسة، وانضوى تحت لواء هذه الجمعية كثير من الوزراء والأعيان وحملة الأقلام في بيروت والآستانة ودمشق وحمص وحماة ولبنان وطرابلس واللاذقية وبعلبك وصيدا وصور وعكا وحيفا ويافا والقدس وحلب والقاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن الشرقية، وإليك أسماء البعض منهم:
فؤاد باشا الصدر الأعظم سابقا، يوسف كامل باشا رئيس المجلس العالي، كامل باشا الصدر الأعظم سابقا، مصطفى فاضل باشا، محمد رشدي باشا وزير المالية، صفوت باشا وزير المعارف ، فرنقو باشا حاكم جبل لبنان، جميل باشا سر قرناء الحضرة السلطانية، راوف باشا باش ياور حرب الحضرة السلطانية، أمين بك رئيس كتاب السلطان عبد العزيز، مرزا حسين خان سفير إيران، البارون قراندل سفير بلجيكا في الآستانة، إسكندر كاتسفليس قنصل روسيا، وأنطونيوس يني قنصل الولايات المتحدة في طرابلس، الدكتور شبلي أبيلا قنصل أميركا في صيدا، الدكتور ميخائيل مشاقة قنصل أميركا في دمشق، المطران مكاريوس حداد، الكونت نصر الله دي طرازي، حبيب باشا مطران، أحمد باشا أباظة، الأمير سعد شهاب، الأمير مصطفى أرسلان، الأرشيمندريت غبريل جبارة، خليل الخوري، خليل غانم، الشيخ إبراهيم اليازجي وأخوه الشيخ حبيب، سليم بك تقلا، حبيب بسترس، المعلم جرجس زوين، الشيخ خطار الدحداح، عبد القادر الدنا، إلياس بك حبالين، جبور بك رزق الله، إسكندر بك التويني، السيد نصري كيلاني، نقولا بك مدور، حنا بك أبكاريوس، الدكتور يوحنا ورتبات، سعيد بك تلحوق، الدكتور ملحم فارس، الدكتور سليم فريج، إبراهيم فخري بك، خليل أيوب، أسبر شقير، إبراهيم يعقوب تابت، بشارة زينية، إلياس صالح، خطار البستاني، جرجس مرزا، جرجس نحاس، قيصر بك نوفل، أسعد خلاط، قيصر كاتسفليس، سليم طراد، أيوب تابت، سليم أبو أحمد، جبرائيل أسبر، ديمتري شلهوب، نقولا بحري، أنطون الشامي، جبور نمور، علي بك حمادة، عبد النجيب الأيوبي، المعلم إلياس كركبي، يوسف الجلخ، حبيب نوفل، يوسف باخوس، جرجس الجاهل، شاكر شقير، سليم الخوري، ضاهر خير الله، وغيرهم.
المركيز موسى دي فريج؛ أحد مؤسسي مجلة «مجموعة العلوم» الخاصة بالجمعية العلمية السورية.
وخلفت لنا هذه الجمعية المعتبرة آثارا جليلة تشهد لأعضائها بطول الباع في العلوم الحديثة والقديمة، وفي هذا المقام نورد شيئا من مآثرهم تخليدا لذكرهم الحسن وعبرة لسواهم: «أرجوزة على افتتاح الجمعية» نظمها حسين بيهم وهي تتضمن 151 بيتا، خطبة في «فوائد العلم» للأمير محمد أرسلان، مقالة في «احتياجات العقل» وتاريخ «حياة سقراط» وخطبة في «الزراعة» ومقالة في «تاريخ التمدن الأوروبي» لحنين الخوري، وقصيدة في «الحث على التقدم» وخطبة موضوعها «الطب القديم» بقلم الشيخ إبراهيم اليازجي، وخطبة في «التجارة» ومقالة موضوعها «التمدن» أنشأهما المركيز موسى دي فريج، ونبذة مدارها «علم الطبيعيات وتصوير الشمس» بقلم يوسف الجلخ، وخطبة في «معرفة أعضاء جسم الإنسان ووظائفها» للدكتور ملحم فارس، ومقالة في «الموسيقى» لسليم رمضان، ونبذة عن «حالة العلم» لسليم شحادة، وخطبة في «الاحتياج إلى التمدن» ألقاها إبراهيم يعقوب تابت، ومقالة في «الدم ودورته» كتبها سليم دياب، وقصيدة في «الحث على الاجتهاد» نظمها المعلم ضاهر خير الله، وخطبة في «تاريخ سوريا» أنشأها المعلم جرجس زوين، ومقالة في تاريخ «هارون الرشيد» لعبد الرحيم بدران، ومنها «رسالات سينكا الفيلسوف الروماني» بقلم سليم شحادة، وخطبة موضوعها «الخرافات اليونانية» ليوسف الشلفون. (14) رجوم وغساق: إلى فارس الشدياق
هو عنوان لمجلة جدلية صغيرة صدرت عام 1868 في لندن لمنشئها رزق الله حسون الحلبي مؤسس جريدة «مرآة الأحوال» في الآستانة، غرضها الرد على أحمد فارس الشدياق صاحب جريدة «الجوائب» لإطالة لسانه وتحريك قلمه بالسفاهة في حق رزق الله حسون، فاشتد الجدال بهذا المقدار حتى انتقلت المناظرة بينهما إلى المشاتمة والمهاترة. وكانت كتابات كليهما وردود الواحد على الآخر مشحونة بالهجو المر والطعن الموجع؛ ولذلك يسوءنا أن نسطر أخبارا كهذه على صفحات التاريخ عن رجلين كبيرين يفتخر اللسان العربي بآثارهما الصحافية، وقد احتجبت هذه المجلة بعد صدور عدديها الأولين. (15) الزوراء
صحيفة رسمية أنشأها سنة 1868 مدحت باشا عندما كان واليا على بغداد، وقد جعلها لسان حال الولاية المذكورة لنشر الأخبار والأوامر والإعلانات في اللغتين العربية والتركية، وهي أول جريدة ظهرت في العراق بمساعي زعيم الأحرار العثمانيين. أما الذين حرروا قسمها العربي فمعارفهم متباينة جدا؛ لأن عبارتها بلغت تارة مناط العيوق في الفصاحة والبلاغة، وطورا انحطت إلى الحضيض في الركاكة والسخافة، وهذا أجلى دليل على تباين طبقات محرريها في صناعة الإنشاء. ولما كانت القيود القديمة لهذه الجريدة قد احترقت فلم نعثر إلا على أسماء الذين تولوا إدارتها وكتابة فصولها من سنة 1877 وهي: حسن أزوم (1294-1299ه) زهيد أفندي (1299-1313ه) إسماعيل أفندي (1313-1317ه) أحمد فهمي (1317-1319ه) فهمي أفندي (1319-1321ه) عباس حمدي (1321-1323ه) فهمي أفندي (1323-1326ه) عبد الوهاب أفندي (1326ه ). (16) نزهة الأفكار
صحيفة سياسية أسبوعية ظهرت في القاهرة سنة 1869 لصاحبيها ومحرريها إبراهيم بك المويلحي ومحمد عثمان بك جلال، فما كاد هذان الشريكان الفاضلان يتفقان على إصدارها حتى تعطلت بعد ظهور العدد الثاني منها، ودخلت في خبر كان. ويعزى السبب في ذلك إلى شاهين باشا الذي أبدى للخديو تخوفه من أنها تهيج الخواطر وتبعث على الفتن؛ فصدر أمر إسماعيل باشا بإلغائها.
وقد ترك محمد عثمان جلال بعض تآليف نذكر منها «السياحة الخديوية» التي كتبها عندما رافق الخديو توفيق الأول في رحلته إلى جهات القطر المصري، ثم نقل من اللسان الفرنسي رواية «بول وفرجيني» إلى اللسان العربي، ونظم بالشعر العربي أمثال لافونتين الشاعر الفرنسي وجمعها في كتاب سماه «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ» ثم طبعه. ومات في 16 كانون الثاني 1898 بالغا السبعين من العمر، أما إبراهيم بك المويلحي فسننشر ترجمته في محل آخر.
الفصل الخامس
أحوال الصحافة العربية في الحقبة
الأولى وأمثلة من كتاباتها
إلى هنا انتهى الدور الأول من تاريخ الصحافة التي رافقناها من مهد الولادة على ضفاف النيل إلى عهد الطفولة على ساحل البوسفور، ثم أخذت بالنمو تدريجا على سنة الارتقاء الطبيعي حتى عم انتشارها في أهم العواصم والبلدان شرقا وغربا، وإذا قابلنا حالة صحفنا مع مثيلاتها في سائر الممالك الراقية في دورهن الأول نرى بين الفريقين بونا كبيرا؛ لأنه رغما من قلة العارفين بالقراءة في لغتنا العربية نشأت لدينا 27 صحيفة في مدة سبعين عاما، وهو عدد لم تسبقنا إليه دولة عند تكون صحافتها بين سائر الدول المشهورة بتقدم العلوم وميل الناس فيها إلى مطالعة الصحف، والذي يقضي بالعجب العجاب هو أنه بين جميع الجرائد والمجلات التي ذكرنا أخبارها لم تنشأ منها صحيفة واحدة في البلاد العربية الصميمة، بل صدرت بأسرها إما في الممالك الأجنبية وإما في الأقطار التي افتتحها العرب بعد ظهور الإسلام.
وكانت صحافتنا في بداية أمرها ضعيفة الأفكار، ركيكة التعابير، سقيمة الطبع، خالية من تبويب أبحاثها، بوجه الإجمال إلا ما ندر، ولا غرابة في ذلك؛ لأن هذا الفن كان مجهولا، وسوق العلم كاسدة، وآثار الحضارة مندرسة في أكثر أنحاء الشرق. ومن المعلوم أن صحف الأخبار تشمل كل ما تهم معرفته الإنسان عن أحوال السياسة والتجارة والعلم والتاريخ والاكتشافات والاختراعات، وما يتعلق بالشئون الاقتصادية والبيتية والاجتماعية والأخلاقية والانتقادية وغيرها، ولكل من هذه الفروع اصطلاحات، خاصة عند الغربيين في أساليب التعبير، كان يجهلها صحافيو العرب الذين عانوا مشقات جسيمة في هذا المسلك الوعر؛ لأن أكثر نشرياتهم كان معربا عن اللغات الأجنبية، غير أن تلك الألفاظ الركيكة أو التعبيرات السقيمة التي كان يستعملها أرباب الجرائد أولا في كتاباتهم قد بطلت شيئا فشيئا باختمار الصحافة وارتقاء الأفكار وانتشار العمران وانصباب الناس على اكتساب المعارف. ومن أعظم دواعي ترقيها إقبال أدباء بلادنا على الأسفار الشاسعة ومخالطة الغربيين ومجاراتهم في كثير من الأمور.
وأول من تنبه من الصحافيين إلى هذا الأمر المهم بل جاهد في سبيله جهادا عظيما كان الكونت رشيد الدحداح، فإنه عزز كرامة أبناء جنسه بما نشره من كنوز اللغة على صفحات برجيس باريس وغيرها من المطبوعات النفيسة، ولم يكن أقل جهادا منه في هذا السبيل أحمد الشدياق صاحب «الجوائب»؛ لمعرفته التامة باللغة العربية وخبرته الواسعة بشئون الغربيين الذين سبر غور سياستهم ووقف بذاته على أحوال بلادهم، فإنه سد هذه الثلمة باتخاذ الأوضاع العربية لأكثر المعربات الإفرنجية كقوله: «المؤتمر» بمعنى
Congrés
عند الفرنسيس ثم الأسطول بمعنى
Escadre
والباخرة بمعنى
bateau á vapeur
والبريد بمعنى
poste
والمنطاد
ballon
والحافلة بمعنى
Omnibus
والأزمة المالية بمعنى
Crise
والسند بمعنى
Traite
عند الفرنسيس أو عند الإيطاليان
Cambiale
والسلك البرقي بمعنى
télégraphe
وغير ذلك من الأوضاع التي يطول شرحها؛ ولذلك كانت جريدته أرقى جميع جرائدنا بأفكارها وسياستها ومباحثها، وكان صحافيو الغرب يعولون عليها في معرفة أخبار الشرق. وتتمة لفائدة التاريخ نسرد بعض أمثلة من كتابات جرائدنا الأولى ليقف القارئ على أحوالها السالفة، ويحكم بما آلت إليه الآن من الرقي بفضل انتشار العلوم وتهذيب الأخلاق واتساع دائرة التمدن. وقد سبق لنا نشر مقدمة جريدة «المبشر» والآن نشفعها بأمثلة من بعض الجرائد القديمة وهي:
قالت جريدة «حديقة الأخبار» في مفتتح العدد الأول لسنتها الأولى بتاريخ غرة كانون الثاني 1858 ما نصه بالحرف الواحد:
جرنال عربي
قد تعلقت الإرادة السنية الملوكية بإعطاء الرخصة بطبعه في مدينة بيروت رغبة في إشهار المعارف والفنون، وتقدم تهذيب عبيدها الذين رشفوا كئوس الراحة والأمان تحت ظلها الظليل، فبناء على الأوامر التي تشرفنا بورودها سنطبع هذا الجرنال في كل أسبوع مرة، مشتملا على كل ما يتعلق بالفوائد الإنسانية، قسم منه يحتوي على أخبار بلادنا السورية مع الحوادث الأجنبية مترجمة من أحسن وأعظم الجرنالات، وقسم يشتمل على نبذ مختلفة وفوائد علمية، وقسم يتضمن ملاحظات وأمورا متجرية، والقسم الأخير يبتدئ بتاريخ مفيد يطبع بالتتابع بذيل كل آخر صحيفة من الجرنال كي تقطع تلك الأوراق الأخيرة في آخر كل عام ويجتمع منها كتاب تاريخ، وثمن هذا الجرنال بالعام مائة وعشرون غرشا في بيروت وتوابعها، ويضاف عليه أجرة توصيله إلى الجهات فيكون ثمنه إلى كل مكان خالص المصاريف مائة وأربعة وأربعين غرشا، فنرجو من كل ذي عناية يرغب تقدم البلاد، ومن كل ذي ذوق سليم يميل إلى التهذيب؛ أن يبادر بكتابة اسمه إلى المدير.
وقالت جريدة «برجيس بريس» بتاريخ 24 نيسان 1862 ما نصه:
قيل إن السلطان المعظم سافر إلى بروسة ليقيم فيها أسبوعا، وقبل سفره استدعى منشئ الصحيفة التركية المسماة «ترجمان الأحوال» وسأله: لم لا تتكلم مياومة على السياسة؟ فأجاب بأنه لم يتكلم على ذلك خشية أن يلحقه لوم، واحترازا من وقوع صحيفته في الخطر. فقال له: تكلم على السياسة والأمور العامة بما ظهر لك من الواقع ونفس الأمر ولا تخش شيئا. فإن ثبت هذا فجزى الله السلطان خيرا على إنصافه وإباحته لرعيته أن تذب عن حقوقها، وهذا يشهد له بالفضل والفخر، وهو في الحقيقة تحصل منه مصلحة الجانبين؛ إذ تستمر به الموافقة بين الدولة والرعايا، وفي محكم التنزيل:
وشاورهم في الأمر .
وقالت جريدة «أخبار عن انتشار الإنجيل» بتاريخ غرة تشرين الأول 1863 تحت العنوان الآتي:
إفريقية الغربية
إنه في سيراليون وليبيريا وراس بالماس وكامبيا وكوريسكو من إيالات إفريقية الغربية يوجد الآن أكثر من ستين ألف نفس من المسيحيين المؤمنين الذين كان أصلهم وثنيين، وانتظمت كنايس كثيرة وابتنت مدارس مختلفة وكراخين، ومنهم ذهب عدد ليس بقليل ليبشروا بالإنجيل بين جيرانهم الوثنيين، ولكن الأمر المحزن هو أن ملك داهومي لم يزل يمارس طقوسه الدموية في تقديم ألوف من الشعب ذبيحة في جنائز الأغنياء والولاة، وقيل إن سوقا واحدا من أسواق مدينة كوماسي قد تسمى «سوق لا ينشف دمه» لكثرة المساكين الذين يذبحون فيه يوميا، وعلى جانبي ذلك السوق يتكوم رءوس المقتولين منظرا للأهالي الذين ينظرون إليها بالضحك والهزو لكي يرضوا بذلك ملكهم؛ لأن الذي لا يفرح بذلك المنظر يقتل ويطرح رأسه عبرة للآخرين، فكيف يمكننا أن نستريح وإخوتنا من الجنس البشري في هذه الحالة، وكيف لا نصلي بلجاجة ومواظبة إلى رب الحصاد ليرسل فعلة إلى حصاده.
ولما تعين ناشد باشا واليا على حلب في شهر آيار 1868 نشرت جريدة «الفرات» ما نصه:
لقد اجتمع يوم الاثنين الماضي في دائرة الولاية كل من اعتاد الحضور من الذوات الكرام، وصفت العساكر النظامية وأخذت الموسيقة في الترنم، وقد فتح الأمر العالي المتضمن مأمورية صاحب الدولة والإجلال ناشد باشا والي الولاية وقرئ بصفات التعظيم والتكريم، ثم بعد ختام التلاوة ابتدأ بالدعوات الخيرية لدوام سلطنة الذات العلية الملوكية، وأمن كل من حضر على ذاك الدعاء بأصوات حسنة عن عنانها للسماء.
الباب الثاني
تراجم مشاهير الصحافيين في الحقبة الأولى
كان بودنا أن ننشر تراجم جميع أرباب الصحافة والمحررين فيها لا سيما القدماء منهم، ولكن حال دون رغبتنا كثرة عددهم أو عدم وقوفنا على أخبار البعض منهم، فاقتصرنا في ذلك على المشاهير منهم والذين قضوا شطرا كبيرا في خدمة الصحافة، ثم راعينا في سرد التراجم المذكورة زمان صدور الصحف لا الزمان الذي اشتهر فيه أربابها أو عاش فيه كتبتها؛ ولذلك يتفق أن ننشر ترجمة الواحد منهم في الحقبة الثانية تبعا لزمن تأسيس الجريدة مع أنه تولى كتابتها في الحقبة الثالثة أو الرابعة، نضرب على ذلك مثلا الأستاذ رشيد الشرتوني الذي خدم الصحافة في الحقبة الثالثة، فإننا نشرنا ترجمته في الحقبة الثانية؛ لأن جريدة «البشير» التي حرر فيها أنشئت في هذه الحقبة، وقس عليه غيره من حملة الأقلام في المدات المتأخرة.
الفصل الأول
الشيخ ناصيف اليازجي
أمضي وتبقى صورتي فتعجبوا
تمضي الحقائق والرسوم تقيم
والموت تجلبه الحياة فلو حوى
روحا لمات الهيكل المرسوم
هو ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط بن سعد اليازجي، اللبناني المولد، الحمصي الأصل، هاجر جده سعد المذكور من حمص مع جماعة من ذويه نحو سنة 1690؛ لحيف وقع عليهم في تلك الديار، فتوطن أناس منهم في ساحل لبنان في الجهة المعروفة بالغرب وآخرون في وادي التيم من أعمال دمشق، وتفرق بعضهم في مواضع أخرى، ولا تزال بقية أسرتهم في حمص ونواحيها. وهم عشيرة كبيرة من ذوي الوجاهة واليسار، وأكثرهم من طائفة الروم الأرثوذكس، أما فرع الشيخ ناصيف فإنه ينتمي إلى الروم الكاثوليك. وقد اقتطفنا بعض أخبار صاحب الترجمة مما كتبه حفيده الشيخ أمين الحداد.
كان مولده في قرية كفر شيما من قرى الساحل المذكور في 25 آذار سنة 1800، وتلقى مبادئ القراءة على راهب من بيت شباب يقال له القس متى، وكان والده عبد الله من الأطباء المشهورين في وقته على مذهب ابن سيناء، وكان مع ذلك أديبا شاعرا إلا أنه كان قلما يتعاطى النظم لقلة الدواعي إليه إذ ذاك، ومن شعره أبيات قرظ بها ديوان الخوري حنانيا المنير أحد شعراء ذلك العصر، لم يحفظ منها إلا بيتان رواهما الشيخ إبراهيم اليازجي، وهما قوله:
عش بالهنا والخير والرضوان
يا من غنيت بنظم ذا الديوان
إني لقد طالعته فوجدته
نظما فريدا ما له من ثان
فنشأ ولده ناصيف على الميل إلى الشعر، وأقبل على الدرس والمطالعة بنفسه، وتصفح ما تصل إليه يده من كتب النحو واللغة ودواوين الشعراء، ونظم الشعر وهو في العاشرة من عمره، غير أنه لما لم تكن الكتب لذلك العهد ميسورة لقلة المطبوع منها؛ إذ لم يكن في البلاد السورية ولا المصرية إلا مطابع نادرة، قلما كانت تشتغل بطبع الكتب العلمية؛ كان جل معتمده على كتب يستعيرها من بعض الأديار والمكاتب القديمة، فمنها ما يقرؤها مرة فيحفظ زبدتها، ومنها ما ينسخها بخطه. ولا يزال كثير من تلك الكتب باقيا إلى اليوم محفوظا عند أسرته، وهي جميلة الخط على القاعدة الفارسية، وبعضها يبلغ عدة مئات من الصفحات.
وقد بلغ من كل علم لبابه ودرس أشهر مصنفاته، وله في جميعها تآليف مشهورة بين مختصر ومطول هي اليوم عمدة التدريس في أكثر المدارس السورية وبعض المدارس المصرية لما هي عليه من الوضوح وحسن الترتيب، أشهرها «فصل الخطاب في أصول لغة الإعراب» وهو من أفضل المتون في الصرف والنحو، وعليه شرح بقلمه، كتاب «الجوهر الفرد» في موجز الصرف وقد علق عليه الشروح ولده الشيخ إبراهيم في كتاب سماه «مطالع السعد في مطالع الجوهر الفرد» وطبعه، وله «طوق الحمامة» في مبادئ النحو، ثم أرجوزة «لمحة الطرف في أصول الصرف» وأرجوزة «الباب في أصول الإعراب» في النحو، ومنها «الجمانة في شرح الخزانة» وهو مطول في الصرف، ثم «نار القرى في شرح جوف الفرا» وهي أرجوزة مطولة، وقد اختصرها ولده الشيخ إبراهيم، ومنها «عمود الصج» وهي رسالة في التوجيهات النحوية انتهى بها إلى المفعول فيه فقط ولم تطبع، وكتاب «عقد الجمان في المعاني والبيان» ثم «الطراز المعلم» وهو أرجوزة مختصرة في البيان مشروحة بقلمه، و«نقطة الدائرة» في العروض والقافية، ومنها «اللامعة في شرح الجامعة» وهي أرجوزة مطولة مشروحة بقلم ولده الشيخ حبيب، وكذلك «قطب الصناعة» وأرجوزة سماها «التذكرة» في أصول المنطق، ثم «القطوف الدانية» وهو شرح مطول على بديعيته، وكتاب «مجموع الأدب في فنون العرب» وهي مجموعة في المعاني والبيان والبديع والعروض، وأرجوزة مختصرة سماها «الحجر الكريم في الطب القديم» نشرت في مجلة الطبيب، ومعجم سماه «جمع الشتات في الأسماء والصفات» لم ينشر بالطبع وهو يبحث في أعضاء الإنسان والصفات التي على أفعل. وساعد المرسلين الأميركيين في ترجمة الكتاب المقدس ونظم لهم المزامير وبعض الأغاني الدينية. وكان قد شرع في وضع شرح لديوان المتنبي لم يستوفه، وكان يعلق عليه الحين بعد الحين ما يعن له من تفسير بعض الأبيات الغامضة، فأتمه بعده ولده الشيخ إبراهيم وسماه «العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب» وأضاف إليه ما يروى للمتنبي من الشعر الذي لم يثبته في ديوانه، وذيله بنقد مطول على شعر المتنبي وكلام شراحه. وأشهر تآليفه وأعظمها مقاماته المعروفة باسم «مجمع البحرين» التي عارض فيها مقامات الحريري، وهي ستون مقامة ضمنها من بلاغة الإنشاء والفوائد اللغوية والعلمية وتواريخ العرب وأمثالهم؛ ما دل على غزارة محفوظه وقوة عارضته في النظم والنثر، وأودعها من الفنون البديعة الصعبة المرتقى في بعض منظوماته كالجناسات الخطية، وجناس ما لا يستحيل بالانعكاس، وغيرها ما لا يضطلع به إلا عن مقدرة فائقة.
وقد تفنن في صناعة التاريخ الشعري تفننا غريبا يقضي له بالسبق في هذا المضمار على الشعراء قاطبة، ومن أبدع ما نظمه في هذا الباب بيتان قالهما سنة 1248 هجرية في فتح مدينة عكا قد اقترحهما عليه الأمير بشير الشهابي الكبير، وهما يتضمنان ثمانية وعشرين تاريخا بحساب الجمل، وذلك يحصل من كل شطر منهما ومن مهمل كل بيت منهما ومن معجمه، ومن مهمل كل شطر مع معجم كل شطر فيهما، وبالعكس صدرا لصدر وعجزا لعجز، وبالخلاف سوى التاريخ الناطق لفظا، وهما:
في فتح عكا برد نار معاطب
دار الخليل وللديار به البكا
رأس الثمان وأربعين بطيه
مئتان مع ألف فبارك ربكا
نظم من هذا القبيل أيضا بيتين سنة 1283 في مدح السلطان عبد العزيز، وله في مدح كل من إبراهيم باشا المصري والسلطان المشار إليه قصيدة جعل كل شطر منها تاريخا وصدرهما ببيتين قد ضمن كل شطر منهما تاريخين، ثم وزع حروف البيت الأول على أوائل أبيات الغزل من القصيدة، ووزع حروف البيت الثاني على أوائل أبيات المديح منها. ومن مبتكراته في فن النظم بيتا المديح اللذان إذا عكست قراءتهما انعكسا هجاء، ثم البيتان اللذان طردهما مديح وعكسهما هجاء. ومن مخترعاته في هذا الباب «عاطل العاطل» وهو أن تكون حروف الكلمة خالية من النقط كتابة وهجاء، وذلك لأن الحروف المعروفة بعاطل العاطل ثمانية فقط وهي: الحاء والدال والراء والصاد والطاء واللام والهاء والواو، فلا يسع المتكلم أن يركب منها كلاما كثيرا، وقد نظم من هذا النوع أربعة أبيات لا يعرف سواها في لسان العرب وهي:
حول در حل ورد
هل له للحر ورد
لحصور حلو وصل
ورده للصحو طرد
وله صول وطول
وله صد ورد
دهره حر صدور
هل له لله حد
وكان يصحح مطبوعات المطبعة المخلصية في بيروت، ووقف على طبع كتاب «مواعظ القديس يوحنا فم الذهب» بعد أن أصلح عبارته وهذبها، وله الفضل بتأسيس «الجمعية العلمية السورية» التي اشتهر أمرها وأنشئت لها مجلة باسمها. وقد قرظ الشعراء كتاب «مجمع البحرين» بما يستحقه من الثناء والإجلال، فنظموا القصائد الرنانة التي نورد منها أبياتا للسيد شهاب الدين العلوي الموصلي:
هذا المصنف فوق الفضل قد رفعت
فضلا مقاماته والفضل قد جمعت
ففي البلاد إذا دارت فلا عجب
لكل طالب علم أنها وسعت
أشعارها الأصمعي لو كان ينشدها
بمثلها قال أذن الدهر ما سمعت
ثم الحريري أحرى لو يقاومها
بأن يقول مقاماتي قد اتضعت
يتيمة رب متعنا بوالدها
عن غيرها فطم الألباب ما رضعت
تمت كمالا وقد جاءت منزهة
عنها النقائص تهذيبا قد انخزعت
على الكمالات طبع اللطف أرخها
لطفا مقامات ناصيف التي طبعت
وترك ثلاثة دواوين شعرية تعد من عيون الشعر، كثير منها محفوظ على الألسنة ولا سيما الأبيات الحكمية منها، وهي في شعره أكثر من أن تحصى. ويسمى أقدم دواوينه «النبذة الأولى»، والثاني «نفحة الريحان»، وآخرها «ثالث القمرين» وقد تجدد طبعها في السنين الأخيرة. ونظم التواريخ الكثيرة التي نقشت على القبور أو علقها على الكنائس والقصور والآثار البنائية. وله خلا ما نظمه في عهد الصبا مما لم يثبته في دواوينه المطبوعة، وهو شيء كثير لو جمع بأسره لزاد على المشهور منه، ومع أنه لا يبلغ طبقة المشهور من شعره فإن الإجادة ظاهرة فيه؛ مما يدل على أنه - رحمه الله - كان مطبوعا على الشعر، فلم يكن يتكلفه ولا يتعمل لأجله، ولا تجد فيه حشوا ولا تعقيدا، وذلك مع حسن اختياره للألفاظ الجامعة بين الجزالة والرقة، واتساع تصرفه في أساليب الكلام مما كان به نادرة وقته. وإذا ضممت هذا إلى ما له من التآليف العلمية وإحكام وضعها وحسن تنسيقها، ثم إلى ما في مقاماته من الإبداع وجريها كلها على سنن واحد من علو الطبقة، مما دل به على قوة ملكته في الصناعة اللسانية وانطباعه على الفصاحة العربية؛ علمت أنه قد انفرد بأمور لا تجدها مجموعة في غيره، وكان في أوائل أمره قد ذاع صيت علمه بين الخاص والعام، فانتدبه السيد أغناطيوس الخامس بطريرك الروم الكاثوليك سنة 1816 ليكون كاتبا عنده في «دير القرقفة» المشيد في قمة كفر شيما، فلبث ناصيف بهذه الوظيفة مدة سنتين حتى نقل البطريرك إقامته إلى الزوق، ثم اتصل بالأمير بشير الشهابي الشهير فقربه إليه وجعله كاتب يده، ومع أنه لبث في خدمته نحوا من اثنتي عشرة سنة؛ أي إلى سنة 1840، وهي السنة التي خرج فيها الأمير بشير من البلاد الشامية فلم أجد له فيه إلا مدائح قليلة، ولعل ذلك لأن شاعره الخاص كان الشاعر الكبير المعلم بطرس كرامة فلم يشأ أن يزاحمه، وبعدما ارتحل الأمير بشير انتقل، رحمه الله، بأهل بيته إلى مدينة بيروت، وأقام بها منقطعا للمطالعة والتأليف والتدريس في «المدرسة البطريركية» للروم الكاثوليك ثم «المدرسة الوطنية» للبستاني وكذلك «المدرسة الكلية» للأميركان، فاشتهر ذكره في جميع البلاد العربية وراسلته أكابر الشعراء من العراق ومصر وغيرهما، وقد طبع ما دار بينه وبينهم في ديوان مخصوص عنوانه «فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء» وهو فريد في بابه. ولا ندري أحدا بين حملة الأقلام في الشرق اجتمعت العلماء والأدباء على مدحه كصاحب الترجمة، وللشيخ عبد الهادي نجا الإبياري قصيدة قرظ بها «النبذة الأولى» من ديوان اليازجي، جاء فيها:
هو قاضي البلاغة الفاضل الند
ب الذي ظل في المعارف أوحد
ملك القول من يقسه بقس
فهو لا شك في القياس مفند
ما سمعنا بمثله عيسويا
يتحدى بمثل معجز أحمد
ألمعي لكنه عيسوي
كان أولى بفضل دين محمد
فلما اطلع مارون النقاش على هذه القصيدة لم يتمالك من الرد عليها ظانا أن فيها إهانة لصاحب الترجمة ومساسا لكرامته، فنظم قصيدة على نفس الوزن والقافية بلا علم من الشيخ ناصيف وأرسلها للشيخ عبد الهادي قال فيها:
أيها السيد الخطيب لماذا
قمت تبدي ما لم يكن فيك يعهد
ورأينا من بحرك الشعر يهدى
فهو در من غلفه لو تجرد
مفحم مبكم فريد مزيد
إنما زاد بالحد حتى تزيد
عربي لكنه جاهلي
آه لو كان عيسويا فينشد
لم يكن فن الشعر إرثا ولكن
من يخض بحره استطال إذا جد
لا ولا الفخر بالمذاهب إلا
يوم تصفو فيه الوجوه وتكمد
فعلام انزلقت في غير وقت
تتعدى لفتح باب مسدد
نحن في عصر والمودة تنمو
والتداني بين الفريقين يوجد
إن أردت الشقاق والبعد عنا
جاور البيت إنه لك أجود
أما صفاته الشخصية فكان معتدل القامة، فوق الربعة ممتلئ الأعضاء، أسمر اللون حنطيه، أسود الشعر، أجش الصوت، وكان مهيبا وقورا شهما كاملا متواضعا متأنيا في حديثه وحركاته، قليل الضحك عفيف اللسان لم تسمع له كلمة بذية قط لا في حديثه ولا في كتاباته، ولم يهج أحدا ولا هجاه أحد في زمانه. ويروى أن له بيتين قالهما ارتجالا في رجل يوصف بالبخل كان يدعى الأمير علي شهاب من كفر شيما مسقط رأس الشيخ ناصيف، والبيتان أقرب إلى المداعبة والمباسطة منهما إلى الهجو الحقيقي وهما هذان:
قد قال قوم إن خبزك حامض
والبعض أثبت بالحلاوة حكمه
كذب الجميع بزعمهم في طعمه
من ذاقه يوما ليعرف طعمه
وكان ودودا مخلصا رقيق القلب حسن التدين مبالغا في اجتناب السحت، لا يعطي مالا ولا يأخذ مالا بالربا ولا يكتب صكا فيه ربا، وكان واسع المحفوظ كثير النكات والنوادر، وكان يروي القصة بتواريخها وأسماء أصحابها وأسماء بلدانهم. ومن غريب ذاكرته أنه كان إذا نظم الشعر لا يكتبه بيتا بيتا، ولكنه كان ينظم الأبيات ثم يكتبها، حتى إنه في مدة اعتلاله الأخير أملى ثمانية عشر بيتا دفعة واحدة، وقد ألف إحدى مقاماته وهي المقامة اليمامية على ظهر الفرس، وكان مسافرا بأهل بيته من بيروت إلى بحمدون سنة 1853 بقصد الاصطياف، فلما انتهى إليها أخذ قرطاسا فعلقها، فكان يحفظ القرآن بتمامه ويعي من الشعر شيئا كثيرا ولا سيما شعر المتنبي لشدة إعجابه به، وكان يقول «كان المتنبي يمشي في الجو وسائر الشعراء يمشون على الأرض.»
وهو من المحافظين على لهجة قومه وتقاليد أهل بلاده في الطعام واللباس والجلوس وسائر العادات كما كانوا في عصورهم القديمة؛ فكان لا يطيب له إلا أن يتغنى بما تغنوا به، وأن يحذو حذوهم في كل شيء، وكان يلبس العمامة في رأسه والجبة والقفطان على بدنه ويضع الدواة تحت منطقته. وروى تلميذه وابن وطنه الدكتور شبلي شميل أنه سمعه مرة يقول على سبيل المزاح: «لو فقد الشاش لاعتممت بالقطوعة.» وهي في لغة عامة سوريا قطعة من الحصير القديم. ومن عادته أن يكتب على ركبته متربعا فوق منبذة مطروحة على الحضيض، وأمامه منضدة صغيرة لوضع القلم والحبر والقرطاس. واشتهر بصناعة الخط الذي أتقنه كثيرا. ويقال إنه لو جمع ما كتبه في حياته بخط يده لكان ذلك لا يقل عن محمول جملين، وله ولع شديد باستعمال التبغ فكان يدخن بالغليون ويكثر من تناول القهوة، ويروى من جملة نوادره أنه زار المعلم إبراهيم سركيس في منزله، فلما قدمت له القهوة أنشده إبراهيم هذا البيت:
قهوة البن حرام
قد نهى الناهون عنها
فأجابه الشيخ ناصيف اليازجي من فوره قائلا:
كيف تدعوها حراما
وأنا أشرب منها
وفي عام 1869 أصيب بمرض عضال؛ فانفلج فالجا نصفيا عطل نصفه الأيسر، ثم أصابته سكتة دماغية؛ فتوفي فجأة بتاريخ 8 شباط 1871 في منزله الكائن في زقاق البلاط بالقرب من «المدرسة الوطنية» البستانية سابقا في بيروت، فجرى لمشهده احتفال عظيم جدا اشترك فيه العلماء والكبراء والتجار وتلامذة المدارس وجم غفير من الناس مما لم يسبق له مثيل؛ فكان ذلك أوضح دليل على سمو منزلته لدى جميع طبقات الشعب من النصارى والمسلمين واليهود. وبعد الصلاة عن روحه نقلت جثته بين تصاعد الزفرات وسكب العبرات وتوالي الحسرات إلى مقبرة الروم الكاثوليك في الزيتونة، وهناك دفن في ضريح خاص نقشت فوقه هذه الأبيات:
هذا مقام اليازجي فقف به
وقل السلام عليك يا علم الهدى
حرم تحج إليه أرباب الحجا
أبدا وتدعو بالمراحم سرمدا
هو مغرب الشمس التي كم أطلعت
في شرق آفاق البلاغة فرقدا
فخر النصارى صاحب الغرر التي
ضربت على ذكرى البديع وأحمدا
هذا عماد العلم مال به القضا
فأمال ركنا للعلوم مشيدا
أمسى تجاه البحر جانب تربة
هي مجمع البحرين أشرف مجتدى
فعليك يا ناصيف خير تحية
طابت بذكرك حيث فاح مرددا
لو أنصفتك النائبات لغيرت
عاداتها ووقتك حادثة الردى
تتنزل الأملاك حولك بالرضى
ويجود فوقك باكرا قطر الندى
وجميل حظك في الأعالي رحمة
أرخ وذكر في الصحائف خلدا
الفصل الثاني
بطرس البستاني
باني المدارس للأحداث مرشدهم
إلى الصفات التي طابت مزاياها
أعماله في جبين الدهر قد كتبت
محبة الوطن الإيمان مبداها
هو بطرس بن بولس بن عبد الله بن كرم بن شديد بن أبي شديد بن محفوظ بن أبي محفوظ البستاني، ولد في تشرين الثاني 1819 في «الدبية» بلبنان، ودخل منذ صباه مدرسة «عين ورقة» حيث تلقى أصول اللغات العربية والسريانية والإيطالية واللاتينية، فأنفق هناك بين تعلم وتعليم مدة عشر سنين حتى أحرز كل العلوم التي تعلمها تلك المدرسة، ثم زايلها وجاء بيروت فتعرف بالدكتور عالي سميث رئيس الرسالة الأميركانية وقسوسها الذين أحبوه لنجابته وشملوه بعنايتهم، فقرأ عليهم اللغات اليونانية والعبرانية والإنكليزية مع بعض العلوم العصرية وتبع مذهبهم البروتستانتي. وإذ آنسوا منه براعة في المعارف جعلوه سنة 1846 أستاذا في مدرسة عبيه حيث تخرج عليه كثير من شبان سوريا ولبنان، وبعد سنتين عين ترجمانا لقنصلية أميركا في بيروت.
واتخذه المرسلون الأميركان معاونا لهم في إدارة شئون مطبعتهم؛ فساعدهم في تآليف كثيرة، لا سيما ترجمة التوراة من العبرانية إلى العربية. وألف حينئذ كتاب «مصباح الطالب في بحث المطالب»، وكتاب «مفتاح المصباح» في الصرف والنحو ، وكتاب «كشف الحجاب في علم الحساب» ثم «روضة التاجر في مسك الدفاتر»، وكتاب «باكورة سوريا» في تاريخ أسعد الشدياق. وتولى رئاسة «مدرسة الأحد» خمس عشرة سنة، وترجم نفعا لها عدة رسائل دينية وأدبية وتهذيبية فضلا عن الرسائل التي أنشأها داعيا فيها إلى تربية الأولاد والإمساك عن شرب المسكرات. وله الفضل في وضع قانون الكنيسة الإنجيلية في بيروت وقانون «المدرسة الداودية الدرزية» في عبيه. واشتهر في فن الخطابة، وله في هذا المعنى آثار مشكورة، وأهمها خطاب عنوانه «تعليم النساء»، وكان المعلم بطرس أول من طرق هذا الباب من خطباء الشرق وغيرها. ثم وضع في مجلدين كبيرين معجما مطولا للغة العربية سماه «محيط المحيط» واختصره في «قطر المحيط»؛ فكافأه السلطان عبد العزيز بجائزة مالية تبلغ 250 ليرة مجيدية، ومنحه الوسام المجيدي الثالث. ثم وضع كتاب «بلوغ الأرب في نحو العرب» ولا يزال غير مطبوع. ونقل إلى اللسان العربي كتبا شتى نذكر منها: «سياحة المسيحي» ثم «تاريخ الإصلاح» ثم «تاريخ الفداء» ورواية «روبنصن كروزي»، ونقح وطبع كتاب «أخبار الأعيان في جبل لبنان» لمؤلفه الشيخ طنوس الشدياق. وسنة 1863 أحدث «المدرسة الوطنية» التي أقبل إليها التلامذة من كل المذاهب وهي أقدم المدارس الكبرى في بيروت، فتكللت مساعيه بالنجاح ونبغ كثير من تلامذة مدرسته الذين شرفوا البلاد الشرقية بمعارفهم الواسعة ومآثرهم الجليلة، وكان هو بنفسه يلقي عليهم الدروس مع اشتغاله في التأليف والمطالعة. وله الفضل في إنشاء كتاب «دائرة المعارف» الذي جارى فيه علماء الإفرنج وضمنه المباحث المفيدة والعديدة في كل فن ومطلب، وهو مشروع مبتكر لم يقدم عليه أحد من علماء العربية قبله وبعده؛ فأحرز ثناء الأعارب والأعاجم، وابتاع سلعة افتخار تخلد ذكره مدى الأجيال، فأبرز في حياته من هذا الأثر النفيس سبعة مجلدات تاركا إنجاز العمل لهمة أنجاله من بعده. وإليك ما ورد في وصف هذا المشروع نقلا عن ترجمة حال المعلم بطرس في كتاب دائرة المعارف:
هذا وإننا لا نغالي فيما إذا قلنا إنه أبدى من العزيمة الماضية والهمة السامية في تأليف الكتاب وطبعه ما لا يتوقع من رجل واحد ولا سيما في ديار الشرق، ولكنه ألفى هو وولده الفاضل سليم أفندي من مواطنيه وكل أهل المطالعة والأدب عموما ومن الحكومة المصرية خصوصا يدا بالندى ندية. أما الحكومة المصرية فارتاحت أيما ارتياح إلى اقتناء هذا الكتاب شدا لأزر صاحبه أولا وجلبا للنفع إلى مدارسها ومكاتبها ومحافلها العلمية ثانيا. لا جرم أنه لا أولى بالثناء ممن اشترك في المساعدة والمعاونة، ثم إن الذي يعلم من تاريخ الإنسكلوبيديات الابتدائية الأوروبية أنها لم تكن في منشأ أمرها على ربع ما هي عليه «دائرة المعارف» من إحكام التأليف وغزارة المادة والضبط وحسن الطبع والورق والتجليد والصور، مع قلة في الثمن لا أقل منه إلا أثمان الكتب العادية؛ فحق إذن لأبناء اللغة التباهي والتفاخر بذلك الرجل الذي وصفه أحد فلاسفة العصر «بالجبار» في أعماله؛ لما أنه لم يبال قط بالمنايا في ميدان الكفاح العلمي، ولا امتنع عن الكر والفر وإن علت الأسوار وعمقت الخنادق. ولو لم يكن غير هذا المشروع لكفاه، فكيف وقد تقدمته تأليفات عديدة وترجمات كثيرة؟ تسبقها وتعقبها ألوف من الخطب والعظات ارتجالية كانت أو غير ارتجالية.
وكان المعلم بطرس رئيسا للجمعية الخيرية البروتستانتية وعضوا في عمدة الكنيسة الإنجيلية في بيروت، وتعين عضوا فخريا في المجمع الديني الأعلى في الولايات المتحدة، وسمي عضوا في «الجمعية العلمية السورية» سنة 1852 فاعتنى بتنظيم أشغالها، ثم صار عضوا في «المجمع العلمي الشرقي» آخذا على عاتقه مراسلة كثيرين شرقا وغربا في شئون علمية.
أما مآثره الصحافية فهي أشهر من نار على علم؛ لأنه أنشأ منفردا ومتحدا مع نجله البكر سليم البستاني أربع صحف شهيرة يغني ذكرها عن وصفها وهي: نفير سوريا، والجنان، والجنة، والجنينة. وخلاصة القول أنه كان من أعظم أركان النهضة العلمية في القرن التاسع عشر، بل إنه رفع شأن الآداب العربية بما تركه من الآثار الخالدة التي ضفرت على رأسه إكليل الافتخار. وكان وديعا لطيف المحاضرة واسع الاطلاع مقداما على المشاريع الكبيرة التي لم يقدم على مثلها غيره من أبناء الشرق على اختلاف ألسنتهم ومذاهبهم. وحلت وفاته بين المحابر والأقلام في غرة آيار 1883 بالغا السنة الرابعة والستين من عمر قضاه في التعليم والتأليف وخدمة الوطن؛ فأبنه الخطباء، وناح عليه الشعراء، ورثته الجرائد بأقوال تدل على سمو منزلته العلمية. وقد ألفتت نظرنا قصيدة رنانة للشيخ خليل اليازجي أنشدها بلسان «المدرسة الكلية الأميركانية» نقتطف منها الأبيات الآتية التي نجعلها مسك الختام لترجمة هذا الرجل المفضال:
يا قطر دائرة المعارف والحجا
ومحيط فضل فاض في إمداده
تبكي العلوم عليك واللغة التي
بقريضها ترثيك في إنشاده
فإذا المحيط بكاك لم يك دمعه
دون المحيط يزيد في أزياده
يبكي الحساب عليك متخذا له
دمعا يسيل عليك من أعداده
تبكي المدارس والجرائد حسرة
والشرق بين بلاده وعباده
خدم البلاد وليس أشرف عنده
من أن يسمى خادما لبلاده
الفصل الثالث
رفاعة بك الطهطاوي
هو السيد رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع، ويلحقون نسبهم بمحمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين ابن فاطمة الزهراء.
ولد في طهطا بمديرية جرجا من صعيد مصر سنة 1216 هجرية/1801 ميلادية. ويؤخذ مما كتبه عن نفسه في رحلته التي سيأتي ذكرها أن أجداده كانوا من ذوي اليسار، وأخنى الدهر عليهم وقعد بهم كما هو شأنه في بني الزمان، فلما ولد المترجم كانت عائلته في عسر؛ فسار به والده إلى منشأة النيدة بالقرب من مدينة جرجا، وأقام بين قوم كرام يقال لهم بيت أبي قطنة من أهل اليسار والمجد، فأقاما هناك مدة ثم نزحا إلى قنا ولبثا بها حتى ترعرع الغلام فأخذ يقرأ القرآن، ثم نقل إلى فرشوط، وأخيرا عاد إلى طهطا وكان قد حفظ القرآن، وقرأ كثيرا من المتون المتداولة على أخواله، وفيهم جماعة كبيرة من العلماء الأفاضل كالشيخ عبد الصمد الأنصاري، والشيخ أبي الحسن الأنصاري، والشيخ فراج الأنصاري وغيرهم.
ثم توفي والده فجاء رفاعة إلى القاهرة وانتظم في سلك الطلبة بالجامع الأزهر سنة 1223ه، وجاهد في المطالعة والدرس جهادا حسنا حتى نال من العلم شيئا كثيرا ، ولم تمض عليه بضع سنين حتى صار من طبقة العلماء الأعلام في الفقه واللغة والحديث وسائر علوم المعقول. وكان في جملة من تلقى العلم عليهم من العلماء الشيخ حسن العطار المتوفى سنة 1250ه شيخ الجامع الأزهر، فأحب صاحب الترجمة وميزه عن سائر أقرانه التلامذة، وخصه بالتقرب منه لما آنس فيه من الذكاء والاجتهاد؛ فكان يتردد إلى منزل الشيخ يأخذ عنه بعض العلوم أو يستشيره في أمر أو ما شاكل ذلك. وقضى صاحب الترجمة بمجاورة الأزهر زهاء ثماني سنوات، وكان، كما قدمنا، في عسر، وكانت والدته تنفق عليه بما تبيعه من بقايا حليها ومصاغها، فلما أتم دروسه تعين سنة 1240ه إماما في بعض آلايات الجند براتب يساعده على القيام بأود حياته.
وكان ذلك العصر زاهيا بالمغفور له محمد علي باشا مؤسس العائلة الخديوية الكريمة، وكان رحمه الله آخذا في مشروعاته تعزيزا لشأن هذا القطر السعيد وفي جملتها نشر العلوم؛ فأحب إرسال جماعة من شبان هذا القطر إلى أوروبا لتلقي العلوم الحديثة ليكونوا له أعوانا في فتح المدارس وبث تلك العلوم في أبناء البلاد، فأمر بتعيين صاحب الترجمة إماما لهم للوعظ والصلاة، فسارت الإرسالية المشار إليها من مصر سنة 1241 وهي أول إرسالية مصرية إلى فرنسا، فتاقت نفس المترجم إلى علوم المغرب؛ فعكف على درس اللغة الفرنساوية من تلقاء نفسه رغبة منه في تحصيل العلوم بها، أو نقله منها إلى العربية لعله يتخلص من مهنة الإمامة. وكان معظم درسه اللغة بنفسه؛ فلم يتقن التلفظ بها، ولكنه تمكن من فهم معانيها فهما جيدا. وأخذ يطالع العلوم الحديثة فأتقن التاريخ والجغرافيا وعلوما أخرى. وكان ميالا إلى التأليف والترجمة فترجم وهو في باريس كتابا سماه «قلائد المفاخر في غرائب عوائد الأوائل والأواخر» وغيره، فبلغ المغفور له محمد علي باشا ما أظهره السيد رفاعة من النباهة والرغبة في العلم من تلقاء نفسه؛ فسر به سرورا عظيما واستبشر بطالعه.
وفي سنة 1247ه عاد، رحمه الله، إلى الديار المصرية بعد أن نال الشهادات الناطقة بدرجته من العلم والفضل، فولاه محمد علي منصب الترجمة في المدرسة الطبية التي كان أنشأها سنة 1242 في قرية «أبي زعبل» قرب القاهرة برئاسة كلوت بك الشهير. وكان متوليا رئاسة الترجمة بها قبله المرحوم يوحنا عنحوري من أبناء سوريا، وله فيها خدمات جليلة، وشهد لصاحب الترجمة بقصب السبق؛ فولوه الترجمة. وعمل على خدمة البلاد لا سيما وأن عارفي اللغات الأجنبية إذ ذاك كانوا يعدون على الأصابع. ومما يعد له فضلا جزيلا أنه أول من باشر إنشاء جريدة عربية في سائر المشرق وهي «الوقائع المصرية» فإنها أنشئت بمساعيه ومساعدته سنة 1248، ولا تزال إلى الآن وهي الجريدة الرسمية المصرية.
وفي سنة 1249 انتقل من مدرسة «أبي زعبل» إلى مدرسة الطوبجية في «طره» لترجمة الكتب الهندسية والفنون العسكرية. وفي سنة 1251 افتتح المغفور له عزيز مصر مدرسة للألسن الأجنبية وعهد بإدارتها إلى صاحب الترجمة، وسميت عند فتحها مدرسة الترجمة، فقام الشيخ رفاعة إذ ذاك حق القيام بإدارة هذه المدرسة، واختار لها التلامذة من مدارس الأرياف بسائر جهات القطر، فبلغ عدد تلامذتها في أول الأمر خمسين تلميذا ثم زاد حتى صار 250 تلميذا. وكان في أبي زعبل مدرسة تجهيزية للطب فنقلت إلى جهات الأزبكية، فعهدت إدارتها إليه فضلا عن مدرسة الألسن ومدارس أخرى فرعية، منها مدرسة للفقه والشريعة، وأخرى للمحاسبة، وأخرى للإدارة والأحكام الإفرنجية. وفي سنة 1258 تشكل قلم الترجمة من أول فرقة خرجت من مدرسة الألسن، وبعد سنة ونصف من تشكيله نال رتبة قائمقام، وكان قد نال ما يتقدمها من الرتب تدريجا في أوقات متتابعة. وفي سنة 1262 نال رتبة أميرآلاي؛ فصار يدعى رفاعة بك بدلا من الشيخ رفاعة.
وما زال رفاعة بك ناظرا لمدرسة الألسن حتى أقفلت على عهد المغفور له عباس باشا الأول، فأمر بإرساله إلى السودان لنظارة مدرسة الخرطوم. وما زال هناك حتى توفي عباس باشا المشار إليه سنة 1270ه وتولى المرحوم سعيد باشا، فعاد يشكر الله على نجاته من تلك الأقطار، فمثل بين يدي سعيد باشا، فعهد إليه سنة 1281 وكالة مدرسة الحربية بجهات الصليبة تحت رئاسة المرحوم سليمان باشا الفرنسوي . وبعد قليل أنشئت مدرسة الحربية بالقلعة فأحيلت إليه نظارتها مع نظارة قلم الترجمة ومدرسة المحاسبة والهندسة الملكية والتفتيش والمعمارجية، وعند ذلك نال الرتبة الممايزة.
وفي سنة 1277 ألغيت كل هذه المدارس، فبقي رفاعة بك بغير منصب إلى سنة 1280 فأعيد إلى نظارة قلم الترجمة، وتعين عضوا من قومسيون المدارس وتولى إدارة جريدة «روضة المدارس» مع مثابرته على التأليف. وما زال قائما بهذه المهام حتى توفاه الله سنة (1290ه/1873 ميلادية) بداء النزلة المثانية وله من العمر 75 سنة. وقد ملأ الديار المصرية من المترجمين والأساتذة والمهندسين وغيرهم ممن استفادوا من مؤلفاته وتعاليمه. وقد اطلعنا على كتاب خطي اسمه «حلية الزمن بمناقب خادم الوطن» تأليف صالح بك مجدي، عدد فيه مناقب صاحب الترجمة، وعنه أخذنا معظم ما ذكرناه هنا. وقد ذكر فيه أيضا عددا كبيرا من الذين أخذوا العلم عنه ونبغوا واشتهروا، وذكر مناصبهم ووظائفهم وأعمالهم مما لا محل لذكره هنا.
وكان - رحمه الله - قصير القامة، واسع الجبين، متناسب الأعضاء، أسمر اللون، حازما مقداما، على ذكاء وحدة، وهذا ما نهض به من حضيض العسر إلى مراتب المجد والفخر؛ حتى أصبح ممن يشار إليهم بالبنان، ويقتدي بأعمالهم بنو الإنسان. وكان في أوائل حياته إلى أن عاد من الديار الإفرنجية يلبس اللباس العربي الخاص من الجبة والعمامة والقفطان كما ترى رسمه في هذه المقالة، ثم بدله باللباس الإفرنجي المشهور. ونختم ترجمة حاله بذكر مؤلفاته الواحد بعد الآخر مع وصفها بقدر الإمكان: (1) «خلاصة الإبريز والديوان النفيس» وهو رحلته إلى فرنسا ذكر فيه ما شاهده من العادات والأخلاق والأزياء وآثار التمدن الحديث وكل ما يتعلق بذلك، ثم أمر بطبعها وتفريقها في الدواوين وبين الوجهاء والأعيان. (2) «التعريبات الشافية لمريد الجغرافية» وهو مجلد ضخم ترجمه من الفرنساوية إلى العربية لتدريس الجغرافية في المدارس المصرية، وقد طبع غير مرة في مجلد كبير. (3) «جغرافية ملطبرون» وهو كتاب مؤلف من عدة مجلدات كبيرة، يبحث في الجغرافية بحثا تاريخيا مطولا، ترجم منه المؤلف أربعة مجلدات كبيرة طبعت في مطبعة بولاق، ويظهر من مطالعتها أنه ترجمها على عجل، والواقع يؤيد ذلك لأننا علمنا أنه ترجم مجلدا منها في ستين يوما سنة 1265 هجرية. (4) كتاب «قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر» ترجمه في باريس وقد تقدم ذكره. (5) كتاب «المرشد الأمين في تربية البنات والبنين» وهو مجلد واحد ألفه للتعليم في مدرسة البنات. (6) كتاب «التحفة المكتبية» في النحو، ألفه لتعليم قواعد النحو في المدارس الابتدائية مطبوع طبع حجر. (7) «مواقع الأفلاك في أخبار تليماك» وهو تعريب وقائع تليماك الفرنساوية، ترجمه يوم كان في الخرطوم، مع بعض التصرف، وهو مطبوع في بيروت. (8) «مباهج الألباب المصرية في مناهج الألباب العصرية» وهو بحث عن آداب العصر وسياسته وصنائعه وعلومه وفنونه، ومطبوع بمطبعة بولاق الأميرية. (9) «مختصر معاهد التنصيص» وهو اختصار المعاهد مع بعض الزيادات إلى الأصل ولم يطبع. (10) «المذاهب الأربعة» وهو بحث في المذاهب الأربعة ألفه أثناء رئاسته لمدرسة الألسن. (11) «شرح لامية العرب». (12) «القانون المدني والإفرنجي» مطبوع. (13) كتاب «توفيق الجليل وتوثيق بني إسماعيل» وهو تاريخ لمصر طبع ونشر. (14) كتاب «هندسة ساسير» ترجمه من الفرنساوية إلى العربية وقد طبع ببولاق. (15) «رسالة في الطب» لم تطبع. (16) «جمال الأجرومية» وهو منظومة سهلة في الأجرومية (مطبوعة). (17) «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز» وهو آخر مؤلفاته طبع في روضة المدارس بمطبعة المدارس الملكية.
وله رحمه الله غير ما تقدم ذكره من المآثر العلمية بين منظومات ورسائل ومقالات شيء كثير لم يطبع وقد وقفنا على بعضه، وأما خدماته في التعليم والتهذيب فغنية عن البيان، ويقال بالإجمال إن رفاعة بك رافع خدم خدمة كبرى في نشر العلوم الحديثة بنقلها إلى اللغة العربية، وتسهيل تناول اللغات الأجنبية بمدرسة الألسن وقلم الترجمة وغيرهما.
جرجي زيدان
الفصل الرابع
أحمد فارس الشدياق
هو فارس الشدياق عين زمانه
من كان في نكت البلاغة أوحدا
جابت «جوائبه» البلاد بأسرها
وغدت لها غرر المعاني سجدا
عرف الجميع علو رتبة علمه
وبفضله اعترف الأحبة والعدى
هو فارس بن يوسف بن منصور بن جعفر بن فهد الشدياق، من سلالة المقدم رعد ابن المقدم خاطر الحصروني الذي تولى جبل كسروان سبعا وثلاثين سنة في أوائل القرن السابع عشر.
ولد سنة 1804 في عشقوت بلبنان من أسرة مارونية تتسلسل منها فروع عيال شهيرة أتحفتنا برجال عظماء خدموا العلم والوطن، وحسبنا أن نذكر منهم السيد يوسف سمعان السمعاني صاحب «المكتبة الشرقية» وسائر العلماء السمعانيين، ومنهم المطران جرمانس فرحات الحلبي الطائر الشهرة، ثم البطاركة الموارنة يعقوب عواد، وسمعان عواد، وبولس مسعد، ويوحنا الحاج، وغيرهم من المطارنة والكتبة. ومن عائلته اشتهر أخوه أسعد، وأخوه الآخر طنوس مؤلف كتاب «أخبار الأعيان في جبل لبنان»، وأخيرا سليم فارس الشدياق ابن صاحب الترجمة.
لما بلغ فارس من العمر أشده تلقى الآداب العربية والسريانية في مدرسة «عين ورقة» فنال قصب السبق على أقرانه، وبعد ذلك سافر إلى القطر المصري فكتب في جريدة «الوقائع المصرية» وأكب على إتقان اللغة العربية حتى صار من أكبر جهابذة عصره فيها، ثم دعاه المرسلون الأميركان سنة 1834 إلى جزيرة مالطة حيث عهدوا إليه إدارة مطبعتهم وتصحيح مطبوعاتها، فأقام عندهم 14 سنة وعلم في مدارسهم ثم تبع مذهبهم البروتستاتني، وطبع هناك كتبا شتى من تآليفه وهي: «الواسطة في معرفة مالطة» ثم كتاب «اللفيف في كل معنى طريف» ثم «الباكورة الشهية في نحو اللغة الإنكليزية»، وأخيرا «المحاورة الأنسية في اللغتين العربية والإنكليزية» ثم جال مدة عشر سنين في أوروبا وهو محافظ على لباسه الوطني ولم يغير منه شيئا، وعرب حينئذ «ترجمة التوراة» وصنف كتابين أحدهما «كشف المخبا عن فنون أوروبا» والآخر «الساق على الساق فيما هو الفارياق» طبع في باريز، والفارياق لفظ مقتطع من اسمه فارس الشدياق. وبعد ذلك كلفه باي تونس إلى خدمة مملكته وأرسل له سفينة مخصوصة لتقله إلى بلاده، فلبى الدعوة، وهناك ترك مذهب البروتستانت وتبع دين الإسلام؛ وصار يعرف بالشيخ أحمد فارس الشدياق.
وفي السنة 1857 اتخذ الآستانة محلا لسكناه فأنشأ فيها بعد ثلاث سنين جريدة «الجوائب» التي سبق وصفها، ثم ألف كتبا شتى مبتكرة في بابها نذكر منها: كتاب «سر الليال في القلب والإبدال» في مجلدين، وهو يحتوي على تبيين معاني الألفاظ وانتساق وضعها ، ثم كتاب «الجاسوس على القاموس» الذي انتقد فيه قاموس الفيروزآبادي، وكتاب «المرآة في عكس التوراة» لم يزل غير مطبوع، وهو يشتمل على أكثر من سبعمائة صفحة كبيرة، وكتاب «لا تأويل في الإنجيل» لم يزل غير مطبوع أيضا، وكتاب «الأجرومية»، وكتاب «النفائس في إنشاء أحمد فارس»، وكتاب «الروض الناضر في أبيات ونوادر»، وكتاب «غنية الطالب ومنية الراغب» في الصرف والنحو، وكتاب «السند الراوي في النحو الفرنساوي»، وكتاب «منتهى العجب في خصائص لغة الغرب» أتلفه الحريق قبل أن يطبع. وله ديوان شعر كبير الحجم بحيث إنه أعظم من كتاب الجاسوس، وكتاب «السلطان بخشيش» مع ترجمته للمسيو أرنو الترجمان الأصلي، وكتاب «التقنيع في علم البديع» وغيرها، وله أيضا عدة رسائل أدبية وردود على انتقادات الشيخ إبراهيم اليازجي اللغوية. وبهمته برزت من مطبعة الجوائب كتب شتى قديمة في التاريخ والشعر والأدب والمنطق والفقه استخرجها من مكاتب الآستانة وغيرها، ولا غرابة في ذلك فإنه كان أشهر من نار على علم بمآثره العلمية التي تنطق بأفصح بيان عما اتصف به من سمو المدارك وسعة المعارف ومضاء العزيمة في إحياء اللغة العربية. وقد ورد وصف قلمه في كتاب «تراجم مشاهير الشرق» فنقلنا عنه الفقرة الآتية: «امتاز المترجم بإتقان فني النظم والنثر والإجادة في كليهما؛ فتراه إذا نظم أو نثر إنما يفعل ذلك عن سعة وارتياح كأنه وعى ألفاظ اللغة في صدره وأخذ عليها عهدا أن تأتيه صاغرة حالما يحتاج إليها، فإذا خطر له معنى سبكه في قالب من اللفظ لائق به بغير أن يتكلف في ذلك مشقة أو ترددا؛ فترى كتاباته طلية طبيعية، ليس فيها شيء من التكلف أو التقعر على كونها بليغة فصيحة، والسبب في ذلك حدة ذهنه وقوة ذاكرته وسعة اطلاعه وكثرة محفوظه مع حرية قلمه، وكان يطلق لقلمه العنان غير محاذر، وأظنه السبب فيما نراه ببعض مؤلفاته من المجون الذي تنفر منه طباعنا وتمجه أذواقنا، على أن المجون إذا لم يتجاوز حده كان إحماضا أو هو بمثابة الملح للطعام، وذلك كثير في كتابات المترجم ؛ مما يرغب المطالع في المطالعة فلا يمل منها وإن طالت. ومن خصائص كتابة الشيخ أحمد فارس السلاسة وارتباط المعاني بعضها ببعض وانتساقها مع التوسع في التعبير وتتبع الموضوع إلى جزئياته مع مراعاة الموضوع الأصلي والعود إليه، وترى ذلك واضحا في كتابه «كشف المخبا» فإذا أراد وصف عادة من عادات أهل باريس مثلا فإنه يتطرق منها إلى ما يماثلها من عادات العرب أو الأتراك، فيذكر وجه الخطأ هنا أو هناك وما هو سبب هذه العادة، وربما جاء بتاريخها ومن جاء بها حتى يخال لك أنه خرج عن الموضوع، ثم لا تشعر إلا وقد عاد بك إليه بغير تكلف، وكل ذلك بغاية السلاسة والطلاوة مع البلاغة. وترى في مؤلفاته كثيرا من الألفاظ العربية جاء بها للتعبير عن معان حديثة إفرنجية لم تكن عند العرب وهي في الغالب تدل على حسن اختياره. ومن الأدلة على اقتداره في التعبير أنه مغال، فإذا مدح بلغ ممدوحه عنان السماء، وإذا هجا أنزل مهجوه دركات الجحيم، وترى كتاباته على بلاغتها وحسن سبكها تتجلى فيها البساطة والسهولة كأن كاتبها كان يكتب كل ما يمر بذهنه على غير تكلف أو مراعاة لخطة الكتاب قبله، وهو استقلال في الرأي واعتماد على النفس.»
ولم يفتر عن معاناة العلوم والمطالعة والتأليف حتى ضعف بصره وأثقلت الشيخوخة كاهله، فأوقف الجريدة وهبط مصر سنة 1885 حيث أكرم الوزراء والعلماء وفادته، وأثناء إقامته هناك نال شرف المثول لدى الخديو توفيق الأول الذي أثنى على خدمه الطويلة في سبيل إعلاء شأن اللغة العربية، ثم عاد إلى القسطنطينية ولم يفارقها حتى حل به القضاء المحتوم في 20 أيلول 1887 وهو في السنة الرابعة والثمانين من عمره، فأذاعت شركة روتر التلغرافية نبأ وفاته في أطراف المعمور ورثته جرائد الشرق والغرب بما يستحقه من الثناء، وبعد تسعة أيام شيعت جثته من الآستانة لتنقل إلى جبل لبنان مسقط رأسه، فجرى له مشهد فخيم اشترك فيه وزراء السلطنة وسفراء الدول الأجنبية والأمراء والعلماء والأطباء والتجار والأعيان وأرباب الجرائد، وقد دفنت جثته في الحازمية بغاية التعظيم والتكريم إلى جانب قبور المتوفين من حكام جبل لبنان، وقد جمع يوسف آصاف في كتاب عنوانه «هو الباقي» ترجمة الفقيد مع بعض ما ورد في رثائه من أقوال الجرائد وقصائد الشعراء التي أجمعت بأسرها على إكبار الخطب بفقده، فمن ذلك ما كتبته جريدة «الوطن» في القاهرة: «فالجرائد العربية بهديه اهتدت وبمثاله اقتدت ... فكان كالبحر الزاخر، الذي لا أول له ولا آخر، بل كان آية من آيات الله الكبرى في نثره ونظمه وتآليفه وتصانيفه.»
وإليك فقرة من جريدة «الاجيبسيان غازت» في القاهرة أيضا: «وللفقيد جملة رحلات في أوروبا وتونس والجزائر مع عدة تآليف غراء فريدة في بابها، وكان عزيزا بين قومه، محبوبا لدى العظماء، مقربا من الملوك والأمراء، فكانوا يقدمون له أنفس الهدايا وأسمى النياشين الافتخارية، وقد أنشأ الجوائب في الآستانة العلية متوليا تحريرها، فنال أعظم شهرة في حسن التعبير والتحبير وبلاغة الإنشاء وفصاحة العبارة، وأحرزت الجريدة بذلك أهمية ما نالتها قط جريدة عربية لا قبلها ولا بعدها، ولا شك أننا بفقد هذا العلامة العظيم فقدنا أعظم ركن للأدب.
وكان لأحمد فارس مراسلات مع عظماء العالم وملوكهم، وقد وجدوا بين أوراقه بعد وفاته مئات من هذه الرسائل التي تدل على علو منزلته وسعة معارفه واشتهار صيته، ومما يؤخذ عليه إطالة لسانه وقلمه في حق الذين ناظروه من جهابذة العلم أثناء مجادلاته معهم، كما أثبتنا ذلك عندما ذكرنا أخبار جريدة «الجوائب».
الفصل الخامس
الكونت رشيد الدحداح
فتاهت أرض باريس افتخارا
وعزت إذ حوت شهما هماما
غدا في تربها كنزا دفينا
وجاور في الثرى قوما فخاما
فقلت مؤرخا ذكراه توا
إلى باريس إحمل لي سلاما
لأسرة الدحداح شهرة بعيدة في جبل لبنان، ويرتقي أصلها إلى جدها الأعلى الشيخ جرجس الذي كان مقترنا بابنة غزال القيسي الماروني مقدم العاقورة في الربع الثالث من القرن الرابع عشر، وإلى هذه الأسرة ينتمي صاحب الترجمة الذي نذكر هنا أخباره باختصار فنقول:
هو الشيخ رشيد ابن الشيخ غالب ابن الشيخ سلوم ابن الشيخ موسى ابن الشيخ يوسف ابن الخوري جرجس ابن الخوري يوسف ابن الخوري ميخائيل ابن الشيخ جرجس الدحداح، ولد سنة 1813 في عرامون إحدى قرى كسروان من جبل لبنان، ثم أرسله أبواه إلى مدرسة «عين ورقة» حيث أتقن أصول اللغة العربية وفروعها، ودرس اللغتين السريانية والإيطالية وسائر العلوم، وبعد ذلك دخل مدرسة بزمار للأرمن الكاثوليك فاشتغل في تحصيل اللغة التركية وبرع فيها.
وسنة 1838 عينه الأمير بشير الكبير حاكم لبنان كاتبا لأسراره، فلبث في هذه الوظيفة حتى خلع الأمير ونفي من الجبل، وسنة 1843 ذهب إلى صيدا فانصب على درس الشريعة الإسلامية إلى أواخر عام 1845 بحيث سافر إلى مرسيليا وتعاطى فيها التجارة اثنتي عشرة سنة، ثم رحل مع عائلته إلى باريز واقفا نفسه على خدمة الآداب العربية التي برز فيها علما وعملا، فنال فيها القدح المعلى.
ومن مآثره الأدبية أنه نشر بالطبع شرح ديوان الشيخ عمر بن الفارض في نحو ستمائة صفحة، ثم أنشأ في اللغتين العربية والفرنسية جريدة «برجيس باريس أنيس الجليس» التي شحنها بالمقالات الرنانة في السياسة والتاريخ واللغة والأدب، فذاعت شهرتها شرقا وغربا، وعرب رسالة عنوانها «كتاب التمثال السياسي» بقلم المسيو دي لاكيرونيار أحد وزراء فرنسا في عهد نابليون الثالث، وطبع كتاب «طرب المسامع في الكلام الجامع» الذي جمع فيه أشعارا لأشهر شعراء العرب، ونشر في مرسيليا بمعاونة الشيخ سمعان ابن عمه معجما عربيا للمطران جرمانس فرحات بعد أن هذبه ورتبه وأصلح ما فيه من الأغلاط، فأطنب في مديحه المجمع العلمي الفرنسي
L’Académie Française
وأحسن صلته، ثم ألف كتاب «قمطرة طوامير» الذي طبع أولا في فينا وثانيا في باريز وقد ضمنه مقالات لغوية وفوائد أدبية، ونشر كتاب «فقه اللغة» في باريس لأبي منصور الثعالبي، وألف كراسة في فن المناظرات سماها «ترويح البال في القلم والمال» لم تنشر بالطبع. ومن مؤلفاته التي لم تزل مخطوطة ديوان شعر وكتاب «السيار المشرق في بوار المشرق» وهو تاريخ كبير في مجلدات شتى، وله غير ذلك من المناظرات الأدبية والمقالات اللغوية والمراسلات نثرا وشعرا التي جرت بينه وبين فطاحل اللغة العربية كالأمير عبد القادر الحسيني الجزائري، والشيخ ناصيف اليازجي، وأحمد فارس الشدياق، والشيخ محمود قبادو التونسي، وغيرهم.
وفي خلال سنة 1862-1864 حضر باي تونس إلى فرنسا فتقرب إليه صاحب الترجمة وساعده على قرض مالي بشروط موافقة جدا لم يكن ليرجو الباي الحصول على بعضها، سيما وأن الثقة بمالية المملكة التونسية وإدارتها كانت مفقودة في ذاك العهد؛ فسر الباي من مساعي الشيخ رشيد وكافأه بمبلغ عظيم على سبيل الهدية تقديرا لصدق خدمته، وقد مدح المترجم باي تونس بقصيدة لامية ذات 83 بيتا عارض فيها معلقة كعب بن زهير، وهذا مطلعها:
بانت سعاداتنا والفتح مكفول
باسم المليك فلا تلهيك عطبول
وفي سنة 1867 منحه البابا بيوس التاسع لقب «كونت» يتسلسل في أبكار أنجاله الذكور من بعده ، ثم شملت هذه النعمة جميع أبناء الكونت رشيد وسلالتهم من بعدهم، وسنة 1875 ابتاع على ساحل بحر المانش في شمال فرنسا قرية صغيرة تدعى دينار
Dinar
مع الأراضي المجاورة لها فأنشأ فيها بلدة تعد من أنظم البلدان وأحسنها موقعا وأجودها مناخا، وهي الآن إحدى المرافئ المعدودة في فرنسا، بحيث اتصلت بها السكة الحديدية وصارت مصيفا لأغنياء الإنكليز وسواهم الذين يقصدونها لقضاء فصل الحر، ثم شيد فيها قصرا فخيما دعاه «قصر الضفتين» وفي اللغة الفرنسية
chateau des deux rives
وأقام فيه على سعة العيش مع أولاده وأحفاده. وتصرم حبل حياته في 5 آيار 1889 بالغا السنة السادسة والسبعين من عمر قضاه في مزاولة العلم والمساعي المبرورة والأعمال المشكورة.
الفصل السادس
خليل الخوري
يا هلالا قد أرانا
في الدجى وجها جميلا
سوف نلقى منك بدرا
كاملا يدعى خليلا
هو خليل بن جبرائيل بن يوحنا بن ميخائيل بن عبده الخوري، أبصر النور في 28 تشرين الأول 1836 في الشويفات من أعمال جبل لبنان، وبعد زمن قليل انتقل والده إلى بيروت، فتلقى المترجم أصول اللغة العربية في مدرسة الروم الأرثوذكس وزاولها حتى أتقنها، ثم تعلم اللغتين التركية والفرنسية على أساتذة مخصوصين فأجاد فيهما. وفي غرة كانون الثاني 1858 أنشأ صحيفة «حديقة الأخبار» فكانت أول جريدة عربية صدرت برخصة رسمية من طرف الحكومة العثمانية خارجا عن عاصمة السلطنة، ولهذا كان خليل الخوري من أخص رجال النهضة الأدبية في سوريا في القرن التاسع عشر بما وضعه من التآليف أو نشره على صفحات جريدته من النبذ المفيدة والمباحث المختلفة. وقد نظم الشعر منذ حداثته فنبغ في هذا الفن كما شهد له بذلك الشيخ ناصيف اليازجي في قصيدة مدحه بها وختمها بالبيتين المنشورين تحت رسم صاحب الترجمة وهما هذان:
وخلف صاحب الترجمة ستة دواوين شعرية في مواضيع مختلفة بلغ مجموع أبياتها 10874 بيتا وهي: أولها «زهر الربى في شعر الصبا»، وثانيها «العصر الجديد»، وثالثها «السمير الأمين»، ورابعها «الشاديات»، وخامسها «النفحات»، وسادسها «الخليل» والأخير وحده لم يطبع، وهنا ننقل عن «مجلة النور»
1
المطبوعة في الإسكندرية ما كتبه جرجي بن نقولا باز صاحب مجلة «الحسناء» في وصف شعر المترجم قال:
نظم الخليل الشعر في أربعة أدوار حياته فتى وشابا وكهلا وشيخا، وشعره طبيعي منسجم في غاية الرقة والطلاوة والسلاسة حتى جازت تسميته بالسهل الممتنع. وجل ما تناوله من المواضيع الغزل والمديح والتهنئة والرثاء وغيره. وله تواريخ أبجدية عديدة ضم بعضها إلى ما طبع من منظوماته. وامتاز بمدح جلالة السلاطين العظام، ووصف رجال الدولة، وبيان عظمة السلطنة؛ حتى دعي بحق «شاعر الدولة». وبمناسبة بعض قصائده نال الوسام المجيدي وبلغ المحظوظية السلطانية بإرادة سنية عدة مرات، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الفرنسية المسيو رينو رئيس «الجمعية الآسيوية» في باريز ونشرها في مجلة الجمعية ونشر بعضها في جريدة «الديبا» وغيرها من صحف الفرنسيس المعتبرة. وكتبت عنه جريدة الديبا وقرظت بعض قصائده كالعناب والرمان وغيرهما. وترجمت قصيدته «الزيارة القدسية»، التي قدمها إلى إمبراطور النمسا حينما زار القدس، إلى اللغة النمسوية ونشرت في جريدة «فينيراباندا بوسط». وكتب عنه لامرتين الشاعر الإفرنسي مقالات أذاعت فضله في أوروبا، ويقال إنه نظم له بعض قصائده المترجمة ونشرها، وكان بينهما صداقة ومراسلة، ومثلها كان لشاعرنا مع كثير من شعراء الترك والفرس والعرب. وكتبت مرة عن شعره وسيرته جريدة «المورنن بوست» الإنكليزية. وقد كان بالإجمال شاعرا مطبوعا سيال القريحة، واسع الخيال، لطيف المعاني، رقيق الغزل، مكثرا من النسيب وإيضاح خفايا الحب ووصف وقائع المحبين؛ حتى سمي «قيس زمانه وجميل عصره» وعد من مشاهير شعراء العرب الممتازين بالوصف الغرامي، وما خلا شعره من لمحات فلسفية وردت في بعض قصائده. وقد عزز الشعر بعدم استخدامه إياه وسيلة للاستجداء وجني المال. ومما يروى عنه أنه عندما زار سوريا سعيد باشا خديو مصر في سنة 1859 مدحه عدة شعراء فأجازهم بجوائز مالية بين العشرة والخمسة عشر جنيها، أما الخليل فلم يقبل الجائزة على قصيدته «السعادة»، بل كتب في حديقته أنه نظمها إظهارا لإحساساته لا طمعا بالمال؛ لعلمه أنه جاء الوقت الذي يجب فيه ألا تكون كلمة «شاعر» مرادفا لكلمة «متسول» واقتدى به وقتئذ الشاعر أسعد طراد ، ولذلك اشترك الخديو بخمسين نسخة من الخديو بكل سرور وإعجاب.
وله غير ذلك كثير من الآثار الأدبية التي نورد منها: (1) «النعمان وحنظلة» وهي رواية تمثيلية. (2) «وي إذن لست بإفرنجي» هو كتاب أخلاقي وضعه على أسلوب القصة وضمنه انتقادا دقيقا على الأخلاق والعادات مع ملاحظات لطيفة على المتنبي وألفنس دي لامرتين. (3) «خرابات سوريا» خطاب ألقاه في 15 آذار 1859 في الجمعية العلمية ببيروت. (4) «تاريخ مصر» وضعه بإيعاز من سعيد باشا خديو مصر وهو غير مطبوع، فأتمه سنة 1864 وقدمه للخديو إسماعيل الذي أجازه عليه بألفي جنيه. (5) «النشائد الفؤادية» يتضمن ترجمة فؤاد باشا الصدر الأعظم مع القصائد التي نظمها له المؤلف. (6) «تكملة العبر» عربه عن كتاب تاريخي وضعه في اللغة التركية صبحي باشا والي سوريا سابقا، وهو تتمة لتاريخ ابن خلدون ويتضمن اقتسام قواد الإسكندر الكبير ممالكه بعد وفاته. (7) «الدولة العثمانية في الماضي والحال والاستقبال» هو خطاب فرنسي لمدحت باشا نقله صاحب الترجمة إلى اللغة العربية. (8) «الدستور» تولى بموجب إرادة سلطانية إدارة ترجمته من التركية إلى العربية بقلم نوفل بن نعمة الله نوفل الطرابلسي. (9) «الكواكب العثمانية في تاريخ الدولة العلية» تاريخ شعري منقطع النظير يتضمن منشأ سلاطين آل عثمان وعلو شأن دولتهم، وقد انتهى به إلى أواخر عهد السلطان محمود الثاني، وهو من بحر واحد وقافية واحدة وفيه ما يزيد على 3100 بيت. (10) مقتطف تاريخي من كتاب «روضة الأوائل والأواخر» لابن الشحنة.
وانفرد بعدم الاستجداء بشعره عن سائر شعراء عصره كما سبق القول، ولكنه نال عدة جوائز مهمة أتحفه بها الملوك والعظماء وهي: خاتم من الماس أنعم به عليه إسكندر الثاني قيصر روسيا، وخاتم آخر من الماس أهداه إياه الغراندوق قسطنطين شقيق القيصر المشار إليه، وخاتم من الفيروز أكرمه به ملك إنكلترا إدوار السابع، وعلبة من الذهب الإبريز يعلوها إكليل مرصع بثلاثة وعشرين حجر الماس نالها من صادق باشا باي تونس، ومسبحة من المرجان أتحفه بها الصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي، وخاتم من الزمرد دائره مرصع بالماس أهدي له من الغراندوق نقولا، وما خلا ذلك فإنه نال شرف المثول لدى بعض الملوك والأمراء، وراسله كثير من رجال الدولة العثمانية ومشاهير أدباء العصر.
وبعد فتنة سوريا سنة 1860 عينه فؤاد باشا مأمورا بمعيته، وسنة 1865 فوضت إليه ولاية سوريا إدارة مطبعتها وجريدتها الرسمية بإرادة سلطانية، وسنة 1870 تعين مفتشا للمكاتب غير الإسلامية ومديرا للمطبوعات في ولاية سوريا ومفتشا فخريا لمدارس جبل لبنان ومطبوعاته، وسنة 1880 صار مديرا للأمور الأجنبية في الولاية المذكورة، ومن مآثره المبرورة أنه أنشأ الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في بيروت.
وسنة 1887 سافر إلى لندن حيث اقترن في 4 آب بالسيدة ظافر بنت حبيب نوفل وحفيدة موسى بسترس، وقد جرى لزفافهما احتفال شائق شهده أكابر القوم، ثم جاء العروسان إلى بيروت، وبعد مائة يوم من تاريخ القران المذكور أصيب الخليل بفقد زوجته التي قصفتها يد المنون في السنة الخامسة والعشرين من عمرها، وفي 26 تشرين الأول 1907 فاضت روحه فأقيم له مأتم عظيم وأبنه مطران الأبرشية وبعض الأدباء والشعراء، وهي السنة التي أتم فيها السنة الخمسين من تأسيس «حديقة الأخبار» القديمة العهد، أما الرتب والنياشين التي أحرزها في حياته فهذه أسماؤها: (1)
الرتبة الأولى من الدولة العثمانية. (2)
الوسام العثماني الثاني من الدولة العثمانية. (3)
الوسام المجيدي الثاني من الدولة العثمانية. (4)
وسام إيزابلا الكاثوليكية من إسبانيا. (5)
وسام القديسة حنة من روسيا. (6)
وسام تاج بروسيا من بروسيا . (7)
وسام شير خورشيد من إيران. (8)
وسام فرنسيس يوسف من النمسا والمجر. (9)
وسام تاج إيطاليا من إيطاليا. (10)
وسام موريس ولازار من إيطاليا. (11)
وسام المخلص من اليونان. (12)
وسام النسر الأحمر من ألمانيا.
الفصل السابع
رزق الله حسون
نشأت أسرة حسون الأرمنية في بلاد العجم، وقيل في ديار بكر، وقد أشار المترجم إلى هذا في قوله من قصيدة:
ديار كرج وأرمن وطني
قبل انتقال أبي إلى أخرى
فجاء جدها الأعلى وسكن حلب وولد أولادا ذهب أحدهم إلى مدينة أزمير، فبقي اسم أولاده أولا بني حسون ثم عرفوا ببني حلب أوغلي (أي أولاد حلب) وهم فيها بهذا الاسم الأخير إلى عهدنا، وذهب أحدهم إلى الآستانة قبل تغيير اسمهم «حسون» وبقيت سلالته فيها باسم بني حسون إلى عهدنا، ومنهم نشأ البطريرك حسونيان (وزيادة الياء والألف والنون من اصطلاحات اللغة الأرمنية)، وكان من رجال الفضل والعلم، ولا تزال بقية أسرته في الآستانة إلى يومنا. وذهب أحد أولاد حسون الجد الأعلى المذكور إلى القطر المصري، أما ولده الآخر فبقي في حلب ومن أسرته ولد المترجم نحو سنة 1825، فتعلم فيها مبادئ القراءة وأتقن الخط على الشيخ سعيد الأسود الحلبي الشهير بجودة خطه. وما ترعرع حتى انتقل إلى دير بزمار وهو دير لرهبنة الأرمن الكاثوليك الأنطونية وفيه مقر الرئيس العام وموقعه في ساحل كسروان من أعمال لبنان، فدرس العلوم اللاهوتية واللغات الفرنسية والتركية والأرمنية والعربية والعلوم الرياضية. وكان نابغة في جودة حفظه وذكائه حتى إنه نظم الشعر وهو تلميذ، وذلك أنه لما استقدم المطران باسيليوس عيواظ إلى دير بزمار ليسام فيها أسقفا على الأرمن في حلب وتمت سيامته في 4 فبراير (شباط) سنة 1838 أنشده رزق الله قصيدة من نظمه وهو في الثالثة عشرة من عمره.
ولما أتم دروسه في بزمار عاد إلى مسقط رأسه حلب وكان يمارس التجارة لأن والده كان غنيا. وكثيرا ما كان يختلف إلى دار قنصلية النمسا في حلب حيث كان والده ترجمانا فيها؛ فيتمرن على أعمال الترجمة في القنصلية، ثم نزعت نفسه إلى طلب العلى فذهب إلى أوروبا وطاف في لندن وباريس، وجاء مصر واستنسخ كتبا كثيرة؛ لأنه كان ولوعا بالمطالعة، كثير الميل إلى صناعة الخط التي عرف بيتهم بها، كما أشار إلى ذلك بقوله من قصيد:
لا خاملا لا دنيا منشئي حلب
فسل وهاك بفضلي يشهد القلم
ثم عاد إلى الآستانة وتقرب من رجالها ونال منزلة عندهم، واتخذه الحاج أبو بكر آغا القباقيبي من كبار أغنيائها وتجارها وأعيانها مديرا لشئونه ومؤتمنا على أمواله، وبواسطته استخدم في الحكومة. وقد اتصل بالمرحوم يوسف جلبي الحجار وتزوج السيدة متيلدة ابنته سنة 1848، وأرخ ذلك بطرس كرامة بقوله من أبيات:
فلا زلتما طول الزمان بصحبة
وعيش رغيد برده الأمن والرفد
زفاف سعيد والهناء مؤرخ
مواف لرزق الله بالخير ما تلد
وقد كان بينه وبين أدباء عصره في سوريا ومصر والآستانة مراسلات ومساجلات ولا سيما وطنيه الشاعر نصر الله الطرابلسي المشهور وأحمد فارس الشدياق وبطرس كرامة، وغيرهم ممن جاء بعدهم مثل فرنسيس مراش وشقيقه عبد الله، وجبرائيل الدلال وشقيقه نصر الله من مواطنيه، والقس لويس الصابونجي وديمتري شحادة الدمشقي والمطران أغابيوس صليبا الأرثوذكسي وخليل الخوري وغيرهم. ولقد عرف رؤساء الأساقفة بعهده ومدحهم، من ذلك أبيات موجودة بخطه في دار بطريركية الروم الكاثوليك بدمشق؛ مدح بها الطيب الذكر البطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي الشهير سنة 1842م/1252ه، مطلعها:
صرفت كربة من ناجاك مبتهلا
ولم ترد صرف من ينحوك ذا بدد
وقال من قصيدة مدح بها الطيب الذكر البطريرك بولس مسعد الماروني الشهير:
إمام على سر الإله أمين
أضاءت بنور من سناه دجون
بدا علما في أوج لبنان للهدى
ولبنان للدين القويم عرين
سمي الإناء المصطفى نعته الصفا
على نسج أسلاف طوته قرون
هو البطريرك الندب بولس ذو الحجا
وكعبة فضل للزمان جبين
وختمها بقوله:
ودونكم نظم ابن حسون فائقا
بمعنى وألفاظ لهن رنين
ومن ذلك ما بعث به إلى صديقه بطرس كرامة شاعر الأمير بشير الشهير من قصيدة ذكرت في ديوانه صفحة 385 منها:
خدين المعالي وابن بجدتها الفرد
بقيت بقاء الدهر يخدمك السعد
وزادك رب العرش أسنى كرامة
قرين بها الإقبال والفخر والمجد
ولا زلت في أمن وموفر نعمة
ويمن أياد كسبها الشكر والحمد
وبعد فقد طال البعاد ومهجتي
يكاد من الأشواق يضرمها الوجد
فأبغي للاطمئنان منكم ألوكة
إذا لم يكن منكم قدوم هو القصد
فأجابه بطرس كرامة بأبيات تجدها في ديوانه ومنها قوله:
فلا تحسبوا بعدي بعادا وإنما
ودادي لكم قربا وبعدا هو الود
وإني لأرجو كل يوم لقاكم
ولكن دهري شأنه المنع والصد
فلا زلت رزق الله خدن كرامة
ويصحبك التوفيق والعز والسعد
ولما انتشبت حرب القرم بين روسيا والدولة العلية وتداخلت فيها الدول المتعاهدة منحازة إلى دولتنا سنة 1854؛ أنشأ المترجم جريدة «مرآة الأحوال» في دار السعادة، فكانت أول جريدة عربية فيها وكان يصف فيها حرب القرم ومواقعها ويكتب الفصول السياسية الدالة على حنكته، ويتطرق إلى وصف أحوال بلادنا ولا سيما بعلبك ولبنان وحاصبيا وما كان يجري فيه إذ ذاك من الفتن الأهلية، فذاعت جريدته شهرة وزادت نجاحا بعد ذلك إلى أن عطلها.
ولما نشبت حوادث سنة 1860 في سوريا وسفكت الدماء وتفاقم الخطب وجاء فؤاد باشا لإصلاح ذات البين كان صاحب الترجمة من رجاله، اتخذه لتعريب المناشير والأوامر التي يصدرها للشعب، وكان قد نال لديه حظوة أيام كان وزيرا للخارجية في أثناء حرب القرم ومدحه في جريدته «المرآة» وأثنى على بسالته حينما كان قيما على الجند بقيادة عمر باشا النمساوي في حرب القرم.
واتصل وهو في دمشق بالأمير عبد القادر الجزائري الشهير وله فيه مدائح نشر بعضها في كتابه «النفثات» الذي قدمه له، وتبادل المودة مع أدباء بيروت ودمشق ولبنان.
وعثر وهو في دمشق على كثير من الكتب المخطوطة القديمة وأحرزها، ومن جملتها إنجيل عربي وجده في قرية «عين التينة» قرب معلولا في جبل القلمون نسخ سنة 7045 لآدم و947ه/1540م)، فأهداها إلى المرحوم متري شحادة الدمشقي لما كان في القسطنطينية سنة 1863 وهو الآن في المكتبة البطريركية الأرثوذكسية في دمشق (عدد 1006)، وخطه كنسي جميل، وقد تفقد مكاتب دمشق القديمة ووقف على نوادر مخطوطاتها ونسخ بعض تعاليق مفيدة عنها كان يفيد بها المستشرقين بعد ذهابه إلى أوروبا.
ولما عاد فؤاد باشا إلى الآستانة نائلا منصب الصدارة العظمى سنة (1278ه/1861م) نال المترجم حظوة لديه فكان من خاصته. ولم يلبث فؤاد باشا أن صار عضوا في مجلس الأحكام العدلية في السنة الثانية من صدارته، وذهب إلى معرض مدينة لندن معتمدا عثمانيا سنة (1279ه/1862م) فأخذ المترجم معه، ولما عاد إلى الآستانة أعاده معه فرقاه إلى نظارة جمارك الدخان؛ فكثر حساده ومناوئوه واشتد الأمر بينه وبينهم، فوشي به أنه رمي بالغلول في مال الجمارك هو وبعض المستخدمين فسجن معهم، ثم فر إلى روسيا، وهناك أطلق لسانه بالانتقاد على الحكومة وألف رسالة بعنوان «قول من رزق الله حسون يبرئ نفسه من الغلول»، وذكر البعض أنه أنشأ جريدة في فرنسا لهذه الغاية، وذلك غير ثبت إلا إذا كان قد أعاد نشر جريدة مرآة الأحوال. ثم توسط في أمره فقبلت الحكومة أن ترسل إليه أسرته أي زوجته وأولاده فلم يقبل إلا بجميع مطاليبه منها؛ فأوغر صدر السلطان عبد العزيز عليه، فطلب من الحكومة أن تمنعه عن التنديد بالدولة فلم يصخ لها سمعا بل غادرها وحل لندن، وأصدر فيها جريدته «مرآة الأحوال» وخصها بالشكوى من أعمال بعض موظفي الحكومة لعهده. وقد رأيت منها العدد السادس عشر بتاريخ 18 كانون الثاني سنة 1877 مكتوبا بخطه الجميل مطبوعا على الحجر وفيه مقالات سياسية بليغة. وكان يكتب فيها كثير من أدباء عصره ومواطنيه ولا سيما المرحومان جبرائيل الدلال وعبد الله المراش شقيق الشاعر الشهير فرنسيس مراش. وكان قد أصدر مجلة عربية عنوانها «رجوم وغساق إلى فارس الشدياق» نشر منها عددين في لندن؛ الأول في 4 آيار سنة 1868 في 14 صفحة صغيرة، والثاني في 5 آيار سنة 1868، وذلك ردا على المرحوم أحمد فارس الشدياق صاحب «الجوائب» على أثر ما حدث بينهما من الخصام الشديد. وكانا يتناظران مناظرات موجعة شديدة اللهجة، وكان يبيع من «مرآة الأحوال» في سنتها الأولى في لندن 450 نسخة.
ثم عطل مرآة الأحوال ونشر مجلة عربية طبعت في لندن سنة 1879 كانت تصدر كل خمسة عشر يوما مرة عنوانها «حل المسألتين الشرقية والمصرية». وهي أول مجلة عربية شعرية؛ لأنها كانت قصائد تبحث في هذه المواضيع، فاجتمع منها مجلد بقطع ربع في أكثر من ثلاثمائة صفحة.
ثم انقطع بعد ذلك إلى النسخ والاشتغال بتصحيح حروف الطباعة العربية في أوروبا ومساعدة كثير من المستشرقين حتى بلغ ما استنسخه من نفائس الكتب أكثر من عشرين، أهمها «ديوان الأخطل» و«ديوان ذي الرمة» و«المتمم» لابن درستويه و«الأناجيل المقدسة» ترجمة أبي الغيث الدبسي الحلبي و«ديوان حاتم الطائي» وهذا طبعه كما سيجيء. ولا تزال بعض مخطوطاته في مكاتب روسيا وفرنسا وإنكلترا حيث كان يتردد بين هذه الممالك. وجاء حلب قبل وفاته بسبع سنوات متنكرا فتفقد مكاتبها واستنسخ منها بعض الآثار النادرة، ثم عاد إلى إنكلترا التي اتخذ معظم سكناه فيها ولا سيما قرية وندسورث حيث تفرغ لوضع كتبه وطبعها.
وعلى الجملة فإن رزق الله حسون كان سياسيا حرا يرغب في إصلاح الدولة العثمانية ويذهب مذهب كبار أحرارها كمدحت باشا وأعوانه. ولما ذهب مدحت باشا إلى لندن قابله فيها وسر به، ولا صحة لما شاع من أنه سعى في قتله.
أما منزلته الأدبية فإن نثره من النمط العالي المتين وسجعه كثير ينحو فيه نحو الأقدمين، وشعره يدل كثير منه على طبيعته، ولكنه كان قليل التدقيق في الأوزان ومراعاة الأصول الصرفية والنحوية؛ فيشبع الحروف التي لم يرد مسوغ لإشباعها، ويسكن ويحرك ويختار القوافي الصعبة، وهذا التكلف ظاهر في كتابه «أشعر الشعر». ومع هذا فإن بين قصائده فرائد بليغة فصيحة اللفظ متينة القوافي تعد من الطبقة العليا في الشعر. وقد خرج في بعض القصائد عن الطرق المألوفة؛ فلم يتقيد بقافية كما ترى في كتابه «أشعر الشعر»، وكثيرا ما يميل إلى الألفاظ المهجورة. وبقي بين المحابر والأقلام إلى أن توفي فجأة في مدينة لندن، وقيل إنه توفي مسموما، وذلك نحو سنة 1880 غريبا عن أسرته التي بقيت في الآستانة، وولده ألبير الوحيد حي إلى اليوم فيها. ولما شعر رزق الله بدنو أجله نظم احتضاره (على أصح الروايات التي محصتها) بهذين البيتين:
قد قضى الله أن أموت غريبا
في بلاد أساق كرها إليها
وبقلبي مخدرات معان
نزلت آية الحجاب عليها
وقد أتقن فوق اللغات التي تلقنها في بزمار وبرع بها اللغة الإنكليزية وألم بالروسية، وأهم ما وصلت إليه يد البحث من مؤلفاته ومطبوعاته هو: (1) «النفثات» وهو قسمان أولهما في تعريب قصص كريلوف شاعر الصقالبة التي وضعها على طريقة بيدبا الهندي في كليلة ودمنة ولافونتين الفرنسي في خرافاته ولقمان في حكاياته وما شاكل. عربها نظما في 41 قصة تقع في 69 صفحة بقطع ربع، وألحق بها نخبة من منظوماته من تواريخ وأوصاف ومدائح وشكوى. وبينها قطعة عرض فيها بالشيخ أحمد فارس الشدياق حتى إن الشدياق لما انتهت إليه قال فيها عبارته الشهيرة: «كان حسون لصا وله سرقات، فأصبح صلا وله النفثات.» وجميع هذا الكتاب يقع في 84 صفحة، وقدمه للمرحوم الأمير عبد القادر الجزائري نزيل دمشق وطبعه في لندن سنة 1867. (2) «أشعر الشعر» وهو نظم سفر أيوب الصديق في 74 صفحة بقطع ربع، فرغ منه في 29 نيسان سنة 1869، وهو في وندسورث (إنكلترا) ثم نشيد موسى النبي، ثم سفر الجامعة ونشيد الإنشاد لسليمان الحكيم ومراثي أرميا النبي، وهذه بدأ بنظمها في 28 نيسان سنة 1869 وأتمها في 3 آيار، والكتاب يقع جميعه في 136 صفحة وهو مطبوع في المطبعة الأميركية ببيروت سنة 1870، ووضع في أوله مقدمة قال فيها إن أيوب وهوميروس وشكسبير أشعر الخلق، وأشار إلى نظمه سفر أيوب في أيام اعتقاله، وأنه نظم الفصل الثامن عشر منه على أسلوب الشعر القديم بلا قافية، وقد كتب بعض الفصل نثرا بليغا، وربما أبقى بين ما نظمه في بعضها فقرات نثرية. وفي «أشعر الشعر» من الركاكة والجوازات الشعرية ما يدل على اضطراب بال المؤلف حين نظمه وسرعة إعداد بعض الأسفار الأخرى، فلم تمسه يد النقد ولا جال فيه خاطر التهذيب. (3) «السيرة السيدية» وهو عبارة عن مزج الأناجيل الأربعة المعروفة بالبشائر، طبع بمطبعة الأميركان في بيروت في 190 صفحة. (4)
رسالة مختصرة في «الطباعة العربية» والاقتصاد فيها ماديا ووقتا، وقد وجدت منها نسخة بخطه الجميل في مكتبة أسقفية الأرثوذكس بحلب فاستنسختها سأنشرها قريبا لفوائدها. (5) «ديوان حاتم الطائي» المشهور بكرمه، استنسخه عن نسخة قديمة وطبعه في لندن سنة 1872 في 33 صفحة. (6)
كتاب «المشمرات» طبع في سان باولو من أعمال البرازيل، سعت بطبعه إدارة جريدة «المناظر» منذ بضع سنوات. (7) «حسر اللثام» وهو كتاب جدلي تم تأليفه سنة 1859 ولا أظنه طبع.
ولقد ذكر المترجم كثير من المستشرقين وآخرهم ثناء عليه المسيو كليمان هوار الفرنسي في كتابه «تاريخ آداب اللغة العربية»، وقد اقتصر على ذكر كتابه «النفثات» وجريدته «مرآة الأحوال» في لندن ولم يذكر نشأتها في الآستانة.
عيسى إسكندر المعلوف
الفصل الثامن
ميخائيل مدور
لك الفعل الجميل وأنت عقد
لجيد الدهر والدنيا يزين
عليك وفاء حق العلم دين
وفيك محبة الأوطان دين
وأنت بذي الديار عماد مجد
وركن في أعاليها متين
وإن كان المدور ليس قطبا
لدور المكرمات فمن يكون
هو ميخائيل بن يوسف مدور، ولد في بيروت بتاريخ 30 تموز سنة 1822 ودرس اللغتين الفرنسية والإيطالية في مدرسة عين طورا، وقرأ قواعد اللغة العربية وفقهها بدون أستاذ؛ فأصاب منها سهما وافرا. وتعاطى التجارة مع إخوته إلى سنة 1852 وفيها اقترن بتاريخ 3 شباط بالسيدة روزا بنت نقولا صالحاني، وكانت سيدة فاضلة قرظتها وردة اليازجي بأبيات جاء فيها:
تنبهت العيون النرجسية
على نغم البلابل في العشية
ولكن غارت الأقمار لما
تجلى وجه روزا الصالحية
زهت باللطف في خلق وخلق
وأوصاف حسان عنبرية
أديبة عصرها من خير قوم
لهم شرف وأنساب سنية
بها افتخرت نساء العصر لما
رأت أخلاقها الحسنى الرضية
ثم صار ميخائيل ترجمانا في قنصلية فرنسا ولبث في هذا المنصب إلى آخر أيامه، وانكب على العلم ولا سيما على التاريخ وشعر العرب وأخبارهم حتى عد من فصحاء الكتبة في اللغتين العربية والفرنسية؛ ولذلك نال بكل استحقاق أن يكون عضوا في «الجمعية العلمية الآسيوية» في باريس وعضوا في «الجمعية العلمية السورية» في بيروت. وكان صديقا حميما للغوي المشهور الشيخ ناصيف اليازجي ، فطبع له مقامات «مجمع البحرين» على نفقته سنة 1854 بعد أن طبع مقامات الحريري، فأنشده الشيخ ناصيف قصيدة نفيسة نورد منها الأبيات الآتية:
ملكت الفضل في شرع وعرف
فليس على كمالك بعض خلف
إذا عدت رجال العصر يوما
فإنك واحد بمقام ألف
1
يسوغ لك المديح بكل لفظ
وليس يسوغ أن تهجى بحرف
غلبت الشعر في الأوصاف يا من
غلبت الناس في أدب وظرف
فلا يسع التأمل فيك فكري
ولا تسع الثناء عليك صحفي
والتقارير الرسمية التي كان يرسلها ميخائيل مدور للوزارة الخارجية في فرنسا شهدت له بالبراعة والحذق وجودة الآراء؛ فضلا عما كان له من المراسلات مع أعاظم علماء بلاده وعلماء الفرنسيس كالشاعر لامرتين وسواه. ثم سعى مع رؤساء طائفة الروم الكاثوليك في إدخال الحساب الغريغوري بدلا من الحساب اليولي عند الملة المذكورة. وكان أكبر عضد لخليل الخوري في تأسيس جريدة «حديقة الأخبار» القديمة العهد؛ فإنه ساعده ماديا وأدبيا على إنشائها وكتب فيها الفصول المفيدة والمقالات الإصلاحية؛ ولذلك قرظه خليل الخوري في العدد الخامس منها بما نصه:
قد جعل بمساعدته حديقة الأخبار أن تزهر برياض الشام وتجري من ثغر بيروت زلالا ترتشفه أبناء الوطن، وهي تكون مشروعا يؤمل بواسطته تقدم ونجاح المعارف والتهذيب في هذه البلاد.
وقد سعى سنة 1858 مع الكنت دي برتوي بطلب امتياز طريق العربات من بيروت إلى دمشق، وخدم الدولة العثمانية أثناء فتنة الشام سنة 1860 خدمة جلى؛ جلب له لأجلها فؤاد باشا الوسام المجيدي. وزار أوروبا بعد ذلك فقابل البابا بيوس التاسع في رومة ونال منه علامة شرف. وقابل نابليون الثالث ورجال دولته في باريس ثم تجول في إنكلترا وسويسرا وألمانيا والنمسا. وبعد عودته تملك عدة أراض في البقاع العزيز وجهات عكا وصار عضوا فخريا في مجلس بلدية بيروت. وقد اجتهد في جمع إعانة لجرحى العساكر الفرنسية في حرب سنة 1870 من أعيان سوريا ولبنان. وفي سنة 1872 شيد في قرية ثعلبايا سبيلا للماء؛ فنظم فيه سليم بك تقلا هذه الأبيات مؤرخا:
جزا الإحسان إحسان فيولى
جزاء الخير نخلتنا المدور
بظل الشاه سلطان عزيز
أقام بناه بالجهد المكرر
ببذل الدرهم الوضاح منه
سقى وراده ذوبان سكر
وعنه قيل تاريخ وفيه
ردوني وارشفوا سلسال كوثر
سنة 1872
جميل مدور؛ المحرر في جريدة «المؤيد» المصرية سابقا.
نجيب مدور؛ كاتب المقالات الشائقة في الصحف العربية والفرنسية.
وسعى في جلب مياه نهر الكلب إلى بيروت مع المسيو تفنن، ثم زاول التجارة إلى عام 1882 وبعد ذلك اعتنى بإصلاح أملاكه. وفي عام 1884 زار مصر وقابل خديويها توفيق الأول وأعاظم رجال وادي النيل. وفي آخر أيامه مال إلى العزلة والانفراد حتى توفاه الله في 12 آب 1889 بينما كان يتفقد أراضيه في عكا، فنقلت جثته إلى بيروت على باخرة مخصوصة ودفن في تربة أجداده بالتكريم. وقد أفاضت الجرائد العربية في تأبينه؛ لأنه كان عضدا كبيرا لتعزيز المعارف والمشاريع الوطنية، وكان منزله حافلا بالعلماء والأدباء والشعراء الذين نظموا فيه القصائد الرنانة التي لا تزال محفوظة عند أولاده وأحفاده، وأشهرهم الشيخ ناصيف اليازجي وولداه الشيخ إبراهيم والشيخ خليل، وسليم بك تقلا، وبشارة باشا تقلا، والخوري جرجس عيسى، والشيخ عمر الأنسي، والشيخ عبد الرحمن النحاس، وأسعد طراد، وخليل الخوري، والشيخ سليمان الحداد، والدكتور بشارة زلزل، وشاكر البتلوني، وإسكندر آغا أبكاريوس، وخليل شاهين المعلوف، والسيدة وردة اليازجي وغيرهم.
وخلف أربعة أبناء توفي منهم اثنان وهما نجيب وجميل اللذان اشتهرا كأبيهما في آداب اللغتين العربية والفرنسية، أما الأول فحلت منيته في 17 شباط 1907 بعدما خدم القنصلية الفرنسية كترجمان فخري نيفا وعشرين سنة بنشاط وأمانة استحق عليهما وسام «جوقة الشرف» من رتبة كافلير، وكان حائزا أيضا على «الوسام المجيدي» طبقته الثالثة ووسام «القديس غريغوريوس الكبير» من رتبة كومندوز. ثم ترك كثيرا من الآثار الأدبية نخص منها بالذكر كتاب «بلاد الأندلس وأهلها» وهو بحث تاريخي مدقق لم يزل غير مطبوع، وانتقد ترجمة كتاب «ألف ليلة وليلة» التي نقلها الدكتور يوسف مردروس من اللسان العربي إلى الفرنسي في مجلدات شتى فعلق عليها الشروح الوافية والآراء السديدة، إلا أن الوفاة عاجلته قبل نشر هذا الأثر النفيس بالطبع، وله أيضا مقالات شائقة في «البشير» و«الجنة» و«لسان الحال» في بيروت وجريدتي «الأهرام» و«الوقت» في الإسكندرية. وقد أرخ الشيخ ناصيف اليازجي ولادته بهذين البيتين:
يا حبذا النجل الذي بوروده
قد قيل هذا الشبل من ذاك الأسد
فكتبت والتاريخ كان مبشرا
هذا نجيب من نجيب قد ورد
سنة 1854
ونشر نجيب مدور المقالات الضافية في أعظم الصحف الفرنسية شهرة وهي: أولا
Journal Asiatiqne
وثانيا
Revue des deux Mondes
وثالثا
Les Debats
وغيرها. وسافر ثلاث مرات سائحا في بعض أنحاء أوروبا: أولا سنة 1878 فقابل البابا لاون الثالث عشر في مواجهة خاصة، وثانيا عام 1889 أثناء معرض باريس العام، وثالثا سنة 1903 لمشاهدة آثار التمدن الأوروبي الحديث. وكان حريصا على جمع الكتب ومطالعة تآليف الأقدمين، ونظم في صباه شيئا من الشعر، وقد وقفنا له على قصيدة مدح بها أحد العلماء مطلعها :
رقصت بلابلنا على الأغصان
وتغردت في أطيب الألحان
ثم قال في الممدوح:
هذا الذي نبع العلوم بصدره
يسقي البعيد ويستزيد الداني
ولأخيه جميل الذي ولد سنة 1862 آثار جديرة بالذكر خدم بها اللغة والتاريخ والصحافة، فمنها كتاب «حضارة الإسلام في دار السلام» الذي يغني ذكر اسمه عن وصفه، وقد قدر هذا الكتاب قدره وأنزله منزلة رفيعة كما يستحق كل من أحمد جودت باشا وزير المعارف العثمانية وأحمد مختار باشا الغازي المعتمد السلطاني في مصر سابقا وغيرهما من مشاهير الرجال، وقد كافأه عليه حينئذ السلطان عبد الحميد بجائزة مالية تنشيطا له على خدمة العلم. ومنها كتاب «تاريخ بابل وآشور» وكتاب «التاريخ القديم» ورواية «أتلا» وغيرها. وفي آخر حياته تولى تحرير جريدة «المؤيد» في القاهرة فأظهر من المقدرة الصحافية ما يشهد له بطول الباع في أساليب الإنشاء بين أدباء زمانه. وقد أدركته المنية في 24 كانون الثاني 1907 بعيدا عن وطنه وذويه ومأسوفا عليه من الرفيع والوضيع. وللشيخ ناصيف المشار إليه بيتان نظمهما مؤرخا ولادته وهما هذان:
لنخلة قد أتى نجل جميل
كما سمي فسر أبا وأما
دعوت فقلت بالتاريخ ينشو
غلام طابق الاسم المسمى
سنة 1862
الفصل التاسع
إلياس بك حبالين
المحرر في جريدة «لبنان» الرسمية
هو إلياس بن يوسف بن طنوس بن يوسف حبالين ولد في 5 تشرين الأول 1839 في قرية الزوق بجبل لبنان، وتعمد في 26 شباط سنة 1840 بيد المطران يوسف الخازن الذي ارتقى بعد ذلك إلى السدة البطريركية على الموارنة، ولما ترعرع أدخله والده مدرسة الآباء اللعازريين في عين طورا فأحرز نصيبا وافرا من العلوم العقلية والنقلية وأتقن آداب اللسانين العربي والفرنسي، ونظرا لبراعته الفائقة تعين أستاذا في أشهر مدارس بيروت حيث تخرج على يده كثير من التلامذة الذين ترقوا إلى أعلى المناصب وخدموا الوطن بالصحافة والتجارة وسائر الأعمال النافعة. وكان في اللغة الفرنسية بنوع خاص كاتبا نحريرا وخطيبا مصقعا حتى كان رجال الفرنسيس يعجبون بفصاحة لسانه وبلاغة يراعه. وفي سنة 1868 تولى تحرير جريدة «لبنان» الرسمية إلى حين احتجابها، وفي الوقت ذاته صار عضوا في «الجمعية العلمية السورية» التي قام فيها خطيبا مرات شتى وخدمها قولا وعملا؛ فكافأة السلطان عبد العزيز بالوسام المجيدي الرابع ونفحه بخاتم مرصع بالحجارة الكريمة، وجرى لذلك احتفال كبير في «مدرسة ثلاثة أقمار» شهده أرباب الحكومة وأعيان المدينة، وفي طليعة الجميع كان والي سوريا محمد رشدي باشا شرواني الذي قدم الهدية لصاحب الترجمة باسم الحضرة السلطانية، وقد قرظته جريدة «حديقة الأخبار» على هذه المنحة السنية بهذين البيتين:
ولاك سلطاننا السامي أجل على
بخاتم نوره كالنجم في الفلك
يومي بأنك في علم اللغات بما
أبداه جدك تحكي عزة الملك
ثم جعلته الحكومة الفرنسية ترجمانا أول لقنصليتها في بيروت حتى سافر سنة 1875 إلى وادي النيل، فأخذ يتقلب في وظائف الحكومة المصرية إلى أن فوضت إليه رئاسة قلم الترجمة في مجلس النظار، فنال ثقة أولياء الأمور واحترامهم باجتهاده وشهامة نفسه. وكافأه الخديو توفيق باشا بالرتبة الثانية والوسام المجيدي الثالث. ولنا على ذلك شهادة صريحة بما قاله عنه رياض باشا رئيس الوزارة المصرية حينئذ في مجلس حافل بأعاظم القوم وهي: «إن إلياس بك حبالين يستحق كل ثناء؛ لأنه كفؤ ليعيض عن عشرة رجال من ذوي الهمة والإقدام.» وكان في طائفته من ذوي الغيرة الوافرة ومن الذين أنشئوا لها «جمعية المساعي الخيرية» في القاهرة، وعلى يده عرفت هذه الجمعية رسميا من الحكومة المصرية وصودق على قانونها، وقد فاجأته المنية في 8 تشرين الثاني 1889 وجرى لتشييع جثته مشهد حافل، وأبنه فوق ضريحه كل من يوسف دياب وعزيز بك زند صاحب جريدة «المحروسة» سابقا. وكان سمين الجسم، طويل القامة، أسمر اللون، أجش الصوت، طاهر الوجدان رقيق المعاشرة، لا يمل جليسه من حديثه، ولا يسع ناظره لدى رؤيته إلا أن يقف له متهيبا، وكان سخيا يبذل الدراهم نسبة لحالته بأكثر من أقرانه.
الفصل العاشر
الحاج حسين بيهم
الحاج حسين بيهم؛ رئيس «الجمعية العلمية السورية» وأحد مؤسسي مجلة «مجموع العلوم».
إن غاب شخص أحبتي عن ناظري
فهم بقلبي والشمائل صورتي
أو غبت عنهم فالرجا من ودهم
أن ينظروا عند التشوق صورتي
هو الحاج حسين بن السيد عمر بن السيد الحسين بيهم العيتاني الشافعي ولد سنة (1249ه/1833م) في بيروت، وينتمي إلى عائلة جمعت كرم المحتد إلى الوجاهة والثروة وحب الأعمال الخيرية، وكان منذ حداثته كلفا بتحصيل المعارف والاجتماع بأهل الأدب والفضل، فقرأ على جهابذة زمانه كالشيخ عبد الله خالد والشيخ محمد الحوت. وبعد أن زاول التجارة حينا يسيرا نزع إلى العلم فبرع بفنون الإنشاء على اختلافها، ثم نظم الشعر فصارت له به ملكة راسخة بحيث كان يقوله ارتجالا في محافل الوزراء والكبراء والأدباء، فيأتي بالنادرة الغريبة التي كانت تسير سير المثل. وكان يصح له نظم التواريخ الشعرية بما يطرب ويعجب، فمن ذلك ما نظمه لما أتى فؤاد باشا إلى سوريا سنة (1860م/1277ه) وكان ناظر الخارجية، فوجهت عليه رئاسة الأحكام العدلية ثم أعيدت إليه في السنة التابعة نظارة الخارجية وهو في بيروت، فقال صاحب الترجمة في ذلك مؤرخا:
إن الفؤاد له في الملك معرفة
فالخارجية لم تترك نظارته
لذاك سلطاننا المنصور رد له
مع حسن أنظاره أرخ بضاعته
سنة 1278 هجرية
ومن شعره ما قاله في كأس فضة مؤرخا:
يا من يريد شرابا حل مورده
أو شرب ماء ليطفي حر غصته
اشرب هنيئا بكأس راق منظره
يحكي صفاتك أرخنا بفضته
سنة 1282 هجرية
وقال هذه الأبيات مشطرا:
الدهر يفترس الرجال فلا تكن
ذا غفلة عنه بحالات الطرب
واحذر معاداة الرجال وإن ترى
ممن تطيشه المناصب والرتب
كم نعمة زالت بأيسر نقمة
أردت بصاحبها إلى أردى العطب
أنسته ما قد طاب من أوقاته
ولكل شيء في تقلبه سبب
وكان حريصا على اقتناء الكتب النادرة حتى جمع مكتبة عظيمة، وهو لا يمنع طالبا من إعارة ما يريده منها بحيث كان الكتاب يبقى لدى المستعير أعواما وربما تناساه، وكان حاضر الجواب عالي الفكر عالما بأصول السياسة محبوبا عند الرفيع والوضيع، واشتهر بالصلاح ومناصرة العلماء وإغاثة المحتاجين من أي مذهب كانوا، وتقلد مأموريات شتى في خدمة الحكومة والوطن، فإنه تعين عضوا في «مجلس إيالة صيدا الكبير» ثم في «قوميسيون فوق العادة» ثم في «محكمة استئناف التجارة» ثم في «المجلس البلدي» ثم في «مجلس الإدارة» وغيرها، وتولى سنة 1869 رئاسة «الجمعية العلمية السورية» وأنشأ لها مجلتها التي سبق وصفها. وظهر اقتداره خصوصا لما انتدبه سكان وطنه ليمثلهم سنة 1878 في مجلس النواب العثماني للمرة الأولى، فذهب إلى الآستانة ونال حفاوة كبرى لدى وزراء السلطنة وأعاظم رجالها. وبعد عودته إلى بيروت اعتزل المأموريات منقطعا إلى الآداب والمطالعة وعمل الخير. وقد كافأته الدولة على ذلك بأن منحته رتبة «باية أزمير» الرفيعة، وكان وديعا متوقد الذهن شريف المبادئ طاهر السيرة والسريرة مقداما على المشاريع العمومية. ومن مآثره أنه أدى لجمعية «المقاصد الخيرية» في بيروت خدما تذكر فتشكر وكان من مؤسسيها الأفاضل. وحلت وفاته في 24 صفر 1298ه/24 كانون الثاني 1881، ثم دفن في اليوم التابع بمشهد حافل يشهد بفضله وعلو مكانته وكثرة عوارفه، وقد رثاه الشعراء بقصائد رنانة ضاعفت الأسف عليه والبكاء على خسارته، وقد أدرج جثمانه في ضريح والده، ونقشت عليه هذه الأبيات من نظم الشيخ إبراهيم الأحدب:
وفيه ثوى من بعد ذلك نجله
حسين فوفاه الكريم مناه
على أن هذا الفرع بالفضل والتقى
وكسب العلى والعلم فاق سواه
لقد كف عن دنياه أرخت حبه
ولاقى بجنات الخلود أباه
سنة 1298 هجرية
ومما رثي به الحاج حسين بيهم قول السيد محمد طاهر الأتاسي:
أيا حاملين النعش كيف حملتم
من الفضل طودا لا يوازنه العصر
ويا غاسليه ما دعاكم لغسله
أنغسله بالماء مع أنه بحر
وما دفنوه عند حد مقامه
فإن الثريا تشتهي أنها القبر
كأن بطون الأرض من ظلماتها
شكت فأتاها من منازله البدر
الفصل الحادي عشر
سليمان الحرائري
محرر جريدة «برجيس باريس»
ينتمي صاحب الترجمة إلى عائلة فارسية قديمة نزحت من بلاد العجم إلى شمال أفريقيا الأوسط، واسمه أبو الربيع عبده سليمان بن علي الحرائري الحسني ولد سنة 1824 في مدينة تونس، فقرأ العلوم الدينية أولا على علماء وطنه، ثم أكب على درس الطب والطبيعيات والرياضيات واللغة الفرنسية حتى أتقنها. وسنة 1840 ولاه باي تونس رئاسة الكتاب في مملكته، وبعد ست سنين من ذلك العهد رحل إلى باريس حيث عينته حكومتها أستاذا للغة العربية في مدرسة الألسن الشرقية. وأثناء وجوده في عاصمة الفرنسيس استلم تحرير جريدة «برجيس باريس» التي كان أنشأها الكنت رشيد الدحداح، فنشر فيها قسما من «سيرة عنترة» وكتاب «قلائد العقيان» للفتح بن خاقان ثم طبعهما على حدة. وعرب بعض الكتب الأوروبية في العلوم المستحدثة والاختراعات الجديدة، فكانت تعريباته دليلا على سعة اللسان العربي وكفايته للمعارف العصرية؛ فنهج المعربون بعد ذلك منهجه لا سيما المرسلون الأميركيون في بيروت. ومن مآثره العلمية «رسالة في حوادث الجو» طبعها سنة 1862 في باريس وضمنها خلاصة العلوم الطبيعية والظواهر الجوية، وألف سنة 1867 كتاب «عرض البضائع العام» الذي وصف فيه معرض باريس، ونقل إلى اللغة العربية كتاب «الأصول النحوية» بقلم مؤلفه لومون، ووضع رسالة في القهوة سماها «القول المحقق في تحريم البن المحرق» وغير ذلك. ونشر بالطبع كتاب «مقامات الشيخ أحمد بن محمد الشهير بابن المعظم» أحد أدباء القرن الثالث عشر للمسيح، وتوفي بالغا نحو السنة الخمسين من عمره.
الفصل الثاني عشر
يوسف الشلفون
يوسف الشلفون؛ منشئ صحف «الشركة الشهرية» و«الزهرة» و«النجاح» و«التقدم».
هو يوسف بن فارس بن يوسف الخوري الشلفون ولد سنة 1839 وتعد عائلته من أقدم العائلات المارونية في بيروت، وكان جده حاكما على ساحل لبنان بأمر الأمير بشير الثالث الشهابي الكبير، فدرس صاحب الترجمة أصول اللغة العربية وبعض اللغات الأجنبية في مدارس وطنه، ثم اتخذه خليل الخوري مرتبا للحروف في «المطبعة السورية» التي أنشأها سنة 1857 لنشر جريدة حديقة الأخبار، فتعلم حينئذ فن الطباعة وأتقنه حتى صار من الماهرين في هذه الصناعة التي زاولها أكثر أيام حياته. ولما جاء فؤاد باشا أثناء الفتنة الشهيرة عام 1860 استدعاه لترتيب المحررات الرسمية التي كانت تطبع في اللغتين التركية والفرنسية وترسل إلى سفراء الدول في القسطنطينية ومعتمديها في بيروت. وفي السنة التابعة أنشأ «المطبعة العمومية» التي نشر فيها أكثر من ستين كتابا بين دينية وفلسفية وجدلية وشعرية وتاريخية وعلمية وأدبية وفقهية وسواها. وسنة 1867 استدعاه داود باشا لترتيب مطبعة الحكومة اللبنانية في «بيت الدين» فقام المندوب بهذه المهمة القيام الحسن. ولما تأسست «الجمعية العلمية السورية» عام 1868 كان من أقدم أعضائها وتعين حارسا لمكتبتها، وقد ألقى في جلساتها خطبا وقصائد شتى نورد منها القصيدة التي أنشدها لدى افتتاح الجمعية قال في مطلعها:
بشرى لنا اليوم نور العلم قد لمعا
في أفقنا وضيا التهذيب قد سطعا
وفي بروج ربي بيروت بلدتنا
بدر المعارف بالآداب قد طلعا
وقطرنا نال من حظ التمدن ما
قد كان في نيله بالأمس ممتنعا
وقال في الختام مؤرخا:
وما بدا عام تاريخ به طلعت
بشرى لنا اليوم نور العلم قد لمعا
أما الصحف التي أنشأها فهي: أولا «الشركة الشهرية» سنة 1866 وقد مر ذكرها. ثانيا «الزهرة» سنة 1870. ثالثا «النجاح» سنة 1871 بالشركة مع القس لويس صابونجي السرياني الذي تركها له بعد حي. رابعا «التقدم» عام 1874، وسنروي أخبار الصحف الثلاث الأخيرة في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وسنة 1871 عقد شركة مع رزق الله خضرا لنشر الكتب، على شرط أن يقتسما نفقات المطبعة وأرباحها، فبقيت شركتهما سنتين ثم تنازل صاحب الترجمة لشريكه رزق الله خضرا عن امتياز جريدة «النجاح» والمطبعة، وسنة 1874 طلب رخصة من وزارة المعارف لإنشاء «المطبعة الكلية» وجريدة «التقدم» التي عاشت 15 عاما. وخلف يوسف الشلفون بعض آثار علمية نذكر منها: «ترجمان المكاتبات» وكتاب «تسلية الخواطر في لطائف النوادر» ورواية «حفظ الوداد» وديوان «أنيس الجليس». وفي سنة 1875 أذاع نشرة في 14 صفحة صغيرة يعلن فيها عزمه على طبع كتاب «عقود الدرر في أخبار مشاهير الجيل التاسع عشر» وافتتحها بهذين البيتين:
إليك كتابا به ترجمت
فضائل من بالبلاد اشتهر
وفيه فرائدهم نظمت
لذلك سمي عقود الدرر
غير أن هذا المشروع طوى عليه الزمان ولم يخرج إلى دائرة الوجود، ويقال إنه نسب لنفسه بعض القصائد المتضمنة في ديوانه وهي ليست من نظمه، بل إن ناظميها الحقيقيين كان القس لويس صابونجي والشيخ فضل القصار وأديب إسحاق وسليم نقاش ومصباح رمضان والله أعلم. وقد أضر به تقلبه في الأشغال والمبادئ، وتوفي خاملا سنة 1896 كما روى الأب لويس شيخو،
1
ويروى لأديب إسحاق بيتان قالهما على سبيل المداعبة في صاحب الترجمة وهما:
سألت فتاة العرب أنى اغتيالها
من العجم قالت إنهم شلفوني
فأشكوك فاشكوني لأهلي فإنني
فتاة سباني يوسف الشلفون
الفصل الثالث عشر
إبراهيم سركيس
إبراهيم سركيس؛ المحرر في «النشرة الشهرية» و«النشرة الأسبوعية» و«كوكب الصبح المنير».
وإن نقض البيت الذي أنا ساكن
فلي في السما بيت من الله قد بني
ونفسي تحيا عند فادي دائما
وإن يكن الجسم الترابي قد فني
ولد إبراهيم بن خطار سركيس عام 1834 في عبيه من أعمال جبل لبنان، وتلقى العلوم في مدرسة القرية المذكورة عندما كانت برئاسة الدكتور كرنيليوس فان ديك، وقد توفي والده سنة 1847، فنظم الشيخ ناصيف اليازجي بيتين يتضمنان تاريخا لينقش على قبره وهما هذان:
خطار سركيس في هذا الضريح ثوى
لكن له في مقاصير العلى دار
يقول في طي تاريخ أعد له
أنا إلى جنة الفردوس خطار
وبعد أن أنهى دروسه انتقل إلى بيروت وسكن فيها، فكلفه المرسلون الأميركيون بتبييض النسخة الأولى من الكتاب المقدس والإشراف على تصحيح مسوداتها التي كان يترجمها الدكتور عالي سميث من لغاتها الأصلية إلى اللسان العربي ، ثم عين مديرا للمطبعة الأميركية ومصححا لمطبوعاتها، فقام بهذه الوظيفة خير قيام إلى أن توفاه الله في 10 نيسان 1885 في بيروت، وكان كاتبا ضليعا أطرف «النشرة الشهرية» ثم «النشرة الأسبوعية» وجريدة «كوكب الصبح المنير» بالفصول العلمية والأدبية، ونظم كثيرا من الأشعار في مواضيع دينية يترنم بها أبناء الطائفة الإنجيلية في معابدهم، وعددها يزيد عن سبعين ترنيمة مطبوعة في كتاب «الترانيم والتسابيح» الصادر من المطبعة المشار إليها، وشعره لطيف الأسلوب قريب للأفهام خال من التعقيد كالبيتين المنشورين في أسفل رسمه، وله تقريظ حسن لكتاب «مجمع البحرين» وهو:
بنى اليازجي الفرد قطب زمانه
مقامات در زانها النظم والنثر
فلا تعجبوا للدر فيها لأنه
إلى مجمع البحرين ينتسب الدر
وألف مع أخيه شاهين كتاب «تحفة الأخوين إلى طلبة اللغتين» في الإنكليزية والعربية، ثم وضع كتاب «الأجوبة الوافية في علم الجغرافية» وكتاب «الدر النظيم في التاريخ القديم» وكتاب «الدرة اليتيمة في الأمثال القديمة» و«صوت النفير في أعمال إسكندر الكبير» و«أوضح الأقوال في متلف الصحة والصيت والمال» وكتاب «الأجوبة الوفية في العلوم الصرفية» وكتاب «الحساب العقلي»؛ وغير ذلك من التآليف العلمية والحسابية والفلكية والخطب والمقالات التي لم تشهر بالطبع. وكتب في مجلة «الجنان» فصولا شتى تدل على طول باعه في المعارف، وكان فاضلا أديبا بشوشا يذكره بالخير جميع المرسلين الأميركيين في هذه الديار؛ لأنه أفادهم كثيرا وأدى لمشاريعهم خدما وافرة، وقد نقشت على قبره الأبيات الآتية:
لحد لإبراهيم سركيس الذي
أسفا عليه كل دمع قد جرى
أبكى المعارف والحجا فقدانه
والبر والتقوى كما أبكى الورى
هذا خليل الله والناس الذي
ناداه رب العرش من أعلى الذرى
دفنوه في طي التراب فلم يزل
كالسيف في التاريخ يغمد في الثرى
سنة 1885
وكان لإبراهيم ثلاثة إخوة: أحدهم خليل سركيس منشئ «المطبعة الأدبية» وجريدة «لسان الحال» الذي سيأتي ذكره، وثانيهم أمين سركيس الذي توفي في 26 كانون الثاني 1896 بعدما تعاطى التجارة بكل استقامة، ثم ثالثهم وكبيرهم شاهين سركيس الذي ولد سنة 1830 في عبيه وهو والد الصحافي الشهير سليم سركيس ، وكان شاهين خطيبا مصقعا وكاتبا بارعا في اللغتين العربية والإنكليزية اللتين تلاهما في مدرسة عبيه. وفي سنة 1848 أسس المرسلون الأميركيون مدرسة في بيروت وعينوه رئيسا لها، فكانت الوحيدة في بابها ونبغ فيها عدد من الشبان على اختلاف المذاهب، ثم تنحى عن خدمة العلم إلى خدمة التجارة زمنا قصيرا، وكتب في «النشرة الشهرية» مع أخيه إبراهيم وله فيها المقالات العديدة. وعام 1865 انتدبته الرسالة الأسكتلندية إلى إنشاء مدرسة يتولى إدارتها فلبى الدعوى وأنشأ مدرسة جمعت نخبة الشبان وأحرزت نجاحا باهرا، ثم علم مدة في «المدرسة الوطنية» لمنشئها العلامة بطرس البستاني، ولبث في هذه الوظيفة حتى وافاه الأجل المحتوم في 23 آيار 1870 مذكورا بالثناء والرحمة، فرثاه الشيخ ناصيف اليازجي بقصيدة وردت فيها الأبيات المنشورة تحت هذا الرسم:
شاهين سركيس؛ المحرر في صحيفة «النشرة الشهرية».
قل للمدارس بعد شاهين اندبي
أسفا عليه وقد يقال لك اخربي
يربي الغلام مؤدبا في حجره
أضعاف ما في حجر والده ربي
كانت له الخطب التي يلقى بها ال
جم الغفير وليس بالمتهيب
الفصل الرابع عشر
حنا بك أبو صعب
حنا بك أبو صعب؛ المحرر في جريدة «لبنان» الرسمية.
لحنا قد أقر العرب طرا
بفوز بالسباق لدى الرهان
له شهد اليراع بحسن خط
كما سجد السيوف مع السنان
يتصل نسب المشايخ الصعبيين الموارنة بأبي صعب الأول المشهور الذي ولاه جبة بشراي عمر باشا والي طرابلس سنة 1649 وجعله شيخا عليها، وبعد موته أقر حسن باشا علي ابن الصجال على الجبة فتفرق الصعبيون وجاء أحدهم المسمى أبا جودة بلاد المتن وسكنها، وإليه تنسب عائلة أبي جودة المشهورة في قضاء المتن، وفي سنة 1680 تملك خالد أحد أحفاده تولا البترون وانتقل إليها ودعيت سلالته فيها بعائلة الزغبي، وفي سنة 1709 رحل منها حفيده يونان إلى المتين وسكنها وتسمت سلالته فيها بعائلة أبي سليمان، ونبغ منها جرجس ابن الخوري بطرس وتقرب من الأمير يوسف الشهابي، فكان من خواصه ورافقه في حروبه فأظهر شجاعة وحكمة ودهاء، فأحبه الأمير وولاه مقاطعة القويطع في شمالي لبنان وشيخه عليها ودعاه بأبي صعب وهي كنية جده الأعلى، وسيره إلى الشمال لإخماد فتنة حدثت فيه فأخمدها واستقر في مقاطعته، وتملك إحدى عشرة قرية واقعة بين جبة بشراي وبلاد البترون والكورة، واستحسن منها بقعة جميلة يجري فيها نهر «العصفور» وتظللها أشجار الأرز والصنوبر؛ فشيد بها أبنية له ولأولاده ورجاله، فانتقل إليها، فدعيت باسمه. ونبغ من هذه الأسرة رجال كبار تفوقوا في الغيرة والنزاهة والإقدام وتقلبوا في مناصب الحكومة في مدة قرنين وخدموا بلادهم خدمات صادقة خلدت ذكرهم في صفحات التاريخ كصاحب الترجمة الذي نورد أخباره فنقول:
هو حنا بن أسعد بن جرجس (المكنى بأبي صعب) ابن الخوري بطرس بن فاضل بن بطرس بن يونان بن موسى بن خالد بن ضاهر بن فارس (المكنى بأبي جودة) بن أبي صعب، ولد سنة 1820 في قرية «أبي صعب» وكان والده رئيسا أول للعساكر اللبنانية. وفي سنة 1823 توفي أبوه وقيل إنه قتل مسموما فاعتنت أمه بتربيته. ومنذ حداثته ظهرت عليه علائم الذكاء فتلقى أصول اللغتين العربية والسريانية على أشهر أساتذة ذلك العصر، وما كاد يبلغ السنة الرابعة عشرة من عمره حتى جعله الأمير أمين ابن الأمير بشير الشهابي الكبير رئيس كتبته مدة ستة أعوام، وأثناء إقامته هناك كان صاحب الترجمة يتردد على المعلم بطرس كرامة الشاعر المشهور فتعلم منه نظم الشعر حتى أتقنه كثيرا، ثم سافر سنة 1840 مع الأمير المشار إليه في رحلته إلى جزيرة مالطا والقسطنطينية، فانتهز الفرصة لدرس اللغات الإيطالية والفرنسية والتركية، وأكب على إتقان بعض العلوم كالفقه والمنطق والمعاني والبيان والرياضيات والحساب والفلك وغيرها، وتعلم أيضا صناعة الخط بقواعده وأوزانه أعني الثلث والنسخي والجلي والتعليق والديواني والرقعي حتى صار يضرب فيه المثل بجودة الخط، وعنه أخذ الخطاط المشهور علام بن يوحنا علام هذه الصناعة وأنشأ لها القواعد المتداولة الآن بين أيدي تلامذة المدارس في كل البلاد العربية، ولبث صاحب الترجمة في القسطنطينية حتى سنة 1849؛ أي قبل وفاة الأمير بشير التي حلت في 29 كانون الأول 1850.
فعاد إلى وطنه مشمولا بتعطفات السلطان عبد المجيد الذي منحه أوسمة الشرف، وقد تعين حينئذ كاتبا لمصطفى باشا الشكودري في بيروت، فلبث لديه سنة ثم صار ترجمانا لخلفه وامق باشا الذي أنعم عليه سنة 1855 بلقب البكوية. وهو أول من نال لقب «بك» بين نصارى جبل لبنان وبلاد الشام قاطبة. ثم سكن في «بيت الدين» مركز الحكومة اللبنانية وأنشأ فيها سنة 1852 مطبعة حجرية نشرت فيها بعض الكتب، وأهمها كتاب «شرح المعلقات» للزوزني فإنه أصلحه وكتبه بخط يده وطبعه في المطبعة المذكورة، وبعد ذلك صار «كتخدا» الأمير بشير أحمد اللمعي قائمقام نصارى لبنان، ولما تشكلت الحكومة اللبنانية بعد فتنة سنة 1860 أقامه داود باشا رئيسا للقلم العربي، فلبث في هذه الوظيفة إلى أن توفاه الله في 17 أيلول 1897 بالغا السنة الثامنة والسبعين من عمر قضاه في التأليف وخدمة الوطن، فكان مثالا صالحا لسائر المأمورين بالنزاهة وعفة النفس وإخلاص الخدمة. وكان يمقت الرشوة ويكشف النقاب عن الحقيقة ولا يقبل الهدايا؛ فاستعبد القلوب بهذه الصفات التي يندر أن تجتمع في مأمور لبناني بزماننا الحاضر. وكفاه فخرا أنه خدم الحكومة وتقلب في مناصبها نيفا وخمسين سنة بطهارة الذيل وحرية الضمير وسداد الرأي مما يشهد له به الخاص والعام. وهو الذي وضع طريقة المكاتبات الرسمية في مجالس حكومة لبنان التي لم تزل جارية عليها إلى الآن. وكان فارسا مشهورا يضرب المثل ببراعته في هذا الفن كما يضرب المثل بنبوغه في أساليب الإنشاء وصناعة الخط؛ ولذلك سماه القوم بكل حق «صاحب السيف والقلم».
ولما أنشئت جريدة «لبنان» الرسمية سنة 1867 تولى كتابتها مدة من الزمان ونشر على صفحاتها الفصول الطويلة والمقالات المفيدة، وكتب بخطه عنوان الجريدة الذي لم يزل مستعملا فيها حتى الآن. وخلف مؤلفات شتى غير مطبوعة في النحو والمنطق والفلك وطبائع الحيوان، وله ديوان كبير يقع في 474 صفحة برز مطبوعا سنة 1891 من المطبعة الكاثوليكية في اللغتين العربية والتركية، وهو يحتوي على ما نظمه من الشعر في التهنئة والرثاء والمدح والغزل والحكم والحماسة والاستغاثة والتوبة والألغاز والمراسلات والتواريخ الشعرية وغيرها، وبلغ مجموع أبيات ديوانه 8236 منها 7777 بيتا في القسم العربي و459 بيتا في القسم التركي، وشعره بالعموم متين القوافي رشيق المعاني خال من التعقيد والتكلف، وعلى سبيل المثال نورد منه بعض الأمثلة، ومما أنشده في الحماسة:
من يبتغي طول الحياة بذلة
ميت عن الدنيا بحال حياة
ويخال في حال الحياة وجوده
مع أنه حي بحال ممات
فالشهم من يأبى الحياة بهونها
ويعيض عن طول البقا بوفاة
وقال ارتجالا هذين البيتين لرجل يسمى «شمعة» ليطبعهما على ورق السكاير باسم نصر الله فرنقو باشا المتصرف الثاني على جبل لبنان:
يا سائلا ورقا للتبغ مر على
حانوت شمعة وخذ من أحسن التحف
واشرب هنيئا بنصر الله معتصما
وزير لبنان سامي القدر والشرف
وإذ ذهب يوما ومعه بعض أحبابه لزيارة الشيخ ناصيف اليازجي ولم يجدوه، فنظم له صاحب الترجمة هذه الأبيات وتركها له في بيته وذهب:
أيا مفتي الهوى أفتيت ظلما
أجاز بشرعكم قطع الزيارة
قطعت بذا النوى أوصال وصلي
وكاد القلب أن يبدي نفاره
لماذا الجور يا كبار قوم
أليس الشر ينتج عن شرارة
أنا وأبيك كنت نويت صرما
ولا أبغي اللقاء ولا ادكاره
وكم حاورت قلبي عن قدوم
إلى علياك يا شيخ الحضارة
ولكن جرني قلب مشوق
كقود الحر شطر بني الإمارة
مق الإنصاف صاح وكن نصيفي
وخير الناس من قد زار جاره
وقال هذين البيتين وأرسلهما للدكتور كرنيليوس فانديك مع بعض قواعد من خطه إلى تلامذة المدرسة الأميركية وبها يعتذر عن عدم حسن الحبر بها:
فانديك يا ذا الفيلسوف ألا اقتبل
عذري لأنك أنت أول عاذر
ما الحبر يا حبر العلوم بنافع
فلذاك خطي لم يرق للناظر
وقال مهنئا نصارى سوريا ولبنان بقدوم فؤاد باشا ونجاتهم من غدر الأشقياء الثائرين عليهم في فتنة سنة 1860 من أبيات قصيدة طويلة:
سلام الله أقبل يا عباد
فزال الدور وانقشع العناد
وصبح الأمن شق ظلام ظلم
وضاءت من سنا العدل البلاد
وأومض برق سيف الحق نصرا
على الباغين فانفصم الفساد
بوفد منيب ملك قد تسامت
به العليا وخص به الرشاد
فؤاد فيه روح الملك حلت
وراق لعينها مثوى وزاد
ومذ ثارت ببر الشام قوم
بغاة عن سبيل الله حادوا
فحرك همة بيمين حزم
وعزم منه تندك الطواد
ولما في سما لبنان ذرت
شوارقه لقد خلع الحداد
أفاض مراحما يما عبابا
بصيبها على الدنيا امتداد
الفصل الخامس عشر
حسن العطار
كان أهله من المغرب فانتقلوا إلى مصر، وولد حسن في القاهرة سنة (1180ه/1766م) وكان أبوه عطارا استخدم ابنه أولا في شئونه ثم رأى منه رغبة في العلوم فساعده على تحصيلها، فاجتهد الولد في إحراز المعارف وأخذ عن كبار مشايخ الأزهر كالشيخ الأمير والشيخ الصبان وغيرهما حتى نال منها قسما كبيرا. وفي أيامه جاء الفرنسويون إلى مصر فاتصل بأناس منهم فاستفاد منهم الفنون الشائعة في بلادهم وأفادهم اللغة العربية، ثم ارتحل إلى الشام وأقام مدة في دمشق، ومما نظمه حينئذ قوله في متنزهات دمشق:
بوادي دمشق الشام جز بي أخا البسط
وعرج على باب السلام ولا تخط
ولا تبك ما يبكي امرأ القيس حوملا
ولا منزلا أودى بمنعرج السقط
فإن على باب السلام من البها
ملابس حسن قد حفظن من العط
هنالك تلقى ما يروقك منظرا
ويسلي عن الأخدان والصحب والرهط
عرائس أشجار إذا الريح هزها
تميل سكارى وهي تخطر في مرط
كساها الحيا أثواب خطر فدثرت
بنور شعاع الشمس والزهر كالقرط
وتجول هذا الشيخ حسن في بلاد كثيرة يفيد ويستفيد حتى كر راجعا إلى مصر فأقر له علماؤها بالسبق، فتولى التدريس في الأزهر وقلد رئاسة هذه المدرسة بعد الشيخ محمد العروسي سنة 1246ه فدبرها أحسن تدبير إلى سنة وفاته في آخر سنة 1250ه/1835م. وكان محمد علي باشا خديو مصر يجله ويكرمه، وقد خلف عدة تآليف في الأصول والنحو والبيان والمنطق والطب، وله كتاب في الإنشاء والمراسلات تكرر طبعه في مصر، وكان هذا الشيخ عالما بالفلكيات، له في ذلك رسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب والبسائط، وكان يحسن عمل المزاول الليلية والنهارية. وقد اشتهر أيضا الشيخ العطار بفنون الأدب والشعر، ومما يروى عنه أنه لما عاد من سياحته في بلاد الشرق رافق إمام زمانه في العلوم الأدبية السيد إسماعيل بن سعد الشهير بالخشاب، فكانا يبيتان ويتنادمان ويتجاذبان أطراف الكلام فيجولان في كل فن من الفنون الأدبية والتواريخ والمحاضرات، واستمرت صحبتهما وتزايدت على طول الأيام مودتهما إلى أن توفي الخشاب، فاشتغل الشيخ العطار بالتأليف إلى موته. وله شعر رائق جمع في ديوانه، فمن ذلك ما رواه له الجبرتي (4، 233) في تاريخه يرثي الشيخ محمد الدسوقي المتوفى سنة 1230ه/1815م:
أحاديث دهر قد ألم فأوجعا
وحل بنادي جمعنا فتصدعا
فقد صال فينا البين أعظم صولة
فلم يخل من وقع المصيبة موعبا
وجاءت خطوب الدهر تترى فكلما
مضى حادث يعقبه آخر مسرعا
وهي طويلة قال في ختامها:
سعى في اكتساب الحمد طول حياته
ولم تره في غير ذلك قد سعى
ولم تلهه الدنيا بزخرف صورة
عن العلم كيما أن تغر وتخدعا
لقد صرف الأوقات في العلم والتقى
فما أن لها يا صاح أمس مضيعا
فقدناه لكن نفعه الدهر دائم
وما مات من أبقى علوما لمن وعى
فجوزي بالحسنى وتوج بالرضا
وقوبل بالإكرام ممن له دعا
وممن مدحوا الشيخ حسن العطار المعلم بطرس كرامة اللبناني، فقال فيه لما قابله في مصر:
قد كنت أسمع عنكم كل نادرة
حتى رأيتك يا سؤلي ويا أربي
والله ما سمعت أذني بما نظرت
لديك عيناي من فضل ومن أدب
الفصل السادس عشر
عبد الله أبو السعود
منشئ جريدة «وادي النيل» في القاهرة
ولد عبد الله أبو السعود المصري سنة 1244ه/1828م في دهشور قرب الجيزة، ودرس في المدرسة الكلية التي أنشأها محمد علي باشا في القاهرة فبرع بين أقرانه، ثم ندبته الحكومة إلى نظارة أعمالها، فكان في قت الفراغ يواصل دروسه ويعكف على التأليف شعرا ونثرا، وحرر في جريدة وادي النيل وكاتب أدباء زمانه، ونقل بعض كتب الفرنج إلى العربية. ومن تآليفه كتاب «منحة أهل العصر بمنتقى تاريخ مصر» نظم فيه مجمل حوادث تاريخ مصر للجبرتي، ووضع تاريخا لفرنسة ألحقه بتاريخ ولاة مصر من أول الإسلام، دعاه بنظم اللآلي، وباشر بترجمة تاريخ عام مطول وسمه ب «الدرس التام في التاريخ العام» طبع منه قسم سنة 1289، وكان أبو السعود شاعرا مجيدا له ديوان طبع في القاهرة أودعه كثيرا من فنون الشعر كالمديح والمراثي والفراقيات. ونبغ في المنظومات المولدة كالمواليا والموشحات، وله أرجوزة نظم فيها سيرة محمد علي باشا، كثيرة الفوائد بينة المقاصد، تبلغ عشرة آلاف بيت. وله غير ذلك مما تفنن فيه وسبق آل عصره، توفي أبو السعود أفندي في ربيع الأول سنة 1295ه/1878م، وقد رثاه أحد شعراء وطنه بقصيدة قال في مطلعها:
خلق الهبوط مع الصعود
ومع القيام بدا القعود
إلى أن قال:
ليس البكاء لغادة
أبدت لمغرمها الصدود
لكنه لما قضى
رب القريض أبو السعود
من لم يجبه بدمعه
فكأنما نقض العهود
فهو الحري بأن تذو
ب عليه بالأسف الكبود
بحر تدفق ماؤه
لكنه عذب الورود
بقريحة سالت على
أرجائها سبل العهود
كم أنتجت نخبا له
فكأنها الأم الولود
أبدا توقد بالذكا
ء فليس يعروها خمود
نشبت مخالبها المني
ة فيه وهو من الأسود
لا غرو أن صعد السما
بين الملائكة السجود
فبنات نعش قد حملن
سريره لمن الشهود
لويس شيخو
الفصل السابع عشر
سليم الخوري
المحرر في جريدة «حديقة الأخبار»
هو سليم بن جبرائيل بن حنا بن ميخائيل بن عبده الخوري ولد سنة 1843 في بيروت، وقرأ أصول اللغة العربية وآدابها على الشيخ ناصيف اليازجي فاقتبس منه الميل إلى صناعة الشعر، فنظم القصائد الشائقة منذ صباه وترك ديوان شعر نفيس سيبرز قريبا إلى عالم الوجود. وكان ذا ذوق سليم في الفنون والصنائع، وتعمق خصوصا في فن الموسيقى حتى بلغ به اجتهاده إلى أن يحسن التوقيع على أكثر آلات الطرب. وقصد أن يضبط الألحان العربية على الروابط الإفرنجية فوضع مقدمة لتأليف مخصوص في هذا الفن، ولكن الأجل لم يفسح له بإتمامه. ثم شرع بوضع «تاريخ سوريا» شعرا فنظم منه أبياتا شتى وتركه أيضا. وسنة 1868 انتظم في سلك «الجمعية العلمية السورية» وله فيها آثار مشكورة. وساعد أخاه خليل الخوري في تحرير جريدة «حديقة الأخبار» في قسميها العربي والفرنسي مدة خمس عشرة سنة. وألف رواية «الشاب الجاهل والوصي الغافل» وهي أدبية، وله رواية «نكبة البرامكة» ورواية «أنطيوخوس بن سلفقوس» وهما مأساتان تاريخيتان، وأنشأ رواية «أمراء لبنان» مع سميه سليم بن ميخائيل شحادة ترجمان قنصلية روسيا.
وفي سنة 1873 سافر إلى وادي النيل حيث قدم للخديو إسماعيل كتابا يتضمن قصائد التهنئة التي نظمها بمناسبة زفاف أنجاله الأمراء توفيق الأول الخديو السابق، وحسين كامل باشا، وحسن باشا؛ فسر به إسماعيل باشا وأجازه على ذلك بعطية مالية، ثم سافر إلى القسطنطينية ونال حظوة لدى أعاظم رجال السلطنة العثمانية الذين امتدحهم بالقصائد الشائقة.
وبعد إيابه إلى وطنه اتفق مع سليم شحادة على وضع كتاب «آثار الأدهار» وهو المعجم التاريخي الجغرافي الذي كان صدور الجزء الأول منه في بداية سنة 1875 مرتبا على الحروف الهجائية ، ولما رفعاه إلى السلطان عبد العزيز كافأهما عليه بمائتين وخمسين ليرة عثمانية؛ لأنه أول معجم من نوعه في لسان العرب وسائر الألسنة الشرقية. وقد اقتدى بهما المعلم بطرس البستاني في كتاب «دائرة المعارف» الشهيرة، إلا أن المنية أنشبت أظفارها بصاحب الترجمة بعد صدور الجزء الأول من «آثار الأدهار» فمات في 10 آب 1875 في قرية «سوق الغرب» مصابا بالهواء الأصفر، ولكن سليم شحادة استأنف العمل وحده فطبع باسمه واسم زميله ستة أجزاء أخرى من هذا الكتاب بلغت صفحاتها نيفا وألف صفحة بحجم كبير ولم تتجاوز حرف الباء. وقد أبقى السليمان حسرات في القلوب لعدم نجاز هذا المشروع العظيم الذي كان يرجى من ورائه نفع كبير لأبناء اللغة العربية.
وكان المترجم ممتلئ الجسم، طويل القامة، حنطي اللون، شديد الذكاء، وكان كاتبا بليغا وشاعرا مطبوعا ومؤرخا مدققا، ومن شعره قصيدة عنوانها «العود الحسن» رفعها للسلطان عبد العزيز سنة 1867 لدى رجوعه من معرض باريز العام مطلعها:
قد سارت الركب لا نوق ولا هجن
وإنما البحر تسري فوقه القنن
سار العزيز منير الشرق مالكنا
للغرب والنور يحيي من به قطنوا
شق البحار بأطيار البخار فقل
أين الرياح بما لا تشتهي السفن
وله قصيدة نظمها في تهنئة نصر الله فرنقو باشا عند تعيينه حاكما على جبل لبنان نذكر منها هذه الأبيات:
بنصر الله والفتح القريب
لقد فاض السرور على القلوب
ولاح على علا لبنان فجر
تبدى من ضيا الملك المهيب
فمد بأرزه كفا لشكر
يردده بأفواه اللهيب
وخط على عمامته سطورا
بأقلام من النور العجيب
ورثاه بعد وفاته عدد من العظماء والشعراء منهم محمد راشد باشا وزير الخارجية العثمانية حينئذ، فإنه أرسل إلى أخيه خليل الخوري أبياتا تركية رقيقة المعنى، ومنهم جرجس بن إسحاق طراد الذي قال:
من لم نقم أبدا بحق ثنائه
ولى فهل من قائم برثائه
أبكى العيون دما وأودع جمرة
في كل قلب كان من تبعائه
هذا السليم سليم قلب قد مضى
فمضى سليم العهد من نظرائه
الفصل الثامن عشر
سليم شحادة
سليم شحادة ؛ المحرر في جريدة «حديقة الأخبار» ومنشئ مجلة «ديوان الفكاهة».
هو سليم بن ميخائيل شحادة ولد في بيروت يوم الثلاثاء في 14 ديسمبر (كانون الأول) سنة 1848م في بيت عرف بالفضل والعلم، فدرس في المدرسة الأرثوذكسية الكبرى المعروفة بالثلاثة أقمار (التي أسست أولا في سوق الغرب نحو سنة 1852م) على أشهر أساتذة عهده ولا سيما إلياس حبالين، فأتقن عليه الفرنسية والعربية وعلى بعض الأساتذة، ثم درس الإنكليزية والعلوم على بعض المرسلين، وتعمق في التاريخ والجغرافية وانقطع إلى مكتبته الغنية بالمؤلفات المطبوعة والمخطوطة (مجلة المشرق، 10، 961). وتبحر في المعارف وتبسط في التاريخ تبسطا كافيا، وكان يتمرن بمساعدة والده ميخائيل شحادة في القنصلية الروسية التي دخلها في سنة 1866. وعرف بأصالة رأيه وحصافة عقله ومقدرته في اللغتين العربية والفرنسية. وله مع والده اليد الطولى في تأسيس الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في مدينة بيروت، فترأسها نحو سبع عشرة سنة وتولى إدارة شئون مدرستها نحو عشر سنوات فنجحت وأزهرت، وفي أثناء ذلك تجددت «الجمعية السورية العلمية» سنة 1868م بعد المغفور لهما راشد ناشد باشا والي سورية وكامل باشا متصرف لواء بيروت فانتظم المترجم في سلك أعضائها العاملين. ونحو سنة 1880 تجدد انتظامها ثالثا باسم المجمع العلمي الشرقي، وكان من أهم أعضائها من نذكرهم بحسب الحروف الهجائية: إبراهيم الحوراني، إبراهيم اليازجي، إسبر شقير، الدكتور إسكندر بك البارودي، بطرس البستاني، جرجس همام، جرجي زيدان، جرجي يني، سليم البستاني، سليم شحادة، سليم نوفل، الدكتور فارس نمر، الدكتور كرنيليوس فان ديك، مراد بك البارودي، نعمة يافث، الدكتور يعقوب صروف، الدكتور يوحنا ورتبات وغيرهم، فألقى المترجم مثل كثير من زملائه الأعضاء خطبا شائقة منها رسالات سنيكا الفيسلوف الروماني إلى لوسيليوس، نشرت في المجموعتين الثامنة والتاسعة لأعمالها.
ولما نشرت جريدة «حديقة الأخبار» لصديقه المرحوم خليل أفندي الخوري باللغتين الفرنسية والعربية سنة 1870م حسب طلب المغفور له فرنكو باشا ثاني متصرفي لبنان كان المترجم ينشئ القسم الفرنسي مع زميله المرحوم سليم شقيق صاحب الحديقة، وله فيها مقالات تشهد بطول باعه في السياسة والإنشاء، وعلى منضدة مكتب تلك الجريدة اتفق السليمان على وضع «آثار الأدهار» في التاريخ والجغرافية وساعدهما في بعض أبوابه المرحوم أديب إسحاق الكاتب الشهير، فطبعا الجزء الأول من القسم الجغرافي في أوائل سنة 1875م بالمطبعة السورية في 192 صفحة، ثم على أثر ذلك هصرت المنية زميل المترجم بالهواء الأصفر فبقي هو مثابرا وحده على العمل، وطبع الجزء الثاني في 15 نوفمبر سنة 1875م والثالث في 13 مارس سنة 1876م ثم الجزأين الرابع والخامس، وجميعها الآن في مجلد واحد لم تتجاوز حرف الباء وصفحاتها 980 صفحة بقطع كبير في عمودين بحرف من الجنس الثاني ونهاية مباحثه بعض تاريخ بلجيكا. ومن فوائده أنه ذكر فيه جميع قرى ومدن سورية وأوروبا وأميركا إلخ القديمة والحديثة، وما تقلب عليها، وتاريخ نشأتها ومميزاتها. ومن إنصاف المترجم أنه أبقى جميع الأجزاء باسمه واسم زميله الذي عاجلته المنية على أثر إنجاز الجزء الأول. أما القسم التاريخي فطبع الجزء الأول منه سنة 1877م في 384 صفحة وحفظ فيه اسم زميله بعد أن مضى على وفاته سنتان وفاء بحقوق الإخاء، ورفع الكتاب بقسميه خدمة للأعتاب السلطانية، وصدر القسم التاريخي بمقدمة في فلسفة العمران صدرها بالبحث عن الإنسان وشئونه، ثم استرسل إلى علم التاريخ وأحواله ومنشئه ونتائجه وتقسيمه في 14 صفحة بقطع الكتاب وحرفه وجاء بما لم يجئ به إلا كبار علماء العمران.
وعلى الجملة فإن «آثار الأدهار» هو أول دائرة للمعارف التاريخية والجغرافية في اللغة العربية مرتبة على الحروف الهجائية وافية المباحث المفيدة، وعلى أنقاضه قامت «دائرة المعارف» العربية التي أسسها المرحومان بطرس البستاني وولده سليم، ولقد ذكر الآثار كثيرون من المستشرقين، ولما أنشأ الصحافي الشهير خليل أفندي سركيس اللبناني مجلة «المشكاة» أنشأ المترجم فيها مقالات هامة في تاريخ الأندلس وتراجم أهله ونوادرهم، ونشر في «المقتطف» مقالة ضافية في الجغرافية وجغرافيي الإسلام. وأنشأ سنة 1885 مجلة «ديوان الفكاهة» الروائية بشركة سليم طراد.
وكان رفيع المنزلة بين أصدقائه وجيها في قومه تولى الترجمة في القنصلية الروسية أعواما عديدة، فأنعم عليه القيصر بوسام القديسة حنة الثالث سنة 1902 وقضى حياته يخدم السياسة والعلم واشتغل في أواخر أيامه بوضع تاريخ مطول للكنيسة لم يتمه، وتوالت عليه المحن في أواخر عمره بوفاة معظم إخوته ووالديه فأثر به الحزن فأصيب بعلة قلبية ذهبت بحياته في 15 أكتوبر 1907.
تراجم مشاهير الشرق
الفصل التاسع عشر
الشيخ يوسف الأسير
أحد محرري جريدة «لبنان» الرسمية و«ثمرات الفنون» و«لسان الحال»
ولد الشيخ يوسف بن السيد عبد القادر الأسير في ذي القعدة سنة 1230ه/1815م في صيداء، ومال منذ حداثته إلى تحصيل المعارف فقرأ شيئا منها على الشيخ أحمد الشرمبالي، ثم ذهب إلى دمشق حيث تعلم في «المدرسة المرادية» مدة سنة، وأثناء إقامته فيها نعي إليه والده فرجع إلى مسقط رأسه لتدبير أحوال عائلته، ونظرا لاجتهاده أحب زيادة التعمق في العلوم فسافر إلى القاهرة، وهناك انتظم في سلك تلامذة الجامع الأزهر الذي كان برئاسة الشيخ حسن العطار، ولما توفي حسن العطار تقلد مشيخة الأزهر سميه حسن القويسني فقال فيه أحد الشعراء معترفا بفضل الحسنين:
ولئن مضى حسن العلوم لربه
فلقد أتى حسن وأحسن من حسن
أنت المقدم رتبة ورئاسة
وديانة من ذا الذي ساواك من
ولبث الشيخ يوسف الأسير سبع سنين في الأزهر حتى نبغ في جميع العلوم كالفقه واللغة والحديث والتوحيد والتفسير والشعر والمنطق وصار إماما يرجع بها إليه، ثم عاد إلى صيدا فلم يطل الإقامة فيها بعدما درس وهذب الطلبة الذين كانوا يتهافتون من كل صوب إليه، فسافر إلى طرابلس الشام وهناك قضى ثلاثة أعوام، فأخذ عنه العلم كثير من فضلاء سكانها وغيرهم، نخص منهم بالذكر السيد يوحنا الحاج بطريرك الموارنة، ويوحنا الحبيب مؤسس جمعية المرسلين المارونية. وكانت بيروت في ذاك الحين أخذت تزهر بالمدارس والمطابع؛ فاختار الإقامة فيها، وتولى في أثناء ذلك رئاسة كتاب محكمتها الشرعية، وكلفه المرسلون الأميركان بتصحيح عبارة الكتاب المقدس الذي ترجموه من لغاتها الأصلية إلى اللسان العربي. وعلم بعضهم اللغة العربية كالدكتور عالي سميث والدكتور كرنيليوس فان ديك، ونظم لهم كثيرا من الترانيم المستمدة مواضيعها من المزامير والكتاب المقدس، وهي مطبوعة بأسرها ومستعملة في الكنائس الإنجيلية، ثم تولى منصب الفتوى في عكا وتعين مدعيا عموميا مدة أربع سنين في جبل لبنان على عهد متصرفه الأول داود باشا، وقد كتب حينئذ مقالات في جريدة «لبنان» الرسمية التي أشار إليها في هذه الأبيات:
نرى لبنان أهلا للتهاني
فقد نال الأمان مع الأماني
وأضحى جنة من حل فيه
قرير العين مسرور الجنان
وجدت للعلوم به دروس
وكانت في الدروس وفي التواني
وللأخبار قد وجدت سلوك
كذلك طبع ذي الصحف الحسان
ثم انتقل إلى الآستانة حيث تعين أستاذا للسان العربي في دار المعلمين الكبرى، وتولى رئاسة التصحيح في نظارة المعارف وكتب في جريدة «الجوائب» لمنشئها أحمد فارس. وأثناء إقامته في العاصمة العثمانية أخذ العلم عنه بعض أعاظم رجالها كالصدر الأعظم رشدي باشا شرواني، وأحمد جودت باشا وزير المعار، ووصفي أفندي رئيس كتاب شورى الدولة، وذهني أفندي رئيس مجلس المعارف، والمسيو بوره سفير فرنسا، وغيرهم.
ولما ثقلت عليه وطأة البرد في الآستانة زايلها عائدا إلى بيروت، فأخذ يعلم في مدارسها الكبرى كالمدرسة الوطنية للبستاني، ومدرسة الحكمة للمطران يوسف الدبس، والكلية الأميركانية، ومدرسة «ثلاثة الأقمار» للروم الأرثوذكس وغيرها. وأكب على التأليف فوضع كتابا في الفقه سماه «شرح رائض الفرائض» وشرح كتاب «أطواق الذهب» للزمخشري، وألف رواية تمثيلية سماها «سيف النصر» وأرصد ريعها لمشترى أدوات لجريدة «ثمرات الفنون» عند أول نشأتها، وطبع كتاب «رد الشهم السهم» جوابا على كتاب «السهم الصائب» الذي انتقد فيه الشيخ سعيد الشرتوني كتاب «غنية الطالب» لأحمد فارس الشدياق. وله قصائد وموشحات وأبيات حكمية جمعت في ديوانه «الروض الأريض» المطبوع في بيروت، غير أن هذا الديوان لا يحتوي إلا على النزر اليسير من أشعار صاحب الترجمة؛ لأن كتاباته وأكثر مؤلفاته احترقت فذهبت فريسة النار. وللشيخ ناصيف اليازجي قصيدة نفيسة مدح بها صاحب الترجمة وقرظ فيها الديوان المذكور نقتطف منها هذه الأبيات:
أسير الحق في حكم تساوى
فما يدرى الحبيب من البغيض
يقلب في المسائل كل طرف
ويلقى الناس بالطرف الغضيض
إمام الشعر يبتدع القوافي
ويأمن دونها حول القريض
يقل له الثناء ولو أخذنا
قوافيه من الروض الأريض
رسم يمثل عمدة «المدرسة الوطنية» لمنشئها بطرس البستاني في بيروت سنة 1866
الواقفون؛ سعيد شقير، إبراهيم الباحوط، سعد الله البستاني، عبد الله البستاني، شاهين سركيس، الشيخ خطار الدحداح، سليم البستاني. الجالسون؛ خليل ربيز، عبد الله شبلي، فضل الله غرزوزي، الشيخ يوسف الأسير، بطرس البستاني.
وتولى رئاسة تحرير جريدتي «ثمرات الفنون» و«لسان الحال» مدة من الزمان، وقد توفاه الله في 28 تشرين الثاني 1889م/1307ه مشكورا بكل لسان لرقة أخلاقه وزهده في حطام الدنيا وحبه لنشر المعارف. ومن الذين درسوا عليه في آخر حياته غريغوريوس الرابع البطريرك الأنطاكي للروم الأرثوذكس، والدكتور مرتين هرتمان أستاذ اللغة العربية في مدرسة الألسن الشرقية في برلين، ورثاه كثير من الشعراء وأرباب الصحف في الآستانة وسوريا ومصر معددين فضائله، فاعتنى بجمعها الشيخ قاسم الكسني ونشرها بالطبع في كتاب مخصوص. ومن الترانيم النفيسة التي نظمها للمرسلين الأميركيين ترنيمة تتضمن «وصايا الله العشر» وهي:
غيري إله لا يكن
لا تسجدن للصنم
لا تأخذ اسمي باطلا
ولا تهنه بالقسم
والسبت فاحفظ واصنعن
لوالديك المكرمة
والقتل فاحذر والخنى
في عمل أو كلمة
لا تختلس شيئا ولا
تكذب وقل قول التقى
ولا تكن مشتهيا
ما للقريب مطلقا
وكل هذي جمعت
وصية الفادي الحبيب
أحبب بجهد ربنا
واحبب كنفسك القريب
ومن المراثي التي تليت بعد الصلاة عليه في الجامع العمري الكبير قصيدة للشيخ سليم الجارودي مطلعها:
من الدنيا لقد سار الأسير
إلى الأخرى فيا نعم المسير
إمام كان للأفضال قطبا
عليه مدارها أبدا يدور
مصاب هد ركن العلم حزنا
عليه وأظلم الفلك الأثير
الفصل العشرون
محمد بيرم الخامس
المحرر في «الرائد التونسي» ومنشئ جريدة «الأعلام» في القاهرة
هو من علماء تونس ووجهائها ومن أكثر المسلمين تفانيا في نصرة الإسلام ولد في تونس سنة 1256ه/1840م، ويتصل نسبه ببيرم أحد قواد الجند العثماني الذي جاء تونس بقيادة سنان باشا سنة 981ه. تفقه في جامع الزيتونة ونشأ حر الضمير يكره الاستبداد؛ فسره إنشاء مجلس الشورى في تونس على عهد الصادق باشا، وكان من أكبر نصرائه، وتولى رئاسة المجلس الوزير خير الدين باشا.
وتعين بيرم سنة 1287ه مدرسا في الجامع المذكور وبعد سنتين توفي والده عن ثروة طائلة، وظهرت في أثناء ذلك فتنة عمومية في الإيالة التونسية على أثر انحلال مجلس الشورى، فشق ذلك عليه وتمكنت علائقه مع خير الدين باشا من ذلك الحين لاتفاقهما في النقمة على الحكومة.
وفي سنة 1290ه عاد خير الدين باشا إلى الوزارة الكبرى في تونس، فجاهر بيرم بنصرته وصرح بآرائه السياسية على صفحات الجرائد، وهو أول من تجاسر على ذلك هناك؛ وأعجب الوزير بنشاطه وتعقله فعهد إليه إدارة الأوقاف سنة 1291ه فأحسن إدارتها ونظمها. وأصيب في السنة التالية بانحراف حمله على السفر إلى أوروبا للاستشفاء، ولقي في باريس المارشال مكماهون فأكرمه، وحضر المعرض العام وشاهد كثيرا من ثمار قرائح أهل هذا التمدن، فلما عاد إلى تونس أخذ في تنظيم مستشفاها على نحو ما رآه في مستشفيات أوروبا.
ووقع في أثناء ذلك بين قنصل فرنسا الكونت دوسانسي والحكومة التونسية نزاع على بقعة أرض كانت الحكومة منحته إياها لتربية الخيل على شروط أخل بها، فأرادت استرجاعها فأبى، وبينما هي تنازعه وتجادله عليها ذهب الوزير وهو يومئذ مصطفى بك إسماعيل إلى تلك الأرض ودخلها عنوة في زمرة من أعوانه، فاغتنم القنصل هذا التعدي لتمكين سيادة دولته في تونس، فرفع أمره إليها وطلب عزل الوزير فخاف هذا وأسرع إلى الترضية فعينوا لجنة تحكيم كان بيرم أحد أعضائها، فأخذ جانب الدفاع عن الحكومة بكل قواه وكان نحيف البنية مصابا بمرض في الأعصاب الموصلة بين المعدة والقلب مع ضعف شديد في الدم يستخدم المورفين لتسكين آلامه، فأثر ذلك في صحته واضطر أن يشخص إلى باريس للاستشفاء، وأما اللجنة فصدر حكمها لمصلحة القنصل.
ونهض التونسيون على أثر ذلك يطلبون الجنوح من الحكم الاستبدادي إلى الشورى، وسعوا في ذلك سعيا حثيثا لم يأت بنتيجة لأن أمير البلاد يومئذ لم يعضد مطالبهم، ويقال إن ذلك كان بتحريض فرنسا؛ لأنها تعتقد أن الحكومة الدستورية تخالف مصلحتها هناك، وأما بيرم فقد كان في مقدمة الراغبين في الشورى وعاتبه الأمير على تعضيده الأهالي في مطالبهم، فأجابه بحرية لم يعهد مثلها وبين له خطأه.
وتوجه تلك السنة إلى باريس كالعادة واغتنم وجوده هناك ورفع إلى غمبتا تقريرا مسهبا يشكو فيه سوء تصرف القنصل ووقوفه في سبيل كل مشروع نافع للبلاد، وبلغ خبر ذلك إلى القنصل فزاد غضبا ونقمة. واتفق في أثناء طلب التونسيين الشورى أن الدول كانت مشغولة بخلع إسماعيل باشا خديوي مصر، وكان الصدر الأعظم في الآستانة يومئذ خير الدين باشا، ونظرا لما يعلمونه من علائق بيرم بخير الدين استنتج الفرنسويون أن مطالب التونسيين لم يكن الغرض منها إلا فتح السبيل لمداخلة الباب العالي، واتهموا صاحب الترجمة أنه الواسطة بذلك، ولما بلغه الخبر استعفى من منصبه في تونس وعزم على البقاء بعيدا عنها، لكنه عاد إليها بعد إلحاح أصدقائه. وكان قد فهم وهو في باريس رغبة فرنسا في ضم تونس إلى أملاكها ضما كليا، وأنها أغرت الوزير مصطفى فمالأها طمعا بالترقي؛ فذهبت آمال صاحب الترجمة بإنقاذ بلاده، فعزم على الخروج منها فلم تأذن الحكومة بسفره، فاحتال بطلب الرخصة للحج فأذن له فخرج سنة 1296. وجاء مصر وسافر منها إلى الحرمين، ثم يمم سوريا فالقسطنطينية فأحسنت الدولة وفادته. ولكن الوزير التونسي كتب إلى الباب العالي بإرجاع الشيخ بيرم؛ لأنه لم يقدم حسابا عن إدارة الأوقاف التي كانت في عهدته فنصره خير الدين ولم يسلمه. ولما تم لفرنسا ضم تونس إلى أملاكها سنة 1298 عزلت الوزير مصطفى وعاملته معاملة الخائن.
واشتغل الشيخ محمد بيرم في أثناء إقامته في الآستانة بالكتابة والتحرير، وراعى صحته فتحسنت كثيرا وقل استعماله للمورفين، وكانت وجهته النظر فيما آل إليه حال البلاد الإسلامية من طمع الأجانب، ووصف الأدوية لملافاة ذلك ولم يجد الكلام نفعا.
ولما تحقق رسوخ قدم فرنسا بتونس يئس من العودة إليها، فأراد أن يكون قريبا من أهله فانتقل إلى مصر بعد الحوادث العرابية، سنة 1884، وقد باع أملاكه في تونس ونقل عائلته منها، وأنشأ في مصر جريدة سياسية اسمها «الأعلام» تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ثم صارت أسبوعية. وكانت خطتها محاسنة الإنكليز والاستفادة منهم، فانتقد بعضهم عليه هذه الخطة؛ لأنها تخالف ما كان عليه في تونس، وأنه إنما هجرها فرارا من الحكم الأجنبي فكيف يكلف المصريين عكس ذلك؟ ولكن الذين يرون رأيه كانوا يعتذرون بأنه إنما حث على محاسنة الإنكليز والاستفادة منهم؛ لأن معاكستهم وأمر البلاد في أيديهم لا تجدي نفعا، وأن مجافاة الفرنساويين أوجدت أسبابا ساعدتهم على ضم تونس إلى بلادهم. وقد ألجأه إلى انتهاج هذا المسلك أيضا ما قاساه من ظلم الحكم الاستبدادي في تونس وما آنسه من العوامل المحركة في مصر بإغراء بعض الأجانب الذين يوغرون صدور الناس على حكامهم؛ مما يعود بالضرر.
واضطر بعد إقامته سنتين بمصر أن يعود إلى أوروبا فتمم سياحاته فيها، وعاد إلى مصر فعينته الحكومة سنة 1889 قاضيا في محكمة مصر الابتدائية. وكثيرا ما كلفته الوزارة كتابة ملاحظاته على القضاء الشرعي؛ لأنه كان واسع الاطلاع فيه. وما زال عاملا مجتهدا رغم ما يعتوره من المرض حتى توفي سنة 1307ه/1889م .
وقد خلف آثارا كتابية أكبرها كتاب «صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار» طبع بمصر في خمسة أجزاء، وهو عبارة عن رحلة عامة في أوروبا ومصر والشام والحجاز وغيرها، وذكر فيها كثيرا من الحقائق التاريخية والاجتماعية عن بلاد العرب وتونس والجزائر لا تجدها في كتاب آخر، وأكثرها شاهده بنفسه أو كان داخلا فيه ولا سيما تاريخ تونس والجزائر.
وله ما خلا ذلك رسالة «تحفة الخواص في حل صيد بندق الرصاص» ومختصر في فن العروض، ورسالة في «التحقيق في شأن الرقيق» بحث فيها عن كيفية معاملة الرق عند المسيحية وأن منع الحكومات الإسلامية لتجارة الرقيق شرعي، وكتاب «تجريد الأسنان للرد على الخطيب رينان» رد فيه على ما كتبه رينان في الإسلام والعلم، ورسالة في جواز ابتياع أوراق الديون التي تصدرها الممالك الإسلامية حتى تبقى أموال المسلمين في بلادهم ولا يحجبهم عنها اشتباه الربا، وهو لا ينطبق في هذه الحالة عليها. وألف كتابا مسهبا في شأن التعليم بمصر، ذهب فيه إلى وجوب انتشاره باللغة العربية لسهولة تناوله وتعميمه بين طبقات الناس. وله كتابات أخرى لم نقف على أسمائها، ويؤخذ من مجملها أن صاحب الترجمة كان من محبي الإصلاح وتقريب المسلمين إلى عوامل التمدن الحديث، وإزالة ما قد يعترضهم من أشباه الموانع الدينية على نحو ما كان يفعله الشيخ محمد عبده رحمهما الله.
جرجي زيدان
الفصل الحادي والعشرون
فرنسيس مراش
كانت منزلة آل مراش بين نصارى حلب بنهضتهم الأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كمنزلة آل اليازجي وآل البستاني في لبنان والديار الشامية، فإنهم أيقظوا روح المعارف في أبناء وطنهم وخدموا العلوم بالتأليف والصحافة، واشتهروا منذ القرن الثامن عشر بالوجاهة وطيب الأرومة والصيت الحسن، ومنهم قام الشاب بطرس بن نصر الله مراش الذي استشهد في سبيل دينه في 16 نيسان 1818 على يد خورشيد باشا والي حلب مع عشرة شبان آخرين،
1
وقد رثاه حينئذ الشاعر الكبير نقولا الترك بقصيدة طويلة نورد منها بعض أبيات وهي:
كم يشتكي قلبي الموجع كلما
قد مضه الهم الذي قد كلما
ما حسرة الثكلاء ما الخنساء مذ
كانت تئن توجعا وتألما
تبكي نعم لكن على صخر الفلا
وأنا على صخر العلى أبكي دما
شلت يد الباغي الذي قد أهرقت
دمه الزكي وحللت ما حرما
لله فجعة بطرس كم فتتت
كبدي وألقت في فؤادي أسهما
وافى إلى سفك الدما بشهامة
وغشى المنايا مسرعا متقحما
وانضم منحازا مع الشهداء في
جنات خلد بالسماء منعما
فلذاك قلت صلوه تمجيدا بتا
ريخي ففي دمه الزكي ورث السما
ثم اشتهر فتح الله مراش وكان ذا إلمام وافر باللغة العربية وآدابها، وترك منها آثارا مخطوطة. وسنة 1850 سافر إلى فرنسا لضرورة دعت إلى ذلك فمكث فيها ثلاث سنين، وقد استصحب معه في هذه الرحلة بكر أنجاله فرنسيس الذي خلفه في آدابه، بل فاق عليه بالذكاء والمعارف وفنون الإنشاء شعرا ونثرا. وإليك ما ورد في كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» عن أخباره باختصار:
ولد فرنسيس بن فتح الله بن نصر الله مراش في 29 حزيران سنة 1836 ثم تلقن العلوم اللسانية وآداب الشعر ، وانكب على دراسة الطب أربع سنوات تحت نظارة طبيب إنكليزي كان في الشهباء، وأراد أن يتم دروسه في عاصمة الفرنسيس فسافر إليها في خريف سنة 1866، وقد وصف سفره إليها في كتاب «رحلة باريس» الذي طبعه سنة 1867 في بيروت، ولم يسعده الدهر في غربته فكر راجعا إلى وطنه وتفرغ للتصنيف رغما عما أصابه من ضعف البصر وانحطاط القوى حتى أفل نجم حياته فمات سنة 1873 في مقتبل الكهولة. وكان فرنسيس صادق الإيمان كثير التدين. وقد ألف كتابا بناه على مبادئ العلوم الطبيعية والعقلية بيانا لوجود الخالق وإثباتا لحقيقة الوحي، سماه «شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة» أعرب فيه عن دقة نظر ومعرفة بأحوال الطبيعة والعلوم العصرية. ومن مصنفاته التي جمع فيها بين الفلسفة والآداب فأودعها آراءه السياسية والاجتماعية على صورة مبتكرة كتاب «غابة الحق» الذي طبع في حلب سنة 1865، ثم كرر طبعه في بيروت ومصر، ومثله كتاب «مشهد الأحوال» المطبوع في بيروت سنة 1883 على أسلوب لطيف ونسق حديث ، وفي بيروت طبعت له رواية حسنة دعاها «در الصدف في غرائب الصدف»، ومما طبعه قبلها في حلب كتاب «المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية» (1861) لخص فيه أصول علم الطبيعة، ثم خطبة في «تعزية المكروب وراحة المتعوب» (1864)، وكتاب «الكنوز الغنية في الرموز الميمونية» (1870)، وهي قصيدة رائية في نحو خمسمائة بيت ضمنها رموزا خفية على صورة رواية شعرية، ومن نظمه أيضا «ديوان مرآة الحسناء» طبعه له محمد وهبة سنة 1873 في بيروت.
وكان فرنسيس المراش يحب في كلامه الترفع عن الأساليب المبتذلة فيطلب في نثره ونظمه المعاني المبتكرة والتصورات الفلسفية فلا يبالي بانسجام الكلام وسلاسته، فتجد لذلك في أقواله شيئا من التعقد والخشونة مع الإغضاء عن قواعد اللغة، فمن شعره ما قاله يشكو الدهر:
رمت قلبي نبال الدهر حتى
رأيت دمي يسيل من العيون
فلو كان الزمان يصاغ جسما
لكنت أذيقه كاس المنون
ومن أشعاره الحكمية قوله:
صدقوني كل الأنام سواء
من ملوك إلى رعاة البهائم
كل نفس لها سرور وحزن
لا تني في ولائم أو مآتم
كم أمير في دسته بات يشقى
باله والأسير في القيد ناعم
أصغر الخلق مثل أكبرها جر
ما لهذا وذا مزايا تلائم
والخلايا للنحل أعجب صنعا
من قصور الملوك ذات الدعائم
وكان فرنسيس المراش يراسل أهل الفضل في زمانه كالشيخ ناصيف اليازجي وغيره، وله مآثر عديدة وفصول إنشائية وقصائد وأراجيز نشرها أرباب الجرائد في عهده كأصحاب «الجوائب» و«النحلة» و«الزهرة» و«الجنان» و«النشرة الأسبوعية» و«المشتري» و«البشير» و«المجمع الفاتيكاني» و«مرآة الأحوال» و«الجنة» وغيرها. وقد رثاه الأديب المرحوم بشارة الشدياق فقال يذكر تآليفه:
تركت يا مفردا شأنا يذكرنا
شذاه كالمسك لما فاح في الطلل
من مشهد قد جلا الأحوال بأن لنا
منه عجائب أفعال بلا خلل
ومن غرائب ما شاهدت من صدف
أبهى من الدر أو أشهى من العسل
ورحلة سرت فيها قد حوت حكما
صيغت من الدر من قول ومن عمل
ونقشت أخته مريانا الشاعرة الشهيرة على نعش أخيها فرنسيس بعد وفاته هذين البيتين:
ويلاه من جور دهر قد أحل بنا
مصائبا شأنها أن تصدع الحجرا
يشتت الشمل منها حيثما نزلت
تفني الجميع ولا تبقي له أثرا
الفصل الثاني والعشرون
الدكتور كرنيليوس فانديك
قال علم الطب لما
قد قضى ذاك الهمام
مات فنديك النطاسي
فعلى الطب السلام
ولد الدكتور كرنيليوس فان ديك في 13 أغسطس (آب) سنة 1818 في قرية كندر هوك من أعمال ولاية نيويورك بأميركا، ووالداه هولانديان هاجرا إلى الولايات المتحدة بأميركا وولدا غيره سبعة هو أصغرهم، وكان في صغره يتعلم في مدرسة في قريته فامتاز بالاجتهاد والثبات، وبرع في اليونانية واللاتينية حتى حاز قصب السبق على رفقائه وكانوا كلهم أكبر منه سنا.
وكان أبوه طبيبا فجعل يدرس الطب في صباه عليه وكان يخدم في صيدليته؛ فأتقن فن الصيدلة فيها علما وعملا. ولما حصل ما تيسر له الحصول عليه عند أبيه جعل يتلقى الدروس الطبية في سبرنكفيلد، ثم أتم دروسه في مدرسة جفرسن الطبية بمدينة فيلادلفيا من مدن الولايات المتحدة حيث نال الدبلوما والرتبة الدكتورية في الطب، وكان تعلمه في هذه المدرسة على نفقة ذويه، فكانت مساعدتهم هذه له أساسا للأعمال العظيمة التي عملها في سورية وسائر البلدان العربية من التعليم والتهذيب والتأليف وخدمة الصحافة وإنشاء المدارس.
وفي الحادية والعشرين من عمره فارق الخلان والأوطان وأتى سورية مرسلا من قبل مجمع المرسلين الأميركيين، وكان قد سبقه طبيب آخر أميركي وهو الدكتور آسادوج الذي توفي في القدس سنة 1835 بعد إقامته فيها نحو سنتين، وكان وصول الحكيم فانديك بعد نحو 5 سنوات لوفاته، وحل في بيروت في 2 أبريل (نيسان) سنة 1840، ولكن لم تطل إقامته فيها حتى قام منها بإيعاز المجمع المذكور، وأتى القدس طبيبا لعيال المرسلين الذين كانوا فيها أيام فتوح إبراهيم باشا في بلاد الشام، فأقام فيها تسعة أشهر ثم قفل راجعا إلى بيروت حيث شرع في درس العربية، وحينئذ تعرف بالمرحوم بطرس البستاني وكانا كلاهما عزبين، فسكنا معا في بيت واحد وارتبطا من ذلك العهد برباط المودة والصداقة وبقيا على ذلك طول الأيام حتى صار يضرب المثل بصداقتهما. ولما توفي البستاني كان أشد الناس حزنا على فقده حتى إنه لما طلب منه تأبينه خنقته العبرات وتلعثم لسانه عن الكلام، وبقي برهة يردد قوله: «يا صديق صباي» حتى لم تعد ترى بين الحاضرين إلا عينا تدمع وقلبا يتوجع.
وجعل يدرس العربية على الشيخ ناصيف اليازجي ثم على الشيخ يوسف الأسير الأزهري وغيرهما من علماء اللغة، وبذل الجهد في درسها والأخذ بحذافيرها حتى صار من المعدودين في معرفتها وحفظ أشعارها وأمثالها وشواهدها ومفرداتها واستقصاء أخبار أهلها وعلمائها وتاريخها وتاريخهم. فهو بلا ريب أول إفرنجي أتقن معرفة العربية والنطق بها والبيان والتأليف فيها حتى لم يعد يمتاز عن أولادها، وبقي على ذلك إلى خريف سنة 1842 ثم انتقل إلى عيتات وهي قرية بلبنان، واقترن هناك بالسيدة جوليا بنت مستر آبت قنصل إنكلترا في بيروت، المشهورة بفضلها وحسن أخلاقها، ثم انتقل من عيتات إلى قريتة عبيه، وهناك أنشأ مع صديقه بطرس البستاني مدرسة عبيه الشهيرة. وشرع من يومه في تأليف الكتب اللازمة للتدريس في تلك المدرسة، فألف كتابا في الجغرافية، وآخر في الجبر والمقابلة، وآخر في الهندسة، وآخر في اللوغارتمات، وفي المثلثات البسيطة والكروية، وفي سلك الأبحر والطبيعيات، وقد طبع بعضها وبعضها لم يطبع. وبعد أن قضى في عبيه أربع سنوات على ما ذكرنا في التدريس والتأليف دعاه مجمع المرسلين إلى صيدا فلبث فيها سبع سنين وسافر سنة 1853 إلى مسقط رأسه، وفي تموز سنة 1854 رجع إلى سورية، وعند وفاة الدكتور سميث سنة 1857 تعين من المرسلين في سورية بتصديق المجمع الأميركي وجمعية الكتب المقدسة لترجمة كتابه تعالى؛ فشمر عن ساعد العزم وأخذ يعاني المشاق بتجشم المصاعب بتطبيق كل كلمة على أصلها حتى تم له ذلك. وكان في هذه الأثناء متوليا إدارة المطبعة الأميركية المشهورة وحسن فيها وزاد الشكل على الحروف حتى صارت من أحسن مطابع الشرق وأشهرها. وأتم الترجمة سنة 1864 وبعثه مجمع المرسلين إلى الولايات المتحدة سنة 1865 ليتولى أمر طبعها وعمل الصفائح بالكهربائية لها هناك. فأقام في الولايات المتحدة سنتين حتى أتم ذلك وعاد إلى سورية سنة 1867.
وفي تلك الأثناء تم أمر إنشاء «المدرسة الكلية السورية» في بيروت على نفقة جماعة من أهل الخير في الولايات المتحدة بأميركا فعرضت عليه عمدتها الكبرى في أميركا أن يكون أستاذا فيها فأجابها إلى ذلك. ثم طلبت إليه أن يعين راتبه السنوي بنفسه فكتب 800 ريال مع أن راتب أصغر أستاذ فيها لا يقل عن 1500 ريال! وقد فعل ذلك حبا بخير البلاد ونفع أهلها.
ولما وصل إلى بيروت باشر ترتيب المدرسة الكلية الطبية مع صديقه الفاضل الدكتور يوحنا ورتبات. ووضعا نظاما لدروسها وشرعا في التعليم من ساعتهما لا يحاسبان على أتعاب ولا ينتظران من أحد تبجيلا لقدرهما ومدحا لاسميهما. بل إن الدكتور فانديك لما رأى أن المدرسة تفتقر إلى أستاذ يدرس الكيمياء فيها أقبل من فوره على تدريسها حال كونه معينا أستاذا لعلم الباثولوجيا وحده. ولم يكن في المدرسة حينئذ من كل أدوات الكيمياء إلا قضيب من زجاج وقنينة عتيقة؛ فأنفق من ماله مائتي ليرة إنكليزية على ما يلزم من الأدوات. ولم يكن في يد التلامذة كتاب يطالعون فيه؛ فجعل يلقي عليهم العلم خطبا، مبتدئا بالتجارب الكيماوية ومستطردا من الجزئيات إلى الكليات على أسلوب يقرب هذا العلم من الأفهام، ويرسخ حقائقه في الأذهان. وألف حينئذ كتابا مختصرا في مبادئ الكيمياء ثم توسع فيه وطبعه على نفقته وهو يعلم أنه لا يسترجع نفقات طبعه قبل مماته. وبقي يدرس هذا الفن ست سنوات متواليات وينفق على لوازم التدريس من جيبه. وجاء أستاذ الكيمياء وبقي سنتين من الزمان يدرس العربية والدكتور فانديك يدرس مكانه مجانا حبا بصالح المدرسة وخير أبناء البلاد. ولما تولج أستاذ الكيمياء أشغاله اعتزل الدكتور فانديك عنها وترك للمدرسة كل ما أنفق عليها ولم يأخذ مقابله إلا مائة ليرة إنكليزية.
ولم يقتصر على هذا التبرع بل إنه تولج منصب أستاذ ثالث وهو أستاذ علم الفلك؛ وذلك أن المدرسة لم يكن عندها مال يقوم بنفقة أستاذ لهذا العلم؛ فتبرع بتدريسه مجانا وألف له كتابا مسهبا وطبعه على نفقته أيضا كما طبع كتاب الأنساب والمثلثات والمساحة والقطوع المخروطية وسلك الأبحر. ولم يكن في المدرسة آلات فلكية يعتد بها، فما لبثت أن شرعت في بناء مرصدها حتى ابتاع له آلات بسبعمائة ليرة إنكليزية من ماله الخاص وأثث وفرش فيه على نفقته. وكان أسلوبه في تعليم الكيمياء والباثولوجيا مبنيا على العمل والمشاهدة حتى يجد الطالب فيه لذة قلما يجدها في درس العلوم العويصة كهذا العلم.
وأنشأ للمرصد اسما كبيرا حتى صار معروفا في المشارق والمغارب مقصودا من القريبين والبعيدين مراسلا لأشهر مراصد الأرض. ولما خلفه الدكتور فارس نمر في تدريس علم الفلك الوصفي ألف كتابا في الفلك العملي وجعل يعلم به الطلبة على الآلات. وكان مع تدريسه علم الباثولوجيا وعلم الكيمياء وعلم الفلك يتولى إدارة المطبعة الأميركية فينقح ما يطبع فيها من الكتب ويهتم بتأليف جريدة «أخبار عن انتشار الإنجيل» وجريدة «النشرة الشهرية» وجريدة «كوكب الصبح المنير» ثم «النشرة الأسبوعية» ويطبب في مستشفى ماري يوحنا حيث كان يتقاطر إليه المرضى أفواجا أفواجا حتى يبلغ عددهم الألوف في السنة. وما بقي من الوقت الذي يخصصه البعض بالنزهة والرياضة والراحة والنوم كان يقضيه في تأليف الكتب العلمية والطبية والدرس والمطالعة والتجارب العلمية وحضور الجمعيات النافعة ومراسلة العلماء في سائر أقطار الأرض؛ ولذلك كنت تراه معدا كل ما يطلب منه قبل زمان طلبه. وكان كلما طلب منه أهل بيته أيام اشتغاله في المدرسة الكلية أن يستريح بين عمل وآخر ويؤخر الأشغال إلى أوقاتها حرصا على صحته يجيبهم: «أخاف أن يفاجئني مرض أو يعارضني معارض فأكون سبب خسارة لكل من تتعلق أشغالهم ومصالحهم بي؛ فالواجب علي أن أكون سابقا في إنجاز أشغالي حذرا من ذلك.» ولكثرة اهتمامه بأشغال المدرسة واشتغاله بمصالحها عن غيرها كان أصحابه يكلمونه في ذلك فلا يسمع لهم، حتى صار من الأقوال الشائعة بين معارفه أنك إذا رمت أن تكون على رضى مع فانديك فإياك أن تشغله بشاغل عن المدرسة الكلية. وإذا أردت أن تسر قلبه فكلمه عن المدرسة والتلامذة والمرصد والتآليف. وقد ألف أثناء وجوده في المدرسة الكلية كتابه في الباثولوجيا وهو مجلد ضخم وكتبا في التشخيص الطبيعي وفي الكيمياء وفي الفلك الوصفي وفي المثلثات والمساحة وفي القطوع المخروطية وكلها مطبوع. وألف كتابا في الفلك العملي وآخر في أمراض العينين وآخر في تخطيط السماء وقد طبع حديثا.
وكان تعليمه متين التحقيق متأنيا في التقرير حسن الفكرة، حافظا للمسائل، صحيح النقل، جامعا بين العلوم القديمة والحديثة، ذاكرا التجارب الماضية، مطلعا وراويا الاكتشافات الحاضرة، كثير الإحسان للطلبة معلما ناصحا وأبا صالحا، يشجع الأقوياء ويرق للضعفاء ويشفق على البلداء. وقد تخرج على يده في الكلية السورية سبعون طبيبا وسبعون بكلوروسيا وسبعة صيادلة كلهم أخذوا الشهادات وتشرفوا بمصادقته عليها بخط يده. وأكثرهم عنه حب العلم أخذوا. ومن مآثره أنه تخرج على يده كثير من مشاهير أرباب الصحف العربية والمحررين فيها كالدكتور يعقوب صروف، والدكتور فارس نمر، والدكتور شبلي شميل، والدكتور بشارة زلزل، والدكتور إسكندر بارودي، والدكتور نقولا نمر، والدكتور خليل سعادة، والصيدلي مراد بارودي، وجرجي زيدان ، والدكتور فارس صهيون، والدكتور لويس الخازن.
وكان وهو أعجمي اللغة عربي المنطق، وله في محاسن اللغة وبدائع منثورها ومنظومها القول الصحيح والرأي الرجيح حتى كان يحسب آية ظاهرة في آدابها وأقوالها، وأعجوبة باهرة في نكاتها وأمثالها؛ لأنه كان قوي البادرة كثير المحفوظات لذيذ العشرة لطيف المنظر جيد المخبر، وهو يجري معها إلى طبع سليم وخلق دمث ومحاورة سارة.
وفيما هو لاه بأشغال التأليف والتدريس والرصد والمراسلات العلمية عما سواها من مطامع البشر نكبت المدرسة الكلية بحادث أبعد عنها أكثر أساتذتها، فتركها محتملا آلام فراقها محافظة على مبادئه، وبقي يطبب في مستشفى ماري يوحنا على جاري عادته إلى أن اضطر أن يتركه على غير رضى منه، لكنه إنما تركه ليحيي في الوجود مستشفى طائفة الروم الأرثوذكسيين الذي صار له فيه أياد تذكر في الرحمة بالمسكين ومعالجة المرضى والبائسين.
وقد تقدم المستشفى بعنايته وفضله تقدما عجيبا؛ فازدادت أهميته حتى صار من أعظم المستشفيات في الشرق. ولما أن توفاه الله في 13 تشرين الثاني 1896 كان المرحوم نخلة بن حبيب بسترس رئيسا لعمدة المستشفى، فتبرع من جيبه الخاص بدفع مبلغ كبير لإقامة تمثال لفانديك في ساحة المستشفى الكبرى، ثم عرض على سائر أعضاء العمدة أن يشتركوا في هذا المشروع، فأظهر الجميع رغبتهم في الإقبال عليه، وقرروا وجوب إقامة أثر خالد للرجل الذي اجتمعت القلوب على حبه واعترفت الألسن بفضله، وفي 26 شباط 1899 جرى الاحتفال بنصب الأثر؛ فإذا هو تمثال من المرمر الأبيض الناصع يمثل صاحب الترجمة وقد كتب عليه بحروف واضحة:
أثر حميد لخير فقيد نصب إقرارا بفضل علم العلماء والحكماء المرحوم.
كرنيليوس فانديك عفي عنه - 1895.
ولما اخترمته المنية بالتاريخ المذكور جرى لمشهده احتفال عظيم ثم دفن في المقبرة المحاذية للكنيسة الإنجيلية، وبناء على ما شاع بأنه أوصى ألا يؤبن توقف الأدباء والشعراء عن تأبينه وفي قلوبهم جمرات من التحسر عليه. وقد اهتم فريق من أصدقائه وتلامذته بإقامة نصب على ضريحه، فجمعوا بإدارة أحدهم الصيدلي القانوني مراد البارودي مبلغا كافيا، واستحضروا من أوروبا قطعتين بديعتي الصنع إحداهما من الرخام وضعوها مسطحة على القبر والأخرى من الحجر الأعبل قائمة عليه، وقد نقشت عليه هذه العبارة باللغتين العربية والإنكليزية:
هذا الضريح شاده بعض من خلانه وتلامذته السوريين ذكرا لما أتاه.
من فضل وبر في خمس وخمسين سنة من عمره بين.
أبناء اللغة العربية.
وفي 2 نيسان (أفريل) سنة 1890 احتفل أهل سوريا بمرور خمسين عاما على إقامته بينهم، فأقاموا له يوبيلا شاركهم فيه أفاضل المشارقة في مصر والعراق وغيرهما بالاكتتاب، وتقاطرت عليه الرسائل والقصائد وكتب التهنئة من وجهاء سوريا وأمرائها وجمعياتها وبطاركتها وأساقفتها ومجامعها على اختلاف المذاهب والنحل، وملأت جرائد القطرين السوري والمصري أعمدتها بذكر مآثره وأفضاله وأعماله، ولولا ضيق المقام لجئنا ببعض ما قيل فيه، ولكن ذلك مجموع في كتاب عنوانه «حياة فانديك» مطبوع على حدة بعناية تلميذه الدكتور إسكندر بارودي صاحب امتياز مجلة «الطبيب» البيروتية.
وكان فانديك يجتزئ باليسير من الغذاء والملبس غير عاكف على شيء من الملاذ الدنيوية، بل همه الأمور الجوهرية، يؤثر العزلة على الاجتماع، والاجتماع مع من احتاجه على العزلة، ويصرف في مكتبته ما فضل من أوقاته عن الواجبات بين مطالعة جرائد وتأليف كتب وتصحيح مسودات، وكنت تراه وهو مرتد بالعباءة الشرقية كأن لسان حاله يقول:
ولبس عباءة وتقر عيني
أحب إلي من لبس الشفوف
وبث معارف في دور علم
أحب إلي من كسب الألوف
أما مؤلفاته فتشمل أهم العلوم القديمة والحديثة، وهو أول من ألف في تلك العلوم ونشرها باللسان العربي في الديار الشامية فأجاد وأفاد، وهي: (1) «الباثولوجية الداخلية الخاصة» وتبحث في مبادئ الطب البشري النظري والعملي في مجلد ضخم (2) «محيط الدائرة» في العروض والقوافي (3) «المرآة الوضية في الكرة الأرضية» طبعت غير مرة (4) «الروضة الزهرية في الأصول الجبرية» (5) «الأصول الهندسية» (6) «التشخيص الطبيعي» (7) «الأنساب والمثلثات المستوية والكروية ومساحة السطوح والأجسام والأراضي وسلك الأبحر» (8) «أصول الكيمياء» (9) «رسالة الجدري والحصبة» للرازي مع ملحق بقلم الدكتور (10) «أصول علم الهيئة» في الفلك (11) «إرواء الظماء من محاسن القبة الزرقاء» (12) «النقش في الحجر» في ثمانية مجلدات صغيرة كل منها يبحث في علم من العلوم الحديثة كالفلسفة الطبيعية والكيمياء والجغرافية الطبيعية والنبات والفلك والجيولوجيا وغيرها؛ يراد بها تعليم هذه العلوم في المدارس العالية أو نشرها بين الذين شبوا وتعاطوا التجارة أو الصناعة ولم يدرسوا شيئا منها (13) «النفائس لتلامذة المدارس» (14) «قصة شونبرج وبركا» وهما دينيان (15) «أصول الإيمان المسيحي» (16) «ترجمة العهد الجديد» (17) «النشرة الشهرية» (18) «النشرة الأسبوعية» في أول نشأتها (19) جريدة «كوكب الصبح المنير» في أول عهدها (20) رسالة «الافتخار بالصليب» (21) «أخبار عن انتشار الإنجيل» (22) ترجمة «تاريخ الإصلاح» في القرن السادس عشر في مجلدين (23) «السهم الطيار والفخ الغرار» لتوقية الكروم من الثعالب الصغار (24) كتاب «كشف الأباطيل في عبادة الصور والتماثيل» (25) كتاب «بزوغ النور على ابن حور» (26) كتاب «طب العين» (27) كتاب «الباثولوجية المرضية» لم يطبع منه سوى بعض مقالات في مجلة «الطبيب» البيروتية (28) كتاب «الباثولوجية العامة» وهو غير مطبوع (29) كتاب «تاريخ الأطباء» نشرت مقالات منه في مجلة «المقتطف» في سنيها الأولى، وهو الذي أوعز إلى الدكتور يعقوب صروف أن ينقل كتاب «سر النجاح » إلى اللغة العربية؛ فكان سببا كبيرا في إنهاض الذين قرءوه من شبان بلادنا إلى الاقتداء بأعاظم رجال العلم والعمل مع النسج على منوالهم.
ونختتم هذه الترجمة بالأبيات التي نظمها إلياس حنيكاتي عند نصب تمثال الدكتور فانديك في باحة المستشفى الأرثوذكسي وهي:
لفنديك في شرق البلاد وغربها
مآثر لا تخفى على أحد منا
تجلت كنور الشمس قبل وفاته
وتبقى إلى ما شاء ربك لا تفنى
همام بنى في ساحة الفضل منزلا
وهذا لعمر الحق من خير ما يبنى
ألا حسبه وصفا له حسن شهرة
يضوع شذاها كلما طائر غنى
إمام قضى في الشرق معظم عمره
فمعظم أهل الشرق يبكونه حزنا
ولا سيما جمعية شد أزرها
بتعزيز مستشفى تعول به المضنى
ففي عامها العشرين جدد ذكره
وأرخ بدا تدشين تمثاله الأسنى
الكتاب الثاني
الحقبة الثانية
تمتد من تاريخ افتتاح قناة السويس إلى التذكار المئوي الرابع لاكتشاف العالم الجديد 1869-1892
عبد الحميد الثاني؛ سلطان العثمانيين وأكبر عدو للصحافة والصحافيين.
أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا
شكر عليه فعنه الله ينزعه
المقدمة
كانت الصحافة في الحقبة الأولى شبيهة بالجنين؛ إذ قضي عليها بالتخلق والتكون قبل تخطيها إلى دور الانتشار الذي تحرينا البحث عنه في هذه الحقبة الثانية، وتسهيلا لذلك نبسط الكلام عن صحافة كل مملكة أو كل قطر على حدة مبتدئين بالدولة العثمانية؛ لأن أكثر الصحافيين في هذا الدور كانوا من العثمانيين لا سيما أبناء سوريا الذين يرجع إليهم الفضل في إحياء النهضة العربية والحركة الفكرية شرقا وغربا، وسنتتبع هذا الأسلوب في الأدوار اللاحقة كي يقف القارئ على سنة التدريج الطبيعي الذي رافق تاريخ الصحافة العربية في العالم عموما وفي كل قطر خصوصا. ولم يكن للصحافة في سنة 1870 شأن يذكر حتى قيض الله لها رجالا من ذوي النشاط فأقدموا على إنشائها وهم عالمون بالصعوبة التي كانت تحول دون انتشارها ماديا وأدبيا، فصادفوا العقبات الكثيرة في أول عهدها، ولكنهم تغلبوا على تلك المصاعب بثباتهم واجتهادهم حتى أوصلوا الصحافة إلى ما هي عليه الآن من الأهمية والاعتبار، وكان انتشارها في بادئ الأمر بطيئا جدا لقلة استعداد القوم يومئذ لقبولها، ثم لم تلبث أن هبت من رقادها وأنارت بنبراسها عقول الشعب؛ فأقبل عليها وهو يزيد إقبالا على مر الأيام والأعوام. وقد قسمنا أخبار الصحافة في هذه الحقبة إلى أربعة أقسام كبرى وهي: أولا الصحافة العثمانية، وثانيا صحافة أوروبا، وثالثا صحافة مصر، ورابعا صحافة سائر الأقطار، وكل قسم منها يحتوي على أبواب، وكل باب يتفرع إلى فصول، استوفينا فيها البحث عن هذا الموضوع الجلل.
رسم المطبعة الأميركية؛ المؤسسة في بيروت سنة 1834 بعناية الدكتور عالي سميث.
ومن الأمور الجديرة بالذكر أنه بين الجرائد والمجلات التي ظهرت في الحقبتين الأولى والثانية أتيح لأكثر من ثلاثين صحيفة أن تعيش شوطا بعيدا من العمر، ولما كان ثلاثة أرباعها لم يزل حيا حتى الآن فقد جعلنا نجمة صغيرة بجانب الصحف التي احتجبت تمييزا لها عن سواها وهي: أولها وأقدمها عهدا «الوقائع المصرية» المؤسسة عام 1828 في القاهرة بلغت اليوبيل الألماسي، وأربع منها تجاوزت عيدها الذهبي؛ أي خمسين سنة وهي: المبشر (1847) في مدينة الجزائر بشمال أفريقيا، ثم حديقة الأخبار* (1858) في بيروت، والرائد التونسي (1861) في تونس، وسوريا (1865) في دمشق، ويمكن أن يضاف إليها جريدة «النشرة الأسبوعية» التي قامت على أنقاض جريدتي «النشرة الشهرية» المؤسسة عام 1866 و«أخبار عن انتشار الإنجيل» التي صدرت عام 1863 في بيروت.
وإليك أسماء بقية الصحف التي بلغت خمسا وعشرين سنة فما فوق على ترتيب أعوام ظهورها وهي: الجوائب* (1860) في القسطنطينية، لبنان (1867) في لبنان، فرات (1868) في حلب، أعمال شركة مار منصور (1868) في بيروت، الزوراء (1868) في بغداد، النحلة* (1870) في بيروت ولندن والقاهرة، البشير (1870) في بيروت، طرابلس الغرب* (1870) في طرابلس الغرب، ثمرات الفنون* (1875) في بيروت، المقتطف (1876) في بيروت والقاهرة، الأهرام (1876) في الإسكندرية والقاهرة، الطبيب (1877) في بيروت، أبو نظارة* (1877) في القاهرة وباريس، الوطن (1877) في القاهرة، لسان الحال (1877) في بيروت، صنعا (1879) في اليمن، المصباح* (1880) في بيروت، المحروسة (1880) في الإسكندرية والقاهرة، الاتحاد المصري (1881) في الإسكندرية، الموصل (1885) في الموصل ، الصفا (1886) في بيروت ولبنان، اللطائف* (1886) في القاهرة، بيروت الرسمية (1886) في بيروت، الحقوق (1886) في القاهرة، الحاضرة (1887) في تونس، الزهرة (1889) في تونس، المقطم (1889) في القاهرة، المؤيد (1889) في القاهرة.
فيتضح مما سبق بيانه أن أطول الصحف العربية عمرا بلغ عددها أربعا وثلاثين جريدة ومجلة منذ ظهور الصحافة إلى الآن، منها تسع صحف احتجبت ودخلت في خبر كان، وخمس وعشرون لم تزل منتشرة في الوقت الحاضر، ولا يستثنى منها سوى مجلة «أعمال شركة مار منصور» التي تحولت إلى برنامج سنوي، وبهذه الصفة يمكن اعتبارها صحيفة دورية كما لا يخفى، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لخدمة الأدب وإعلاء منار لسان العرب، وهو ولي التوفيق والإحسان إنه الكريم المنان.
الصحافة العثمانية
الباب الأول
يشتمل على أخبار كل الجرائد
والمجلات في مدينة بيروت
الفصل الأول: أخبار جرائد بيروت في سنة 1870
على أثر المذابح الفظيعة التي جرت في سوريا سنة 1860 ولطخت وجه الإنسانية بمداد العار حضرت العساكر الفرنسوية إلى بيروت لمساعدة الدولة العثمانية على تأييد الراحة والاقتصاص من الثائرين الذين عاثوا في البلاد شرا، وبعد انسحاب العساكر المذكورة أخذت الحركة الفكرية تنتعش في روح السوريين فأنشئوا المدارس الابتدائية والعالية في بيروت لتعليم الناشئة الحديثة، ولم يكن حينئذ في سوريا كلها مدرسة كبرى سوى مدرسة عينطورا المؤسسة عام 1834 بعناية الآباء اللعازريين، وأول من شمر عن ساعد الهمة لهذه الغاية الشريفة كان المعلم بطرس البستاني الذي أنشأ سنة 1863 «المدرسة الوطنية» الشهيرة، ثم غريغوريوس الأول بطريرك الروم الكاثوليك الذي أسس عام 1865 «المدرسة البطريركية»، ثم المرسلون الأميركان الذين نقلوا سنة 1866 مدرستهم المؤسسة في عبيه عام 1846 إلى بيروت وسموها «المدرسة الكلية السورية الإنجيلية»، فاقتدى الآباء اليسوعيون بمثلهم وافتتحوا سنة 1875 «كلية القديس يوسف» التي شيدوها في بيروت على أنقاض مدرستهم القديمة في غزير، وفي تلك السنة قامت «مدرسة الحكمة» للمطران يوسف الدبس الماروني ثم «المدرسة الإسرائيلية» على يد الحاخام زاكي كوهين، وظهر أيضا غيرها من المدارس الثانوية التي نضرب عنها صفحا لكثرتها كمدرسة «ثلاثة الأقمار» للروم الأرثوذكس سنة 1862، ثم «المدرسة السريانية» بإدارة الدكتور لويس صابونجي سنة 1864.
وكانت الحكومة الفرنسية تمد بالمال المدارس الكاثوليكية منها، كما أن الجمعيات البروتسانية كانت تجود على المدارس الإنجيلية بسخاء وافر، وكان التلامذة يؤمون هذه المعاهد العلمية من بيروت ولبنان وسائر جهات بلاد سوريا ومصر وقبرص وأرمينيا والآستانة وما بين النهرين والعراق وسواها. هكذا تفجرت ينابيع المعارف وفي وقت قصير كثر عدد الكتاب والمؤلفين وأنشئت المطابع ودخلت البلاد في عصر جديد من الرقي والفلاح، وكان النصيب الأوفر في هذا الحركة الفكرية للصحافة البيروتية التي جابت البلاد طولا وعرضا وأنارت الشعب بمصباح المعارف. وحسبنا القول إن عدد الصحف التي ظهرت عام 1870 في بيروت وحدها بلغ سبعا بين جريدة أو مجلة، وهو أمر جدير بالذكر في تاريخ الصحافة العربية.
كان السلطان عبد العزيز أكبر عامل على تنشيط الآداب لا سيما بعد ما شاهد بعينه واختبر بذاته حضارة الغربيين أثناء رحلته المشهورة عام 1867 إلى معرض باريز بدعوة مخصوصة من الإمبراطور نابليون الثالث، وكان خديو مصر إسماعيل باشا الموصوف بالكرم الحاتمي شديد الرغبة في الاقتداء بالخلفاء العباسيين الذين كانوا يقربون إليهم العلماء والشعراء؛ فأخذ يقتفي آثارهم لإحياء الآداب العربية، ويجود بالعطايا على أئمة الصحافة لا سيما على بطرس البستاني عميدهم في بيروت وأحمد فارس الشدياق زعيمهم في الآستانة، وكانت مصر قبل تقدم صحافتها تلجأ إلى صحف تركيا لمعرفة الأخبار.
فلما اعتلى عبد الحميد الثاني أريكة الدولة العثمانية كانت الصحافة مطلقة الحرية تنشر الأنباء على علاتها زينا كان أو شينا، وتنتقد أعمال الحكومة ومأموريها، حتى إنها لم تشفق على السلطان نفسه، وناهيك أن جريدة الجوائب في الآستانة وصحف الجنان والجنة والبشير والتقدم وثمرات الفنون في بيروت كانت بلا أدنى خوف تنشر المقالات الضافية الذيل عن مواقع الخلل في تركيا، بل إنها كتبت صريحا عن مقتل الوزراء في دار الخلافة، وذكرت خلع السلطانين عبد العزيز ومراد الخامس عن سرير الملك، وأذاعت خبر انتصار الروس سنة 1877 على العساكر العثمانية. غير أن السلطان عبد الحميد الذي لم يكن يهمه من كل أمور السلطنة إلا صيانة حياته خشي سوء العاقبة من دولة الجرائد وصولة كتابها، فأصدر أمرا بتقييد حريتها وضيق عليها المراقبة حتى صارت جسما بلا روح، فما كانت تنشر سوى ما يطيب للسلطان المشار إليه من ألفاظ التفخيم والتعظيم والتمجيد في مدح عدالته الموهومة على رغم مظالمه واستبداده وسوء إدارته التي كادت تجر الخراب على المملكة لولا لطف الباري سبحانه كما سترى، ومن ألطف الأقوال في وصف مراقب الجرائد في تركيا ما نظمه أحمد شوقي شاعر خديو مصر بهذا المعنى وهو:
لو ابتلى الله به عاشقا
مات به لا بالجوى والوله
لو دام للصحف ودامت له
لم تنج منه الصحف المنزلة
لو خال «بسم الله» في مصحف
تغضب تحسينا من البسملة
وعزة الله بلا «عزت»
لا ينفع القارئ ولا خردلة
هكذا سئمت نفوس الأدباء فهاجر أكثرهم إلى مصر والبلاد الأجنبية حيث أنشئوا الصحف المعتبرة كما جرى لرزق الله حسون والدكتور لويس صابونجي في لندن، وكما جرى لجبرائيل دلال وخليل غانم وميخائيل عورا ويوسف حاج والأمير أمين أرسلان في باريس، ومنهم أنطون فارس وعقل بشعلاني في مرسيليا ووديع كرم في طنجة ويوسف باخوس في غلياري، ومثل ذلك فعل سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا وأديب إسحاق وسليم نقاش وخليل نقاش وروفائيل زند وعزيز بك زند ورشيد شميل وخليل زينيه والشيخ نجيب الحداد والشيخ أمين الحداد وعبده بدران وطانيوس عبده ويعقوب نوفل ونجيب إبراهيم طواد والشيخ شاهين الخازن والشيخ نسيم العازار وحنا جاويش وسبع شميل في الإسكندرية، ثم نذكر أنيس خلاط والدكتور يعقوب صروف والدكتور فارس نمر وشاهين مكاريوس والشيخ إبراهيم اليازجي والشيخ خليل اليازجي وسليم بك عنحوري وسليم فارس وجرجي بك زيدان ومحمد رشيد رضا ونقولا بك توما وأمين شميل وأمين بك ناصيف والدكتور شبلي شميل وحبيب فارس وديمتري نقولا وسليم سركيس ومحمد سلطاني ومحمد كرد علي وإبراهيم نجار وأيوب عون والدكتور أديب زيات والدكتور بشارة زلزل ونجيب جاويش وأمين شدياق وإسكندر شاهين والشيخ يوسف الخازن وفرح أنطون ويوسف آصاف وسواهم في القاهرة، أخيرا نضيف إلى هؤلاء جميع أرباب الصحف في أميركا الشمالية والجنوبية وهم يعدون بالعشرات فضلا عن مشاهير الكتبة الذين كانوا يساعدون كل من ذكرنا في التحرير والتحبير ونضرب صفحا عن سرد أسمائهم لكثرتهم، فإنهم قاطبة تركوا البلاد العثمانية كي يخدموها بصدق في جرائدهم ويكونوا آمنين على حياتهم من غدر السلطان عبد الحميد وأعوانه.
الزهرة
يوسف الشلفون؛ منشئ جريدة «الزهرة» و«التقدم» و«النجاح» و«الشركة الشهرية»؛ (رسمه في سنة 1870).
نشرة أسبوعية ذات ثماني صفحات صغيرة أنشأها في غرة كانون الثاني 1870 يوسف الشلفون على عهد راشد باشا والي سوريا، وهي تتضمن فصولا تاريخية ونكتا أدبية وفوائد علمية وأخبارا مستظرفة بقلم منشئها وبعض حملة الأقلام السوريين، فعاشت حولا كاملا وصدر آخر أعدادها في 24 كانون الأول للسنة المذكورة، ثم خلفتها مجلة «النجاح» التي سيأتي ذكرها. وأخص الذين كتبوا فيها هم: الشيخ إبراهيم اليازجي وفرنسيس مراش والسيد محمد سعيد دجاني وسليم بك تقلا وسليم نقاش وأسعد طراد والدكتور بشارة زلزل وإبراهيم الحوراني وإبراهيم مشاقة وشاكر شقير وسليم الخوري وداود كنعان ونخلة جريديني. وقد روى غلطا عيسى إسكندر المعلوف في مقالته عن «الصحافة العربية» أن القس لويس صابونجي ويوسف الشلفون أصدرا الزهرة بالشركة (راجع مجلة النعمة: سنة 2 صفحة 719) فاقتضى التنويه والتنبيه، وقد نظم الشاعر البيروتي الحاج حسين بيهم قصيدة في مدح هذه الجريدة نورد منها الأبيات الآتية:
صاح نور «الزهرة» الغراء لاح
في ربى بيروت فازداد الفلاح
يا لها من نشرة قد نشرت
نشر طيب طاب نشرا حين فاح
أزهرت أغصانها بل أثمرت
بفكاهات وجد ومزاح
قطفت من كل فن ثمرا
فيه تغني الروح عن أقداح راح
المهماز
هو عنوان نشرة دينية أدبية تاريخية روائية ذات ثماني صفحات بحجم صغير، ظهرت في 25 شباط 1870 مرتين في الشهر لمنشئها خليل عطية اللبناني، وكانت معتدلة المشرب تحتوي على شذرات مفيدة ونصائح حكمية وأشعار لطيفة، وفي 12 آب للسنة ذاتها احتجبت بعد صدور العدد الثاني عشر منها، وقد طبعها صاحبها في المطبعة اليزبكية وصدرها بهذين البيتين:
يا باذلا بجنى الفوائد جهده
إن شئت أن تغنى عن الأعواز
فإلى السباق على مطهم همة
وطنية وعليك بالمهماز
ولما ظهرت جريدة «الهدية» لجمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسي عام 1883 تولى خليل عطية كتابة فصولها مدة سنتين كاملتين كما أفادنا المحامي البارع إلياس بن جرجس طراد، وتوفي رحمه الله بعد التاريخ المذكور بزمن قليل.
الجنة
صحيفة أسبوعية سياسية تجارية أدبية أنشأها في 11 حزيران 1870 سليم ابن المعلم بطرس البستاني، وكان عنوانها محتاطا بغصنين من ورق الغار يعلوهما رسم الهلال والنجمة كأكثر الصحف العثمانية في ذاك العهد، وإلى جانبي العنوان أسماء وكلاء الجريدة ومحلات الاشتراك في الجهات. وقد اشتهرت هذه الصحيفة بصدق المبدأ وانتقاء الأخبار الصحيحة وجلب الأنباء البرقية لحسابها الخاص عند اللزوم، وكان التجار يعولون عليها في أسعار التجارة وسوق القراطيس المالية والحوادث السياسية. وفي الشهر الثاني من ظهورها صارت تصدر مرتين في الأسبوع بمطبعة المعارف إلى غرة كانون الأول 1881 فصارت تطبع في المطبعة الأدبية لمنشئها خليل سركيس. وحينئذ جرى الاتفاق بين المعلم بطرس البستاني منشئ «الجنان» وسليم البستاني مدير «الجنة» وخليل سركيس صاحب «لسان الحال» على ضم هذه الصحف إلى إدارة واحدة ومطبعة واحدة، فاستلم خليل سركيس إدارتها وفوض إليه أمر طبعها وتوزيعها وحساباتها، وإنما بقيت كتابة كل صحيفة متعلقة بصاحبها الأصلي كما كانت سابقا، وبعد وفاة سليم البستاني في 13 أيلول 1884 تحول امتياز الجنة إلى أخيه نجيب الذي أصدرها مدة حولين كاملين، ثم أوقفها باختياره مودعا الصحافة التي خدمتها الأسرة البستانية نحوا من خمس وثلاثين سنة بما لا يوصف من الغيرة والصدق واعتدال المشرب.
وسبب ذلك أنه لما اشتدت المراقبة على الجرائد في سوريا اغتاظت الحكومة من نجيب البستاني لنشره ترجمة مدحت باشا زعيم الأحرار العثمانيين، فأصدرت الأوامر بتعطيل جريدة «الجنة» ومجلة «الجنان»؛ مما ألحق بصاحبهما خسارة كبيرة. ولما كانت الصحيفتان المذكورتان قد عرفتا بالدفاع عن حقوق العثمانيين والضرب على أيدي المفسدين أبت نفس صاحبهما أن يجعلهما آلة في أيدي مأموري المطبوعات أو هدفا للأهواء؛ فتوقف عن إصدارهما رغما من صدور الإرادة السلطانية بالعفو عنهما بمساعي نامق باشا شيخ الوزراء وسعيد باشا ناظر الخارجية سابقا في عاصمة الدولة. وبالإجمال فإن هاتين الصحيفتين كانتا في عهدهما من أرقى الصحف العربية وأكثرهن نفعا وأعظمهن انتشارا، وقد عاشتا نيفا وست عشرة سنة ولم تزل فوائدهما مذكورة بكل شفة ولسان. ونظم الحاج حسين بيهم قصيدة في مدح جريدة «الجنة» عند أول ظهورها ثم ختمها بتاريخين أولهما على الحساب الهجري وثانيهما على الحساب الميلادي، فأحببنا أن نجعلها مسك الختام لأخبار هذه الجريدة المعتبرة، وقد ضمنها أسماء كل الصحف العربية التي كانت منتشرة في ذلك الحين وهي مطبوعة بين قوسين:
ألا يا بني الأوطان عوجوا «لجنة»
لأخبارها بالصدق ألطف رنة «حديقة أخبار» «جوائب» حكمة «جنان» معان لفظها شهد «نحلة» «وقائعها» «كالنيل» عذب «فراتها»
تفضلها «الزوراء» عن بحر دجلة «كروضة» علم قد غدت «لمدارس» «ورائدها» يهدي لنا نشر «زهرة» «بسورية» الفيحاء يعبق نشرها
وبالشرق ثم بالغرب فازت بشهرة
لمنشئها العلامة الشهم شهرة
بخدمته الأوطان في كل لحظة
يغار على نشر المعارف في الورى
ويجهد في تكثير أنواع صنعة
ويندبنا للاتحاد الذي به
وبالجد لا نحتاج بعد لأمة
بظل مليك العصر سلطاننا الذي
لدولته للعلم أعظم دولة
عدالته الغراء مدت رواقها
علينا فصرنا في أمان وبهجة
فلا زالت الأقطار تزداد رونقا
بأيامه ما طاب قارئ «نشرة»
وما قال من تهدي لعلم «جنانه» «وجنته» تهدي لنا كل طرفة
ألا استمعوا أرخ لأخبار جنة
وتاريخها يلفى كألطف غرة
سنة 1287 هجرية/سنة 1870 ميلادية
البشير
صحيفة كاثوليكية دينية إخبارية أسبوعية أنشأها الأب أمبروسيوس مونو رئيس الآباء اليسوعيين في سوريا على أنقاض مجلة «المجمع الفاتيكاني» في 3 أيلول 1870 لخدمة الطوائف المسيحية الكاثوليكية الشرقية، وقد اتخذ كلمات السيد المسيح «تعرفون الحق والحق يحرزكم» شعارا لها، ويعد البشير من أرقى الجرائد التي يركن إلى صحة أخبارها وصفاء مبادئها وإخلاص خدمتها للآداب والعلم والوطن، وكان في أول عهده صحيفة صغيرة تحتوي على ثماني صفحات بقطع «النشرة الأسبوعية» للمرسلين الأميركان، ثم تحول في 2 كانون الأول 1872 إلى جريدة منشورة بأربع صفحات متوسطة، وما زال ينمو شيئا فشيئا حتى صار من أكبر الصحف حجما وأكثرها أخبارا وأشدها إتقانا، ومنذ 3 كانون الثاني 1911 صار يظهر مرتين في الأسبوع بعدما لبث أسبوعيا إحدى وأربعين سنة كاملة، وفي 3 كانون الثاني 1913 صدر ثلاث مرات في الأسبوع مع بقاء قيمة الاشتراك فيه كما كانت في عهده الأسبوعي.
رسم عنوان البشير في أوائل عهده.
وبقي 15 سنة يصدر بالحرف الأميركاني حتى أبدله في 16 نيسان 1884 بالحرف القسطنطيني. وقد برز في فرص شتى بمظهر جميل يروق للأبصار بنقوشه البديعة ورسومه الفاخرة التي لم يعهد لها مثيل في سائر الصحف العربية حتى الآن. وأخص أعداده الممتازة التي تستحق الذكر هي التي صدرت في المواعيد الآتية: (1) اليوبيل الذهبي سنة 1887 لكهنوت البابا لاون الثالث عشر. (2) اليوبيل الذهبي الأسقفي سنة 1893 للحبر الأعظم المشار إليه. (3) اليوبيل الفضي سنة 1895 لتأسيس جريدة البشير. (4) اليوبيل الفضي سنة 1902 لارتقاء لاون الثالث عشر إلى السدة البطرسية. (5) جلوس البابا بيوس العاشر سنة 1903 على العرش الرسولي. (6) اليوبيل الذهبي في السنة المذكورة لتأسيس المطبعة الكاثوليكية. (7) العيد الخمسيني سنة 1904 لإعلان عقيدة الحبل بلا دنس. (8) اليوبيلان الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضي سنة 1908 للبابا بيوس العاشر. (9) اليوبيل الفضي الأسقفي سنة 1912 للسيد أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأنطاكي.
وإليك أسماء الآباء اليسوعيين الذين تولوا إدارة البشير من يوم نشأته حتى الآن مع تواريخ السنين: الأب يوحنا بلو (1870-1874)، والأب يوسف روز (1875-1876)، والأب فيلبس كوش (1877)، والأب لويس أبوجي (1878-1879)، والأب جرمانس دروبرتوله (1880)، والأب فيلبس كوش للمرة الثانية (1881)، والأب بطرس ماليه (1882)، والأب سليمان غانم (1883-1884)، والأب لويس أبوجي للمرة الثانية (1885)، والأب سليمان غانم للمرة الثانية (1886-1890)، والأب أنطون صالحاني (1891-1893)، والأب هنري لامنس (1894)، والأب أنطون صالحاني للمرة الثانية (1895-1899)، والأب هنري لامنس للمرة الثانية (1900-1902)، والأب أنطون رباط (1903-1906)، والأب لويس معلوف (1906-...) وهو المدير الحالي، وكنا نود نشر رسوم جميع مدراء البشير منذ نشأته إلى الزمان الحاضر تقديرا لفضلهم وتخليدا لذكرهم، ولكن حال دون ذلك امتناع الأحياء منهم عن تلبية رغبتنا محافظة على قانونهم الرهباني، ولم نحصل بعد الجهد إلا على رسوم بعض الأموات منهم مع رسم قديم لأحد الأحياء الذي وجدناه عند عائلته.
الأب لويس أبوجي؛ مدير جريدة البشير (1878-1879) و(1885).
الأب فيلبس كوش؛ مدير جريدة البشير (1877 و1881).
وكان لهؤلاء الآباء مساعدون في التحرير بعض أفاضل الكتبة الذين نذكر منهم: المعلم جرجس زوين (1870-1876)، والخوري يوسف البستاني (1877-1881)، وخليل البدوي (1882-1890)، ورشيد الشرتوني (1891-1907)، وأنطون الجميل (1908)، والخوري بولس طعمة (1909-...) وهو المحرر الحالي.
وعام 1878 نشرت إدارة البشير بعناية الأب بطرس دمياني اليسوعي تقويما سنويا يعرف باسم «تقويم البشير» لا يزال يتزايد كل سنة كمالا وإتقانا، وقد حسنه بعد ذلك الأبوان أنطون رباط ولويس معلوف اليسوعيان وزادا في حجمه وزيناه بالرسوم الفاخرة، وقد وصفته مجلة «المسرة» اللبنانية (سنة 2، جزء 12) بقولها:
فهو يتضمن جداول عديدة لمعرفة الأيام والأسابيع والشهور والأعياد والصيامات إلخ، ثم يذكر الرؤساء الروحيين الكاثوليكيين، ثم يليه جدول للنقود العثمانية مع مقابلتها مع أهم النقود الأوروبية، ثم جدول للمساحات والعيارات والمعدودات المترية مع فوائد لتحويل النقود والمعدودات، ثم يعقبه نظر في التقسيمات الإدارية في الدولة العلية مع ذكر قناصل الدول الأجنبية والمديرين وأخص المأمورين في الإدارات والشركات في الدولة، ثم فوائد شتى في البوسطة والتلغراف والجرائد والمجلات، وقد امتاز بنوع أخص بوضع جدول شامل يتضمن السنين الهجرية وما يقابل بدء كل منها في السنين المسيحية مع أمثاله وفوائد صحية وعلمية وفكاهية إلى غير ذلك مما يجعل هذا الكتاب الذي يشتمل على 215 صفحة كاملا في بابه، ويكفيه مدحا أن نقول عنه بلا مراء: أحسن تقويم يصدر في اللغة العربية، وأننا لا يمكننا أن نجد في كتاب سواه الإفادات التي نجدها فيه.
ومن أحسن الشهادات التي يركن إلى صدق ينبوعها وثقة روايتها عن نزاهة مبدأ البشير ما روته جريدة «سورية» الرسمية في شهر كانون الثاني 1887 قالت: «البشير جريدة قديمة ... لا تكتب في سياق الأخبار السياسية وحوادث العالم شيئا مضرا بحق الدولة والملة أصلا.»
أبنية كلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت: «1» المكتب الطبي، «2» الكلية، «3» الكنيسة، «4» الرواق الأعلى «5» الممشى الأوسط «6» المكتبة الكبرى «7» المطبعة «8» الأب أمبروسيوس مونو مؤسس جريدة «البشير» ومنشئ الكلية «9» الأب باليو مهندس الكلية.
الأب أنطون رباط؛ مدير جريدة البشير (1903-1906).
ولما نشبت الحرب في طرابلس الغرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا سنة 1911 و1912 أصدر ناظر الحربية العثمانية أمرا منع فيه الجرائد عن نشر المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، فتخيل للمجلس العرفي في بيروت أن جريدة «البشير» خالفت الأمر المذكور، فحكم على مديرها المسئول بدفع ستين ليرة عثمانية وبتعطيلها لمدة الحرب، ولكن حازم بك والي بيروت قد وجد هذا القرار شديدا، فطلب فسخه من الآستانة واستحصل عليه ثم عادت الجريدة إلى الانتشار، وفي مدة تعطيلها صدرت باسم «صدى البشير» في 4 حزيران 1912 وقد ظهر منها عددان فقط.
واشتهر البشير بصدق الرواية وجرأة الكتابة في كل أدوار حياته، وكان في أول ظهوره مكتوبا بعبارة ركيكة مثل بقية صحف ذلك العهد، وكانت مواضيعه تتناول المسائل الدينية وبعض الحوادث المحلية وسائر أخبار الكون التي لها علاقة بالدين. وكان لا يطالعه سوى جماعة الكاثوليك دون غيرهم، فلما تولى الأب سليمان غانم اللبناني اليسوعي إدارته كان خليل البدوي قائما بشئونه التحريريه، فأنعش كلاهما روحا جديدة في البشير ووسعا نطاق مباحثه وحسنا عبارته ومواضيعه حتى صار يطالعه الكاثوليكيون وغير الكاثوليكيين، وعلى أثرهما جرى مديرو الجريدة والمحررون فيها إلى الزمان الحاضر. وصارت نسخ البشير تباع بكثرة كسائر الصحف السيارة في أسواق بيروت والجهات. والذي ساعد على نجاحه تسليم إدارته للآباء الوطنيين اليسوعيين بعد ما كان يتولاه منهم الأجانب عن بلادنا ولغتنا، وقراؤه يعدون بالألوف في بيروت وكل قرى لبنان وسائر أنحاء سوريا وفلسطين وقبرص ومصر والسودان وشمال أفريقيا والعراق وبين النهرين، وله مشتركون عديدون في أوروبا وأميركا والهند والحبشة وأستراليا وغيرها من الأقطار المأهولة بالمسيحيين الناطقين بالضاد. ومديره الحالي الأب لويس معلوف رجل نشيط مشهود له بالعلم والغيرة والفضل وسداد الرأي، وله اليد البيضاء في ترقية شئون الجريدة وزيادة تحسينها، وإليه يرجع الفخر في إصدارها مرتين في الأسبوع، ثم ثلاث مرات في الأسبوع بعدما لبثت أسبوعية أكثر من أربعين سنة.
أنطون الجميل؛ مؤسس مجلة «الزهور» في القاهرة وأحد محرري «البشير» و«الأهرام» سابقا.
وقضى البشير أيام بؤس في عهد المراقبة على المطبوعات، وبسبب ذلك تعطل مرات شتى بلا مسوغ قانوني سوى تعنت المراقبين لا سيما في عهد حسن فائز الذي كان يضغط بكل قواه على الجرائد، فاضطر حينئذ رئيس اليسوعيين مع الأب أنطون صالحاني مدير البشير أن يذهبا إلى الآستانة ويقيما الشكوى لدى الباب العالي على المراقب المذكور، فساعدتهما سفارة فرنسا للحصول على إنصاف السلطان الذي أمر بإعادة ظهور الجريدة.
وللبشير مجادلات دينية ومناظرات علمية شهيرة في مواضيع مختلفة جرت بينه وبين أهم الصحف العربية التي نذكر منها: «الجنان» و«النشرة الشهرية» و«النشرة الأسبوعية» و«الجنة» و«التقدم» و«ثمرات الفنون» و«الهدية» في بيروت، ثم «المقتطف» في بيروت والقاهرة، ومنها «الفلاح» و«اللطائف» و«الهلال» في القاهرة، وأخيرا «المناظر» في بعبدات بجبل لبنان وغيرها. وقد ذكرنا أكثر تلك المجادلات وأسبابها ومواضيعها عندما سردنا أخبار الصحف المذكورة. وقد تلطف كثير من الوزراء والعظماء فزاروا إدارة «البشير» ومطبعته، فلما زارها عزيز باشا والي بيروت سنة 1889 أخذت آلات المطبعة بأسرها تنشر مدائحه باللغات التركية والعربية والفرنسية، وهاك منها هذه الأبيات:
باهت عراص الدار لما زارها
وال خطير في الكرام عزيز
بالله يا بكم اهتفي بقدومه
فليحي مولانا وعاش عزيز
قد أرخوا بالرغد كن أرخت نل
سد في الورى واظفر وقاك عزيز
1889/1307
الفصل الثاني: أخبار جرائد بيروت منذ سنة 1871 إلى سنة 1876
كوكب الصبح المنير
رسم عنوان جريدة «كوكب الصبح المنير» للمرسلين الأميركيين.
هو عنوان نشرة شهرية دينية مصورة ذات أربع صفحات متوسطة الحجم، أصدرها القسوس الأميركان في بيروت بتاريخ غرة كانون الثاني سنة 1871 لتوزيعها مجانا على تلامذة مدارسهم البروتستانية. وهي تتضمن أخبارا وحكما وألغازا روحية وترانيم دينية وفوائد أدبية، وقد جعلوا شعارها هذه الآية: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.» وكان عنوانها مكتوبا بشكل كوكب تنبعث أشعته على بيروت، وإلى طرفي العنوان رسمان آخران يمثل أحدهما بناية الكنيسة الإنجيلية مع برج الساعة الأميركية في هذه المدينة. وفي 31 تموز 1306 مالية (12 آب 1890 مسيحية) تعطلت؛ لأن أصحابها كانوا غير حائزين على الرخصة الرسمية من الحكومة بنشرها، فأبدلوها بنشرة شهرية ذات صفحتين موسومة «بالنشرة الأسبوعية» لم تزل حية حتى الآن، وهي غير النشرة الأسبوعية التي تصدر مرة في الأسبوع وحجمها أكبر قليلا من الثانية. وأخص الذين كتبوا في جريدة «كوكب الصبح المنير» هم: الدكتور كرنيليوس فانديك وإبراهيم سركيس وإبراهيم الحوراني ورزق الله البرباري.
النشرة الأسبوعية
الدكتور هنري جسب؛ مدير جريدة «النشرة الأسبوعية».
هو عنوان صحيفة دينية أسبوعية مصورة شعارها «فتح كلامك ينير» أنشأها المرسلون الأميركان في 10 كانون الثاني 1871 خلفا لجريدة «النشرة الشهرية» التي سبق وصفها في الجزء الأول، وهي ذات ثماني صفحات صغيرة مطبوعة طبعا نظيفا، وقد تولى إدارتها وتحريرها في أول عهدها الدكتور كرنيليوس فانديك، ومن بعده تحولت إدارتها لعهدة القس صموئيل جسب ثم لأخيه هنري جسب الأميركيين، فكتب فيها حينئذ الأساتذة إبراهيم سركيس ورزق الله برباري وأسعد شدودي، وبعد ذلك عهد بتحريرها للكاتب البليغ والشاعر المطبوع إبراهيم الحوراني الذي لم يزل قائما بهذه المهمة منذ سنة 1880 حتى الآن، وفي السنين الأخيرة أخذ يساعده في الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية الأستاذ إلياس بهنا من راشيا . وفي شهر كانون الثاني 1890 تعطلت بأمر الحكومة سنة كاملة؛ لأنها نقلت عن الجرائد المحلية تلغرافات لا توافق مشرب الحكومة في ذلك العهد، فلما احتج مدير النشرة لدى المراجع الإيجابية على هذه المعاملة، أجابه مراقب المطبوعات أن الحكومة تعول على صدق أصحاب «النشرة الأسبوعية» وتدعوهم إلى زيادة التحري في انتقاء الأخبار.
وقد جرت مناقشات طويلة بين «النشرة الأسبوعية» وغيرها من الصحف البيروتية لا سيما «البشير» و«الهدية» سنة 1888 فيما يتعلق ببعض القضايا المختلف عليها بين الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، وحمي وطيس الجدال بين هذه الجرائد الثلاث واستعرت نيرانها فكانت الواحدة تخطئ الأخريين وتسعى في إسقاطهما. ومن أهم فصول النشرة أثناء المناقشة المذكورة مقالات تحت عنوان «سيف ذو حدين» أو «أمضى من كل سيف ذي حدين» وغيرها، حملت فيها على البشير والهدية، وبعد احتجاب الأخيرة عام 1889 حصلت مجادلات ليست ذات شأن بين الأوليين ثم انقطعت تماما في الزمان الحاضر. ومذ تولى إبراهيم الحوراني تحرير «النشرة الأسبوعية» تحسنت عباراتها وأخذ ينشر على صفحاتها فصولا أدبية وعلمية جزيلة النفع، ولكنها صارت تصدر خالية من الرسوم إلا ما ندر. ولهذه الجريدة نسخة شهرية ذات صفحتين ينشرها المرسلون الأميركان منذ سنة 1890 بدلا من جريدة «كوكب الصبح المنير» الملغاة، وهي مخصصة بصغار التلامذة في المدارس البروتستانية.
الجنينة
جريدة سياسية تجارية ذات صفحتين بقطع متوسط ظهرت عام 1871 لصاحبها سليم البستاني، وهو أول صحافي عربي حاول أن يصدر جريدة يومية، فتسنى له ذلك بإصدار «الجنينة» أربع مرات كل أسبوع في أيام الاثنين والأربعاء والخميس والسبت. وكانت جريدته «الجنة» السابقة الذكر تظهر في يومي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع. وهكذا كان قراء هاتين الصحيفتين يتناولون الأخبار الجديدة في كل يوم، وكانت «الجنينة» مصدرة بالأنباء البرقية السياسية تليها الحوادث المحلية ومراسلات الجهات، وكان القسم التجاري فيها مطولا ومتقنا يشمل أسعار التجارة والقراطيس المالية، وقد عاشت نيفا وأربع سنين ثم احتجبت عام 1875 عندما تفشى الهواء الأصفر في بيروت وبعض أنحاء سوريا. وكان بدل الاشتراك السنوي في «الجنينة» وحدها عشرة فرنكات، أما بدل اشتراكها مع «الجنة» فكان 17 فرنكا ومع «الجنان» و«الجنة» 33 فرنكا. وكان اسم الجريدة محتاطا برسم بديع تخفق بجانبيه رايتان عثمانيتان قد نقش على إحداهما رسم الهلال والنجمة وعلى الأخرى شكل الطغراء السلطانية. وهذا الرسم صنعه الحفار المشهور ميخائيل فرح اللبناني، وكان سليم البستاني ينشئ فصول «الجنة» و«الجنينة» بمساعدة نسيبه العلامة سليمان البستاني معرب «الإلياذة» للشاعر اليوناني أوميرس وأحد أعضاء «مجلس الأعيان» في السلطنة العثمانية حالا.
التقدم
جريدة عمومية صدرت في مفتتح عام 1874 بعد إلغاء مجلة «النجاح» لصاحب امتيازها يوسف الشلفون، فكانت أولا نصف أسبوعية في صفحتين متوسطتي الحجم يحررها منشئها وحده، ثم انضم إليه أديب بك إسحاق الدمشقي الذي كتب فيها سنة كاملة وتركها. وفي عامها الثالث صارت أسبوعية في ثماني صفحات صغيرة خالية من المواضيع المفيدة وطلاوة الأنباء الجديدة. وكانت مقالاتها منقولة على الغالب من الصحف المحلية أو المصرية أو الجوائب في الآستانة؛ فانحط شأنها، وسئم الناس من مطالعتها، واضطر صاحبها إلى تعطيلها في السنة الرابعة. وقد نظم فيها حينئذ القس لويس صابونجي هذا البيت المشهور:
إن التقدم دائما يتأخر
ما زال للشلفون اسم يذكر
ولبثت محتجبة إلى بداية سنة 1881 فعادت إلى الظهور مرتين في الأسبوع بأربع صفحات كبيرة، وصارت تطبع في مطبعة القديس جرجس للروم الأرثوذكس بعدما كانت تنشر في «المطبعة الكلية» لصاحب امتيازها يوسف الشلفون. وقد تولى حينئذ تحريرها أديب إسحاق للمرة الثانية بعد عودته من أوروبا وكان يدفع لصاحب الامتياز ستين فرنكا في الشهر لقاء تنازله عن إدارتها له، فألبسها حلة قشيبة من البلاغة ورتب مباحثها وحسن مواضيعها حتى أقبل القوم على مطالعتها من كل البلاد العربية. وقد افتتحها بمقدمة نفيسة جاء فيها ما نصه:
ولقد أتى على هذه الصحيفة حين من الدهر دفنت حبة قصدها وجرد غصن نفعها بما طرأ عليها من حوادث الأيام وعاديات الحدثان، ثم انجلت بهذا المظهر لم تنشأ من العدم البحت ولم تبد بعد المحو المطلق، ولكن تقمصت من الحياة ثوبا جديدا.
رسم عنوان جريدة «التقدم» في بداية نشرها.
وكان الشيخ إسكندر العازار مع اشتغاله في بنك «سرسق أبناء عم» يساعد صديقه أديب إسحاق في كتابة بعض فصول «التقدم» بدون توقيع اسمه على صفحات الجريدة، ومثل ذلك كان يفعل صديقه الآخر سليم نجار مدير أشغال محل مورك دالك. وبعد مرور سنة من التاريخ المذكور سافر أديب إلى مصر فخلفه في تحرير الجريدة جرجس بن ميخائيل نحاس، وانتقلت من بعده إلى عوني إسحاق، ولما كان عام 1883 استلم تحريرها أديب للمرة الثالثة مدة شهور قليلة حتى اشتدت عليه العلة التي ذهبت بحياته، فأخذ حينئذ الشلفون يصدرها مرة في الأسبوع بحجم أصغر واشترك فيها معه رجل لبناني يدعى يوسف جرمانوس. وإنما قل إقبال الناس عليها لخلوها من مثل المقالات الشائقة التي كان أديب يدبجها ببراعة العسال. ودامت الحال على هذا المنوال ثلاثة أعوام تتنازعها عوامل البقاء والفناء حتى استلم إدارتها وتحريرها إسكندر بن جرجس طاسو ونجيب بن إبراهيم طراد البيروتيان، فأصدراها في 31 تشرين الأول 1887 بحجم الجرائد الكبرى، وأنعشا فيها روح النهضة الأدبية. وفي 7 شباط 1888 عطلها نصوحي بك حاكم بيروت لمدة غير معلومة؛ لأنها نشرت في اليوم السابق عبارات موجبة لتهييج الأفكار، ثم صدر العفو عنها وعاشت إلى أواخر سنة 1889 بإدارة إسكندر طاسو المشار إليه. وقد جرت بين «التقدم» لا سيما في عهد أديب إسحاق وبين جريدة «البشير» للآباء اليسوعيين مناقشات طويلة لاختلافهما في المبادئ على قضية «التعليم الإلزامي» بالمدارس العلمانية في فرنسا، فإن الأولى كانت في أعوامها العشرة الأخيرة من الصحف الحرة التي تضرب على وتر الأفكار العصرية، بينا الثانية تحافظ أشد المحافظة على التقاليد الكاثوليكية بكل معنى من معاني الكلمة. ولما قرظ اليسوعيون في بشيرهم كتاب «الدرر» لأديب إسحاق شهدوا لمؤلفه بآداب المناظرة وهذا ما كتبوه
1
بالحرف الواحد:
ومما يمدح به أنه في جداله معنا لو قابلناه مع كتاب بعض الجرائد وجدناه متعاليا عنهم في عدم تطويح قلمه مثلهم فيما يشينهم من السفاهة والطعن الشخصي؛ فكان الأجدر بأصحاب أديب كتبة هذه الجرائد خصوصا أن يقتفوا أثره في جدالهم معنا.
الشيخ إسكندر العازار؛ المحرر في جريدة «التقدم» سابقا وصاحب امتياز جريدة «صدى البرق».
السيد عبد القادر قباني؛ صاحب امتياز «ثمرات الفنون» (رسمه عند تأسيس الجريدة).
ثمرات الفنون
صحيفة أسبوعية سياسية علمية أدبية أنشأتها «جمعية الفنون» المؤلفة من بعض أدباء المسلمين وأعيانهم برئاسة الحاج سعد ابن السيد عبد الفتاح حمادة، وفوضت إدارتها لصاحب امتيازها السيد عبد القادر قباني أحد أعضاء الجمعية المذكورة، وهي أولى الجرائد الإسلامية في بيروت وثانيتها في السلطنة العثمانية بعد «الجوائب» في الآستانة. وكانت ثمرات الفنون في بداية عهدها شركة مساهمة تتألف من اثني عشر سهما وقيمة كل سهم ألفان وخمسمائة غرشا، وهي من هذا القبيل باكورة الصحف العربية خلافا لما رواه جرجي زيدان
2
من أن جريدة «اللواء» المصرية كانت أول جريدة عربية مساهمة، إلا أن «جمعية الفنون» لم يطل عمرها لحلول روح الحسد في بعض النفوس واندفاعها إلى معاكسة الجمعية التي دخلت في خبر كان عند وفاة مؤسسها الحاج سعد حمادة، فانتقل اسم الجريدة ومطبعتها إلى صاحب الامتياز الذي جعل قبلته خدمة الأمة الإسلامية والجامعة العثمانية، وكثيرا ما افتتح الاكتتابات على صفحات جريدته في سبيل الإعانات الخيرية والوطنية، وأهمها اكتتابان أحدهما لإعانات عائلات غرقى الباخرة «أرطغرل» العثمانية في مياه اليابان، والآخر لمشروع السكة الحديدية الحجازية.
وكان صدور العدد الأول من «ثمرات الفنون» في 20 نيسان 1875 فتولى كتابتها رهط من أفاضل المحررين والمترجمين وهم: الشيخ يوسف الأسير الأزهري، والشيخ إبراهيم الأحدب، وإسماعيل ذهني بك محاسب جي حكومة لبنان سابقا، وسامي قصيري، وعوني إسحاق، وسليم بن عباس الشلفون، وإسكندر بن فرج الله طراد، والشيخ أحمد حسن طبارة، والحاج محمد محمود الحبال وغيرهم. وفي شهر تشرين الثاني 1889 كبرت حجمها فصارت أعمدتها 16 بعد أن كانت 12 فقط، وفي 12 آيار 1899 جرى الاحتفال بعيدها الفضي احتفالا زاهيا بأهل الفضل والوجاهة تقديرا لخدمة صاحب امتيازها ورئيس تحريرها المشار إليه، فنشرت الجرائد عبارات الثناء وعدت ذلك حادثا تاريخيا للصحافة العربية، وفي تلك الأثناء صدرت بثماني صفحات وكانت تصدر في أربع فقط، وبعدما كانت صفحاتها الثماني تتألف من 24 عمودا صارت 32 عمودا، وعلى أثر ما أحرزته هذه الجريدة من المكانة بخطتها الوطنية ودعت عالم الصحافة يوم الاثنين الواقع في 2 تشرين الثاني 1908 بالغة العام الرابع والثلاثين لعهد نشأتها.
وكانت للمسلمين ثقة عظيمة بهذه الصحيفة التي بقيت لسان حالهم مدة طويلة لا سيما بعد احتجاب «الجوائب» في الآستانة، فكانوا يطالعونها من جميع الجهات؛ لأنها كانت تنشر أخبارهم وحوادث ممالكهم وأحوال شعوبهم في مشارق الأرض ومغاربها، وتدعوهم لطاعة أمير المؤمنين والالتفاف حول عرش الخليفة، وكثيرا ما جرت المجادلات بينها وبين بعض الصحف كالجوائب لأحمد فارس والبشير لليسوعيين، أما الجوائب فنظرا لسفاهة عباراتها فقد أعرضت عنها «ثمرات الفنون» وتركتها وشأنها، وجريدة «البشير» معروفة بتعصبها للدين الكاثوليكي كما أن «ثمرات الفنون» موصوفة بتعصبها للدين الإسلامي، وكان أهم جدال بين هاتين الصحيفتين يتناول مسألة «النخاسة» التي قررت دول أوروبا إلغاءها من شمال أفريقيا وما وراءها من الصحراء على يد الكردينال لافيجري، فاستحسنت «ثمرات الفنون» هذا الرأي، ولكنها خشيت أن يكون القصد منه تنصير القبائل الإسلامية في تلك الأصقاع وبسط الحماية الأوروبية عليها، فذهب «البشير» غير هذا المذهب بحجة أن عمل الكردينال لافيجري هو محض خدمة لخير الإنسانية وأن لا علاقة لذلك بالدين والسياسة.
وعقيب إعلان الدستور في الدولة العثمانية سنة 1908 جاهر السيد عبد القادر قباني صاحب «ثمرات الفنون» بما يأتي وحبذا القول: «إن مسئولية أصحاب الجرائد في زمن الدستور أعظم منها في دور الاستبداد، ولذلك يلزم أن يقوم بتحرير كل جريدة نخبة من الكتاب من جميع العناصر للمحافظة على تأليف وحدة عثمانية من عناصر الوطن؛ فتعتز الجامعة العثمانية بهذه الوحدة. ولا أقدر من الجرائد لتحقيق هذه الأمنية التي هي روح الدستور إذا اتفق كتابها على التفاهم والتحاب ونبذ كل ما يدعو إلى سوء التفاهم.» ولعل عدم فوزه بهذه الأمنية حمله على إهمال نشر الجريدة.
الفصل الثالث: أخبار جرائد بيروت من سنة 1877 إلى سنة 1885
لسان الحال
جريدة سياسية تجارية علمية زراعية صناعية ظهرت في 18 تشرين الأول 1877 لصاحب امتيازها خليل سركيس، فجرت منذ أول نشأتها حتى الآن على خطة الاعتدال والمسالمة وعدم التشيع إلى عنصر دون آخر، فاشتهر أمرها بذلك ونالت ثقة القريب والبعيد وأقبل الناس على مطالعتها من جميع الملل والنحل، وبين مشتركيها عدد كثير يرتقي عهد اشتراكه فيها إلى أول ظهورها بلا انقطاع، وذلك برهان جلي على ميل الناس إلى هذه الجريدة القديمة التي عرف منشئها بشيخ الصحافيين وانتدب مرارا لفصل الاختلافات الطارئة بين أهل مهنته في حاضرة بيروت. وقد ظهرت في بدء عمرها صغيرة الحجم، ثم أخذت تنمو وتتحسن تبعا لسنة الارتقاء الطبيعي حتى بلغت الحد الذي يمكن لجريدة وطنية أن تبلغه في هذا الزمان، وكانت أولا نصف أسبوعية، ثم صارت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ثم أربع مرات في الأسبوع، حتى انتهى بها الأمر في 23 أيلول 1895 أن تصدر بمظهرها اليومي، ومن ذاك العهد أصدرت عددا أسبوعيا يتضمن خلاصة حوادث الأسبوع وأخباره المهمة. ومن مزايا هذه الجريدة أنها اقترحت مرارا على المتأدبين وأساطين اللغة أن يضعوا ألفاظا ترادف بعض التعابير الأجنبية وينحتوا منها ألفاظا تكون على أوزان الأسماء العربية، فصادف اقتراحها استحسان المشتغلين باللسان العربي. وهكذا درجت بالاستعمال ألفاظ كثيرة أقرها الأدباء في كتاباتهم، أما الذين تولوا تحرير «لسان الحال» مع صاحب امتيازه فهذه أسماؤهم مرتبة بحسب التاريخ واحدا بعد الآخر: المعلم جرجس زوين - الشيخ يوسف الأسير - أمين أفرام البستاني - يوسف قيقانو - سليم سركيس - نجيب المشعلاني - الدكتور رزق الحداد - المعلم إلياس بهنا - المعلم عبد الله البستاني - المعلم رشيد عطية - سليم بن عباس الشلفون - سعيد فاضل عقل، وهو المحرر الحالي مع يوسف قيقانو المشار إليه.
خليل سركيس - صاحب امتياز جريدة «لسان الحال» ورئيس تحريرها؛ (رسم صورته التي أهديت له في يوبيل «لسان الحال» الفضي).
ومواد «لسان الحال» تشتمل اليوم على المواضيع الآتية: في الصفحة الأولى مقالة افتتاحية سياسية أو عمرانية ثم أخبار بريد أوروبا وخلاصة أقوال صحف الكون، وفي الصفحة الثانية الأنباء البرقية والأخبار المحلية ومراسلات الجهات، وفي الصفحة الثالثة أسعار التجارة والقراطيس المالية وحركة البواخر وأحوال ميزان الحرارة والمطر وفصل من رواية تهذيبية يستطيع قراءتها كل إنسان لخلوها من كل ما يشين الآداب، والصفحة الرابعة مختصة بالإعلانات الكثيرة على اختلاف أنواعها. وهي مطبوعة طبعا نظيفا وحروفها مصنوعة في المسكب الخاص بالجريدة، وفي فرص شتى ظهرت مزينة بالرسوم والنقوش التي تستحق الوصف المخصوص.
سليم سركيس؛ المحرر في جريدة «لسان الحال» سابقا وجريدة «المؤيد» المصرية ومنشئ صحيفة «الأرز» المدرسية في عين زحلتا، و«المشير» في الإسكندرية والقاهرة و«رجع الصدى» في لندن، و«الراوي» في نيويورك، و«البستان» في بوستون، وأخيرا «مجلة سركيس» في القاهرة؛ (رسمه بالملابس العربية).
رامز سركيس؛ مدير جريدة «لسان الحال».
واشتهرت هذه الجريدة في العالم الأدبي بأخبارها الصادقة ومباحثها المفيدة ومبادئها الشريفة وإخلاص خدمتها للوطن، يشهد على ذلك إقبال القوم على مطالعتها وتزاحم باعة الجرائد على باب إدارتها صباحا ومساء لمشترى النسخ العديدة منها، وما عابها في أكثر أدوار حياتها قبل إعلان الدستور العثماني سوى مبالغتها في محاسنة الحكومة ومدح المأمورين الخائنين مدفوعة إلى ذلك بحكم الضرورة ومراعاة أحوال الزمان ، أما اليوم فإنها أطلقت للقلم عنان الحرية وجاهرت على صفحاتها بانتقاد أعمال الحكام مع وجوب تعميم الإصلاح في السلطنة عموما وبيروت خصوصا تحت ظل الراية العثمانية.
وفي 17 أيلول 1895 نكبت باحتراق بنايتها الواسعة فالتهمت النار مطابع الجريدة والحروف والكتب وصناديق المرتبين وسائر المطبوعات الباقية هناك منذ سبع وعشرين سنة، ولا تسل عما كان فيها من الأوراق على اختلاف أجناسها ومن الحبر والرصاص والقماش وغيره من لوازم المطابع، فلم يبق من ذلك كله سوى هيكل مطبعتين بخاريتين ومطبعة يد ومطبعة حجرية، ولم يسلم من المطبعة سوى مكتب الإدارة ودفاترها، فكان ذلك خسارة عظيمة على صاحبها تقدر بمائة ألف فرنك.
وفي 22 نيسان 1904 جرى الاحتفال بيوبيل الجريدة الفضي فأهديت لمنشئها التحف النفيسة والتقادم المالية والقصائد الرنانة إقرارا بفضله. وبهذه المناسبة جمعت تقاريظ الأدباء وأقوال الجرائد في كتاب خاص يتألف من 115 صفحة، ومن جملة تلك القصائد نثبت هذه الأبيات الرقيقة التي نظمها الشيخ إسكندر العازار وفيها يعتذر عن الاشتراك في الاحتفال بداعي ألم في عينيه:
حل في العينين إنذار العمى
فأنا في سجن بيتي مختبي
حرمتني شقوة الطالع من
مشهد مذ ربع قرن مطلبي
لي بحرماني قصاص ثم لي
من شقاء الحال ما يشفع بي
يا لسان الحال ها تهنئة
من قريض بالعيا مضطرب
من صديق عرسك الفضي في
سفر ناديه اسمه لم يكتب
أنت وجه حسن لكنما
نحن فيه حبة من حلب
بي أنا أفديك لا غير فقد
رحم الرحمن أمي وأبي
نفع الله بكم أمصارنا
وبجمع الرصفاء النجب
وأرانا الذهبي المشتهي
نخلط الجد به باللعب
أنت بالعكاز تمشي وأنا
أسكب الفضة فوق الذهب
هي كأس سر من يشربها
وهي أيضا سر من لم يشرب
يوسف قيقانو؛ أحد محرري «لسان الحال» ومترجم روايات مجلة «ديوان الفكاهة».
ولخليل سركيس روزنامة سنوية يرتقي عهد ظهورها إلى سنة 1869 تعرف بالروزنامة السورية، وهي من أقدم جميع التقاويم السنوية التي برزت في لغة العرب بعد تقويم مجلة «مجموع فوائد» التي سبق ذكرها، فكانت هذه الروزنامة في بادئ أمرها تطبع بالمئات فزادتها السنون والأيام رواجا وإقبالا حتى صارت تطبع بعشرات الألوف، وهذا دليل كبير على ثقة الشعب بها واعتماده على ضبطها وإتقانها وإحصاءاتها وسائر مضامينها المفيدة، وما قلناه عن الروزنامة نقوله عن «مفكرة لسان الحال» السنوية المشهورة.
سعيد فاضل عقل؛ أحد محرري «لسان الحال» حالا و«صدى المكسيك» و«الأحوال» و«البصير» سابقا.
ومنذ سنتين نيطت إدارة الجريدة وشئون مطبعتها برامز سركيس نجل صاحب الامتياز لاحتياج والده إلى بعض الراحة من عناء الأعمال التي أثرت في جسمه وتعاطاها مدة خمسين سنة بلا انقطاع. ورامز سركيس هو شاب نشيط زكي الفؤاد أخذ عن أبيه كل الصفات المحمودة لا سيما محبة الوطن وخدمة المعارف والصدق في المعاملات والانصباب على الأشغال وحسن السلوك بين الناس. ولا غرو فأحسن ما يقال فيه: «إن هذا الشبل من ذاك الأسد»، وله على صفحات «لسان الحال» كتابات شائقة تدل على سلامة ذوقه في صناعة التحرير والتحبير.
المصباح
اسم لجريدة سياسية تجارية علمية أدبية ظهرت في غرة كانون الثاني 1880 ثلاث مرات في الأسبوع لمنشئها نقولا نقاش، فكانت خطتها كاثوليكية وصبغتها مارونية تنشر أخبار هذه الطائفة وتدافع عن مصالحها، وبنوع أخص كانت لسان حال المطران يوسف الدبس رئيس أساقفة بيروت الماروني الذي لا تنكر مساعدته المادية لها من أول نشأتها حتى أدركته المنية، وقد قدرت فضله عليها فكانت تنطق في كل فرصة بالثناء عليه، ولما جرى الاحتفال بيوبيله الأسقفي الفضي أصدرت عددا ممتازا في 20 آذار 1897 يتضمن رسم المطران المشار إليه والفصول الطويلة عن ترجمته وأعماله، وقد نظم فيها الشاعر البيروتي مصباح رمضان هذين البيتين:
هذي صحيفة أخبار لقد بزغت
من أفق عصر تسامى فيه إصلاح
كأنما هي مشكاة وأحرفها
ليل ومفهومها للعقل مصباح
جان بك نقاش صاحب الامتياز الثاني لجريدة «المصباح».
وللشاعر الدمشقي جبران البحري ثلاثة أبيات أيضا ضمنها تاريخا لصدور «المصباح» وهي:
سطع المصباح في أفق النهى
وظلام الجهل فيه انقرضا
ونفى الشر وبالخير أتى
وأصاب السهم فيه الغرضا
ولسان العصر نادى أرخوا
قد بدا مصباح خيري وأضا
سنة 1880 ميلادية
وفي كل أدوار حياته اشتهر «المصباح» ببلاغة الإنشاء فيما كان ينشر على صفحاته من اللمع السياسية والمقالات الأدبية والفصول الاقتصادية والآثار العدلية، وكان أكثر قرائه والمشتركين فيه من اللبنانيين، ولذلك كان يكثر من المباحث المتعلقة بشئونهم في الوطن والمهجر، ولما توفي بطل لبنان يوسف بك كرم في 8 نيسان 1889 منفيا في مدينة نابولي رثاه «المصباح» بمقالة رنانة لم ترق في عيون أرباب الحكومة فصدر الأمر بتعطيله، وكانت المقالة المذكورة مفتتحة بهذه الأبيات:
من للشجاعة من للسيف والقلم
من للمهمات من للضيف والكرم
لقد مضى ذلك الشهم الذي اشتهرت
آثاره الغر بين العرب والعجم
يا لهف لبنان بل يا لهف طائفة
عن مثله عقمت فلتبكه بدم
أنطون بك شحيبر؛ المحرر في جريدة «المصباح» سابقا.
وعند احتضار نقولا نقاش عام 1894 تحول امتياز الجريدة ومطبعتها باسم نجله جان بك نقاش الذي جرى على خطة والده، وأشهر الكتاب الذين تولوا تحرير «المصباح» تباعا في عهد صاحبيه المشار إليهما هم: المعلم جرجس زوين وبولس زين والشيخ خطار الدحداح وسليم نقاش وأديب إسحاق وأنطون شحيبر وداود نقاش وسليم الشلفون. ولما كانت أشغال المحاماة التي ورثها صاحب الامتياز الثاني عن سلفه تستغرق أكثر أوقاته سلم إدارة الجريدة وتحريرها في 28 آب سنة 1899 لإبراهيم بن سليم نجار، فأصدرها النجار أسبوعية على نفقته وحسابه بحجم أصغر من حجمها الأول في 16 صفحة. وكان «المصباح» في عهده أنطق الصحف وأجرأها حتى إن جرأته هي التي جنت عليه؛ فتعطل عقب مقالة إصلاحية انتقد فيها أعمال بلدية بيروت وما فيها من الخلل، وبعد الإفراج عنه أعاد جان بك إصداره في أربع صفحات كبيرة مدة سنتين، وفي عام 1903 أناط إدارته وتحريره بالمرحوم نجيب حبيقه وإلياس جدعون، فتبع هذان خطة إبراهيم نجار تماما، ولكن بلهجة معتدلة، ومع ذلك فإنهما لم يسلما من شدة ضغط مراقب المطبوعات الذي عطل الجريدة؛ لأنهما لم يدفعا له ما يبهر نظره عنهما. وبعد ذلك بقي «المصباح» محتجبا حتى إعلان الدستور سنة 1908 في الدولة العثمانية، فأصدر منه صاحب الامتياز بعض أعداد في 4 صفحات صغيرة، ولم يزل معطلا من ذاك العهد.
وقد تلقى جان بك نقاش دروسه في كلية الآباء اليسوعيين، ثم انتقل إلى «مدرسة الحكمة» فقرأ علم الحقوق على والده وعلى الشيخ يوسف الأسير ونال الشهادة في ذلك، وسنة 1888 صار يتعاطى مع والده فن المحاماة حتى تعين سنة 1897 عضوا في محكمة استئناف ولاية بيروت، فخدم هذه الوظيفة أربع سنين ثم عاد إلى معاطاة فن المحاماة، وألف كتاب «مغني المتداعين عن المحامين» ونال الرتبة الثانية مع الوسام العثماني الثالث من الحكومة العثمانية، وأحرز وسام «محامي القديس بطرس» من الجمعية المعروفة بهذا الاسم.
الهدية
هي نشرة شهرية دينية ذات صفحتين صغيرتين ظهرت في بادئ أمرها باسم «هدية إلى أولاد مدارس الأحد الأرثوذكسية» على مثال صحيفة «كوكب الصبح المنير» للبروتستانت في بيروت، غير أن الأولى كانت أصغر حجما من الثانية وخالية من التصاوير. وأنشئت «الهدية» في عهد السيد غفرئيل شاتيلا مطران الروم الأرثوذكس وبإيعازه، فصدر عددها الأول بلا تاريخ، ثم ظهر العدد الثاني مؤرخا في غرة كانون الثاني 1883، ثم العدد الثالث في شهر شباط وهلم جرا. وظلت تصدر بهذه الهيئة مدة ثلاثة أعوام كاملة وتنشر قصصا وحوادث دينية توافق ذوق الأولاد التي كانت تهدى إليهم. وكانت تديرها «جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسية» ويحرر فيها تبرعا منهم بعض أعضاء هذه الجمعية الذين نذكر منهم: خليل عطية ووديع فياض وسامي قصيري وفضل الله أبي حلقة وغيرهم، وكان الشيخ إسكندر العازار معتنيا بالشئون الجدلية وكتابة مقالاتها.
وفي بدء عام 1886 أطلق عليها اسم «الهدية» فترقت أحوالها وتحسنت مواضيعها وصارت تصدر في الشهر مرتين بهيئة شبه مجلة، فتولت تحريرها لجنة أيضا من «جمعية التعليم المسيحي» تتألف من الشماس غريغوريوس حداد (هو غبطة البطريرك الأنطاكي حالا) ويوسف بن توماترزي الحائز على شهادة اللاهوت من مدرسة خالكي في الآستانة والشيخ رشيد نفاع اللبناني، وفي أواسط تلك السنة استقال الأخيران من تحريرها وبقي الشماس غريغوريوس وحده ينشئ فصولها، ثم أضيف إليه الشماس جراسيموس مسرة (سيادة مطران بيروت حالا) واعظ الكرسي الأنطاكي حينئذ بصفة مراسل في دمشق، وفي أثناء ذلك جرت المناظرة المشهورة بين «الهدية» وجريدة «البشير» على موضوع «رئاسة القديس بطرس» وسواه من المواضيع المختلف عليها بين الأرثوذكس والكاثوليك كعصمة بابوات رومة وسعادة القديسين والمطهر وغيرها. وكان لهذه المناظرة شأن كبير من الوجهتين الدينية والتاريخية بحيث أفرغ كل من الفريقين المتناظرين جهده لتأييد دعواه بالأدلة التي توافق تعليم كنيسته.
الشيخ رشيد نفاع؛ أحد المحررين في جريدة «الهدية».
وفي بداية سنة 1887 صدرت «الهدية» مرة في كل أسبوع ولبثت إدارة تحريرها بيد الشماس غريغوريوس حداد، وقد زاد احتدام الجدال حينئذ بين الصحيفتين المار ذكرهما؛ فاضطرمت نيران المناظرة واشتد سعيرها حتى انقطع الجدال أخيرا بمداخلة بعض أصدقاء الطرفين وعقلاء الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية. وفي فاتحة عام 1888 استقال الشماس المشار إليه من إدارة شئون الجريدة وتحريرها، فتولاها بعده الشيخ رشيد نفاع مدة سنتين كاملتين، وكانت مواضيعها ما بين دينية وعلمية وتاريخية وسواها ما خلا السياسة. وفي أواخر سنة 1889 جرت تلك المناظرة الشهيرة بين «الهدية» وجريدة «النشرة الأسبوعية» للبروتستانت على مواضيع شفاعة القديسين والصلاة لأجل الموتى وغيرها، وبعد ذلك بوقت قصير توقفت الهدية فظهرت بدلا منها مجلة «المنار» لصاحب امتيازها الشماس أرسانيوس حداد مطران اللاذقية حالا، وسيأتي الكلام عن «المنار» في جزء آخر من هذا التاريخ.
وكانت «الهدية» ثانية الصحف الدينية التي أنشأها أبناء الطائفة الأرثوذكسية بعد جريدة «المهماز» المار ذكرها، ومن مميزاتها أنها أنعشت في قلوب الأرثوذكسيين روح النهضة الأدبية وحملتهم على التنقيب عن مفاخر أجدادهم وعتائق تواريخ كنيستهم، ومن ذلك الحين انتشرت عندهم أكثر من سائر الطوائف الشرقية الصحف الدينية الرسمية وهي: «المنار» و«المحبة» في بيروت و«الكنيسة الأرثوذكسية» في القاهرة و«الكلمة» في نيويورك و«النعمة» في دمشق و«حمص» في حمص و«بشير فلسطين» في القدس الشريف.
الفصل الرابع: أخبار جرائد بيروت من سنة 1886 إلى سنة 1892
بيروت
هو اسم جريدة علمية سياسية تجارية أدبية برزت مرتين في الأسبوع بتاريخ 22 آذار 1886 لصاحبها محمد رشيد الدنا، فراجت سوقها كثيرا؛ لأن منشئها عرف بلين الجانب واعتدال المشرب وإخلاص النية في خدمة الوطن، واتفق حينئذ أن شقيقه عبد القادر الدنا كان رئيسا لمجلس تجارة بيروت وذا كلمة نافذة يؤيده كامل باشا الصدر الأعظم، فأرسلت الجريدة لجميع تجار بيروت ولبنان وسوريا وسائر الجهات فاشتركوا فيها إكراما لخاطره، ولم يستطع أحد منهم أن يرفضها؛ لأن أعيان بلادنا لسوء الحظ كانوا ولم يزالوا يضنون ببذل الدرهم في سبيل المشاريع الأدبية، ولذلك كان أكثرهم يشترك في الجرائد خجلا من أصحابها لا يقصد مطالعة أخبارها والاستفادة منها. وفي شهر تشرين الثاني 1889 ظهرت «بيروت» بحلة بهية من الحروف القسطنطينية المصنوعة في المطبعة الكاثوليكية وزادت فيها 112 سطرا.
وبعد وفاة منشئها عام 1901 انتقل امتيازها لعهدة أخيه محمد أمين الدنا الذي جعلها أسبوعية، ثم قضت عليه أعماله التجارية بالانسحاب من إدارتها عام 1905 مع بقاء الامتياز باسمه، فتولاها أخوه عبد القادر الدنا وكان عهدئذ رئيسا للمجلس البلدي، فحسن مواضيعها ثم جعلها يومية بعد إعلان الدستور العثماني بمدة قليلة، وما لبث أن أوقفها لكثرة ما ظهر في ذلك العهد من الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية التي ثبت منها العدد القليل. ولما تعين أدهم بك سنة 1909 واليا على بيروت للمرة الأولى قامت بعض الجرائد تطعن فيه، فأوعز الوالي إلى عبد القادر الدنا أن يعيد إصدار الجريدة دفاعا عنه وساعده بالمال، فصدرت «بيروت» ثلاث مرات في الأسبوع، ولكن بلا انتظام وكان حجمها يختلف باختلاف كثرة موادها أو قلتها، وجرت حينئذ بينها وبين جريدة «الاتحاد العثماني» تلك المناقشة الموجعة التي أدت بهما إلى الطعن الشخصي، وعلى أثر ذلك احتجبت «بيروت» في شهر تموز 1909 بعدما بلغت عامها الرابع والعشرين.
ومن مميزات هذه الجريدة أنها كانت تحاسن النصارى أكثر من سائر الجرائد الإسلامية لذلك العهد، وكانت عند ذكرها رؤساء الدين المسيحي لا تبخل عليهم بالألقاب المختصة بهم رسميا، بل إنها كانت تعاملهم بالقسط كما تعامل الصحف المسيحية رؤساء الدين الإسلامي من هذا القبيل، وقد حرر فيها مدة 18 سنة سليم بن عباس الشلفون ثم خلفه الشيخ محيي الدين خياط وكلاهما من ذوي الفضل والمعرفة.
دليل بيروت
أمين الخوري؛ منشئ صحيفة «دليل بيروت» في بيروت وجريدتي «العثماني» و«الإعلان» في الإسكندرية.
جريدة إحصائية ظهرت عام 1888 بهيئة مجلة صغيرة تصدر سنويا تحت عنوان «الجامعة» أو «دليل بيروت» لمنشئها أمين الخوري، وقد حذا فيها حذو الإفرنج تقريبا، للصلات بين الوطني والغريب، وتسهيلا للأشغال والعلاقات مع بقية الجهات على ما هو جار في الممالك المتمدنة، فإنه ضمنها كل ما تهم الإنسان معرفته عن أحوال بيروت وأخبارها ومأموري حكومتها ومشاهير رجالها وأسماء تجارها وأطبائها وصيادلتها ورؤساء الأديان وقناصل الدول ووكلاء الدعاوى وسائر أرباب الحرف فيها. وهي تشتمل أيضا على أسماء المعابد والمدارس والمكاتب والمطابع والجرائد والأنزال والشوارع والمصارف والمستشفيات والشركات المهمة والمتنزهات العمومية إلخ. فكان هذا المشروع المبتكر في بلادنا الشرقية نموذجا جرت عليه سائر البلدان العربية لإرشاد الغريب إلى كل ما يهم معرفته من أحوالها، وهكذا ظهر من بعده «دليل مصر» ثم «دليل الإسكندرية» ثم «الدليل» في باريس ثم «دليل مصر والسودان» وغيرها. واستمرت الجامعة تصدر سبع سنوات متوالية حتى أوقفها صاحبها بداعي سفره إلى الإسكندرية وسكناه فيها، فلما رجع إلى بيروت أعادها بمظهر جريدة تحت عنوان «دليل بيروت» فقط. إلا أنها كانت غير منتظمة في أوقات نشرها، وكل ما صدر منها بعد إعلان الدستور العثماني لا يتجاوز عدد الأصابع. ولصاحبها أمين الخوري مكتبة تعرف بمكتبة الآداب في بيروت، وقد وضع مؤلفات شتى مذكورة في قائمة مكتبته أهمها معجم في اللغتين العربية والفرنسية مزين بالرسوم العديدة.
بيروت الرسمية
عبد الغني سني بك؛ مكتوبي ولاية بيروت وأحد المحررين في جريدة «بيروت الرسمية».
صحيفة رسمية أسبوعية أنشئت في 22 كانون الأول 1888 بعناية علي باشا حاكم بيروت بعد انفصالها عن ولاية سوريا. وهي تنشر باللغتين العربية والتركية لإذاعة أوامر الحكومة والإعلانات الرسمية. وكان يقوم بتحرير قسمها العربي بعض المأمورين كأحمد فائق، وإبراهيم بك حكيم، وكمال الشريف، وعبد الرحمن الحوت، وممدوح بك، وصبحي أبي النصر، وحسين الأحدب، وعبد الغني سني، والشيخ محيي الدين الخياط. ومنذ العدد 1116 الصادر في 17 ربيع الأول 1329ه/18 آذار 1911 أدخلت فيها تحسينات شتى وترقت عبارتها، وقد اتسعت دائرة مباحثها بحيث صارت تظهر في ثماني صفحات وتنشر المقالات العلمية والأدبية المشتملة على الخدمة العمومية. وفي 22 تشرين الأول 1912 أخذت تصدر عددا يوميا في أربع صفحات صغرى لإذاعة الأخبار البرقية وحوادث الحرب بين الدولة العثمانية ودول البلقان؛ أي بلغاريا والسرب والجبل الأسود واليونان، ثم أوقفت نشر هذه النسخة اليومية بعد شهر من إصدارها.
ولهذه الجريدة مطبعة خاصة بها مع مطبعة حجرية قد استدعي لتركيبها الأخ أنطون كنعان اليسوعي المشهور بفن الطباعة، فلما فرغ من العمل أرادت الحكومة أن تؤدي له ولمساعديه أجرة أتعابهم، فأبت نفسه الكريمة قبول ذلك لقاء هذه الخدمة الوطنية، غير أن الولاية قدرت عمله حق قدره فأرسلت إلى رئيس اليسوعيين كتابا يعلن شكر الحكومة لطغمتهم، ثم شفعته بساعة ذهبية على سبيل التذكار للأخ أنطون المشار إليه.
وتطبع هذه الجريدة بحرف حسن وعلى ورق جيد، وقد صدر منها عددان ممتازان بالنقوش والتصاوير وهما من أبدع ما ظهر حتى اليوم من الصحف العربية المصورة وطبعا في مطبعة اليسوعيين، أولهما ظهر في 9 شعبان 1326 بمناسبة تذكار الجلوس السلطاني، والآخر برز في السنة التابعة احتفاء بجلوس السلطان محمد الخامس على الأريكة العثمانية. أما مدير هذه الجريدة ومطبعتها والقائم بجميع مهامها فهو حضرة النشيط عبد المجيد أبو النصر الذي لم يزل في خدمتها منذ نشأتها حتى الآن.
الفوائد
نشرة دينية علمية إخبارية ذات أربع صفحات صغيرة أنشأها خليل البدوي في شهر آذار 1889 لمنفعة فتيان طائفة الروم الكاثوليك، فصدرت أربع مرات في سنتها الأولى ثم صارت شهرية في سنتها الثانية، ومنذ 10 كانون الثاني 1891 تحولت إلى جريدة أسبوعية أدبية علمية إخبارية في ثماني صفحات، وقد اتخذها غريغوريوس الأول بطريرك الروم الكاثوليك لسان حال طائفته بمنشور أذاعه في اليوم السادس عشر من الشهر المذكور. ولكن عمر هذه الجريدة لم يطل إلا خمسة أسابيع؛ إذ صدر أمر الباب العالي بتعطيلها؛ لأنها قالت عن مدينة رومة العظمى إنها مقام «الخلافة البطرسية»، فاختلق الأعداء لهذه العبارة تأويلا سياسيا وأوهموا السلطان عبد الحميد أنها ترمي إلى نقل الخلافة من القسطنطينية «رومة الجديدة» إلى رومة القديمة مقر البابوات. ولهذا السبب الخيالي ورد إلى والي بيروت عزيز باشا تكدير تلغرافي شديد اللهجة من جانب الصدارة العظمى؛ لأنه لم يأبه إلى هذه الدسيسة الموهومة، فاضطر صاحب «الفوائد» أن يذهب بنفسه إلى عاصمة السلطنة حيث تغيب نحوا من ثلاثة أشهر، وبجهد عظيم أفهم أصحاب الشأن أنه ليس بالرجل الذي يعزون إليه الفتنة، وأن لقبه «البدوي» لا يدل على أنه من صميم العرب الناقمين على الخلافة في آل عثمان. فلما حصل الاقتناع والاطمئنان من جانبه صدرت له الأوامر السلطانية بإنشاء جريدة «الأحوال» بدلا من «الفوائد» الملغاة.
الأحوال
جريدة سياسية تجارية علمية أدبية زراعية صناعية أنشئت في غرة تشرين الأول 1891 لصاحبها خليل البدوي الذي أسسها على أنقاض جريدة «الفوائد» الملغاة. وفي عامها الثالث صدرت كل يوم وهي أول جريدة يومية نشرت في السلطنة العثمانية، وكانت تطبع في السنين الثلاث الأول من عمرها في مطابع المدينة، ثم أنشئت لها مطبعة خاصة باسم «مطبعة الفوائد» التي كان قد صدر امتياز بها مع امتياز جريدة «الفوائد» السابقة الذكر. وفي سنة 1900 قيض الله لمنشئها أن يشيد لها بناية فخيمة قائمة في جادة المرفأ وهي من أجمل أبنية بيروت. وقد صادفت الأحوال في طريقها الصحافية عراقيل جمة من كل الوجوه ونزلت بها مصائب شديدة كانت كل واحدة منها كافية لقتلها، ولا سيما أن صاحبها كان على ضعفه وقلة أنصاره حرا جسورا لا يحسب للائمين حسابا. وبالرغم من هذه المحن أفلحت الأحوال وأحرزت مقامها العالي بين الصحف. وقد ذاقت الأمرين من المراقبة واضطهاد المأمورين وأعداء الإصلاح، فصودرت أمام المحاكم مرارا وصدرت عليها عدة أحكام بدائية ردتها محكمة الاستئناف إلا مرة واحدة غرمتها المحكمة بدفع ثمانية عشر ألف غرش بإغراء أحد العمال الخونة مدفوعا من بعض الأعداء، وكان رئيس المحكمة شديد الوطأة على الأعضاء فنجح في تثبيت الحكم في التمييز، فدفع صاحب الجريدة ثمانية عشر ألف غرش ظلما.
خليل البدوي؛ مؤسس مجلة «الكنيسة الكاثوليكية» وجريدة «الفوائد» وصحيفة «الأحوال » ومحرر جريدة «البشير» سابقا (رسمه في سنة 1889).
وعطلت الأحوال مرارا لجرأتها في نشر الحقائق الجارحة، وهي أول جريدة بشرت بإعلان الدستور في هذه الديار ونادت على صفحاتها بالحرية والمساواة والإخاء قبل جرائد العاصمة نفسها. وفي غرة أيلول 1908 صدرت مرتين في النهار صباحا ومساء؛ فأحرزت بذلك قصب السبق على سائر الصحف العربية في جميع الأقطار، وذلك يدل على همة منشئها وإقدامه على عظائم الأمور وشدة تفانيه في سبيل الخدمة العمومية. لكن اندفاعها في الغيرة على إصلاح البلاد قد أثار الأحقاد في صدور الأعداء والحساد؛ فهيجوا عليها العامة من جهلاء المدينة، فهجم منهم على إدارتها نحو عشرة آلاف رجل شاكي السلاح يوم الأربعاء في 7 نيسان 1909 وكادوا يفتكون بصاحبها لولا عناية الله التي أنقذته من أيديهم. وكان هذا الاعتداء الفظيع سببا لهد ركن صحته، فلازم البيت زهاء عشرين يوما لم يفتر في خلالها من مداومة نشر المقالات الإصلاحية وتقبيح أعمال الجهال والمفسدين، على أنه إجابة لدواع عائلية اضطر أن ينسحب أخيرا من الصحافة، فباع المطبعة في أوائل سنة 1910 وأجر الجريدة إلى عشرين سنة لقيصر بوبز وشركاه تحت شروط معلومة، فنشرها أصحاب الإدارة الجديدة مدة سنتين وسبعة أشهر ثم اضطروا إلى توقيفها في 10 أيلول 1912 لأسباب مالية، فكان ذلك سببا لأسف مطالعيها من التجار والأدباء وأصحاب المصالح الذين كانوا يرتاحون إلى طلاوة كتاباتها ويعتمدون على صدق أخبارها. وقد بلغنا أنها ستستأنف الظهور قريبا بهمة صاحبها المفضل.
واشتهرت الأحوال بسرعة نقل الأخبار قبل سواها من الجرائد وخصصت قسما وافرا من أعمدتها بإذاعة الأسعار التجارية والمالية لتسهيل المعاطيات بين الناس، ولها الفصول الشائقة في الدفاع عن مصالح الشعب والتنديد بالحكومة وعمالها على قدر ما تستطيعه جريدة في بلاد لم تنضج فيها الحرية الحقيقية. وسافر منشئها مرارا إلى أوروبا بحيث كان يتحف القراء بالمقالات الضافية عن حضارة الغرب، ويحث الشرقيين على اقتباس حسنات الغربيين. وأجمل عدد صدر من الأحوال كان في غرة أيلول 1900 بمناسبة اليوبيل الفضي لجلوس السلطان عبد الحميد الثاني؛ فإنه يروق للأبصار بتأنق ألوانه وجمال نقوشه . وأخص الذين تولوا كتابتها مع صاحب الامتياز نذكر منهم: خليل مطران ونجيب شوشاني وأمين الحلبي وإبراهيم الخوري البكاسيني وقيصر بوبز وسليم عقاد وسعيد فاضل عقل.
الفصل الخامس: أخبار مجلات بيروت من سنة 1870 إلى سنة 1875
المجمع الفاتيكاني
مجلة أسبوعية دينية ذات ثماني صفحات نشرها الآباء اليسوعيون في غرة كانون الثاني 1870 بإدارة سليل طغمتهم الأب فرنسيس غوترلت، وكان يساعده في التحرير الأب يوحنا بلو المستشرق اليسوعي والمعلم جرجس زوين اللبناني الماروني. وغرضها إذاعة أخبار هذا المجمع المسكوني وإعلان أحكامه ومباحث آبائه بين الطوائف الشرقية الكاثوليكية، فظهر منها 35 عددا آخرها في 27 آب للسنة المذكورة. وكان شعار البابا بيوس التاسع مطبوعا في رأس المجلة تعزيزا لشأن خليفة القديس بطرس في سوريا. وقد تعطلت المجلة عند توقيف أعمال المجمع بسبب دخول عساكر الإيطاليان إلى عاصمة البابوات واستيلائهم عليها. ومما لا يسعنا السكوت عنه أنه جرى جدال بين مجلتي «المجمع الفاتيكاني» و«الجنان» لأن الثانية نشرت فصولا منقولة عن جريدة «التيمس» الإنكليزية ضد حقوق الحبر الأعظم، فقامت الأولى للدفاع عن رأس البيعة الجامعة وبينت لمجلة «الجنان» فساد زعم القائلين بأن السدة الرومانية تقصد سلب ما يسمونه «استقلال الكنائس الشرقية». وكان فرنسيس مراش الحلبي يكتب المقالات الطويلة منتصرا للمجمع الفاتيكاني ضد «الجنان» مع محافظته على أصول الجدال وآداب المناظرة وعدم التعرض للطعن الشخصي.
الجنان
اسم لمجلة سياسية علمية أدبية تاريخية صدرت في غرة كانون الثاني 1870 مرتين في الشهر لمنشئها المعلم بطرس البستاني، فجعل شعارها «حب الوطن من الإيمان»، ومن ذاك العهد درجت العادة عند أكثر أرباب الصحف الغربية أن يتخذوا لجرائدهم ومجلاتهم شعارا خاصا ويصدروها به، وقد افتتحها المعلم بطرس بهذين البيتين:
إليك صحيفة نشرت حديثا
فأغنت بالسماع عن العيان
كفردوس حوى ثمرا شهيا
لذاك دعوتها باسم الجنان
ثئوفيلس أنطون قندلفت؛ مطران طرابلس والنائب البطريركي على السريان في بيروت سابقا ومنشئ المقالات النفيسة في «البشير» و«النحلة» و«الجنان» و«الجنة» و«النجاح».
وكانت سوق «الجنان» رائجة في البلاد العربية شرقا وغربا لما ناله صاحبها من الشهرة العلمية الواسعة والصيت العظيم بتأسيس «المدرسة الوطنية» وتأليف قاموس «محيط المحيط» وكتاب «دائرة المعارف» وغيرها من الآثار. وكان سليم البستاني ابن المعلم بطرس ينشئ أكثر مقالاتها ولا سيما السياسية والتاريخية والروائية، وأهمها وأشهرها كتاب «تاريخ عام قديم» وكتاب «تاريخ فرنسا الحديث» الذي نشر على حدة سنة 1884 في مجلد ضخم. وآخر صفحة من المجلة كانت تتضمن ملحا فكاهية وأشعارا أدبية وحكما تهذيبية. ونالت «الجنان» عناية أحمد مدحت باشا في ولايته لسوريا حتى إنه كان يزور إدارتها في مجيئه لبيروت ويبث أفكاره الإصلاحية بواسطتها، فيصدر العدد منها بجميع مواده لغاية واحدة كالتكريه بالحاكم الظالم ومحبة الحاكم العادل وما أشبه. ومن جملة الآثار المهمة التي زينت صفحات الجنان كتاب عنوانه «ألبانيا والألبانيون» بقلم واصا باشا المتصرف الرابع على جبل لبنان سابقا، وقد نقله نجيب البستاني من اللغة الفرنسية إلى اللسان العربي في فصول شتى.
وبعد وفاة منشئها سنة 1883 تحول امتيازها لنجله البكر سليم، ثم في السنة التابعة لثالث أنجاله نجيب البستاني، حتى انطفأ سراجها في العام السابع عشر لظهورها. ولأكثر علماء ذاك العصر مقالات شائقة ظهرت في هذه المجلة نذكر منهم: الشيخ إبراهيم اليازجي وسليمان البستاني والمطران أنطون قندلفت والدكتور كرنيليوس فانديك وإسكندر أغا أبكاريوس والمركيز موسى دي فريج والشيخ خطار الدحداح وسليم دياب ونوفل نوفل وأديب إسحاق والمعلم إبراهيم سركيس وإبراهيم الحوراني وفرنسيس مراش وشاكر شقير وجميل مدور وجرجي يني وأسعد طراد ونعمان قساطلي وسواهم. وقد نشر فيها جرجي يني المشار إليه كتابه المشهور «تاريخ حرب فرنسا وألمانيا» الذي طبع بعد ذلك على حدة سنة 1911 بعناية يوسف توما البستاني. ولما تكلم عيسى إسكندر المعلوف في مقالته «الصحافة العربية» عن تأثير الصحف على الأقلام قال:
أما التأثير على الأقلام فإن بعضها كان في أول عهده ركيك العبارة إفرنجي الأسلوب، ولكن سمو أفكارها كان يشفع بركاكة ألفاظها، ولا سيما مجلة «الجنان» فإن فيها أفكارا دقيقة تحت عبارات ركيكة مما يدل على أن منشئيها انصرفوا بكليتهم عن اللباس اللفظي إلى الجوهر المعنوي.
جرجي يني؛ أحد منشئي مجلة «المباحث» في طرابلس الفيحاء وكاتب المقالات البليغة في أشهر المجلات العربية وأقدسها في سوريا ومصر.
ولعل المعلم بطرس البستاني عمد إلى هذه الوسيلة في كتابات مجلته عند أول ظهورها؛ لأن أكثر القوم في ذلك العهد كانوا لا يكترثون لمطالعة الصحف المكتوبة بعبارات فصيحة، فتسهيلا لهم كان يضيء فصول «الجنان» بلغة تفهمها العامة ولا تأنف منها الخاصة، وهي خطة حسنة يشكر عليها المعلم بطرس البستاني وأنجاله الذين أجادوا وأفادوا في ابتكار هذه الطريقة دون سواهم لخدمة الصحافة والعلم والوطن. وكانت هذه المجلة مطبوعة طبعا نظيفا وتنشر من وقت إلى آخر رسوم المناظر الشهيرة وصور أعاظم الرجال.
النحلة
القس لويس صابونجي. هو مؤسس مجلة «النحلة» في بيروت ولندن والقاهرة ومجلة «النجاح»، ونشرة «النحلة الفتية» في بيروت و«النحلة الحرة» في القاهرة، وصحيفة «الخلافة» و«الاتحاد العربي» في لندن، و«موسى الحلاقة» في ليفربول، وجريدة «مجلس المبعوثان» في القسطنطينية، ومحرر «مرآة الأحوال» في لندن، وهو أول كاهن صحافي عند جميع الطوائف الشرقية وعميد الأحياء قاطبة بين الصحافيين الناطقين بالضاد.
خدمت إله العرش قسا مقدسا
على مذبح حولي الملائك سجد
وصرت سياسيا أدير صحافة
بها الملك والأوطان تهدى وترشد
فسبحان من في كفه أمر خلقه
يغير فيهم ما يشاء ويقصد
مجلة أسبوعية صدرت في 11 آيار 1870 لمنشئها القس لويس صابونجي السرياني، وهو أول كاهن دخل في سلك الصحافة من جميع كهنة الطوائف المسيحية الشرقية، وكانت النحلة تتناول ما راق وأفاد من أهم المواضيع مرتبة على عشرة أبواب ما خلا الدين والسياسة، وهي: العلم والصناعة والتاريخ واللغة والحوادث الداخلية والحوادث الخارجية والتجارة والفلسفة والفكاهات والروايات الأدبية؛ لذلك فإنها تعد أم المجلات العربية في حسن تبويبها وترتيب موادها وكثرة مباحثها؛ بحيث لم ينشأ قبلها مجلة منتظمة عندنا كالمجلات الراقية عند الإفرنج. وروى الأب لويس شيخو غلطا في كتابه «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» أن «النحلة» أنشأها يوسف الشلفون بالاشتراك مع لويس صابونجي فاقتضى التنويه، وقد صدرها صاحبها بالأبيات الآتية:
ها نحلة تجني زهور معارف
من روضة فيها صدور تنشرح
زهدت ببحث ديانة وسياسة
حفظا على دين وحكم مقترح
قلد أمور الدين أرباب الهدى
ودع السياسة للرئاسة تسترح
وكان الكونت نصر الله دي طرازي أكبر عضد للقس لويس صابونجي في تأسيس هذه المجلة ... فإنه ساعدة ماديا وأدبيا على نشرها بين أعيان بلادنا وتجارها وأدبائها، ثم سعى له في ترويجها في كثير من أنحاء أوروبا على يد أخويه نعمة الله طرازي في مرسيليا وفتح الله طرازي في منشستر. وهي المجلة الأولى التي جعلت فهرسا لمواد كل عدد منها على مثال المجلات الأوروبية، وكان العدد الأول منها مفتتحا بقصيدة في مدح السلطان عبد العزيز الذي كان يجود بالعطايا السخية على العلماء عموما والصحافيين خصوصا. وكان العدد الواحد منها يتألف من 16 صفحة مطبوعة بحرف دقيق في المطبعة المخلصية.
تاج الحكمة مخافة الرب.
وبعد صدور العدد الحادي والثلاثين منها صدر أمر راشد باشا والي سوريا بتعطيلها؛ لأن صاحب النحلة ندد بالمعلم بطرس البستاني وخطأه في بعض المسائل العلمية التي نشرت في مجلة «الجنان» وجريدة «الجنة» المار ذكرهما. ثم إنه تجاوز الحدود التي كان قد فرضها على نفسه وتطرف إلى مسائل سياسية ومناظرات دينية، وكان القس لويس يكتب أكثر مقالات المجلة بقلمه وينشر فيها فصولا شائقة وقصائد بليغة لبعض الأفاضل والعلماء والأعيان الذين نذكر منهم: المطران أنطون قندلفت السرياني وكان حينئذ خوريا في حلب، والمركيز إسكندر دي جروه في الإسكندرية، والدكتور بشارة زلزل، والدكتور يوسف أبيلا قنصل دولتي إنكلترا وإسبانيا في صيدا، والدكتور قصير أبيلا، والخوري أسطفان صوصة سليل الرهبانية المخلصية، وسعيد بك تلحوق، والدكتور بشارة منسى، وإبراهيم معوض، وفضل الله عربيني وسواهم. وقد قرظها سليم بك تقلا أستاذ الآداب العربية حينئذ في المدرسة البطريركية بقصيدة نورد منها هذه الأبيات:
حبذا نحلة علم قد جنى
ثمر الآداب منها الرجل
جمعت من أحسن الأزهار في
كل فن ما به يحتفل
وكذاك النحل من عاداته
جمع ما يحلو وما يقتبل
مبحث الأديان عنها والسيا
سات عدلا قد غدا يعتزل
أصبحت للمرء مشكاة الذكا
بفنون ليس فيها خلل
لذة للعقل أرخ واصفا
من صفاها بات يقضى الأمل
سنة 1870 مسيحية
قد تبدت نزهة من حيث لي
س لمن يقرأ فيها ملل
مذ جنيت الشهد من أفنانها
عن معان ليس فيها زلل
قلت أرخ شاديا في حدها
من قفير النحل يجنى العسل
سنة 1288 هجرية
الكنت نصر الله دي طرازي؛ صاحب اليد البيضاء على مجلة «النحلة» ومن أعضاء «الجمعية العلمية السورية» في بيروت.
ما مات من عاش في رضوان خالقه
بل ذكره دائما حي بكل فم
لئن مضى جسمه فالرسم بات لنا
من بعده ناطقا بالفضل والكرم
وقد وقفنا على قصائد كثيرة في تقريظ هذه المجلة واستحسان خطتها نقتصر منها على أبيات لطيفة نظمها الحاج حسين بيهم الشاعر البيروتي، وهي بالحرف الواحد:
هات راحي يا صاح من شهد نحلة
لست أرضى ببنت كرم ونخلة
إن شهد العلوم خير دواء
كل ندب فيه يطبب جهله
إنما العلم للأنام كنور
مدحته من الورى كل ملة
يا رعى الله نحلة قد رعت من
كل روض ما ترتضي كل نحلة
نشرة تنشر العلوم وفي الأسبوع
تبدى من الفنون مجلة
عذبت موردا وطابت ورودا
وجلت مشربا وفاقت محلة
هي كالروض للعلوم فمنها
كل شخص ينال لا شك سؤله
قد غدت للآداب سوق عكاظ
قسه بالفنون يكرم أهله
عالم بارع أديب نجيب
وعباراته البليغة سهلة
رق طبعا ودق فكرا وأضحى
مظهرا للأنام بالعلم فضله
رام نفع الأوطان في نشر علم
إن نفع الأوطان أكرم خصلة
دام يولى حسن الصنيع ويهدي
من خفايا أفكاره شهد نحلة
النجاح
مجلة سياسية علمية تجارية نصف أسبوعية، ظهرت في 9 كانون الثاني 1871 لصاحبيها القس لويس صابونجي السرياني ويوسف الشلفون اللذين أصدراها على أنقاض صحيفة كل منهما وهما النحلة والزهرة؛ فصادفت إقبالا كبيرا. ثم انسحب القس لويس من هذه الشركة قبل نهاية سنتها الأولى لاعتماده على الطواف حول الكرة الأرضية، فاتفق الشلفون مع رزق الله خضرا صاحب المطبعة العمومية على متابعة نشرها وإصدارها مرة في الأسبوع بعشرين صفحة بدلا من مرتين في 16 صفحة، وانتدبا الشيخ إبراهيم اليازجي لتحريرها لقاء حصة معلومة من أصل الأرباح؛ «فظهر اقتداره على الإنشاء العصري مما لم يعهد الناس مثله في المرحوم أبيه، فضلا عن تمكنه من قواعد اللغة ومعاني ألفاظها.» كما ورد في ترجمته المطبوعة في كتاب «تراجم مشاهير الشرق».
فلما رأى اليازجي أن واردات الجريدة لا تقوم بمصروفها ترك تحريرها بعدما اشتغل فيها نحو السنة. فتقدم الشريكان شلفون وخضرا إلى المطران يوسف الدبس الماروني وطلبا مساعدته المادية، فأجاب إلى طلبهما وكلف كلا من نقولا نقاش وبولس زين بتحرير «النجاح» وأوعز إلى نعمان الخوري اللبناني أن يترجم لهما الأخبار الخارجية نقلا عن صحف أوروبا. ودامت هذه الحال إلى أواخر العام الثالث، وتعطل النجاح، وكان احتجابه بسبب مقالة شديدة اللهجة نشرها على إثر حادثة جرت في حي المصيطبة بين النصارى والمسلمين وأورد فيها نصائح لم ترق في عيون أرباب الحكومة حينئذ، فأصدر رائف أفندي متصرف بيروت أمره بتعطيل المجلة متذرعا إلى ذلك بدعوى أنها تصدر خلوا عن رخصة رسمية، مع أن صدورها كان سابقا لوضع هذا القانون في عهد راشد باشا والي سوريا. وكان للمقالة المذكورة تأثير عظيم بين القراء؛ حتى إن النسخة الواحدة من العدد الذي نشرت فيه بيعت بأربعة فرنكات، وقد نظم الحاج حسين بيهم أبياتا وختمها بتاريخ شعري لظهور هذه الصحيفة وهي:
أحاطتنا بأحوال البرايا
مع الإمعان يعقبها الفلاح
وفي بيروت دار العلم لاحت
جرائد في قراءتها انشراح
تريك حوادث الدنيا ومنها
نؤرخ بالهنا ظهر النجاح
سنة 1287 هجرية
الفصل السادس: أخبار مجلات بيروت من سنة 1876 إلى سنة 1885
المقتطف
مجلة شهرية علمية صناعية زراعية أنشأها في غرة حزيران 1876 الدكتور يعقوب صروف والدكتور فارس نمر من بواكير تلامذة المدرسة الكلية الأميركية في بيروت ومن نوابغ علماء سوريا، فكانت تشتمل أولا على 24 صفحة ثم اتسع نطاقها تدريجا حتى بلغ عدد صفحاتها 104 بحرف دقيق. وهي الآن من أكثر المجلات العربية الراقية انتشارا، بل من أعظمها شهرة وأوسعها مادة وأدقها بحثا وأجزلها فائدة في مشارق الأرض ومغاربها . وناهيك أن مباحثها تتناول كل فن ومطلب بحيث لو جمعت موادها العديدة على ترتيب حروف الهجاء لتألفت منها دائرة معارف أو قاموس كبير يرجع إليه الباحثون في فروع العلوم المختلفة؛ فإذا أرادوا معرفة ما قيل عن عمر الأرض مثلا قالوا: هلم إلى مجموعة المقتطف لنرى ما فيها عن هذا الموضوع. وهكذا قل عن سائر المواضيع العلمية والأدبية والصناعية والتاريخية والتجارية والزراعية والفنية والآثار القديمة والاكتشافات الحديثة والاختراعات العصرية وتراجم مشاهير الرجال وغيرهم. أما أخبار تأسيس «المقتطف» فقد رواها صاحباه كما يأتي:
ورأينا في تلك الأثناء أنه يستحيل علينا أن نجاري الأمم الغربية في العلوم والمعارف إذا اقتصرنا على ما يترجم ويؤلف من الكتب؛ لأن العلوم الحديثة جارية جريا حثيثا، فما يؤلف فيها هذا العام يمسي بعضه قديما في العام التالي، ولا بد من جريدة تقطف ثمار المعارف والمباحث العلمية شهرا فشهرا وتذيعها في الأقطار العربية، فعقدنا النية على إنشاء المقتطف لهذه الغاية ورسمنا خطته التي سار عليها منذ إنشائه إلى الآن، ولم نختر له اسما بل قمنا كلانا وذهبنا إلى أستاذنا الدكتور فانديك، وكان في المرصد الفلكي حيث كان يقضي أكثر أوقاته، فاستشرناه بما عزمنا عليه وسألناه أن يختار لنا اسما له، فأبرقت أسرته وجعل يشدد عزائمنا ويسهل علينا الصعاب، وقال سمياه «المقتطف» واجعلاه كاسمه وحسبكما ذلك. ثم كتب إلى صاحب السعادة خليل أفندي الخوري الشاعر المشهور وكان مديرا للمطبوعات في سورية يطلب إليه أن يسعى لنا في جلب الرخصة السلطانية بأسرع ما يمكن ففعل. ولم يمض شهر من الزمان حتى أتتنا الرخصة السلطانية، فذهبنا وبشرناه بها، فقال: «سيرا في عملكما والله معكما وأنا سأشرع من هذه الساعة في كتابة بعض الفصول للمقتطف.» فكتب فصول «أطباء اليونان والشرق» ونشرنا أول فصل منها في الجزء الثاني من المقتطف الذي صدر في غرة يوليو (تموز) سنة 1876، وأباح لنا كل ما عنده من الكتب والجرائد والآلات والأدوات لكي نستعملها كما نشاء من غير سؤال.
شفيق بك منصور؛ من كبار حملة الأقلام المصريين ومنشئ الفصول الشائقة في «المقتطف».
وقد صرف منشئا هذه المجلة غاية الجهد في انتقاء مواضيعها وزيادة تحسينها وتزيين صفحاتها بالرسوم حتى صارت منهلا للقاصي والداني، وأقبل القوم من كل الطوائف على مطالعتها في خمسة أقطار المسكونة، ولذلك ثبتت ثبات الجبال الرواسي فأطلق عليها القراء لقب «شيخ المجلات العربية»؛ لأنها بلغت عمرا طويلا لم تبلغه مجلة سواها على الإطلاق، فكانت واسطة لنشر المعارف وتاريخا للمكتشفات العلمية والصناعية وسبيلا لنقل علوم أهل الغرب إلى الشرق على قدر ما تستطيعه المجلات. ولما اشتدت المراقبة على المطبوعات في الدولة العثمانية لم ير منشئاها حيلة لمتابعة هذه الخدمة الجليلة إلا الانتقال بمجلتهما إلى عاصمة القطر المصري، فهجرا إليه سنة 1884 وأول عدد صدر منها هناك كان السادس من المجلد التاسع، وجعلا فاتحة سنتها في بدء السنة الميلادية بدلا من غرة حزيران وهو تاريخ نشأتها. فلقي المقتطف من عظماء المصريين وعلمائهم ترحيبا بمن يخدم بلاده ولغته، وقد وصفه الوزير الخطير مصطفى رياض باشا رئيس الوزارة المصرية بقوله:
إنني ولعت بمطالعته منذ صدوره إلى اليوم، فوجدت فوائده تتزايد وقيمته تعلو في عيون عقلاء القوم وكبرائهم، ولطالما عددته جليسا أنيسا أيام الفراغ، ونديما فريدا لا تنفد جعبة أخباره، ولا تنتهي جدد فرائده سواء كان في العلم والفلسفة أو في الصناعة والزراعة.
وفضلا عن المقالات التي يكتبها في المقتطف صاحباه العلامتان فإنه مشحون بفصول كثيرة لأفاضل حملة الأقلام في الشرق، وبيانا لذلك نسرد هنا أسماء بعضهم وهي نقطة من بحر:
أولا:
أسماء الأطباء والصيادلة: كرنيليوس فانديك، بشارة زلزل، وليم فانديك، يوحنا ورتبات، يوسف أبيلا، شبلي شميل، وديع برباري، نقولا فياض، أمين معلوف، بشارة منسي، سليم داود، نقولا نمر، إلياس صليبي، إبراهيم شدودي، توفيق صوصة، سعيد أبو جمرة، يعقوب ملاط إبراهيم عربيلي، إسكندر بارودي، سليم موصلي، سالم أبي خليل، أمين أبي خاطر، جورج بوست، ميخائيل ماريا، ميخائيل مشاقة، مراد بارودي، جرجس طنوس عون.
بولس الخولي؛ منشئ القسم العربي في مجلة «الكلية» البيروتية وناشر المقالات المفيدة في «المقتطف».
ثانيا:
أسماء جهابذة اللغة: الشيخ إبراهيم اليازجي، الشيخ سعيد الشرتوني، إبراهيم الحوراني، سليمان البستاني، جبر ضومط، جرجس همام، السيد محمود حمزة، الشيخ حسين الجسر.
ثالثا:
أسماء الشعراء: الأمير شكيب أرسلان، سليم بك عنحوري، وديع الخوري، أحمد بك شوقي، أسعد داغر، حافظ إبراهيم، الشيخ إبراهيم الأحدب.
إقليميس يوسف داود؛ مطران دمشق على السريان، ومن أشهر العلماء الذين زينوا صفحات «المقتطف» بالمقالات التاريخية.
مضى الحبر إقليميس عن أعين الورى
وخلف آثارا مدى الدهر تشكر
فبتنا وكان الرسم خير ذخيرة
لنا بعد من بالعلم والفضل يذكر
رابعا:
أسماء المؤرخين: إقليميس يوسف داود مطران دمشق على السريان، جرجي يني، جرجي بك زيدان، عيسى إسكندر المعلوف، حنين الخوري، نعوم شقير، وسليم شحادة.
خامسا:
أسماء الصحافيين: أحمد كامل، بولس الخولي، نجيب بستاني، عبد القادر حمزة، محمد كرد علي، جرجي الخوري المقدسي، صموئيل يني، إسكندر شاهين، أحمد بك تيمور، سليم مكاريوس، إبراهيم جمال، نقولا بك توما.
سادسا:
أسماء الكاتبات: سارة خير الله، مريم جرجي ليان، شمس شحادة، مريانا ماريا، فريدة حبيقة، روجينا شكري، جوليا طعمة، أنيسة صيبعة، ندى شاتيلا ، ياقوت صروف، مريم مكاريوس مريم سركيس، جميلة كفروني، فريدة عطية، سلمى طنوس وغيرهن.
سابعا:
أسماء العلماء والأدباء: حسن محمود باشا، رفيق بك العظم، إدوار بك إلياس، نجيب شاهين، قاسم بك أمين، نجيب صروف، خليل ثابت، أمين ظاهر خير الله، الشيخ سليمان العبد، نسيم برباري، محمد أبي العز الدين، نسيم خلاط، فارس الخوري، شفيق بك منصور، متري قندلفت، مصطفى الرافعي، جميل مدور، إسكندر البستاني، حسن بيهم، محمود باشا الفلكي، نعمة يافث إلخ.
وقد جرت بين المقتطف وجريدة «البشير» البيروتية عدة مناظرات علمية يطول شرحها، وإنما أشهرها المناظرة على قضية «مذهب الارتقاء والنشوء» المنسوبة إلى دروين القائل بأن الإنسان يتسلسل من القرد، فأراد المقتطف على رواية مناظره إثبات الآراء الدروينية بحجة أنها لا تناقض الدين ولا تضاد الكتاب المقدس، فخالفه «البشير» في هذا الرأي واحتدم الجدال بين الفريقين. وللعلامتين يعقوب صروف وفارس نمر مركز أدبي سام في البلاد الشرقية والغربية، وحسبهما فخرا أنهما نالا سنة 1890 رتبة دكتور في الفلسفة من «المدرسة الجامعة» في نيويورك، ثم أحرز ثانيهما «وسام المعارف الذهبي» من حكومة أسوج، وهو الذي قال عنه اللورد كتشنر معتمد إنكلترا في مصر «إن الدكتور نمر كله عقل.»
وكان المقتطف مضمارا تتبارى فيه أقلام كبار المنشئين والعلماء والمؤرخين من كل البلاد العربية، ومن مزايا صاحبيه الدكتورين الفاضلين أنهما إذا ارتكبا خطأ في مسألة وأرشدهما أحد إلى الصواب بادرا إلى الإقرار بالخطأ مع الشكر لمن نبههما عليه، وهاك برهانا ناصعا بما كتباه
3
للسيد إقليميس يوسف داود مطران دمشق السرياني الذي رد على انتقادهما لكتابه «القصارى» وهو بالحرف الواحد:
هذا وإننا نختم هذه الأسطر بالشكر الجزيل لسيادته ونؤكد له أننا نجل الرسالة التي تنبهنا إلى خطأ ارتكبناه أكثر من الرسالة التي تمدحنا على صواب أتيناه، ولسنا ممن يحسب أن قدر الناس يحط بالاعتراض على أقوالهم، ويا حبذا لو كانت كل الرسائل التي ترد إلينا مثل رسالة سيادته في العلم واللطف.
وللشيخ العلامة إبراهيم الأحدب الطرابلسي قصيدة شائقة قرظ بها مجلة «المقتطف» نقتطف منها الأبيات الآتية:
وإن أحسن ما جلت مقاصده
صحيفة سميت منها بمقتطف
تلك التي أوضحت طرق الفنون لنا
حتى بدت كسراج لاح في الصدف
فشاقنا وردها إذ راق مشرعه
فكم عليل بطيب الورد منه شفي
أبان يعقوب مجلى يوسف بسنا
آياته فانجلت للطرف بالطرف
وفارس قد جرى فيها فأحرز في
مضماره قصبات السبق بالشرف
الطبيب
مجلة شهرية طبية صيدلية ظهرت في غرة كانون الثاني 1878 لصاحب امتيازها الدكتور جورج بوست أستاذ الجراحة والنبات في المدرسة الكلية الأميركية، وغرضها نشر كل ما يهم الأطباء والصيادلة من معرفة مهنتهم وممارستها، فكانت مباحثها تتناول علم الكيمياء والنبات والحيوان والجماد والتشريح والمواد الطبية والطب الشرعي والأعمال المستشفوية وغيرها، وبقي منشئها قائما بإدارتها وتحريرها في أعوامها الثلاثة الأولى، ومنذ العام الرابع سلم إدارتها لشاهين مكاريوس واتخذ مساعدين له في التحرير الدكتور وليم فانديك والدكتور نقولا نمر والصيدلي مراد بارودي.
الدكتور خليل بك سعادة؛ أحد مدراء مجلة «الطبيب» والمحررين فيها سابقا.
مراد بك البارودي؛ الصيدلي القانوني والمحرر في مجلة «الطبيب» في عهد نشأتها الأولى.
وفي 15 آذار 1884 صارت تصدر مرتين في الشهر محبرة بقلم الشيخ إبراهيم اليازجي والدكتورين بشارة زلزل وخليل بك سعادة،
4
وكانت موادها تدور على المباحث الطبية والعلمية والصناعية، وهي أول صحيفة دورية عربية استعملت لفظة «مجلة» بمعناها العصري، وقد أشار باستعمالها شيخنا اليازجي رحمه الله. ومنذ التاريخ المذكور بدأت سلسلة أعوامها الجديدة بدون الالتفات إلى ما سبق من أعوام حياتها الماضية، وبقيت بإدارة هذه اللجنة التحريرية إلى العام التابع ثم توقفت. وقد وضعت حينئذ مئات بل ألوفا من الأوضاع اللغوية والمسميات العصرية والمعربات التي أشار إلى بعضها عيسى إسكندر المعلوف، وهاك شيئا منها: مقياس الثقل (بارومتر) - الميزان المئوي (ترمومتر) - الخرشوف (أرضي شوكة) - الشعار (القميص) - الدثار (ما فوق القميص) - الشعرية (الفرشاة التي يطلى بها) - الطلاء (الورنيش) - راجبيات (بكتيريا) - أنبوبيات (باشلش) - نقاعيات (أنفوزوريا) - ذريرات (مكروككس) - رواميز (مساطر) - أنزال (لوكندات) - فيالج (شرانق) - مقوى (كرتون) - المنظر الطيفي (سبكتروسكوب) - الأكمه (الأعمى خلقة) - أجار (صانع الآجر أي القرميد) - شكيكة (سلة توضع فيها الفاكهة ) - مشوش (منديل خشن تمسح به الأيدي) بمعنى المنشفة - اللحم الغريض (الطازة؛ أي الجديد) - الخزرة (وجع الظهر) - الآح (زلال البيض) - المح (صفار البيض) ... إلى غير ذلك مما انتبه أصحابها إليه بطريق القياس أو الاشتقاق أو استخرجوه من كتب اللغة. وكان لهذا الدور الثاني من تاريخ حياة «الطبيب» شأن كبير في عالم الصحافة العربية لما نشر على صفحاته من الفوائد الجليلة التي جعلته في طليعة أعظم المجلات شهرة وانتشارا.
الدكتور إسكندر بك البارودي؛ صاحب الامتياز الثاني لمجلة «الطبيب» ومحررها.
وفي غرة حزيران 1895 تولى تحريرها الدكتور إسكندر بارودي الذي أصدرها مرة في الشهر، فجرى على خطة من سلفوه وفتح فيها بابا جديدا لكل من الفروع الطبية نظريا وعمليا وللعمليات الجراحية والطبابة الأهلية والطب البيطري والمسائل العمومية، ثم جعل لها في هذه السنين الأخيرة فرعا تحت عنوان «حفظ الصحة والزراعة» يصدر شهريا في كراس على حدة، وفي 23 كانون الثاني 1910 استقل بامتيازه وإدارته وتحريره على أثر وفاة الدكتور جورج بوست صاحب الامتياز الأول.
وما زال «الطبيب» ينشر في مطابع بيروت إلى هذه المدات الأخيرة، ثم صار يطبع منذ سنة 1912 في المطبعة الرشادية في كفر شيما بلبنان، وكان في جميع أدوار حياته مكتوبا بعبارة بليغة تدل على سعة معارف أصحابه ومحرريه الذين تخرجوا في الكلية الأميركية الشهيرة أو درسوا فيها، وهو وحده بين جميع المجلات الطبية العربية بلغ هذا الشوط البعيد من العمر. ومما ساعد على نجاح هذه المجلة في أدوار حياتها السابقة أن مدرسة «قصر العيني» المصرية ومدرسة «الكلية الأميركية» في بيروت كانتا تدرسان علم الطب في اللسان العربي، فلما أبدلتاه باللسان الإنكليزي انصرفت عناية أكثر أطبائنا الوطنيين لسوء الحظ عن مطالعة «الطبيب» إلى مطالعة المجلات الطبية في اللغات الأجنبية، ومن ذلك الحين قل عدد قرائه ومريديه بإلغاء اللغة العربية من المدارس الطبية. ورغما من هذا كله فإن الدكتور إسكندر بك البارودي لا يألو جهدا في نشر المواضيع الجليلة وخلاصة الاختراعات الحديثة التي تعود بالفائدة على قراء مجلته القديمة العهد خدمة للعلم وحفظا للمنزلة السامية التي أحرزها «الطبيب» في عالم الصحافة.
المشكاة
خليل سركيس؛ صاحب امتياز جريدة «لسان الحال» ومجلة «المشكاة» (رسمه في سنة 1878).
اسم لمجلة شهرية سياسية علمية صناعية تاريخية فكاهية ذات 16 صفحة، أصدرها خليل سركيس بتاريخ غرة نيسان 1878 في أثناء تعطيل جريدة «لسان الحال» مدة أربعة شهور بأمر الحكومة، فكانت جزيلة الفوائد معتدلة اللهجة ومحلاة بمقالات لأبرع كتاب ذاك العهد، نذكر منها مقالة «المقل النرجسية في الأخبار الأندلسية» وهو تاريخ الأندلس أيام الإسلام إلى فتوح دولة الملثمين بقلم سليم بن ميخائيل شحادة ترجمان القنصلية الروسية وأحد صاحبي كتاب «آثار الأدهار» وغيره، واحتجبت «المشكاة» على أثر صدور العدد الرابع منها عندما أعيد نشر «لسان الحال» بعد عطلته. ولا تختلف مجلة «المشكاة» عن شقيقتها «لسان الحال» في اعتدال المشرب وسلامة الذوق وإخلاص الخدمة للوطن وحسن انتقاء الأخبار الصادقة.
الفصل السابع: أخبار مجلات بيروت من سنة 1886 إلى 1892
الصفا
مجلة شهرية علمية صناعية تاريخية فكاهية نشرت في غرة كانون الثاني 1886 لصاحب امتيازها علي ناصر الدين اللبناني، وهي باكورة الصحف الدورية التي ظهرت على يد أبناء الطائفة الدرزية، فعاشت ثلاثة أعوام ثم تعطلت لقلة رواج سوق الأدب حينئذ بسبب شدة المراقبة على المطبوعات. وقد حرر فيها حينئذ إلياس بن جرجس طراد والشيخ فضل القصار، وعام 1897 انتقلت إدارتها إلى «بعبدا» في لبنان حيث ظهرت مدة سنة كاملة، وفي 18 شباط 1899 تحولت إلى جريدة أسبوعية أدبية سياسية وصارت تطبع في «عبيه» مدة أربع سنين، فاحتجبت بعد ذلك حتى عادت إلى الظهور بتاريخ 11 نيسان 1908 في قرية «كفر متى» ثم نقلت منذ 2 آيار 1909 إلى عاليه، ومنزلتها عند الدروز كمنزلة جريدة البشير عند الكاثوليك والنشرة الأسبوعية عند البروتستانت. وهي الآن من أرقى جرائد لبنان بنزاهة المبدأ وإخلاص النية خلافا لبعض الجرائد التي تعودت التمليق والتزلف من الكبراء خوفا منهم أو طمعا بمساعدتهم، وإثباتا لذلك ننقل فصلا ورد فيها بتاريخ غرة كانون الثاني 1911 تحت عنوان «أين السعيد من الأمين» وهذا نصه بالحرف الواحد:
الأمير أمين أرسلان قنصل جنرال الدولة العلية في الأرجنتين رجل شهدت له أعماله بأنه من خيرة الرجال، ولو عمدنا إلى ذكر تلك الأعمال لكان ذلك من قبيل تحصيل الحاصل، وكفاك برهانا على مكانته في النفوس استقبال العثمانيين إياه في المهجر ذلك الاستقبال المقرون بالحفاوة. وفي الحديث الذي دار بينه وبين رئيس تلك الجمهورية الذي أجل استقباله مع أركان حكومته ما ينبئنا عن حصافته ومكانته. وللأمير شقيق كنت أود أن تكون سجاياه وأعماله كسجايا وأعمال شقيقه، لكن لسوء الطالع قضي بألا يكون السعيد كالأمين ... في بدء الحوادث الحورانية قام الأمير أمين يطلب إلى قائد الحملة أن يعامل الدروز بالتؤدة، وأن يعرض عليهم الطاعة قبل أن يبدأهم بالشدة، أما الأمير سعيد فقام يدعوه إلى استئصال شأفتهم قائلا إنه لا يأسف لا على أفرادهم ولا على مجموعهم؛ لأن وجودهم مضر بالهيئة الاجتماعية، فانظر الفرق بين الاثنين! وبعد أن بعث سامي باشا تكذيبا رسميا للذين زعموا أن بين أشقياء العربان في فتنة الكرك دروزا لم يشأ حضرة الأمير سعيد الأفحم إلا أن يجعل للدروز نصيبا في الفتنة رغما عن حقيقة الحال وعن سامي باشا، فكتب في جريدة «النصير» مقالة زعم فيها أن للدروز يدا في الحادثة، لكن زعمه هذا لم يكن له من نتيجة إلا إطالة الألسنة في سبه وقول الناس: أين السعيد من الأمين؟
ويتولى الآن رئاسة تحرير الصفا أمين ناصر الدين نجل صاحب الامتياز ومن الكتبة المعدودين الذين يشار إليهم بالبنان، وهو أيضا شاعر مجيد كان يقول أبياتا من الشعر قبل أن يتعلم القراءة والخط، فكان والده يكتبها له ويصحح لغتها دون وزنها، ومرة بعث إلى الشيخ خليل اليازجي بيتين من شعره الصبياني فسر بهما كثيرا وأجابه عليهما بهذه الأبيات:
أنت الصغير الكبير النفس منتسبا
بها لأسلافك الشم العرانين
هلال سعد نرجي منه بدر سنا
يلوح في أفق باليمن مقرون
غالبت فن القريض المستطاب وقد
غلبته بانتصار منك ميمون
منه لك الأمن والنصر المبين ولا
بدع فأنت أمين ناصر الدين
نخلة قلفاط؛ منشئ مجلة «سلسلة الفكاهات» في بيروت والقاهرة.
قلبي إلى مجمع الخلان يدفعني
والجسم عنهم قضاء الله دافعه
لم يبق منه سوى رسم لهيكله
عند الأحبة للتذكار أودعه
سلسلة الفكاهات
لا يجهل أحد اسم «سلسلة الفكاهات في أطايب الروايات» التي نشرها في تشرين الثاني 1884 نخلة قلفاط البيروتي، وهي مجموعة قصص تاريخية وروايات أدبية تعد من أقدم الصحف من نوعها. كانت تصدر أجزاء متواصلة تارة مرة وطورا مرتين في الشهر، وكان من أعوانه في ترجمة بعضها عن اللغة الفرنسية سامي قصيري وغيره، فنالت رواجا عظيما في كل الديار العربية ثم تعطلت في السنة الرابعة لظهورها، وقد نفي حينئذ صاحبها إلى مدينة قونية بدسيسة من جواسيس الحكومة الذين اتهموه زورا وظلما بإثارة الخواطر بين أفراد الشعب، فلبث في منفاه سنتين يتقلب على جمرات العذاب حتى أفرج عنه بعد دفع كل ما ملكت يداه لإشباع بطون الحكام الظالمين، وهناك انتهز الفرصة لدرس اللغة التركية حتى أتقنها وصار يستطيع الترجمة منها وإليها، وفي أثناء إقامته في المنفى نظم قصيدة استرحامية ورفعها للسلطان عبد الحميد قال في مطلعها:
أمين الله جئتك مستجيرا
أجل وقد اتخذتك لي نصيرا
أمين الله روح العدل أنتم
فكيف أكون مظلوما حقيرا
أمين الله أولادي صغار
ورحمتكم غدت لهم مجيرا
أجرني يا أمين الله إني
ظلمت وحقكم ظلما كبيرا
إلى أن قال:
فمن سنة نفيت بغير ذنب
وحسبي الله في ظلمي خبيرا
وحسبي الله إنك لي ملاذ
فلا أخشى بذي الدنيا شرورا
ولما كان قد يئس من قضاء العيشة تحت سماء الدولة العثمانية عول على السكنى في وادي النيل، وهناك أصدر سنة 1893 مجلة باسم «سلسلة الفكاهات» قرظها عبد الله فريج بقصيدة جاء فيها:
مجلة قد علت أعلى المقامات
كأنها في بهاء روض جنات
لله سلسلة بالبشر قد برزت
في أوج علم حوت حسن الفكاهات
ثم عاد إلى وطنه وتعاطى مهنة بيع الكتب بالشركة مع سليم ميداني، فانتهز أنصار الاستبداد هذه الفرصة أيضا لينصبوا له المكائد ووشوا به لدى الحكومة بحجة أنه يتاجر بالكتب الممنوعة ككتاب «أم القرى» وسواه، فألقي القبض عليه سنة 1904 وزج في السجن مع أصحاب الجرائم الكبرى مدة سنة كاملة أصيب في أثنائها بداء الفالج ومات في 13 تشرين الأول 1905 بعد إطلاق سبيله من الحبس بأيام معدودة، وقد نقشت على ضريحه هذه الأبيات التي نظمها الأستاذ إلياس بهنا:
فقدت بنو قلفاط نخلة من به
أهل المعارف والمكاتب تأنس
واروا بهذا اللحد شهما فاضلا
ندبا له أضحى المقام الأقدس
من بعد ما نشر المعارف حل في
دار البقا حيث المهيمن يحرس
لما هوى الموت الزوام بنخلة
أرختها بسما الأعالي تغرس
سنة 1905
ولد نخلة بن جرجس بن ميخائيل بن نصر الله قلفاط سنة 1851 في بيروت وقرأ مبادئ العلوم على إسكندر آغا إبكاريوس، ثم مالت نفسه إلى درس علم الفقه والقوانين الدولية فنال منها نصيبا وافرا. وكان نخلة قلفاط رجلا نشيطا خلف من الآثار الأدبية ما يشهد بفضله واجتهاده، وقد كافأه قيصر الروس على ذلك بوسام شرف ونفحه بهبة مالية قدرها ألف وخمسمائة فرنك. وإليك أسماء الكتب التي ألفها أو ترجمها من اللغات الأجنبية بقطع النظر عن الكتب التي طبعها على نفقته: حقوق الدول، تاريخ روسيا، تاريخ ملوك المسلمين، حمزة البهلوان، بهرام شاه، فيروز شاه، ألف نهار ونهار، ديوان أبي فراس الحمداني (شرح أكثر أبياته)، ضرر الضرتين (رواية تمثيلية)، الملك الظالم (رواية تمثيلية)، الزوجة الزائغة، هالكات باريس، مائة حكاية وحكاية، مونتو كريستو، وخلف ديوان شعر يحتوي على منظومات شتى في مواضيع مختلفة نقتطف منها هذه الأبيات التي رفعها لكامل باشا عندما وجهت إليه رتبة الصدارة العظمى، وكل بيت منها يتضمن تاريخا لإحدى السنين الثلاث الميلادية والهجرية والمالية:
لسان الهنا أرخت جاء مرددا
بكامل باشا اليوم تزهو الصدارة
سنة 1885 ميلادية
وقد أشرقت يوم البشائر أرخوا
بهاء وعدلا منه تلك الإدارة
سنة 1301 هجرية
ألا بشر الدنيا بحكمة ذاته
وأرخ بها حقا تليق الوزارة
سنة 1302 مالية
ديوان الفكاهة
مجلة شهرية تشتمل على روايات تاريخية وغرامية وأدبية كانت تنشر في مطبعة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، وهي أول مجلة روائية صدرت باللسان العربي، أنشأها في غرة سنة 1885 المرحومان سليم بن ميخائيل شحادة وسليم بن بولس طراد، وهما من أخص أعيان مدينة بيروت وأقدم عائلاتها، وكان أكثر رواياتها معربا عن اللغة الفرنسية بقلم الكاتب البارع يوسف بشارة قيقانو. وبعد عامها الرابع احتجبت مدة ثلاث سنين ثم استقل بها إلى نهاية أجلها سنة 1893 سليم طراد وحده، وقد تولى حينئذ تعريب رواياتها شاكر شقير اللبناني صاحب مجلة «الكنانة» المصرية الذي صدرها بهذين البيتين:
تحالف الناس والزمان
فحيث كان الزمان كانوا
أيها المعرضون عني
عودوا فقد عاود الزمان
وكان «ديوان الفكاهة» مجموعا حسن الوضع والترتيب حاويا من أطايب الروايات على أشهاها، ومن أشهر الرحلات على أكثرها فائدة ومن آداب الحكايات والقصص على أدناها مأخذا وألطفها مشربا وأرقها أسلوبا. وكان بوجه الإجمال لا يتعرض لمذهب ديني ولا يلمح لأمر سياسي ولا ينشر إلا ما يوافق طرحه بين أيدي القوم كبارا وصغارا نساء ورجالا. وكان إقبال الناس كبيرا على مطالعة رواياته اللذيذة المنزهة من الشوائب الأدبية التي لا يخلو منها أكثر الروايات المطبوعة في زماننا.
الكنيسة الكاثوليكية
الأيكونوموس ثئوفانس البدوي؛ الرئيس العام على الرهبانية الباسيلية الحلبية سابقا ومدير مجلة «الكنيسة الكاثوليكية» وشقيق صاحب امتيازها.
هي رسالة شهرية تعليمية تاريخية أنشأها خليل البدوي بتاريخ كانون الثاني 1888 في أثناء قيامه بتحرير جريدة البشير، وهي ذات ثماني صفحات صغيرة، كانت إدارتها متعلقة بالآباء اليسوعيين الذين نشروها لحسابهم في مطبعتهم الكاثوليكية، وقد جعلها منشئها لخدمة طائفة الروم الكاثوليك وطبعها بإذن بطريركهم غريغوريوس الأول، فأقبل القوم على مطالعتها والاشتراك فيها لما كانت تذيعه على صفحاتها من المواضيع المفيدة. وفي عامها الثاني اتسعت دائرة مباحثها وصارت تصدر في 32 صفحة مرتين في الشهر، فاستحسن جميع بطاركة الطوائف الشرقية الكاثوليكية خطتها القويمة وامتدحوا منشئها برسائل خاصة، وعند ذلك أخذ خليل البدوي ينشرها بمصادقتهم منذ العدد الرابع عشر المؤرخ في 30 تموز 1889.
ولبثت «الكنيسة الكاثوليكية» على هذه الحال حتى احتجبت في أواخر عامها الثالث عندما ترك صاحبها جريدة البشير، وفي شهر كانون الثاني 1902 صدر منها عدد فرد بإدارة الأيكونوموس ثئوفانس البدوي شقيق صاحب امتيازها المشار إليه، وكان ذلك بأمر البطريرك بطرس الرابع (الجريجيري) الذي قصد إعادة نشرها لخدمة بني ملته، ولكن المرض الذي أصاب البطريرك حينئذ ثم ساقه إلى القبر حال دون متابعة نشر المجلة التي دخلت في خبر كان، وبعد ذلك تعين الأيكونوموس ثئوفانس نائبا أسقفيا على أبرشية حمص وحماة ولم يزل في هذه الوظيفة إلى يومنا. ومن أهم المباحث التي نشرت في هذه المجلة نذكر: «التوفيق بين العلم وسفر التكوين» للأب دي كوبيه اليسوعي ومعربة بقلم خليل البدوي، ثم مقالة «الموسيقى الكنسية» للخوري كيرلس رزق، ومنها كتاب «كشف المكتوم في تاريخ آخري سلاطين الروم» ونبذة في «تاريخ مصر وزراعتها» وغير ذلك من المقالات المفيدة بقلم منشئ المجلة.
الباب الثاني
تراجم مشاهير الصحافيين في بيروت
في الحقبة الثانية
سليم البستاني
منشئ مجلة «الجنان» و«الجنة» و«الجنينة».
رسمه في سنة 1866 بالملابس الوطنية القديمة.
أفنيت عمرك في على ومآثر
وإفادة للعلم أو تصنيف
وسبحت في بحر العلوم مكابدا
أمواجه والناس دون سيوف ***
هو بكر أنجال المعلم بطرس بن بولس بن عبد الله بن كرم بن شديد ابن أبي شديد بن محفوظ ابن أبي محفوظ البستاني، ولد في 28 كانون الأول 1848 في قرية عبيه عندما كان والده أستاذا هناك في المدرسة الأميركانية، فقرأ العلوم العربية على الشيخ ناصيف اليازجي في بيروت وأتقن معرفة اللغات التركية والإنكليزية والفرنسية على أشهر الأساتذة، وفي سنة 1862 صار ترجمانا لقنصلية الولايات المتحدة الأميركية بدلا من أبيه، وكان الساعد الأيمن له في جميع الأعمال الأدبية التي قام بها لا سيما في تدبير شئون «المدرسة الوطنية» التي كان نائب رئاستها، وتولى فيها تدريس الصفوف العالية الإنكليزية، واشتغل في تأليف كتاب «دائرة المعارف» وتحبير المقالات المهمة في مجلة الجنان. ثم أخذ على عاتقه تحرير جريدتي الجنة والجنينة، واشتغل بنشاط في «الجمعية العلمية السورية» التي كان نائب رئاستها ومن أهم أركانها. وفي عام 1871 اعتزل أشغال القنصلية وأقبل يضافر والده في مهماته العلمية والصحافية. كل هذا ولم يكن عذار خده قد بقل بعد، وترجم كتاب «تاريخ فرنسا الحديث» في مجلد ضخم بمعاونة الشيخ خطار الدحداح اللبناني، وألف عدة روايات تمثيلية أو قصصية كرواية «الإسكندر» ورواية «قيس وليلى» ورواية «يوسف واصطاك» ثم «الهيام في جنان الشام» و«زنونيا» و«بدور» و«أسمى» و«سلمى» و«سامية»، وقد جمع فيها من ضروب الأدب والسياسة والاقتصاد والإدارة والتاريخ والنصائح وإصلاح العادات وصقل الطباع الخشنة إلى غير ذلك من المقاصد النبيلة.
فتمكنت مكانته في الوطن وقربه الحكام إليهم، وكان قلمه أعظم ترجمان للتمدن الغربي في ديار الشرق، وسار مرتين إلى مصر وعاد منهما والحقائب تحدث عن مكارم الحضرة الخديوية في تعضيد مشاريعه وترويج مصنفاته، وفي عام 1880 نشأت فيه رغبة التجارة فاتجر ولكنه لم يفلح، فأعاد أموره إلى نصابها الأدبي كأنما قدر له أن يحيا ويموت في سبيل خدمة العلم. وبعد وفاة والده استقل وحده بكل المشاريع المذكورة، وطبع الجزء الثامن من كتاب دائرة المعارف وهيأ أكثر مواد أجزائه الباقية، غير أن الأجل لم يفسح له الوقت الكافي لإتمام هذا المشروع الخطير، فاعتنى إخوته أمين ونجيب ونسيب مع سليمان البستاني بإبراز الأجزاء التاسع والعاشر والحادي عشر إلى لفظة «عثمانية» فقط ثم توقفوا عن العمل، ولا نتمالك هنا من إبداء الأسف الشديد لعدم إنجاز هذا الأثر العظيم، بل الكنز الثمين الذي يتوق إلى إحرازه كل ناطق بالضاد؛ لأنه وحده يغني عن اقتناء خزانة كتب برمتها.
وكان سليم البستاني موصوفا بدماثة الأخلاق وحدة الذكاء جامعا بين علو الهمة وشهامة النفس وسلامة السريرة، وكان حريصا على ولاء الأصدقاء لا ينقض وعدا ولا يحل عهدا. وبتاريخ 13 أيلول 1884 انتقل فجأة من هذه الحياة في قرية «بوارج» حيث كان يروح النفس من عناء الأشغال تحت سماء لبنان مع نسيبه سليم بك أيوب تابت، فقصفته يد المنية غصنا رطيبا في ربيع العمر ثم شيعت جثته إلى بيروت بين تردد الحسرات وذرف العبرات، ودفنت بجانب تربة والده المأسوف عليه في مقبرة الطائفة البروتستانتية بعدما رثاه الشعراء والخطباء، فأبنه بالكنيسة راعي الطائفة الإنجيلية وفي المقبرة الدكتور فارس نمر وإلياس طراد وسامي قصيري، وخلف ولدا وحيدا يدعى حبيبا قد درس فن الزراعة في أوروبا وسكن في القطر المصري مع والدته السيدة حنة بنت أيوب تابت، وقد رثاه بعض الشعراء بقصائد نفيسة فاخترنا هذه الأبيات لناظمها الشيخ خليل اليازجي:
وهو الموت إلا أن خطبك أعظم
ورزؤك في الأرزاء أشجى وأجسم
ومن فلتات الدهر أمرك أنه
لأشفق في أمثال هذا وأرحم
لك الله ميتا كالقتيل ولم يسل
له من دم لكن مدامعنا الدم
وإن نحن طالبنا المنايا بثأره
رمتنا وقالت من يطالب عنكم
وإن نحن عاتبنا الزمان بفعله
قرعنا سماعا ما له من يترجم
فعدنا وقد خبنا من الدهر مأملا
ننوح على ما كان منه ونلطم
كذا الدهر إلا أن من زاد همه
وقصر عن تفريجه يتظلم
فقدنا بني الأوطان عضوا مكرما
كجسم مضت منه يد فهو أجذم
ألا أننا في فقده اليوم أسرة
وأوطاننا في نوحه اليوم مأتم
على مثله يبكى وهيهات مثله
فتى طاب منه القلب واليد والفم
وكان ضليعا باللغات العربية والتركية والإنكليزية والفرنسية فكان يكتب فيها ويترجم منها وإليها بسهولة وبلاغة، وباشر تأليف معجم تركي على نسق كتاب «دائرة المعارف»، وقصد أن يسافر للآستانة ليقدمه للحضرة السلطانية، إلا أن الوفاة عاجلته قبل إبراز هذا العمل لدائرة الوجود، وكان شاعرا مطبوعا نظم كثيرا من القصائد المتفرقة التي نؤمل أن يقوم من يجمعها في ديوان خاص قبل أن تلعب بها أيدي الضياع. ومن جيد نظمه ما يأتي:
تقلبت الدنيا فما جدها جد
ولا وصلها وصل ولا صدها صد
فراق وراء الوصل فيها وما لها
وفاء ولا عهد يدوم ولا وعد
نشيد للآمال قصرا محصنا
فتهدمه جبرا ولا ينفع الجهد
تطاردنا الأيام مثل عداتها
فيمسي أمير القوم وهو لها عبد
إلى أن قال:
ومن يرتقي في حالة الفقر والعنا
سريعا إلى العليا يضر به المجد
ومن يدخل الغش الخبيث فؤاده
فما نومه نوم ولا سهده سهد
ومن لطيف أشعاره في رواية «قيس وليلى» هذه الأبيات:
الموت صعب والصبابة أصعب
والكل من هجر الحبيبة أعزب
والقلب يطلب قرب من أحببتها
والموت من قرب الحبيبة أقرب
دون الديار مناهل وذوابل
وصواهل وكتائب تتكتب
يا قلب صبرا في المصائب فالفتى
من كان أقتاب المصائب يركب
الدكتور لويس صابونجي ***
هو يوحنا لويس بن يعقوب بن إبراهيم بن إلياس بن ميخائيل بن يوسف صابونجي الأرفلي، ولد في 7 تشرين الثاني 1838 بمدينة «ديرك» التابعة لولاية ديار بكر، وكانت ولادته هناك من باب الصدفة أيام خرج إليها والده فرارا من وباء الهواء الأصفر الذي فشا وقتئذ بديار بكر، وقد أشار إلى ذلك في أبيات من قصيدة له:
خلقت بأرض قد تجلت ببهجة
سقاها إلهي من فرات ودجلة
بلاد ثواها آدم بعد جنة
إليها انتمى الأبطال في كل حقبة
ولدت بها فورا على غير موعد
غداة أتاها والداي لنزهة
بشهر فشا فيها الوباء مؤلفا
وشاع انتشارا في بلاد الجزيرة
وسكن والده بمدينة ماردين بعدما هاجرت أجداده من أورفا ثم انتقل منها إلى ديار بكر، فلما بلغ لويس السنة الثانية عشرة خرج إلى سوريا يريد الدرس على أساتذة مدرسة الشرفة بجبل كسروان، وبوصوله إلى مدينة بيروت حل ضيفا على منزل المرحوم أنطون طرازي جد كاتب هذه السطور. وفي 3 كانون الثاني 1850 انتظم في سلك تلامذة المدرسة المذكورة حيث تلقى أصول اللغات العربية والسريانية والإيطالية. وفي سلخ كانون الأول 1854 أرسله أغناطيوس أنطون سمحيري بطريرك السريان الأنطاكي إلى مدرسة مجمع انتشار الإيمان في رومة، فتلقى فيها العلوم العقلية والنقلية على اختلافها حتى نبغ فيها كلها ونال رتبة ملفان (دكتور) في الفلسفة.
وفي شهر حزيران 1863 عاد إلى الشرق ميمما مدينة ماردين، فأراد البطريرك المشار إليه أن يمنحه رتبة الكهنوت، فتردد المترجم متمنعا عن قبولها؛ لأنه لم ير من نفسه ميلا إلى الدخول في هذا السلك الروحاني، ولكنه رضخ أخيرا لإرادة البطريرك بتشويق بعض الكهنة، واقتبل في 29 تشرين الثاني 1863 الرتبة المذكورة، ثم ذهب إلى ديار بكر لمشاهدة أهله ومنها جاء بيروت حيث تعين رئيسا للطائفة السريانية؛ فأنشأ فيها مطبعة لنشر الكتب في اللغات العربية والسريانية والتركية، وأسس مدرسة صار لها شأن عظيم حتى قصدها طلبة العلم من كل أرجاء المدينة، فصارت تباري غيرها من المدارس العالية وكان من جملة تلامذتها أنجال متصرف بيروت كامل باشا الذي صار بعد ذلك صدرا أعظم. وهو الذي أدخل فن التصوير الشمسي في بيروت وكاد يكون مجهولا فيها قبل ذلك الحين، فعلمه لأخيه جرجس الذي برز في هذه المهنة حتى استحق أن ينال لقب «مصور العائلة الإمبراطورية البرلينية».
ولما قدم فرنقو باشا إلى جبل لبنان عين القس لويس أستاذا لأولاده ومرشدا لآل بيته في أمور الدين، ثم عكف المترجم على درس فن الموسيقى فأحكمه في وقت قصير، واختاره حينئذ الدكتور بلس رئيس المدرسة الكلية الأميركية أستاذا لتلامذتها في اللغة اللاتينية، وكلفه أيضا الخوري فيلبس نمير رئيس المدرسة البطريركية بتعليم اللغتين التركية والإيطالية لطلبتها.
وفي 11 آيار 1870 أصدر مجلة «النحلة» ابتغاء الإصلاح وتعميم المعارف، ولكن طرأت على منشئها حوادث ساقته إلى تجاوز الحدود التي كان قد فرضها على نفسه وتحرش بمسائل سياسية ومناظرات دينية ساقت راشد باشا والي سوريا إلى إلغاء النحلة، فتجلد صاحبها وأصدر مجلة أخرى سماها «النجاح» فنابها ما ناب النحلة من سوء العقاب، ثم أعاد نشرها وجعل يوسف الشلفون كاتبها المسئول حتى تنازل عنها له ابتغاء الراحة، فلما استراح من تضييق الحكام سولت له نفسه أن يطوف حول الكرة الأرضية، فركب البحر الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شهر آب 1871 واستكمل دورة الأرض في سنتين وسبعة شهور، فكان أول طواف من آل سام أتيح له أن يقوم بمثل هذه السياحة الكبرى كما أشار إلى ذلك في أبيات له من قصيدة في الفخر:
وقد طفت حول الأرض شرقا ومغربا
وصيتي سرى قبلي يذيع برحلتي
وما طاف قبلي من بني سام طائف
ولا جال منهم بالبسيطة جولتي
ولما عاد إلى بيروت واستراح من عناء ذلك السفر الطويل اقترح عليه بعض الأصدقاء إعادة نشر صحيفة «النحلة» فلبى طلبهم وأصدرها باسم «النحلة الفتية»، واتفق في غضون ذلك ظهور مسألة تاريخية تتعلق بأصل إيمان الطائفة المارونية، فاستنصر القس لويس للقائلين بعكس ما ترتئيه الملة المذكورة ونشر في صحيفته مقالات خارجة عن هذا الموضوع، فثارت عليه من جراء ذلك فتنة من الرعاع كاد يذهب فيها قتيلا، فهاجر إلى ليفربول حيث نشر رسالة سماها «موسى الحلاقة» وشحنها بالرد على أخصامه المذكورين، ورحل مرة ثانية إلى أميركا ولبث في نيويورك وفيلادلفيا بضعة شهور، ثم عاد إلى بلاد الإنكليز قاصدا مدينة منشستر، فاخترع فيها آلة صغيرة لنقل التصاوير وأحرز امتياز التوحد بالعمل بها من دولة بريطانيا العظمى، ولما نقل سكناه إلى لندن باع حقوقه في الآلة المذكورة إلى شركة تعرف باسم
Stereoscopic Company ، واخترع آلة أخرى لفن التصوير سماها
Authomatic Apparatus
فأحرز امتياز التوحد بالعمل بها من الحكومة الفرنسية.
ثم استعاد بلندن نشر صحيفة «النحلة» عام 1877 وأصدرها بتاريخ 2 نيسان باللغتين العربية والإنكليزية، وجلاها بمناظر البلاد وتصاوير رجال العصر المعدودين في السياسة والعلم، وأنشأ فيها أيضا جريدة «الاتحاد العربي» وجريدة «الخلافة» وساعد رزق الله حسون في تحرير صحيفة «مرآة الأحوال» الشهيرة، فنشر فيها كلها آراءه التي كانت ترمي إلى تعميم الإصلاح ومحاربة الاستبداد في الدولة العثمانية.
وكان صاحب النحلة وكيلا خصوصيا للسيد برغش سلطان زنجبار مدة ثماني سنين حتى قبض هذا إلى رحمة ربه، وكان السلطان يكاتبه كل شهر ويلح عليه بمراسلته مع كل بريد، فاتفق للصابونجي أنه سهى مرة عن موعد سفر البريد من لندن إلى زنجبار وما رفع كتابا إلى السيد برغش، فبعث يعاتبه عتابا لطيفا ويطلب منه ألا يغفل عن رفع تفاصيل الأحوال إليه مع كل بريد، وكان يتقاضى لقاء ذلك مبلغا سنويا من المال عدا الهدايا التي كان ينعم السلطان بها عليه. وتشرف في 27 آيار 1879 بالمثول بين يدي فكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، ونال مثل هذا الشرف مرتين لدى الحبر الأعظم في رومة ولدى ناصر الدين شاه إيران. وسنة 1881 زايل لندن ليطوف في بلاد نجد وخيل ابتغاء الوقوف على أحوال سكان تلك الأقطار، ثم عرج على وادي النيل فخدم مصالح الدولة البريطانية نحو السنتين في أثناء الفتنة العرابية، وسعى مع مستر بلونت وليدي آنه حفيدة اللورد بيرون الشاعر الإنكليزي المشهور في إنقاذ عرابي باشا من الحكم الذي أصدره غلادستون رئيس الوزارة الإنكليزية في إعدامه مباشرة بلا محاكمة.
ولما عاد إلى إنكلترا تعلق على إلقاء الخطب في مسائل علمية وتاريخية وما يتعلق بسياحته، ولبث يخطب تسعة أسابيع متواصلة في «قصر البلور» بلندن، واتفق له في بعض الأيام أن يخطب تسع مرات في النهار وكان يحضر الخطب نحو ألف وخمسمائة نفس، ثم خطب في محفل «الأثينيوم» بمدينة منشستر وفي مدرسة الصم والبكم، وكان أستاذهم يترجم لهم مآل الخطبة بالإشارات الموضوعة لتعليمهم فصار ذلك مصداقا لما قاله الدكتور صابونجي في بيت من قصيدة له في الفخر:
وإن قمت بين الصم والبكم خاطبا
أنفذ سمع الصم تقريع وعظتي
ثم خطب بمدينة باريس في قاعة الخطب الكائنة في الشارع المسمى
Boulevard des Capucines
وفي «أنستيتو رودي» الكائن في الشارع الملكي وكذلك في بعض القاعات المعدة للخطب في المعرض العام سنة 1889، وفي أثناء ذلك اختاره ولي عهد إنكلترا (صار فيما بعد ملكا باسم إدوار السابع) أستاذا للغات الشرقية في دار الفنون التي أنشأها هذا الأمير بلندن وسماها
The Imperial Institute ، وتناول الطعام مرتين على مائدة سموه بدعوة مخصوصة، وقد انضم حينئذ إلى سلك الجمعيتين المعروفة إحداهما باسم
Society The Royal Asiatlc
في لندن والأخرى باسم
Accademia Lettararia degli Arcadi
في رومة العظمى، وقد أتحفه الملوك المشار إليهم وإمبراطور اليابان وملك حيدر آباد وحمد بن ثويني سلطان زنجبار أيضا بالرسائل العديدة التي يعربون فيها عن اعتبارهم لصاحب الترجمة. وما عدا ذلك فإن لديه شهادات كثيرة من أعيان الإنكليز وعلمائهم في تقريظ مجلة النحلة.
رسم منزل الدكتور لويس صابونجي في جزيرة الأمراء بضواحي القسطنطينية.
وفي سنة 1890 خرج إلى الآستانة فأمر السلطان عبد الحميد بتعيينه في المعية الشاهانية، وأنعم عليه بدار فسيحة في أحسن بقعة من ضواحي الآستانة بكل ما فيها من الرياش، وجعل له خمسين ليرة عثمانية راتبا شهريا وأصدر إليه إرادته السنية بالمثول بين يديه مرتين في الأسبوع، واختاره أستاذا لأنجاله في فن التاريخ العام ومترجما لجلالته من اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية إلى التركية، ثم أقامه عضوا في المجلس الكبير لنظارة المعارف، وكانت خدمته للسلطان بإذن صريح من بطريرك السريان جرجس الخامس ومن السيد بونتي القاصد الرسولي بالآستانة، ولبث الدكتور صابونجي على هذه الحال حتى أعلن الدستور في السلطنة العثمانية فاعتزل المأموريات ملازما بيته ومنقطعا إلى التأليف والمطالعة. وهذا البيت المعروف باسم «قفير النحل» قائم في جزيرة الأمراء على شكل هندسي جميل، وقد نقش في صدر البيت صورة «عين» مع هذه العبارة «عين الله تعالى على محبيه الصادقين» وحفر فوق المدخل والأعمدة سبعة أبيات قال في آخرها:
اجعل بلطفك يا إله سعادتي
يومي بها بالعز يتلو ليلتي
أما ما كان من صفات الأستاذ صابونجي فإنه ولع بالدرس واكتساب المعارف منذ نعومة أظفاره، وقد اعتاد الكتابة والمطالعة ليلا إلى ما بعد نصف الليل بساعة أو ساعتين، وإذا خرج إلى التنزه شغل باله في النظم أو في إنشاء المقالات السياسية والعلمية وأثبتها في دفتر يحمله دائما في جيبه وهو يطوف الشوارع ويتجول في الحدائق من دون أن يبالي بضجيج المركبات وازدحام الناس، وقد أشار إلى ذلك في أبيات له:
أسير إلى التنزيه طورا ودفتري
رفيقي أنيسي في مسيري وجلستي
وكم من برود في السياسة حكتها
وكم قلت شعرا في شوارع بلدة
وفي البر ثم البحر قلت قصائدا
وما خمدت طول الليالي قريحتي
نظمت قريضا أو كتبت مقالة
وقد جن ليل دون نور وشمعة
وكان إذا أرق ليلا وطرقه فكر في هدو الغياهب وليس لديه يراع ومداد وقرطاس وثب من فراشه وحرق قضيب كبريت وفحم رأسه وأثبت به أفكاره في جدار الحجرة كما قال:
وليل أتاني فكر شعر بديهة
ولا حبر عندي في دواة بليقة
حرقت قضيبا قد تكبرت رأسه
كتبت بفحم في جدار قصيدتي
حذوت بفعلي حذو آدم عندما
أتاه من الرحمن إلهام كثبة
وقد تحرى الطلاوة في شعره وتحاشى فيه الكلام المهجور والألفاظ اللغوية البعيدة عن إدراك الجميع، وقد سلك فيه أسلوبا جديدا لا يعهد في أساليب شعراء العرب، ونهج منهجا حديثا يندر فيه ذكر البيداء والنوق والرحال والرمال والخيام وما جرى مجراها مما يدور عليه محور كثير من أشعار أهل الوبر، واعتاض عن ذلك بالسكك الحديدية والقطار والباخرة والكهرباء وما أشبه ذلك من اختراعات العصر عند الحضر، وقد أشار إلى ذلك في هذه الأبيات:
لأسفار أهل البيد رحل وهودج
ونوق عليه العرب تغزو وتسرح
ونحن قد اعتضنا عن الكل في السرى
بفلك كحوت البحر تجري وتسبح
وفي البر سرنا في قطار يجره
بخار يحاكيه العقاب المجنح
ومما يستحق الذكر شدة ولعه بالصنائع وتركيب الآلات وله فيها اختراعات مفيدة كما سبق الكلام، وتعلق على درس عشر لغات فأحكم أصول سبع منها فقط وهي: العربية والسريانية والتركية والإيطالية واللاتينية والفرنسية والإنكليزية. وقد تحرى في شعره ونثره الكلام البسيط الخالي من التعقيد والمحسنات اللغوية التي لا فائدة منها للعموم ولا تهذب أخلاقهم ولا تساعدهم على اكتساب معيشتهم، فهو «كاتب شعبي وليس بمنشئ لغوي» كما قال عن نفسه، فكأنه أراد بذلك أن يقتفي آثار السيد المسيح الذي كان يخاطب الشعب بأمثلة بسيطة مأخوذة من الشباك وصيد السمك وزراعة الحقول وغير ذلك، أو كما قال محمد نبي العرب للصحابة: «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم.» أو كما قال يوحنا الذهبي الفم: «خير لي أن ألحن في كلامي ويفهم عموم الشعب مضمونه من أن أتفاصح في أقوالي ولا يفهمها إلا القليلون.» ومن أشرف مناقبه مراعاة الذمام وقد قام الدليل على ذلك في أبيات له:
ورثت مراعاة الذمام سلالة
رعيت وداد الخل منذ فتوتي
تقر لي الأعداء رغما بأنني
أراعي ذمام الخل حتى المنية
وأجزي بخير من دهاني بشره
وأصفح عن قوم أرادوا أذيتي
وإذا أحسن إليه محسن حسب إحسانه طوق منة في عنقه لا يحل له خلعه ولو في الجفاء، والشاهد على ذلك أبيات أنشدها لأحد رجال الإنكليز كان أحسن إليه وهي:
أموت وشكري لا يموت مدى الدهر
ويحيا ذمامي في ترابي إلى النشر
أموت وفي قلبي من الشكر نسمة
لمن مد كف الجود نحوي مدى العمر
وإن مت ما مات الوفاء بمهجتي
وديدان جسمي تنشد الشكر في قبري
فلا رحمة مثل الوفاء مفيدة
ولا يرحم الرحمن نفسا بلا شكر
واشتهر الصابونجي بتمسكه بالعقائد الدينية وثباته على المبادئ الصحيحة رغما عن الاختلافات التي طرأت بينه وبين رؤساء الدين وحملته على إهمال وظيفة الكهنوت، فحاججه ذات يوم قوم من الدهريين في مسألة خلود النفس فأنشدهم بعدما أفحمهم بالأدلة الفلسفية:
إلى الله تنحو النفس بعد انفصالها
وتجزى بخير أو بشر فعالها
وإن قيل: بعد القبر ليس قيامة
فقلنا: على الزنديق كان وبالها
وإن قيل: ليس النفس تدري معادها
فقلنا: ستدري حين يأتي ارتحالها
إلى الله عود النفس بعد جهادها
متى حل من قيد الحياة عقالها
وحاججه كذلك ذات يوم فيلسوف من طائفة يوسف إسبينوزا اليهودي الجاحد وجود الله سبحانه، فأنشده صاحب الترجمة هذه الأبيات بعد جدال طويل أفحمه فيه:
يسبح من في البر والبحر والعلا
إلها تجلى بالخلائق للملا
كيان بلا بدء وحد وحيز
به البدء منذ البدء كان ممثلا
إله على عرش بلا حد مركز
يسوس وحيدا لا شريك له ولا
رآه بعين العقل كل موحد
وغاب عن الزنديق بالكنه واعتلى
ونظم هذه الأبيات لتنقش على قبره:
قضى العمر في الأسفار طالب حكمة
يروم فنونا لا تحد وتحصر
ومن كانت الدنيا الفسيحة كلها
تضيق لديه في الحياة وتصغر
كفته بعيد الموت أضيق حجرة
كما اكتفيا بالمثل كسرى وقيصر
ومن مآثره التي تستحق الذكر أنه رسم صورة طولها أربعة أمتار وعلوها ثلاثة أمتار بألوان الزيت، وهي تمثل تسلسل جميع الأديان من عهد آدم إلى يومنا هذا، وفيها 660 شخصا من جملتها تصاوير جميع الذين أنشئوا دينا أو مذهبا مع طريقة عبادتهم ورموز عقائدهم وطقوسهم، وكلها منقول عن آثار قديمة اكتشفها الحفارون في بلاد مختلفة، وهذه الصورة التي ليس لها نظير في كل الدنيا قد اشتغل الأستاذ صابونجي في أمرها منذ كان في أميركا سنة 1872 حتى أكملها سنة 1909 فجاءت فريدة في نوعها. وقد ألف رسالة باللسان الإنكليزي هي بمثابة دليل أو مفتاح للصورة المذكورة، وما فيها من الرسوم مع ذكر تاريخ تلك الأديان وزمان اكتشاف الآثار الدالة عليها والأماكن التي كانت مطمورة فيها إلى غير ذلك من الأمور المهمة.
ونال من علامات الشرف وسام «شيرخورشيد» من ناصر الدين شاه إيران، ثم «الوسام العثماني» من دولة تركيا، ووسام «الكوكب الدري» من سلطان زنجبار، وغيرها. ومن مزايا الأستاذ المشار إليه أنه شديد الحرص على وقته وصحته، فإنه رغما عن كبر سنه لا يضيع دقيقة واحدة بلا عمل مفيد، وكذلك لا يستعمل التبغ ولا يذوق اللحم ولا الكحول ولا القهوة على الإطلاق، ويقنع من كل أنواع الطعام بشرب الحليب وأكل البيض وبعض الأثمار الناضجة. وقد كتبت ترجمته ونشرت مطولا بقلم الأستاذ المستشرق «فروست» معلم الرياضيات سابقا في دار الفنون بمدينة أكسفورد من بلاد بريطانيا العظمى. هذا ما تيسر جمعه بكل اختصار من أخبار الدكتور لويس صابونجي عميد الأحياء بين أرباب الصحافة العربية، ونختتم ترجمته بجدول يحتوي على ما اتصل بنا من أسماء مؤلفاته الكثيرة وهي: (1)
نقل إلى اللغة الإيطالية اثني عشر كتابا من أشعار «ورجيل» الشاعر اللاتيني. (2)
ترجم من اللسان اللاتيني إلى العربي قاموس الألفاظ المصطلح عليها في العلوم الفلسفية وسائر العلوم والفنون (غير مطبوع). (3)
تاريخ فتنة حلب سنة 1850 (غير مطبوع). (4)
تاريخ فتنة لبنان وسوريا في سنة 1860 (غير مطبوع). (5)
تاريخ الثورة العرابية في الديار المصرية سنة 1882 (لم يطبع). (6)
فلسفة ما بعد الطبيعة. (7)
تهذيب الأخلاق (طبع في بيروت). (8)
الحق القانوني (غير مطبوع). (9)
المرآة السنية في القواعد العثمانية (ألفه الوزيران الخطيران فؤاد باشا وجودت باشا، وقد نقله الدكتور صابونجي من اللغة التركية إلى العربية وأفرغه في قالب الأسئلة والأجوبة وطبعه في بيروت). (10)
تاريخ بطاركة السريان (يحتوي على تاريخ طائفة السريان الكاثوليك منذ سنة 1852 إلى الزمان الحاضر، ومنه نسخة مخطوطة في دار التحف البريطانية بلندن وهو غير مطبوع). (11)
مشاهير الرجال (يشتمل على سير العلماء من اليونان والروم والعبرانيين والسريان والكلدان في اللغة اللاتينية وهو غير مطبوع). (12) «جمال الكائنات» أي وصف الجمال في الحيوان والنبات والجماد (هو فن يقال له
Estetica
في اللغة الإيطالية). (13)
الرحلة النحلية (تتضمن رحلة المؤلف حول الكرة الأرضية في اللغتين العربية والتركية، وقد ذكر فيها أهم الشئون العلمية والتاريخية المنوطة بالبلاد التي زارها مع سكانها ولغاتها وصناعتها وزراعتها وتجارتها وحيوانها وأديان أهاليها وعاداتهم وأخلاقهم، وقد طبع قسما منها في القسطنطينية وزينه بالرسوم الناصعة). (14)
النحلة (مجلة علمية نشرها في بيروت ولندن والقاهرة). (15)
النحلة الفتية (رسالة انتقادية طبعها في بيروت). (16)
موسى الحلاقة (رسالة انتقادية أيضا طبعها في ليفربول من إنكلترا). (17)
قاموس إنكليزي وعربي (نشره بالاشتراك مع الدكتور جرجس باجر في 1244 صفحة بالقطع الكامل وأتقن تشكيله بالحركات). (18)
النحلة الحرة (مجلة جدلية نشرها في مصر سنة 1871). (19)
النحلة (جريدة سياسية نشرها في لندن سنة 1884). (20)
النجاح (مجلة سياسية نشرها في بيروت سنة 1871 بالاشتراك مع يوسف الشلفون). (21)
الاتحاد العربي (جريدة سياسية نشرها في لندن سنة 1881). (22)
الخلافة (جريدة سياسية أصدرها في لندن سنة 1881). (23)
مجلس المبعوثان (جريدة طبعها في الآستانة). (24)
تنزيه الأبصار في رحلة سلطان زنجبار (يحتوي على سياحة السيد برغش سلطان زنجبار بقلم كاتبه الأول زاهر بن سعيد، وقد نقحه الدكتور صابونجي ورتب أبوابه وعلق فوائد كثيرة على متنه وجلاه بمناظر المدن التي دخلها السلطان، وزينه أيضا بصور الملوك والملكات والأمراء والأميرات وأصحاب الشهرة الذين أكرموا منزلة حاكم زنجبار مدة طوافه في بلادهم، فخلع عليه السيد برغش خلعة ثمينة مشفوعة بمبلغ خمسمائة جنيه إنكليزي). (25)
الأصول المنطقية (بحث في الفلسفة العصرية والقديمة لم يطبع). (26)
مرآة الأعيان في تسلسل الأديان (نشره على صفحات مجلة النحلة في لندن). (27)
مجموع مقالات سياسية كتبها باللسان التركي ويبلغ عددها 200 مقالة (لم تطبع). (28)
مجموع قصائد لاتينية نظمها في صباه. (29)
قصائد ونشائد في اللغة الإيطالية. (30)
مجموعة قصائد ومقالات سياسية في اللغة الإنكليزية. (31)
مواعظ في اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية. (32)
أفكاري (كتاب مخطوط جمع فيه كل ما جرى له من الحوادث مدة حياته في مجلدات شتى، وفيه من سمو الأفكار والأعمال ما يندر اجتماعه إلا في أعاظم الرجال). (33)
ديوان «شعر النحلة في خلال الرحلة» يحتوي على قسم من منظومات الدكتور صابونجي في 586 صفحة كبيرة مزينة برسوم الملوك والأمراء والعلماء والشرفاء والأحبار، وقد طبعه في الإسكندرية ورفع منه نسخة مرصعة بالجواهر الكريمة إلى السلطان العثماني. (34)
The Turkish Misrule
طبعه في أميركا. (35)
أصل العرق الأيرلندي (وضعه في اللسان الإنكليزي وسماه
The Origine of the Irish race
ثم طبعه في إنكلترا). (36)
مختصر تاريخ جميع الأديان (وضعه في اللغة الإنكليزية مبتدئا من الديانة الطبيعية فالآثورية فالمثرائية فالبرهمية فالبوذية فالوثنية فالمصرية فاليهودية فالمسيحية فالمحمدية فالبروتستانية فالشيكر فالرولر فالجمبر وهلم جرا، وقد طبعه في لندن، ثم ترجمه إلى التركي والإيطلياني ولم يطبعه بعد). (37)
مختصر تاريخ الأديان (في اللغتين التركية والإيطالية وهو غير مطبوع). (38)
رسالة في اللغة الإنكليزية هي بمثابة دليل للصورة التي مر ذكرها عن تسلسل جميع الأديان. (39)
كتاب «السكان في النجوم والأقمار» يحوي نحو ألف وخمسمائة صفحة مزينة بالرسوم الكثيرة، وقد قسمه مؤلفه إلى ثلاثة أقسام: الأول وفيه ذكر العلماء والشعراء والفلاسفة والفلكيين وأصحاب الأديان العظام الذين علموا من أعصار قديمة إلى القرن العشرين وجود خلائق ناطقة على سطح النجوم والكواكب، وأورد في القسم الثاني أحوال الشمس وسياراتها وسكانها العلوية، وأتى في الثالث على وصف النجمة الأرضية. ولهذا التأليف شأن كبير بين المؤلفات العصرية بتعدد مواضيعه وأهمية مباحثه، وهو أول كتاب من نوعه وضعه في اللغة العربية ويشهد لمنشئه بطول الباع في المعارف والفنون، وقد وصف أحدهم هذا الكتاب ومؤلفه بما نصه: «لأن الذي يتجرأ على جمع المواد من مصادرها المختلفة العديدة يجب عليه مثل الدكتور صابونجي أن يكون مؤرخا وفيلسوفا وفلكيا وشاعرا ومتفننا، ولاهوتيا وقسيسا وصحافيا وسياسيا ونديما للملوك وجوالا وسائحا، ومتضلعا من اللغات اللاتينية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية والعربية والتركية والسريانية، ليتيسر له أن يطالع ما كتبه العلماء في تلك اللغات من العلوم والمعارف، ثم يصرف نحو 40 سنة في جمع المواد جمع النحل للعسل، ثم أن يلوك ويلوك ثم يلوك تلك المواد ثم يهضمها ثم يسوقها إلى دماغه دما صافيا، ثم يبرزها من دماغه دررا مخروطة ثم ينظمها عقدا، ثم يطرزها ببراعة على قرطاس بنص صريح خال من التعقيد يجمع فيه بين المسلي والمفيد كقول هوراس الشاعر اللاتيني:
llle tulit prœmium qui miscuit utile dulci. (40)
شاءول وداود (رواية تمثيلية ترجمها عن اللسان الفرنسي عام 1869 وطبعها بخط يده على المطبعة الحجرية في 65 صفحة). (41)
كتاب «حر عثمانلي» أو
The Freen Ottoman
وضعه باللغتين التركية والإنكليزية في 124 صفحة بعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية، فأورد فيه الحجج التي تثبت مطابقة القانون الأساسي على الشريعة المحمدية وكيفية تشكيل مجلس المبعوثان بالإنصاف والعدالة، ثم ذكر مطامع الأجانب بتركيا المريضة مشخصا أمراضها ومبينا العلاجات التي تكفل لها الشفاء لا سيما من داء فساد الأخلاق، وقد زينه برسوم بعض المناظر كالكعبة ومدينة مكة وغيرهما. (42)
مراثي أرميا الثاني الشجية على خراب أورشليم السريانية. (43)
ديوان الفارض (طبعه في بيروت مشكلا بالحركات).
الأب يوحنا بلو اليسوعي
مدير مجلة «المجمع الفاتيكاني» وجريدة «البشير» وأحد مؤسسيهما. ***
ولد صاحب الترجمة في غرة آذار من السنة 1822 في «لوكس» بلدة من ولاية برغنديا من أعمال فرنسا، فعرف منذ حداثة سنه بالنشاط والجد، بيد أن تقاه ورغبته في خلاص النفوس حملاه على أن يهاجر العالم ويزهد بالدنيا بعد دروسه الأولى في مدرسة ديجون الأكليريكية؛ فطلب الانضواء تحت راية القديس أغناطيوس، وانتظم في سلك الرهبانية اليسوعية في 18 حزيران من سنة 1842 وسعى من وقته أن يضع في نفسه أساسا متينا للفضائل التي مارسها طول حياته، وباشر ببناء ذلك البرج الروحي الذي تكلم عنه المسيح في إنجيله فبلغه بجده وهمته علوا شامخا.
وكانت الدولة الفرنسوية في تلك الأثناء قد عهدت إلى الآباء اليسوعيين بتربية أولاد الذين نفتهم من فرنسا لسوابقهم، وكان هؤلاء الأحداث ألفوا البطالة وسوء السلوك فرضي اليسوعيون بتهذيبهم في «بن أكنون» قريبا من الجزائر وتحملوا في ذلك مشقات عديدة، فطلب الأب يوحنا بلو أن يرسل إلى ذلك الدير بعد نهاية زمن امتحانه رغبة في مشاركة إخوته في أتعاب هذا العمل، فقضى ثمة سنتين (1844-1846) استوقف فيهما أنظار روسائه وأسر بحبه قلوب تلامذته.
وكان في بعض آنات الفراغ يتجول في أحياء مدينة الجزائر فرأى عربها وأحب أن يختلط بهم ويخدمهم، وذلك ما حدا به إلى درس العربية على بعض أساتذة تلك الديار رجاء أن يستفيد بمعارفه ويتوسل بها لصلاح الأهلين. ولما ذهب سنة 1847 إلى قسنطينة
Constantine
توافرت لديه الوسائط لمواصلة هذا الدرس، فانعكف عليه وألف لفظ تلك البلاد.
ثم انكب مدة في دير فلس قريبا من مدينة لوبوي في فرنسا ثلاث سنوات على درس الفلسفة والرياضيات، فبرع فيها حتى إنه أوعز إليه بتدريسها بعد ذلك بقليل، على أن هذه العلوم لم تشغله عن درس العربية، وكان إذا وجد ساعة لترويح النفس أسرع إلى مراجعة أصولها والنظر في آدابها، ولما رأى أن بعض رصفائه من طلبة الفلسفة يرغبون مثله في تخصيص نفوسهم بخدمة الناطقين بالضاد من أهل الجزائر أو نصارى الشرق في بلاد الشام تولى تعليمهم اللغة العربية، ووضع لهم تأليفا إفرنسيا دعاه أصول الغرامطيق العربي
Eléments de la Grammaire arabe
في 240 صفحة ضمنه الصرف والنحو ومبادئ علم العروض، وطبعه على الحجر في دير فلس سنة 1849 وصدره بهذه الآية الكتابية بيانا لما ينويه من تمجيد الله فقط: «كل لسان يعترف لله.»
وفي سنة 1850 أتيح للكاثوليك في فرنسا فتح المدارس للتعليم الثانوي فانتدب الأساقفة اليسوعيون لتهذيب الأحداث في الآداب وترويضهم في العلوم، فلبى اليسوعيون دعوتهم وأنشئوا عدة مدارس تقاطر إليها الطلبة من كل فج، فأرسل الأب يوحنا بلو إلى إفينيون ثم إلى بوردو فدرس البيان وتولى إدارة الدروس فزاد التلامذة بهمته عددا ونجاحا، ودفعته رغبته في تنشيط الأحداث وحسن سمعة المدرسة إلى أن يقدم أمام أكاديمية إكس فحصا رشحه لشهادة البكالوريوس في فنون الآداب القديمة، وأنجز كل ذلك وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره وقبل ترقيته إلى درجة الكهنوت.
وكانت المهام التي قام بها والخدم التي أداها لم تسمح له بدرس اللاهوت فلم يشأ الرؤساء أن يحرموه هذه النعمة مع ما عرفوا من سمو فضائله، فسيم كاهنا سنة 1852 يوم عيد الغطاس بوضع يد السيد فرينند بونه رئيس أساقفة بوردو والخطيب المصقع الشهير، وبقي في شئونه إلى سنة 1854 حيث استطاع الرؤساء أن يخففوا العبء عن عاتقه ويعينوا له خلفا في نظارته، فأرسل إلى رومية لدرس اللاهوت ووافق وصوله إليها في سنة إثبات عقيدة الحبل بمريم العذراء بلا دنس الخطيئة، فحضر تلك الحفلة التي قلما يجري مثلها رونقا وأبهة في أنحاء المعمور وهي أبقت في قلبه ذكرا لم يمحه وطء السنين، وقد حظي أيضا في خلال دروسه بمعاينة بيوس التاسع والتبرك بلثم أقدامه، ثم نال من ألطاف عمال الكرسي الرسولي عدة إنعامات روحية وذخائر ثمينة كان يحافظ عليها إلى آخر حياته بكل حرص وتقى.
ثم تقلب الأب يوحنا بلو بعد نهاية دروسه اللاهوتية في أعمال متعددة وفاها كلها حقها من الاهتمام والكمال نخص منها بالذكر تهذيبه لطلبة الرهبانية في دير «كلرمون». وهذه المهنة تعد في كل الجمعيات الرهبانية من أهم المشروعات وأخطر المراتب؛ لما يترتب على صاحبها من المسئولية لحياة الجمعية وترقيها في سبيل الكمال، ولا بد لمن تعهد إليه أن يكون هو مثالا حيا لكل الفضائل؛ إذ إن عيون المبتدئين شاخصة إليه ينسجون على منواله ويقتدون بأعماله أكثر منهم بأقواله. والحق يقال إن الرؤساء أحسنوا في اختياره لهذا العمل الذي تولاه مدة خمس سنوات بغيرة لا تعرف السأم، وقد سمعنا غير واحد ممن كانوا تحت تدبيره أنه لم يفرض على مرءوسيه فرضا إلا يتقدمهم في إتمامه، حتى إن مبتدئيه كانوا يتنافسون في مجاراته بهذا الميدان الروحي الذي لم يشق له فيه غبار.
وكان يرأس دير «كلرمون» في أيامه أحد مشاهير الآباء اليسوعيين وهو الأب يوسف بارال
Barrelle
الذي خلد في فرنسا ذكرا طيبا بأعماله المبرورة ومساعيه المشكورة، كما تشهد عليه سيرته المسطرة في جلدين ضخمين، فوجد في الأب يوحنا بلو أشد مؤازر لمشروعاته الخيرية فكانت رائحة البر تسطع بهمتهما من ذلك الدير أو بالحري من ذاك المقدس الذي كانت تقصده النفوس المشغوفة بالكمال وممارسة الفضائل المسيحية. ولما توفي الأب بارال برائحة القداسة في 17 تشرين الأول من سنة 1863 خلفه في رئاسته رجل آخر من أسرة فرنسوية شريفة يدعى الأب دي فورستا لم يكن دون الأب بارال فضلا وفضيلة، وهو منشئ المدارس الرسولية التي أدت للرسالات الأجنبية خدما لا تحصى، فكان هذا يعتبر الأب يوحنا بلو كرجل الله ولا يأتي أمرا دون مشورته.
ومن آثاره في تلك المدة تأليف بعض الكتب الروحية التي أقبل عليها القراء فنفدت بزمن قليل، منها كتاب في «الصلاة كسلاح المسيحي» طبع سنة 1864، وكتاب آخر في «مواهب الروح القدس السبع» نشره في كلرمون سنة 1865، وكتاب ثالث في «الدعوة إلى السيرة الرهبانية» طبع في ليون سنة 1869.
وكان صاحب الترجمة مع نشاطه الغريب في فلاحة كرم الرب لا يزال يطلب من الرؤساء أن يرسلوه إلى حيث يمكنه أن يتفانى في سبيل الخير وخلاص القريب في الأقطار النازحة عن وطنه ليكون الله غايته القصوى بعيدا عن كل سلوة بشرية. وكانت رغبته أن يرجع إلى بلاد الجزائر لكن الطاعة أوعزت إليه بأن يركب البحر إلى سورية؛ فطفح قلبه فرحا لهذه البشرى وأبحر إلى بيروت في أول خريف سنة 1866.
رسم «المطبعة الكاثوليكية» التي كان الأب يوحنا بلو متوليا إدارتها وتصحيح مطبوعاتها مدة 36 سنة.
ما كاد المرسل الجديد يطأ أرض بلادنا حتى أفرغ كل همة في إتقان اللغة العربية ليساعد بمعرفتها إخوته في الأعمال الروحية، فقضى سنته الأولى في مدرستنا المنشأة في غزير بصفة أب روحي. وكان مع درسه للعربية يعلم اللاهوت الأدبي ويرشد الطالبين للترهب، وغير ذلك مما يثقل عبؤه على غير واحد، ثم دعاه في العام المقبل رئيس الرسالة إلى بيروت فقدمها ولم يخرج منها إلى آخر حياته، فصرف 36 سنة في أنفع الأعمال لخير البلاد ولمجد الكنيسة، وقد عرفناه طول هذه المدة فيمكننا أن نشهد له - ولا نخاف أن يرد أحد ممن عرفه شهادتنا - بأنه كان مرآة لكل الفضائل الرهبانية ومنشطا لكل المساعي الأثيرة.
وكان مما عهد إليه في أول وصوله بيروت إدارة المطبعة فدخلت بهمته في طور جديد، فإنه هو الذي باشر لأول جريدة كاثوليكية في هذه الديار، وكان ذلك سنة انعقاد المجمع الفاتيكاني، فوسمت به الجريدة لمدافعتها عن تعاليمه وكان إذ ذاك قطعها قطع ربع، وفي السنة التالية ظهر بدلا منها «البشير»، فنهج له الأب بلو خطته الدينية التي لم يحد قط عنها وجعلها منارا تستضيء به كل أبناء الكنائس الشرقية، وقد منحه الله أن يرى هذه حبة الخردل تنمو فتمد أغصانها كالأدواح الباسقة حتى إنها حظيت كل حظوى لدى الكرسي الرسولي وممثلي الطوائف الكاثوليكية الأجلاء.
ولما رأى مكاتب الأحداث في حاجة إلى كتب مدرسية لدرس العربية أخذ في تأليف مجموع ذي خمسة أجزاء رتبه مع الأب أغوسطينوس روده ومساعدة اللغوي الشيخ إبراهيم اليازجي، نعني به كتاب «نخب الملح» الذي طبع بالشكل الكامل في السنة 1870 وتم سنة 1874 فأقبل عليه أرباب المدارس وتكررت طبعاته مرارا عديدة.
ومما سعى به عمل جليل أفاد الكنائس الشرقية أعظم فائدة، نريد تعريب الكتاب المقدس، فإن الأب يوحنا بلو وإن لم يكن من معربيه، لكنه أجدى العمل حسنا بمراجعة كل الملازم الطبعية وإصلاحها ومقابلتها على النسخ الأصلية المعتمد عليها في كنيسة الله مع حرصه على جودة طبعها والإسراع في الشغل، ولما نجز هذا التأليف استفاد منه لتصنيف عدة كتب روحية ومدرسية، فطبع الأناجيل الأربعة وأضاف إليها فهارس لقراءة الفصول اليومية على حسب ترتيب الطقوس الكاثوليكية، ثم جمع سيرة السيد المسيح كما هي في الروايات الإنجيلية ونظمها بحيث جعلها رواية واحدة مسرودة على سياق تاريخ أعمال الرب من ميلاده الأزلي إلى صعوده الجليل إلى السماء، وهو كتاب «القلادة الدرية» جارى فيه دياطسارون طاطيانوس وحذا حذو الأب بتريزي معلمه في الكلية الرومانية، وزين الكتاب بخارطة أورشليم كما كانت في عهد المسيح، وكذلك اقتطف لأحداث المدارس أجمل روايات الأسفار المقدسة في ثلاثة أجزاء وسمها باسم «الغصن النضير» وقد طبعت طبعات متوالية.
وكان في أثناء ذلك يسعى بمطبوعات أخرى دينية أعظمها شأنا ككتاب «مروج الأخيار في تراجم الأبرار» كان الأب بطرس فروماج عربه قديما، فعني الأب يوحنا بلو بمراجعة عربيته مع الشيخ الفاضل سعيد الشرتوني، وزاد عليه تراجم أولياء الله الذين أدرجت الكنيسة أسماءهم حديثا في مدارج القديسين، فطبعه أولا سنة 1878 ومنه اجتنى بعدئذ «قطف الأزهار في مروج الأخيار» جعلها كراريس منفردة ليطالعها أحداث المدارس وزينها بالتصاوير وأتقن تجليدها، ومما عني به أيضا في ذلك الوقت تنقيح «شرح التعليم المسيحي» الذي عربه الأب فروماج.
وللأب بلو كتب أخرى دينية ألفها أو نقحها كرياضات القديس أغناطيوس مع شروح الأب جانسو وتساعيات لإكرام القديسين يوسف وأغناطيوس وكسفاريوس وكتاب «قلائد الياقوت في واجبات الكهنوت» ترجمة الأب فروماج، هذا فضلا على تآليف أخرى عديدة كان هو الساعي في طبعها ومراجعة ملازمها «كالكمال المسيحي» للأب رودريكوس و«مدخل العبادة» للقديس فرنسيس دي سال و«العهد العتيق والجديد» للخوري رويومند وغير ذلك.
ومع وفرة هذه المطبوعات قد استحق الأب بلو شكرا خاصا لدى المستشرقين الأوروبيين بما وضع لهم من التآليف لدرس اللغة العربية وتقريب معضلاتها، وقد عرفوا له فضله وأثنوا مرارا على مصنفاته الجليلة، فمن ذلك معاجمه الثلاثة أعني «الفرائد الدرية في اللغتين العربية والإفرنسية» وقاموسه المطول الفرنسوي والعربي في جزأين مع مختصره، وهذه الكتب لجل فوائدها وحسن تنظيمها صارت من جملة الكتب المدرسية في أغلب الكليات الأوروبية، ولم يزل مؤلفها ينظر فيها وينقحها ويزيد عليها إلى آخر أيام حياته، ومنها أيضا غرامطيقة الفرنسوي في مبادئ اللغة العربية طبعه طبعتين وألحقه بتمارين وجداول، وكذلك اهتم سنين عديدة بطبع «تقويم البشير» وضبط حساباته.
هذه بعض أعمال ذلك الراهب الهمام الذي صح فيه قول أحد الكتبة عن رجل مثله «إنه كان مصلوبا بقلمه.» تراه أبدا في كتابة أو تأليف، قلنا إن هذه بعض من أعماله؛ لأن الأب بلو بصفة كونه مديرا للمطبعة كان ينظر في كل المطبوعات ويصلح ملازمها مرة ومرتين، وهو شغل ممل لا يعرف ثقل وطأته إلا من باشره، وقد لزم هذا العمل مدة نيف وثلاثين سنة دون سأم ولا استثقال؛ ولذلك كان العملة كلهم يعتبرونه كأحد أولياء الله ولا يذكرونه إلا بالخير.
والحق يقال إن فضائل الأب بلو كانت أعظم من فضله لا نذكر منها إلا شيئا قليلا ليتحقق القراء أن كلامنا ليس تقريظا فارغا بل هو عين الحق. وأول ما يجدر بنا ذكره أنه لم يطلب من أشغاله كلها غير وجه الله، فإذا مدح كاتب أحد تآليفه لم يكترث لمدحه وإن انتقد عليه منتقد شكره وأقر بسهوه إذا وجد نقده صحيحا، وكثيرا ما كان يستشير إخوته الرهبان منقادا لحكمهم بسذاجة الطفل شاكرا لفضلهم، وكان على عكس ذلك إذا أدى لأحد خدمة لا يحفل بما صنع ويأبى ذكر عمله مهما كان عظيما. هذا ونضرب عن ذكر أعمال أخرى كثيرة لو أوردناها لأخذ قراءنا العجب من برارة صاحبها، وقد بلغ شيخوخة، ومع ما كان يكابد قبل وفاته بأشهر من ثقل العمر وأسقامه كنا نراه مثابرا على الشغل مجتهدا في إصلاح ملازم المطبعة جهد إمكانه. وفي 14 آب 1904 انطفأ سراج حياته برائحة القداسة بين أسف الجميع على خسارته.
لويس شيخو
الشيخ إبراهيم اليازجي
منشئ مجلة «البيان» ومجلة «الضياء» في القاهرة ومحرر مجلتي «النجاح» و«الطبيب» في بيروت. رسمه في سنة 1872 باللباس الوطني القديم والطربوش المغربي.
ومصور بالشمس وهو نظيرها
أهدته صورتها برسم مثاله
ولو أن شمسا صورت بضيائها
ما صوروه بغير نور جماله ***
هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط بن سعد اليازجي، ولد في 2 آذار سنة 1847 في بيروت وبها نشأ، ومنذ حداثته أخذ العلوم عن أبيه فأحكم أصول اللغة العربية وتعلق على آدابها، ونظم الشعر صبيا ثم انصرف عنه في كهولته، وله فيه القصائد النفيسة والمقطعات البليغة وهي مجموعة في ديوان كبير مخطوط بيده لم يزل غير مطبوع، ولما علت منزلته في هذا الفن كثر تقاضي الناس له النظم في الأغراض المختلفة من مدح ورثاء وتهنئة وغير ذلك، وتواردت عليه رسائل الشعراء حتى وجد أن استمرار تلك الحال سيفضي به إلى الانقطاع للشعر وإهمال ما سواه، فترك النظم بتة وعكف على الاشتغال باللغة وسائر فنون الأدب والعلوم العقلية، وقرأ مبادئ الفقه الحنفي على الشيخ محيي الدين اليافي من مشاهير أئمة بيروت. وفي سنة 1872؛ أي بعد وفاة والده الشيخ بنحو سنة تولى كتابة مجلة «النجاح» فلبث على تحريرها أشهرا، ثم انتدبه المرسلون اليسوعيون في بيروت للاشتغال في تعريب الأسفار المقدسة، فقضى في هذا العمل مع تصحيح كتب أخرى لهم نحوا من تسع سنوات تولى أمر التعريب فيها مع أحد أكابر علمائهم، ودرس اللسان العبري واللسان السرياني بنفسه تلقيا عن الكتب الإفرنجية لتطبيق عبارة التعريب على الأصل، وهذه النسخة مشهورة بفصاحة العبارة وجزالة الأساليب. وفي سنة 1884 تولى كتابة مجلة «الطبيب» بمعاونة الدكتور بشارة زلزل والدكتور خليل سعادة، وهي المجلة التي كان أنشأها الجراح الشهير الدكتور جورج بوست الأميركي، فأصدر منها مجلدا واحدا ثم توقف عن إصدارها لما رأى من قلة طلاب البضاعة العلمية لذلك العهد. وكان في سنة 1882 قد شرع في تتميم شرح ديوان المتنبي وكان والده الشيخ ناصيف قد علق على بعض أبياته شرحا موجزا، فعكف على إتمامه باقتراح جماعة من أفاضل الأدباء حتى أتمه في مدة أربع سنوات، والشرح مشهور متداول فلا حاجة إلى الإطناب في وصفه.
أما تآليفه في اللغة وعلم البيان والصرف والنحو والشعر فكلها متداولة بين الأيدي مشهورة، وقد أعاد النظر في أكثر كتب والده الشيخ ناصيف واختصر كتابيه في علم النحو والصرف وهما «نار القرى في جوف الفرا» و«الجمانة في شرح الخزانة»، وجدد طبع «مجمع البحرين» و«النبذة الأولى» و«نفحة الريحان» و«ثالث القمرين» وهي الثلاثة الأجزاء المشهورة من ديوان والده و«مفاكهة الندماء» و«الجوهر الفرد» إلخ.
وقد شرع سنة 1904 بطبع كتاب «نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد» نسق فيه ما جمعه من ألفاظ اللغة وتراكيبها ورتبه على المعاني دون الألفاظ، وهو كتاب يقع في ثلاثة أجزاء كبيرة، فأصدر الجزء الأول منه ثم غل المرض يده وأقعده عن السعي في إنجاز الجزأين الباقيين.
وكان قد اقترح عليه بعضهم منذ عهد بعيد أن يضع معجما في اللغة العربية يكون متفردا على ما تقدمه، فلم يجد بدا من إجابة ملتمسهم وأخذ في وضعه من ذلك العهد، فجاء آية في بابه فريدا في أسلوبه وطريقته؛ إذ جعله يشتمل على المأنوس من كلام العرب الأولين وعما طرأ من موضوعات المولدين والمحدثين مقتصرا على الفصيح دون المولد والمحدث في الاصطلاح، وقد وضعه على نسق غير متابع فيه أحدا ولا مقلد أحدا وسماه «الفرائد الحسان من قلائد اللسان» فلم تفسح الأيام في أجله لإتمامه وحرمت المتأدبين من الانتفاع بهذا الأثر الجليل، فعسى أن يندب له من يجمع شتاته ويمثله للطبع ضنا بفوائده الكثيرة الجديرة بالإحياء واستدرارا للرحمة على واضعه، جزاه الله على ما عانى فيه خير الجزاء.
وخلا ما ذكر من تبحره في العربية وفنونها فإنه من العارفين بالفرنسوية والإنكليزية، وله عدا ذلك مشاركات في العلوم الرياضية والطبيعية ولا سيما علم الهيئة، وله فيه مباحث دقيقة اشتهر فيها بين أرباب هذا العلم في أوروبا وأميركا، وقد انتدبته كل من الجمعية الفلكية في باريز والجمعية الفلكية الجوية في السلفادور أن ينتظم في عضويتها.
أما الكتب التي تولى تصحيحها وتهذيب عبارتها فكثيرة: منها الكتاب المشهور في «تاريخ بابل وآشور» تأليف جميل مدور، فإنه بيضه بقلمه وأفرغه في قالب لفظه وأسلوبه فجاء من أبلغ ما كتب في هذا العصر وأفصحه عبارة، ومنها الكتاب الذي جمعه المرحوم شاكر البتلوني أشار له فيه إلى ما ينبغي جمعه من أقوال علماء الإنشاء والترسل وتولى ضبطه وأضاف إليه شيئا من وضعه ورسائله، ومنها كتاب «نفحات الأزهار في منتخبات الأشعار» من جمع المشار إليه أيضا، ومنها كتاب «عقود الدرر في شرح شواهد المختصر» للمعلم شاهين عطية وضعه في شرح الشواهد الشعرية الواردة في مختصر كتاب «نار القرى» في علم النحو، وله علية تذييل لطيف في تحقيق رواية بعض الأبيات ومعاني بعضها، وساعد الأبوين اليسوعيين يوحنا بلو وأوغسطينوس روده في جمع كتاب «نخب الملح» وترتيبه في خمسة أجزاء، وتكررت طبعات هذا الكتاب مرارا عديدة، وطبع خطابا عنوانه «أدب الدارس في المدارس» ألقاه في الاحتفال السنوي للمدرسة البطريركية، ومنها غير ذلك مما لا نطيل باستقصائه، وله مقالات كثيرة في انتقادات لغوية نشرها على صفحات «الطبيب» و«البيان» و«الضياء» وهي: (1) «اللغة والعصر»، (2) «لغة الجرائد» فقد انتقد بها ما هو شائع في الصحف السيارة من الغلط اللغوي. (3) مقالة في «التعريب» بين بها شروط التعريب وتاريخ ذلك من صدر الإسلام. (4) أغلاط العرب القدماء. (5) اللغة العامية واللغة الفصحى. (6) أصل اللغات السامية. (7) «نقد لسان العرب» وهو بحث طويل انتقد به الطبعة المتداولة من معجم لسان العرب. (8) «أغلاط المولدين» بين فيها ما وقع للمولدين من الغلط اللغوي في صدر الإسلام إلى الآن، وفي جملة ذلك ما وقع للمرحوم والده، ثم ذكر ما وقع هو نفسه فيه من الخطأ في بعض المواضع. (9) مقالة في «المجاز». (10) مقالة في «النبر» وهما في اللفظ العربي. (11) «تكون العالم الشمسي» وغيرها. وقد قضى أكثر أيامه الماضية في بيروت ولبنان وهو عاكف على الاشتغال والتدريس لا يلوي على غير ذلك، وكان أكثر إلقائه في المدرسة البطريركية، وقد تخرج عليه كثيرون من رجال العصر في العلوم الأدبية لا سيما الصحافة والشعر، ونال على ذلك «الوسام العثماني» من لدن الحضرة العلية السلطانية، ونال «نوط العلوم والفنون» من جلالة أوسكار الثاني ملك أسوج، وقد أهدى إلى المجمع اللغوي الذي عقد تحت رعاية جلالته طائفة من كتبه وله في الملك أوسكار قصيدة غراء.
وفي سنة 1894 سافر إلى البلاد الأوروبية وساح فيها مدة، ثم انقلب إلى القطر المصري فأصدر في القاهرة مجلة «البيان» سنة 1897 بالاشتراك مع الدكتور بشارة زلزل، فصدر منها مجلد واحد ثم حالت عوائق دون متابعة إصدارها، فأنشأ بعدها سنة 1898 مجلة «الضياء» المشهورة تابع فيها العمل على وجهه من انتقاء المباحث العلمية والعملية وإثبات الحقائق العقلية والنقلية بحيث كان يجد فيها كل وارد مشرعا وكل رائد منجعا، وقد أصدر منها ثمانية مجلدات مشحونة بالفوائد اللغوية والأدبية وفصول الاكتشافات والاختراعات العصرية إلى غير ذلك من كل ما فيه فائدة للبيب أو فكاهة للأديب، وكان صدور العدد الأخير من المجلد الثامن في شهر تموز 1906 عندما اشتدت عليه وطأة المرض العصبي (روماتزم) الذي أودى بحياته في 28 كانون الأول لتلك السنة بالغا الستين من عمره ولم يتزوج، وهو آخر غصن من الدوحة اليازجية إلا الشيخ حبيب ابن أخيه الشيخ خليل، فجرى لمشهده في اليوم الثاني احتفال كبير ونقلت جثته بقطر خاص من منزله في المطرية إلى القاهرة فمشى في جنازته عدد كبير من العلماء والوجهاء والأدباء وكبراء العاصمة، وعقدت الحفلات لتأبينه في القاهرة والإسكندرية وأكثر أنحاء سوريا، وعولت عائلته وأصدقاؤه على نقل جثته إلى بيروت لتدفن في ضريح الأسرة اليازجية، وقد أرسل الخديو عباس الثاني بواسطة سر تشريفاتي سموه كتاب تعزية إلى الشيخ حبيب اليازجي وهذا نصه:
جناب الفاضل الشيخ حبيب اليازجي
لما علم الجناب الخديوي العالي بعظيم رزء اللغة العربية وآدابها لانتقال العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية أظهر مزيد أسفه على انقضاء تلك الحياة الطيبة الحافلة بجلائل الخدم للعلوم العربية في القطرين مصر والشام، وأمرني سموه الفخيم أن أبلغ جنابكم وسائر أعضاء الأسرة اليازجية تعزيته السامية، وإني أشترك مع قراء العربية في تقديم واجب التعزية إلى حضراتكم.
سر تشريفاتي الخديو
أحمد زكي
وقد أجاد المؤرخ المدقق جرجي بك زيدان منشئ مجلة «الهلال» المصرية في وصف أخلاق صاحب الترجمة ومواهبه وإنشائه وقرائحه وشعره وأعماله وآثاره فاقتطفنا منها ما يأتي:
أخلاقه وصفاته
كان ربع القامة، نحيف البنية، عصبي المزاج، حاد البصر، ذكي الفؤاد، سريع الخاطر، حاضر الذهن، لطيف المحاضرة، حلو المفاكهة، لا يمل مجلسه، يطرب للنكتة الأدبية ويضحك لها، وكان مع ذلك شديد الحرص على كرامته، لا يحتمل مسها في جد أو هزل تلميحا ولا تصريحا، وكان سريع الانتباه لما يتخلل أحاديث المجالس من الإشارات الأدبية، وكان متعففا بطعامه وشرابه ولولا ذلك ما صبر على معاناة صناعة القلم بضعة وأربعين عاما مع نحافة بنيته. وقضى أعوامه الأخيرة يقتصر في عشائه على كأس من اللبن خوف التثقيل على معدته، وإنما العمدة في الغذاء على أكلة الغداء، ولم يكن نهما، وأما في الصباح فيتناول طعاما خفيفا ويعكف على العمل، فإذا تغدى الظهر شرب قهوته ودخن شيشته ونام، ثم ينهض ويقضي بقية النهار في الراحة أو في عمل لا يتعبه، ويخرج لترويح النفس في بعض الأندية يلاعب بعض معارفه بالنرد على سبيل التسلية أو يقضي ذلك الوقت بالمباسطة والمفاكهة، فإذا آن العشاء عاد إلى منزله فيتناول اللبن ويستأنف العمل. وكان مولعا بتدخين الشيشة في أثناء الكتابة كما كان والده مولعا بالقهوة وتدخين التبغ في ذلك الحين.
وكان عفيف النفس كثير الإباء ظاهر الأنفة إلى حد الترفع ولا سيما فيما يتعلق بالارتزاق، يعد مجاملة الناس في سبيل الكسب تملقا، وكلما قل ماله زادت أنفته وعظم إباؤه، وكثيرا ما أراد أصدقاؤه إقناعه أن سنة الارتزاق تقضي بمجاملة الناس والتقرب من كبارهم بالحسنى، فربما أطاع ناصحه برهة ثم يعرض له خاطر فيعود إلى الإباء، ولولا ذلك لعاش في سعة وراحة ولكن القناعة كانت من أكبر أسباب سعادته.
على أنه كان يشتغل بالقلم التماسا لتلك اللذة التي كثيرا ما أغوت أصحاب القرائح واستنزفت قواهم فعاشوا فقراء وماتوا أعلاء، ولو أراد الشيخ مجرد الارتزاق لكان له مما فطر عليه من دقة الصناعة اليدوية خير سبيل، بل لم يكن يعدم منصبا في بعض مصالح الحكومة، وقد ندب أن يكون قائمقام على مدينة زحلة من لبنان سنة 1882 فلم يقبل.
ومن إبائه وكرم أخلاقه أنه كان صادقا في معاملته على اختلاف وجوهها لا يحلف ولا يخلف، وكان أمينا فيما ينقله أو يقتبسه من الآراء أو الأقوال، ينسب الفضل إلى صاحبه، وكان عكس ذلك فيما يفعله هو مع الآخرين من تصحيح مقالة أو تنقيح عبارة؛ فإنه كان شديد الإنكار لذلك، ولكن ديباجته كانت تنم عليه لظهور أسلوبه من خلال السطور. وكان برا بأبيه وقد خدم اسمه وزاد في شهرته بما أتمه من آثاره أو شرحه من كتبه، فأنفق في سبيل ذلك جانبا كبيرا من وقته، وأتم شرح المتنبي أو هو شرحه كله فنسب الشرح إلى والده واستبقى لنفسه فضل التتميم.
قرائحه ومواهبه
أظهر قرائحه الإتقان الفني فإنه كان متأنقا في إتقان ما يتعاطاه من صناعة أو أدب أو شعر سواء اصطنعه بيده أو أنشأه بقلمه أو نظمه بقريحته بما يعبر عنه الإفرنج بقولهم
Artist
فكنت ترى التأنق والإتقان ظاهرين في كل عمل يعمله حتى في لباسه وجلوسه ومشيه وكلامه وطعامه، وكل ذلك فرع من تأنقه في الصناعة اليدوية فكان حفارا ماهرا ومصورا متقنا، ظهر ميله إلى ذلك منذ حداثته. حدثنا صديقنا المستر إدوار فانديك نجل أستاذنا الدكتور فانديك أنه عرف الشيخ الفقيد منذ نيف وأربعين سنة؛ إذ كان يتردد على مطبعة الأمريكان في بيروت وإدارتها يومئذ بيد الدكتور فانديك، وكانت للشيخ ناصيف علاقة حسنة بالأمريكان من التعليم بمدارسهم والتصحيح في مطبعتهم، قال صديقنا المشار إليه إنه كان يلاحظ في الشيخ إبراهيم من ذلك الحين ميلا خصوصيا لصناعة الحفر، وكثيرا ما كان يحفر الأختام على سبيل الغية، ثم حفر الصور والنقوش، وخطر له يوما أن يصنع روزنامة عربية تعلق على الحائط من قبيل الروزنامات الشائعة ولم تكن معروفة يومئذ بالعربية، فاستأذن الدكتور فانديك في استخدام بعض أدوات المطبعة لحفر الأحرف والأشكال اللازمة لهذا العمل، فأمر رئيس العمال في ذلك العهد موسى عطا ألا يمنعه شيئا يحتاج إليه في هذا السبيل، فتأنق الشيخ في رسم حروف الروزنامة وأرقامها حتى أتمها على أجمل ما يكون، وهي أول روزنامة عربية من هذا النوع.
على أن تأنقه ظهر في خط يده فكان جميل الخط من حداثته وظل خطه جميلا إلى آخر أيامه وقاعدته فارسية، والذين يقرءون رسالة بخطه لا يكون إعجابهم بجمال ذلك الخط أقل من إعجابهم ببلاغة أسلوبه، ومن هذا القبيل تأنقه في التصوير باليد حتى صور نفسه عن المرآة صورة ناطقة رأيناها معلقة في منزله. وأهم ما نجم من ثمار هذه القريحة اصطناع الحروف الحديثة التي سنذكرها في جملة آثاره.
إنشاؤه
ومن قرائحه اقتداره الغريب على الإنشاء المرسل مع سلامة ذوقه في انتقاء الألفاظ. وأسلوب عبارته جمع بين المتانة والبلاغة والسهولة يشبه أسلوب ابن المقفع شبها إجماليا، ولكنه من أكثر وجوهه خاص بالشيخ، على أن إنشاء ابن المقفع لم يصل إلينا كما كتبه صاحبه، ولكنه جاءنا بعد أن هذبته أقلام المنشئين ونقحته قرائح اللغويين زهاء اثني عشر قرنا، أما الشيخ فلم يمس عبارته سواه، ناهيك بما يعترض الكاتب اليوم من المعاني الجديدة التي لم يعرفها القدماء وليس في المعجمات لفظ يدل عليها مما يقف عثرة في طريق المنشئين.
أما فقيدنا اليازجي فكان يتخطى هذه العقبات على أهون سبيل فجاءت عبارته خالية من غريب اللفظ ووحشي التركيب، وقد يأتي باللفظ الغريب فيضعه موضعا يجعله مألوفا فلا يمجه السمع ولا ينكره الفهم، فكان أسلوبه بليغا بلا تقعر أو تعقيد، سهلا بلا ضعف أو ركاكة، متسلسلا متناسبا متناسقا يطابق ما قدمناه من توخيه التأنق والإتقان في كل شيء. ورغبته في الإتقان حملته على التأني في نشر ما يكتبه، فكان لا يرسل المقالة إلى المطبعة إلا بعد تنقيحها وتهذيبها ثم يكتبها بحرف واضح جلي كأنه سلاسل الذهب حذرا من الوقوع في الخطأ، فآل ذلك إلى إبطائه في إخراج بنات أفكاره وقلل مقدار ما كان يرجى الحصول عليه من ثمار علمه ودرسه.
ومما حمله على المبالغة في التأني أنه كان شديد الوطأة في انتقاد ما يعرض له من الغلط اللغوي فيما يقرؤه من الصحف أو الكتب؛ وذلك طبيعي فيمن يخصص بحثه في فرع من فروع العلم يستقصيه ويدرس دقائقه فيكثر ما يقع عليه نظره من الغلط فيما يكتبه سواه في ذلك الفرع، فلا يصبر على السكوت عنه ولا سيما إذا كان عصبي المزاج مطبوعا على التأنق والإتقان مثل فقيدنا، فالانحراف عن الصواب كان يؤلمه ولا يشفي ألمه غير النقد، ويمتاز نقده بشدة اللهجة وبما يتخلله من قوارص الكلم لا يراعي في ذلك صداقة ولا عهدا، وسبب تلك الشدة على الغالب غيرته على اللغة وإخلاصه في خدمتها، فلما كتب «أغلاط المولدين» لم يستثن والده ولا نفسه؛ لأنه كان يرى الغلط اللغوي أو النحوي من أكبر السيئات، ويرى السلامة منهما من أكبر الحسنات؛ ولذلك كان يثني على شعر ابن الفارض، ويعجب بشعر المتنبي على الخصوص لقلة ذلك الغلط فيهما، وربما احتقر شعر شاعر مطبوع أو مقالة عالم كبير إذا رأى فيها غلطا لغويا أو نحويا، فكان يبالغ في تنقيح ما يكتبه ويتأنق في إتقانه خوفا من الانتقاد، ولعله تنبه لذلك على الخصوص منذ أخذ في الدفاع عن والده لما انتقده الشيخ أحمد فارس وشدد النكير عليه. وكان الشيخ إبراهيم في إبان شبابه فأجاد في الدفاع وتعود الحذر من الخطأ بالمراجعة والتنقيح من ذلك الحين. فاعتبر مع سعة علمه بمفردات اللغة وجزالة أسلوبه كم تكون لغته صحيحة وعبارته بليغة فصيحة حتى أصبح استعماله حجة وإنشاؤه قاعدة، فلا عجب إذ دعوناه حجة اللغة وإمام الإنشاء، وأكثر ما يكتبه مرسل سهل، وإذا سجع فلا تجد في تسجيعه تكلفا.
شعره
وقد رأيت أنه نظم الشعر في شبابه وقعد عنه في كهولته، على أن شاعريته ظاهرة فيما ظهر من شعره، وبين منظوماته ما جرى على ألسنة القوم مجرى الأمثال مع رغبته في كتمانه؛ إذ جمعه في كتاب بخط يده وضن على الناس بنشره وهو لا يزال باقيا كما تركه، ومن أشهر شعره قصيدته السينية التي مطلعها:
دع مجلس الغيد الأوانس
وهوى لواحظها النواعس
وأختها التي تلاها في «الجمعية العلمية السورية» ومطلعها:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
والقصيدتان مهيجتان اقتضتهما بعض الأحوال السياسية في سوريا من التحريض على النهوض، ولعل الفقيد حمل على نظمهما بإشارة جماعة أو أمر رجل كبير فجاء نظمهما بليغا، ومن قوله في النسيب والغزل:
ما مر ذكرك خاطرا في خاطري
إلا استباح الشوق هتك سرائري
وتصببت وجدا عليك نواظر
باتت بليل من جفائك ساهر
ومن قوله في الحكم أيضا:
وإنما نحن في دار إذا اعتبرت
ليست سوى مأتم ناحت به البشر
في كل يوم أناس فوقها فجعوا
على أناس طوتهم تحتها الحفر
بئس الحياة التي ما زال واردها
يمازج الورد في كاساته الصدر
حالان إحداهما مملوءة حذرا
مما يليها وأخرى فاتها الحذر
ومما جرى مجرى الأمثال ويصح أن يكتب بماء الذهب بيتان قالهما في معرض رد على أحمد فارس الشدياق لما انتقد كتب والده وشدد الطعن عليه فقال الشيخ إبراهيم:
ليس الوقيعة من شأني فإن عرضت
أعرضت عنها بوجه بالحياء ندي
إني أضن بعرض أن يلم به
غيري فهل أتولى خرقه بيدي
ومن نكاته الشعرية:
تعجب قوم من تأخر حالنا
ولا عجب في حالنا أن تأخرا
فمذ أصبحت أذنابنا وهي أرؤس
غدونا بحكم الطبع نمشي إلى الورا
وكانت له قريحة في الرياضيات واطلاع واسع في علم الفلك اتصلت بسببه مخابرات بينه وبين بعض كبار الفلكيين الفرنساويين، واشتغل في حل المشكلة الرياضية المشهورة وهي قسمة الدائرة إلى سبعة أقسام، وتوصل قبل وفاته ببضع سنين إلى حل يقرب من الصواب كثيرا بعث به إلى أكاديمية العلم في باريس ولا نعلم ما صار إليه أمره، وكان عارفا اللغة الفرنساوية وله إلمام بالعبرية والسريانية ومشاركة حسنة في العلوم الطبيعية.
أعماله وآثاره
نظرا لما قدمناه من طبعه في التأنق والإتقان وتوخيه التأني والتدقيق فقد جاءت ثمار قرائحه أقل مقدارا مما كان يرجى من مثله كما قدمنا، فضلا عن انصراف ذهنه في شبابه إلى الاشتغال بالحفر والرسم، على أنه خدم اللغة العربية من هذا الطريق خدمة ذات بال باصطناع حروف الطباعة العربية في بيروت، وذلك أن الطباعة بالحروف الإفرنجية لم تكد تظهر في أوروبا بأواسط القرن الخامس عشر حتى اهتم أصحابها هناك باصطناع الحروف العربية؛ فاصطنعوا حروفا طبعوا بها كتبا بالبندقية ورومية وباريس ولندرا وأكسفورد وغيرها، ولكل منها تقريبا شكل خاص وإن تشابهت على الإجمال، ثم ظهرت الطباعة العربية في الآستانة وحرفها يعرف بالحرف الإسلامبولي، وفي أوائل القرن الثامن عشر ظهرت الطباعة في سوريا نقلا عن حروف رومية، ثم جاء المرسلون الأميركان إلى سوريا في أوائل القرن الماضي ولهم مطبعة عربية في مالطة أسسوها سنة 1822 وحروفها من حروف مطابع لندن، وطبعوا بها كتبا بعناية المرحوم الشيخ أحمد فارس، ثم نقلوها إلى بيروت سنة 1834 وبعد انتقالها بأربع سنين اهتم مديرها يومئذ عالي سميث باصطناع حروف جديدة، فاستخدم أحد كتبة الآستانة فكتب له حروفا جميلة سبكها في لايبسك وهي الحروف الأميركانية المشهورة.
ولكن القاعدة الأميركانية على جمالها ورونقها كانت كثيرة النفقة في اصطناعها لكثرة أشكالها، والقاعدة الإسلامبولية تفضلها من هذا القبيل لكنها تقل عنها من جهات أخرى، فعني الشيخ صاحب الترجمة سنة 1886 بصنع قاعدة جديدة يجمع بها حسنات الحرفين، وهي القاعدة المعروفة بحرف «سركيس»؛ لأنها تسبك في مسبك خليل أفندي سركيس صاحب لسان الحال في بيروت، وهي القاعدة الشائعة الآن في أكثر المطابع العربية في سوريا ومصر وأميركا، واصطناع هذه الحروف يحتاج إلى دقة ومهارة لا يعرف مقدارهما إلا من يعاني هذه الصناعة؛ لأن الحرف لا يتمثل للطبع إلا بعد أن يحفر على قضيب من الفولاذ حفرا دقيقا ويقال له باصطلاح الطباعة «الأب»، ثم يضرب على النحاس ضربا حتى يطبع غائرا في النحاس ويسمونه حينئذ «الأم» وعلى هذه الأم يصبون الرصاص فيخرج الحرف المعروف في المطابع، فالشيخ كان يصطنع الأب من الفولاذ ويضربه على الأم النحاسية واصطنع هذا الحرف عدة أقيسة، ولما جاء القاهرة صنع حرفا على قياس متوسط بين الحروف الكبرى والصغرى يعرف بحرف «بنط 20»، وقد اتخذته مسابك القاهرة واصطنعوا له قوالب وشاع استعماله في مطابعها.
وأدخل في الطباعة العربية بعد قدومه مصر صورا للحركات الإفرنجية يحتاج إليها المعربون في التعبير عن الحركات الخاصة بها التي لا مقابل لها في العربية، ولما أرادت الحكومة المصرية صنع حروف مطبعة بولاق سنة 1903 على قاعدة مختصرة مفيدة كانت الأبصار متجهة إلى الشيخ؛ لأنه أقدر من يستطيع ذلك بالدقة والرونق، ولو فوضت إليه هذا العمل لأحسنت صنعا واستثمرت قريحته ثمرا نافعا للغة العربية على الإجمال. ومن آثار عمله أنه انتقى ألفاظا اصطلاحية لما حدث من المعاني العلمية بنقل العلوم الحديثة إلى اللغة العربية بما عرف به من سلامة الذوق في اختيار الألفاظ، وقد أوردنا أمثلة على ذلك لما روينا أخبار مجلة «الطبيب» التي كانت في عهدته. ونختم هذه الترجمة بالقصيدة النفيسة التي نظمها الأستاذ الكبير إبراهيم الحوراني في رثاء الشيخ إبراهيم اليازجي وهي:
أضحى ألبسي حللك الدياجي واخلعي
حلل الشعاع على كواكب مدمعي
لا تلمعي ودعي الشروق لأنه
غربت أشعة ذي الضياء الألمع
نعت النعاة ولم أثق إذ لم يزل
في ناظري وحديثه في مسمعي
كيف التفت أراه مبتسما على
عهدي به فكأنما يحيا معي
صور بها أنسى البلية لحظة
تمحى فيتلوها أشد تفجع
يا ليت أخيلة السلو حقيقة
فأبشر الدنيا بمحيا من نعي
نفذ القضاء فما الخيال بدافع
جاءت جهينة باليقين الموجع
سجت بإبراهيم سابحة النوى
في اللج من عبرات كل مشيع
لم يبق بعد اليازجي لرائد
من نجعة غير السرى في البلقع
عقد اللسان عن البيان وعقده
نثرت فرائده الحسان كأدمعي
لك يا أبا البلغاء معجز منطق
في طرس ما كتبت يمين المبدع
لك يا بن ناصيف بن عبد الله في
نسب العلا آي الدليل المقنع
أشقيق «وردة» شامنا ذكر اسمكم
ورد «حديقته» بواد ممرع
أأخا «الخليل» «العين» سال عبابها
فتولد «القاموس» من ذا المنبع
لم أبككم لكن بكيت بكم على
قلب بسيف بعادكم متقطع
ولهان ودعت الحياة وطيبها
أسفا على من سار غير مودع
جهد البلاء قضى بذا ورضيته
يرضي الوجيع من المصاب الأوجع
يا نفس يوم الجمع يوم الملتقى
بالصحب بعد تفرق المتجمع
لم تفن تلك الذات لكن غيرت
صور المركب من فتات اليرمع
دفنوا حجاب النفس في جوف الثرى
والنفس حلت بالمحل الأرفع
وأولو البلاغة والنهى دفنوه في
جدث تحيط به حنايا الأضلع
يا ذا اليقين غدا أراك فما بنى
أهل الشكوك على سوى المتزعزع
قالوا الممات من الحياة وما دروا
أن الحياة من الممات المفجع
ماذا تخيل شاعر بل حكمة
نزلت على روع الحكيم الأروع
فالحب ينبت بعد ما يبلى أما
للحي بعد ذهابه من مرجع
غربت لتطلع شمس طلعتكم ألا
إن الغروب السير نحو المطلع
ما ميتة الإنسان إلا رقدة
فقيامة الموتى انتباه الهجع
ومعادنا كالحتف يحدث مرة
ما للتناسخ عندنا من موضع
إن الخلود حقيقة أزلية
نفي النفاة لها هباءة زعزع
لم ينفها العلم الحديث وأثبتت
في مجمع العلم القديم المجمع
أذوي الحجا دون الحقائق برقع
والكل يجهل ما وراء البرقع
لو أسفرت هان الردى وبدا لنا
حزن الضريح الصعب سهل المضجع
وعلام لا نهوى شعوب وحبها
لأولي الأسى طبع بغير تصنع
يوم الولادة للمنية مشرع
والعمر مدة ورد ذاك المشرع
يأتي الوليد إلى بسيطة باكيا
فكأنه قد ود لو لم يوضع
وكأنه ميت بلا كفن وقد
خيطت له كفنا ثياب الرضع
قل يا خبير لمن يريد سعادة
في الأرض تطلب مستحيلا فاربع
كم من عزيز ذي غنى وكرامة
حسد الصريع على سريع المصرع
لله سر في البرية ما طوى
من نهجه الحكماء عرض الإصبع
لو شمت لمحة بارق من كنهه
لكشفت أسرار الجهات الأربع
إني جهلت فكان غيث مدامعي
جودا وما في الجو غير اليلمع
يا ساكن الرمس الذي أقصيته
ودنا بطيب نشره المتضوع
أعطيت مصر النفس غير مطالب
فتمسكت بنزيلها المتبرع
شربت هوى النيلين مصر فغيبت
أصفاهما في قلبها المتصدع
يا مصر أبكار العلوم استودعت
أنقى صعيدك أنفس المستودع
فسقاه قطر الشام قطر نجيعه
من مقلتيه وقال يا أرض ابلعي
ودجاه قال لأعين ترعى السها
أسماء طوفان الأسى لا تقلعي
نظم الرثاء فيا مطوقة اسجعي
وسلاف أحزاني اجرعيه ورجعي
أمسيت بعد ضيائه أحيي الدجى
بين الغوارب والنجوم الطلع
وشغلت أسحاري بسمع حمائم
تبكي هديلا غائبا لم يرجع
وعلى غريب الدار نحت فأرخوا
ناح الأسيف على غريب المربع
سنة 1906 ميلادية
وهجرت شدوي والسرور ختمته
بغموم تاريخي وفاة اللوذع
سنة 1324 هجرية
السيد عبد القادر قباني
مؤسس جريدة «ثمرات الفنون» وصاحب امتيازها.
رسمه بالملابس الرسمية. ***
يتصل نسب السيد عبد القادر ابن السيد مصطفى ابن السيد عبد الغني قباني بالإمام زين العابدين من أحفاد الإمام الحسين كما ورد ذلك في كتاب «بحر الأنساب»، وأصل عائلته من الحجاز ثم انتقلت إلى جهات العراق فأقام أجداده فيها، وفي عهد الحروب الصليبية أقبل بعضهم إلى سوريا وانضموا إلى جيوش السلطان صلاح الدين الأيوبي لمحاربة الأعداء، فسكنوا أولا في مدينة جبيل بلبنان ثم تحولوا إلى بيروت، ولما كان عبد الله باشا واليا على عكا انتدب إليه السيد مصطفى والد صاحب الترجمة وجعله قائدا لعساكره، وعند سقوط عكا في 27 آيار 1832 بيد إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا المصري وقع مصطفى جريحا وأرسل إلى وادي النيل، فكلفه محمد علي باشا أن يخدمه بالأمانة التي خدم بها عبد الله باشا على أن يعينه أمير لواء ويعوض عليه كل ما خسرت يداه، إلا أنه زايل مصر متنكرا يتنقل من بلد إلى بلد حتى بلغ القسطنطينية، فأكرمته الدولة العثمانية وجعلت له راتبا كافيا لمعيشته، فاستاء إبراهيم باشا منه ثم أبعد عائلته إلى جزيرة قبرص، فأقاموا فيها إلى ما بعد خروج إبراهيم باشا من سوريا وحينئذ تسنى للسيد مصطفى أن يعود إلى بيروت بعائلته التي لم تزل فيها إلى الزمان الحاضر.
أما صاحب الترجمة فإنه ولد في بيروت سنة 1849م/1265ه وتعلم في مكاتبها الإسلامية، ثم درس مدة في «المدرسة الوطنية» لبطرس البستاني وتلقى بعض العلوم على الشيخ عبد القادر الخليل والشيخ محيي الدين اليافي والشيخ إبراهيم الأحدب، وكان من أعضاء «جمعية الفنون» التي اهتم بتأليفها الحاج سعد حمادة لخدمة المعارف والفقراء، وجرى الاتفاق على أن يكون السيد عبد القادر مديرا للمطبعة التي أنشئت باسم الجمعية المذكورة ويطلب امتيازا باسم جريدة «ثمرات الفنون» التي مر ذكرها، ولما لم يطل أجل تلك الجمعية تحولت الحقوق في المطبعة والجريدة إلى اسم صاحب الترجمة.
وفي غرة شعبان 1295ه/1878م تألفت بمساعيه وبمساعي بعض أصدقائه «جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية» وتعين رئيسا لها، وقد تأسست على يدها المكاتب الابتدائية للذكور والإناث ونالت نصيبا وافرا من النجاح، إلا أن روح الحسد حمل البعض على الوشاية بها ونسبوا لمدحت باشا والي سوريا حينذاك فكر الاستقلال في سوريا بواسطة الجمعية المذكورة، فألغتها الحكومة وأبدلت اسمها باسم «شعبة المعارف» وعينت رئيسا لها الحاكم الشرعي، وكان يومئذ عبد الله جمال الدين أفندي الذي صار فيما بعد قاضيا للديار المصرية وتوفي هناك، وقد تبدلت حال الشعبة المذكورة بانتقال عبد الله جمال الدين إلى مصر وتفرق أهم أعضائها في أنحاء مختلفة.
وتقلب السيد عبد القادر قباني في وظائف الحكومة سنين عديدة، فصار سنة 1880 عضوا في مجلس إدارة لواء بيرت ثم عضوا في المحكمة البدائية، ولدى تشكيل ولاية بيروت سنة 1888 تعين عضوا في محكمة الاستئناف فخدم هذه الوظيفة مدة عشرة أعوام، وفي سنة 1898 انتخبه أهالي بيروت رئيسا للمجلس البلدي فجرت على يده إصلاحات كثيرة في المدينة. وفي مدة رئاسته زار غيليوم الثاني إمبراطور ألمانيا فلسطين وسوريا، وجرى له في بيروت احتفال عظيم يليق بمقامه السامي وبالمدينة التي سماها «درة في تاج سلاطين آل عثمان». وفي عهد رئاسته أيضا وافق العيد الفضي لمرور خمسة وعشرين عاما على ارتقاء السلطان عبد الحميد الثاني إلى الأريكة العثمانية، فسعى مع أعيان المدينة في تشييد السبيل الواقع في ساحة السور تذكارا للعيد المشار إليه، وأنشأ من أموال البلدية برج الساعة الكائنة بين الثكنة الشاهانية والمستشفى العسكري، وهو بديع الصناعة مرسوم على الطراز العربي بقلم المهندس البارع يوسف أفتيموس. وبعد أن أتم صاحب الترجمة مدته النظامية في رئاسة المجلس البلدي تعين بإرادة سلطانية مديرا لمعارف ولاية بيروت، وبلغنا أن لوائحه التي قدمها للمراجع الإيجابية في إصلاح المدارس ورقي المعارف بقيت في زوايا النسيان وأهملتها الحكومة رغما من اجتهاده في تحقيق هذه الأمنية، وبعد أن لبث في هذه الوظيفة نيفا وست سنين تبلغ في 13 آب 1908 خبر عزله بلا سبب ومن دون محاكمة، فاستدعى تكرارا من وزارة المعارف معاملته بالإنصاف أو إجراء محاكمته؛ فأصدرت الوزارة أمرها استنادا إلى قرار مجلس المعارف بجواز استخدامه وبإعطائه راتب المعزولية توفيقا لقانون التنسيق وذيله، وذلك دليل على عدم وجود سبب للعزل. وفي أواخر السنة المذكورة ودع الصحافة التي خدمها أربعا وثلاثين سنة كما سبق القول في أخبار جريدة «ثمرات الفنون».
وبعد ذلك ألف مع بعض أبناء الوطن شركة للقيام بأمور عمرانية عمومية لا سيما استخراج الحديد وزيت البترول في أراضي ولاية سوريا، فنالت الشركة رخصة الحكومة بذلك، وبلغنا أن الدلائل تبشر بالحصول على المقصود، وقد كافأته الدولة على إخلاص خدمته لها بالرتبة الأولى من الصنف الأول وبالوسام المجيدي الثاني والوسام العثماني الثالث ومدالية التخليص ومدالية السكة الحجازية ومدالية وصول الخط الحجازي إلى معان، وأهداه إمبراطور ألمانيا وسام «النسر الأحمر» من الرتبة الرابعة.
الشيخ إبراهيم الأحدب
محرر جريدة «ثمرات الفنون» وأحد أركان النهضة العلمية في القرن التاسع عشر ***
هو ابن السيد علي الأحدب ولد سنة 1826م/1242ه في طرابلس الشام ويتصل نسبه بالإمام الحسين، وطلب العلوم اللسانية والأدبية منذ نعومة أظفاره فقرأها على الشيخ عرابي والشيخ عبد الغني الرافعي فبرع فيها، وقد لازم كبار العلماء فتقدم بجده على أقرانه وسار صيته بين الأفاضل شرقا وغربا، وفي الثانية والعشرين من عمره عكف على التدريس فأقبل عليه الطلبة يستفيدون من إلقائه، وكان نابغة في حفظ أشعار المتقدمين والمتأخرين ويملي عن ظهر قلب عدة متون من النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق ومقامات الحريري مع وفور اطلاع على أمثال العرب وتواريخهم ونوادرهم ووقائعهم، وقد قال الشعر في صباه وبرع فيه حتى بلغ ما نظمه نحو ثمانين ألف بيت، وكل بيت من شعره لا يخلو من صناعة بديعية أو نكتة أدبية أو حكمة بالغة أو مثل سائر، وكان سريع الخاطر يملي بأسرع من لمح البصر ما يقترح عليه كتابته نظما أو نثرا فيبرز ذلك كأحسن شيء دون تكلف، وقد زار مدينة القسطنطينية على عهد السلطان عبد المجيد فامتدحه بقصيدة مطلعها:
بنصرة دين الله وافت لنا البشرى
فأولت أولي الإيمان من نشرها بشرا
وفي سنة 1852 استدعاه سعيد بك جنبلاط حاكم مقاطعة الشوفين بلبنان إلى مركزه في «المختارة» فاتخذه مستشارا في الأحكام الشرعية، وبعد ثمانية أعوام انتدبته حكومة بيروت وعينته نائبا في محكمة الشرع، وعند إجراء تنسيقات النواب صار رئيسا لكتاب المحكمة المذكورة فتعاطى شئونها نيفا وثلاثين سنة، وفي خلال هذه المدة تولى التحرير في جريدة «ثمرات الفنون» فأودعها كثيرا من المقامات البديعة والرسائل الأدبية والفصول الحكمية ما لو جمعت لبلغت مجلدات، وقد عرضت عليه نيابة صنعاء اليمن فامتنع عنها لبعده عن الأوطان، وكان عضوا في مجلس معارف الولاية فامتاز فيه بسعة آدابه، ومع ذلك كله كان مجدا في نشر العلوم وله في كل يوم دروس مختلفة مع اشتغاله بالتأليف ونقله ما ينوف عن ألف كتاب ورسالة بخطه الظريف، وفي سنة 1872 زار الديار المصرية فرحب به علماؤها لا سيما الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري، وقد روى في كتابه «الوسائل الأدبية في الرسائل الأحدبية» ما جرى بينهما من المكاتبة.
وكان له من علم الأدب أوفر نصيب، راسل الشعراء والعلماء ونظم القصائد في مدح أمراء العرب ووزرائهم وكبارهم كالأمير عبد القادر الجزائري وباي تونس محمد صادق باشا الذي أحسن إجازته، كما أن مصطفى باشا كبير وزراء تونس أرسل إليه علبة مرصعة بالألماس وعليها رسمه بالألبسة الرسمية واسمه منقوش بالحجارة الكريمة، وأنشأ رسالة «لا سلامة من الخلق» وهي التي اقترحها حسين باشا وزير المعارف بتونس على الأدباء، فحكم لصاحب الترجمة بالسبق على سواه وأرسل له الجائزة المعينة مع سبحة من العنبر ورسالة بخط يده، ومن شعره اللطيف قصيدته البائية التي أودعها فنون الحكم مطلعها:
ورد المعاني بما يصفو من الأدب
يقضي براح الصفا في أرفع الرتب
ومنها في الختام:
هذي بدائع قد أودعتها نكتا
من المعاني نبت عن سمع كل غبي
جرى إليها يراعي محرزا قصبا
فأطرب السمع في مغناه بالقصب
لامية العجم استعلت بنسبتها
وهذه دعيت بائية العرب
أنشأتها حكما طابت لخاطبها
إن كان في ذوقه ضرب من الضرب
ومن الأشعار التي نظمها في مدح الأمير عبد القادر الحسني الجزائري هذه الأبيات:
إني بمدح ابن محيي الدين ذو همم
غدا نظامي بها في أرفع الدرج
وفي مآثر عبد القادر اطردت
أبيات شعري فراقت كل مبتهج
غوث النزيل وغيث فيض نائله
من الأنامل يجري الدر في خلج
شمس أنارت بلاد الشرق فابتهجت
سورية بسناها الفائق البهج
في الكون آثاره كالمسك قد نفحت
إلا لمزكوم طبع عد في الهمج
لله غرب حسام منه قد شهدت
في الغرب آثاره كالصبح في البلج
لا زلت تهدى لك الأمداح ما طلعت
شمس بنورك تغنينا عن السرج
وأشهر مؤلفاته هي: (1) «ديوان شعر» نظمه في صباه ورتبه على ثمانية فصول. (2) ديوان «النفح المسكي في الشعر البيروتي» نظمه سنة 1283 هجرية. (3) له «ديوان ثالث» نظمه بعد هذا الديوان يشتمل على كثير من القصائد الرائقة. (4) له «مقامات » تبلغ الثمانين مقامة أملاها على لسان أبي عمر الدمشقي وأسند روايتها إلى أبي المحاسن حسان الطرابلسي جارى في إبداعها العلامة الحريري. (5) كتاب «فرائد الأطواق في أجياد محاسن الأخلاق» يتضمن مائة مقالة نثرا ونظما جارى بها مقالات العلامة جار الله الزمخشري. (6) كتاب «فرائد اللآل في مجمع الأمثال» نظم فيه الأمثال التي جمعها العلامة الميداني في نحو ستة آلاف بيت وقد شرحها في مجلدين طبعا بعد وفاته في المطبعة الكاثوليكية بهمة نجليه سعيد وحسين. (7) له «رسالتان في المولد النبوي» إحداهما مطولة والأخرى مختصرة. (8) كتاب «تفصيل اللؤلؤ والمرجان في فصول الحكم والبيان» يشتمل على مائتين وخمسين فصلا في الحكم والآداب والنصائح. (9) له «عقود المناظرة في بدائع المغايرة» وهو جزآن مشتملان على خمس وعشرين مغايرة. (10) له «نشوة الصهباء في صناعة الإنشاء». (11) له «منظومة اللآل في الحكم والأمثال». (12) كتاب «نفحة الأرواح على مراح الأرواح»، (13) كتاب «إبداع الإبداء لفتح أبواب البناء» في علم الصرف. (14) كتاب «كشف الأرب عن سر الأدب». (15) كتاب «مهذب التهذيب» في علم المنطق نظمه وعلق عليه شرحا لطيفا. (16) كتاب «الوسائل الأدبية في الرسائل الأحدبية» يشتمل على القصائد والرسائل التي دارت بينه وبين الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري في مصر. (17) له «ذيل ثمرات الأوراق» طبعه على هامش كتاب «المستظرف» وغيره. (18) وآخر مؤلفاته «كشف المعاني والبيان عن رسائل بديع الزمان» ألفه في مدة أربعة أشهر وقد طبعه الآباء اليسوعيون بنفقتهم. (19) رسالة «لا سلامة من الخلق» التي مر ذكرها. وكان له كلف بالروايات حتى بلغ ما جمعه منها نحو عشرين رواية بعضها مبتكر له وبعضها مأخوذ من التاريخ أو مترجم عن لغة أوروبية كرواية «إسكندر المكدوني» ورواية «السيف والقلم» ورواية «المعتمد بن عباد» وغيرها.
وقد بلغت شهرة رواياته مسمعي راشد باشا والي سوريا في دمشق فأعجب ببراعة منشئها، ولما أراد أن يحتفل بختان أنجاله في نواحي سنة 1868 كلف صاحب الترجمة أن يعلم رواية «إسكندر المكدوني» لجوق من الممثلين ويذهب بهم إلى دمشق لأجل تمثيلها، ففعل الشيخ إبراهيم ذلك، وكان لتمثيل الرواية صدى استحسان لم يزل يردده سكان الفيحاء إلى الزمان الحاضر. وعند رجوع الشيخ إبراهيم إلى بيروت أهداه راشد باشا خاتما ثمينا مرصعا بالألماس ونفحه بمائة ليرة عثمانية، ثم إنه نال من مكارم أعيان دمشق وإكرامهم ما لم ينله عالم سواه في عصره.
وفي ليلة الثلاثاء في 22 رجب 1308ه/2 آذار 1891م أتم أنفاسه الأخيرة فتولى طلبة العلم حمل نعشه وشيعه خلق كثير من الأشراف والعلماء والوجهاء إلى مقبرة «الباشورة» حيث دفنوه بالتعظيم اللائق، وتليت المراثي العديدة تعدد محاسنه وشمائله؛ لأنه كان من أكمل العلماء في عصره خلقا وخلقا وفضيلة وفضلا، وبين الشعراء الذين رثوه الشيخ قاسم أبو حسن الكستي من قصيدة طويلة جاء فيها:
لفقدك هذا العصر يا من قضى نحبا
على أهله قد أوجب الحزن والندبا
نعزي بك الآداب يا من حويتها
وكنت لمن يرتادها منهلا عذبا
يظنك بعض الناس أنك في الثرى
ولم يدر عند الله منزلك الرحبا
وقد نقشت على قبره الأبيات الآتية:
هذا ضريح توارى فيه ذو شرف
قد كان يملأ عين الدهر مرآه
كنز المعارف إبراهيم من شهدت
له بحسن التقى والفضل دنياه
بطلعة الأحدب الماضي له لقب
ورأيه قد حكى بالفضل معناه
تكفلت خدمة الشرع الشريف له
بأنه سوف يعطى ما تمناه
وبشرتنا بأن الله عامله
بالعفو أرخ وبالإكرام أرضاه
سنة 1308 هجرية
أديب بك إسحاق
مؤسس جريدة «مصر» في القاهرة والإسكندرية وجريدة «التجارة» في الإسكندرية، وصحيفة «مصر القاهرة» في باريس، وأحد المحررين في جرائد «ثمرات الفنون» و«التقدم» و«المصباح» في بيروت.
سوى القرطاس لم تعرف حبيبا
فإن بصدره رسم الحبيب
وإذ رسموك كفت كل عين
بهذا الرسم عن حسد القلوب
ولا ينسى الأديب فتى أديب
أنارت ذهنه درر الأديب ***
ولد في دمشق الشام عام 1856 فلم ينفطم عن الرضاع حتى ظهرت عليه مخايل النجابة طفلا تخترق ذهنه مؤثرات التربية لأدقها إشارة وأقلها ظهورا، ولما ترعرع أدخله والده مدرسة الآباء اللعازريين فتلقى فيها مبادئ العربية والفرنسوية بما كان يزيده في أوقات الامتحان تقدما على أقرانه، وكان أستاذه في العربية يقول لأبيه: «إن ابنك سيكون قوالا.» أي شاعرا؛ لأن أكثر كلامه كان يرد مسجعا عفو القريحة وهو لا يعرف إذ ذاك شيئا من قواعد اللغة. ولما بلغ العاشرة أخذ ينظم الشعر كلفا به. وفي الحادية عشرة دخل في خدمة الجمرك براتب يسير وأخذ يعول عائلته؛ إذ أصابها في ذلك العهد سوء حال وعطلة أعمال، وما أتم الثانية عشرة من سنيه حتى كان له عدة قصائد وموشحات، ثم عرض لوالده أن سافر إلى بيروت ودخل في خدمة البريد العثماني فاستدعاه إليه من دمشق ليكون معينا له في خدمته وهو في الخامسة عشرة، فجاءها وتعرف ببعض أدباء بيروت وله مع أكثرهم كمصباح رمضان والشيخ فضل القصار وبولس زين والشيخ إسكندر العازار وجرجس بن ميخائيل نحاس وسليم بن عباس الشلفون وغيرهم مطارحات ومراسلات شعرية، وفي السابعة عشرة نال وظيفة في إدارة جمرك بيروت فقضى فيها مدة يسيرة.
ثم نزعت به نفسه إلى الاشتغال بفن الكتابة والانصباب على الإنشاء فتولى أولا تحرير جريدة «ثمرات الفنون» ثم جريدة «التقدم» بعيد نشأتها الأولى زمنا طويلا، وله فيهما فصول شائقة كما له قصائد كثيرة في ديوان يوسف الشلفون. وكان يصرف أوقات فراغه في المطالعة ومعاشرة الأدباء ونظم الشعر فألف كتابا سماه «نزهة الأحداق في مصارع العشاق» وهو أول ما ظهر بالطبع من نفثات قلمه، ومن ذلك الحين صارت شهرته الأدبية تنمو شيئا فشيئا؛ لأنه اتخذ أسلوبا جديدا في كتاباته قلده فيها سائر حملة الأقلام لا سيما في سوريا ومصر.
ثم دخل «جمعية زهرة الآداب» وكانت برئاسة سليمان البستاني فقام فيها عضوا مهما يلقي على مسامع أقرانه الخطب البليغة والقصائد الرائقة والمحاضرات المفيدة ويباحثهم في المواضيع الأدبية، وبعد ذلك كلفه سليم شحادة بمشاركته مع زميله سليم الخوري في تحرير كتاب «آثار الأدهار» عام 1875، وهو كتاب نفيس أتينا على وصفه في الجزء الأول، فاشتغل فيه مدة وكانت سنه دون العشرين وله في ثلاثة أجزاء منه فصول تدل على سعة اطلاعه وغزارة مادته، ولبث على هذه الحال إلى أن جاء الإسكندرية بإشارة سليم نقاش ، فساعده في تمثيل الروايات العربية على عهد الخديو إسماعيل الذي أمدهما بالمال. وكان قد عرب في بيروت عن «راسين» الشاعر الفرنسي المشهور رواية «أندروماك» وهو في التاسعة عشرة من العمر إجابة لطلب قنصل فرنسا، فترجمها ونظم أشعارها وعلم أدوارها في مدى ثلاثين يوما ودفعها إلى القنصل، فمثلت إسعافا للبنات اليتامى ثلاث مرات فجمعت خمسة ثلاثين ألف غرش، فلما حضر إلى الإسكندرية قلبها بطنا لظهر ونظم فيها أبياتا جديدة من الشعر الرائق فحصل لها وقع عظيم، وهي مثبتة في كتاب «الدرر» مع رواية «شارلمان» التي ترجمها في الإسكندرية ونالت من استحسان القوم حظا وفيرا.
ثم قصد القاهرة عاصمة البلاد المصرية ولزم العلامة جمال الدين الأفغاني فقرأ عليه شيئا من الفلسفة الأدبية والفلسفة العقلية والمنطق، ورغب في أثناء ذلك في إنشاء جريدة عربية فدان له الوطر بذلك فأنشأها باسم «مصر» عام 1877 وليس في جيبه أكثر من عشرين فرنكا، ولما رأى من إقبال الناس عليها ما يشد الأزر نقل إدارة الجريدة إلى الإسكندرية يشاركه في إدارتها وتحريرها سليم نقاش؛ فلقيا نجاحا ليس باليسير، ثم أنشأ كلاهما جريدة «التجارة» فأصدراها يومية وأبقيا «مصر» أسبوعية فحصل لهما جميعا إقبال عظيم، ثم ألغيت الجريدتان لمقتضيات دعت إلى إلغائهما، كما سنذكر ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب، فابتعد الأديب عن مصر عام 1880 مهاجرا إلى باريس حيث أنشأ جريدة «مصر القاهرة» وكتب فيها فصولا متناهية في البلاغة لا يعاب أكثرها إلا بما كان فيها من آثار الحدة وكفى.
وحصلت له في باريس حظوة موصوفة بأقلام بعض كتاب الجرائد الباريسية وجريدة «مشورت» التركية في تلك العاصمة، وتعرف ببعض المتقدمين من رجال الدولة الفرنسوية وحضر في مجلس النواب جلسات كثيرة، فزادته خطب البلغاء منهم إقداما، وتقدم على الخطابة، ودخل «المكتبة الأهلية» فطالع فيها عدة مؤلفات من المخاطيط العربية القديمة ونسخ عنها نتفا كثيرة، ومن حين إلى حين كان يكتب مقالات عن الشرق في الصحف الباريسية، وألف كتابا سماه «تراجم مصر في هذا العصر» لعبت به أيدي الضياع في جملة ما فقد من آثاره.
وكانت صحته في الإسكندرية قد تعرضت للمؤثرات، فلما ذهب إلى باريس اتفق أن بردها كان في منتهى الشدة فأصيب بعلة الصدر وتألم منها مدة الشتاء، ثم عاد إلى بيروت مصدورا بعد أن قضى في باريس تسعة أشهر، فعهد إليه صاحب «التقدم» بتحرير جريدته، فتولى تحريرها للمرة الثانية وأقام على ذلك نحوا من سنة، فلما حصل انقلاب الوزارة المصرية في أواخر عام 1881 عاد إلى مصر مدعوا إليها فودعه أصحابه وخلانه بنفوس الآسفين على فراقه فما رأيت قلبا غير مائل إلى اصطحابه، وقد أنشده أحد وجهاء بيروت حسن بيهم قائلا له ساعة الوداع:
إنا نودع روحنا وفؤادنا
ومع الأديب نودع الآدابا
فأجابه بقوله: «ليس ببقائك وداع للآداب» ثم سار وأتى القاهرة فعين ناظرا لقلم «الإنشاء والترجمة» بديوان المعارف، ورخصت له الحكومة في استئناف نشر جريدة «مصر» فأصدرها أولا في شكل كراس ثم أعادها إلى مظهرها الأول بأربع صفحات، ونال خلال ذلك الرتبة الثالثة وعين كاتبا ثانيا لمجلس النواب، ولما طرأت الحوادث العرابية عاد إلى بيروت فيمن هاجر إلى القطر السوري ونفح جريدة «المصباح» بنفثات قلمه، وبعد أن حل الإنكليز في الإسكندرية جاءها مرة أخرى في التماس شأنه الأول فلم يحصل عليه، فأبعد إلى بيروت بعد أن أودع السجن بضع ساعات ونظم في خلالها أبياتا ذيل بها قصيدة في مدح سلطان باشا، منها قوله:
أمولاي هذا نظم حر وتلوه
كلام سجين أوثقته المآثر
أتوه بنكر وهو للعرف مرتج
وجازوه للخذلان وهو مناصر
أيبعد ذو فضل ويدنى منافق
ويسجن واف حين يطلق غادر
ويكرم جاسوس عن الصدق حائد
ويظلم همام على الحق سائر
ويرفع نمام عن الريب كاشف
ويخفض كتام على العيب ساتر (بذا قضت الأيام ما بين أهلها)
معايب قوم عند قوم مفاخر
على أنني والشين تأباه شيمتي
لراض بعقبى ما وفيت وصابر
فإن لم تفدني للوفاء أوائل
عقدت رجائي أن تفيد الأواخر
وما أرتجي فيه من الناس نائلا
ولكنني للبر والعرف ذاكر
فأقام في بيروت متوليا تحرير جريدة «التقدم» للمرة الثالثة إلى أن اشتد عليه الداء، فأشار عليه الأطباء بالذهاب إلى مصر مستفيدا من ملاءمة هوائها لصحته فالتمس الرخصة في العودة إليها بواسطة المغفور له سلطان باشا، فأجابت الحكومة الخديوية التماسه كرما وإحسانا فأتاها ساعيا إلى العفو، لدى من لقي من شمائله عفو الكريم وأهل به من عرفوا قدر أدبه، فأقام في مصر أياما قليلة ثم عاد إلى الإسكندرية فصرف بضعة أيام في محلة الرمل التماس العافية، ولكن ضاقت به سعة العمر فلم يرج الأطباء له شفاء فأقنعوه بالعود إلى أهله في بيروت، فعاد إليها ولم يمض على عودته ثلاثون يوما حتى وافته المنية بتاريخ 12 حزيران 1885 في قرية «الحدث» بلبنان حيث كان قد ذهب تبديلا للهواء، فاحتفل أصدقاؤه بدفنه وقام بعضهم بتأبينه كخليل باشا خياط والأستاذ إبراهيم الحوراني والشيخ إسكندر العازار وسامي قصيري والدكتور بشارة زلزل. وقد جمعت آثاره المطبوعة والمخطوطة مع ترجمة حاله ومراثي الشعراء وأقوال الجرائد فيه في كتاب مخصوص عنوانه «الدرر» في 616 صفحة، ومن نفيس شعره هذه الأبيات التي جرت مجرى الأمثال:
قتل امرئ في غابة
جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن
مسألة فيها نظر
والحق للقوة لا
يعطاه إلا من ظفر
ذي حالة الدنيا فكن
من شرها على حذر
وله هذه الأبيات المذكورة في رواية «الباريسية الحسناء» التي عربها عن اللسان الفرنسي:
حسب المرأة قوم آفة
من يدانيها من الناس هلك
ورآها غيرهم أمنية
ملك النعمة فيها من ملك
فتمنى معشر لو نبذت
وظلام الليل مشتد الحلك
وتمنى غيرهم لو جعلت
في جبين الليث أو قلب الفلك
وصواب القول لا يجهله
حاكم في مسلك الحق سلك
إنما المرأة مرآة بها
كل ما تنظره منك ولك
فهي شيطان إذا أفسدتها
وإذا أصلحتها فهي ملك
جرجس زوين
محرر مجلة «المجمع الفاتيكاني» وجرائد «البشير» و«لسان الحال» و«المصباح» و«لبنان» غير الرسمية وأحد أعضاء «الجمعية العلمية السورية». ***
هو المعلم جرجس ابن الخوري سمعان زوين ينتمي إلى أسرة مارونية قديمة العهد في جبل لبنان، ولد سنة 1830 في قرية «يحشوش» وتلقى كل دروسه اللسانية والأدبية والفلسفية واللاهويتة في مدرسة الآباء اليسوعيين في غزير، فلبث فيها مدة عشر سنين وكان من بواكير تلامذتها وأنجبهم، فأحكم معرفة اللغات العربية والسريانية واللاتينية والفرنسية والإيطالية مع إلمام بالعبرية واليونانية القديمة، وبعد خروجه من المدرسة خدم المعارف والآداب بالتأليف وقام بالتعليم في كثير من المدارس الوطنية والأجنبية للذكور والإناث في مدينة بيروت، وانتظم سنة 1868 عضوا في «الجمعية العلمية السورية» وألقى فيها خطبة عن «تاريخ سوريا» نشرت في مجلة «مجموع العلوم»، ثم أنشأ غيرها من الخطب والمقالات التي تشهد بعلو كعبه في حلبة المعارف.
ثم مالت نفسه إلى خدمة الصحافة فكان أول من تولى التحرير سنة 1870 في مجلة «المجمع الفاتيكاني» وجريدة «البشير» مدة سبع سنوات، ثم انتدبه خليل سركيس سنة 1877 لكتابة صحيفة «لسان الحال» فأقام على تحريرها عشرة أعوام، وعندما صدرت جريدة «المصباح» لنقولا نقاش حرر فيها مدة قصيرة وتركها، وفي آخر حياته عهدت إليه كتابة جريدة «لبنان» لإبراهيم الأسود، وكان كاتبا مجيدا واسع الاطلاع حسن المحاضرة معروفا بذكاء القريحة وسرعة الخاطر، ومن آثاره القلمية كتاب «الرد القويم على ميخائيل مشاقة اللئيم» رد فيه على الدكتور ميخائيل مشاقة لما أخذ هذا يطعن في الكنيسة الكاثوليكية، ونقل من اللغات الإفرنجية إلى اللسان العربي كتبا كثيرة نذكر منها: «مصباح الهدى لمن اهتدى»، وكتاب «رواشق الأفكار» لامبرتوس، وكتاب «كنيسة الروم الشرقية بإزاء المجمع المسكوني الفاتيكاني» وهي كلها دينية، وعرب أيضا رواية «وردة المغرب» ورواية «فريدة المغرب» وغيرهما، وساعد أيضا في تنقيح بعض مطبوعات «المطبعة الكاثوليكية» للآباء اليسوعيين.
وحلت وفاته صباح يوم الخميس الواقع في 28 تموز 1892 في قصبة «بعبدا» المركز الشتوي لحكومة لبنان، فجرى له مأتم حافل وأبنه عيسى إسكندر المعلوف صاحب مجلة «الآثار» الزحلية، بكلام مؤثر، ثم نقلت جثته إلى غزير فدفنت في كنيسة مدرسة القديس لويس في مشهد كبير جمع رؤساء الدين وأعيان البلاد، وقد رثاه الشاعر المشهور الخوري يوحنا رعد الماروني وداود بركات محرر جريدة «الأهرام» حالا وغيرهما من الأدباء، ومات صاحب الترجمة بلا عقب وله من العمر اثنتان وستون سنة.
الشيخ إبراهيم الحوراني
رئيس تحرير «النشرة الأسبوعية».
رسم يمثلني لكل مشاهد
أبقيته ليدوم ذكري في البشر
لكنه أثر يزول فما على
أرض البلى عين تدوم ولا أثر ***
هو إبراهيم بن عيسى بن يحيى بن يعقوب بن سليمان فرح الحوراني، ولد في حلب في 14 أيلول من سنة 1844 وعاد والداه به وبأخ له أكبر منه إلى وطنهما حمص في آخر أيلول 1845، ولما بلغ السنة الخامسة أخذ يتعلم القراءة فأحكمها في ستة أشهر، ثم أخذ يقرأ على معلميه الكتب الشعرية المختلفة فحفظ كثيرا من القصائد النافعة كلامية ابن الوردي ولامية العجم ولامية المعري التي أولها «ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل» وبعض المعلقات السبع، وفي سن السابعة أخذ يتعلم مبادئ الحساب والأجرومية، وكان يتمرن بما يلقى عليه من الأسئلة الحسابية المتعارفة عند العامة مثل أن إنسانا خرج من بستان له ثلاثة أبواب بمقدار من التفاح، فأخذ حارس الباب الأول نصف ما معه من التفاح ونصف تفاحة، وأخذ حارس الباب الثاني نصف ما بقي معه ونصف تفاحة، وأخذ حارس الباب الثالث نصف ما بقي من الباقي ونصف تفاحة وبقي معه واحدة وفي كل ذلك لم تجزأ تفاحة، وتلك المسائل كثيرة فكان يحل كل مسألة تعرض عليه مع صغر سنه، فنشأ في نفسه حب الشعر وحب الرياضيات، وكان يقصد كل مشهور من علماء حمص ومنهم الخوري عيسى الحامض العلامة الطبيب أبو العلامة سليمان الخوري الطبيب أبي العلامة الطبيب الدكتور كامل الخوري المشهور ويقرأ عليهم ما يختارونه له.
وفي سنة 1860 هاجر أهله إلى دمشق وبعد قليل أرسله والداه إلى مدرسة «عبيه» القديمة العهد وكانت أعلى مدارس سورية، فأحكم فيها بعض الرياضيات والصرف والنحو والجغرافيا ومبادئ علم اللاهوت، وكان أساتذتها ثلاثة سمعان كلهون وإسحاق برد ورزق الله برباري، ثم أقام بدمشق يقرأ العلوم المختلفة على الدكتور ميخائيل مشاقة فأحكم علم الجغرافيا السماوية وكثيرا من الرياضيات والمنطق وبعض مبادئ الفسيولوجيا والفلسفة الطبيعية، وقرأ الكيمياء على الدكتور يوسف دمر، وكان يطالع كل فن تصل كتبه إليه ويسأل أربابه بيان ما يصعب عليه فهمه. وفي دمشق أحكم كل آداب اللغة من معان وبيان وغيرها. وفي سنة 1870 طلب للتدريس في المدرسة الكلية السورية الإنجيلية في بيروت فدرس فيها آداب اللغة العربية والمنطق والجبر والهندسة وقياس المثلثات البسيطة والكروية وسلك الأبحر وعلم التسهيل في كتاب التعاليم للدكتور كرنيليوس فنديك، وكان لهذا العلامة وافر الفضل عليه كما كان للدكتور ميخائيل مشاقة؛ فإنه كان يفيده كثيرا من علم الهيئة ويريه بالمرقب في مرصد الكلية ما لم يكن قد رآه من سيار وقنو وسديم وجبال القمر وأوديته وسهوله وتغيرات الزهرة من كونها هلالا إلى مصيرها بدرا، ومنها أقمار السيارات كأقمار المشتري وأقمار زحل وحلقاته والنجوم المتعددة في المواقع المفردة لمجرد النظر كالنجم النير المعروف بقلب العقرب، فإنه في الواقع نجمان كما يرى في المرقب، وهذا النجم أحمر لامع متوقد ذكره أبو العلاء المعري في قوله:
غادرتني كنات نعش ثابتا
وتركت قلبي مثل قلب العقرب
وظل يفيده ما يتعلق بعلم الفلك عدة سنين ثم حصل على أصطرلاب وربع مجيب وأخذ يرصد النجوم في بيته عدة سنين، وقلما مضت ليلة منها لم يراقب فيها وجه السماء بمنظاره، وكان هذا العمل يملأ نفسه عجبا ويقوي إيمانه بوجود الواجب تعالى وقدرته وحكمته، وكان من تلاميذه في تلك المدرسة كثيرون من أقدر كتبة العصر وعلمائه ومنهم: الدكتور داود مشاقة، ورشيد ناصر الدين، والمرحوم سعيد البستاني، والدكتور مراد العازوري، والدكتور سعيد ناصر الدين، والأستاذ جبر ضومط، والدكتور أمين المغبغب، والدكتور فارس نمر، ومراد بك البارودي، والدكتور أمين بك أبو خاطر؛ وغيرهم من الكتبة والعلماء المشهورين.
وله عدة مؤلفات طبع منها «الشهب الثواقب» وهو كتاب جدلي ألفه في أول الشبيبة، و«جلاء الدياجي في الألغاز والمعميات والأحاجي» و«مناهج الحكماء في مذهب النشوء والارتقاء»، و«الحق اليقين في مذهب دروين»، و«الآيات البينات في عجائب الأرض والسماوات» وكلها نفذت إلا الآخر فإنه باق قليل منه في المطبعة الأميركية في بيروت، وله مقالات منها وخطب كثيرة جدا أكثرها في «النشرة الأسبوعية» ومجلة «الرئيس» و«المحروسة»، وقليل منها في «الطبيب» في سنيه الأولى وفي «المقتطف» ومجلتي «الصفا» و«المباحث» وغيرها، ونقل عن هذه بعض الجرائد والمجلات كثيرا منها. ومن الكتب التي لم تطبع كتاب مطول في المنطق عنوانه «شمس البرهان في علم الميزان»؛ أي ميزان العلوم وهو علم المنطق وسيطبع مختصره.
وكان صاحب الترجمة مولعا في صبائه وشبيبته بنظم الشعر، ولكنه كان قليل الحرص على ما ينظمه، ولولا حرص بعض أصدقائه وتلاميذه والمجلات والكتب التي ذكرت بعضها لم نقف على شيء منها، قال بعضهم: إنه لو جمعت منظومات الحوراني كلها لكانت بضع مجلدات، وامتاز شعره بسمو المعاني، وحسن الترتيب، وفصاحة الألفاظ، وبلاغة العبارات، والخلو من التكلف، وتمكن القافية، والخلوص من الحشو، حتى إنك إذا أردت أن تجعله نثرا صعب عليك أن تغير ترتيبه بلا خسارة شيء من محاسنه كقوله في الدنيا:
حكت العباد بها الهشيم وأصليت
نار المصائب فالحياة دخان
وقوله من قصيدة طويلة:
قدم الزمان وصبوتي تتجدد
فكأنني في كل عصر أولد
شيخا أرى بين الشيوخ وأمردا
في المرد مما شاب منه الأمرد
قالت غواني الرقمتين وقد رأت
ثلج المشيب أظن نارك تخمد
فأجبتها: ما الشيب بل لهب الهوى
في الرأس مما في الحشا يتوقد
قالت: مشيبك أسود في ناظري
قلت: الحقيقة أن لحظك أسود
ومنها قوله:
لولا المحبة كان سكان الثرى
حطبا له في كل أرض موقد
ومن نفيس شعره قوله:
كرة الهواء ولجة الدأماء
أنفاس أحزان وماء بكاء
والأرض معترك الردى وترابها
آثار قتلى الغم والأرزاء
غذي النبات بها فكان غذاءنا
وغذاء كل بهائم الغبراء
فالحي ينمو من بقايا ميته
متغيرات الشكل والأسماء
يا ويل سكان البسيطة إنهم
رمم البلى في صورة الأحياء
يتعظمون بمترفات جسومهم
مع أنها من أحقر الأشياء
وقوله من قصيدة مدح بها خالد بك أحد ولاة بيروت الماضين وأنشدها في محفل دار الحكومة:
وطالب سلمى والأسود حماتها
كطالب رؤيا الطيف والطرف ساهد
أسود الشرى من كل ليث مقذف
عليه دماء الجحفلين شواهد
يرى النقع والمران تخطر تحته
ضبابة روض تحتها البان مائد
ويبسم في الهيجاء والموت عابس
كأن المنايا الحمر بيض خرائد
ومنها بيت التخلص قوله:
وأيد دين الوالهين جمالها
كما أيد الأحكام بالعدل خالد
ومن أشعاره في صبائه قوله لمن لاموه على الغرام صغيرا:
لا تلوموا على التصابي صبيا
هب منذ الفطام يهوى الأحبة
ما تجافى بالحب عن دين عيسى
إن دين المسيح دين المحبة
ومنها قوله:
أقول وقد أذابت كل قلب
بإرخاء الفروع على الترائب
أرباب الذوائب لا تتيهي
فنحن اليوم أرباب الذوائب
وقوله من قصيدة طويلة:
غيد مغانيها لأرباب الهوى
سوق وكل فيه أعظم خاسر
تاجرت في حب الحسان بمهجتي
فيها فكان السقم ربح التاجر
فشغلت أقلامي بشرح صبابتي
وملأت من وصف الحبيب دفاتري
وأنشد في فتاة حسناء شاهدها تبكي فقال لها: أعلى من قتلت تبكين أم على من لم تقتلي؟ قالت : بل عليك لأنك لم تمت:
شاهدتها في الحمى تبكي فقلت لها
قتلاك تبكين أم من عن هواك لها
قالت: وتربة من أهلكتهم ولها
لم أبك إلا على من لم يمت ولها
ونظم هذين البيتين متغزلا:
تعلمت من سلمى عفافا ورقة
وحلما وصبر الحر في حومة الحرب
فإن لم تكن هذي ثمار الهوى فما
يكون الهوى إلا هوانا على الصب
وورث الشاعرية عن جد أبيه أبي يحيى يعقوب بن سليمان فرح الحوراني، فقص عليه أبوه ذلك وأسمعه بيتين من نظم جده وحثه على الشعر، فقال إبراهيم وهو من أول منظومه:
يقول أبي: بني الشعر فخر
لمن بمقاله الغاوين يهدي
فزاول نظمه وانشر علينا
ذكي النشر من ورد ورند
فجدك كان ذا شعر نفيس
فقلت: انشر لنا نفحات جدي
فقال: إليك ما نقلت حداة
به كانت مطي الشوق تحدي «ألا دع ما استطعت حديث نجد
ففي ذاك الحديث قديم وجد»
فجز تلك الربوع فإن فيها
لقتلى غادة ربوات لحد
فقلت: طربت من ذا الجد جدا
سأبذل في نظام الشعر جهدي
وله مقاطيع عديدة كثير منها بين مبتده ومرتجل، وله مبتكرات في المنطق والرياضيات منها عبارات لجمع الأسراد المعينة ومعادلة الجيوب ومعادلة أضلاع الأشكال القياسية الوترية وقد نشرت في النشرة الأسبوعية، ومن مبتكراته مقالة فيما ترجع إليه الرياضيات نشرت في المقتطف، وله طرق مختصرة لحل المسائل الصعبة كان يمليها على تلاميذه في الكلية الأميركية ولا تزال معلقة على هوامش كتب الطلبة الأولين، علم في تلك المدرسة ثماني سنين ثم اختير لتحرير «النشرة الأسبوعية» وترجمة بعض الكتب وإصلاح الكتب ذات الشأن من المخطوطات والمطبوعات، وكان محررا للنشرة الأسبوعية منذ سنة 1880 وهو رئيس تحريرها اليوم، وعلم عدة سنين في المدرسة البطريركية في بيروت، وكان من أصدقاء البطريرك بطرس الجريجيري وله فيه عدة قصائد بليغة طبع أكثرها في كتاب مخصوص بذلك البطريرك الفاضل، ولا يزال إلى اليوم رئيسا لتحرير النشرة ومصلحا للكتب مع تدريس طلبة «المدرسة اللاهوتية الإنجيلية» في بيروت، وله مترجمات كثيرة منها «المواعظ الميلادية » لسبرجن و«مواعظ مودي» و«رجال التلغراف» و«الطريق السلطانية» و«تفسير التوراة» أي الأسفار الخمسة بزيادة تفسير له على الأصل و«سيرة القديس أوغسطينوس» و«سكان وادي النيل» وغيرها كثير من الخطب والمقالات التي لم تنسب إليه، وهو خطيب مشهور فكثيرا ما دعته عمد المدارس والجمعيات العلمية والأدبية والخيرية لإلقاء الخطب في بيروت وصيدا وطرابلس وزحلة والشوير والشويفات وغيرها. ومما اشتهر به أنه أحكم كل ما حصله من العلوم أحسن إحكام، وأن العلوم التي حصلها بالمطالعة أكثر من التي حصلها في المدارس، وكثيرا ما أرسلت إليه صعاب المسائل الطبيعية والرياضية وغيرها من دمشق ومصر وحلب وبغداد وأنحاء أميركا من علماء المهاجرين السوريين وغيرهم فحلها ونشرها في «النشرة الأسبوعية»، ولا يزال يدأب ويجتهد ويزيد علما واختبارا، ويقوم بأعمال ثلاثة مجتهدين من أقوياء الشبان في التعليم والتحرير والتحبير، وهو ينسب كل ما أوليه إلى الله من إدراك كل غاية ويقول: إن الفضل له تعالى في البداءة والنهاية.
الدكتور جورج بوست
منشئ مجلة «الطبيب» وصاحب امتيازها الأول. ***
هو جورج بن إدورد بوست ولد في كانون الأول من سنة 1838 في مدينة نيويورك، وتهذب في مدرستها المعروفة بكلية مدينة نيويورك ونال شهادتها سنة 1854؛ أي وهو في سن السادسة عشرة، ومنح درجة «معلم علوم» سنة 1857 وكان أبوه من كبراء الجراحين. وأحكم الدكتور جورج الدروس الطبية وامتحن في كل فروعها وهو ابن عشرين سنة ونال الإجازة بالتطبيب، ودخل «مدرسة الاتحاد اللاهوتية» ودرس سنة واحدة فاستطاع أن يدرك الشهادة اللاهوتية، والظاهر أنه درس كثيرا من الدروس الطبية كالنبات والكيمياء والفيسيولوجيا وغيرهما من العلوم التي لا بد منها للطبيب في المدرسة العلمية، وامتحن فيها في المدرسة الطبية فأعفي من درسها ثانية. ودرس التشريح وتركيب الأدوية والتشخيص والباثولوجيا والجراحة وغيرها من جوهريات الطب في زمن قصير.
ولما التظت الحرب المدنية عرض نفسه للخدمة فقبلت، وتزوج في 17 أيلول سنة 1863 السيدة «سارة ريد» وتعرف بمسس بوست، وبعد قليل اختار الخدمة المرسلية وأتى بيروت في 28 من تشرين الثاني من سنة 1863، وذهب منها إلى طرابلس وبقي فيها إلى 30 من أيلول سنة 1868 وعلمه فيها العربية الأستاذ إلياس سعادة، ورجع منها في تلك السنة إلى الولايات المتحدة ورغب هناك في إنشاء مدرسة طبية في كلية بيروت، فأدرك مبتغاه ورجع إلى بيروت سنة 1868 أستاذا للجراحة وبقي كذلك إلى سنة 1909، فكانت مدة تدريسه 41 سنة واستعفى، وكان جراح مستشفى القديس يوحنا منذ تأسيسه إلى سنة وفاته، وكان عضو عدة جمعيات منها «الجمعية النباتية» في لندن ثم «الجمعية النباتية» في نيويورك و«الجمعية النباتية» في أيدنبرغ و«المجمع الطبي» في نيويورك، وكان أيضا رئيس «جمعية الأطباء والصيادلة» في بيروت.
ونقل عدة وسامات فخرية منها «الوسام العثماني» من الدولة العثمانية ووسام «آل دوكان» من مملكة السكس ووسام «النسر الأحمر» من حكومة ألمانيا ولقب «فارس» من «جمعية فرسان أورشليم» الألمانية، وله مؤلفات كثيرة منها: (1) كتاب «نبات سوريا وفلسطين وسينا» في اللغة الإنكليزية وهو من أهم مؤلفاته، (2) كتاب «النباتات البوسطية» طبع في جينوا من سويسرا في اللغتين اللاتينية والفرنسية. وله في اللغة العربية: (3) كتاب «نبات سوريا وفلسطين ومصر»، (4) كتاب «مبادئ علم النبات» يتضمن شرح بنيته ووظائفه ووصف الفصائل الطبيعية، (5) كتاب «علم الحيوانات ذوات الثدي»، (6) كتاب «علم الطيور»، (7) كتاب «مبادئ التشريح والهيجين والفيسيولوجيا»، (8) كتاب «الأقرباذين» أو المواد الطبية، (9) كتاب «المصباح الوضاح في صناعة الجراح» وهو مطول في الجراحة العلمية، (10) كتاب «فهرس الكتاب المقدس» وهو فهرس أبجدي لجميع الألفاظ الواردة في التوراة والإنجيل والزبور، (11) كتاب «قاموس الكتاب المقدس» في مجلدين، (12) مجلة «الطبيب» أنشأها وحرر فيها بنفسه مدة أعوام كثيرة، وله مقالات وخطب عديدة كمقالة «العلم ينفخ» وغيرها.
ويعد من أرباب النهضة العلمية في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولم يتول شيئا من الأمور إلا نبغ فيه وعد الأستاذ الأكبر، واشتهر بأنه من عظماء الرجال في العالمين القديم والحديث، وكان واعظا إنجيليا أكثر مواعظه في «الفداء» الإلهي، وبعد أن جاهد حياته كلها في سبيل العلم وخدمة الإنسانية حلت وفاته في 29 أيلول 1909 في قرية «عاليه» بلبنان، فنقلت جثته إلى بيروت ودفنت في المقبرة الواقعة بجانب الكنيسة الإنجيلية، وقد أقيمت له حفلة تذكارية في «المدرسة الكلية السورية» حيث ألقيت خطب شتى وقصائد بليغة إقرارا بفضله عليها. وقد وصف جرجي بك زيدان أعماله وآثاره وأخلاقه فاقتطفنا منها شيئا قال:
قضى 41 سنة وهو يعلم الجراحة وغيرها في «المدرسة الكلية الأميركية» ويعالج المرضى في المستشفى البروسيوي بالجراحة - وهو الفرع الذي خصص نفسه له واشتهر به بين الخاصة والعامة حتى أصبح لفظ «بوست» في عرف البعض مرادفا للفظ «جراح»؛ لأنه أول من اشتهر بينهم بهذا الفن في أثناء هذه النهضة - ولم يكن عمله قاصرا على التعليم والتطبيب والتأليف فقد كان يشتغل بعلوم أخرى يساق إليها شغفا بالعلم ورغبة في العمل كاشتغاله بالنبات، وكان مولعا به وله فيه وفي علم الحيوان آراء واكتشافات مهمة وخصوصا في النبات، فإنه اكتشف كثيرا من أنواعه في سياحاته بسوريا وفلسطين ومصر وسينا والأناطول، وقد سمي بعضها باسمه «بوست» وألف على أثر ذلك كتابه في «نبات سوريا وفلسطين ومصر» وأصبح ثقة بجغرافية فلسطين الطبيعية.
وقد جمع بتوالي الأعوام معرضا نباتيا بالمدرسة الكلية يعد من المعارض الثمينة، وكان يقضي أكثر ساعات الفراغ فيه، وقد أعانه في جمعه تلامذته في النبات؛ لأنه كان يفرض على كل منهم أن يجمع أمثلة من النبات ويجففها ويقدمها له، فيختار هو ما يستحسنه منها ويضيفه إلى معرضه، فهو بهذا الفن وحده يستحق لقب «العالم العامل» ويعد من كبار علماء النبات، وكان له في المدرسة فضلا عن معرض النبات معارض للمواد الطبية والمستحضرات الجراحية، وفيها آثار ما أجراه من العمليات الجراحية كالحصى المثانية والأورام والعظام.
وكان مع ذلك يجد فراغا يشتغل فيه بهندسة أبنية المدرسة فقد رسم بعضها بيده وكثيرا ما كان يتعهد بناءها بنفسه، ولم يكن يضيع فرصة لا يفيد بها تلامذته حيثما التقى بهم من شرح عملية في المستشفى أو تفسير حادثة على الطريق أو في المنزل، وكان رابط الجأش وهو يعمل العمليات، فكثيرا ما سمعناه يتحدث في السياسة أو الأدب أو الاجتماع ويداه غائصتان في الدم، لا يظهر عليه الارتباك مهما يكن من خطر العملية التي يشتغل بها فضلا عن خفة يده في العمل، وكان يرحل إلى أميركا سعيا في جمع الأموال للمدرسة وخصوصا للقسم الطبي، ومن ثمار سعيه إنشاء قاعة العلم التي جعلوها دارا للمعارض العلمية وقد سميت باسمه
G. E. Post Science Hall ، ومن آثاره الأدبية في خدمة هذه المدرسة أنه أنشأ لتلامذة الطب جمعية سماها «الجمعية الكلية» يتباحث فيها التلامذة في المواضيع المفيدة، وقد تولى رئاستها مدة طويلة ووضع لها نظامات كانت مثالا لكثير من الجمعيات التي نشأت في سوريا بعد ذلك.
وكان مدققا في سائر معاملاته لا يقصر في ما عليه للآخرين ولا يحتمل تقصير الآخرين في حقه، وهذا هو السبب فيما أشيع عنه من التدقيق في اقتضاء حقه من مرضاه، فلم يكن يتجاوز عن شيء من أجرة العيادة أو العملية، وربما نقص المبلغ المطلوب غرشا أو بعض الغرش فلا يتحول ما لم يقبضه ولو كان المريض فقيرا معوزا؛ ويعدون ذلك بخلا منه. وظهر هذا البخل مجسما بالمقابلة مع أريحية زميله الدكتور فنديك وسخائه، فقد كان هذا كثير التساهل مع مرضاه يعين بعضهم بثمن الدواء والطعام فضلا عن أجرة العيادة، فظهر تدقيق صاحب الترجمة بخلا قبيحا وتحدث الناس به، والحقيقة أنه إنما كان يفعل ذلك جريا على طبيعته في دقة المعاملة كما تقدم؛ بدليل ما علمناه عن ثقة أنه كان إذا دعي لإعانة في مشروع خيري تبرع بأضعاف ما يتبرع به سواه والتمس ألا يذكر اسمه في قائمة المتبرعين.
وكان عصبي المزاج حاد الطبع يتسرع إلى سوء الظن - ربما بعثه على ذلك بالأكثر صمم كان في إحدى أذنيه - فإذا رأى اثنين يتخاطبان سبق إلى ذهنه أنهما يتكلمان عنه فيحكم بالظن وقد يعاتب على الشبهة، وكثيرا ما جر ذلك إلى التنافر بينه وبين تلامذته حتى آل إلى التقاضي لدى عمدة المدرسة، وتجسم الخلاف مرة حتى اشتكاه طلبة الطب كافة إلى لجنة المبشرين الكبرى في سوريا على أثر الخلاف الذي وقع بين الطلبة وعمدة المدرسة سنة 1882 وكنا من أولئك الطلبة ، فاجتمعت تلك اللجنة من أنحاء سوريا للنظر في ذلك الخلاف لكنها لم تحسن السياسة في حكمها، فخرج معظم طلبة الطب من المدرسة واستعفى الدكتور فنديك انتصارا لهم في حديث طويل لا محل له هنا. والكمال لله وحده.
محمد رشيد الدنا
مؤسس جريدة «بيروت» وصاحب امتيازها الأول.
لئن حسنت فيه المراثي وذكرها
لقد حسنت من قبل فيه المدائح ***
هو الحاج رشيد ابن الحاج مصطفى ابن السيد سعيد الدنا، ولد سنة 1857م/1274ه في بيروت، وقرأ الأصول الدينية في حداثته على السيد محمد مرتضى الحسني، ثم دخل «المدرسة الوطنية» للمعلم بطرس البستاني فتلقى آداب اللغات العربية والتركية والفرنسية ونصيبا وافرا من العلوم والفنون، وقد خدم لأول عهده في مصلحة التلغراف وأخذ يترقى في معارج التقدم حتى ظهر اقتداره وعينته الحكومة مديرا لشعبة البريد والتلغراف في مدينة مكة، وجاور هناك أكثر من سنتين ثم حضر إلى مسقط رأسه بإشارة أخيه الأكبر عبد القادر الدنا وكان وقتذاك رئيسا لمحكمة التجارة في بيروت.
ولما كانت الحكومة العثمانية في ذلك العهد تضن بترقية مأموريها غير الأتراك إلى الوظائف العالية رأى صاحب الترجمة أن يستقيل من منصبه حرصا على مستقبله، ويتجرد للخدمة العمومية الوطنية بواسطة الصحافة، فطلب امتيازا بإنشاء مطبعة وجريدة سماها «بيروت» وأصدرها في 22 آذار سنة 1886، وهي الجريدة التي خدم بها الوطن وأبناءه على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم مدة ست عشرة سنة بصدق اللهجة وإخلاص النية. ومن آثاره الأدبية أنه طبع في مطبعته كتبا مفيدة أشهرها «تاريخ الدولة العثمانية» للكاتب الشهير أحمد جودت باشا، وقد نقله أخوه عبد القادر من اللغة التركية إلى اللسان العربي؛ ولذلك فقد كافأته الدولة على مساعيه الجليلة بأن منحته الوسام «المجيدي الثالث» والوسام «العثماني الرابع» مع «الرتبة الثانية المتمايزة»، وبينا كان عاملا على خدمة الصحافة بنشاط أصابته حمى شديدة جاشت بدمه مدة عشرة أيام، فمات على أثرها في 6 آيار 1902م/28 محرم 1320ه مبكيا من الرفيع والوضيع لما كان متزينا به من الشمائل الحسنة ومحبة عمل الخير، وقد حمل نعشه بغاية الإكرام تتقدمه فرقة من البوليس والجندرمة وكتائب من الجنود البرية والبحرية وكثير من العلماء والوجهاء الذين رافقوا الجثة إلى تربة «الباشورة» ودفنوا الفقيد إلى جوار شيخه وأستاذه السيد محمد مرتضى الحسني.
1
وقد رثاه بعض الشعراء بكثير من المراثي التي لم نتوفق إلى الوقوف عليها لنثبت شيئا منها، وبعد وفاته احتجبت جريدة «بيروت» مدة أربعة أشهر ثم عادت إلى الظهور في 8 أيلول 1902 بعد تحويل امتيازها لعهدة أخيه محمد أمين الدنا، وقد كتبت على ضريح صاحب الترجمة هذه الأبيات مختتمة بتاريخ شعري:
قبر به حل رشيد الدنا
وقد بكا حزنا عليه الزمان
بيروت تبكيه بدمع جرى
فوق خدود الطرس مثل الجمان
كان لها ركنا ركينا وقد
نالت به بالشرق أسمى مكان
قضى فنال الفوز في قصده
مولى كريما ضيفه لا يهان
وإن هذا الفوز أرخته
به غدا محله في الجنان
سنة 1320 هجرية
نقولا نقاش
محرر مجلة «النجاح» ومؤسس جريدة «المصباح» وصاحب امتيازها الأول. ***
هو نقولا بن إلياس بن ميخائيل نقاش، ولد في بيروت في أوائل سنة 1825 إثر أن ترك والده صيدا واتخذ بيروت موطنا له. ومذ بلغ صاحب الترجمة السنة الرابعة من عمره انكب على تعلم مبادئ اللغتين العربية والسريانية فظهرت عليه مخايل النجابة والذكاء، وما لبث أن أحكم اللغتين المذكورتين قراءة وخطا مع الفنون الحسابية.
وبعد ذلك انكب على طلب اللغة الإيطاليانية وما فتئ أن أتقنها وأصبح يتكلم وينشئ بها كأربابها، ثم أخذ يتخرج على شقيقه مارون نقاش فأخذ عنه مبادئ اللغة التركية وطريقة مسك الدفاتر على النسق الأوروبي، ولما كان أخوه مارون أزمع في ذلك الحين على السفر إلى أوروبا خلفه في باشكتابة جمارك بيروت وملحقاتها، وبقي على هذه الخطة بضع سنوات طلب بأثنائها العلوم العربية بفروعها على العلامة الخوري يوسف الفاخوري فصار ينشئ المقالات الرنانة وينظم القصائد المحبرة، وفي الوقت ذاته انعكف أيضا على مطالعة كتب اللغة التركية بدون أستاذ حتى برع فيها وتضلع منها وصار فيها كاتبا بارعا وشاعرا مجيدا، وكان بأثناء ذلك قد أنشأ شقيقه مارون المرسح العربي وألف بالعربية أول رواية، فأخذت الحمية صاحب الترجمة وبادر إلى تأليف جملة روايات بالعربية أودعها الحكم والفوائد المصلحة للآداب والأخلاق، فجاءت أبكار أفكار تشهد بطول باع مؤلفها.
وفي سنتي 1852 و1853 تعاطى التجارة باسمه ولحسابه الخاص، ثم بعد ذلك قدم بيروت أنطون بك ملتزما جمارك الأمتعة في سورية، فأقام صاحب الترجمة محاسبا لها ثم مديرا عليها، ولما سافر أنطون بك إلى الآستانة عهد إلى صاحب الترجمة بإدارة جميع أعماله، ومنذ سنة 1859 تعاطى أعمال البانقة بشركة نعوم قيقانو بعنوان «قيقانو ونقاش وشركاهم».
ولما كان في جميع المهام الآنفة الذكر وفي جميع مؤلفاته ومنشوراته قد أثبت إخلاصه للدولة العثمانية اتخذه كامل باشا بمعيته؛ إذ كان متصرفا على بيروت، ثم انتخب عضوا لمجلس الإدارة في اللواء المذكور، ولما نصب مديرا لجمارك الدخان انعكف على مطالعة قوانين ونظامات الدولة العثمانية حتى أتقنها، وإثر ذلك أخذ العلوم الشرعية عن أشهر المشائخ العلماء ولا سيما «علم الفرائض» الذي أخذه عن العلامة الشيخ يوسف الأسير، ومن سنة 1869 حتى سنة 1876 كان عضوا لمجلس إدارة ولاية سورية في دمشق، وبأثناء ذلك ترجم وطبع كتاب «قانون الأراضي» وغير ذلك من الكتب القانونية ، وفي سنة 1877 كان في جملة النواب الذين انتخبتهم ولاية سوريا ليمثلوها في مجلس المبعوثان، وفي سنة 1880 أنشأ جريدة «المصباح» التي كتبنا أخبارها في الباب الأول من هذا الجزء وعاشت ثمانية وعشرين عاما، وكان في سنة 1872 قد تولى تحرير مجلة «النجاح» التي أصدرها القس لويس صابونجي السرياني ويوسف شلفون، وفي سنة 1889 نصب عضوا دائما لمحكمة بيروت التجارية، ثم استقال منها واتخذ المحاماة والوكالات في الدعاوى مهنة له حتى آخر حياته.
الوسامات والرتب
أن الدولة العلية قد نظرت إلى اجتهاد صاحب الترجمة وصداقته بعين الرضى فأنعمت عليه أولا بالرتبة الرابعة ثم رقته إلى الثالثة ثم إلى الثانية، وقد أنعمت عليه أيضا بالوسام المجيدي من الطبقة الرابعة ثم بالوسام المجيدي من الطبقة الثالثة تبديلا مكافأة لترجمته «شرح قانون الجزاء»، وقد أهدى إليه الحبر الأعظم الطيب الذكر البابا بيوس التاسع وسام «القديس غريغوريوس» من طبقة كواليير مكافأة لما أبداه من آثار الفضيلة وما قام به من الأعمال الخيرية، وفي سنة 1869 أقبل على سورية زائرا حضرة صاحب السمو الأمير فريدريك (الذي صار فيما بعد إمبراطورا لألمانيا وهو والد الإمبراطور غليوم الثاني)، فامتدحه صاحب الترجمة بقصيدة محبرة وقعت لديه أحسن موقع فأهدى إليه الأمير دبوسا ثمينا مرصعا بحجر كريم، ولما أقبل الغراندوق نيقولا شقيق قيصر الروسية للسياحة في سورية رفع إليه نقولا نقاش قصيدة فريدة في بابها فأهدى إليه خاتما ثمينا.
مؤلفاته وترجماته
أما ما للفقيد من الآثار العلمية والأدبية في عالم المطبوعات تأليفا وتعريبا فهي كما يأتي:
أولا:
رواياته: «الشيخ الجاهل» «والموصي» و«ربيعة» فضلا عن غيرها من الروايات الأدبية.
ثانيا:
ديوانه، وهو يشتمل على منظومات في الآداب والحكم والرثاء والمديح والأخلاق.
ثالثا:
ترجماته القانونية التي أضاف إلى شرحها كثيرا من آرائه والفوائد التي اقتبسها بالمزاولة والاختبار، وهاك أسماء الكتب المذكورة: قانون الأراضي، قانون الجزاء، قانون أصول المحاكمات الجزائية، قانون أصول المحاكمات الحقوقية، قانون التجارة، شرح قانون التجارة، ذيل قانون التجارة (نقل بمناظرته)، رسالة في القانون (تأليف)، قانون الأبنية، قانون تشكيلات المحاكم، تعريفة الخروج في المحاكم النظامية والدوائر العدلية، ثم ترجمة كليات شرح الجزاء وهو سفر ذو 414 صفحة، ثم بعض أجزاء من شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهذه الترجمات معتمد عليها في جميع المحاكم النظامية والدوائر العدلية، ثم ترجمة كليات شرح الجزاء وهو سفر ذو 414 صفحة، ثم بعض أجزاء من شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهذه الترجمات معتمد عليها في جميع المحاكم النظامية في كل من ولايات سورية وبيروت وحلب ومتصرفيتي لبنان والقدس الشريف وغيرها.
رابعا:
مقالاته العدلية التي نشر أكثرها في جريدة المصباح بعنوان «آثار عدلية».
خامسا:
كتاب «تكريم القديسين» أثبت فيه ما للأولياء من الشفاعة.
سادسا:
جريدة «المصباح» التي أنشأها سنة 1880.
وفي 4 كانون الأول 1894 انتقل إلى دار البقاء فشيعت جنازته باحتفال إلى الكنيسة المارونية الكاتدرائية ثم إلى المقبرة، وقد أبنه الخوري أسطفان الشمالي وأنطون قيقانو والدكتور سليم جلخ والشيخ سعيد الشرتوني وإبراهيم الأسود ويوسف خطار غانم وأنطون شحيبر بما شف من شديد الأسف على خسارته، فإنه كان واسع الاطلاع خبيرا في أحوال الزمان موصوفا بالتأني وتوقد الذهن وذكاء القريحة، وقد رثاه فارس شقير بقصيدة نفيسة نورد منها هذه الأبيات:
من كان بالأمس نقاش الصحاف هدى
ينسيك حسان أو يزري بسحبان
إذا انبرى لا يبارى في مناظرة
وإن جرى لا يجارى بين أقران
مضى إلى الله حيث الدار خالدة
مستوفيا أجر أعمال وإيمان
الدكتور يعقوب صروف
أحد مؤسسي مجلة «المقتطف» في بيروت والقاهرة وجريدة «المقطم» في القاهرة. ***
هو يعقوب بن نقولا صروف ولد في الثامن عشر من شهر تموز سنة 1852 في قرية «الحدث» بلبنان، وتلقى العلوم العالية في «المدرسة الكلية السورية» في بيروت ونال سنة 1870 شهادة «بكالوريوس» في العلوم مع أول فرقة خرجت منها، وأقام سنتين في صيدا يدرس المرسلين الأميركيين اللغة العربية، وأنشأ المرسلون حينئذ مدرسة عالية في طرابلس الشام وعرضوا عليه رئاستها فتولاها سنة واحدة، وفي آخرها اختارته عمدة «المدرسة الكلية السورية» لتدريس العلوم الرياضية والفلسفة الطبيعية فيها فاستعفى من رئاسة مدرسة طرابلس في أواخر سنة 1873 وعاد إلى المدرسة الكلية، وعكف على الدرس والتدريس وقرن العلم بالعمل وجعل تلامذته يطبقون علم الهندسة وحساب المثلثات على مساحة الأراضي ويصنعون الآلات الطبيعية كلفائف الحدة والأجراس الكهربائية، وكان ذلك دأبه وهو تلميذ فإنه صنع آلة تدور بالماء على مبدأ مطحنة «باركر» وهو يدرس علم السائلات، فأخذها رئيس المدرسة وحفظها بين أجهزة الفلسفة الطبيعية وهي التي ذكرته به حينما كانت المدرسة تفتش عن أستاذ لتدريس علم الطبيعيات.
واستعفى أستاذ الكيمياء بعد حين فوقع الاختيار على يعقوب لتدريسها بدلا منه، وجعل يدرس الكيمياء الوصفية والتحليلية، ويقرن القضايا النظرية بالتجارب العلمية حتى لم يترك تجربة كيماوية تذكر في كتب التدريس إلا امتحنها أمام تلامذته ولو تحت الخطر الشديد، ودرس تلامذة الطب الكيمياء الباثولوجية والإقرباذينية وعلم السموم (التكسكولوجيا)، وهذه العلوم الثلاثة لم تكن تدرس في المدرسة الكلية قبلا؛ فاضطر أن يؤلف لها خطبا جمعها من المطولات الإنكليزية فأنهك الشغل جسمه وكاد يذهب ببصره، وكان إذا كل عقله من البحث في موضوع يريحه بالبحث في موضوع آخر، ودام على ذلك إلى أن ترك المدرسة الكلية في أواخر سنة 1884 بعد أن أقام فيها خمس عشرة سنة أربعا كتلميذ وإحدى عشرة كأستاذ.
وألف وهو في المدرسة الكلية كتابا كبيرا في الكيمياء وخطبا في العلوم الثلاثة المتقدمة، وترجم كثيرا من الكتب الأدبية ككتاب «سر النجاح» و«الحرب المقدسة» و«الحكمة الإلهية»، وترجم بالاشتراك مع رصيفه الدكتور فارس نمر كتاب «سير الأبطال والعظماء» وكتاب «مشاهير العلماء»، وأنفقا أجرة ترجمتهما على مدرسة يومية كانا يقومان بنفقاتها، ووضعا هذه التراجم في اللغات العربية والإنكليزية والفرنسوية.
ولكن العمل الأعظم والتأليف الأكبر الذي وقف له العمر ولم يزل قائما به حتى الآن هو «المقتطف» المجلة العلمية الشهيرة، فقد أنشأه بالاشتراك مع رصيفه الدكتور فارس نمر سنة 1876 وهما في المدرسة الكلية، وظلا يحررانه سوية إلى أن أصدرا المقطم سنة 1889 فانقطع الدكتور نمر لإنشاء «المقطم» والدكتور صروف لإنشاء «المقتطف».
ولما انتقلا بالمقتطف إلى القطر المصري سنة 1885 كانت شهرتهما العلمية قد سبقتهما إليه فرحب بهما عظماء مصر وعلماؤها، والدكتور صروف مولع بالمقتطف فيقضي أكثر أوقاته مهتما بما يكتبه فيه ولا سيما بعد أن تفرغ له، فهو الكاتب الآن لكل مقالاته إلا ما ينشر منها تحت اسم غيره، وهو الكاتب أيضا لكل أبوابه كباب الصناعة وباب الزراعة وباب تدبير المنزل وباب التقاريظ وباب المسائل والأخبار. وقد يمضي عليه أسبوع كامل وهو يبحث عن المواد اللازمة لمقالة واحدة، بل قد يمضي عليه أيام وهو يبحث عن كلمة واحدة، والغالب أنه يشرع في الكتابة عند الساعة السادسة أو السابعة صباحا، فلا يأتي الظهر حتى يكون قد كتب ما يملأ خمس صفحات أو ستا من صفحات المقتطف على ما تقتضيه من التدقيق والتحقيق والمراجعة في الكتب والصحف المختلفة، ويقضي بقية النهار في المطالعة وقراءة المسودات والاهتمام بشئون الإدارة، ولعلمه أن قراء المقتطف مختلفون علما ومشربا، وأنه لا بد من جر النفع إليهم كلهم حتى يجد كل منهم ما يفيده في كل جزء من أجزائه تراه يبذل جهده لكي ينشر في كل جزء مقالات مختلفة المواضيع بين فلسفية وعلمية وأدبية، عدا ما ينشره في أبواب «المقتطف» الخاصة من الفوائد الصناعية والزراعية والمنزلية والأخبار المتقطفة من أشهر الصحف العلمية في أوروبا وأميركا.
ويختلف إنشاؤه في هذه المواضيع باختلافها، فالمواضيع الأدبية «كالصداقة» و«نعيم الدنيا» و«الاغتراب» و«المهاجرة» و«فوائد الغنى ومضاره» أكثر فيها من السجع والتمثل بالأشعار، ومن قبيل ذلك الفصول التي كتبها في رحلته إلى الصعيد الأعلى وسماها «رسائل النيل» وفي رحلته إلى عواصم أوروبا وسماها «مشاهد أوروبا» ونشرت كلها في المقطم والمقتطف، والمواضيع الفلسفية «كقياس العقول» و«الحياة وآراء الفلاسفة فيها» و«آراء الناس في النفس» و«غرائب العقول» و«حرية الإرادة» بدأها غالبا بالأمثلة لكي يتدرج القارئ من المحسوسات إلى المجردات ومن الجزئيات إلى الكليات فلا يعز إدراكها على جمهور القراء، والمواضيع العلمية سواء كانت طبيعية أو صحية أو اجتماعية وهي الجانب الأكبر من مقالات المقتطف سلك فيها مسلك البسط والإيضاح، وغرضه الذي يرمي إليه في كل ما يكتبه جمع الحقائق وبسطها لتقريبها من أذهان القراء والاقتصار على ما ترتاح النفس إلى مطالعته ويتصفحه المرء من غير ملل.
ومن مذهبه أن العلم للعقل كالطعام للمعدة فيجب أن يكون صحيحا خاليا من كل الشوائب معدا لدخول العقل والبقاء فيه، وأن يكون أيضا في حد الكفاف غير زائد عليه وإلا أتخم العقل به ولم ينتفع منه، كما أن الطعام يتخم المعدة ويضرها إذا كان فاسدا أو مشوبا بالشوائب أو غير معد للهضم بالطبخ والمضغ أو زائدا عن الكفاف.
ولا يذخر وسعا ولا يضن بتعب مهما كان شاقا في تكثير منافع المقتطف وتعميم فوائده، وكثيرا ما تدعوه كتابة مقالة واحدة إلى تصفح كتاب كبير أو كتب كثيرة كمقالاته في «نوابغ العرب والإنكليز»، فإنه لما أخذ يقابل بين أبي العلاء المعري والشاعر ملتن الإنكليزي اضطر أن يتصفح ديوان المعري المعروف بسقط الزند وديوان ملتن المعروف بالفردوس المفقود ، ثم عاد إلى ديوان المعري وأشار إلى كل الأبيات التي حسب أن لها ما يقابلها في أشعار ملتن، وكرر على ديوان ملتن حتى اختار منهما أبياتا متشابهة اتفق خاطراهما فيها، وفعل مثل ذلك لما قابل بين سيرة السلطان صلاح الدين الأيوبي والملك رتشرد قلب الأسد الإنكليزي، ومن هذا القبيل تلخيصه لكتاب سلاتين باشا «السيف والنار في السودان» في فصول قليلة.
ولحرصه على تعميم الفوائد يبحث عن كل الخطب والمقالات التي تنشر في الصحف والكتب الإفرنجية وأعمال الجمعيات العلمية، حتى إذا وجد فيها فوائد يرغب أبناء العربية في الاطلاع عليها ترجمها أو لخصها أو اقتطف منها ما منه فائدة كبيرة، ولذلك قلما تتلى خطبة كثيرة الفوائد في نوادي أوروبا وأميركا أو تنشر مقالة عميمة المنافع في صحفها العلمية إلا ترجمها أو لخصها ونشرها في المقتطف أو نشر فيه شيئا من فوائدها، فألف قراؤه أسماء أساطين العلم وأراكين الفلسفة كهكسلي وسبنسر وتندل وكلفن وورخوف وبستور ولنغلي ومركوني وكوخ وغيرهم، كما ألف قراء الصحف السياسية اسم غلادستون وبسمارك وسلسبري وجيرس وغمبتا وهنوتو، وجاروا أكثر فروع العلم في تقدمها.
وله طريقة مبتكرة في المقابلة بين أقوال المتقدمين والمتأخرين، فإذا وصف حيوانا أو نباتا ذكر ما قاله فيه المتقدمون من علماء العرب واليونان. وإنشاؤه سلس بعيد عن التعقيد كما هو بعيد عن أساليب الأعاجم ولو كان المكتوب مترجما. وهو يكره غريب الألفاظ ويبعد عنها جهده؛ لأنه يحسب اللغة وسيلة لا غاية، فما أدى المراد منها على أسهل السهل وأقربها ولم يخالف قواعد اللغة فهو الفصيح الجدير بالاتباع.
ونظم الشعر الجيد وهو في الرابعة عشرة من عمره، لكنه سمع أستاذه في اللغة العربية الشيخ ناصيف اليازجي يقول: إن بضاعة الشعر بارت وسوق الأدب كسدت وانحط مقام الشعراء، فرغب عن الشعر وعقد النية على ألا يقوله في التزلف إلى مخلوق، ولهذا تجد أشعاره كلها في وصف أو رثاء كوصف «مشاهد أوروبا» ولا سيما «وداع باريس» و«وداع لندن» و«وصف رأس البر»، وإذا أراد التمثل ببيت وخانته الذاكرة نظم بيتا في معناه، وعلى سبيل المثال نورد قصيدته في «وداع باريس» قال:
ودعت باريس مفتونا بمرآها
وآي حسن تجلى من محياها
وجاه ملك رفيع الشان جاورها
دهرا طويلا ولم يبرح بمغناها
رواقه مسيطر في معالمها
وبدره مشرق في أوج علياها
مرسومة في جبين الدهر صولته
تتيه عجبا بأولاها وأخراها
وعصبة عصمتهم في صناعتهم
إلهة الحسن فاستهدوا بسيماها
وخلدوا ذكر أرباب السيوف ومن
فاق الورى حجة أو فاقهم جاها
أو خاض بحر المعاني فاجتنى دررا
وصاغ منها حلى حسن بها باهى
أو غاص في لج بحر العلم مجتليا
غوامض الكون تعميما لجدواها
وآل علم وفضل طار صيتهم
فطبق الأرض أقصاها وأدناها
هم الألى في سماء المجد قد رفعوا
لها منارا وأعلوه فأعلاها
هذي كليمات صدق صغتها قدما
2
في وصفها قبل أن تجلى خباياها
وقبلما تتجلى في مرابعها
آيات حسن يهيج الشوق ذكراها
وقبلما تتبارى في معارضها
ممالك الأرض أقصاها وأدناها
نثرا ونظما قصدت الوصف فامتلكت
يراعتي مدهشات لست أنساها
والمرء يحصر والأقلام يودي بها
في موقف المجد روع أن تولاها
فكيف أسطيع وصفا بعدما نشرت
بيارق المجد أعلاها وأسناها
وبعدما ملئت من كل مفخرة
من واسع الأرض أعيانا وأشباها
وأقام أربع سنوات يكتب أكثر ما ينشر في مجلة «اللطائف» لمنشئها شاهين مكاريوس من مقالات وفكاهات ونبذ مختلفة، وينقح ما ينشر فيها من غير قلمه، وإذا غاب رصيفه الدكتور فارس نمر أو امتنع عن التحرير بسبب ما؛ تولى تحرير المقطم بدلا منه وأكب على كتابة المقالات الإنشائية فيه وإلا فما يكتبه فيه قليل جدا. ولما كان في بيروت تولى رئاسة «جمعية شمس البر» بضع سنوات ثم رأس «المجمع العلمي الشرقي» وهو الذي وضع قانونه وله اليد الطولى في تأسيسه، وفي سنة 1890 نال لقب دكتور في الفلسفة من المدرسة الجامعة في نيويورك.
وزار عواصم أوروبا سنة 1893 ولقي كثيرين من علمائها وفضلائها، وانتدبته لجنة مجمع المعرض الأميركي العام مع رصيفه الدكتور نمر للكتابة عن أحوال القطر المصري ومستقبله؛ فأنشأ في ذلك رسالة مسهبة باللغة الإنكليزية تليت في إحدى جلسات ذلك المجمع، ثم زار أوروبا مرة أخرى عام 1900 في أثناء معرض باريز العام. وفضله في نقل علوم الأوروبيين والأميركيين إلى ربوع المشرق بواسطة المقتطف لا ينازع فيه أحد، وله فضل آخر لا يعلمه أبناء المشرق وهو أن كثيرين من علماء أوروبا وأميركا يعتمدون عليه في تحقيق المسائل العلمية التي في الكتب العربية، فيكاتبونه في ذلك وهو يبذل الجهد في إجابة طلبهم.
ولاشتغاله الطويل بالعلم والفلسفة اطلع على آراء أكثر علماء العصر وفلاسفته، فشرح كثيرا منها في صفحات المقتطف وتابع أصحابها فيما ظنه صوابا، وخطأهم في ما ظنه خطأ؛ فشرح أن العربية لغات قبائل مختلفة بدليل كثرة مترادفاتها وأن الدخيل فيها أكثر مما يظن كثيرا، وأن أصل كلمات كثيرة غمض بخطأ النساخ كما في كلمة «يحيا» فإن أصلها «يحنا»، وأن على الحكومة أن تضع حدا لمطامع الأغنياء ومالكي الأرض كما تضع حدا لأقوياء الأبدان والمهرة في استعمال السلاح حتى لا يستعملوا أبدانهم وأسلحتهم للإضرار بالغير، وأن تجيز صك النقود الفضية من غير قيد ثم تبدلها كل بضع سنوات بما يساوي قيمتها الأصلية وتتحمل الخسارة كما فعلت إنكلترا لما استردت أنصاف الجنيهات الناقصة بطول الاستعمال وأبدلتها بما يساوي قيمتها الأصلية، إلى غير ذلك مما تراه مسطورا في صفحات المقتطف.
واقترن سنة 1878 بالسيدة ياقوت بركات وهي من فضليات النساء ومن أوفرهن علما وأبلغهن إنشاء، فرأست بيته وجعلته ناديا لأصدقائه الكثيرين من أهل العلم والفضل ونشرت على صفحات المقتطف كثيرا من المقالات التي تدل على باع طويل في العلم والأدب، وهو ينسب نجاحه وتمكنه من مواصلة أشغاله العقلية إلى مشاركتها له في الرأي وإلى الراحة البيتية التي متعته بها. هذا ما علمناه من أخبار صاحب الترجمة استنادا إلى ما ورد في كتاب «مرآة العصر» المطبوع في القاهرة سنة 1897 وأضفنا إلى ذلك معلوماتنا الخاصة.
خليل سركيس
رسم أخذ في سنة 1912.
صاحب امتياز جريدة «لسان الحال» ومجلة «المشكاة». ***
هو خليل بن خطار سركيس ولد في 22 من كانون الثاني 1842 في «عبيه» من لبنان، وفي عام 1850 قدم مع عائلته إلى بيروت حيث انتظم في سلك طلبة المدرسة الأميركية التي كان يديرها وقتئذ القس طمسن، وكانت المدرسة الوحيدة في بيروت فأخذ من العلم فيها ما تضمنته لائحة دروسها في تلك الأيام. ولما كانت المدرسة بجوار المطبعة الأميركية كان يتردد إليها وقد وجد من نفسه نزوعا طبيعيا إلى الصناعة، وما لبث أن حقق رغبته في تعلم صناعة الطباعة، فدخل إلى المطبعة عام 1860 ولم يكن إلا القليل من الزمن حتى أتقن هذا الفن، فأنشأ مطبعة عام 1868 بشركة سليم البستاني سماها «مطبعة المعارف»، وفي عام 1873 تزوج السيدة لويزا إحدى كريمات المعلم بطرس البستاني وهي من خيرة النساء وأفضلهن، وفي عام 1875 رغب عن الشركة في استحصال امتياز مطبعة خاصة به سماها «المطبعة الأدبية» وامتياز جريدة دعاها «لسان الحال» وامتياز مجلة دعاها «المشكاة»، ولما تم له ذلك وانفرد في العمل لم يدخر الوسع في إعطاء كل من المطبعة والجريدة حقها من الرقي والنماء، ففي المطبعة عدة آلات للطباعة على اختلاف حجمها، فمنها لطبع المؤلفات والجرائد ومنها للأشغال التجارية وكلها تدار بالبخار.
رسوم المطبعة الأدبية وجريدة لسان الحال : (1) المكتب (2) مسبك الحروف (3) المطابع.
وقد وجه عنايته إلى سبك الحروف التي اشتهرت بالجودة والإتقان في القارات الخمس، فبعد أن كانت من قبل محصورة بالحرف الأميركي أوجد بمعاونة الشيخ إبراهيم اليازجي الحرفين الأول والثاني الإسلامبولي، وما عتم أن استصنع أيضا بعد حين سائر أجناس الحروف التي اشتهرت عنه كالثلث الأكبر والثلث الأوسط والثاني السميك والرقعي، وهو أول من أوجد أكبر حرف عربي رصاصي يبلغ طوله ميليمترا وأكبر حرف خشبي يبلغ طوله 25 سنتيمترا، وكذلك له الفضل في إيجاد الحرف الفارسي في الطباعة على ثلاثة أنواع واستحضار مسابك الحروف على الاصطلاح الجديد الذي يمكنه من سبك 170 ألف حرف في اليوم الواحد لمن شاء، وأكثرها يكون صالحا للترتيب كما يتوضح ذلك في برنامج المطبعة.
فؤاد سركيس.
وفي سنة 1892 شخص إلى الآستانة وكان موضوع اعتبار وإكرام أولياء الأمر فيها بدليل تقليده الوسامين «المجيدي الثالث» و «العثماني الرابع» بكل استحقاق، وله كتاب في هذه الرحلة يشتمل على ما راق وطاب من الحوادث التاريخية والفوائد الجليلة، وفي السنة عينها أعلنت الدولة العثمانية اشتراكها في «معرض شيكاغو» فنهض كثيرون من أبناء الوطن يريدون الذهاب إليه لاستعراض ما عندهم من الطرف الشرقية من صناعية وغيرها، وخطر لبعضهم أن ينشئوا مرمحا في ذلك المعرض فألفوا شركة لذلك، ولما شق عليهم جمع المال المطلوب للقيام بهذا المشروع طلبوا إليه ملحين أن يتولى إدارة الشركة، وما زالوا به حتى أقنعوه على الرئاسة، فتعين رأس مال الشركة عشرين ألف ليرة إنكليزية، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة تغطت القيمة ضعفين، ولكن لم تصادف هذه الشركة نجاحا لما اعترض في سبيلها من المصاعب التي لا محل لسردها هنا، فانتهت بخسائر فادحة كان حظ صاحب الترجمة منها الأوفر، وقد جمع في كتاب خاص أخبار رحلته إلى الآستانة وأوروبا وأميركا بعد أن نشرها تباعا في جريدة «لسان الحال» وضمنها من الفوائد الأدبية والأخلاقية والتجارية وغيرها ما يستعين به الإنسان في سفراته إلى البلاد التي ذكرنا.
سلمى سركيس.
وفي سنة 1895 التهمت النار بقضاء وقدر قسما من مطبعته الكاملة المعدات، ولما نمى إليه الخبر بادر مسرعا إلى السوق وعندما اقترب من محل المطبعة وقد اندلع لسان اللهيب من جهاتها الأربع قال لمن كان يرافقه: «إن جرائد الثغر لا تعدم في هذا الصباح نشر أهم خبر محلي.»، ومما اشتهر عنه ثبات الجنان ورباطة الجأش والحزم والعزم في كل ما انتابه من النوائب وألم به من المصائب، ثم جلس في غرفة احترمتها النار وهي الغرفة التي كان قد اتخذها مكتبا له ومحلا لاستقبال الزائرين فاستقبل وفود المسلين على اختلاف الطبقات، وأما ما أتلفته النار فقوم بخمسة آلاف ليرة ولم تكن هذه القيمة مضمونة، وكتب على أثر ذلك في «لسان الحال» مقالة محبرة حكمية رددت صداها الجهات المختلفة بدليل توارد الرسائل عليه، فلم يدع واحدة منها بدون جواب، وقد أفرز لها كتابا سماه «عنوان الشهامة».
وفي سنة 1896 قبل أن ينسى تينك النكبتين استقبل ثلاثا أشد منهما وقعا في النفس، بل دونها كل نكبة، لا يصبر عليها إلا من أوتي نعمة خارقة من لدن الله؛ فجع بكبير أولاده المرحوم «فؤاد» في الخامسة عشرة من عمره، وفي ثلاثة أيام من بكائه عليه دهمه خطب ثان بفقد شقيقه الوحيد «أمين» الذي كان قد بقي له من إخوته الذكور، وفي ثلاثة أشهر منه مني بفقد «سلمى» إحدى بناته، وفي عشر سنوات نزلت به النكبة الرابعة؛ إذ ابتلاه الله بدعوة ابنة ثانية إليه تدعى «ندى»، وكان في جميع هذه النكبات موضوع حيرة ودهشة في صبره وتجلده وتسليمه حتى صار معارفه يضربون به المثل في احتمال النكبات والصبر على الشدائد.
هذا ومع توفر مشاغله لم يتقاعد عن الاشتراك في كل مشروع نافع ينتدب إليه، فانتخب عضوا في «مجلس المعارف» في الولاية ورئيسا «للجمعية الخيرية الإنجيلية» وعضوا لقومسيون «مكتب الصنائع» وعضوا مؤسسا «لجمعية مستشفى السل»، وفي سنة 1902 كان «لسان الحال» قد استوفى السنة الخامسة والعشرين من ظهوره فأجمع مريدوه ومقدرو فضله على أن يقيموا له عيدا وأن يقدموا له تذكارا ناطقا بخدمته الصادقة للدولة والوطن، فألفوا لجنة دعت جميع أصدقائه ومعارفه ومنهم العلماء والأدباء والوجهاء إلى داره حيث صرحوا بفضله نظما ونثرا، وعلى إثر ذلك انتصب صاحب الترجمة وخطب فيهم الخطاب الآتي:
نظرتم إلي بعين الرضى، وعين الرضى عن كل عيب كليلة، فأرتكم القليل الذي قدر لي الله أن آتية كثيرا، فإني وإن كنت بعيدا من الإعجاب والتيه، فلا يسعني الآن إلا أن أعجب، كيف لا أعجب وجلة من ذوات الثغر اهتمت لشأني، والتفتت إلى أعمالي فأنزلتها منزلة الرضى والقبول! على أنني لست إلا خادما للدولة وللوطن المحبوب، سعيت وأسعى ما دامت الروح في الجسد في هذه الخدمة المقدسة، وحسبنا دليلا واحدا من ألف ما جاء من إحصاء الكتب المطبوعة في المطبعة الأدبية في مدة ثماني عشرة سنة، فقد بلغ عدد الكتب التي طبعت فيها ستمائة وخمسين مؤلفا ما بين أدبية وعلمية ودينية وزراعية وصناعية، وبلغ عدد نسخ هذه المؤلفات مليونا ومائة وتسعين ألف نسخة ما عدا جريدة «لسان الحال» وغيرها من الجرائد والمجلات.
شرفتموني يا سادتي بمناسبة بلوغ جريدتكم «لسان الحال» السنة السادسة والعشرين؛ أي لربع قرن مضى من خدمتها، فلا أجازف إذا قلت: إنني خدمتها في هذه المدة لتقوم بخدمتكم، فلم أكتب فيها حرفا إلا كان مظهرا لفضل الدولة العلية وإصلاح شئونها، ولم أسطر على صفحاتها كلمة إلا قصدت فيها فائدة التاجر والصانع والزارع وتوقعت منها خيرا للوطن عموما.
ولا يخفى عليكم أن الصحفي مكلف إرضاء التاجر والصانع والشيخ والشاب والأوانس والعقائل والعازب والمتزوج والذاهب والآيب والبائع والشاري مما يقرح القلب، فلا أعرض عليكم ابتياعه واستبداله بقلب ليس بذي قروح شأن ذاك المغرم، فقد اعتدت حمله حتى صرت أقول:
وصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال
وإذا كان قد بدر من «لسان الحال» بعض عبارات لم تجئ في الوضع موافقة لما قصد منها فلم يعجز عن إصلاحها والتماس العذر فيها والعصمة لله، ولئن كنت قد أفرغت أيام الشباب في هذه الخدمة حتى ضعفت النواظر وأزهر اللوز وبطئت حركة المطاحن وودعت الشبيبة بقول ابن الوردي:
ودع الذكرى لأيام الصبا
فلأيام الصبا نجم أفل
فقد لقيت من عملكم يا سادتي ما يعيد الشباب ويرد في العروق دمه وعزيمته ونشاطه.
بعثت محبتكم بكل جوارحي
عزما أعاد إلي عزم شبابي
أجل لقد تجددت في عروقي قوة الشباب بما تلقيت من إحسانات ولي النعم مولانا وسلطاننا الأعظم، وما رأيت من عناية وجهائنا في الثغر وغيره، ولا سيما من عناية وإخلاص الصديق الحميم صاحب الوجاهة عين أعيان الشهباء عزتلو جورجي أفندي خياط الذي اقترح هذا المشروع على مواطنيه وإخوانه، ومن غيرة رصفائي الأفاضل في بيروت ولبنان الذين اهتموا لهذا الأمر، فأتوسل إليه تعالى أن يتيح لهم الاحتفال بالأعراس الثلاثة وإن أكن وقتئذ في غير هذا العالم فإن عظامي تشترك بأفراحهم.
وفي العام الماضي قبل أن يبلغ «اللسان» نهاية السنة الخامسة والعشرين سألني كثير من الأصدقاء أن نحتفل بمرور ربع قرن من صدوره، فشكرت لهم هذه العناية وسألتهم الإغضاء عن ذلك، فتكرر هذا الطلب فكررت الرجاء بالإغضاء إلى أن ترجح عندي قبول رجائي، ولما كان شهر من دخول «اللسان» في السادسة والعشرين كتب إلي عزتلو خياط أفندي في الموضوع الذي كنت قد اعتقدت دخوله في خبر كان، فسألته الإضراب عنه شاكرا لحسن ظنه بي مبينا له أن ما فعلته لم يكن من خوارق العادات؛ لأنني إذا كنت قد نشرت اللسان فقد أفدت واستفدت، وأين ما أتيته في جانب آثار ذوي الفضل المشهورة الذين سبق أبناء الوطن فاحتفلوا لهم بأعياد فضية كسيادة الحبر العلامة المفضال المطران يوسف الدبس الذي بنى كنيسة مار جرجس الشهيرة وغيرها من المعابد، ورفع عماد «مدرسة الحكمة» التي أهدت للوطن أولادا مثقفين فضلا عن تصانيفه العديدة ما بين علمية وأدبية ودينية، وكذلك السعيد الذكر المرحوم الدكتور فانديك الذي تشهد له كتبه العديدة عند الناطقين بالضاد بعلو الهمة ورفعة المقام بين العلماء الأعلام، فضلا عن خدمته الطويلة للطب خدمة يقر بشكرها ألوف من الطلبة في أنحاء المعمور، وكذلك حضرة الشيخ الجليل العالم الدكتور دانيال بلس الذي شيد بسعيه «المدرسة الكلية » التي يندر مثلها في أوروبا وأميركا والتي انبث المتخرجون فيها في القارات الخمس، فكررت رجائي عند صديقي المذكور بغض الطرف فألح علي بضرورة إتمام مرتآه، وطال بيننا الجدال في هذا الموضوع حتى استغرق عدة رسائل، وبينا كنت أعتقد الإجابة إلى التماسي والإضراب عن الأمر الذي أطال مراجعتي فيه أضاءت النار من خلال الرماد؛ أي أن القول برز إلى حيز العمل، ووردني على أثر ذلك كتاب من صديقي يقول إننا باشرنا العمل رضيت أو أبيت.
فبأي لسان أشكر الذين أعلنوا رضاهم عني بالاشتراك في هذا المشروع؟ وأي عبارة تفي بالثناء على الذين قاموا به ولا سيما حضرة الشيخين الفاضلين محمد أفندي بدران والعلامة الدكتور ورتبات اللذين خصصا وقتا لهذا العمل مع تكاثر أشغالهما؟ فالله أسأل أن يتولى مكافأتهم عني وأن يوفق حضرات زملائي إلى مشاهدة أعراسهم الثلاثة، وأختم كلامي بالدعاء المفروض على كل عثماني ببقاء الحضرة العلية السلطانية وحفظ أنجالها العظام ووزرائها الفخام وتأييد ملكها ما توالت الأيام.
تابع لرسوم المطبعة الأدبية وجريدة لسان الحال: (1) دائرة التجليد (2) الإدارة (3) دائرة صف الحروف (4) الأشغال التجارية.
نشرنا خطابه لبيان ما أتاه من الخدم الوطنية منذ بدء عمله حتى الوقت الحاضر، فمن خدماته الأدبية تنقيح كتابي «عنترة» و«ألف ليلة وليلة» وطبعهما بحيث تسنى للمخدرات الاطلاع عليهما، وطبع «مقدمة ابن خلدون» و«مقامات الحريري» وقدمهما لطلاب العلم بثمن يسهل لهم اقتناؤهما، وخدم المدارس بتأليف كتاب «سلاسل القراءة» وهو ستة أجزاء قد ذاع حتى دخل المدارس في أكثر جهات المعمور؛ لأنه لم ينسج على منواله كتاب سهل التناول على الطلاب، وخدم السيدات بتأليف «أستاذ الطباخين وتذكرة الخواتين»، وخدم القوم بإهدائهم إلى أشرف العادات في تأليفه كتاب «العادات»، وخدم المحامين والأطباء وغيرهم «بالمفكرة» التي يصدرها سنويا من المطبعة الأدبية، وخدم محبي الرياضة برواية «سعيد وسعدى» في سن الصبوة وكذلك بكتاب «نزهة الخواطر»، وخدم محبي التاريخ بتأليف «تاريخ القدس الشريف» وكتاب «معجم اللسان» وهو قاموس هجائي يحتوي على أسماء القواد والسفن والأماكن التي ورد ذكرها في أخبار الحرب سنة 1904 بين روسيا واليابان، وخدم التاجر والبائع والشيخ والشاب والعجوز والصبية بالروزنامة السورية التي أصدرها في سنة 1868؛ أي في سنة إنشائه المطبعة، فصادفت إقبال جميع الناطقين بالضاد، وهي ثاني روزنامة عربية ظهرت في المعمور، وخدم الدولة والوطن بجريدته «لسان الحال» ومجلته «المشكاة».
وفي سنة 1898 زار إمبراطور ألمانيا أنحاء سورية وفلسطين فأم ركبه بصفة رسمية وكتب رحلته في رسائل متواصلة برقية وبريدية نشرت تباعا في جريدة لسان الحال ثم طبعها في كتاب على حدة، وفي سنة 1911 اعتراه مرض تصلب الشريانات فاضطر أن يعتزل معترك العمل، فاعتمد في إدارته الواسعة الأطراف نجله الوحيد رامز سركيس فقام بإدارة المطبعة قيام الأب من حيث ضبطها وانتظام أعمالها حتى صح قول القائلين «إن هذا الشبل من ذاك الأسد».
ذكرنا ترجمة حياته على أننا لم نذكر شيئا عن صفاته التي اتفقت الكلمة على الثناء عليه واعتباره ، فقد جمع بين اللطف والذكاء والغيرة والنشاط والحزم، وله اصطلاح في الكتابة يعرفه عدد كثير من الكتبة والأدباء، ومن محسنات كتاباته أن القارئ لا يمل منها بل إنه يتبع قراءتها مهما كانت كبيرة حتى النهاية؛ إذ لا بد من إدخال بعض الاستعارات والأمثال التي تزيد كتاباته فكاهة وتحببا. وكتاباته الإصلاحية والاجتماعية والفكاهية في لسان الحال دليل على سلامة ذوقه في التحبير والإنشاء واختياره الأمور بدقائقها ومعالجته الداء بدواء ناجع، وله في سرعة الخاطر نوادر مستغربة يحوي صدره لكثير من النكات والنوادر والأشعار.
وخليل سركيس كريم الأخلاق واسع الصدر هني في معيشته مع عائلته وأصحابه، قدير وجسور على العمل، وكثيرا ما شاهدناه في بيته كالولد الصغير وفي إدارة أعماله الواسعة كالقائد عند هجوم العدو على جيشه، قلت له مرة «لماذا هذه الحدة؟» فأجاب: «الأعمال لا تقوم إلا بالحدة.»
زاره صديق يوما فصادف ورود طابعة جديدة إليه فرآه يفككها، فسأله صديقه: «ولماذا التعب ولا أرى في الآلة ما يستوجب ذلك؟»، فأجاب: «من رئيسياتي أن كل آلة مهما كان نوعها لا بد لي من فكها وتركيبها قبل تشغيلها حتى إذا توقفت يوما أقدر أن أصلح الخلل في الحال.»
ويمكننا أن نقول بكل حرية إن صاحب الترجمة خير من ضبط إدارة العمل، وعلم كيف يستفيد منها ويفيد؛ بدليل تقدمه في الأعمال وانتشار حركة أعماله، يذكره المتعاملون معه وأصدقاؤه بكل خير، وهم شديدو الاحتفاظ بصداقته؛ لأنه صادق وحر لا يصاحب أحدا لمأرب خاص، ومن أجمل ما عرف فيه المحافظة على الصداقة في الحالين لين وشدة والسراء والضراء والميل إلى عمل الخير على يقين لا على رغبة في الشهرة، وهو سليم النية طيب السريرة، وعلى الجملة فسوريا تبتسم فرحا بأن يكون من أبنائها وطني فاضل كخليل سركيس خدم الوطن والبلاد خدمة يسطرها له التاريخ جيلا بعد جيل، ونجعل مسك الختام هذه الأبيات التي نظمها إلياس حنيكاتي عندما أنعم على صاحب الترجمة بالوسام المجيدي الثالث في سنة 1897 واختتمها بتاريخ هجري لسنة 1317 وهي:
لخليلنا سركيس غر مآثر
ومكارم موروثة عن وارث
شهم زها خلقا ورق شمائلا
وتراه عند الوعد ليس بناكث
إخلاصه في حب دولتنا العلية
ظاهر لم يفتقر لمباحث
لما رأت منه الوفاء تعطفت
أرخ عليه بالوسام الثالث
الدكتور فارس نمر
أحد مؤسسي مجلة «المقتطف» في بيروت والقاهرة وجريدة «المقطم» في القاهرة وجريدة «السودان» في الخرطوم. ***
هو فارس بن نمر بن فارس أبي ناعسة، ولد في بلدة «حاصبيا» من أعمال ولاية سوريا في 6 كانون الثاني سنة 1856، وبعد خمس سنين من ولادته حدثت المذابح الهائلة في سوريا المعروفة بسنة ستين، وكانت حاصبيا إحدى النواحي التي عمتها تلك المصائب فقتل أبو صاحب الترجمة أوانئذ، فحملته أمه مع أخيه نقولا وأخته مريم إلى مدينة بيروت حيث اتخذتها سكنا لها، ولما بلغ منتصف السادسة وضعته المرحومة والدته في المدرسة الإنكليزية لتعلم مبادئ العلوم اللازمة لمن كان في سنه، وفي نهاية السنة الأولى رفع إلى منبر في الاحتفال السنوي فلفظ خطبة أدهش بها السامعين، وقد تنبأ بعضهم بأنه سيكون أول خطيب في الشرق.
وفي أواخر سنة 1863 ذهبت به والدته إلى القدس الشريف وأدخل هناك إلى «المدرسة الصهيونية الإنكليزية» فبقي فيها نحو خمس سنين تعلم في أثنائها الإنكليزية والجرمانية ومبادئ التاريخ والحساب، ثم عاد إلى بيروت ودخل في أواخر سنة 1868 مدرسة «عبيه» في لبنان وفيها تلقى مبادئ الصرف والنحو، ولم يقم في تلك المدرسة أكثر من أربعة أشهر فتركها وسافر إلى حاصبيا مسقط رأسه حيث مرض مرضا ثقيلا بالحمى، وبعد سنة جاء بيروت حيث كانت أمه قد عادت إليها واستخدم في مخزن تجاري مدة ثم تركه طامعا بتعلم العلوم العالية، فدخل «المدرسة الكلية السورية» وجعل همه التقاط الفوائد واكتساب العلوم السامية فسهر وجد واجتهد، وكان في مقدمة مؤسسي «جمعية شمس البر» الشهيرة في بيروت وله فيها الخطب الرنانة والمباحث الجليلة ولم تمنعه وفرة دروسه عن خدمتها وتوطيد أركانها، وكان أيضا وهو في حين تعلمه في المدرسة المذكورة يدرس وقتا في مدرسة البنات البروسية العالية، وكان يصرف ما يسرقه من أوقاته المدرسية في ترجمة الكتب الدينية والتاريخية والعلمية وقد طبعت في «النشرة الأسبوعية».
وبعد أن انتهى من دروسه القانونية نال الشهادة البكلورية سنة 1874 وعين معاونا للدكتور فانديك في المرصد الفلكي في بيروت ومعلما لعلمي الجبر والهيئة في المدرسة الكلية، وكان يعلم أيضا اللغة الإنكليزية في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، وفي عام 1875 ترجم كتاب «الظواهر الجوية» للأستاذ لومس الأمركاني وطبع الكتاب في مطبعة الأمركان في بيروت، ثم أنشأ في عام 1876 بالشركة مع يعقوب صروف مجلة «المقتطف» التي اكتسبت شهرة عظمى وثبتت على خطة واحدة حتى اليوم، ثم عين مدرسا للعربية وآدابها وللاتينية في نفس المدرسة الكلية، وبعد ذلك مدرسا للرياضيات العليا والهيئة والظواهر الجوية.
وفي عام 1882 أنشأ مع جماعة من أهل الفضل كالدكتور كرنيليوس فانديك والدكتور يعقوب صروف والدكتور بشارة زلزل وجرجي بك زيدان وغيرهم «المجمع العلمي الشرقي» في بيروت، وقد افتتحه بخطاب نفيس في «علم الهيئة القديم والحديث» طبع في المقتطف وفي كتاب أعمال المجمع المذكور.
وفي عام 1883 عين مديرا للمرصد الفلكي والمتيورولوجي؛ إذ كان قد استعفى الدكتور فانديك، وبقي عاملا على الرصد فيه إلى حين تركه المدرسة الكلية وإتيانه إلى الديار المصرية وذلك في أواخر عام 1884، وفي سنة 1885 نقلت مجلة المقتطف إلى مصر وصارت تصدر في القاهرة، وكان لما بلغ كبراء مصر وعلماءها الأعلام خبر التصميم على نقل إدارة المقتطف إلى وادي النيل سروا سرورا عظيما، فكتب كل من الوزيرين الخطيرين شريف باشا ورياض باشا يرحبان به، وهاك ما كتبه رياض باشا بعد الديباجة:
أخبرت أنكم عزمتم على نقل جريدتكم الغراء إلى الديار المصرية، فسرني ذلك لما تحويه من الفوائد الجليلة والنفع الدائم لكل بلاد رفعت راية علومكم فيها، وقد اغتنمت هذه الفرصة لأبدي بها نصيحتي لأبناء هذا القطر بمطالعتها واجتناء فوائدها، فإن للمقتطف عندي منزلة رفيعة وقد ولعت بمطالعته منذ صدوره إلى اليوم، فوجدت فوائده تتزايد وقيمته تعلو في عيون عقلاء القوم وكبرائهم، ولطالما عددته جليسا أنيسا أيام الفراغ والاعتزال ونديما فريدا لا تنفد جعبة أخباره ولا تنتهي جدد فرائده سواء كان في العلم والفلسفة أو في الصناعة والزراعة التي عثرت فيها على فوائد لا تثمن، هذا علاوة على ما فيه من المباحث الآيلة إلى تهذيب العقول وجلاء الأذهان وتفكيه القراء، فلذلك تترحب مصر بالمقتطف الأغر وتحله محل الكرام الذين اشتهر فضلهم وعمت فواضلهم.
رياض
وهذا ما كتبه محمد شريف باشا:
إن الذين خبروا حال العالم واستقصوا سنن الهيئة الاجتماعية واستقروا أسباب ترقية البلدان واتساع نطاق الحضارة في كل مكان أجمعوا على أن العلم أعظم ركن في بناء التمدن والمعارف وأوثق رباط لحفظ الأمم وتعزيز شأنها، ولذلك عظمت قيمة العلماء عند أرباب العقول واعتبرت الوسائط التي من شأنها بث العلوم وتعميم المعارف في البلدان. ولما كان المقتطف خير ذريعة لنشر المعارف بين المتكلمين بالعربية فلا عجب إذا نال ما نال من رفعة المقام في اعتبار الخاصة والعامة معا. وقد بلغني في هذه الأثناء خبر نقله إلى القطر المصري بعدما خبرته وخبرت معارفكم زمانا، فاستحسنت أن أبدي مسرتي بذلك لما فيه من الفوائد التي لا تستغني عنها البلاد، ولا ريب عندي أن عقلاء مصر ونبهاءها لا يغفلون عن تعميم فوائده ولا يتقاعدون عن السعي لنشر علومه بينهم، لا سيما وقد علموا أن إنارة الأذهان وتثقيف العقول أقوى واسطة لحفظ الأمة وشد عرى اتحادها.
محمد شريف
وبعد مضي سنتين من وجود صاحب الترجمة في القاهرة أنشأ بمعاضدة بعض أصدقائه «جمعية الاعتدال» في مصر وذلك في عام 1887 ثم انتخب عضوا لمجمع بريطانيا الفلسفي، وسنة 1889 أنشأ مع زميليه الدكتور يعقوب صروف وشاهين بك مكاريوس جريدة المقطم التي نالت الشهرة العظيمة في الشرق والغرب، وأهدي إلى صاحب الترجمة أوانئذ من جلالة أوسكار ملك أسوج ونروج بصفة كونه رئيس المؤتمر الشرقي «وسام المعارف الذهبي» مكافأة له على خدمائه الجليلة العديدة في تعزيز المعارف ونشر العلوم، وهاك نص ما كتبه إليه معتمد الدولة الأسوجية في مصر:
حضرة الفاضل الأديب فارس أفندي نمر حفظه الله
معلوم لجنابكم ما نحن عليه من حب أرباب المعارف ومساعدتهم بما تحتمله القدرة رغبة في تنشيط الهمم وإعلاء كلمة الأدب، وقد رأينا من آثاركم العلمية على تنوع مواضيعها ما تقصر عنه عبارات البلغاء لو عمدوا إلى بيانه، فلذلك طلبنا إلى جلالة مولانا الملك أوسكار بلسان الرجاء أن ينظر إلى جنابكم بعين لا ترى منه غير عضو من جسم الهيئة العلمية، فوقع الطلب موقع القبول؛ إذ أنعمت الحضرة الملكية على الجناب بوسام ذهبي (ميداليا) لا يحمله إلا رجال الفنون والصناعات العالية، وسنقدم إلى مصر به عما قريب فيزدان بصدر الجناب لا زال في المجالس صدرا وفي المطالع بدرا والسلام عليه ورحمة الله.
الكونت كرلودي لندبرج
قنصل دولتي أسوج ونروج العام
ووكيلها السياسي بمصر
وفي 18 تموز من عام 1888 اقترن بكريمة قنصل الإنكليز سابقا في الإسكندرية فسافرا إلى سوريا لصرف صيف تلك السنة في لبنان، وفي أواخر الصيف عاد إلى مصر، وفي شهر تموز عام 1890 نال رتبة دكتور في الفلسفة من مدرسة نيويورك الجامعة، ومن ثم زار عواصم أوروبا في السنة نفسها وجاء لوندرا واجتمع بكبار السياسيين فيها ونشرت جرائدها الشيء الكثير عنه وعن آرائه، ثم زار أوروبا مرارا وذهب سنة 1900 لزيارة معرض باريس، وفي سنة 1903 أنشأ جريدة «السودان» باللغتين العربية والإنكليزية في مدينة الخرطوم، وهي ذات ست صفحات كبيرة تبحث في جميع الشئون التي تعود بالنفع على البلاد السودانية لا سيما الزراعة والتجارة.
وله في خلال السنين الطويلة التي صرفها ما بين التعليم والعمل بالعلوم خطب كثيرة طبع قليلها، وبالاختصار أن شهرته تغني عن كثرة الإطناب به، ومعارفه المعروفة عند الخاصة والعامة تشهد له بعلو المنزلة في عالم الفضل، والفوائد العميمة التي بذلها للبعيد والقريب حملت جماهير العلماء والفضلاء على الاعتراف له بالسبق في مضمار العلم والأدب، ولا يقوى السامع لكلامه والقارئ لمقالاته على النكران، وقد قال اللورد كتشنر باشا معتمد بريطانيا العظمى في مصر إذ سمعه ذات مرة يوضح خطابا إنكليزيا للجنرال «سمث» في إحدى الجلسات في مصر «إن الدكتور نمر كله عقل.» وقال غيره «إن عبارته العربية أفصح من عبارة الخطاب الإنكليزية.» وهو يحسن الإنكليزية عدا لغات متعددة أوروبية.
وكان قبل إعلان الدستور في الدولة العثمانية لا يستطيع الرجوع إلى وطنه، فجاء بيروت سنة 1911 بعد غيابه عنها ستا وعشرين سنة، فاحتفل العلماء والأصدقاء بقدومه وأقامت المدرسة الكلية السورية حفلة خاصة في ناديها إكراما لهذا الزائر الذي تعلم وعلم فيها، وكنا حينئذ في جملة المدعوين وقد سمعناه يخطب بفصاحته المشهورة التي أعجب بها كل الحاضرين، وهو الآن أبلغ كاتب سياسي في الشرق وأفصح خطيب عربي بشهادة الذين عرفوه واختبروه، ومنذ إنشاء جريدة «المقطم» انقطع إلى تحريرها مع مشاركة في تحرير مجلة «المقتطف» عند سنوح الفرص، فنال المقطم مركزا عاليا بين الصحف السياسية عموما والعربية خصوصا بقوة برهانه وغزارة مادته وحرية مبادئه، وتعد هذه الجريدة ترجمان أفكار صاحب الترجمة ولسان حاله، وقد أنفق عمره بين المحابر والأقلام وسعى كثيرا في ترقية أحوال الشعب العثماني وتنبيه أفكاره إلى المطالبة بالحرية وكسر قيود استبداد الحكام الظالمين، وترجم مع زميله الدكتور يعقوب صروف كتاب «سير الأبطال والعظماء» وكتاب «مشاهير العلماء» وغيرهما.
إلى هنا انتهى ما أمكننا الوقوف عليه من أخبار صاحب الترجمة سواء كان بما نقله إلينا الرواة الموثوق بهم أو بما اقتطفناه من كتاب «مرآة العصر».
جراسيموس مسرة
مطران بيروت للروم الأرثوذكس وأحد منشئي جريدة «الهدية» لجمعية التعليم المسيحي. ***
هو جرجي بن أسبيريدون بن نقولا بن مسرة مسرة، ووالدته حنة بنت ميخائيل بن عطا الله العايق. أبصر نور الوجود في الثامن عشر من شهر آب سنة 1858
3
في مدينة اللاذقية، فتعلم في مطلع حداثته في أحد مكاتبها البيتية مبادئ القراءة العربية، وعندما ترعرع أدخله أبواه المدرسة الأرثوذكسية التي أنشأها في ذاك العهد السيد ملاتيوس دوماني مطران اللاذقية، فتلقى فيها اللغة العربية على الأستاذين جبران نقولا جبارة (السيد غريغوريوس جبارة مطران حماة الحالي) وشاكر شقير، وألم باللغتين اليونانية والتركية، وكان منذ نعومة أظفاره مولعا بمطالعة الكتب الدينية والتراتيل الكنسية؛ مما حمل صاحب المدرسة على أن ينظمه في سلك الكهنوت، فرقاه في 25 كانون الأول 1873 إلى درجة الرهبنة وأبدل اسمه الأصلي المتعارف «جرجي » بجراسيموس، فكان في هذه الدرجة مشكاة الفضائل ومثال الاجتهاد الروحي والأدبي، ولما رأى راعي الأبرشية نشاطه وأمانته أرسله على نفقته إلى كلية «خالكي» اللاهوتية التابعة للبطريركية المسكونية في القسطنطينية.
وفي سنة 1879 هزه الشوق إلى مسقط رأسه لمشاهدة أهله وإخوانه وترويح النفس من عناء الدرس، فما وصله حتى سامه معلمه شماسا إنجيليا وذلك في 6 آب من السنة المذكورة فكان هذا الترقي باعثا لنشاطه وإقدامه، ثم قفل راجعا إلى مدرسته حيث أتم علومه ونال قصب السبق على أقرانه بإحرازه شهادة قانونية موقعة من رئيس المدرسة ومصدقا عليها من بواكيم الثالث البطريرك المسكوني المنتقل إلى رحمته تعالى من عهد قريب، وذلك في سنة 1882 وهي أول شهادة حاز عليها أحد أبناء سورية فخولته لقب «دكتور» في اللاهوت، ثم عاد إلى اللاذقية حيث أقام في خدمة كنيستها مدة سنتين يدرس في غضونهما اللغة اليونانية والموسيقى فضلا عن الوعظ والإرشاد. فاتصل أمره بمسمعي السيد إياروثاوس البطريرك الأنطاكي في دمشق فاستدعاه إليه وأناط به إدارة القلم اليوناني، فخف صاحب الترجمة في 15 آب سنة 1884 إلى مركزه الجديد الذي لم يتربع فيه أحد قبله من السوريين في مدة البطاركة الأنطاكيين الذين كانوا إلى ذلك العهد من اليونان الأصليين، فوفى وظيفته حقها فضلا عن توليه في ساعات الفراغ تدريس اللغة اليونانية وموسيقاها في المدرسة الأرثوذكسية الدمشقية.
وفي أواسط سنة 1887 باشر في دمشق بناء منارة في صحن الكنيسة المريمية لتعليق جرس كبير كان أهدي إليه من عهد بعيد ولم يكن له قبة ليعلق فيها، وقد شارف ذلك البناء بنفسه مدة سنة كاملة. وبعد وفاة البطريرك إياروثاوس المومأ إليه تضاربت الآراء واختلفت الأهواء على من يخلفه، فأخذ المترجم يبين لجماعة الإكليروس والشعب شدة احتياج الملة إلى حبر من أحبار الكرسي الأنطاكي خبير بحاجاتها ومتفان في تحقيق رغائبها، وأراد به سيادة معلمه المطران ملاتيوس دوماني مشيرا من طرف خفي إلى محاسن صفاته وجليل مناقبه.
فكان أن عاكست الظروف فأصاب الانتخاب السيد جراسيموس أحد مطارنة الكرسي الأورشليمي، فامتعض من هذا الأمر وخصوصا مما كان يسمعه من أغلب الشعب وبعض رجال الكهنوت من أن المطارنة الوطنيين لا يصلحون ولا يجوز لهم أن يكونوا بطاركة، فعول على إزالة تلك الأوهام من عقولهم، وكان أول ما نشره على صفحات جريدة «الهدية» وهي في أوائل نشأتها نبذة تاريخية عنوانها «سلسلة البطاركة الأنطاكيين» وتطرق منها إلى المناظرات الدينية بينه وبين أصحاب جريدة «البشير» حتى حمل «جمعية التعليم المسيحي» صاحبة تلك الجريدة على أن تصدرها أسبوعية بعد أن كانت تصدرها شهرية. وقد أقام له البطريرك الأنطاكي حفلة خاصة في الكنيسة المريمية وسماه فيها «واعظا للكرسي الأنطاكي».
رسوم قسم من الأبنية التي شيدها المطران جراسيموس مسرة في دير القديس جرجس بسوق الغرب.
على أن المترجم لم يكتف بما كان يحرره في «الهدية» بل أخذ في تعريب وتأليف الكتب الدينية، فترجم أولا عن اليونانية رسالة السيد أفجانيوس البلغاري «البينات الجلية» ثم ألف كتاب «الأنوار في الأسرار» وغيرهما. ولما ذاع صيته وطارت شهرته دعاه الشعب الإسكندري لرعايته وخدمة كنيسته، فارتاح إلى هذه الدعوة؛ لأن الشعب الإسكندري كان في مقدمة الشعوب التي خطبت وده وقدرت قدره. وقد رغب البطريرك الأنطاكي أن يكافئه على خدمه المبرورة قبل مبارحته دمشق فسامه في 21 من تشرين الثاني سنة 1888 كاهنا فأرشمندريت، وقد شيع من أهالي الشام كما استقبل من الإسكندريين بمجالي الاحتفاء والتكريم، وهناك تولى خدمة الشعب والكنيسة بهمة لم يعترها ملل حتى ترطبت الألسنة بإطرائه والثناء عليه.
وفي 28 حزيران سنة 1889 انتخبه المجمع الأنطاكي مطرانا لأبرشية حلب غير أنه لأسباب صحية لم يستطع الإذعان لدعوته، فلبث في القطر المصري نحو 14 سنة مواظبا على الخدم الدينية والتأليف والوعظ والإرشاد. ومن حميد مساعيه في القاهرة تأسيسه «الجمعية الخيرية الأرثوذكسية» التي لا تزال إلى يومنا هذا معترفة بجميل مآتيه السابقة.
وفي عام 1900 يمم الحمامات المعدنية في أوروبا استشفاء مما ألم به على أثر مرض الحمى (التيفوئيد)، وهناك زار معرض باريس وتعرف إلى كبار رجالها، وبعد إبلاله قصد سويسرا ثم انتقل إلى إيطاليا فتفقد معالمها ومعاهدها ولا سيما قصر الفاتيكان وآثار روما الشهيرة ، وحظي بشرف المثول أمام قداسة الحبر الأعظم لاون الثالث عشر فأكرم وفادته ونال من لدنه وساما فخريا. وبعد عودته إلى الإسكندرية رأى أن المجمع الأنطاكي أعاد انتخابه مرة ثانية أسقفا لأبرشية حلب فلم يجد سيادته بدا من إجابة طلبه، غير أن الأطباء لم يرخصوا له لأسباب صحية أيضا، وبينما هو والمجمع في هذه المفاوضة وإذ رزئت أبرشية بيروت بمطرانها السيد غفرئيل شاتيلا، فحامت أفكار البيروتيين على طلب صاحب الترجمة غير أن فريقا منهم ظن أن لأبرشية حلب شأنا في هذا الانتخاب فأخذ يعاكس ويحتج على انتخابه، وكثر التشيع والتحزب للفريقين ورن صدى مقالاتهما في جريدة «الرقيب» الإسكندري وغيرها فانقلبت المناظرة إلى المهاترة وكاد الأمر يفضي إلى سوء المغبة.
أما المنتخب فكان لا يبدي ولا يعيد بالنظر لما رآه من حراجة الموقف وخطورته، غير أن العناية الإلهية ألهمت المجمع الأنطاكي بعد ردح من الزمن أن يلبي نداء البيروتيين، فقرر انتخاب سيادته في يوم الخميس 28 آذار شرقي سنة 1902 فقطعت إذ ذاك جهيزة قول كل خطيب، وترنحت عواطف البيروتيين من خمرة الحبور وباتوا يهنئون نفوسهم ويعللونها بقرب مشاهدة مطرانهم الجديد، وبعد ظهيرة السبت في 9 آيار سنة 1902 احتفلت أهالي الإسكندرية على اختلاف نحلها بوداع سيادته وأهدته أبناء طائفته صليبا مع سلسلة من الذهب الخالص مرصعا بالحجارة الكريمة. وقد جرى له استقبال في بيروت نادر المثال وأنشده كاتب سيادته الحالي إلياس حنيكاتي وهو على ظهر الباخرة البيتين الآتيين:
يا قلب وافاك الذي قربه
مسرة يزهو بها العمر
فاطرب بمرأى خير حبر بدا
واعجب ببحر فوقه بحر
رسم الدار الأسقفية التي شيدها المطران جراسيموس مسرة في بيروت.
ثم توجه المترجم إلى دمشق وبمعيته وفد من سراة طائفته، وبعد الاحتفال الشائق بسيامته مطرانا بوضع يد البطريرك ملاتيوس الثاني عاد إلى بيروت على قطار خاص، وقد أقيمت له الزينات الباهرة في كل محطة وكانت بيروت لابسة حلة من الأزهار والأنوار لم تقع العين على أجمل منها، ولو شئنا أن نأتي على وصف حفلة استقباله ونعدد ما أنشد من النشائد وتلي من الخطب والقصائد في تهنئته ومدحه لضاق بنا المقام، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بكتاب «روض المسرة» المشهور. أما مآتيه ومساعيه الخيرية في بيروت منذ تبوأ كرسي أبرشيتها فهي عديدة، أهمها ترميم كنيسة القديس جاورجيوس الكاتدرائية وإنشاء سوق لها مؤلفة من ست دور وثلاثة وأربعين مخزنا، ثم تجديد دار المطرانية على أبدع طرز مما جعلها في مقدمة جميع الدور المطرانية في الشرق، وإنشاء مستشفى فخيم في محلة «الغابة» بدلا من المستشفى القديم الكائن على طريق النهر، ومباشرته «مدرسة السلام» التي أتم منها بناء الطابق السفلي، وتجديد كنيسة «مارديمتريوس» وتنظيم مقبرتها وغير ذلك، وفي قرية «سوق الغرب» التابعة لولايته الروحية جدد بناء كنيسة دير القديس جورجيوس وأنشأ لها أوقافا مهمة أشهرها نزل «نزهة لبنان» على رابية مرتفعة من أجمل المواقع، وتذكارا لترميم بيعة القديس جرجس وإنشاء سوقها في بيروت صار نقش هذا التاريخ فوق باب الكنيسة المذكورة:
لبيعة مار جرجس شيد سوق
وأبنية على ركن موطد
فقل مع راقم التاريخ دامت
بسعي جراسموس الدهر تشهد
سنة 1906
المطران جراسيموس مسرة؛ أحد رسم أخذ له وهو متقلد أوسمة الشرف.
وأما ما كان من مآثره الأدبية والعلمية فإنه ترجم رسالة «البينات الجلية» و«منشور المجمع القسطنطيني» من اليوناني إلى العربي، ونقل كتاب «إسحاق الكندي» من اللغة العربية إلى اليونانية، ونشر كتاب «الأنوار في الأسرار» وكتاب «تاريخ الانشقاق» وكتاب «التيبيكون» و«خدمة القداس» لرئيس الكهنة والكاهن والشماس، ومن مآثره المبرورة أنه عزز شئون الجمعيات الخيرية في أبرشيته ومد يد المساعدة للمشاريع العمومية في الوطن ورتب أحوال الديوان الأسقفي ونظمه وزاد في ريع الأوقاف. ومما يذكر عنه أنه عندما احتفل المسلمون بإقامة تذكار للذين ذهبوا ضحايا القنابل الإيطالية في 24 شباط سنة 1912 ذهب بنفسه إلى مقبرة «الباشورة» الإسلامية ووزع الصدقات السخية على عائلات القتلى في الحادثة المذكورة، وفي 25 شباط 1913 وزع منشورا على عموم أبناء الوطن فروت عنه مجلة «المشرق» للآباء اليسوعيين ما يأتي:
هو منشور لسيادة جراسيموس مسرة مطران بيروت على الروم الأرثوذكس يدعو فيه المحسنين من كل الطوائف إلى مساعدة عيال الجنود الأبطال الذين قتلوا في ساحة الحرب البلقانية، وهي مرة ثانية استحق سيادته شكر العموم لأريحيته في تخفيف بلايا الأهلين الذين ضحوا أولادهم في سبيل الوطن.
وقد برهن صاحب الترجمة عن هذا القول بالعمل فكان في مقدمة الذين قاموا بالواجب الوطني وأدى لعائلة كل عثماني مات في ساحة الحرب مبلغا من المال، ولذلك فإنه جدير بما ناله من علائم الشرف وهي: وسام «المجيدي الأول» ووسام «اللياقة» الذهبي من الدولة العثمانية ووسام «جمعية فلسطين» الذهبي من روسيا، وهو من أكثر الأحبار الشرقيين لطفا وأوفرهم إحسانا وأشدهم تأنقا في معيشته وأعظمهم إقداما على الأعمال الكبيرة، يقرن القول بالفعل ويبذل الدينار في سبيل إعانة البائس ويأخذ بناصر المظلومين لدى الحكام ويعامل الفقير من بني ملته كالغني، وكتاباته كلها التي نشرها إما دينية وإما جدلية، إلا أنه بعد عهد أسقفيته انصرف بكليته عن التأليف إلى سياسة الرعية وتوثيق عرى الوئام والوفاق بين جميع العناصر، يخطب على المنابر وفي جميع المجالس بوجوب الألفة وضرورة الاتحاد؛ فاكتسب محبة الرفيع والوضيع والقريب والبعيد حتى أصبح ناديه من الصباح إلى المساء تؤمه أصحاب المصالح من كل طبقة ورتبة على اختلاف الأديان والطوائف.
سليم عباس الشلفون
المحرر في جرائد «ثمرات الفنون» و«التقدم» و«بيروت» و«المحبة» و«المصباح» و«لسان الحال» ببيروت، وجرائد «العصر الجديد» و«المحروسة» في و«البرهان» و«البيان» و«مرآة الشرق» في القاهرة. ***
هو سليم بن عباس الشلفون وأمه وردة حاتم، ولد في شهر نيسان 1853 في بيروت، ولما بلغ الثامنة من عمره أدخله أبواه المدرسة اليسوعية حيث أحكم أصول اللغتين العربية والفرنسية وشيئا من الإيطالية، وفي السنة الرابعة عشرة ترك تلك المدرسة ولازم العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي مدة خمسة أعوام متوالية حتى برع في اللغة العربية نثرا ونظما، وكان في أثناء ذلك يتردد على إدارة مجلة «النجاح» لنسيبه يوسف الشلفون فتعلم صف الحروف، ومن ذلك الحين نزعت به نفسه إلى فن الصحافة التي خدمها إلى آخر أيامه. ولما أنشئت جريدة «ثمرات الفنون» سنة 1875 انتظم في سلك محرريها فلبث فيها مدة أربع سنوات، وكان في الوقت نفسه ينشئ بعض الفصول في جريدة «التقدم».
ورأى صديقاه سليم نقاش وأديب إسحاق فرط أدبه فأوعزا إليه أن يسافر إلى الإسكندرية لمساعدتهما في تحرير صحيفتي «العصر الجديد» و«المحروسة»، فباشر معهما سنة 1880 بتحرير الجريدة الأولى التي لم يطل أمد حياتها، وقد خلف فيها المقالات الأدبية والتاريخية والسياسية مما يشهد له بطول الباع وغزارة المادة، ثم انتقل منها إلى «المحروسة» فتولاها مدة سنتين حتى احتجبت بظهور الفتنة العرابية المشهورة، وقد تعرف حينئذ بكثير من علماء مصر لا سيما السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وإبراهيم بك اللقاني وعبد الله نديم وغيرهم فأدرك لديهم منزلة رفيعة. وانخرط في الجمعيات المصرية وكان من أهم أركان الحزب الوطني القائل بأن «مصر للمصريين».
وكان رياض باشا يتولى وقتئذ رئاسة الوزارة المصرية فأدرك ما للفقيد من المنزلة وما لكتابته من التأثير الكبير والوقع العظيم في نفوس سامعيه وقارئيه، فحصل بينهما المقيم المقعد وصدرت الأوامر بالقبض عليه، ففر من القطر المصري إلى نابولي ونزل ضيفا مكرما عند إسماعيل باشا الخديو الأسبق الذي كان يعجب بذكائه ودهائه وغزارة علمه وسعة اطلاعه على المسائل التاريخية والأحوال السياسية.
وسافر بعد ذلك إلى الآستانة مزودا بالتوصيات إلى حليم باشا الذي كان مرشحا للأريكة الخديوية فنال فيها التفات أولياء الأمور ورجالها العظام، وكان حليم باشا والصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي يحبانه حبا عظيما ويقدران فضله وعلمه حق قدرهما.
وأنشأ خير الدين باشا في عاصمة السلطنة قصرا فخما في أرض فسيحة أهداه إياها السلطان ونقش على كل من أبوابه الأربعة تاريخا كل منها بلغة، فصادف التاريخ الذي نظمه صاحب الترجمة باللغة العربية استحسان اللجنة التحكيمية؛ لأنه مع إيجازه تضمن حكاية إنشاء القصر والهبة السلطانية وفيه اقتباس بديع من كتاب القرآن، ففضلته اللجنة على سواه وأمر صاحب القصر بنقشه فوق بابه. وبعد سكون الأحوال في القطر المصري عاد إلى الإسكندرية ولكنه لم يلبث أن سافر منها إلى القاهرة؛ لأنه كان يخشى القبض عليه، ثم نال العفو الخديوي فأخذ يحرر في جرائد «البرهان» و«البيان» و«مرآة الشرق» الفصول المدهشة ببلاغتها إلى أن قضت عليه الظروف بالعودة إلى وطنه ومسقط رأسه.
ولما أنشأ الحاج محمد رشيد الدنا جريدة «بيروت» عام 1886 تولى صاحب الترجمة تحريرها مدة 18 سنة، وانتقل منها إلى تحرير جريدة «المحبة» فصحيفة «المصباح» فجريدة «لسان الحال» التي لبث فيها تسعة أعوام وقضي عليه وهو قائم في خدمتها، وحلت وفاته في 9 كانون الثاني 1913 وفي اليوم التابع شيعت جنازته بالاحتفال اللائق، وقد أبنه في مضجعه الأخير الشيخ إسكندر العازار ويوسف خطار غانم بما تستحقه منزلته الأدبية وخدمته للصحافة العربية مدة أربعين سنة. ومن لطيف شعره ما نظمه في تهنئة خليل سركيس ببلوغ جريدة «لسان الحال» العيد الفضي لتأسيسها قال:
أحيك الشعر من منسوج فكري
بألفاظ عذاب كالزلال
وأنسج برده نسجا قشيبا
وأنظم عقده نظم اللآلي
وأسبك كل قافية ببيت
لأمدح فيه محمود الخصال
تركت الشعر قبل الآن لكن
بمدح خليلنا يحلو مقالي
أديب فاضل فطن نجيب
فريد في الفعال وفي المثال
مآثره الكثيرة ليس تحصى
وأين العد من حصر الرمال
لقد أنشا لسان الحال حتى
أفاد بنشره كل الأهالي
ففيه كل فائدة ونصح
وفيه كل إنصاف المقال
طوى خمسا على عشرين عاما
بنظم العقد منه بلا كلال
أفاد به وأحيا كل صاد
بمورده الشهي العذاب الوصال
ففي يوبيله الفضي فخر
وإن الفخر صعب في المنال
عسى الذهبي أن يأتي عليه
وكل الحاضرين بحسن حال
رشيد الشرتوني
المحرر في جريدة «البشير» من سنة 1891 إلى 1906.
ويراعة فجعت بفقد وحيدها
كالأم قد فجعت بفقد وحيد
كل المصائب هينات عندها
إلا المصيبة بالإمام رشيد ***
هو شقيق العلامة الكبير والجهبذ الشهير الشيخ سعيد الشرتوني الذي رفع لواء الفصاحة والبيان بتآليفه الكثيرة. ولد صاحب الترجمة سنة 1864 في بلدة «شرتون» من أعمال جبل لبنان، وأبوه عبد الله بن ميخائيل بن إلياس ابن الخوري شاهين الرامي، وقد غلبت عليه وعلى أخيه النسبة إلى بلدتهما شرتون فعرفا بها بدلا من كنيتهما «الرامي» الأصلية.
سعيد الشرتوني
أحد أعلام اللغة العربية ومنشئ المقالات المعتبرة في «البشير» و«المشرق» و«المصباح» في بيروت ومجلة «المقتطف» في القاهرة.
يحاول المرء في الدنيا البقاء وما
تفوت قدرته تصوير تمثال
والرسم يبقى زمانا بعد صاحبه
دليل عجز وهاكم شاهد الحال ***
تلقى اللغات العربية والسريانية والفرنسية مع مبادئ العلوم في مدرسة «مار عبدا هرهريا» المنسوبة لعائلة بني آصاف في قضاء كسروان، فكان آية في الذكاء والاجتهاد بين أقرانه. ثم درس حينا في مدرسة «عين تراز» للروم الكاثوليك ومدرسة «عين طورا» للآباء العازريين، وبعد ذلك انقطع لخدمة العلم والصحافة عند اليسوعيين في بيروت، فلبث يدرس الآداب العربية في كليتهم 23 سنة ويحرر في جريدتهم «البشير» 15 سنة متوالية، وقد تخرجت على يده حينذاك فئة كبرى من الشبيبة التي أخذت عنه ونهجت منه في طلاوة الإنشاء وتحدي الذوق في العبارة، وكنا نود ذكر بعض تلامذته الذين نبغوا في المعارف لولا كثرة عددهم. وكان «البشير» في عهده من أرقى الصحف العربية في السلطنة العثمانية ومن أكثرها جرأة وأبلغها كتابة. وفي 24 أيلول 1906 ذهب إلى القاهرة حيث تولى تدريس اللسان العربي في مدرسة اليسوعيين وفي مدرسة القديس يوسف للطائفة المارونية.
وفي صيف السنة التابعة عاد لمشاهدة الأهل والوطن وكان متمتعا بالصحة ففاجأته المنية في 23 تشرين الأول 1907 في بيروت، فجرى له مأتم حافل، وأبنه يوسف خطار غانم تأبينا مبتكرا في بابه؛ فأظهر جسامة المصاب به على العلم والوطن، ثم نقلت جثته إلى مسقط رأسه ودفنت بضريح المرحوم والده.
وقد عرف هذا الأستاذ بسلامة السريرة ورقة الأخلاق وجزيل الفضل، فإنه صرف حياته بين المحابر والكتب واقفا أتعابه على المعارف ومحييا لياليه في خدمة الأدب كما تشهد بذلك تآليفه العديدة وهي: أولا «تمرين الطلاب في التصريف والإعراب» وهو قسم للتلميذ وقسم للمعلم في 8 أجزاء، ثانيا «نهج المراسلة»، ثالثا «مبادئ العربية» في الصرف والنحو على طريقة مستحدثة في 3 أجزاء، رابعا «مفتاح القراءة والخط والحساب»، خامسا مقالات لغوية وتاريخية نشرها في مجلة «المشرق ».
ثم نشر بالطبع مع تصحيح العبارة: أولا «تاريخ الطائفة المارونية» للبطريرك أسطفان الدويهي، ثانيا «منارة الأقداس» في مجلدين للدويهي، ثالثا «شرح الشرطونية» للدويهي، رابعا «سلسلة بطاركة الطائفة المارونية» للدويهي أيضا، خامسا «بعض المجامع المارونية الإقليمية» وغيرها.
ونقل الكتب الآتية من اللغة الفرنسية إلى العربية: (1) «التوفيق بين العلم وسفر التكوين»، (2) «الزنبقة البهية في سيرة مؤسس الرهبنة اليسوعية»، (3) «ريحانة الأذهان» في سيرة مار لويس غنزاغا ومار استنسلاوس كوستكا، (4) «مظهر الصلاح» في سيرة القديس الفونس رودريكس، وهذه الكتب من تأليف الأب ده كوبيه اليسوعي، (5) «تاريخ لبنان» للأب مرتين اليسوعي، (6) «السفر العجب إلى بلاد الذهب» للأب ريغو اليسوعي، (7) «حبيس بحيرة قدس» للأب هنري لامنس اليسوعي، (8) «الرحلة السورية في أميركا المتوسطة والجنوبية» للأب لامنس أيضا، (9) «علم الفلسفة» للأب طونجورجي اليسوعي (لم يطبع). وعدا ذلك فإنه تولى تصحيح بعض الكتب في «المطبعة الكاثوليكية»، وقد اعتمد عليه يوسف خطار غانم في مراجعة ما نشره على صفحات «برنامج أخوية القديس مارون» من الفصول التاريخية.
الأب أنطون صالحاني اليسوعي
مدير جريدة «البشير» ورئيس تحريرها سابقا. ***
هو أنطون بن عبد الله صالحاني، وأمه مريم بنت شحادة نعسان، ينتمي إلى أسرة من أقدم عائلات الطائفة السريانية الكاثوليكية في سوريا ومصر، ولد في 5 آب 1847 في دمشق وأخذ مبادئ العلم في مدرسة طائفته ومدرسة الآباء اللعازريين، ولما بلغ السنة الثالثة عشرة من عمره قدحت في 9 تموز 1860 شرارة تلك الفتنة المشهورة التي ذهب فيها العدد الكبير من المسيحيين الدمشقيين ضحايا الظلم والاعتساف، وكان في جملتهم والد صاحب الترجمة الذي قتله الثائرون بعدما أنزلوا به كل أنواع العذاب والإهانة.
إلا أن أنطون نجا من القتل مع رفيقين له في المدرسة بعناية إلهية، فصعدوا إلى السطح وأخذوا يقفزون من بيت إلى بيت حتى بلغوا القلعة، فبقي هناك مع سائر اللاجئين إليها مدة أربعة أسابيع حتى جاء فؤاد باشا من القسطنطينية ووطد أركان الأمن في المدينة واقتص من الثائرين، ثم أخذ هذا الوزير بالاتفاق مع الرؤساء الروحيين يجمع شمل النصارى ويطيب نفوسهم بكلامه العذب ويوزع عليهم الإحسانات بسخاء، وتولى بنفسه ملاحظة أيتامهم الذين جمعهم في أمكنة مخصوصة وشملهم بألطافه.
أما صاحب الترجمة فقد أرسله مطرانه حينئذ السيد يعقوب حلياني إلى محلة «الميدان» في دمشق ثم إلى بيروت وهو يجهل مصير والده الذي غدرت به يد أثيمة، فدخل مدرسة الآباء اليسوعيين ثم انتقل منها إلى مدرستهم في غزير حيث تلقى كل العلوم الثانوية وشيئا من الفلسفة، وأحكم معرفة اللغات العربية والفرنسية واللاتينية وبعض المبادئ اليونانية، وكان يقضي أكثر أيام العطلة الصيفية في مدرسة الشرفة للسريان الكاثوليك حيث كان لا يضيع ساعة واحدة بلا مطالعة أو عمل مفيد، وفي سنة 1867 رافق الأب دي داماس
De Damas
رئيس اليسوعيين عندما افتقد أديرتهم في سوريا ولبنان وزار معه داود باشا متصرف الجبل في «بيت الدين».
ومنذ حداثته نزعت به نفسه إلى اتباع السيرة الرهبانية وطلب من اليسوعيين أن ينتظم في سلكهم، فأجابوا إلى رغبته وأرسلوه مع الأب عطاء الله فرنيه إلى ديرهم في كلرمون
Clermont
بفرنسا، وكان دخوله في 31 آب 1868 إلى الدير المذكور حيث قضى سنتين يتمرن على السيرة الرهبانية وقوانينها.
وفي 8 أيلول 1870 أدى النذور الرهبانية الثلاثة وهي العفة والطاعة والفقر، ثم أرسله رؤساؤه إلى دير
Sons le Sonier
فلبث هناك مدة سنتين (1870-1872) يزيد تعمقا في المعارف البيانية، وعلى أثرها قضى ثلاث سنين (1873-1875) في دير فلس
Valse
يدرس الفلسفة ونال شهادتها العالية، وفي سنتي 1876-1877 تولى التدريس في مدينة أفينيون
Avignon
بكل نشاط، ومنها انتقل إلى دير إكس
Aix
حيث تلقى علم اللاهوت مدة ثلاثة أعوام (1878-1880) أحرز في نهايتها شهادة ملفان (دكتور) في العلم المذكور.
وفي 22 آيار 1880 نال الدرجة الكهنوتية بوضع يد السيد فوركاد مطران إكس وعاد إلى الوطن على أثر طرد اليسوعيين من فرنسا في السنة المذكورة، فلبث في بيروت عاما واحدا (1881) ثم ذهب إلى مصر فعلم فيها مدة أربع سنين (1882-1885) واحدة في الإسكندرية وثلاثا في القاهرة، وفي أثناء ذلك جرت الثورة العرابية فتجند صاحب الترجمة لخدمة المنكوبين وتعزية المصابين اكتسابا للأجر، وفي سنة 1885-1886 سافر إلى دير رهبانيته بالقرب من وندسور في إنكلترا فقضى هناك سنة درس في خلالها اللغة الإنكليزية.
ثم عاد إلى بيروت ولم يزايلها إلا مدة عشرة شهور من سنة 1894 قضاها في الإرشاد وخدمة النفوس في مدينة حمص، وفي شهر آيار 1893 حج إلى الأماكن المقدسة وشهد المجمع القرباني الذي التأم في أورشليم برئاسة الكردينال لنجينو رئيس أساقفة رمس وحضور عدد كبير من بطاركة الطوائف الشرقية وأحبارها، ومن أخباره في بيروت أنه تولى فيها أولا تدريس صف الخطابة وإدارة المدارس العربية في كلية القديس يوسف، ثم عهد إليه بإدارة المدارس المجانية التي أنشأها اليسوعيون في بيروت وضواحيها للذكور والإناث، وتعين مرشدا لرهبانية «أخوات القلبين الأقدسين» مدة طويلة.
وتولى مرتين إدارة جريدة «البشير» ورئاسة تحريرها (1891-1893) و(1895-1899) فأظهر من الجرأة والإقدام والثبات في خدمة الصحافة ما لم يقدم عليه سواه من الصحافيين العثمانيين في عهد الاستبداد، وكانت المراقبة على المطبوعات حينئذ في إبان اشتدادها؛ إذ كان يدير شئونها حسن فائز الجابي وعبد الله أفندي اللذان تركا في قلوب حملة الأقلام تذكارا سيئا، فإنهما حملا على «البشير» وأصحابه حملة شديدة لا يصبر على احتمالها إلا من كان كصاحب الترجمة جسورا مقداما مشهودا له بالحزم وصدق المبادئ، فكان المراقبان المذكوران مع شدة ضغطهما على الصحف المحلية عموما يتساهلان أحيانا مع بعضها في نشر مقالات لا يسمحان للبشير بنشرها في الوقت نفسه، وقد اتصل بهما التحيز إلى غض النظر عن تلك الصحف أن تطعن في البشير بلا حق، وإلى منع البشير من الدفاع عن نفسه ولو كان الحق بجانبه، فكان صاحب الترجمة يحتمل كل ذلك ويلجأ إلى نفوذ قنصلية فرنسا وإنصاف الولاة كإسماعيل كمال بك (الزعيم الألباني المشهور) وعزيز باشا وخالد بك ونصوحي بك الذين كانوا يعلمون فضله ويساعدونه على تخفيف وطأة المراقبين عن الجريدة.
وحدث مرة أن حسن فائز الجابي منع «البشير» من نشر رسالة حبرية أذاعها البابا لاون الثالث عشر وهي تحتوي على نصائح مفيدة ليس فيها شيء من السياسة كسائر الرسائل البابوية، فأبان له الأب أنطون صالحاني خطأه ومعاملته المخالفة للقانون وحرية الأديان في السلطنة، ولما لم تنجح مساعيه بالوسائل المعقولة نشر الرسالة البابوية في الجريدة ووزعها غير مبال بالمنع المذكور، فأصدر المراقب أمرا بتعطيل الجريدة أوجب استياء كل عاقل من تلك المعاملة الظالمة، وللحال سافر الأب كليرة رئيس اليسوعيين مع صاحب الترجمة إلى القسطنطينية، وهناك قدما تقريرا بواقع الحال إلى المسيو كمبون سفير فرنسا ورضا باشا وزير العدلية ويوسف بهجت بك مدير مطبوعات السلطنة، وفي الوقت نفسه أرسل البابا على يد وزيره الكردينال رمبلا يحتج لدى «الباب العالي» على تلك المعاملة التي تمس حرية الأديان، فما كان من السلطان إلا أن أصدر أمرا بإعادة نشر «البشير» وعدم التعرض لكتاباته.
والأب أنطون صالحاني رجل نشيط لا يأخذه الملل في جميع ما يعهد إليه من الأشغال مهما كانت شاقة، وهو عصبي المزاج نحيف الجسم قليل الطعام كثير الاجتهاد يصبر على التعب ولو كان مصابا بأعظم الأوجاع، وقد خدم المعارف العربية خدمة كبيرة بما نشره من التآليف القديمة التي علق عليها الشروح الوافية وهي: (1) كتاب «تاريخ مختصر الدول» لابن العبري، (2) كتاب «ألف ليلة وليلة» في خمسة أجزاء، (3) كتاب «طرائف وفكاهات في أربع حكايات»، (4) كتاب «رنات المثالث والمثاني في روايات الأغاني» في جزأين ، (5) ديوان «شعر الأخطل» في خمسة أجزاء وقد أعاد طبعه.
وألف كتبا ومقالات في مواضيع مختلفة نذكر منها: (1) نبذة عنوانها «التوفيق بين السنين المسيحية والهجرية» وجعلها جدولا في مقابلة السنين الهجرية بما يوافقها من السنين المسيحية منذ ابتداء تاريخ الهجرة سنة 622 إلى سنة 1902 لتاريخ المسيح، (2) نبذة عنوانها «رد على منشور بطريرك الروم القسطنطيني فيما يتعلق بعقيدة الحبل بلا دنس»، (3) رسالة سماها «الطلاق عند المسيحيين»، (4) رسالة «إيضاح مسألة في العماد»، (5) مقالة «قبل الولادة وبعد الموت» رد فيها على مجلة المقتطف، (6) رسالة في «الخمير والفطير»، (7) مقالة سماها «نقائض جرير والفرزدق»؛ وغير ذلك مما نشره على صفحات مجلة «المشرق» أو لم يزل باقيا بلا طبع.
سليمان البستاني
أحد المحررين في مجلة «الجنان» وجريدتي «الجنة» ومنشئ مجلة «شيكاغو» التركية في شيكاغو بأميركا الشمالية. ***
نشأته
هو سليمان بن خطار بن سلوم شقيق المطران بطرس بن نادر شقيق المطران عبد الله البستاني، ولد في 22 آيار سنة 1856 في «بكشتين» إحدى قرى إقليم الخروب التابع قضاء الشوف في لبنان، وتلقى مبادئ العربية والسريانية من عم جده المطران عبد الله؛ إذ كان مقيما مع عائلة خطار حفيد أخيه نادر، وفي السابعة من عمره دخل المدرسة الوطنية في بيروت لنسيبه المعلم بطرس وبقي فيها ثماني سنوات مجدا في التحصيل ممتازا بحسن الصفات، وقد مثل مرة دور «منتور» في رواية «تليماك» بمهارة يندر أن يأتي بمثلها من كان في سنه، وهذه الرواية لأحد معلمي المدرسة الوطنية الشاعر سعد الله البستاني مؤلف بعض الروايات والمحرر في «الجنان» و«الجنة» و«الجنينة»، وقد ورد رسمه في [الكتاب الأول - الباب الثاني] من هذا الكتاب.
وكانت ذاكرة سليمان قوية فساعدته على التوسع بالمعارف والتمكن من حفظ المعاني حتى إذا احتاج إلى شيء منها تذكرها دون أن يبحث عنها، وقد سرد مرة «على الغيب» كأنه يقرأ في كتاب نشيدا ونصف نشيد من نشائد ملتن الشاعر الإنكليزي في «فردوسه المفقود» مع قسم وافر من قصيدة «سيدة البحار» لولتر سكوت كاتب الإنكليز الروائي، واستظهر ألفية ابن مالك وأنشد بناء على طلب رئيس المدرسة في حفلة عمومية مائتي بيت منها ولم يتلعثم.
ومكث يتعاطى التعليم حيث تعلم ويحرر في «الجنة» و«الجنان» وتولى تحرير «الجنينة» وساعد في تأليف «دائرة المعارف» وانتظم في جمعية «زهرة الآداب» وترأسها مرتين.
وجاهد في سبيل النهضة الأدبية وعد من مؤسسيها في سوريا يوم لم يكن يهتم بهذا الأمر إلا القليل النادر من بني البلاد. وفي السن الذي ينصرف فيه المرء إلى اللهو والتمتع بالملذات الجسدية كان سليمان البستاني منصرفا إلى ترقية نفسه وتهذيبها، بل إلى زيادة معارفه وتوفير آدابه، ولم يكتف بشهادة المدرسة النهائية ولا بمهنة محرر ولقب أديب، بل عكف على الدرس والتبحر والاستفادة عارفا بأن العمر مهما طال أقصر من استيعاب مطامع الإنسان وشاعرا بأن الشباب حري بهذا الجهاد.
في العراق
فبعد صيته وامتدت شهرته إلى العراق فدعاه وجهاء البصرة بزعامة قاسم باشا زهير لإنشاء مدرسة ونشر جريدة، فذهب إليها وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، فأنشأ مدرسة أدارها سنة ثم تركها لغيره واشتغل في التجارة، وقد دعاه إليها ما رآه فيها من بواعث الأسفار مما ينيله بغية استطلاع أحوال بلاد يرغب في درسها، واتخذ بغداد مقرا له وتعين عضوا في محكمتها التجارية ومديرا لبواخر عمان بينها وبين البصرة.
وهذه البواخر تخص الحكومة وقد أصلح إدارتها مدحت باشا مؤسس أول مطبعة وأول جريدة في العراق، وأنشأ معملا للحديد كبيرا ألحقه بها إذ كان واليا لبغداد، ولكنها ما برحت أن ساءت أحوالها وتقهقرت وانحطت بعد ذهاب مدحت وتمادى فيها الخلل وعمها التشويش، فانتهبت ورزحت عاجزة تحت أثقال الديون إلى أن تولى البصرة ثابت باشا، ففاوض العاصمة بأمرها ففوضوه بإصلاحها وبالاتفاق مع مجلس إدارة الولاية بعد البحث الطويل عينوا البستاني مديرا لها وسلموه زمامها، وعهدوا إليه أيضا بإدارة المعمل وأطلقوا يده في التصرف الداخلي والعزل والتنصيب، فاشتغل ثلاثة أشهر فقط فرتب الأشغال وأحسن اختيار العمال واقتصد بالنفقات وأخلص بالعمل، فأصلحها ووفى الديون وجمع ألوف الليرات أرباحا.
وأقام في العراق ثمانية أعوام ساح في خلالها مرات في بلاد العرب والعجم والهند سياحات علمية مكنته من تثبت أحوال تلك البلاد، وسار أياما في البادية ممتطي الإبل حيث لا بشر ولا ظل، وزار «الرقمتين» وجميع الأماكن المشهورة ودرس القبائل وعاداتها وفهم أخلاقها وأساليب حياتها، وأحصاها بسبعة ملايين بدويا إحصاء دقيقا لم يسبق إليه ولا فاقه أحد فيه مبتدئا به من سوريا فالعراق فأطراف الأناضول فنجد والحجاز واليمن وعمان وحضرموت وغيرها، وألف من أخبارها كتابا كبيرا يثبت أن المؤلف من أدق الباحثين ومن أصدقهم رواية وأقواهم حجة، وجمع من مرويات أهلها قصائد شتى في ديوان كبير وعد بتمثيل منتخباته للطبع مذ أصدر الإلياذة وحالت أشغاله دون طبعه، وإليه ينسب اكتشاف قبيلة عربية ما دون اسمها في كتاب بعد ولم يعلم بها عالم قبله.
في الآستانة
وجاء بيروت فاشتغل في «دائرة المعارف» وكان نسيبه سليم أحد مؤلفيها قد شرع في ترجمتها إلى اللغة التركية، وعهد بذلك إلى لجنة من خيرة كتاب الترك برئاسة خلقي أفندي رئيس المكتب السلطاني فأنجزت منها نحو مجلدين وتوفي سليم قبل مباشرة الطبع، فعزم سليمان وإخوة الفقيد على إتمام العمل فسافر إلى الآستانة يستأذن وزارة المعارف بذلك، فاتصل بكامل باشا وكان يومئذ وزير الأوقاف وبسعيد باشا الصدر الأعظم وغيرهما من الوزراء كجودت وصبحي، وظل يتردد على الوزارة ثلاثة أشهر وهي تماطله إلى أن علم الصدر الأعظم بذلك بإشارة كامل فقال له: «لو خطر لي أنك لقيت هذه المماطلة لأغنيتك من تلقاء نفسي عن هذا العناء، فاذهب الآن مطمئنا وعد إلي بعد ثلاثة أيام.»، وفي اليوم التالي فاز بالإذن وصارت الرخصة بيده فزار سعيد باشا في اليوم الثالث ليشكره لا ليشكو إليه، غير أن اشتداد المراقبة والضغط على المطبوعات بعدئذ وأسبابا غيرها معها آلت إلى إهمال المشروع فبقي طي الخفاء.
وما طال غياب البستاني كثيرا عن بغداد بل عاد إليها وتزوج كلدانية غنية هي ابنة المثري أنطون البغدادي، ولكنه لم يبق في الزوراء أكثر من عامين؛ إذ رجع إلى الآستانة وصرف فيها سبعة أعوام غادرها في أثنائها إلى أميركا لتولي إدارة القسم العثماني في معرض شيكاغو سنة 1893، وأنشأ مجلة تركية مدة المعرض باسم «شيكاغو» هي أول وآخر صحيفة تركية أميركية، بل هي الوحيدة التي لن يماثلها غيرها أبد الدهر بالإرادة سنية، حتى أحرفها نالت نصيبا من سوء السياسة وسخافة الأوهام؛ إذ اشترتها سفارة تركيا بعد توقف المجلة لئلا يستخدمها حر في نقد سياسة الدولة، وكان نصيب منشئها الخسارة؛ لأنه لم يملق الباب العالي ولا أطرأ المابين الهمايوني كما أشير عليه، وبعد رجوعه سأله جواد باشا الصدر الأعظم بعض نسخ منها فأرسلها إليه وكتب في صدرها هذه الأبيات:
هذي صحيفتي التي سودتها
بدم الفؤاد وقد شططت مزارا
أعظمت قدر كولمبوس فتبعته
بمشقة فيها شققت بحارا
ولقيت ما لاقاه من أهل النهى
فكفى بذا أهل النهى تذكارا
ومن أشغاله في الآستانة سعيه لدى وزارة النافعة لإصلاح الري في العراق وعمله تقريرا مسهبا بذلك ضمنه معلوماته الواسعة عن تلك الأرجاء الخصبة، فكان أول من كتب رسميا بهذا الشأن وقد طلب الترخيص بإرواء بغداد وضواحيها بالرافعات البخارية فصمت مفاسد الدولة آذان الوزارة.
ومما شاهده فيها من فظائع الاستبداد مذبحة الأرمن عام 1896 شهدها من أولها إلى آخرها بما فيها من الهول المرعب، وكان مقيما في «فنار باغجه» مجاورا لفؤاد باشا منفي الشام المعروف بلقب «الدلي فؤاد» فرآه صاحب الترجمة بعينه يطوف الشوارع بين الرعاع مسلحا جريئا ناهيا عن سفك الدم واعظا منذرا متلطفا متهددا يؤمن الخائف ويرعب الخائن.
في مصر
وأقام البستاني بعد ذلك في مصر إلى سنة 1908 يضارب بالأسهم والأطيان ويشتغل بالمعارف والآداب، فأصدر فيها سنة 1904 «الإلياذة» الشهيرة وسيأتي وصفها في الصفحات التالية، ونشر بالاشتراك مع نسيبيه نجيب ونسيب البستاني الجزأين العاشر والحادي عشر من دائرة المعارف، وألف كتابه «عبرة وذكرى» على أثر الانقلاب العثماني وأصدره بسرعة أعجب الناس بها. وترأس «جمعية الكتاب» وانتخب عضوا في عمدة «الجامعة المصرية» ونال من حفاوة العظماء ما هو جدير به، ولما صدرت إلياذته احتفى به أعاظم المصريين والسوريين احتفاء شائقا في نزل «شبرد» في القاهرة في 14 حزيران من تلك السنة، فخطب في الاحتفال أعلم علمائهم، وكان لذلك تأثير جميل رأى كاتب هذه السطور أن يردد صداه عامئذ في بيروت باحتفال مثله عندما جاءها سليمان، فما استطاع لضغط المراقبة واستبداد الحكومة، وعبثا كان اقتراحه ذلك في جريدة لبنان. وقد جمع نجيب متري صاحب «مطبعة المعارف» في مصر كل ما قالته الجرائد في الإلياذة وما قيل في ذاك الاحتفال بكتاب على حدة نشره بيانا لما نالته من الأهمية عند العلماء.
وكان يأتي لبنان في الصيف وقد شيد للتصييف منزلا كبيرا في مسقط رأسه «بكشتين»، وكثيرا ما جال في أوروبا وأميركا باحثا منقبا يدرس التمدن الحديث مباشرة ويقتبس معارف الإفرنج وآدابهم حسا ومعنى، وما زال متمصرا إلى حين إعلان الدستور؛ إذ غادر مصر عائدا إلينا فانتخبناه نائبا عنا في مجلس المبعوثان، وقد كتبت حينئذ مقالة كبيرة بهذا الشأن في جريدة لسان الحال في 13 تشرين الأول سنة 1908، ولما تم انتخابه نظمت فيه نسيبتي السيدة وردة اليازجي نزيلة الإسكندرية هذين البيتين وقالتهما في وداعه:
أخلق ببيروت دار العلم من قدم
أن تصطفيك على الأيام معوانا
فالله لما ارتأى إعلان حكمته
ما اختار من شعبه إلا سليمانا
في المبعوثان والأعيان
ومذ تعين مبعوثا سكن الآستانة ولا يزال ساكنا فيها، وقد انتخبه المبعوثان رئيسا ثانيا للمجلس سنة 1910 وأوفدته الدولة إلى أوروبا مرات بصفة رسمية ورأسته بعض الوفود، فزار العواصم الكبرى توثيقا لعرى الولاء بين الدولة والدول وحلا للمشاكل المهمة، وقابل ملك الإنكليز ورئيس جمهورية فرنسا وغيرهما من أعاظم السياسيين وكان خطيب الوفد ومجلى محامده، وقد خطب في حضرة الملك إدوار وفي الحفلة السنوية لجامعة أكسفورد إذ انتدبته عمدتها ليكون خطيبا لها، وإذ أعجب الأوروبيون به تناقلوا رسمه بجرائدهم ونشروا سيرته في إنسكلوبيدياتهم. وعندما هم عبد الحميد بالفتك بالاتحاديين بفتنة نيسان المشهورة عام 1909 بقي البستاني في العاصمة إلى التئام الجمعية العمومية في «سان استفانو» فحضر الاجتماع وقرر مع المجتمعين خلع السلطان، ولما جاء وفد مسلمي الهند لاستطلاع أسباب الخلع أقنعهم بصحته ولزومه . وحالما ارتقى إلى عرش آل عثمان السلطان محمد رشاد سار سليمان في طليعة معلني ذلك إلى دول أوروبا كما سار قبلا في مقدمة الوفد النيابي لرد زيارة النواب الأوروبيين.
ومن مآثره في المبعوثان تأليفه اللجنة النيابية الدولية للتعارف وتأييد علائق الوداد بين المجلس وبقية مجالس النواب في العالم، ولجنة التحكيم الدولي العثمانية لإزالة سوء التفاهم في المشاكل التي تحصل بين الدولة والدول وفضها بالتي أحسن، ودعمها بجمعية مرتبطة بها لتمد فروعا لها في الولايات تحكيما لعرى الإخاء بين العثمانيين على اختلاف عناصرهم، وهذه قد صدق عليها مجلسا المبعوثان والأعيان وتلك عززها البستاني بترؤسه لها كما أيد لجنة الأعمال الخارجية في المجلس، وهو قد عضد اللغة العربية وأيدها في المحاكم ومدارس الحكومة وبقية الدوائر في بلاد العرب، واستصدر الأوامر الرسمية بمنع توظيف جاهليها في هذه البلاد، ومنع غير أبنائها من تدريسها في المدارس الإعدادية والرشدية والسلطانية وإرجاع من عزلوا من وظائفهم إليها لجهلهم لغة الأتراك، ونقض الأمر بمنع الأطباء والصيادلة المتخرجين في المدارس الأجنبية من الاستخدام في البلديات ومستشفياتها واهتم بمواطنيه مهاجري سوريا فألف لجنة رسمية للنظر في أمورهم، وسعى فأنشأت الدولة بسعيه قنصليات لها حيث يكثرون وبهمته قرر المبعوثان النفقات اللازمة لذلك. وجاهد لصيانة حقوقنا نحن البيروتيين في «مكتب الصنائع» فمنع الحكومة من الاستيلاء عليه، وبما أن هذا المكتب قد أنشئ بمالنا فحفظه سالما لنا، وحمل وزارة النافعة على تقرير إصلاح طريق المركبات من هنا إلى الشام، واعتنى بالتوفيق بين الإكليروس والعلمانيين الأرثوذكسيين في فلسطين عندما تنازعوا على إدارة الأوقاف وتأليف المجلس الملي المختلط، وساعد على منع الضرائب غير المشروعة من العراق واليمن وأوضح أحوال بعض العشائر البدوية لتتحسن معاملتها الرسمية، ونفى التهم الموجهة إلى جرائد السوريين إن في المهجر أو في الوطن، وحاول إزالة سوء التفاهم بين الترك والعرب والتقريب بين قلوب العنصرين ورغب في وفاقهما حبا بمصلحة الدولة، كما أنه كان صلة خير بين جميع العناصر، وقد دافع عن سمعة الأمة دفاعا مجيدا في صحف الفرنسيس والإنكليز وأقنع الأوروبيين وغيرهم بموافقة الدستور لشرع الإسلام وأن هذا لا ينافي ذاك إن فهمت أصوله.
ولم يطل أجل النيابة على سليمان إذ انتخبه جلالة السلطان عضوا في مجلس الأعيان، وكان ولا يزال لجلالته نظر عليه يستحقه فضله، وقد قابله مرارا وأناله منه التفاتا سنيا. والصدور العظام قد عرضوا عليه تولي بعض الوزارات أكثر من مرة فلم يرض بها، وله في هذا المجلس مآثر عظيمة وهو ما فتئ يشتغل لخير البلاد وفي كل يوم له مأثرة.
علومه وآدابه
على أن شهرة البستاني السياسية لم تكن شيئا بجانب شهرته العلمية، ومجده الأدبي فاق مجده السياسي، وهو متحف اللغة العربية بإلياذة هوميروس وكفاه بهذه ذكرا خالدا، وقد عربها عن اليونانية شعرا ونظمها بأحد عشر ألف بيت في خلال سبعة عشر عاما، وصدرها بمقدمة فضلها بعضهم عليها، وشرحها ونظم بعضها بأسلوب جديد بعد أن طالع ترجماتها إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، ودرس لأجلها لغة اليونان القديمة، وتمكن منها تمكنه من سبع لغات غيرها عدا إلمامه بخمس؛ فجاءت تحفة مبتكرة أصح منها في جميع اللغات المترجمة إليها، وبلغ عدد صفحاتها ألفا ومائتين وستين صفحة.
والإلياذة أربعة وعشرون نشيدا تتألف من زهاء ستة عشر ألف بيت نظمها هوميرس الشاعر اليوناني من نحو ثلاثة آلاف سنة في وصف حادثة مفادها: أنه كان في جملة السبايا التي غنمها اليونانيون من الترواديين في حرب تروادا فتاة جميلة وقعت في سهم «أخيل» بطل اليونان فانتزعها منه أغاممنون زعيمهم الأكبر، فعظم الأمر على الأول وكاد يبطش بالثاني ولولا نزول أثينا إلهة الحكمة من السماء ومنعها له قسرا، فانكفأ عنه واعتزل القتال هو ورجاله، فاشتد لاعتزاله الترواديون ونكلوا بأعدائهم منتصرين عليهم في مواقع عديدة، ولما ضايقوهم استعانوا بأخيل وهو في عزلته يتلهب غيظا فرد وفودهم خائبين، وإذ تواصلت انكسارات قومه وأشرفوا على الاندحار التام أجاز لصديقه فترقل بناء على إلحاحه الشديد بأن ينجدهم برجاله، ففعل وكاد يغلب الأعداء لو لم يقتل، ولما علم أخيل بمصرعه التاع فؤاده وأسرع ليثأر له فصالح أغاممنون وخاض المعامع فانتصر وقتل هكتور زعيم الترواد وشتت شملهم. وكان سبب هذه الحرب أن فاريس بن فريام ملك تروادا أوفد برسالة إلى إسبرطة ونزل ضيفا في بيت ملكها منيلاوس، وكان هذا غائبا عن عاصمتهم وله زوجة جميلة تسمى هيلانة فأحبها فاريس وأغراها على الذهاب معه إلى بلاده، فثار الإسبرطيون واليونان يحاولون استرجاعها بالسلم فخابوا، فحاربوا الترواديين حربا هائلة وحاصروا عاصمتهم «اليون» عشر سنين إلى أن فتحوها ودمروها وعادوا بمن كانت السبب إلى زوجها.
وقد تخلل موضوع «الإلياذة» حوادث علمية دينية وصفها الشاعر مع جغرافية محلاتها، وجميع العلوم التي كان لها اتصال بها كالسياسة والدين والطب والفلك والصنائع وسائر الفنون الجميلة؛ مما جعلها دائرة معارف عصرها، وأنالها من الأهمية ما جعل اليونان يتناقلونها من القرن العاشر قبل المسيح ويتناشدونها في كل مكان، وحسب هوميرس منها أن عدوه لأجلها في مصاف الآلهة وسكوا النقود باسمه ورسمه وشيدوا له الهياكل كإله وعبدوه فيها.
أما تعريب «الإلياذة» فقد صدره البستاني بمقدمة نفيسة أورد فيها سيرة ناظمها وبيان منظوماته ومنزلته عند القدماء ورأي المتأخرين فيه وأقوال العرب في شعره. وبحث في إلياذته وموضوعها وطرق تناقلها قبل الكتابة ثم في جمعها وكتابتها وسلامتها من التحريف مع ما فيها من قليل الدخيل والساقط والمكرر والمغلق، وأتى على تحليلها وتشريحها وبسط فوائدها للأدب والتاريخ وسائر العلوم والفنون والصنائع، وأوضح الأسباب الداعية إلى إغفال العرب نقلها إلى لغتهم في صدر الإسلام، وروى كيف عربها وذكر مناهج العرب في نقل الكتب الأعجمية وما يجب أن يعول عليه من أساليبها، وقارن بين الإلياذة والشعر العربي وأسهب في ذلك إسهابا كليا مع المقابلة بين اليونان والعرب، ووصف آدابهم وأشعارهم وكل ما له تعلق بهذا الموضوع وشرحها بإسهاب شرحا مفكها مفيدا رصعه بزهاء ألف بيت عربي في مثل معاني الإلياذة وحوادثها لنحو مائتي شاعر، ومثل المتن الشعري بالشكل الكامل وزين الشرح بالرسوم وأضاف فهرسا مستوفيا لكل محتويات الكتاب ومعجما لغويا تاريخيا.
وسلك في النظم مسالك جديدة منها «المثنى» تبنى قصيدته على قافية يرجع إليها في كل بيتين مرة، وعروض البيت الثاني فيه مطلقة من القافية على نحو ما اصطلح عليه المتأخرون في «الرباعي» أو «الدوبيت الأعرج» ومثاله:
لو تربصت والعجاج استطارا
ونجيع الدماء سال وفارا
وتبصرت بابن تيذيس لم
تدر أي الجيشين منه أغارا
مستشيطا ينقد فوق الأعادي
ينهب السهل بين عاد وغاد
كخليج يضيق بالسيل مجرا
ه فيستأصل الجسور الكبارا
والمربع ومثاله:
كسا الفجر وجه الأرض ثوبا مزعفرا
وزفس أبو الأهوال في أرفع الذرى
على قمة الأولمب تصغي مهابة
لمنطقه الأرباب ألف محضرا
فقال: ليعلم كل رب وربة
بما اليوم في صدري فؤادي أضمرا
فلا ينبذن الأمر عاص بل أذعنوا
لأنفذ ما أبرمت أمرا مقدرا ***
لنصرة أي القوم من يجر منكم
يأوبن منكوبا يخضبه الدم
وإلا فمن شم الأولمب براحتي
إلى ظلمات الدهم يلقى ويرجم
إلى حيث أبواب الحديد قد استوت
على عتب الفولاذ والقعر مظلم
إلى هوة بين الجحيم وبينها
مجال كأقصى الجو عن أسفل الثرى
والمثمن أو المربع المسمط ومثاله:
قضيض الجيش مذ ذعرا
هزيما كالظبا نفرا
إلى إليون حيث هنا
ك خلف حصاره انحصرا
يجفف في ظلال قلا
عه عرقا به سبحت
كتائبه ويروي غ
لة فيها قد استعرا
وراءهم الإخاءة والجوا
ئن في عواتقهم
جرو لكن هكتورا ترب
ص يرقب القدرا
لدى أبواب أسكيا
قضاء الشوءم مثبطه
وبابن إياك آفلون
أحدق يصدق الخبرا
والموشح المثمن ومثاله:
سار هكتور حثيثا وأتى
باب أسكية والزان ظليل ***
فتلقته نساء وبنات
منه علما تتقصى سائلات
عن بنيهن وأخوات ثقات
وبعول وأخلا فأمر
أن يبادرن على ذاك الأثر
ويصلين لأرباب البشر
علها ترفع عنهن الأذى
ولزاهي قصر فريام مضى
هو صرح شيد بالنحت الجميل
فوق أبواب رواق مستطيل *** •••
ضمنه صف بديع المنظر
غرف قد بنيت بالمرمر
كلها خمسون ملس الحجر
لبني فريام شيدت مضجعا
وثوت أزواجهم فيها معا
ويجاذبهن صف رفعا
فيه بالإيناس والرغد ثوى
مع كل ابنة الصهر الحليل
وتصريع المتقارب ومثاله:
خلت ساحة الحرب من كل رب
فعج العجاج بطعن وضرب
فمن سمويس إلى زنثس
قراع السيوف ومد القسي
هذه أمثلة وجيزة مما أحدثه البستاني في نظم الإلياذة نكتفي بها للدلالة على شيء منها عدا وصفها وشرح مقدمتها بيانا لما حوته من الفوائد والمستحدثات، ولذلك لا غرو إذا حسبنا إلياذته تحفة يحق للغة العربية أن تفاخر فيها.
وهو قد نظم أيضا نحو خمسة آلاف بيت شعر لم يحفظ عنده منها إلا ما اقتصر على وصف الحوادث وفلسفة الأخلاق. ومن نظمه هذان البيتان عربهما عن الفارسية:
قضيت إلهي بالعذاب ويا ترى
بأي مكان بالعذاب تدين
فليس عذاب حيثما أنت كائن
وأي مكان لست فيه تكون
وبيتان أيضا عربهما عنها في المعنى الآتي:
وحقك أدركت شفتي روحي
ومن شفتيك تنتظر الإفادة
فديتك عجلي بالأمر واقضي
بموت اليأس أو عيش السعادة
ومن نظمه أيضا:
أنا ما أنا أمسي ويومي وفي غدي
سواء توالى الخير أو عظم الشر
أحب محبي نابذا حاسدي الذي
قلاني كما لو كان قد ضمه القبر
ومن تواريخه الشعرية ما قاله في تهنئة صديقه يورغاكي أفندي إليان أحد وجهاء حلب الأماثل عندما نال الرتبة المتمايزة:
لا زالت الشهباء أكرم موطن
فيها المناقب بالمناصب فائزة
وبآل إليان تعز شئونها
فلكم بهم غر المآثر بارزة
ولكم ليورغاكي بها فضل سمى
فحباه مولى الملك أفخر جائزة
واحتل منصب عزة تاريخه
قد نال أصدق رتبة متمايزة
سنة 1885
ومنها تاريخ لأحد جوامع البصرة نظمه باقتراح قاسم باشا زهير ونال عليه جائزة فنقشوه على باب الجامع أثرا خالدا، ومن مؤلفاته تاريخ مطول للعرب في ألفي صفحة لم يطبعه بعد. وقد كتب سياحاته لحين إعلان الدستور في نحو ألف صفحة، وله مقالات عديدة في الجرائد والمجلات الإفرنجية أخصها الفرنسية والإنكليزية. ومع تعمقه بالعلوم والآداب أتقن درس لغات العرب والترك واليونان والفرس والسريان والفرنسيس والإنكليز والإيطاليان وألم باللاتينية والعبرية والهندية والألمانية والروسية، وعد أعرف سوري بعادات وأخلاق الشرقيين والغربيين.
ومع كل ما فعله من عظيم الأعمال لم يتخذ رتبة ولا لقبا حتى ولا وساما، بل كثيرا ما كان يرفض ما يعرض عليه منها، ومع تباعده عن أمجاد العالم وتجنبه التظاهر والمباهاة ما بلغ مكانا يعرف فيه قدر العلم وقيمة الفضل إلا فاح طيبه كالعنبر فاحتفي به واحترم، ولا شبهة عندي بأن أخلاقه مبعث الاحترام له فضلا عن معارفه الغزيرة التي ندر أن يستجمعها رأس واحد، وأخلاق البستاني من أشرف أخلاق الناس وأسماها.
جرجي نقولا باز
نجيب البستاني
صاحب الامتياز الثالث لمجلة «الجنان» وجريدة «الجنة». ***
هو ثالث أنجال المعلم بطرس بن بولس بن عبد الله بن كرم بن شديد بن أبي شديد بن محفوظ بن أبي محفوظ البستاني، ولد في 7 كانون الأول 1862 في بيروت، فدخل أولا المدرسة الوطنية التي أسسها والده ثم الكلية الأميركية، فأتقن العلوم العقلية والنقلية ودرس اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، وسنة 1878 عينه أبوه مساعدا له في تأليف كتاب «دائرة المعارف» وكان العمل جاريا حينئذ في المجلد السادس منها، فكان في جملة ما أنشأه مقالة ضافية عن روسيا، أجازه عليها القيصر بعد ذلك بوسام القديس استانسلاس من الطبقة الثالثة. ولما أدركت الوفاة المعلم بطرس البستاني سنة 1883 ثم سليم البستاني سنة 1884 خلفهما في امتياز جريدتي الجنان والجنة، وحررهما مدة سنتين وأودعهما المقالات السياسية والأدبية والتاريخية والروايات، وبعد احتجابهما تفرغ لتأليف «دائرة المعارف» بمساعدة أخويه أمين ونسيب وابن عمهم سليمان فأصدروا المجلد التاسع، ثم اتفق ورثة أبيه على أن ينيطوا به إتمام هذا المشروع العظيم فكتبوا له العقود الرسمية وحولوا إلى اسمه حقوق اشتراك الحكومة المصرية في الكتاب المذكور، وفي السنة 1886 استقدمه رياض باشا إلى مصر للنظر في بعض شئون دائرة المعارف، فحظي مرارا بمقابلة توفيق الأول خديو مصر الذي شمله بالتفاته ووعده بالعطف على مشروع «دائرة المعارف» شدا لأزره في تأليفه ونشره.
وسنة 1893 اشترك مع بعض أبناء سوريا في تأليف شركة لتمثيل العادات الشرقية في «معرض شيكاغو» العام، وفي السنة التابعة سافر إلى مصر فنال شرف المثول لدى خديويها عباس الثاني، وبعد عودته إلى سوريا تعين عضوا فخريا في دائرتي الحقوق والجزاء في بيروت وعضوا عاملا في مجلس المعارف فأقام في هذه الوظيفة سنة كاملة.
وسنة 1895 انتدبه نعوم باشا حاكم جبل لبنان لرئاسة محكمة المتن فخدمها ست سنين بالنزاهة المشهورة عن آل بستاني، وفي تلك الأثناء اتفق صاحب الترجمة وأخوه نسيب مع ابن عمهما سليمان على نشر كتاب دائرة المعارف في مصر لما كان يحول دون ذلك من العثرات في الدولة العثمانية، فسافر نسيب مصحوبا بمكتبة الدائرة إلى مدينة القاهرة حيث جرى فيها إتمام وطبع الجزأين العاشر والحادي عشر.
وسنة 1900 تولى نجيب وظيفة المدعي العمومي الاستئنافي في مركز متصرفية لبنان، فقضى فيها خمس سنين ونالت لعهده شأنا كبيرا في القضاء بحكومة الجبل المذكور، وسنة 1905 استقال منها وسافر إلى وادي النيل لمزاولة فن المحاماة، فتولى رئاسة قلم القضايا في عدة شركات بلجيكية وقيدته محكمة الاستئناف المختلطة في عداد المحامين لديها.
ولما ارتقى السلطان محمد الخامس إلى عرش الخلافة سنة 1909 ألف المسيحيون العثمانيون المقيمون في مصر وفدا من الأعيان ينوب عنهم في تهنئة جلالته، فكان صاحب الترجمة في جملة أعضائه ونال معهم شرف المثول والرعاية لدى الخليفة الأعظم، وعدا وسام «القديس استانسلاس» المار ذكره فقد أحرز المترجم وسام «القديس غريغوريوس الكبير» من البابا لاون الثالث عشر، وحاز على «الرتبة المتمايزة» والوسامين «العثماني الثالث» و«المجيدي الرابع» من الحضرة السلطانية وعين عضوا في «الجمعية الآسيوية الإيطالية».
وقد دعي مرتين إلى مؤتمر المستشرقين في استوكهلم وروما فأعد خطبة عن تاريخ النور وحكاية أحوالهم وعاداتهم وأخلاقهم، ولما كانت أشغاله الكثيرة قد منعته من الحضور بالذات في مؤتمر روما فجرت تلاوة خطبته في جملة محاضرات المؤتمر المذكور، على أنه قدم لملك أسوج ولرئيس الجمهورية الفرنسوية مجموعة مؤلفات والده مشفوعة بأجزاء الجنة والجنان ودائرة المعارف، فورد إليه جوابان يتضمنان الاعتراف بالفضل الأدبي والعلمي.
ولنجيب البستاني منظومات شعرية مختلفة المواضيع لم تنشر بالطبع، وله خطبتان ألقاهما في «جمعية شمس البر» في بيروت إحداهما عن «فينيقيا والفينيقيين» والأخرى في «غرائب العلم» طبعتا في مجلة المقتطف، وله أيضا مقالات شتى فرنسية نشرت في جريدة
Journal du Caire
سنة 1909 أتى فيها على وصف مدينة القسطنطينية وآثارها وجمالها الطبيعي وسياسة الدولة العثمانية قبل إعلان الدستور وبعده. وسنة 1912 سافر إلى إيطاليا وسويسرا وفرنسا وحظي في باريس بمقابلة حضرة وزير المعارف وعدد من كبراء السياسة والمؤلفين والصحافيين. وهو أبي النفس لطيف المحاضرة حسن المبادئ ورث عن أبيه محبة نشر العلوم، غير أن شدة المراقبة على المطبوعات في السلطنة العثمانية سابقا حملته على كسر القلم في سبيل خدمة الصحافة والعلم؛ فاضطر إلى ترك هذه المهنة الشريفة التي رفع البستانيون شأنها في الأقطار العربية شرقا وغربا، ولا يزال الأدباء يعلقون عليه الآمال في إكمال طبع كتاب «دائرة المعارف» الذي لا تخفى فوائده العظيمة عن كل ناطق بالضاد.
سليم دي نوفل
أقدم محرر في جريدة «حديقة الأخبار» وأحد مؤسسي «الجمعية العلمية السورية» ومجلتها. ***
لما نشرنا تاريخ جريدة «حديقة الأخبار» في الجزء الأول من هذا الكتاب فاتنا ذكر صاحب الترجمة الذي حرر في تلك الصحيفة لأول عهدها، ولما كان سليم دي نوفل من ذوي الوجاهة والفضل والعلم الذين خدموا النهضة الأدبية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر رأينا أن نثبت ترجمته في هذا الجزء، وقد استندنا فيما رويناه عنه إلى ما نشرته مجلة «الجامعة» في الإسكندرية
4
لمنشئها فرح أنطون وإلى ما أمكننا الوقوف عليه بعد البحث الطويل من مصادر شتى يوثق بها:
هو سليم بن عبد الله بك ابن جرجس نوفل، ولد في سنة 1828 مسيحية في طرابلس الشام وربي فيها تربية كريمة؛ لأن عائلته المشهورة في الفيحاء كان معظم رجالها من موظفي الحكومة العثمانية، وقد استدل الجميع منذ صغره على حسن مستقبله بما كان يلوح على وجهه من لوائح النباهة والذكاء، ولكنه لم يدر في خلد أحد منهم أنه سيكون يوما من الأيام من الرجال الذين يفتخر بهم الشرق ويدل الغرب على استعداد الشرقي لكل تقدم وارتقاء. ولما كانت مدارس طرابلس مقصورة على تدريس المبادئ العربية ذهب سليم إلى بيروت لداع عائلي وتلقى في إحدى مدارسها من اللغة الفرنسوية ما يمكنه من الفهم والتفهيم بها، وبعد خروجه من المدرسة بقي في بيروت فلازم علماءها الأعلام كالشيخ ناصيف اليازجي والمعلم بطرس البستاني، وهو الذي أنشأ معهما ومع بعض الفضلاء سنة 1852 «الجمعية العلمية السورية» ومجلتها المشهورة.
ثم عاد إلى وطنه طرابلس وأكب على الدرس والمطالعة بغير أستاذ، وفي سنة 1858 عهدت إليه وكالة البواخر الروسية، ولكنه لم يقم فيها سنة واحدة حتى خرج يطوف في أنحاء أوروبا لا سيما فرنسا وإنكلترا واكتسب كثيرا من آثار التمدن العصري. وبعد رجوعه من طوافه اتخذه خليل الخوري مساعدا له في تحرير صحيفة «حديقة الأخبار» وترجمة ما يلزم لها من الصحف الإفرنجية. وفي سنة 1861 طلبته حكومة روسيا إلى بطرسبرج بواسطة البطريرك الأنطاكي والبطريرك الأورشليمي للروم الأرثوذكس؛ وذلك ليكون أستاذا للغة العربية في كلية بطرسبرج، فسار على نفقة حكومة روسيا ولم تكن السكة الحديدية قد اتصلت يومئذ بعاصمة القياصرة، فاضطر إلى أن يبتاع مركبة بخيلها لتنقله إليها هو وعائلته، وكان ذلك في فصل الشتاء القارس وما أدراك ما هو الشتاء في روسيا، والذي زاد مشقة السفر جهله اللغة الروسية ومحاولة الفلاحين الروس تعطيل مركبته ليضطروه إلى أن يشتري منهم غيرها.
ولما استقر في بطرسبرج دخل في الجنسية الروسية، وانصب على درس لغة سكانها والتأليف والخطابة باللغة الفرنسوية والتدريس باللغة العربية للشبان الروسيين الذين يتهيئون للمناصب السياسية في الشرق الأدنى، ولما اطلع القيصر إسكندر الثاني على بعض خطبه ومقالاته أعجبته رشاقة أسلوبها، واتفق أن الشيخ شامل الشركسي المشهور الذي حارب روسيا مدة 32 سنة خضع وسلم لها في ذلك الزمن وكان لا يحسن اللغة الروسية بل العربية، فكان سليم ترجمانا بينه وبين القيصر، ومنذ هذا الحين بدأ تقدمه الحقيقي؛ فإن القيصر أحبه لذكائه ونشاطه ودقة نظره فقربه منه ووهبه دارا ومنحه لقب شرف وهو «دي» فصار يسمى «سليم دي نوفل» أو «إيرنه دي نوفل».
وفي سنة 1876 عهد إليه القيصر رئاسة قلم في وزارة الداخلية، وفي سنة 1877 منح رتبة «مستشار للبلاط الإمبراطوري» وفي سنة 1879 منح رتبة «مستشار الدولة»، وأرسلته الحكومة الروسية في مأموريات سرية إلى بعض البلاد الأوروبية منها سفارة إلى روما لمخابرة الحضرة البابوية في مسألة متعلقة بأهالي فنلندة الكاثوليك التابعين لروسيا، وانتدبته عدة مرات للنيابة عنها في المؤتمرات الشرقية، وكان يقوم بواجباته خير قيام؛ فمنحته حكومته عدة وسامات منها «وسام القديسة حنة» من الدرجة الأولى، وقد جاء في براءة هذا الوسام أن القيصر منحه إياه «مكافأة له على خدماته السارة وتآليفه الممتازة»، ومنها «الوسام الروسي»، وقد منحته فرنسا رتبة غران كوردون من وسام «جوقة الشرف».
معارفه ومؤلفاته
كان المترجم يعرف اللغة الفرنسية والعربية والروسية والإنكليزية والتركية ويكتب فيها بفصاحة، وقد تلقى اللغة الحبشية أيضا وطريقة درسه هذه اللغة لا تخلو من فكاهة؛ ذلك أنه ورد في ذات يوم على القيصر كتاب سري من النجاشي باللغة الحبشية فعهد القيصر إلى سليم بأن يترجمه له، فأخذه ثم التمس إنجيلا باللغة الحبشية وأخذ، على ما يقال، يتصفحه ويقابل كلماته بكلمات الكتاب، وأقام على ذلك حتى فهم معنى الكتاب، ولعله استعان على ذلك بعارف باللغة الحبشية وإنما كان يعرض عليه كلمات الإنجيل بلا انتساق ويطلب منه تفسيرها دون أن يوقفه على الكلمات الشبيهة بها في الكتاب.
أما مؤلفاته فهي كلها باللغة الفرنسوية وكان في هذه اللغة كاتبا نحريرا، وكفى دليلا على ذلك أن الخطبة التي ألقاها في مؤتمر المستشرقين الذي انعقد في باريز في نواحي سنة 1895 كتبها في أقل من ساعة قبل انعقاد الجلسة، ولكن الذي سهل له هذا الأمر الصعب أن ذهنه كان مفعما بموضوعها «مطابقة الدين الإسلامي الحقيقي للمدنية»؛ ذلك أن جميع مؤلفات هذا الجهبذ كانت في المواضيع الشرقية الإسلامية، منها كتاب في ترجمة «صاحب الشريعة الإسلامية» وقد حذا فيه حذو الفيلسوف رنان في ترجمة السيد المسيح، ومنها كتاب عنوانه «الزواج في الإسلام» وآخر عنوانه «الملكية في الإسلام» وآخر عنوانه «النسل والطلاق»، ونقل من اللغة الفرنسية إلى العربية رواية «المركيز دي فونتانج» وطبعها سنة 1860 في بيروت، وله شعر رقيق نذكر منه أبياتا من قصيدة رثى بها صديقه سليم دي بسترس وهي:
العيد وافى يا سليم إلاما
هذا التنائي عن الديار إلاما
ما حظنا فيه التهاني وإنما
أهدي إليك من الدموع سلاما
هاجت شجوني بعد موتك كلها
واسود عمري حاضرا وأماما
أقفرت قلبي والديار كلاهما
أضحى ببعدك يا سليم ظلاما
أبكيك لا أسف الحياة فإنها
حلم تبطن جوفه أحلاما
أبكيك لا أسفا لفقد شبيبة
مرت كما خرق الشعاع غماما
أجل الزهور موقت بصباحها
وكذا الملائك لا تطيل مقاما
لكنني أبكي السماحة والنهى
أبكي العفاة إذا أتوك زحاما
أبكي الفقير على ضريحك واقفا
يذري الدموع على الخدود سجاما
أبكي اليتيم وقوله أين الذي
كنا نقبل كفذه إكراما
وختمها بقوله:
أعجزت شعري يا سليم فلا تلم
هذي دموعي فلا تسلني كلاما
أخلاقه وآراؤه
كان رحمه الله ربعة الجسم كساه المشيب وقارا، وكان في لوائح وجهه أنفة العالم واتضاع الفيلسوف، ومما يروى عن فرط اتضاعه وكراهته للفخفخة الباطلة أنه لما كان في باريز أيام اجتماع مؤتمر المستشرقين فيها أراد الذهاب مع أعضاء المؤتمر لزيارة رئيس الجمهورية بصفته نائبا عن روسيا فيه، ولكنه لم يلبس لباسه الرسمي ولم يضع عليه وسام «جوقة الشرف» من درجة غران كوردون، فألح عليه صديقه ورفيقه في المؤتمر حضرة الأمير أمين أرسلان في وضع الوسام؛ لأن رئيس الجمهورية يبالغ في إكرامه متى رآه حائزا عليه، فرضي أخيرا بذلك إكراما لنائب روسيا إن لم يكن إكراما لنفسه، ولكنه لما كان على الطريق في مركبة مع الأمير أمين غطى الوسام بملابسه لكيلا يظهر إلا في حين الحاجة إليه.
أما آراؤه في الشرق والعرب والفلسفة فيقتضي بسطها مقالا على حدة، إنما نكتفي هنا بذكر رأي له في ارتقاء الآداب الكتابية في اللغة العربية؛ فإنه يرى أن السجع والشعر على الطريقة القديمة من أشد العوامل الحائلة دون ارتقاء الكتابة في هذه اللغة؛ لأن الكاتب العربي لا يكون ذهنه إلى درر المعاني واعتبار الألفاظ لباسا لها؛ أي أن اهتمامه يكون بالقشر لا باللباب وهذا من أعظم مصائب بعض الكتاب، على أننا نظن أنه رأى هذا الرأي قبل هذا العصر بعشر سنين أو عشرين سنة ؛ لأن أسلوب الكتابة العربية قد تغير الآن تغيرا عظيما، وذلك الأسلوب القديم لم يبق منه إلا الأثر وهو آخذ في الزوال شيئا فشيئا، فلا يبقى إلا الأسلوب الطبيعي الذي مقتضاه كتابة الكاتب كما يتكلم؛ لأن المقصود إبلاغ المعاني لا صف الألفاظ.
مقامه في روسيا
وقد ذكرنا فيما تقدم منزلة المترجم في البلاط الروسي، ونزيد على ذلك الآن أنه كان الصلة بين روسيا وجميع العناصر الشرقية، فإن أمراء الشرق المسلمين الذين يفدون على بطرسبرج كانوا يتعرفون به، وكان مقصدا لكل شرقي مسلم أو مسيحي يفد إلى بطرسبرج لحاجة، سواء كان من القوقاز وبخارى وغيرها من البلاد الروسية التي يتكلم أهلها اللغة العربية أو من الولايات العثمانية، وكانت له مراسلات مع السيد جمال الدين الأفغاني وأكثر بطاركة الشرق الذين كانوا يحتاجون شيئا في روسيا، فكانت علائقهم معها على يده، وحلت وفاته في أوائل شهر تشرين الثاني من سنة 1902 في مدينة بطرسبرج.
نجيب حبيقة
مدير جريدة «المصباح» وأحد المحررين فيها. ***
ولد في «الشوير» بلبنان سنة 1869 وتلقى دروسه في كلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت، فنبغ بين أترابه حتى إن ذكاءه كان ينبئ إذ ذاك بما سيصير إليه، وما لبث أن دعاه رؤساء الكلية المذكورة إلى التدريس عندهم، فظل مدة طويلة يدرس صفي البيان العربي والفرنسي، ثم انتدب للتعليم في «مدرسة الحكمة» المارونية و«المدرسة العثمانية» للشيخ أحمد عباس الأزهري فقام بمهمته خير قيام، وفي شهر شباط 1903 تولى مع أشغاله الكثيرة تحرير جريدة «المصباح» فكان يتحف عالم الصحافة بكتاباته الأنيقة ومقالاته الشائقة وأفكاره المبتكرة، ونشر على صفحات الجرائد لا سيما مجلة «المشرق» وجريدة «المحبة» فصولا شتى تدل على طول باعه في صناعة الإنشاء، وكان ولعا بفن التمثيل؛ لأنه رأى فيه وسيلة لتهذيب الأخلاق وترقية الآداب، فكتب فيه الفصول الطويلة ونشر روايات تمثيلية منها مؤلفة ومنها معربة نالت كلها صيتا بعيدا، وله عدة تآليف مدرسية وأدبية طبع بعضها في المطبعة الكاثوليكية نذكر منها: (1) كتاب «درجات الإنشاء» في ستة أجزاء ثلاثة للمعلم وثلاثة للتلميذ. (2) رواية «الفارس الأسود». (3) رواية «شهيد الوفاء». (4) مقالة في «فن التمثيل». (5) مقالة في «الانتقاد». (6) عرب روايتي «خريدة لبنان» و«الشقيقتين»؛ وله غير ذلك مما يبلغ الخمس عشرة رواية تأليفا أو تعريبا، وكان شعره لا يقل عن نثره في سلالة التعبير وبلاغة المعاني لا سيما في رواياته التمثيلية، وما عدا ذلك فإنه كان قليل الاكتراث لفن القريض الذي لم يمارسه إلا ما ندر، ومن نظمه قصيدة سماها «السفينة البطرسية» تبريكا للبابا لاون الثالث عشر سنة 1887 في يوبيله الكهنوتي الذهبي، وهي من أوائل نظمه:
عصفت على بحر الأنام رياح
حجب النهار من الظلام وشاح
وهوت صواعق مصعقات أزعجت
بشرا فكادت تزهق الأرواح
والبحر عاد عرمرميا مصخبا
والموج ثار فساء منه جماح
والناس في غمر الخضم جميعهم
خاضوا فليس من الغمار براح
رأوا المياه تلاطمت أمواجها
وعلت عليهم كالجبال وصاحوا
طمت المصيبة فالمنية قد دنت
آها أليس من الهلاك مراح
لكن على سطح الخضم سفينة
وعلى مقدمها يرى مصباح
قد أقبلت وتطايرت لخلاصهم
شكرا لجدك أيها الملاح
فيك النجاة وليس غيرك يرتجى
وإليك كل قلبه ملتاح
ها قد تقدمت السفينة نحوهم
فنجا بها قوم وفيها راحوا
لم ينأ عنها غير من قد آثروا
شرب الحتوف فذي الفعال قباح
شاموا البروق فأملوا منها الهدى
خابت ظنونهم فليس نجاح
لا نور في غير السفينة فاعلموا
من ينأ عنها ضاع منه صلاح
جدوا أيا غرقى وأموها يقو
دكم إليها نورها الوضاح
جدوا فليس لكم خلاص دونها
ولجمعكم فيها الدخول مباح
أعداؤها سخروا بها قبحا لهم
قالوا بأن ستحطم الألواح
فالموج يصدمها فيدفعها فلا
أمل لنفس بالنجاة متاح
وإذا بصوت صارخ: كن آمنا
بين السفينة والخضم كفاح
فسفينة الصياد تقهر خصمها
أبدا لأن لها الصفا ملاح
للحين عاد النوء صفوا رائقا
وعن البلايا زالت الأتراح
ومع ما كانت تقتضي أشغاله العقلية من الوقت كان يكرس الساعات الطوال لخدمة الجمعيات الخيرية وتخفيف وطأة الشقاء عن ذوي الفاقة، فخدم بغيرة يذكرها الجميع شركة القديس منصور دي بول وأخويه القديس مارون، وأنشأ مع بعض أهل الفضل جمعية «أخواء الفقراء» المارونية وكان يدير مدرستها المجانية بنفسه، وقد خصه الله مع الذكاء والغيرة بدماثة الأخلاق ولين الطباع والذوق السليم والرزانة، وأنشبت المنية أظفارها فيه عند الساعة التاسعة من مساء يوم الثلاثاء الواقع في 25 كانون الأول 1906 إثر علة أذبلت زهرة شبابه النضر دون أن يتوصل طبيب إلى اسئصال جراثيمها القتالة، وبعد أربعين يوما لوفاته أقام له أصدقاؤه في نادي «أخوية القديس مارون» حفلة تذكارية جمعت كل عارف بفضله، فكانت الحفلة الأولى التي أقيمت في بيروت من هذا النوع وتوالت فيها الشعراء والخطباء فضفروا إكليلا من المجد خالدا لمن قضى حياته في خدمة العلم الشريف، وقد ألقى حينئذ إلياس حنيكاتي خطبة بليغة اختتمها بهذه الأبيات:
على ابن حبيقة الشهم النجيب
جديد تلهف ملء القلوب
ثوى في لحده غصنا رطيبا
فجف الدمع من فرط النجيب
أرانا خطبه خطبا جديدا
بيوم الأربعين بلا ضريب
فليت يعاد مرآه قليلا
لنشفي غلة القلب الكئيب
وليت لنا صدى ما كان يلقي
على الأسماع من در رطيب
مضت تلك الحقيقة والأماني
ولم يبق سوى ذكر النجيب
ثم خطر لبعض أحبائه وتلامذته أن يسعوا في إقامة أثر يخلدون به ذكره إقرارا بفضله على الشبيبة البيروتية وخدماته العديدة في سبيل الصحافة والتعليم والأعمال الخيرية، فقيض الله لهم أن يجمعوا مبلغا من المال يزيد على السبعة آلاف غرش ونصبوا له ضريحا في المقبرة المارونية الواقعة في محلة «رأس النبع»، وهو أول عمل وطني من هذا النوع أقيم أيضا في بيروت. وبعد ظهر الأحد 15 آيار 1910 اجتمع فريق من أهل الفضل واحتفلوا بنقل رفات صاحب الترجمة إلى القبر ولمعت الدمعة في كل عين، وقد تكلم باسم لجنة الاكتتاب يوسف بن نخلة ثابت ثم بشارة بن عبد الله الخوري منشئ جريدة «البرق» ونجيب مصور وجرجي بن نقولا باز منشئ مجلة «الحسناء» ويوسف غلبوني ويوسف كامل والدكتور سليم جلخ، وكانت الحفلة ظاهرة عليها أدلة التأثر؛ لأنها أعادت ذكرى الفقيد إلى كل قلب، وقد شيد الضريح بكل ذوق ونقشت على صدره هذه الأبيات:
حياك يا قبر منا غيث أدمعنا
وجادك الله من أسنى عطاياه
ضممت كنزا ثمينا دونه مهج
تسيل حزنا وتدمي القلب ذكراه
قد قدر الله أن نبكي عليه فتى
غضا فصبرا على ما قدر الله
يا ساهر العين في التاريخ دامعها
حيي النجيب فهذا القبر مثواه
سنة 1906
نجيب إبراهيم طراد
محرر «التقدم» و«الصفا» في بيروت ومنشئ «الرقيب» ومحرر «الأهرام» و«البصير» في الإسكندرية.
ينوب عني رسمي حين يحجبني
عن العيون ستار اللحد والغسق
فإن عمري وإن طالت مسافته
في الأرض أقصر من عمري على الورق ***
أسرته
أسرة طراد قديمة العهد في بيروت رفيعة المقام غنية بالرجال وبالمال، جاء جدها يونس بن طراد من حوران وسكن «كفر حزير» في الكورة شمالي لبنان، ثم قدم بيروت سنة 1643 على ما روى المؤرخ عيسى المعلوف في كتابه «دواني القطوف» واتصل بالأمير فخر الدين المعني وحظي عنده، فتوارثت سلالته الوجاهة جيلا بعد جيل واشتهر منها أفراد عديدون كالمطران جراسيموس أسقف حاصبيا وراشيا المتوفى سنة 1867 وكان حبرا فاضلا، ومنهم أسبريدون ياور السلطان عبد العزيز الذي كبا به الجواد عام 1870 فمات ورثاه كثير من الشعراء كخليل الخوري مؤسس «حديقة الأخبار»، ومن قوله فيه:
ويلاه كيف كبا الجواد ملاعبا
أيدي الردى بابن الطراد الأمنع
أواه من أيدي المنية إنها
قنصت غريب الدار قبل المرجع
يا أيها الغصن الموسد في ثرى
دار السعادة بعد خصب المرتع
قم لم يأن وقت انقصافك يا فتى
قم لم يحن يا صاح يوم المصرع
قم وأجل لطفك للصحاب ترفقا
فعساك تنعش مهجة المتفجع
قم واشف غلة من دعاك بلفظة
من لي برقتها ترن بمسمعي
ومن أدباء آل طراد المتوفين المقدسي عبد الله بن مخايل مؤلف تاريخ «أبرشية بيروت» من أوائل القرن السادس عشر إلى ربع التاسع عشر، وقد اعتمد على هذا الكتاب أيضا غطاس قندلفت أحد أساتذة مدرسة البلمند في تأليفه «تاريخ البطاركة الأنطاكيين» المنشور في السنة الأولى لجريدة «المنار» البيروتية، وبطرس بن شاهين طراد ألف بطلب من أحد الأمراء سنة 1817 وهو في جزيرة مدللي تاريخا لحروب فرنسا وأوروبا في مدة أربع وعشرين سنة على عهد نابليون الأول، ولا يزال تاريخه غير مطبوع، وقد رأيت نسخة منه عند جرجي أبي مرعي بسترس مكتوبة بخط يد المؤلف في 300 صفحة صغيرة على ورق متين، ومنهم جرجي بن إسحاق طراد (1851-1877) كاتب المقالات المفيدة في جريدة «الجوائب» ومجلة «النحلة» وناظم ديوان شعر عندي نسخة منه بخط يده سأمثلها للطبع، وله أيضا أرجوزة في الصرف ورواية شعرية، ومن نظمه قوله في الحكم:
ما كل من رام نظم الشعر يدركه
ولا الذي رام يفدي الناس يفديها
ليس الذي عاش أياما مطولة
بل الذي عرك الأيام يدريها
بين الحياة وكل الناس معركة
بالحظ والبؤس تفنينا وتفنيها
وجبرائيل بن حبيب طراد (1854-1892) نظم الشعر وهو صبي، وفي السادسة عشرة من عمره، رثى نسيبه أسبيريدون بقصيدة، ومن رثائه لسليم دي بسترس ما يأتي:
على أنه قد كان أحرى بنا بأن
نغبط من مثل السليم نما سعدا
حصيف قضى دنياه في خوف ربه
فحدث ولا تطلب لأفضاله حدا
فكم غاث محتاجا وأطعم جائعا
وعاد أخا سقم فأوسعه رفدا
وكم من أياد جاءها ومكارم
فكانت بجيد الدهر من فضله عقدا
جدير بأن الفخر يشكو فراقه
ومنه رواق الفخر قد كان ممتدا
وموسى بن نسيم طراد (1883-1911) كتب عدة مقالات في بعض الجرائد منها «المحبة» وترجم بضع روايات، وله خطب وقصائد في مواضيع مختلفة.
وكبير أدبائهم أسعد طراد الشاعر المشهور (1835-1891) تلميذ مدرسة «عبيه» والموظف سنوات عديدة في الحكومة والمتاجر في القطر المصري حيث توفي، وهو الذي قال فيه أستاذه الشيخ ناصيف اليازجي:
لقد سبق القوم الطرادي أسعد
إلى قصب السبق الذي ناله غصبا
ووصفته جريدة الأهرام بأنه «كان يتدفق الشعر من فيه كالماء» ووصفه سليم دي بسترس بما يأتي:
ذاك الفريد ومن بلطف صفاته
لا يلتقي بين الأنام مماثلا
شهم بنظم الشعر أبدع إذ أتى
في سحره الفتان يسحر بابلا
لما بعقد النظم حلى عصرنا
ما عدت أنظر قط جيدا عاطلا
يا أسعدا في الناس إني أسعد
بك إذ رأيتك نحو ودي مائلا
وجاوبه سليم دي بسترس من مصر مرة على قصيدة أرسلها إليه بقصيدة نورد من أبياتها:
ويا شوقي لأرض أنت فيها
فيا بيروت غيرك ما حلا لي
رسالة أسعد حملت إلينا
سلاما من شذا زهر الجبال
سكرت بكأسها المملوء لطفا
فسكري ليس من خمر الدوالي
وجدت بنظمها درا مصاغا
عجبت لكاتب صاغ اللآلي
فإن له قصائد وأبياتا من أحسن ما نظم الشعراء في مواضيعها، جمع بعضا منها فضل الله ابن شقيقه خليل في كتاب على حدة نشره سنة 1899 مما ورد فيه قوله:
قل للذي قد رد صبا سائلا
ما رد طرفي قط دمعا سائلا
لو كنت تنظر جود طرفي مرة
ما كنت تبقى بالتداني باخلا
يا عاذلي في حبه مهلا فما
من عاشق قبلي أطاع العاذلا
إني قتيل في الغرام على رضى
وبمهجتي أخفيت ذاك القاتلا
ومن قصيدة رفعها لتوفيق باشا خديوي مصر:
دع يوم دارة جلجل والغيدا
وظباء وجرة والعيون السودا
وحمى تكاد تعد من أطلاله
مما وقفت به تعد عميدا
إطلال خولة لا تخولك الوفا
وبكاك فيها لا يرد فقيدا
أفتسمع الصم الدعاء وأنت لم
تسمع هداية من أتاك رشيدا
سميت أشفق ناصح لك عاذلا
ودعوت أصدق من هداك حسودا
وطفقت تفتقد الأحبة في الحمى
ونسيت تنشد قلبك المفقودا
وغدرت ذاتك عند ذات غوائر
قد قيدتك عقاصها تقييدا
تجري الدموع سدى فلا تطفي بها
نارا جعلت لها حشاك وقودا
ومن قوله في وصف الاختراعات العصرية متنبئا عن الفونغراف والغراموفون والسينما تغراف:
وجه لحاظك للبخار وقل به
إني أرى ماء يجر حديدا
وانظر لسلك البرق والتلفون كم
قد قربا ما كان منك بعيدا
غنت سليمى في الحجاز فأطربت
مع بعدها أهل العراق نشيدا
ولسوف أن رقصت بباريز ترى
في أصفهان لقدها تأويدا
أله الفؤاد بذكر ذاك وذا وذا
عجبا وهاك الطائر الغريدا
يهدي إليك مع البريد بوصفه
فكأنما حمل البريد بريدا
يصف البريد ببره وببحره
وبجوه متنوعا معدودا
ذاك الصديق الصادق الخل الذي
لا يعرف التأجيل والتعريدا
ويريك منه بوصفه خلا يرى
حفظ الأمانة سنة وعهودا
حمل السفائح والنضار لأهلها
وسرى بحول الله يطوي البيدا
يطوي القفار فكم عليه حلة
منها وكم منه بها أخدودا
متفرع في أرض مصر كنيلها
يسقي التجارة سقي ذاك صعيدا
أبدا يطوف بها كصاحب كرمة
يهدي لكل محطة عنقودا
جلب الثمين لنا بوفدته وقد
نظر العظيم من العفاف زهيدا
يمسي ويصبح زائرا بهدية
ومودعا بنظيرها تزويدا
ولكم وقفنا منه من سبأ على
نباء يقين إذ أتى وأعيدا
وهو الذي قد عاد بالغصن الذي
عن كون غيض الماء كان مفيدا
فلأجل ذلك ذا تتوج رأسه
أجر الأمين وذا تتوق جيدا
وقوله في رثاء نسيبه أسبيريدون:
واها لقلب جواده فكأنه
قد كان ذاك اليوم مثل نعاله
والمرء ما حفظ الوداد فما الذي
ترجو من الحيوان في أفعاله
ومن مرثاته لسليم دي بسترس:
فالميت حل برمسه والحي قد
نصبت مضاربه على عتباته
يبكي الفقيد ولو تأمل نفسه
لبكى من استتباعه خطواته
أبني أبينا ليس يجمع شملنا
يوم المعاد بحسب قول ثقاته
وغدا يعزي بعضنا بعضا به
أبدا جزى الرحمن فضل رواته
والمرء لولا موته لحياته
بالله كان تعيس مخلوقاته
دنياه ذات مصائب ونوائب
لا تعتري الحيوان في فلواته
فالويل للإنسان إن ساورهما
عدم يضيع العقل في ظلماته
أمر به حار اللبيب وخاض في
بحر البيان فتاه في لجاته
والنفس ثابتة الوجود تحجبت
عن أن ترى بحجاب مكنوناته
ومن رثائه لأنطون لاذقاني:
سلبت به يا أيها البين درة
لها قيمة عند المحبين غالية
كأن به الحمى التي قد قضى بها
رماها على قلبي لأعرف ماهيه
فيا نيل مصر هل أرى منك جرعة
لقلب كواه البين يا نيل شافية
أغثني على ما أنت فيه من الوفا
بكأس وخذ من دمع عيني ساقية
ولكن على ما قيل للناس جنة
لمن سار في مرضاة مولاه باقية
فسبحان من لا يعلم الأمر غيره
إله الورى من عنه لم تخف خافية
ومن وجهائهم إسحاق طراد الشهم الوديع محب الإنسانية المحسن إليها ذو المآثر الطيبة خصوصا في حوادث عام 1860، وبولس طراد عين أرثوذكسي بيروت في عصره وخادم طائفته في عضوية مجلس الإدارة، وولداه إسكندر ترجمان قنصلية العجم ومعزز مدارس الطائفة وسليم ترجمان قنصلاتو روسيا ومنشئ مجلة «ديوان الفكاهة» ومدير مطبعة القديس جاورجيوس، وجرجس بن نقولا عضو محكمة التجارة وأول من أبن ميتا في بلادنا على ما نعلم بتأبينه المطران بنيامين سنة 1848. ومما يذكر من غرائب الاتفاق أن وفاة إسكندر سنة 1888 كانت في مثل اليوم الذي توفي فيه والده بولس وبذات الساعة أيضا بعد سبعة عشر عاما، فقالت في ذلك مجلة «الصفاء»:
فكلاهما بين البرية نادر
ولذاك خطبهما غريب نادر
وقد ابنه الشماس غريغوريوس حداد بطريرك أنطاكية الحالي ضيف قيصر الروس اليوم.
ومن أحيائهم المعاصرين الفقيه إلياس بن جرجس أحد أعضاء محاكم الاستئناف ونائب رئيس «الجمعية الخيرية الأرثوذكسية» ومدرس الفقه في مدرستي «الحكمة» المارونية و«الأرثوذكسية الإكليريكية» ومؤلف كتاب «الترجمان الإنكليزي» باللفظ العربي ومصحح قاموس إنكليزي وعربي، وله شرح مختصر لأهم مواد أصول المحاكمات الحقوقية نشره في جريدة «لبنان» التي حرر فيها وفي «الصفا» و«المنار»، والمحامي إسكندر بن فرج الله مدير جريدة «المؤيد» في مصر والمحرر في جريدة «ثمرات الفنون» ومراسل جرائد «التقدم» و«لسان الحال» و«الأهرام» من الآستانة حيث اشتغل في المحاماة مدة طويلة، والكاتب نجيب بن نسيم رئيس تحرير جرائد «المحبة» البيروتية و«باريس» و«نهضة العرب» الباريزيتين و«الجديد» البرازيلي ومساعد الدكتور نقولا فياض بتعريب رواية «الخداع والحب» لشار الألماني، والمحامي بترو بن إسكندر أحد مؤسسي «جمعية الإصلاح العمومية»، ونجيب بن نعمة عضو مجلسي الإدارة والملة وشقيقه ميخائيل عضو محكمة وغرفة التجارة، ونقولا بن يعقوب عضو المجلس العمومي، وحنا بن شكور مضيف الأمراء والحكام، ومتري مدير البنك العثماني في حلب وقونية وبيروت وشقيقه سليم الموظف في عدة مأموريات حتى عضوية الاستئناف وهما شقيقا «نجيب» صاحب هذه السيرة.
ومن فاضلاتهم وأديباتهم السيدة فريدة بنت إسحاق طراد مديرة مدرسة «زهرة الإحسان» ورفيقة حياة رئيستها الأخت مريم جهشان في الجهاد لتعليم البنات وتهذيبهن، والسيدة أدما ابنة جرجي بن حبيب طراد وشقيقة أنيس بك المالي المدقق وزوجة إلياس بك سرسق ورئيسة جمعية السيدات لمساعدة مستشفى القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس ونصيرة الجمعيات الخيرية، والسيدة ميليا ابنة فارس بك رئيسة المدرسة الوطنية في الشويفات ذات العناية بتهذيب الأحداث، ومنهن شقيقتا نجيب بن نسيم المأسوف على صباهما «حنينة وسلمى» وقد كانتا من خيرة الذكيات المستعدات، كتبت سلمى في بعض الجرائد كالنصير وغيرها وخطبت في الدفاع عن حق المرأة وهيأت نفسها بالدرس والاستطلاع إلى مستقبل مجيد، ولكن المنية عاجلتها في ضواحي باريز قبل أن تبلغ العشرين، فأقامت لها إدارة مجلة «الحسناء» حفلة تذكارية في شباط سنة 1910 في «النادي العائلي البيروتي» حضرها مائتان وخمسون نفسا، فافتتح الحفلة واختتمها كاتب هذه السطور وتكلم فيها: فكتور شميل سكرتير النادي، وفليكس فارس منشئ «لسان الاتحاد»، وجرجي عطية صاحب «المراقب»، وشبلي بك ملاط منشئ «الوطن»، والدكتور إلياس عبيد عضو المجلس العمومي، وإلياس حنيكاتي كاتب مطرانخانة الروم، والأوانس جوليا طعمة، وروز ناصيف، والأميرة نجلا أبي اللمع، وناب بالتكلم عن داود مجاعص صاحب جريدة «الحرية» أمين بك خضر وعن قسطنطين يني رئيس تحرير «حمص» بترو باولي مدير «الوطن والمراقب».
وما خلت جمعية خيرية أرثوذكسية من عضو أو عضوين من آل طراد، وبالإجمال فإن أسرتهم لها عندنا في كل مأثرة يد.
نشأته
ولد نجيب بن إبراهيم بن متري طراد في بيروت في منتصف شهر كانون الأول سنة 1859 وطلائع الاضطراب الأهلي في سوريا على وشك الظهور، تغذى جنينا دم الارتياع، وفي عام الاستعداد للشر أبصر نور الوجود فرضع الحليب يكاد يحمر ونشق النسيم ممزوجا برائحة الدم، وما بدأ يميز بين الأصوات حتى بلغ أذنيه صليل السيوف ودوي الرصاص، وأول كلمات فهمها عويل الثكالى وصياح الأيتام؛ إذ تموج الهواء بهذه الأنغام من لبنان وحاصبيا والشام، ورأى في طفولته المنكوبين يتوافدون إلى المدينة فرارا من المذابح وهم بحالة يرثى لها رعبا وجوعا، فبقي في نفسه أثر من فظائع البشر رافقه في حياته إلى الممات فكانت عبارته الأخيرة في نزعه الأخير «الإنسانية معناها السلام، ليعش الإنسان بسلام ليكون إنسانا».
ونشأ في بيت فضل أراد ربه تنشئة بنيه على الحرية والاستقلال فشب نجيب حرا مستقلا وارثا أطيب الخلال، وكان ذكيا جدا قوي الذاكرة سريع الخاطر تلقى مبادئ العربية في مدرسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس.
وفي التاسعة من عمره دخل مدرسة الآباء اليسوعيين ومكث فيها سنة واحدة، ثم انتقل إلى مدرسة كنيسة اسكوتلاندا المعروفة باسم رئيسها «ستيكر» فمدرسة الإنكليز على عهد مستر «موط»، وقبل أن يتجاوز عمر البدر غادر المدارس إلى التجارة فاشتغل في محلين في الثغر وفي الشام ولم يطل عليه الأجل تاجرا، بل عاد إلى العلم وانصب على الدرس والمطالعة وشرع يزاول الإنشاء بمقالات مختلفة، ودعي إلى حمص فعلم في إحدى مدارسها ثم دعاه زعيم البابيين «عباس بن بهاء الله» إلى عكا لتعليم أولاده فأقام في منزله مدة يعلمهم، وإذ رأى مجال التقدم ضيقا على مواهبه في هذه البلاد غادرها إلى الإسكندرية حيث حرر في جريدة الأهرام تحت إدارة منشئيها سليم بك وبشارة باشا تقلا، وتعين كاتبا في إدارة سكة الحديد المصرية، وبعد ذلك توظف في وزارة الحربية في مصر، ومن أعماله المأثورة فيها تعيينه ترجمانا لعرابي باشا في محاكمته بعد الفتنة المشهورة التي احتل الإنكليز بسببها وادي النيل، وتعليمه ونجت باشا الإنكليزي لغة العرب، وقد حضر الحوادث العرابية واستطلع جميع أحوالها ولم يخش منها بادرة الاغتيال، كما أنه لم يرهب الهواء الأصفر إذ فتك بالمصريين ولا جنح إلى الهرب، بل ثبت في مواقفه على أشدها خطرا عليه ولم يترك مركزه أملا بالترقي، ولكنه إذ رأى حقه مبخوسا وترقيه بسلك الوظائف غير عادل آثر الاستقالة على البقاء وعاد إلى بيروت بعد أن رفضت الوزارة استقالته ووالاها ثلاث مرات.
رجوعه إلى بيروت
وشرع هنا يدرس الطب في الكلية الفرنسوية ولكنه لم يكمل درسه، وقد أبدى من الذكاء والاجتهاد ما دعا عمدة الكلية للإعجاب به والاهتمام بأمره حتى إنها قررت تعليمه مجانا فيها وحرضته على إكمال الدرس بلا بدل، ومع كل هذا التنشيط والمآزرة أبى إلا أن يتركهم واقتصر على تعلم الحقوق وإتقان اللغات، فباشر بالألمانية وأتقنها مع الفرنسية والإنكليزية والعربية وألم بالإيطالية والتركية، وكان أستاذه بلغة الألمان خليل الشماس مترجم «تاريخ حرب الإنكليز والحبش» تأليف ثيوفيل ولدمير مؤسس بيمارستان العصفورية قرب بيروت، ولكنه لم يدرس عليه إلا شهرا واحدا؛ إذ اكتفى بأن يحصل بنفسه دون أستاذ جميع ما حصل، وكان اجتهاده موافقا لذكائه وتدقيقه ملائما لمطامعه وكانت رغبته في الاستفادة واسعة المدى ولا هم له إلا الدرس والاطلاع، ومع تعمقه في اللغات تعلم «الفرائض» جيدا ودرس الحقوق على نفسه أيضا وغيب بستة أشهر كود (مجموعة قوانين) نابليون الأول.
وألف تاريخ مكدونيا والممالك التي انفصلت عنها ونشره مطبوعا سنة 1886 بنحو مائتي صفحة، وتاريخ الرومانيين من بناء رومية إلى تلاشي الحكومة الجمهورية نشره بزهاء مائتين وثلاثين صفحة في السنة ذاتها، وخص الجزء الثاني منه بتاريخ سلاطين رومية ولم يطبعه، وكتب رسالة انتقادية في عادات معاصريه، وناظر جريدة «ثمرات الفنون» مناظرة قوية الحجة سديدة البرهان، وحرر في مجلة «الصفا» عام 1887 على عهد مديرها جرجي غرزوزي ونشر فيها قسما من تأليفه تاريخ الدولة الرومانية الشرقية وهو الجزء الثالث من تاريخ الرومانيين، وتعريبه لمختصر تاريخ الفلسفة عدا النبذ والمقالات العديدة، وتولى بعدها تحرير جريدة «التقدم»؛ إذ كان يديرها إسكندر طاسو فقرظتها مجلة الصفا بقولها: «رأينا فيها ما يحلها محلا رفيعا ويشف عن غزارة فضل المحرر وسعة اطلاعه.»
وعرب عن الفرنسية رواية «اليهودي التائه» تأليف «أوجان سو» ونشرها مطبوعة بأكثر من ألف وأربعمائة صفحة بمجلدين، وهذه الرواية مشهورة في العالم لكثرة اللغات التي ترجمت إليها عربها بسرعة زائدة وهو محاط بأشغال مهمة، ومع ذلك أحسن تعريبها ووافق فيه الأصل، ومثلها رواية «عثليا» عربها حرفيا عن الشاعر راسين ونظمها شعرا في واحد وعشرين يوما، ولسبب مجهول أحرقها دون أن تطبع أو تمثل، وعرب عن الإنكليزية رواية «العبر» و«حداثة هنري الرابع»، ولعل هذه رابع رواية طالعها في حداثته كاتب هذه السطور.
وتعين عضوا في محكمة بداية الولاية وكان شأنه في سكة الحديد ووزارة الحربية في مصر مثال الأمانة والنزاهة، وإذ رأى الفساد متمكنا من الحكومة ويستحيل عليه الثبات في منصبه دون تزلف ومداجاة ووجد مبادئه تكاد ترزح تحت أثقال الظلم واستقلال وجدانه معرضا للضرر؛ هجر الوظيفة مستقيلا بعد أن عانى عداء المستبدين، وفضل الانزواء في البيت على الظهور في السراي.
ولم يمكث بعد استقالته طويلا حتى سافر إلى الإسكندرية فحرر في جريدة «البصير» وأنشأ جريدة «الرقيب» سنة 1898 وأصدرها بضع سنوات بأسلوب حسن ومبدأ حر، ثم تركها لعهدة شريكه جرجي الغرزوزي مدير «الصفا» سابقا وذهب إلى الآستانة فمرسيليا ورجع إلى بيروت واستقر فيها بقية حياته.
وفي أثناء وجوده في الإسكندرية دعاه تلميذه ونجت باشا حاكم السودان ليوظفه في حكومته وظيفة تليق به، فلم يرض بسبب الحر السوداني المشهور، وبعد أن عزم على طبع كتاب ألفه في «الحضارة والقانون» عدل عن عزمه، وقد عرب روايات «المتمولة الحسناء» و«خليلة هنري دي نافار» و«وقائع رنيه» و«الملكة كاترين» و«حصار باريز» و«ملكة النور» و«حبائل الشيطان» و«العاشق الروسي» ونشرها إلا الأخيرتين في «الرقيب» وطبعها كلها كتبا على حدة، ولاحظ طبع النبذة من ديوان أسعد طراد وذيلها بكلمة فيه.
الرجوع الأخير
ولازم بعد رجوعه بيته واعتزل فيه عن الناس تفرغا للدرس والاطلاع إلى أن توعكت صحته واستولى عليه الضعف، فانتقل من دنياه في 22 نيسان سنة 1911 ودفن في مقبرة القديس ديمتريوس بمأتم حافل شيعه فيه عارفو فضله، وقد رثاه إلياس حنيكاتي كاتب مطرانخانة الروم بهذه الأبيات:
جزعت من سكوتك الكتاب
قبل هذا السكون والآداب
وبكاك الوفا بدمع سخين
ورثاك الخلان والأصحاب
لم يشأ بعدك «الرقيب» ظهورا
إذ تولاه مثلك الاحتجاب
وعرى ذلك «التقدم» صمت
حين لم يبق فيه منك خطاب
وجرى مدمع الصحافة حزنا
وشكت فرط شجوها الأعراب
يا لها ساعة رأيناك فيها
فاقد الحس لا ندا لا جواب
لا خطاب يعيه سمعك منا
لا يراع تهزه لا كتاب
إن خطبا دهاك في يوم عيد
هو خطب قد ضاع فيه الصواب
وغشت شمسه غيوم غموم
وعرا الناس وحشة واكتئاب
أي فقيد الآداب كم لك فيها
من أياد تجلها الكتاب
وتآليف سائغات المعاني
ثملت من رحيقها الألباب
في طراد العلوم كنت المجلي
ليس تثنيك يا نجيب صعاب
كنت قبل الدستور حرا أبيا
ناشرا راية السوا لا تهاب
جاهدا في نفع البلاد بنفس
حرة ملوءها غنى وشباب
فإذا لم تنل ثوابك فيها
فلك الأجر في السما والثواب
ألهم الله آلك الغر صبرا
وسقى رمسك الكريم السحاب
وكان نجيب أبي النفس حر الشمائل صادقا مستقيما لا يخلو مجلسه من نكتة أو مباحثة ولا يمل عشيره أنسه ولطفه، وعى رأسه معارف واسعة وآدابا غزيرة، ومع وفرة اشتغاله باللغات الأعجمية ظل إنشاؤه محضا عربيا، ولديه في كل حين براهين تؤيد رأيه، وهو أول صحافي عربي تعمق في اللغة الألمانية وعرب عنها ولعله الوحيد بذلك بين صحافيي لغة العرب، وله قصائد ومقاطيع عديدة من الشعر مع عدم رغبته فيه نكتفي بذكر بعض منها للدلالة على شعره، فمن ذلك تقريظ لرواية «ألم الفراق» تأليف سليم جدي أحد كتاب بيروت وشعرائها المجيدين عندما تمثلت سنة 1888:
سحرتنا رواية أذكرتنا
بهجة العلم في العصور الشهيرة
نسجتها يراعة ابن جدي
حدث طاب سيرة وسريرة
أودع اللفظ كل معنى لطيف
شف عن جودة ونفس كبيرة
فهي مرآة قلبه عكس العلم
عليها نور الذكا والبصيرة
ومن قوله في رثاء سليم المشار إليه:
أنت بالطبع شاعر عربي
نظم الشعر منذ كان صبيا
وقوله في خزان مصر سنة 1898:
نيل مصر يجري معينا فيجري
منه خصب تحيا به السكان
إنما النيل للبلاد نضار
ولحفظ النضار ذا الخزان
ومن شعره تاريخ لضريح إسحاق طراد المشار إليه:
بنو طراد بكوا شيخا تلألأ في
معالم المجد بالإحسان والجاه
قاسى البلايا كأيوب وهمته
ما لا يقاس بأمثال وأشباه
قد أنحلت جسمه التقوى وديدنه
ألا يعزيه في بلواه إلا هي
والله قال له أرخ على عجل
ضحيت نفسك يا إسحاق لله
1887
جرجي نقولا باز
شاكر شقير
مترجم روايات مجلة «ديوان الفكاهة» في بيروت ومنشئ مجلة «الكنانة» في القاهرة وأحد أعضاء «الجمعية العلمية السورية». ***
هو شاكر بن مغامس بن محفوظ بن صالح شقير، ولد سنة 1850 في «الشويفات» بلبنان ودرس فيها مبادئ العلم على يوسف أبي ناصيف، ثم انتقل إلى مدرسة الروم الأرثوذكس في «سوق الغرب» وكانت بإدارة الدكتور يوسف عربيلي، فأحكم معرفة اللغتين العربية والفرنسية وشيئا من اليونانية على الأساتذة أسبر شقير قنشليار قنصلية إنكلترا حالا في بيروت، وإلياس مالك الخوري أحد أعضاء مجلس إدارة لبنان ليومنا هذا، وشاهين عطية الذي انتقل في 8 شباط 1913 إلى رحمته تعالى، وبعد خروجه منها جاء بيروت وصار يتردد على الشيخ ناصيف اليازجي فأخذ عنه فن القريض حتى برع فيه كما سيأتي الكلام.
وفي عام 1867 انتدبه السيد ملاتيوس دوماني مطران اللاذقية وعهد إليه بإدارة المدرسة الأرثوذكسية فأقام هناك سنة واحدة، ثم عاد إلى بيروت فتعين أستاذا في مدرسة «ثلاثة الأقمار» و«المدرسة الوطنية» فتخرج على يده كثير من التلامذة النابغين، وفي سنة 1868 انتظم في سلك أعضاء «الجمعية العلمية السورية» فكان من أهم أركانها. ولما باشر بطرس البستاني وأنجاله سنة 1875 تأليف «دائرة المعارف» اشتغل فيها شاكر شقير مدة عشر سنين متوالية، فأنشأ لها الفصول المفيدة ونشر على صفحاتها كثيرا من المواد التي كان يترجمها من الأنسكلوبيديات الإفرنجية، وكان في الوقت نفسه يحرر في مجلة «الجنان» مقالات بعضها موقع باسمه وأكثرها خال من توقيعه، وله مثل ذلك في صحف أخرى.
وفي سنة 1886 انتدبته إدارة مجلة «ديوان الفكاهة» لترجمة ما كان ينشر على صفحاتها من الروايات الفرنجية فلبث على هذه الحال ثلاث سنين، وبقي في بيروت يخدم المعارف بالتعليم والتأليف والصحافة حتى ضاق في وجهه سبيل الارتزاق بسبب شدة التضييق على حرية المطبوعات في السلطنة العثمانية؛ فسافر سنة 1895 إلى عاصمة وادي النيل حيث أنشأ مجلة نصف شهرية سماها «الكنانة» التي أودعها كثيرا من المقالات العلمية والروايات التمثيلية والقصص الأدبية والانتقادات اللغوية وفنون الشعر وغير ذلك من المباحث الجليلة، وبعد صدور عشرة أعداد منها عطلها؛ لأن هواء مصر أضر بصحته التي كان قليل العناية بها، فعاد إلى مسقط رأسه حيث اشتدت عليه العلة ومات في شهر تشرين الأول سنة 1896.
ويحسب شاكر شقير من نوابغ حملة الأقلام السوريين في أواخر القرن التاسع عشر، فإنه كان حجة في معرفة لغة العرب وأحوالهم وتواريخهم وعلومهم، وترك مؤلفات كثيرة تشهد بطول باعه في المعارف وتفننه بالكتابة نذكر منها: كتاب «لسان غصن لبنان» في انتقاد العربية العصرية، وكتاب «أساليب العرب في صناعة الإنشاء»، وكتاب «مصباح الأفكار في نظم الأشعار»، وكتاب «منتخبات الأشعار»، وباشر تأليف معجم في اللغة العربية لم يفسح له الأجل بإتمامه، وله «أطوار الإنسان في أدوار الزمان» وهي مقالات هزلية جدية فكاهية أدبية تنطوي على مقاصد حكمية، وترجم «آثار الأمم» للكاتب الفرنسي فولني، وعني بطبع «ديوان أبي العلاء المعري» وكرر طبعه، وألف وعرب روايات كثيرة منها تمثيلية ومنها قصصية لا ينقص عددها عن الثلاثين، وأشهرها «أسرار الظلام» وهي تاريخية أدبية، ورواية «العيلة المهتدية» وهي تمثيلية لتهذيب البنات مثلت عام 1872 في مدرسة الثلاثة الأقمار، ومنها «الشجاعة الحقيقية» و«كنيسة الحرش» و«اللحام وابنه» و«الورد والنسرين» و«الصبية الخرساء» و«الابن الوفي» و«الولد الصياد» و«الزوجة المضطهدة» و«أنيسة الصغيرة» و«البيضة الثمينة» و«الكنار» و«اليتيمة المسكوبية» و«الغلام الحبيس» و«جزاء الخلوص» و«الولد الشريد» و«الأمير الصغير» و«فضل إكرام الوالدين» و«فريد ورشيد» ثم «الفتاة التقية والفتاة الشقية» و«اليتيم المظلوم» ورواية «ذي الضرتين» وغيرها.
وتعاطى فن الشعر في أول صبائه فنظم سنة 1870 أرجوزة في المعاني والبيان، وسنة 1872 نظم بديعية وشرحها شرحا موجزا وألحقها بالأرجوزة المذكورة، ومن شعره النفيس قصيدة «الهلال» التي نظمها وهو ابن عشرين سنة تبريكا لإسماعيل باشا خديو مصر بوسام مرصع أهداه إليه إمبراطور النمسا، وقد التزم في كل صدر من أبياتها تاريخا هجريا لسنة 1287 وفي كل عجز تاريخا مسيحيا لسنة 1870، ووزع على أوائل الأبيات حروفا إذا جمعت يتركب منها بيتان يتضمنان عشرة تواريخ: أربعة هجرية وذلك من الحروف المهملة من كل بيت منهما ومن الصدرين ثم من العجزين، وستة مسيحية وذلك من الحروف المعجمة من كل بيت ومن الصدرين ثم من العجزين ثم من صدر لعجز ثم من عجز لصدر، وقد جعل الأبيات المصدرة بحروف البيت الأول نسيبا والأبيات المصدرة بحروف البيت الثاني مديحا، أما البيتان فهما:
أدركت بالله مجدا أنت رافعه ال
باني ذراه ففي إدراكه رهج
فدمت تعلو بأوج السعد أكرم نس
ل رفده منه أكد مصر تبتهج
وبعد هذه القصيدة نظم «المحبوكات»؛ أي من الشعر المحبوك الطرفين جاريا فيها على طريقة الصفي الحلي في ارتقياته، وهي تسع وعشرون قصيدة كل قصيدة منها تسعة وعشرون بيتا على عدد حروف الهجاء، يبتدئ البيت منها بالحرف الذي ينتهي به على ترتيب الحروف من الهمزة إلى الياء، وسماها «الذهب الإبريز في مدح السلطان عبد العزيز» وقد صدر هذه القصائد بهذين البيتين المبتكرين في صناعة التاريخ إذ لم يسبق أحد إلى مثلهما:
بشر السنا، في جلا شكر، جنى شرفا
في عصر صدق، بنشر النجح، عد مثل
قد قمت مرجاة، مرتد، لنشر ندى
تسعى لأجمل، أجر تم، ثم عدل
وهما مركبان من خمسة وثمانين حرفا ويتضمنان خمسة وثمانين تاريخا هجريا لسنة 1288 تستخرج بالطريقة الآتية: ترى أن البيتين مقسومان بالنقط إلى ثلاثة عشر قسما فكل قسم منهما مع آخر مما سواه تاريخ، فيحصل من الأول إذا جمع مع كل واحد مما بعده اثنا عشر تاريخا، ومن الثاني مع كل واحد مما بعده أحد عشر تاريخا، ومن الثالث مع كل واحد مما بعده عشرة تواريخ، وهكذا حتى تنتهي إلى الثاني عشر فتجمعه مع الأخير فيحصل من كل ذلك ثمانية وسبعون تاريخا، ثم تجمع كل ثاء في البيتين وكل ألف وكل عين فيحصل تاريخ، وتجمع كل جيم وكل باء (بالصورة) والكاف الوحيدة وكل نون فيهما مع كل شين في أول شطر فيحصل تاريخ، وتجمع كل راء فيهما والشينين الباقيتين وميمات العجزين ودالات البيت الأخير فيحصل مجموع تاريخين، وتجمع كل تاء في الشطر الثالث وميمين منه وكل دال في الشطر الثاني فيحصل تاريخ، وتجمع كل لام فيهما والميم الباقية في الشطر الثالث وكل قاف فيه وكل تاء وجيم وألف في الشطر الرابع فيحصل تاريخ، وتجمع كل فاء وكل سين وكل ياء فيهما وكل صاد وقاف وحاء وياء في البيت الأول مع كل راء وجيم في صدره فيحصل تاريخ، ويكون مجموع تواريخ جمع الأحرف على النسق المذكور بدون إهمال حرف واحد ولا تكرار حرف سبعة تواريخ، ومجموع الجميع خمسة وثمانون تاريخا، وهذا من الاتفاقات الغريبة.
ولشاكر شقير رواية صنفها سنة 1869 عنوانها «سيرة مبارك بن ريحان مع محبوبته بنت الحان» وهي غرامية أدبية علمية، وضمنها أبياتا معجمة
5
وأبياتا خيفاء
6
وأبياتا رقطاء
7
وأبياتا ثلاثة من عاطل العاطل
8
عارض بها أبيات الشيخ ناصيف اليازجي الذي ابتكر هذا النوع في فن الشعر وهي:
حلو وصل هل له للصد حد
ولحر حوله هل حل طرد
صدره للصد حر دهره
وصدود هل له وطد ود
ولوصل لحصور طل در م
له هول وهل للهول رد
وله من الجناس المربع هذه الأبيات التي تقرأ طردا ثم تقرأ بنفس الألفاظ من أول كلمة من كل بيت فيتألف الأول، وهكذا ما يليها كما ترى أمامك:
رأيت حبيبي فزاد هيامي
حبيبي جفاني اشتياقي أمامي
فزاد اشتياقي وهاج غرامي
هيامي أمامي غرامي مرامي
وله غير ذلك من الفنون الشعرية والأساليب الكتابية التي برز فيها ففاق على كثيرين من نوابغ المنشئين والمؤلفين، وقد نظم الأشعار التالية عندما عرب مختارات من حكايات لافنتين:
أتحفتم الشرق يا إفرنج من زمن
بكل فن كثير النفع والطلب
ما بين علم وآداب ومخبرة
مما بقي غامضا في سالف الحقب
من بعد آثارنا في المشرق اشتهرت
آثاركم فاستفدناها بلا تعب
من ذاك ما جاء لافنتين من حكم
يشف برقعها الهزلي عن الأدب
إن كان أبدع في ذا الفن شاعركم
فلا يقصر عنه الشاعر العربي
وكان مولعا ببعض الفنون الجميلة أيضا فإنه أحكم أصول فن الموسيقى فأحرز منه نصيبا وافرا، وكان شديد الذكاء سريع الخاطر ينظم الشعر ارتجالا بلا تكلف، ولو جمعت أشعاره في ديوان مخصوص لبلغت نحوا من مجلدين ضخمين، على أن بعضها منشور في المجلات والكتب ولم يزل أكثرها غير مطبوع، وقد رثاه أخوه فارس شقير بقصيدة عصماء نورد منها بعض أبيات:
لهفي عليه أخا جرحت به
جرحا بليغا غير مندمل
فالشمس كاسفة عليه أسى
والأرض كاسية دجى حلل
والعين عين الفضل دامية
والزند زند النبل في شلل
أسفا على نبراس ليلها
حزنا على ابن العلم والعمل
عبثت به الأقدار غادرة
واستحكمت منه على عجل
ولو أنه استوفى مقاصده
واستمهلته فسحة الأجل
لأتى بما لم يأته بشر
في علمه من جلة الأول
كم خاض ميدان الهدى ظفرا
ببراعة أمضى من الأسل
وضع التآليف التي خلصت
من غلطة ندرت ومن خلل
وله رسائل كلها غرر
يحكي ترسلها هدى الرسل
وله المقالات التي ذهبت
في كل ناد مذهب المثل
فالشعر مثل النثر يرسله
سهلا بديعا غير منتحل
فيصيب فيه وهو مرتجل
وسواه يخطئ غير مرتجل
والنثر مثل الشعر يرصفه
جملا مرصعة على جمل
يا شاكرا لله منتقلا
عنا إليه خير منتقل
أغناك ربك بالأمان وقد
غادرتني في ظلمة الوجل
الباب الثالث
أخبار الصحف في سائر البلدان العثمانية خارجا عن مدينة
بيروت
(1870-1892)
الفصل الأول: جرائد القسطنطينية ومجلاتها
السلام
اسم لجريدة أسبوعية سياسية أدبية ظهرت في 23 تموز 1879 لصاحبها جبرائيل بن عبد الله دلال الحلبي، فأطلق فيها العنان لنفثات قلمه السيال وألبسها حلة قشيبة من نسيج يراعه العسال، وقد أنشأها بإيعاز من الصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي الذي كان ينشر بها آراءه السياسية ويذيع على صفحاتها أفكاره في طرق الإصلاح، فاشتهر أمرها وعرفت أنها لسان حال الصدر الأعظم المشار إليه، وبعد ظهور العدد الثامن منها تركها الدلال لرجل يسمى عبد الله خالص فانصرفت عنها الأفكار لركاكة عباراتها وقطع خير الدين باشا عنها المدد فانقرضت. وعلى سبيل المثال نورد الفقرة الآتية التي نشرت في العدد 11 للسنة الأولى عن الخديو إسماعيل باشا وهي بالحرف الواحد:
لحد الآن ما تحقق إن كان إسماعيل باشا يبقى في هذا الشتا مقيما في نابولي أو يأتي إلى دار السعادة أو لمكان آخر، وإذا جاء إلى دار السعادة لا يسكن داره التي في «أميركان»؛ لأنها منذ مدة صارت مختصة بالحكومة المصرية، حتى إنها عينت للذين مقيمين فيها من الخدمة والمأمورين معاشا مع ما يلزم لأجل مصاريف تعميرات لها ثمان آلاف ليرة، فبناء عليه يقتضي له أن يشتري دار رفعت باشا التي هي في الخليج؛ لأنها كبيرة أو دار سعيد باشا الكائنية في «الببك» ويعمرها، ولقد سمعنا أنه أرسل له من مصر بابورا مشحونا أشياء ومايتي رأسا من الخيل وأن حريمه الثالثة لم تزل مريضة.
مدرسة الفنون
عنوان مجلة علمية فنية ظهرت في 25 كانون الأول 1882م/15 صفر 1300ه لمنشئها حميد وهبي، فكانت تصدر في الشهر مرتين وتنشر مقالات مفيدة غايتها تنشيط المعارف وترويج الفنون على اختلاف أنواعها، وقد لاقت نصيرا كبيرا في وزارة المعارف العثمانية التي اشتركت فيها بنسخ شتى تعزيزا لشأن العلم بين الرعية، واحتجبت هذه المجلة في السنة الثانية من عمرها.
الاعتدال
جريدة أسبوعية سياسية برزت في 29 آب 1883م/26 شوال 1300ه لصاحب امتيازها ومحررها أحمد قدري ترجمان اللغة العربية في الباب العالي والكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد، فقرظها أحد أدباء العرب نزيل الآستانة حينئذ بهذين البيتين مؤرخا:
سرنا نشر الاعتدال الجديد
إذ أتانا بكل قول سديد
قال عنوانه لراجيه أرخ
يشكر الاعتدال سعي الحميد
سنة 1300 هجرية
وقد وافق ظهور هذه الجريدة لدى أفول نجم «الجوائب» التي قضت أثقال الشيخوخة على صاحبها بإهمال صحيفته والسفر إلى القطر المصري، فأراد أحمد قدري أن يقتدي بأحمد فارس الشدياق الذي نال القدح المعلى بين الصحافيين بالعلم والجاه والسياسة والمال وأحرزت جريدته حينئذ السيادة المطلقة على سائر الصحف العربية في العالم بأسره، ولكن التوفيق لم يخدم منشئ «الاعتدال» كما خدم صاحب «الجوائب» في جميع أدوار حياته، وعاشت جريدة «الاعتدال»، خمس سنين وتعطلت بسبب مرض صاحبها ووفاته، وفي الإجمال كانت عبارتها صحيحة ولهجتها معتدلة تذيع الأنباء الداخلية والخارجية بكل صدق، وكانت ميدانا تتبارى فيه أقلام الكتاب بالمباحث الشعرية والعلمية والأدبية والاجتماعية كأحمد عزت باشا العمري الفاروقي والشيخ إبراهيم الأحدب وأبي النصر يحيى السلاوي والشيخ عبد الحميد الرافعي وغيرهم من أعلام الجهابذة، وقد حرر فيها حسن حسني باشا الطويراني مددا كثيرة لا سيما في أول عهد نشأتها.
الإنسان: مجلة وجريدة
الإنسان هي مجلة دينية علمية فنية صناعية زراعية أدبية أخلاقية ظهرت بتاريخ 28 آيار 1884م/غرة شعبان 1301ه لصاحب امتيازها حسن حسني باشا الطويراني، فكانت تصدر في الأسبوعين مرة في 24 صفحة مكتوبة بعبارة بليغة وطافحة بالمقالات الطويلة لا سيما الدينية منها، ونشرت على صفحاتها كتاب «النسر الدهري» بقلم منشئها الفاضل، وقد عاشت إلى 15 جماد الآخر بعدما صدر منها 19 عددا واحتجبت لأسباب استدعتها الأيام، وفي 5 جماد الثاني 1303 عادت إلى الظهور أسبوعية بشكل جريدة مؤلفة من ثماني صفحات متوسطة الحجم ناصحة لأبناء العصر بما أوتيه صاحبها من الحكمة وروح العرفان، ومن أهم منشوراتها «مقامات الحسن» ثم «التهذيب الإلهامي في خدمة الدين الإسلامي» بقلم منشئ الجريدة وغير ذلك. وقد عطلها صاحبها في نواحي سنة 1890 عندما سافر إلى القطر المصري ليسكن فيه، وهناك أصدر صحفا كثيرة سنأتي على ذكرها في أماكنها وفي ترجمة حاله.
كوكب العلم
مجلة أسبوعية صغيرة الحجم ذات 32 صفحة صدرت في 13 كانون الثاني 1885م/ 23 صفر 1302ه لصاحب امتيازها ومحررها نجيب بن نادر صوايا اللبناني، وقد رسمت اللفظة الأولى من اسمها بشكل «كوكب» داخلة فيه اللفظة الثانية أي «العلم»، وهو فكر مستمد من جريدة «كوكب الصبح المنير» البيروتية للمرسلين الأميركيين، وكانت تبحث في العلوم والفنون والصنائع وكافة المعارف بعبارة قريبة المنال خالية من التعقيد، وتعميما للفائدة قد جعل لها منشئها قسما تركيا مستقلا لا يقل عن القسم العربي بعدد صفحاته وجودة مباحثه.
ومن مميزات هذه المجلة أنها كانت تدافع عن النساء وتحافظ على حقوقهن في كل جزء من أجزائها تحت عنوان «أبكار الأفكار في أفكار الأبكار» ونظن أنها المجلة العربية الأولى التي تصدت قبل سواها للمباحث النسائية وخصصت لها بابا مستقلا، وقد اطلعنا في جزئها الثالث على البيتين المشهورين اللذين نظمتهما «الولادة بنت المستكفي بالله العباسي» فشطرتهما حفيدتها الشاعرة البليغة «م. ه» التي لم نتوفق إلى معرفة اسمها قالت:
لحاظكم تجرحنا في الحشا
من بعد ما صالت رماح القدود
فقلبنا يخشاكمو رهبة
ولحظنا يجرحكم في الخدود
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا
واستعملوا الرفق وراعوا الحدود
جميعنا يطلب ثأر الهوى
فما الذي أوجب جرح الصدود
السلام
صحيفة سياسية أسبوعية أنشأها الحاج صالح الصائغي سنة (1302 هجرية/1885 مسيحية)، فعاشت وقتا قصيرا لأسباب مالية قضت على صاحبها بتعطيلها، وقد تولى تحريرها في المدة المذكورة حسن حسني باشا الطويراني منشئ جريدة «الإنسان» السابقة الذكر، وقد أرخ ظهورها إبراهيم بك كرامة نجل الشاعر المعلم بطرس كرامة الحمصي بهذين البيتين:
نشرت صحيفتنا السلام ونشرها
قد طاب يا أهل الوفاء لديكم
إن ضن بالخبر الصحيح مؤرخ
يتلو حوادثه السلام عليكم
1302
وقد أخطأ قسطاكي بك حمصي بنسبته هذه الجريدة لخاله جبرائيل دلال بدلا من جريدة «السلام» الأولى التي مر ذكرها، يتضح ذلك من تاريخ البيت المنشور أعلاه إذا جمعت أرقام حروفه الأبجدية فاقتضى التنويه والتنبيه، (راجع كتاب «السحر الحلال في شعر الدلال» صفحة 22).
الحقائق
مجلة أسبوعية ظهرت في 8 كانون الأول 1885م/غرة ربيع الأول 1302ه لأبي النصر يحيى السلاوي، وكانت تشتمل على المباحث العلمية والأدبية والمطالب الدينية والدنيوية سيما العقليات وما جرى مجراها كالحكمة وأقسامها والحكم وأحكامها والتمدن وملحقاته والآداب العمومية والمنتخبات الصناعية والمواعظ العامة والنصائح الخاصة والفنون المفيدة، وأضاف إليها منشئها ما يتعلق بجميع ذلك من الحدود والتعريفات بحسب الموضوعات والمصطلحات على اختلاف المذاهب والمشارب والمعتقدات قديمة كانت أو حديثة وطنية أو أجنبية، وكان الغرض الأول من نشرها تبادل الأفكار مع أرباب الصحف العثمانية فيما يئول إلى تعميم المعارف وتنشيط الصنائع بين أفراد الأمة.
ويحسب أبو النصر يحيى السلاوي من أكبر شعراء عصره وأبلغ كتاب زمانه، فإنه خلف آثارا نفيسة تشهد له بطول الباع لا سيما في التاريخ والشعر، منها مقصورة غراء تحت عنوان «عقد الجمان في تاريخ سلاطين آل عثمان» اشتملت على خلاصة تاريخية شعرية من السلطان عثمان خان إلى محمود الثاني، وقد وقفنا له على تشطير بديع للقصيدة التي نظمها أبو المظفر منصور بن مبارك الواسطي في مدح السيد أحمد الرفاعي الكبير ومطلعها:
سرت ناقتي ليلا فسبحان من أسرى
إلى الساحة القعساء والحضرة الكبرى
وحطت حمول السير مثقلة على
أريكة باب دونه جبهة الخضرا
وهي تبلغ 21 بيتا شطرها السلاوي المشار إليه قائلا:
سرت ناقتي ليلا فسبحان من أسرى
بمن نال سر القرب في ليلة الإسرا
ومدت خطا عنها المطايا تقاعست
إلى الساحة القعساء والحضرة الكبرى
وحطت حمول السير مثقلة على
محط رحال القوم تلتمس العذرا
تقلصت من وادي الأراك بها إلى
أريكة باب دونه جبهة الخضرا
الحقائق
جريدة سياسية أسبوعية تبحث في السياسة والعلوم ظهرت في 28 تشرين الثاني 1888 لصاحب امتيازها ومحررها إبراهيم بك أدهم، وغرضها خدمة الدولة والملة والسعي في جمع الوحدة الإسلامية وحسن الدفاع عن مصالح المسلمين في أنحاء العالم، ثم صارت تنشر باللغتين العربية والتركية مناصفة وعاشت نيفا وخمس سنين، وقد كتبت عنها جريدة الأهرام بالإسكندرية ما نصه بالحرف الواحد: «جريدة طلية العبارة كبيرة الحجم جميلة الحرف حوت كل أنواع السياسة وأفانين الأخبار والحوادث من كل شيء أحسنه، ومن كل معنى أرصنه بعبارة فصيحة وأسلوب بديع.»، وإليك أيضا ما وصفتها به جريدة «البشير» البيروتية للآباء اليسوعيين في عددها 984 الصادر بتاريخ 23 تشرين الثاني 1889 قالت:
الحقائق هي الجريدة السياسية العربية الوحيدة المطبوعة في الآستانة لصاحب امتيازها ومحررها البارع إبراهيم أفندي أدهم الذي اتخذ فيها خطة محمودة حظيت بالقبول ... وتمتاز هذه الجريدة الإسلامية بمنهاجها السلمي واعتدال مشربها ...
الحقوق
مجلة شهرية صدرت في 13 تموز 1890 باللغتين العربية والتركية لصاحب امتيازها الدكتور إلياس بك مطر الحائز على شهادتي الحقوق والطب ومديرها إلياس بك رسام من مشاهير وكلاء الدعاوى في القسطنطينية، وهي تبحث عن الحقوق العادية والتجارية وتشكيلات المحاكم وأصول المحاكمات المدنية والجزائية وحقوق الدول، وعن حكمة الحقوق وتاريخ الحقوق والحقوق الطبيعية والمحاكمات والقرارات المهمة إلخ، فكانت منزهة عن كل غرض، تتحرى حل ما غمض من المشاكل وإذاعة ما راق من المسائل والفوائد، وعطلتها الحكومة ثلاث مرات؛ لأنها كانت تنتقد أعمال المحاكم ومقرراتها وتبين لها وجوه الإصلاح.
وأخيرا تهدد رؤساء الدوائر العدلية صاحبيها الفاضلين بالسوء إذا استمرا على خطتهما الانتقادية، ولما كانت مصالحهما الذاتية تقضي عليهما بمراعاة جانب الحكام في عهد السلطان عبد الحميد اضطرا مكرهين على هجر الصحافة وتوقيف نشر المجلة بعد تعطيلها للمرة الثالثة حذرا من شر العاقبة. ومحررها إلياس بك رسام ينتمي إلى أسرة كريمة من أقدم عائلات الموصل في بلاد بين النهرين، هاجر أبواه المدينة المذكورة إلى حلب، وهناك أبصر نور الوجود، ثم رحلت عائلته إلى أورفا ولم يزل بعضهم فيها إلى الزمان الحاضر. وبعد حين جاء إلياس بك رسام مدينة القسطنطينية فسكن فيها وتعاطى الأشغال، وقد اشتهر لدى الخاص والعام بصدق معاملاته ومحاسن صفاته واستقامة مبادئه، وهو حائز على بعض الرتب وأوسمة الشرف التي نالها بكل استحقاق، وقد طلبنا منه أن يتحفنا بسيرة حياته ورسمه حتى نثبتهما في هذا الكتاب فلم نفلح لشدة اتضاعه وكراهته لحب الشهرة، أما زميله إلياس مطر فقد أفرزنا له ترجمة مخصوصة في الباب الرابع من الجزء الثاني.
الفصل الثاني: أخبار جرائد دمشق ومجلاتها
دمشق
جريدة أسبوعية سياسية ظهرت عام 1878 باللغتين العربية والتركية لصاحب امتيازها أحمد عزت باشا العابد الذي ترقى بعد ذلك إلى أعظم مناصب الدولة حتى صار كاتبا ثانيا للسلطان عبد الحميد، وكان لدى تأسيس جريدة «دمشق» رئيسا لقلم المخابرات التركية والعربية في حكومة سوريا على عهد واليها جودت باشا المؤرخ الشهير الذي حرضه على إنشائها، وقد نشر على صفحاتها فصولا كثيرة أشار فيها إلى مآثر العرب ومفاخرها وعلومهم وفضائلهم، وبعد انتشارها بخمسة شهور احتجبت زمانا قصيرا لشواغل شخصية، ولما أسند منصب الولاية إلى مدحت باشا سنة 1879 رافقه أسعد أفندي أحد أبطال تركيا الفتاة، واشتهر أسعد أفندي بهجومه مع علي سعاوي على قصر «جراغان» لإنقاذ السلطان مراد الخامس من الحبس وتقليده سيف الخلافة بدلا من عمه السلطان عبد العزيز المخلوع، فأوعز مدحت باشا إلى أحمد عزت باستئناف نشر الجريدة التي أعيد ظهورها في 9 آب للسنة المذكورة، وعهد إلى أسعد أفندي بكتابة قسمها التركي لرسوخ قدمه في قواعد اللغة العثمانية، وبعد سفر مدحت باشا من سوريا اشترك أسعد أفندي مع جبران لويس في تعاطي فن المحاماة ثم صار مديرا لرزي التبغ في دمشق، وقد نفي في آخر أيامه إلى فزان بطرابلس الغرب ومات هناك.
أما القسم العربي من الجريدة فتولى كتابته سليم بك عنحوري الذي كان إذ ذاك محرر مقاولات مركز الولاية فنشر فيها المقالات السياسية والعمرانية تعزيزا لأركان الدستور، وفي أثناء ذلك انضم أحمد عارف بك ابن الملا نور الله قاضي دمشق إلى صاحب الامتياز فاشتركا معا في إدارة هذه الصحيفة، ثم انتقل تحريرها بعد سنة إلى يد أديب نظمي ومصطفى واصف اللذين أنشآها نحو السنتين. ولما أخذ أحمد عزت باشا يتقلب في مأموريات السلطنة خارجا عن مسقط رأسه اضطر إلى إهمال مصلحة الجريدة التي صارت تصدر بلا انتظام إلى آخر عهدها في سنة 1887.
مرآة الأخلاق
مجلة نصف شهرية ظهرت في غرة كانون الثاني 1886 لصاحبيها سليم وحنا عنحوري، فكانت تنشر بشكل كتاب يتألف منه في آخر السنة 24 جزءا وكل جزء في 24 صفحة صغيرة بدون امتياز من طرف الحكومة، وقد استهلاها بهذين البيتين:
ألا أسرع صاح للمرآة وانظر
بها صور المشارق والمغارب
ففي المرآة يظهر كل شيء
إذن قل تلك مرآة العجائب
وكانت هذه المجلة على قسمين كما صرح صاحباها في فاتحة المقال: «أحدهما روايات تتجاذب طرفي الغرام والأدب وتأخذ بناصيتي الفكاهة والعلم، والثاني يخوض كل عباب ويبحث في كل ركاز وتراب، فحيثما فاز بدرة كنزها، وأينما ظفر بشذرة أحرزها خلا السياسة والدين.»، وعلى أثر صدور العدد الأول منها حجزت عليها الحكومة استبدادا لوشاية قدمت على أحد صاحبيها سليم بك بحجة أنه يتحدى القرآن في المقالات التي ينشرها في القسم الأول منها وهو المختص به تحريره، وبعد المرافعة التي انجلت عن التبرئة أضربا عن اطراد نشرها حذرا من مظالم الحكام، ثم نال سليم بك امتيازا بتأسيس مطبعة باسم «الاتحاد» ومجلة باسم «مرآة الأخلاق» على يد ناشد باشا والي سوريا، ولكن شدة التضييق والمراقبة على المطبوعات في ذلك الوقت حالت دون استئناف إصدار المجلة؛ فبقيت مطوية إلى الآن.
سليم بك عنحوري؛ منشئ مجلة «مرآة الأخلاق» ومحرر صحف «دمشق» و«الشام» و«المشكاة» في دمشق ومؤسس جريدة «مرآة الشرق» ومجلة «الشتاء» في القاهرة وكاتب المقالات العديدة في أشهر الجرائد العربية.
وكان شريكه حنا بن روفائيل بن حنا عنحوري من نوابغ الشبان السوريين، فإنه ولد سنة 1864 وتخرج في المدرسة البطريركية في بيروت واشتغل بفن التمثيل في دمشق مع جورج مرزا مدة من الزمان، ثم سافر مع خاله المطران ملانيوس فكاك سنة 1887 إلى روما فباريس، وهناك أخذ يدرس الطب ويعلم الآداب العربية في مدرسة القديس يوحنا فم الذهب إلى أن مات فجأة في 13 آذار 1890 عن ست وعشرين سنة ، وكان بارعا في اللغة العربية ومن بلغاء كتابها، وقد انتخبه «المجمع العلمي الآسيوي» عضوا له في باريس، وله من المطبوعات رواية «الهوى شرك الهوان» ورواية «شقاء المحبين» وغير ذلك من الآثار الأدبية، وكان يتردد كثيرا على المكتبة الكبرى في باريس للمطالعة ونسخ بعض المخطوطات القديمة، وبعد وفاته نشر كراس مصدر برسمه وحاو لترجمته ومآثره.
الفصل الثالث: جرائد حلب
الشهباء
صحيفة أسبوعية عامة المباحث ظهرت في 10 آيار 1877 لصاحب امتيازها هاشم عطار وطبعت في المطبعة العزيزية، ثم انضم إليه عبد الرحمن الكواكبي وميخائيل بن أنطون صقال واشتركوا معا في إصدارها، وصادف ظهورها على أثر إعلان الحرب الشهيرة بين الدولتين العثمانية والروسية فكانت تنشر أنباء هذه الحرب مع سائر الحوادث الداخلية والخارجية، وبعد ظهور العدد الثاني منها تعطلت بأمر كامل باشا والي حلب ثم أعيد نشرها، وقد ورد شيء من أخبارها في مقدمة جريدة «الاعتدال» الحلبية التي صدرت في 25 تموز 1879 لمنشئها عبد الرحمن الكواكبي وهاك نصه:
وبناء على ذلك كان إصدار جريدة الشهباء التي وقفت خدمتها بأمانة وجعلتها تحوز حسن القبول من العموم، غير أنها أصيبت اضطهاد الوالي السابق دولتلو كامل باشا فعطلها ثلاث مرات، ولا نرى حاجة لبسط أسباب وقوعها تحت هذا التعدي لشهرة أمره ... على أننا نكتفي بالقول إن حضرة الوالي المشار إليه ماذا يجيب إذا سئل في محكمة الإنسانية عن سبب مقاومته جهده في صد هذا المشروع الخيري ومعارضة القائمين به وإضرارهم ماديا وأدبيا، هل له من جواب يدفع عنه الحكم الحق بأن السبب ليس إلا ما في فطرته من عداوة الحرية؟ ... لأن كامل باشا في التعطيل الثالث أمر أولا بالحجز على المطبعة ووضعها تحت مراقبة الضابطة، ثم لم يشأ اعتراف أعلام المحكمة الابتدائية في براءتها كما أنه لم يعمل بعد أيضا بتصديق المحكمة الاستئنافية على البراءة، بل استبد في تعطيلها بصورة غريبة جدا، أما حضرة دولتلو مظهر باشا فإنه منذ تشريفه لا زال يبذل لها عواطف التنشيط والتشويق والوعد بالمساعدة والحماية وامتلاك الحرية مصرحا بأنها إن وجدت في أعمال وإجراءات دولته نفسه ما يقتضي التنبيه أو التنديد يسره أن يراها غير متحاشية من ذكره ... لكن قد ساءنا أخيرا كون «الشهباء» عاقها بعض الموانع عن أن تغتنم هذه الفرصة فقامت مقامها في ذلك «الاعتدال».
الاعتدال
صحيفة أسبوعية سياسية ظهرت في 25 تموز 1879 لمنشئها السيد عبد الرحمن ابن الشيخ أحمد الكواكبي بدلا من جريدة «الشهباء» المار ذكرها، وكان نصفها مطبوعا باللسان العربي ونصفها الآخر باللغة التركية تعميما لفوائدها بين سكان ولاية حلب الذين يغلب فيهم العنصر التركي على سواه، أما خطتها وعبارتها وغرضها ومباحثها فيتضح كله مما ورد في المقالة الافتتاحية وهذا نصه بالحرف الواحد:
على أن الاعتدال هي الشهباء من كل حيثية، وقد أخذت على نفسها من قبل ومن بعد القيام بكامل وظائف الجرائد الأهلية من نشر حسنات الإجراءات وإعلان سيئات المأمورين وعرض احتياجات البلاد إلى مساعي أولي الأمر ونشر كل ما يقتضيه تهذيب الأخلاق وتوسيع دائرة المعارف من أبحاث علمية وسياسية وغيرها. وبناء على كون الاعتدال مصممة بإخلاص على أن يكون مسلكها معتدلا في جميع مقاصدها تعلن أنه إذا وقع تقصير ما ونبهت عليه تبادر لإصلاحه متشكرة أفضال المنبهين؛ لأن أشرف ما يكون للجرائد أن تحوز على حسن القبول والولاء من العموم.
وانطفأ سراج حياة هذه الجريدة في مطلع حياتها؛ لأن صاحبها المشهور بحرية الضمير وحب الوطن كان ينبه الحكومة على مواضع الخلل بكتاباته الشائقة وإرشاداته الصائبة، فلما ضايقته الحكومة اضطر إلى توقيف «الاعتدال»؛ وهكذا حرمت الدولة من نشرياته الإصلاحية. وكان الكواكبي الممثل الحي بلا نزاع للجامعة الإسلامية التي سعى في إيجادها جمال الدين الأفغاني، وإليك ما كتبته جريدة «الرأي العام» البيروتية بتاريخ 11 كانون الثاني 1912 قالت:
أما الكواكبي فقد كان مع ذلاقة لسانه في الخطابة صاحب نظر دقيق ونير، وقد أخذ فكرة الأفغاني في عقد المؤتمر الإسلامي فشرحها شرحا مطولا في كتابه الذي صدر باسم «سجل جمعية أم القرى»، وضمن هذا الكتاب أعمال المؤتمر الذي لم يمكن عقده، ووصف بأسلوبه الحسن حالة العالم الإسلامي وشخص أمراضه بكل انتباه مع ذكر الدواء اللازم لها. الكواكبي هو العالم النظري الذي دعا للجمعية الإسلامية وهو المفكر الذي لم يؤثر فيه الوعيد والتهديد، وإذا كان الأفغاني قد أظهر الميل إلى عبد الحميد بمجيئه إلى الآستانة حتى مات فيها، فإن الكواكبي ظل دائما العدو الألد لعبد الحميد حتى ألف كتابه - طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد - تشنيعا على حكومته.
الفصل الرابع: جرائد جبل لبنان
الجعبة
اسم لجريدة أسبوعية هزلية صغيرة الحجم مطبوعة على الهلام (الجلاتين) أصدرها في نواحي سنة 1873 الشيخ نوفل الخازن في قرية «درعون» بلبنان، وهي تتضمن شيئا كثيرا من النوادر والحكم واللطائف التي اشتهر هو بها خصوصا والمشائخ الخازنيون عموما، وكانت تحتوي أيضا على حوادث يوسف بك كرم أشهر أبطال لبنان في القرن التاسع عشر مع أخبار الحروب التي جرت بينه وبين داود باشا أول متصرف على الجبل المذكور، فكان أهل الذوق يتهافتون إلى مطالعتها وقد عطلها منشئها بعد صدور أعداد قليلة منها.
يوسف بك كرم؛ صاحب السيف والقلم وأشهر أبطال جبل لبنان في القرن التاسع عشر.
ولد الشيخ نوفل من أبيه قانصوة بن حصن بن نوفل بن حصن بن نوفل بن حصن بن فياض بن نادر بن خازن بن إبراهيم بن سركيس الخازن، وكان جده الشيخ نوفل بن حصن قنصل فرنسا في بيروت وكاتب المجمع اللبناني الذي التأم سنة 1736 في دير اللويزة، وقد تلقى صاحب «الجعبة» مبادئ العلوم في دير الشرفة للسريان الكاثوليك، ثم أخذ علم الفقه عن المطران يوحنا الحبيب منشئ جمعية المرسلين اللبنانيين، وتولى القضاء مدة في محاكم لبنان فكان مثال النزاهة والاستقامة، وبعد أن ترك القضاء زاول فن المحاماة إلى آخر أيامه، وحلت وفاته في أواخر تشرين الثاني 1905 في بيروت على أثر مرض السرطان، فنقل إلى مسقط رأسه في درعون حيث دفن بإكرام وتولى صلاة الجنازة عن روحه بطريرك الطائفة المارونية وأحبارها ومطارنة سائر الطوائف، وكان مشكور الأعمال طيب السريرة ينظم الشعر بلا تكلف، ولأجداده آثار تذكر فتشكر في سبيل نصارى جبل لبنان كما يتضح ذلك من الفرامين السلطانية والبراءات البابوية وامتيازات الشرف الممنوحة لهم من ملوك فرنسا، وهي محفوظة بأسرها لدى الكونت حصن دي خازن شقيق الشيخ نوفل في منزله بدرعون وشاهدناها مرارا، ومن منظوماته الأنيقة قصيدة رثى بها الكونت أنطون دي طرازي الذي مات غريقا بتاريخ 21 نيسان 1900 في مينا بيروت وهي:
الموت حكم ليس منه مهرب
ولدن إصابته التصبر أصوب
هذا كلام صادق في حده
حكما وأبلغ ما يقال ويكتب
لكن في خطب تفاقم رزؤه
عذرا لمن يبكي الفقيد ويندب
يا من تقول الصبر أولى بالفتى
فالصبر صبر صابه لا يعذب
كيف اصطباري بعد من لا أرتجي
في ذي الحياة لقا به وتقرب
فاعذر إذا سكب العيون ابن العلى
ديما تهل على الصدور فتلهب
إن أبك أنطون بن طرازي فلا
حرج وفيه الشرق يبكي المغرب
من كان غوث المستغيث وملجأ
لم يطو كفا عن فقير يطلب
أسفي على غصن رطيب قد ذوى
لم تجده نفعا دموع تسكب
فرماه سهام بسهم منونه
والموج أمسى فوقه يتقلب
قد كان في برج الثريا كوكبا
واليوم أمسى في التراب الكوكب
أبكيه بل تبكيه والدة له
وأشقة وابن وحيد ينحب
وإذا طلبت من الجماد بكاءه
جزعا عليه فلا يعز المطلب
كم خلت أن الشمس في رأد الضحى
غابت لغيبته فطال الغيهب
يا ساعة ما كان أثقل ظلها
فوق الأضالع والترائب تضرب
هي نكبة جلى إذا نزلت على
صرف القضا لم يحتملها المنكب
يا من تفرد بالشهامة والتقى
وبنجدة الملهوف وهو معذب
يا من حوى درر المكارم صدره
فالبحر رحب وهو منه أرحب
يا من تساوى والنسيم لطافة
والند عرفا وهو منه أطيب
غادرتنا فسلبت كل قلوبنا
هلا حياة بعد ذلك تسلب
فالعيش أمسى بالمصاب مرارة
هيهات تحلو بعد ذاك وتعذب
قد كان صحبك في حياتك باسما
والآن صحبك في مماتك يندب
لا غرو خطبك ليس خطب واحد
فيه خطوب لا تعد وتحسب
تبا لدهر جار في أحكامه
قد جاء يفتك بالقلوب ويعطب
وسطا على خير امرئ فأذاقه
كأس الردى صرفا فبئس المشرب
ضاق التأسي في أليم مصابه
يا رب برد نار قلب تلهب
فثوى غريقا في البحار وكلنا
غرقى الدموع لموته نتعذب
يا راحلا مني إليك تحية
وعلى ضريحك دمع عيني يسكب
سلمت أمري للمهيمن قائلا
الموت حتم ليس منه مهرب
لبنان
عنوان لصحيفة أسبوعية سياسية علمية تجارية أدبية أنشئت في «بعبدا» بتاريخ غرة تشرين الأول 1891 لصاحبها إبراهيم بك الأسود أحد أعضاء مجلس إدارة جبل لبنان لذاك العهد، فكانت مشمولة بعناية واصا باشا وصهره كوبليان أفندي اللذين فرضا على كل الأعيان وأصحاب المصالح ومأموري الحكومة أن يشتركوا في الجريدة؛ فراجت بمساعيهما رواجا كبيرا وجلبت لمنشئها أرباحا كثيرة. وفي سنتها الثانية عطلها نعوم باشا المتصرف الخامس على الجبل وكان قد صدر منها 86 عددا. ثم أعيد نشرها وكانت لسان حال الحكومة اللبنانية تنشر الإعلانات القضائية والأوامر الرسمية، وقامت بكثير من الاكتتابات الخيرية، منها اكتتاب في أثناء الحرب العثمانية اليونانية فنال صاحبها لأجله المدالية المخصوصة، ومنها اكتتاب السكة الحجازية وقد أحرز إبراهيم بك لأجلها مدالية السكة المذكورة، وفوق ذلك منحته الدولة «الرتبة الثانية» مع الوسامين «المجيدي الثالث» و«العثماني الرابع».
وهي تعد أول جريدة سياسية نشرت في الجبل بحيث كانت فيه كمدرسة نقالة ولذلك كانت فائدتها عظيمة للناشئة المحلية، ومن المعلوم أنها كانت في بعض الأحيان تنشر ما يكلم ويؤلم دفاعا عن صاحب امتيازها الذي لا يخلو من الأخصام المختلفين معه في المبدأ والمشرب، وقد خدمت بصورة خصوصية الدين ورجاله لعلمها أن الدين غريزة من الغرائز المؤثرة في صلاح النفوس،
1
وبعد الانقلاب العثماني سنة 1908 نقلت إدارتها إلى بيروت وصارت تطبع فيها، وكان صاحب الامتياز يكتبها بقلمه ويساعده في ذلك بعض حملة الأقلام الذين نذكر منهم: المعلم جرجس زوين، وسعيد البستاني، وإلياس جرجس طراد، وإلياس حنيكاتي، وعيسى ميخائيل الخوري، وإسكندر عيسى المعلوف، ونجيب المشعلاني، ومحبوب الخوري الشرتوني، وإلياس نقولا الضاهر. أما مدراؤها فكانوا: قيصر الأسود، وإبراهيم بك سليمان، وميشال بك الشامي.
وفي 9 كانون الثاني 1913 استقل الشيخ شاهين الخازن بإدارتها وتحريرها ومخابرة وكلائها والمشتركين فيها، وذلك بموجب شركة عقدها مع صاحب الامتياز انصرافا من الثاني إلى أشغاله الخاصة والقيام بوظيفته كعضو في دائرة الحقوق الاستئنافية في الجبل، فأخذ الشيخ شاهين يعمل على تعزيز شأن الجريدة ويزين أعمدتها بنشر الفصول الجديرة بأن يقرأها كل لبناني، ولا غرو فهو الصحافي الذي تجسمت الشهامة الوطنية في كتاباته وأعد قلمه لخدمة الحياة القومية والمبادئ الحرة، تشهد على ذلك مقالاته البليغة في أشهر الصحف السورية والمصرية وسنأتي على تفصيل كل ذلك في حينه إن شاء الله تعالى.
الفصل الخامس: أخبار الصحف العثمانية في شمال أفريقيا وشبه جزيرة العرب
طرابلس الغرب
هي جريدة أسبوعية رسمية ذات أربع صفحات أصدرتها الحكومة العثمانية عام 1871 في مدينة طرابلس الغرب بأمر السلطان عبد العزيز، فنشرتها في اللغتين العربية والتركية وخصصتها بالولاية المعروفة بهذا الاسم في شمال أفريقيا. وكانت هذه الصحيفة ركيكة العبارة سقيمة الحروف تطبع في مطبعة الولاية وتقتصر على نشر الأوامر والوقائع والإعلانات والتوجيهات كسائر الصحف الرسمية في السلطنة العثمانية. ولما اغتصب الإيطاليون هذا القطر في 29 أيلول 1911 وأعلنوا ضمه إلى أملاكهم أطلقوا قنابل مدافعهم على مدينة طرابلس الغرب ودمروها، فنالت المطبعة نصيبها من الخراب؛ ومن ذلك الحين تعطلت الجريدة بعد ما عاشت إحدى وأربعين سنة، وكان القائمون بإنشاء فصولها بعض مأموري الحكومة المحلية الذين لم يتيسر لنا الوقوف على أسمائهم.
صنعا
جريدة أسبوعية رسمية ظهرت عام 1877 في مدينة «صنعا» قاعدة ولاية اليمن في شبه جزيرة العرب، وقد أمر بإنشائها السلطان عبد الحميد الثاني لنشر أفكاره وخدمة مصالح حكومته في تلك الأصقاع النائية، فكانت تطبع في مطبعة الولاية باللغتين العربية والتركية في أربع صفحات كبيرة ثم صارت تصدر في ثماني صفحات صغيرة بحرف جلي وأكثر إتقانا، أما عبارتها فكانت ركيكة تدل على قصر باع كتابها في صناعة الإنشاء ثم تحسنت شيئا قليلا في السنين الأخيرة، ولم تزل هذه الصحيفة تصدر حتى اليوم في أوقاتها المعلومة كما سبق الكلام، وهي الأولى والوحيدة التي ظهرت في تلك الولاية الواسعة؛ لأن سكانها ليسوا على شيء من العلم والحضارة والاستعداد لقبول التمدن العصري ، ويرجع أكثر اللوم في ذلك على الحكومة العثمانية التي كانت ترسل إلى اليمن عمالا ينصرفون إلى منافعهم الذاتية ويهملون مصالح الشعب ويجهلون لغة السكان ويختلفون معهم مشربا، ولذلك كثرت الفتن بين الحكومة وزعماء تلك البلاد كالشيخ الإدريسي والإمام يحيى وغيرهما من أمراء العرب الذين اشتهر أمرهم.
الباب الرابع
تراجم مشاهير الصحافيين العثمانيين خارجا عن بيروت في الحقبة
الثانية
غريغوريوس الرابع
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق على الروم الأرثوذكس ومدير جريدة «الهدية» ومحررها سابقا في بيروت ومؤسس مجلة «النعمة» حالا في دمشق.
وددت بقائي بين أهلي وإنما
رماني زماني بالبعاد من الصغر
فقلت لهم إن تمنع العين عنهم
أعوضهم رغما عن العين بالأثر ***
هو غنطوس بن جرجس بن غنطوس حداد، ولد بتاريخ غرة تموز 1859 في «عبيه» إحدى قرى الشوف بجبل لبنان، فتلقى مبادئ العلوم في مدرستها البروتستانتية التي كانت بإدارة المرسلين الأميركيين، ثم نزعت نفسه إلى العيشة الرهبانية فقصد السيد غفرئيل مطران بيروت ولبنان على الروم الأرثوذكس طالبا منه الانتظام في سلك تلامذة مدرسته الكهنوتية، فدخلها في 10 آيار سنة 1872 وكان أستاذه فيها المعلم شاهين عطية، فحاز قصب السبق على أقرانه وكان آية في الذكاء وقدوة في السيرة الصالحة وغير ذلك من الصفات الحسنة، فأحبه مطرانه المشار إليه وجعله كاتبه الخاص في 24 كانون الأول سنة 1875 وهو في السادسة عشرة من عمره، وفي 19 كانون الأول 1877 اتشح بالإسكيم الرهباني في دير سيدة النورية، وفي 29 آب سنة 1879 رقاه إلى درجة الشماس الإنجيلي وسماه غريغوريوس، وأناط به طبع كتاب «البوق الإنجيلي» وإدارة «جمعية بولس الرسول» التي غايتها مساعدة الكنائس والمدارس الأرثوذكسية في جبل لبنان، وقد ألغيت هذه الجمعية بعد قسمة الأبرشية إلى أبرشيتين وهما بيروت ولبنان، ولما أنشأت «جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسي» عام 1883 جريدة «الهدية» تولى صاحب الترجمة إدارتها وتحريرها مدة طويلة من الزمان.
ميخائيل رومانوف؛ مؤسس الأسرة القيصرية المالكة في روسيا.
وسنة 1890 وقع الانتخاب عليه لكرسي مطرانية طرابلس الشام فاقتبل في 6 آيار الدرجة الكهنوتية، ثم نال رتبة الكهنوت من يد البطريرك الأنطاكي جراسيموس الذي انتقل بعد ذلك إلى السدة الأورشيليمية البطريركية ومات فيها، فساس صاحب الترجمة هذا الكرسي الأسقفي بكمال الغيرة والنشاط حتى أجمعت قلوب الرعية على محبته وإجلاله؛ لأنه أزال بحكمته ما كان قد طرأ من الشقاق في عهد سلفه المطران صفرونيوس نجار وألقى الألفة في قلوب الجميع، فانقادت له الرعية انقياد القطيع وانقلب العداء محبة والخصام سلاما، وقد خلد له في هذه الأبرشية آثارا جليلة بما أنشأه فيها من المدارس والكنائس والجمعيات الخيرية التي تنطق بفضله، وأشهرها مدرسة «كفتين» التي عاشت من سنة 1893 إلى 1897 وأتحفت الوطن بكثير من رجال العلم في العصر الحاضر. وبعد ستة عشر عاما من جهاد مستمر في خدمة منصبه المذكور انتدبه أحبار الكرسي الأنطاكي بطريركا عليهم بكل استحقاق خلفا للسيد ملاتيوس الثاني، وصباح يوم الأحد الواقع في 26 آب 1906 جرى تنصيبه باحتفال عظيم في الكنيسة المريمية الكبرى بدمشق، وهو البطريرك الوطني الثاني الذي تولى هذا المنصب بعد استيلاء اليونان عليه مدة 175 سنة (1724-1899)؛ أي من عهد جلوس سلوسترس القبرصي إلى خلع سبيريدون وجلوس ملاتيوس الثاني، وقد أوجب ذلك استياء بطاركة اليونان في القسطنطينية والإسكندرية وأورشليم، فأبوا الاعتراف بانتخابه الشرعي كما رفضوا الاعتراف بسلفه المشار إليه؛ لأنهما من أصل غير يوناني، ولكنهم لم يلبثوا أن بعثوا له برسائل الشركة معهم وأثنوا على مناقبه الشريفة وفضائله السامية، فأرسل له البطريرك القسطنطيني بهذا المعنى كتابا مؤرخا في 14 آب 1909 وجرى مجراه البطريرك الأورشليمي بتاريخ 29 أيلول من السنة ذاتها، وهكذا انفض الخلاف بحكمة صاحب الترجمة الذي زين السدة الأنطاكية الأرثوذكسية بما أوتيه من جزيل الفضل وسمو المدارك.
وما كادت تلقى إليه مقاليد الرئاسة حتى شمر عن ساعد الجد وباشر أعمال وظيفته بهمة لا تعرف الكلال، وقد وجه عنايته الخاصة إلى تعزيز شأن المدارس وترقية المعارف لا سيما مدرسة «دير البلمند» الشهيرة، وأنشأ مجلة «النعمة» التي جعلها لسان حال الملة الأرثوذكسية، وسلم إدارتها لجماعة من أفاضل الكتبة الذين ينشرون على صفحاتها آثارا أدبية وتاريخية وعلمية ودينية وطائفية، وهو يزينها من حين إلى حين بالمناشير الراعوية والمباحث المفيدة. ومن مآثره أيضا أنه جدد الدار البطريركية في دمشق على أحسن طرز، وحسن حال الأوقاف ورسم على الكراسي الفارغة أحبارا من ذوي الفضل والعلم. وفي أواسط سنة 1911 خرج لافتقاد الأبرشيات التابعة لسلطته الروحية ولا يزال مباشرا تتميم هذه الزيارة الرعوية.
وفي أثناء ذلك دعاه قيصر روسيا نقولا الثاني دعوة رسمية ليترأس الحفلات الدينية التي تقام بتاريخ 6 آذار (21 شباط على الحساب اليولي) 1913 في بطرسبرج عاصمة المملكة تذكارا لمرور ثلاثمائة سنة من نشأة أسرة «رومانوف» وجلوسها على العرش القيصري، وأصدر نقولا الثاني حينئذ منشورا جاء فيه:
إنه بالنظر للعلاقات التاريخية القديمة بين أسلافنا العظام قياصرة الروس وبين بطاركة أنطاكية الشرقيين قد أصدرنا أمرنا القيصري بدعوة غبطة بطريرك أنطاكية السيد غريغوريوس ليترأس الحفلات الدينية بمناسبة مرور ثلاثمائة سنة على أسرتنا رومانوف المالكة التي ستبتدئ في 21 شباط 1913.
فلما صدر هذا الأمر الإمبراطوري اجتمع أعضاء المجمع الروسي الروحاني مع ممثل جلالة القيصر وقرروا ما يأتي: (1) إن العادة الجارية حتى اليوم في الاحتفالات بخدمة الأسرار الإلهية أن المطارنة ورؤساء الأساقفة والأساقفة والأرشمندريتية يلبسون جميعهم التيجان إذا اشتركوا في الخدمة، ولكن إكراما لغبطة البطريرك الأنطاكي ستتبع العادة الشرقية مدة وجوده فلا يلبس التاج غير غبطته. (2) يذهب وفد خاص من قبل المجمع المقدس إلى أودسا لاستقبال غبطته رسميا بالحلل الكهنوتية وبالتراتيل الدينية ومرافقته حتى بطرسبرج، وكذلك في كل محطة يخرج الأساقفة والكهنة لاستقباله حسب الطقوس الدينية. (3) يجري استقباله في بطرسبرج باحتفال عظيم ويركب أمام عربة غبطته أرخدياكون الكرسي البطريركي حاملا عكاز البطريركية. (4) تجري مقابلة غبطته لجلالة القيصر على مثال ما كانت تجري المقابلة بين القياصرة البوزنطيين وبطاركة القسطنطينية، أي أن غبطة البطريرك يلبس المنتية (الوشاح الملكي) وجلالة القيصر في بزته الرسمية. (5) ينزل غبطته في دير «القديس نفسكي» العظيم ويجلس وقت الاحتفالات الدينية على عرش ذهبي، وقد أرسلت إلى موسكو بدلة بطريركية ذهبية ثمينة جدا تخصصت لغبطته. (6) عند المقابلة القيصرية يعلق على صدر غبطته وسام القديس إسكندر نفسكي من الدرجة الأولى.
رسم كنيسة «سيدة قزان» الكبرى؛ التي احتفل فيها البطريرك غريغوريوس الرابع بالتذكار المئوي الثالث للأسرة القيصرية.
فلبى البطريرك غريغوريوس الرابع دعوة القيصر ولدى مروره بالقسطنطينية قابل السلطان محمد الخامس الذي أهداه الوسام العثماني المرصع، ثم استأنف السفر إلى أودسا على سفينة مخصوصة كانت أعدتها له الحكومة الروسية وحاشيته إلى أودسا، وفي 5 آذار انتهى إلى عاصمة الروس حيث غص الموقف بألوف من الخلق وفي مقدمتهم ممثلو علية الإكليروس ورؤساء مفوضات المجمع ونائب القيصر ومحافظ المدينة وسيادة المطران فلاديمير، وعند ما ترجل أنشد الشعب - وقد حسر جميعه عن رأسه - ترنيمة «إلى أعوام عديدة».
ثم توجه بموكب حافل إلى كنيسة القديس إسكندر نفسكي تتقدم عربته عربة عليها المطران فلاديمير ونائب القيصر، ويتلوها قطار من العربات عليها الإكليروس والأرخديا كون وبيده عكاز غبطته والأرشمندريت حامل الصليب، ثم عربة غبطته الفاخرة التي أرسلت خاصة من القصر الإمبراطوري لركوبه يجرها أربعة من جياد الخيل، وفي أثرها ياوران من لدن القيصر وبعدها عربات رجال حاشيته، وكانت أجراس الكنائس تقرع احتفالا بقدومه، وقد استقبله عند باب الدير الكهنة والرهبان بالحلل الكنسية مرتلين وحاملين الشموع والصلبان.
وهناك رحب بغبطته رئيس الأساقفة وقدم له الصليب ليقبله، ثم دخل إلى كاتدرائية الدير وإلى جانبه مطران بطرسبرج ونائب القيصر، وبعد الدعاء لجلالة القيصر وأسرته وشكر رؤساء الأساقفة والأساقفة والرؤساء دخل إلى الهيكل حيث اجتمع بأعضاء المجمع، وبعد ذلك ذهب إلى مقر مطران بطرسبرج وأمامه رهبان الدير تتقدمهم الشمعة والصليب الذهبي الذي أهداه الإسكندر الثالث إلى مطران بطرسبرج وهو مرصع بالألماس والياقوت.
وفي الساعة الثالثة بعد الظهر ذهب إلى كنيسة القديسين بطرس وبولص حيث مدافن أسرة «رومانوف» وترأس حفلة الصلاة بحضور القيصر وبناته ووالدته وكثير من الأمراء والأميرات، وبعد نهاية الصلاة توجه إلى منزل نائب القيصر حيث وفد للسلام على غبطته ممثلا البطريركين القسطنطيني والأورشليمي ورؤساء الأساقفة وأعضاء مجلس الأعيان وكبار أعيان الروس.
وفي صباح اليوم التابع جرت في كنيسة «سيدة قزان» الكبرى
1
حفلة العيد التي رن صداها إلى أقاصي المعمور، وفي الساعة الثالثة ونصف الساعة بعد الظهر ركب غبطته عربة فخيمة من عربات القصر الإمبراطوري وإلى جانبه سيادة المطران ألكسندروس والأرشمندريت أنطونيوس والأرشمندريت غفرئيل، وقد ركب الأرخديا كون توما على عربة ثانية وبيده الصليب ومعه المنتيات؛ لأن من العادة الجارية في روسيا أن يلبس علية الإكليروس المنتيات عند مقابلة القيصر بالصفة الرسمية. وقد توجهوا إلى القصر الإمبراطوري واستووا نحو بضع عشر دقائق في بهو فسيح كان يقبل في أثنائها الأمراء والأميرات من الأسرة المالكة للسلام عليهم.
نقولا الثاني قيصر روسيا.
وأخيرا أقبل رئيس الياوران ودعا غبطته وسيادة المطران ألكسندروس والأرشمندريتين للمقابلة، فلبسوا المنتيات وتقدموا نحو الردهة التي استوى فيها القيصر. ومن العادة ألا يدخل عليها أكثر من اثنين فدخل غبطته والسيد ألكسندروس، وكان في الردهة جلالة القيصر والقيصرة وولي العهد ووالدة القيصر وبناته الأربع وبعض أفراد الأسرة الإمبراطورية، وكان القيصر جالسا إلى عرشه وفي أعلاه صورة العذراء، فرفع البطريرك نظره إليها وانحنى أمامها وتلا ترتيلتها «بواجب الاستيهال» ثم التفت إلى القيصر وسلم عليه بإكرام، فنزل القيصر عن عرشه واستقبله كاشف الرأس وانحنى أمامه، فباركه البطريرك وقبله حسب العادة الروسية في كتفه، وأما القيصر فقبل رأس البطريرك أولا ثم يده اليمنى وبقي الاثنان واقفين.
وبعد أن هنأه بسلامة الوصول وسمع جوابه كلفه أن يجلس على مقعد إلى جانب العرش، ثم صعد القيصر إلى عرشه وتابع الحديث معه في مواضيع مختلفة إلى أن قال له: «سمعت منذ زمان عن عزمك إلى المجيء إلي وتمنيت كثيرا أن أراك، وإني أعرف برك وطهارتك فأرجوك أن تتوسل لله العلي وتصلي لأجلي.»
فقال البطريرك: «إنني رجل خاطئ يا مولاي ولكن فليعطك الرب مثل قلبك وحسب إيمانك ويتمم كل آمالك ويؤيد عرشك إلى الأبد.»، فلما سمع القيصر هذا الجواب المتضمن كلام داود النبي سر وتخشع وقبل يمين البطريرك مرة أخرى، ثم قدم البطريرك له الهدايا وهي من خشبة الصليب المكرم والميرون المقدس وإنجيل ثمين وأيقونة مع ذخيرة من بقايا يوحنا المعمدان وبلسم وبخور ومن وأقمشة حريرية إلخ. فشكر له القيصر هديته ثم ودعه البطريرك باحترام وانصرف من لدنه شاكرا هذه المقابلة.
وفي أثناء المقابلة تلا البطريرك خطابا باللغة العربية وجيز العبارة ترجمه السيد ألكسندروس إلى الروسية، وكان الخطاب مطبوعا على درج من رق غزال وفي صدره صورة القديسين بطرس وبولس حتى إذا انتهى من تلاوته قدمه إلى القيصر، ثم سلم كل من غبطته وسيادته على القيصرة وولي العهد وعلى سائر الحضور فكان الجميع يقبلون أيديهما، وقد علق القيصر على صدر البطريرك وسام «القديس إسكندر نفسكي» طبقته الأولى وأهداه صليبا ذهبيا مرصعا بالماس ليوضع على اللاطية.
وفي 9 آذار وهو آخر أيام الاحتفالات اليوبيلية قام البطريرك في الكنيسة الكاتدرائية بخدمة القداس الإلهي، ومما يذكر أنه قرأ الإنجيل الشريف باللغة العربية، كما أنه دعا للقيصر باللغة نفسها، وفي ذلك النهار دعي مع حاشيته إلى مأدبة كبرى في القصر الملكي حضرها 2500 شخص جلسوا إلى 18 مائدة، أما الأواني فكانت من الذهب والفضة والصيني الثمين، وقد جلس القيصر إلى رأس المائدة والقيصرة عن يمينه ووالدته عن يساره ثم أفراد الأسرة المالكة والوزراء، وجلس البطريرك في المركز الأول إزاء القيصر تحيط به حاشيته وسائر أرباب الكهنوت، وكانت لائحة الطعام مكتوبة على رقعة مرسوم عليها نسر وقائدان من الجيل السادس عشر، وقد شرب على المائدة ثلاثة أنخاب: الأول نخب القيصر وقرينته ووالدته، والثاني نخب ولي العهد والأسرة المالكة، والثالث نخب البطريرك ورجال الدين، وكانت المدافع تطلق من القلعة بعد كل نخب والموسيقى الإمبراطورية تشنف الآذان بأطيب الألحان.
وفي أثناء إقامته في روسيا زار أكثر معاهدها الشهيرة فلقي حفاوة لم يسبق لها مثيل عند جميع الطبقات من العرش القيصري حتى أفراد الشعب، وقد ألهمه الله أن يزور تلك البلاد في أمجد أيامها التاريخية وأعظم أعيادها الوطنية، وعندما حضر جلسة من جلسات المجمع المقدس أهدي إليه الصليب المرصع الذي أخرجه المجمع لاستقباله؛ وليحمل أمامه في الحفلات الدينية، وهو تقدمة من والد القيصر إلى المجمع المذكور. هذه خلاصة ما جرى للبطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي في عاصمة الروس من الاحتفالات العظيمة التي يخلد التاريخ ذكرها جيلا بعد جيل. وعند كتابة هذه الترجمة لا يزال صاحبها مظهرا للتكريمات السامية التي لم يسبق مثلها لأحد البطاركة أسلافه في القرون الغابرة.
وصاحب الترجمة جميل الصورة، رخيم الصوت، طاهر الذيل، محب للسلام، يتقد غيرة على صالح رعيته، وهو ضليع في اللغة العربية التي يكتب فيها نثرا ونظما ببلاغة، وقد أحكم بنوع خاص علم الفقه والمنطق والجبر والرياضيات والتاريخ، لا سيما علم الفرائض الذي تلقاه على الشيخ يوسف الأسير في بيروت، وله معرفة باللسان اليوناني وبعض الإلمام باللغتين التركية والروسية، وقال الشعر منذ حداثته، ومن نظمه بيتان أرسلهما من طرابلس إلى الشيخ رشيد نفاع تهنئة بعيد الميلاد وبفاتحة عام 1895 وهما:
لمولى قد تسمى بالرشيد
هنا بالعيد والعام الجديد
فدم بالخير ما وافاك عام
وبالإسعاد عيد بعد عيد
ومن ذلك بيتان قالهما في خلال التأبين الذي ألقاه بمناسبة وفاة إسكندر الثالث قيصر الروس:
سقى قبره الدمع السخي وكله
سخين فكاد الترب يحرق بالدمع
وبرد مثواه دعاء خلائق
له بينهم طول المدى أجمل الصنع
ومن نظمه أبيات قرظ بها كتاب «آفات المدنية الحاضرة» لمؤلفه جرجي نقولا باز:
ورد الكتاب مبينا آفاتنا
وملافيا ما فاتنا بمجاز
فاسلم طبيبا شارحا ومشرحا
ومعالجا جرجي نقولا باز
لا زلت بالتوفيق في الدنيا وفي ال
أخرى تنال رضى الذي سيجازي
وفي غرة عام 1912 وافق وجوده في بيروت زائرا عند المطران جراسيموس مسرة فأهداه المطران قلما ذهبيا، فتناوله البطريرك وكتب به أبياتا ارتجالية جاء في مطلعها:
كتبت بالقلم المهدى بلطفكم
إلى حقارتنا تذكار شكراني
الله يحفظكم يا رافعا علما
للفضل والنبل بل يا خير مطران
أحمد عزت باشا العابد
الكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد ومنشئ جريدة «دمشق»، وأحد المحررين في جريدة «سورية» الرسمية سابقا. ***
نشأته
هو ابن محيي الدين أبي الهول (المشهور باسم هولو باشا) ابن عمر آغا ابن عبد القادر آغا ابن محمد آغا ابن الأمير قانص العابد من أمراء المشارفة، ينتمي إلى عشيرة عربية تعرف بقبيلة «الموالي» وتسكن الخيام في بادية الشام بين الزور وتدمر، وهي تنتسب إلى قبيلة «بكر بن وائل » الحجازية القرشية كما ذكر الشيخ أبو الهدى الصيادي في كتابه المسمى «الروض البسام في أشهر البطون القرشية في الشام».
ولد أحمد عزت باشا سنة 1872 هجرية/1855 ميلادية في دمشق وقرأ مبادئ العلوم في حداثته على أشهر جهابذة ذلك العصر كالشيخ عبد الرحمن الإسنوي، والشيخ أحمد الشطي، والشيخ أحمد عابدين؛ فأخذ عنهم الصرف والنحو والفقه الحنفي وأصول الحديث وقسما من الرياضيات، وتعلم مبادئ اللغات التركية والفرنسية والإنكليزية في مدرسة الآباء اللعازريين وعلى أساتذة مخصوصين في بيت أبيه، ثم انتقل إلى المدرسة البطريركية في بيروت فأتقن بها اللغة الفرنسية وأخذ العلوم العربية العالية على الشيخ ناصيف اليازجي كالمنطق والبديع والمعاني والبيان.
وكان والده هولو باشا من المتقدمين في وظائف الحكومة العثمانية لذلك العهد، فإنه أحرز رتبة «بيلر بك» وتوصل إلى أن يكون متصرفا على بعض الألوية مع أنه عربي الأصل، فسعى لبكر أنجاله صاحب الترجمة في وظيفة بمركز ولاية سوريا لما كان يتوسمه فيه من الذكاء والاستعداد لأرفع المناصب. وما كاد أحمد عزت يزايل المدرسة حتى تعين كويتبا في قلم المخابرات التركية، حيث أخذ يترقى رويدا رويدا حتى صار في سنة 1873 رئيسا لذلك القلم ولقلم المخابرات العربية أيضا، وقد عهدت إليه الحكومة وقتئذ تحرير القسمين العربي والتركي في جريدة «سورية» الرسمية لبراعته في فنون الإنشاء، فنزعت به نفسه إلى خدمة المعارف بطريق الصحافة، وأصدر باسمه عام 1878 جريدة «دمشق» التي دافع بها عن الدولة والوطن، وقد نشر على صفحاتها فصولا كثيرة أشار فيها إلى مآثر العرب ومفاخرهم وعلومهم وفضائلهم لا يبغي من ذلك كله ربحا ماديا، ولبث على ذلك أعواما شتى حتى تكاثرت أشغاله وتعين لبعض الوظائف خارجا عن مدينة دمشق فترك الجريدة.
وفي سنة 1876 تعين كاتبا لمجلس إدارة ولاية سوريا، وبعد ثلاثة أعوام من التاريخ المذكور صار رئيسا لمحكمة الحقوق ثم مسيطرا عاما على جميع المحاكم في ولايتي سوريا وبيروت ولواء القدس. ومما يثبت اقتداره في ضبط المحاكم ومعرفة القوانين أن رستم باشا وواصا باشا كانا يعتمدان عليه ويستدعيانه لإصلاح شئون محاكم جبل لبنان؛ فذاعت شهرته في البلاد وقام لفيف من العلماء والأشراف والتجار والشعراء فقدموا له مجموعة تتضمن ما خطه كل منهم نظما ونثرا من آيات الثناء عليه، وجعلوا ضفتي المجموعة من الذهب الإبريز ونقشوا اسمه على ظاهرها مرصعا بالحجارة الكريمة. وفي سنة 1884 تعين لمثل وظيفته في ولاية قونية فاعتذر عن قبولها وحينئذ أرسلته الحكومة مفتشا عاما لمحاكم ولاية سلانيك.
وبعد سنة صار رئيسا لمحكمة الجزاء البدائية في العاصمة ثم رئيسا لمحكمتها الاستئنافية، غير أنه لم يمض شهران على ذلك حتى أقيم رئيسا عاما على محاكم التجارة الأهلية والمختلطة مدة ستة أعوام، وفي خلال ذلك أظهر اقتدارا في كثير من معضلات الدعاوى مع الأجانب بكشف الباطل ونصب ميزان العدالة. وفي سنة 1891 صار عضوا لدائرة التنظيمات في مجلس شورى الدولة، وفي عام 1895 انتدبه السلطان عبد الحميد الثاني فجعله كاتبا وقرينا له، ثم عهد إليه عضويات جميع اللجان المالية وسماه رئيسا على لجنة المهاجرين إلى الدولة العثمانية؛ فكان أحمد عزت مشمولا بعناية السلطان الخاصة وأحرز من المجد وعلو المنزلة ما لم يحرزه أحد أبناء العرب المسلمين وغيرهم قبل هذا العهد في دولة الأتراك منذ تأسيسها.
ولبث في وظيفته الأخيرة ثلاث عشرة سنة يخدم دولته وسلطانه حتى طرأ الانقلاب العثماني في 23 تموز 1908 وجرى ما جرى مما هو مشهور ومعلوم، فخرج حينئذ من العاصمة على سفينة أجنبية مودعا وطنه الذي أخذت تتلاعب فيه عواصف السياسة وتنتابه المصائب الجسيمة من كل جهة، فذهب إلى لندن أولا ولم يتخذ مركزا مخصوصا للإقامة فيه، بل هو يتنقل من بلد إلى آخر كمصر وسويسرا وفرنسا وإنكلترا بحسب اختلاف فصول السنة؛ لأن الأطباء أشاروا عليه باعتزال الأشغال مراعاة لأحوال صحته التي أثرت عليها العوامل السياسية.
آثاره العلمية
سبق القول إن المترجم تعلم اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنكليزية وأحكم أصولها تكلما وكتابة، وله أيضا إلمام بغيرها من الألسنة القديمة والحديثة التي لم يتمكن من درسها درسا كافيا لانصرافه إلى خدمة الدولة بطريق السياسة، ومع ذلك فإنه نقل من اللغة التركية إلى العربية كتاب «حقوق الدول» لمؤلفه حسن فهمي باشا والمجلد الأول من «تاريخ جودت باشا» لاحتوائه على فلسفة التاريخ، وترجم كتاب «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية» من اللسان العربي إلى التركي، وأنشأ جريدة «دمشق» المار ذكرها، وحرر جريدة «سورية» في قسميها التركي والعربي مدة من الزمان، وشيد في المدينة المنورة مدرسة لمائتين من الأطفال وأنشأ لها أوقافا تضمن بقاءها ونجاحها في المستقبل.
آثاره الوطنية
للمترجم أعمال جديرة بالذكر في جانب الوطن والأمة العربية؛ فإنه لزم طريق الاقتصاد حتى كادت السلطنة العثمانية تستغني عن استقراض الأموال الأجنبية. ولما كان المقام يضيق دون نشر كل مساعيه النافعة نجتزئ منها بالقليل ونبسطه للقراء، فمن ذلك أن نظارة التلغراف كانت طلبت 130 ألف ليرة عثمانية لتنشئ خطا برقيا بين فزان وطرابلس الغرب، ولدى مراجعته استكثر هذا المبلغ فأخذ على عاتقه إنشاء الخط المذكور مع خط آخر يمتد من بنغازي إلى طرابلس الغرب بأقل من نصف المبلغ المشار إليه، ثم أحدث بين «كله مش» من أعمال ولاية أزمير وبين «بنغازي» في طرابلس الغرب خطا برقيا بلا سلك، فسهل للدولة العثمانية حرية المخابرة بينها وبين أملاكها في شمال أفريقيا ولم يكلف الخزينة أكثر من عشرة آلاف ليرة مرة واحدة ، وبهذا العمل أنقذها من استبداد شركة «أسترن» التي كانت تقبض من الدولة في كل سنة ثمانين ألف ليرة ما عدا أجور المخابرات غير الرسمية؛ فعادت هذه الأرباح لخزينة السلطنة، ثم مد خطا تلغرافيا بين دمشق والمدينة المنورة ولم يكلف الدولة أكثر من خمسة آلاف ليرة؛ لأنه تبرع بأكثر أعمدة الخط من أخشاب أحراشه الخاصة، واستعان بالبعض الآخر مما تبرع به أهل الخير في دمشق.
وفي ذلك الحين طلبت الشركة التلغرافية الهندية رخصة بمد خط مستقل للمخابرات التلغرافية بين أوروبا والشرق الأقصى مع حق السيطرة عليه، فأبت أريحية صاحب الترجمة إجابة هذا الطلب وعهد إلى نفسه مد الخط المذكور على نفقة الخزينة تخلصا من سيطرة أجنبية، فأنجز العمل في أقل من شهر ولم يكلف الخزينة بأكثر من ستة آلاف ليرة، مع أن نظارة التلغراف كانت قدرت احتياج عمل هذا الخط بمائة وثلاثين ألف ليرة، وعند إتمامه تمثل أوقونور سفير بريطانيا العظمى في القسطنطينية لدى السلطان عبد الحميد شاكرا ومستغربا قصر مدة العمل وقلة أكلافه.
ولما كانت المياه الواردة إلى المدينة المنورة تأتيها بمجرى تتخلله جراثيم الأوبئة القتالة أراد أن يضع حدا لهذا الخلل الذي طالما ذهب بأرواح الكثيرين من السكان والحجاج، فافتتح اكتتابا حبيا جمع فيه نحوا من خمسة آلاف ليرة وابتاع بها قساطل حديدية وآلات بخارية رافعة وأنابيب على الطراز الصحي، ثم بعث بها لحصر مياه الينابيع في القساطل وجرها إلى المدينة المنورة سالمة من الأقذار التي تلقى في مجاريها ليستقيها الناس ماء قراحا خاليا من تلك السموم، وما كاد يشرع بالعمل حتى اضطر أن يفارق الوطن فتوقف الشغل ولم تزل القساطل والآلات البخارية وفروعها ملقاة في محطة حيفا وسائر محطات السكة الحجازية.
ومن مآثره الوطنية أنه تولى رئاسة لجنة المهاجرين مدة لا تتجاوز ثمانية عشر شهرا، فأنشأ في خلالها نيفا وأربعين قرية وأسكن فيها نحوا من خمسين ألف مهاجر أكثرهم في ولايتي سوريا وحلب، ثم شيد من ماله الخاص في المدينة المنورة مستشفى لخمسين مريضا ورباطا لخمسين عائلة ومدرسة لمائتين من الأطفال، وجعل لهذه المباني أوقافا مسجلة في الآستانة وفي المحكمة الشرعية بالقاهرة، وعلى ما اتصل بنا الآن أن المباني المذكورة استعملتها الحكومة لغير ما وضعت له.
السكة الحديدية الحجازية
وكان المترجم منذ حداثة سنه يستعظم الأتعاب التي تلم بالمسلمين في ذهابهم إلى الحج وإيابهم منه، وكان يستهجن الأموال الطائلة التي تبذلها السلطنة في هذا السبيل وفي نقل الجنود ومهماتها، فأخذ يتتبع ما فعلته حكومة روسيا بإنشاء السكة الحديدية لسيبريا، وبعد أن أتم أبحاثه عرض على السلطان وجوب إنشاء السكة الحديدية الحجارية بأيدي العساكر، ثم أوضح له الأخطار التي تتولد عن بقاء الحالة على ما هي عليه وما يلحق بالدولة من الأضرار السياسية والاقتصادية، وأخذ على عاتقه القيام بهذا المشروع الخطير الذي لم يقم في الدولة العثمانية مشروع آخر يضاهيه أهمية ونفعا حتى الآن، فاستحسن السلطان رأي كاتبه وأذن له بمباشرة العمل بينا لم يكن في يده دانق واحد ولا آلة ولا مورد يستند إليه، فافتتح أحمد عزت باشا لوائح الاكتتاب مقترحا على الشعوب الإسلامية وملوكها وأمرائها وأغنيائها وعلمائها أن يشتركوا في المساعدة، فلبى جميعهم نداءه من مشارق الأرض ومغاربها وتبرعوا بالأموال الوافرة التي بلغ مجموعها نحوا من ثلاثة ملايين ونصف مليون جنيه، فأنشأ بهذا المبلغ خطا طوله ألف وخمسمائة كيلومتر يمتد من حيفا إلى دمشق فالمدينة المنورة بمدة وجيزة لا يتصور العقل الإتيان بمثلها، وقد تحدث الاختصاصيون بذلك وقدروا صاحب الترجمة حق قدره لما أتى به من المدهش بهمته الشماء حتى أدرك البغية المنشودة. ولا ريب في أنه خدم المسلمين بهذا المشروع الجليل خدمة عظيمة بحيث سهل لهم وسائل الاقتصاد والراحة بتقريب المسافات وتقليل النفقات وتوفير الأتعاب، وكان يؤمل أن يمد خطين من المدينة المنورة: أحدهما إلى مكة وجدة وصنعاء اليمن والآخر إلى البصرة، وأن تكون أكلاف إتمامهما من ريع خط الحجاز ومن الرسوم الطفيفة التي أحدثتها السلطنة لهذه الغاية، ولكن أبت الظروف إلا أن يضطر للخروج من وطنه فذهبت تلك الآمال أدراج الرياح، ولما تم خط «المدينة المنورة» أدخل إليها النور الكهربائي ولم يكن حينذاك له أثر في البلاد العثمانية، وقد عهد بإنشائه إلى ضباط الجيش البحري ولم يصرف في سبيله دانقا واحدا من خزينة السلطنة.
الرتب وأوسمة الشرف
أخذ صاحب الترجمة يترقى في مدارج المراتب منذ كان في السنة الخامسة عشرة من عمره، فأحرز أولا الرتبة الرابعة في عهد راشد باشا والي سوريا الذي توسم فيه الذكاء والنجابة، ثم صارت تتوالى عليه الإنعامات مرة بعد المرة حتى منحه السلطان عام 1894 رتبة «بالا» مع «الوسام المجيدي الأول» عندما كان بين المتمثلين لديه للتبريك في عيد الأضحى، ثم نال «الوسام العثماني المرصع» مكافأة له على إنشاء الخطوط البرقية في طرابلس الغرب، وحاز على «الوسام المجيدي المرصع» عند إتمامه خطوط الكويت فأوروبا ودمشق فالمدينة المنورة، وأنعم عليه بوسام «الافتخار المرصع» لما أبرز من السرعة بعمار القرى لإسكان المهاجرين. وفي سنة 1900 طلب بعض وزراء الدولة عقد قرض لأداء جانب من الديون، فاعترضهم أحمد عزت باشا واتخذ وسائل أوجد بها ما يفي تلك الديون بغير قرض، فرقاه السلطان إلى رتبة الوزارة تقديرا لمساعيه في هذا العمل الجليل، ولما انتهت السكة الحديدية الحجازية إلى معان أنعم عليه بوسام «الامتياز المرصع» مع المداليتين الذهبية والفضية، وهو حائز أيضا على جميع المداليات الافتخارية العثمانية بلا استثناء. أما سائر الوسامات التي أهدتها إليه الدول الأجنبية فعديدة وجميعها من أعلى طبقة كما هو ظاهر من رسمه، وكثير منها مرصع بالحجارة الكريمة وقد خلا رسمه من بعضها لوفرة عددها.
صفاته
هو رجل إقدام، لطيف المعاشرة، معتدل القامة، حسن الأخلاق، شديد الإكرام للضيف، محب لبني جنسه. وعندما كان في أوج مجده لدى السلطان عبد الحميد الثاني نفع كثيرا من أبناء العرب طلاب الوظائف في الحكومة وما رد أحدا منهم خائبا، فسعى لكل من لجأ إليه في تعيينه بوظيفة أو ترقيته إلى منصب أعلى بحسب كفاءته ولياقته؛ فاكتسب بذلك ثناء الخاص والعام وفاز بمحبة مواطنيه على اختلاف النحل والملل، وتواردت عليه مدائح الشعراء والبلغاء من داني البلاد وقاصيها. وبعد اعتزاله الحياة السياسية صار يقضي جانبا كبيرا من أوقاته في مطالعة الصحف ودرس أحوال الأمم والعناية بأملاكه الواسعة في سوريا ومصر. وكان للسلطان ثقة فيه يعول عليه في الأمور العظيمة؛ لأنه رأى فيه وزيرا عالي الهمة قوي الحافظة واسع الاطلاع في أهم مناهج الحكومة قضائيا وسياسيا وماليا. وكنا نود بسط الكلام في سائر ما يتعلق بشئون هذا الوزير العربي الذي أحرز شهرة في صحائف التاريخ الحديث قبل الانقلاب المشهور سنة 1908 في السلطنة العثمانية، ولكن نترك للمستقبل الحكم له أو عليه بعد خروج هذه الدولة من المأزق الحرج الذي أوصلتها إليه السياسة الحاضرة فتقطع جهينة قول كل خطيب.
عبد الرحمن الكواكبي
محرر جريدة «فرات» ومنشئ جريدتي «الشهباء» و«اعتدال» في حلب. ***
العظمة والشهرة صديقتان يغلب أن تتصاحبا؛ فلا تكون إحداهما بدون الأخرى، ولكنهما كثيرا ما تفترقان فتكون العظمة بلا شهرة والشهرة بلا عظمة، فترى بين أهل الشهرة الواسعة من إذا لقيتهم وسبرت غورهم رأيتهم كالطبل يدوي صوته إلى بعيد وجوفه فارغ، وإنهم إنما نالوا تلك الشهرة بما طبعوا عليه من الميل إلى نشر محامدهم في الصحف ليقرأها الناس ويتحدثوا بها، وقد ينفقون المال ويتحدون أوعر أسباب السعي في هذا السبيل، وترى بينهم من لا محمدة له فينتحل محامد غيره أو تكون له حبة منها فيجعلها قبة، فإذا نشر ذلك عنه في صحيفة أو نشرة أو كتاب حمله وطاف به في الأهل والأصدقاء يترنم بقراءته عليهم ويتلذذ بما يلقى من آيات الإعجاب وخصوصا في هذه البلاد - بلاد المجاملة التي يزداد فيها المغرور غرورا؛ إذ لا يسمع من الناس إلا إطراء وإعجابا ولو كانت حاله تدعو إلى التقريع والتعنيف - ويعدون ذلك من آداب الحديث.
فما كل شهير عظيم ولا كل عظيم شهير، فكم بين ظهرانينا من رجال توافرت فيهم شروط العظمة ولو رافقتها الأسباب لأتوا بالأمور العظام، وقد تظهر مواهبهم من خلال أعمالهم وإن ضاقت دائرة العمل، ولكنهم لرغبتهم عن الشهرة لا يعرف أسماءهم إلا القليلون فإذا أصابهم سوء أذاع مريدوهم أخبارهم وتحدثوا بأفضالهم.
ومن هذا القبيل عبد الرحمن الكواكبي الحلبي فقد جاء مصر سنة 1316ه وأقام في قلب العاصمة، ومع سعة علمة وغزارة مادته لم يسمع بذكره أحد ولا عرفه إلا الأصدقاء والأخصاء، وهناك أناس يقصرون عن إدراك بعض منزلته علما وفضلا، ولكنهم لا تطأ أقدامهم مصر حتى تتناقل الصحف أخبارهم بما ينشرونه فيها من نفثات أقلامهم أو ثمار قرائحهم - وقد لا تكون تلك الثمار شهية - وإنما يعمدون إلى نشرها رغبة في الشهرة، فالكواكبي لم يكن من أولئك، ولكن همه كان منصرفا إلى خدمة الوطن ونشر المبادئ الصحيحة فيه بالتأليف والتلقين والصحافة بعد أن قضى معظم العمر في خدمة الحكومة العثمانية في حلب، وقاسى أمورا صعابا من وشايات ذوي الأغراض فلم يلق تربة تصلح لغرس مبادئه فجاء مصر ونشر بعض كتبه، فعاجله الأجل فمضى ومضت معه أمانيه وهي شبيهة بأماني جمال الدين الأفغاني، وقد استهلك في سبيلها كما استهلك ذاك من قبله.
ترجمته
آل الكواكبي أسرة قديمة في حلب هاجر إليها أجدادهم منذ أربعة قرون ولهم شهرة واسعة ومقام رفيع في حلب والآستانة، يرجعون بأنسابهم إلى إبراهيم الصفوي أحد أمراء أردبيل العظام ولهم آثار مشهورة منها «المدرسة الكواكبية» في حلب، ونبغ منهم جماعة كبيرة من العلماء ورجال الإدارة ومنهم عبد الرحمن الذي ولد في حلب سنة 1265 هجرية/1849 ميلادية وأبوه الشيخ أحمد الكواكبي أحد مدرسي الجامع الأموي الكبير.
تلقى عبد الرحمن مبادئ العلم في بعض المدارس الأهلية ودرس العلوم الشرعية في المدرسة الكواكبية، وأتقن العربية والتركية وبعض الفارسية، ووقف على العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة. وكان ميالا من حداثته إلى صناعة القلم فاشتغل في تحرير جريدة «فرات» التي كانت تصدر في حلب باسم الحكومة وهو في السابعة والعشرين من عمره، حررها خمس سنوات، وأنشأ في 10 آيار 1877 بالشركة مع هاشم عطار جريدة سماها «الشهباء»، ثم أصدر لنفسه في 25 تموز 1879 جريدة سماها «الاعتدال» باللغتين العربية والتركية. واشتغل بخدمة الحكومة فتقلب في عدة مناصب علمية وإدارية وحقوقية، وأهل النقد يذكرون فضله في كل واحدة منها كبيرها وصغيرها؛ لأن اقتدار الرجل يظهر في الصغائر كما يظهر في الكبائر، وكان حب الإصلاح وحرية القول والفكر باديين في كل عمل من أعماله، فلم يرق ذلك لبعض أرباب المناصب العليا فوشوا به فتعمدت الحكومة حبسه ثم جردوه من أملاكه، فلم يقلل ذلك شيئا من علو همته فغادر الوطن في أوائل شهر محرم سنة 1316 هجرية وطلب بلاد الله، فجاء مصر ثم خرج منها سائحا فطاف زنجبار والحبشة وأكثر شطوط شرق آسيا وغربيها ثم رجع إلى مصر.
ومما يذكر له ونأسف لضياع ثماره أنه رحل رحلة لم يسبقه أحد إليها ويندر أن يستطيعها أحد غيره، وذلك أنه أوغل في أواسط جزيرة العرب فأقام على متون الجمال نيفا وثلاثين يوما فقطع صحراء الدهناء في اليمن، ولا ندري ما استطلعه من الآثار التاريخية أو الفوائد الاجتماعية؛ فعسى أن يكون ذلك محفوظا في جملة متخلفاته، وتحول من هذه الرحلة إلى الهند فشرقي إفريقيا أيضا وعاد إلى مصر، وكان أجله ينتظره فيها فمات سنة 1903.
كان الكواكبي واسع الصدر طويل الأناة فصيح اللسان معتدلا في كل شيء، وكان عطوفا على الضعفاء حتى سماه الحلبيون «أبا الضعفاء»، وجاء في جريدة «الرائد المصري» أنه كان له في بلده مكتب للمحاماة يصرف فيه معظم نهاره لرؤية مصالح الناس، ويبعث إلى المحاكم من يأمنهم من أصحابه ليدافعوا عن المظلومين والمستضعفين.
وكان واسع الاطلاع في تاريخ المشرق على العموم وتاريخ الممالك العثمانية على الخصوص وله ولع في علم العمران، وألف كتبا لم ينشر منها إلا كتاب «طباع الاستبداد ومصارع الاستعباد» وهو فريد في بابه، وكتاب «أم القرى» الذي راجعه معه الشيخ محمد عبده، ومع تمسكه بالإسلامية والمطالبة بحقوقها والاستهلاك في سبيل نصرتها فقد كان بعيدا عن التعصب يستأنس بمجلسه المسيحي والمسلم واليهودي على السواء؛ لأنه كان يرى رابطة الوطن فوق كل رابطة، ومن يقرأ ترجمة الكواكبي والأفغاني وغيرهما من رجال هذه النهضة ويدرس أعمالهم والأحوال المحيطة بهم يعترف بفضلهم في نصرة الحقيقة وتأييد الحق والحرية. وقد نقلنا هذه الترجمة عن الجزء الأول من كتاب «تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر» لجرجي بك زيدان وتصرفنا فيها قليلا.
حسن حسني باشا الطويراني
مؤسس مجلة «الإنسان» ومحرر جرائد «السلام» و«الاعتدال» و«أرتقا» و«زمان» في القسطنطينية ومحرر مجلة «المهندس» ومنشئ جريدة «النيل» ومجلات «الشمس» و«الزراعة» و«المعارف» في القاهرة ***
هو ابن حسين عارف بك ابن حسن سهراب بك ابن محمود بك ابن مسيح بك ابن علي باشا الكبير أحد أمراء الأتراك في مقدونيا منذ عهد بعيد، كان مولده بتاريخ 6 ذي القعدة من سنة 1266 هجرية/1850 ميلادية في مدينة القاهرة، ومنذ حداثته نزعت به نفسه إلى تحصيل العلوم فنال منها نصيبا وافرا، وأحكم أصول اللغتين العربية والتركية فبرز فيهما شعرا ونثرا حتى صار من أعظم الكتبة المعدودين في عصره، وطاف مرات كثيرة في آسيا وأفريقيا وشرق أوروبا وقد أعرب عن نفسه بقوله:
شرق النسر وغرب
وتترك وتعرب
فتحرى وتدرب
وتناءى وتقرب
ولئن أطرى وأطرب
فهو نصاح مجرب
وهو إن أعرب أغرب
وهو إن أعجم أعرب
وفي نواحي عام 1880 سكن القسطنطينية وأخذ يحرر في صحفها الشهيرة من عربية وتركية وهي: «السلام» و«الاعتدال» و«أرتقا» و«زمان» وغيرها، وأنشأ في 28 آيار 1884 مجلة «الإنسان» التي حولها بعد ذلك إلى جريدة فعاشت خمسة أعوام، ثم سافر إلى القطر المصري حيث أصدر جريدة «النيل» ومجلة «الشمس» ومجلة «الزراعة» ومجلة «المعارف» وكتب في مجلة «المهندس» وغيرها من الصحف التي سيأتي ذكرها في جزء آخر من هذا الكتاب، وحلت وفاته في أواخر شهر حزيران 1897م/1315ه في القسطنطينية فرثاه الشاعر الكبير ولي الدين بك يكن بقصيدة نورد منها هذه الأبيات:
أفروق شأنك في الورى عجب
دأب لأرضك تأكل الحرا
قال النعاة طوى الردى حسنا
قلت اندبوه فقد طوى الدهرا
وطوى الطبيعة بعده وطوى
ما بعدها حتى طوى النشرا
وفي أثناء دفنه ارتجل أحد أصدقائه تاريخا لوفاته فقال (غفر له) فجاء مطابقا للسنة نفسها (1315) بحساب الجمل. وكان صاحب الترجمة حر الطباع، حاد المزاج، قضى عمره بخدمة الدين الإسلامي وإعلاء شأن المعارف لا يتزلف لكبير متمول ولا يرضخ لعدو، وقد كافأه السلطان على ذلك بأن منحه رتبة «مير ميران» وبعض أوسمة الافتخار، أما هيئته فقد وصفها عبد الغني العريسي صاحب جريدة «المفيد» البيروتية بما يأتي: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، كان دميم الخلق، قبيح المنظر، غائر العينين، مستطيل الوجه، نحيف الجسم متراخي الأطراف، قيل في حنكه عوج وفي رجله عرج، تبدو على أسارير وجهه سيماء الوفاة، وبين تضاعيف قلبه طيب الحياة ...»
وألف كتبا كثيرة طبع بعضها وبقي البعض الآخر غير مطبوع، وهي: «حجة الكرام في محجة أهل الإسلام»، و«خلاصة الكلام في وجوب الإمام»، و«الأعد في الأيد»، و«حجة الإسلام في علم الكلام»، و«إرشاد الخليل في فن الخليل»، و«النصيح العام في لوازم عالم الإسلام»، و«الخلافة في الإسلام»، و«أحكام التصوير»، و«أحكام الدخان»، و«إجابة السائل لحل بعض المسائل»، و«الإنصاف في حقوق الأشراف»، و«معراج الأخلاف لمنهاج الأسلاف»، و«ارتياح الجنان بأرواح الجنان»، و«التوحيد»، و«حسن المساعي»، و«التهذيب الإلهامي في خدمة الدين الإسلامي»، و«تحفة الأعيان في آثار الإخوان»، و«الحق روح الفضيلة»، و«خط الإشارات» يشتمل على موضوع الإشارات الكتابية التي تستخدم في بيان المفاهيم الزائدة على الحروف والأحوال الصوتية، و«شرح المبادئ الحسنية في أصول الحكمة الدينية»، و«الروضة الندية في الطريقة الأحمدية»، و«دليل أهل الإيمان على صحة القرآن»، و«الرحلة الحسنية» و«الرحلة السودانية»، و«زهرة الحياة الدنيا في شعر الأموات والرؤيا»، و«دلالة الشعر في مستقبل الأمر»، و«عصمة الجماعة في وجوب الطاعة»، و«الحديث» و«سر القدر»، و«السيار الشرقي»، و«سوط العذاب»، و«شمس المشرق في سماء المنطق»، و«درس الحكم»، و«السيف القاطع في إثبات النبوة»، و«صبابة الرحيق في كئوس الشقيق»، و«مطية الحقيقة في ترتيب الخليقة»، و«صولة القلم في دولة الحكم» في ستة مجلدات، و«الصدع والالتئام في أسباب انحطاط وارتقاء الإسلام»، و«فاسقة الأخلاق ومنظومة الأخلاق»، و«النشر الزهري في رسائل النسر الدهري » يشتمل على مواضيع خيالية تحتها أفكار فلسفية وسياسية وسواها، و«الوطن»، و«الإخاء العام بين شعوب أهل الإسلام»، ورسالة «ضلال المهدي» و«ظهير الشرق»، و«رسائل اليانوس» وهي أدبية فلسفية، وقصة «الوارث ابن تارك مع حبيبه الباكي ابن ضاحك» فيها مضامين سياسية، ورسالة «هدية الأتقياء في نسب الأنبياء»، و«مصابيح الفكر في السير والنظر»، و«أحكام السياسة وحكمها»، و«منارة الأحباب في جنات الآداب»، و«مقامات الحسن»، و«منشآت الحسن» وهي مقالات سياسية نشرها في جريدة «النيل» تباعا ثم استبدلها بعنوان «المستوجزات»، و«الشكل في سر الرمل»، ورسالة في «الزجل»، و«مدهشات القدر»، و«فهرست الانقلاب»، و«يوم الدهر في انقلاب مصر»، و«أدوار مصر والمصريين»، وباشر تأليف بعض الكتب ولم يتممها وهي: «التاريخ العثماني»، و«التفسير القرآني»، و«عوامل المستقبل في أوروبا»، و«التوفيق الخيري»، وترك جملة دواوين شعرية وهي: «ثمرات الحياة» في جزأين، و«شطحات القلم»، و«طوالع الأماني»، و«ندوة الراح»، و«لواحق الثمرات»، و«منظومة البديع»، و«منظومة جواهر العقائد».
أما تآليفه في اللغة التركية فهي: «حجة الأبرار على محجة الأشرار»، و«جان كوكل صحبتي»، و«خلاصة تاريخ بيغمبري»، و«رازدرون»، و«أولمش برشئ»، و«سيار أفكار»، و«شجاعت»، و«قاموس خيال»، و«يادكار»، و«خلاصة مدنيت إسلام»، وله أيضا ديوانان في الشعر التركي: أولهما «كلشن شباب» وثانيهما «ديوان حسني».
ونختتم سيرة هذا الصحافي بسرد شيء من نفثات شعره، فمن ذلك ما قاله ردا على القصيدة التي مطلعها «دع مجلس الغيد الأوانس» بقلم الشيخ إبراهيم اليازجي وهذا أول الرد:
دع عنك خائنة الوساوس
فالذل عاقبة الدسائس
واخش الكلام فكم جنت
حرب البسوس وسبق داحس
ماذا تريد بشنها
دهياء توحش كل آنس
ومن أطيب ما نظمه قوله:
إن الحياة وطيبها ونعيمها
مما يؤمل في الزمان ويعشق
غاياتنا فيه بداية غيرنا
كالشمس مغربها لغيرك مشرق
وقال في الحماس:
خلقت للسيف والقرطاس والقلم
فالدهر عبدي وأهل الدهر من خدمي
لا تنثني هممي عن نيل محمدة
ولا ترد على رغم العدا كلمي
تنزهت شيمي عن كل شائبة
وبذخت فاعتلت هام العلا قدمي
حفظت ماء المحيا إذ ضننت به
وقلت هنئت يا يوم الفخار دمي
لو أن عقد الثريا كان لؤلؤه
نثار حظي لما هشت له هممي
أو أن بدر السما يسعى بشمس ضحى
لما استمال فوادي أو سبى حكمي
دعني أخا الشوق لا تذكر لدي هوى
ما أبعد العهد بي من جيرة العلم
وقال في الحكم:
لا تقل إني صديق
أو فلان لي صديق
إنما أنت وهذا
كرفيق في طريق
فاجتماع في اتساع
وافتراق وقت ضيق
وقال أيضا:
أما والذي فوق السموات عرشه
وتحت الثرى من غامض الأمر فرشه
ومن عمم الجاني والبر فضله
ومن أدرك الجبار ذا الجأش بطشه
لكل الذي في الكون أضغاث حالم
وميت ولا يدري ورجلاه نعشه
فيا ليت لم أخلق وإذ كنت ليتني
ألفت الفلا أو حام نحوي وحشه
الدكتور إلياس بك مطر
منشئ مجلة «الحقوق» في القسطنطينية. ***
جاء منكوبو حاصبيا إلى بيروت سنة 1860 وهم بحالة يرثى لها ثكلا ويتما عدا الرعب والتعب، وقد بعثرتهم المذبحة وشتتت شملهم بعد أن نهبهم الثوار وصادروهم فلجئوا إلى بيروت عائلات مفردة وجماهير، ولكن العناية عوضت عليهم أضعاف ما خسروا، فتعلم بعضهم وامتاز بالعلم وأثرى البعض الآخر واشتهر بالثروة وجمع غيرهم بين الأمرين معا، وكان بمقدمة المستفيدين علما ومالا الدكتور فارس نمر أحد أصحاب «المقتطف» و«المقطم» في مصر والدكتور إلياس بك مطر منشئ مجلة «الحقوق» التركية العربية في القسطنطينية.
وقد ولد إلياس في حاصبيا سنة 1857 وكان أبوه ديب بن إلياس مطر تاجرا فيها وأسرته أكثر أسرها عددا ومن أهمها مكانة، وكانت أمه خاتون بنت يوحنا دوماني لبنانية من دير القمر وعائلتها معروفة بالوجاهة والفضل، فلما حدثت مذبحة حاصبيا سنة 1860 هجر ديب مطر وعائلته تلك الربوع وجاءوا بيروت عن طريق «المختارة» بحماية سعيد بك جنبلاط أحد زعماء الدروز واستقروا هنا، ونشأ منهم الطبيبان الدكتور إلياس والدكتور إبراهيم والصيدليان ملحم وفيليب.
فتلقى إلياس مبادئ اللغتين العربية والفرنسية في مدرسة طائفة الروم الأرثوذكس الكبرى «ثلاثة الأقمار» على عهد مديرها إلياس بك حبالين محرر جريدة «لبنان» الرسمية، ثم دخل «المدرسة البطريركية» للروم الكاثوليك وأتقن فيها لغة العرب على سليم بك تقلا مؤسس جريدة «الأهرام» والشيخ ناصيف اليازجي العلامة الشهير، وبرع بلغة الفرنسيس وألم بالتركية، وبعد أن لازمها خمس سنوات انتقل منها إلى «الكلية السورية الإنجيلية» للأميركان حيث درس الكيميا والنبات فالصيدلة، وكان يمارس هذا الفن عند أخيه ملحم في صيدلية «النحلة» الباقية إلى اليوم بعهدة أخيهما فيليب، وكان يأخذ منه أجرة شغله ويدفعها راتبا للدكتور فارس نمر ليعلمه الكيميا علاوة على الدروس المفروضة، وألف بأثناء ذلك تاريخا لسوريا، وكان شديد الرغبة في المطالعة والدرس فلم يصرف ساعة من فتوته باللهو إلا ما استوجبته الرياضة، وكثيرا ما اختلى في غرفة وارتقى الفرش في الخزانة كمنبر وأوقف المساند وخطب فيها كأنها بشر وأشبعها نصحا وإرشادا أو تأنيبا وانتقادا وهو دون الثالثة عشرة من عمره، وقد امتاز بين أترابه بالذكاء والاجتهاد، ولما بلغ العام الثامن عشر مذ أبصر نور الشمس سافر إلى القسطنطينية ليؤدي امتحانا بالصيدلة وينال شهادة رسمية، وبعدما أدى الامتحان ونال الشهادة طلب من وزارة المعارف رخصة بطبع كتابه «تاريخ سوريا» فأجازت له بطبعه، وقابل وزيرها جودت باشا العالم المشهور والد الكاتبة التركية فاطمة علية وقدم له قصيدة؛ فسر الوزير بجرأة الفتى وأعجب باستعداده، فدعاه إلى تعليم ابنه علي سداد بك ومعاشرته والمعيشة معه في بيته، فأقام عنده معززا مكرما زهاء عشر سنوات درس جيدا في خلالها لغة الأتراك وأتقنها على ممدوح بك أحد علمائها الذي صار بعد ذلك وزيرا للداخلية وبقي فيها إلى إعلان الدستور. وقد اختار جودت باشا هذا الأستاذ لمعلم ابنه احتراما منه لأهليته، ثم أشار عليه بدرس الطب في المكتب السلطاني فدرسه ونال الشهادة الطبية رسميا، وعينه ملازما في وزارة المعارف وأبقاه عشيرا لولده ونزيل قصره.
وإذ تعين جودت واليا للشام جاء معه إلياس وتعين طبيبا لبلدية دمشق، ولما ترك الولاية عاد وإياه إلى العاصمة فوظفته وزارة المعارف مفتشا للمدارس العالية وعينته نظارة المكتب الطبي طبيبا لهذه المدارس، وحالما أنشئ مكتب الحقوق دخل يدرس فيه حقوق الناس وشرائعهم ونظاماتهم مع بقائه في الوظيفتين، وهو من أول صف نال شهادة هذا المكتب إلا أنه بعد نيله هذه الشهادة ترك طبابة المدارس واشتغل بالمحاماة مدة، وانتظم عضوا في محكمة التجارة في بك أوغلي (بيرا) وانتقل منها إلى عضوية محكمتي الحقوق فالجزاء، واتفق حينئذ أن تلاميذ المكتب الطبي نفروا من أستاذ حفظ الصحة واستبدل بغيره وهذا لم يوافقهم، فتعين الدكتور مطر أستاذا لهم وبقي عضوا في محكمة الجزاء، فسروا به كثيرا وصفقوا لأول درس منه تصفيقا حادا، وإذ بدت مقدرته بهذا العلم عينوه أستاذا له أيضا في المكتب الملكي الشاهاني وفوق ذلك عينوه لتدريس المواد الجزائية في مكتب الحقوق ؛ وهكذا كان أستاذ ثلاثة مكاتب عالية رسمية في وقت واحد. وظل يأخذ رواتب أربع وظائف معا نحو عشرين سنة إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1909 لداء اعتراه مع حفظ الحق له بالرجوع إليها حالما يشفى.
ومع وفرة أشغاله وتعدد وظائفه قد اعتنى كثيرا بالعلم والأدب وألف اثنين وثلاثين كتابا طبعها كلها في العربية والتركية منها بلغتنا «تاريخ سوريا» «وشرح مجلة الأحكام»، وأنشأ مجلة «الحقوق» في اللغتين العربية والتركية بالاشتراك مع المحامي إلياس بك رسام وأصدرها خمس سنوات، وله كتاب في «علم حفظ الصحة» قررت وزارة المعارف تدريسه في المكاتب العالية.
وقد تدرج بالرتب الرسمية إلى أن بلغ الأولى صنف أول ونال الوسامين العثماني والمجيدي واكتفى بلقب بك، وكان عضوا في «الجمعية الطبية العثمانية» و«دائرة التأليف والترجمة» في نظارة المعارف، وكانت الدولة تعتمد عليه في درس بعض المسائل وفض بعض المشاكل؛ مما زاد عن واجباته في مأمورياته، وبحكمته جمع ثروة وافرة وقد ربح من تدريسه الطب وتآليفه فقط نحو خمسة آلاف ليرة، وتزوج آنسة يونانية وولد ابنتين وصبيين، وكان ضليعا في العربية والتركية والفرنسية يحسنها كلها تكلما وكتابة، وملما بالإنكليزية، ومتقنا التكلم بلغة اليونان.
عاد إلى بيروت في أواخر عام 1909 يشكو الزلال داء به وهو في الثانية والخمسين؛ فما أفاده تغيير الهواء ولا مهارة الأطباء. وفي الرابع والعشرين من شهر آذار سنة 1910 توفي فجرى له مأتم حافل اشتركت فيه الحكومة رسميا وعززته بفرقة من الجند تكريما للفقيد، وقد أقيمت الصلاة عليه في كنيسة القديس ديمتريوس وابنه المطران جراسيموس مسرة، ودفن في مقبرة النبي إلياس بطينا منضما إلى رفات والديه، وكان قصير القامة، ممتلئ الجسم، أبيض اللون، أسود العينين.
جرجي نقولا باز
جبرائيل دلال
منشئ جريدة «الصدى» في باريس و«السلام» في القسطنطينية ومراسل صحف «الجوائب» و«الجنان» و«الأهرام» و«مرآة الأحوال».
أحباي قد شطت دياري عنكم
ودهري فيما أبتغيه يعاند
فؤادي قريب منكم في بعاده
ومن غيركم في قربه متباعد ***
نشر قسطاكي بك حمصي سنة 1903 ترجمة هذا الصحافي الجليل في كتيب عنوانه «السحر الحلال في شعر الدلال» فاقتطفنا منها ما يأتي وأضفنا بعض زيادات تناسب المقام:
ولد في 2 نيسان 1836 وهو سليل بيت كريم من أعرق بيوتات حلب في العز والجاه، فنشأ في بيت أبيه عبد الله دلال ومجلسه إذ ذاك منتدى الفضلاء ومثابة النبلاء يقصده أدباء الوقت وشعراؤه كفتح الله مراش ونصر الله الطرابلسي وسواهما. وفقد صاحب الترجمة أباه صغيرا فاعتنت شقيقته مادلينا بتربيته وهي من فاضلات النساء، وقد نظم المعلم بطرس كرامة تاريخا لضريح عبد الله دلال بقوله:
لحد ثواه ابن دلال التقي فغدا
برحمة الملك القدوس مغمورا
قضى الحياة على نهج الصلاح وقد
لاقى المنية مبرورا ومشكورا
ناداه رب غفور إذ نؤرخه
نل جنة الخلد عبد الله مسرورا
سنة 1847
ولما أكمل درس مبادئ القواعد العربية أرسلته أخته إلى مدرسة عين طورا بلبنان فلم يلبث فيها إلا ستة شهور، ثم عاد إلى حلب وكأنه قد درس الفرنسية والإيطالية سنين طوالا، وذلك لما أوتيه من توقد الذهن وملكة الحفظ، فأقام فيها يطالع العلوم بنفسه ويدرس أصول اللسان التركي، ومال إلى اقتناء الكتب فلم يقع كتاب نفيس في يده إلا اشتراه فأصاب حظا وافرا من علوم العرب، وكان يحفظ جل ما كان يقرؤه فكان يتذكر في الخمسين من عمره ما كان قرأه مرة واحدة قبل ذلك بثلاثين سنة، وكان يحفظ ديوان المتنبي وأكثر شعر الصفي ومقامات الحريري وكثيرا من مقدمة ابن خلدون والمعلقات السبع وطائفة من أشعار العرب وقسما كبيرا من القرآن، وكانت له مشاركة في أكثر العلوم ودرس فن الرسم فأصاب شيئا منه، وكان شديد الولوع بالغناء عارفا بفن الموسيقى متمكنا من علمي الجغرافية والتاريخ، وله رسالة في التاريخ العام غير كاملة، وكان يحرز حصة حسنة من العلوم الرياضية والفلسفة والطب، وكان يتتبع العلوم والفنون العصرية والاكتشافات والاختراعات، فكان صدره أشبه بخزانة علوم وفنون فلا يسأل عن علم أو اختراع أو مسألة فلكية أو سياسية إلا ويجيب أحسن جواب، بل كثيرا ما كان يأخذ في الشرح والتعليل كأنه من أئمة ذلك الفن فيجيد غاية الإجادة.
وكان طيب الحديث لسنا فصيحا وشاعرا متفننا من الطراز الأول، سريع التصور لطيف الشمائل خفيف الروح صحيح الانتقاد يميل إلى المزاح أحيانا، وكان الغالب على طباعه سلامة السريرة وكثرة الوفاء وحرية الفكر. لما كان في نحو العشرين من عمره مات له عم في القسطنطينية بلا عقب وترك ثروة كبيرة، فسافر إليها ليستولي على حصته من التركة المذكورة ثم عاد إلى وطنه بعد خمسة شهور، وعلى أثر رجوعه بمدة قصيرة تزوج فتاة من أجمل بنات الشهباء بل بنات الشرق جامعة بين الذكاء والصيانة، وفي سنة 1868 عاد إلى القسطنطينية فلبث فيها إلى السنة التالية، وفي تلك الأثناء نظم من القصائد والمقطعات شيئا كثيرا كقوله من قصيدة يمدح بها جودت باشا:
العلم بعض صفاته والفضل بع
ض خلاله والحلم بعض خصاله
والجود من أسمائه والسعد من
قرنائه واليمن من إقباله
ثم استصحب قرينته معه إلى أوروبا وزارا أكثر مدنها الشهيرة، وبعد مدة قصد صاحب الترجمة بلاد البرتغال لقضاء حاجة كانت في نفس أحد أصحابه من الأشراف كان توسل إليه في التماسها من ملك تلك الدولة، فلما تشرف بمقابلة الملك أجاب الملك سؤله وبلغه مأموله وربح جبرائيل من ذلك مالا جزيلا ، ومر في طريقه بإسبانيا وأحب أن يتفقد آثار العرب في الأندلس وما كان لهم هناك من ضخامة الملك واتساع الحضارة، ثم عاد إلى مرسيليا حيث أصيبت قرينته بمرض عضال فماتت مأسوفا على شبابها، فرثاها رثاء مؤثرا بقوله:
لي حالة يكتمها تجلدي
إظهارها يصدع قلب الجلمد
قد شرد الغم جناني بالأسى
وقيد الهم لساني ويدي
فباطن تبكي له أحبتي
وظاهر تضحك منه حسدي
وما جرى نفى الكرى وفي الورى
بعد الذرى عدت أرى في الوبد
من محنتي وفكرتي ولوعتي
تجلدي تسهدي تنهدي
وهمتي تأبى الخمول فترى ال
جد مقيمي والقضاء مقعدي
على شبابي والبلاد والغنى
وا حسرتى وا حزني وا كمدي
ولما لم يطق الإقامة في المدينة المذكورة بعد هذا المصاب سار إلى باريس ومنها إلى بلاد الجزائر في المغرب الأوسط ومنها إلى بلجيكا، ثم رجع فألقى عصا التسيار في باريس وهناك انتدبه سنة 1877 وزير المعارف لتحرير جريدة «الصدى» العربية التي كانت تصدر فيها بأمر الحكومة الفرنسية، وكان يترجم بين سفراء الحكومات العربية الذين كانوا يقصدون باريس كوزراء مراكش وتونس وزنجبار وبين وزراء فرنسا وغيرهم من أشراف العاصمة. وبين أولئك الوزراء نذكر خير الدين باشا وزير باي تونس فإنه اتخذ صاحب الترجمة نديما له وجعله أمين سره وكلفه ترجمة رسالات عديدة سياسية من اللسان العربي إلى الفرنسي وتهذيب بعض الرسائل التي كان يكتبها الوزير بالعربية، وقد توثقت عرى المودة بينهما فلم يكن يستغني عنه يوما حتى إنه استصحبه معه إلى حمامات فيشي حيثما كان يذهب في صيف كل عام أكثر رجال السياسة من سائر الممالك للمذاكرة في المهمات متسترين ببراقع الاستحمام. ومن غرر أشعاره الموشح الذي مدح به خير الدين باشا ومطلعه:
ساعد الحظ بذا اليوم السعيد
طالع ميمون
فغدا عود اللقا أبهج عيد
صفوه مضمون
جرد البرق على عنق الغمام
صارما بتار
فانبرى يفتك في جيش الظلام
آخذا بالثار
وهفا خفقا كقلب المستهام
إثر ركب ثار
ولما انتدب خير الدين باشا سنة 1879 لمنصب الصدارة العظمى كتب إلى جبرائيل يستدعيه إلى القسطنطينية، فلبى هذا الأمر الصدر الأعظم وكان يأكل على مائدته ويملي على سمعه درر مفاكهته، وكلفه الصدر المشار إليه إنشاء جريدة «السلام» وكان خير الدين باشا ينشر بها آراءه السياسية وأفكاره في طرق إصلاح السلطنة، ثم ألغيت الجريدة وكان صاحب الترجمة قد نال شهرة بعيدة لدى أعاظم رجال الدولة العثمانية.
وبعد استقالة خير الدين باشا من منصب الصدارة وردت الرسائل على الدلال من رئيس المكتب الملكي في فينا عاصمة النمسا يطلب بها إليه أن يكون أستاذا أول في المكتب المذكور، فرحل إليها سنة 1882 حيثما لبث سنتين، وألف لتلامذته رسالة في الهمزة وأحكامها، ورسالة ثانية في قواعد اللغة العربية تقرب منالها على الطالبين من الفرنج. وكان يراسل في أسفاره أهم جرائد ذلك العصر كصحيفة «الجوائب» في الآستانة و «الجنان» في بيروت و«الأهرام» في الإسكندرية و«مرآة الأحوال» في لندن، وفي تلك الأثناء اقترح عليه السيد موسى المفضل وزير مراكش أن يمدح سلطانها مولاي حسن فنظم قصيدة من غرر القصائد حازت حسن القبول، ولما وافى باريس ناصر الدين شاه إيران طلب سفيره حينذاك يعقوب خان إلى جبرائيل دلال أن يمدح جلالته، فنظم قصيدة شائقة مطلعها:
يا أيها الملك المظفر
ذو البطش والليث الغضنفر
يا ناصر الدين الذي
في الملك قام مقام حيدر
وفي صيف سنة 1884 عاد إلى حلب بعد أن طال رحيله عنها نحو سبعة عشر عاما وقد طبقت شهرته الآفاق، واشرأبت لرؤيته الأعناق، فأقام في منزله مجلسا للآداب، جمع فيه شتيت ذوي الألباب، لم تر مثله الشهباء منذ قديم الزمان، غير أن بعض الحساد افتروا عليه قولا زورا وفعلا يعلو هذا الصحافي عنه علوا كبيرا، فعكروا صفاء أيامه وسئمت نفسه الإقامة في وطنه مع شدة تعلقه به؛ فرحل عنه ولسان حالة ينشد مع الشاعر:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
وأم مدينة بيروت فلقي من حفاوة علمائها به ما أنساه شيئا من الأكدار التي صادفها في آخر أيام إقامته بحلب، ثم قصد القسطنطينية وحل ضيفا على صديقه منيف باشا وزير المعارف الذي أعاده إلى الشهباء وعينه بوظيفة أمين خزانة مجلس المعارف في مركز ولايتها، وأضاف إليه منصب أستاذ أول للغة الفرنسية في المكتب الإعدادي في المدينة المذكورة، وقال له حينئذ هذا الوزير: «إن هذا دون ما يليق بفضلك ووجاهتك ولكن قدر الله فستنال بعده ما يشرح صدور أهل الفضل.»
فقام الدلال بخدمة ذلك المنصب بكل أمانة إلى أن اتهم بتأليف وطبع قصيدة «العرش والهيكل» المشهورة التي لم ترق في عيون الحكام المستبدين في العهد الحميدي، فعزل من منصبه وألقي في السجن مدة سنتين حتى فاجأته المنية في صبح الرابع والعشرين من كانون الأول 1899 عن ستة وخمسين عاما قضاها في الأسفار وخدمة العلم، فتقاطر آله وأصحابه ونقلوه إلى منزله ثم دفن بين ذرف العبرات وتردد الحسرات، وقد نظم قسطاكي بك حمصي هذه الأبيات لتنقش على ضريحه:
ها هنا اليوم ثوى بدر النهى
بعدما كان ينير الخافقين
ها هنا قد ألحدوا بحر الحجا
فيلسوف القطر نظام اللجين
ذاك جبرائيل دلال الذي
فضله قد ضاء مثل الفرقدين
يا أولي الفضل الثموا هذا الثرى
واندبوه أثرا من بعد عين
عيسى إسكندر المعلوف
مؤسس مجلة «الآثار» ومنشئ جريدة «الشرقية» وصحيفة «المهذب» في زحلة ومحرر جريدة «لبنان» في بعبدا ومجلة «النعمة» وصحيفة «العصر الجديد» في دمشق وناشر المقالات المختلفة المواضيع في أكثر من ثلاثين جريدة ومجلة عربية في سوريا ومصر وأميركا.
إن رسمي سر جسمي
وفعالي سر نفسي
بفعالي وصف حالي
وبرسمي ذكر رمسي ***
هو عيسى بن إسكندر ابن الخوري إبراهيم بن عيسى بن شبلي أبي هاشم المعلوف، ولد في قرية «كفر عقاب» اللبنانية في 11 نيسان سنة 1869 فتلقى مبادئ العلوم في مدرسة قريته الإنجيلية، وفي أواخر سنة 1884 مسيحية دخل مدرسة الشوير العالية الإنجيلية في لبنان ودرس الإنكليزية والعلوم على رئيسها الدكتور وليم كرسلو الإسكتلندي وتخرج بالعربية، ثم ترك المدرسة لداع في أسرته ودرس على نفسه، ثم درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في قريته وولع بالمطالعة واقتناء الكتب، وفي 5 كانون الأول سنة 1890 عين محررا لجريدة «لبنان» التي أنشأها نسيبه إبراهيم الأسود وكاتبا لإدارتها أيضا في بعبدا ومصححا لمطبوعاتها، وكتب فيها مقالات عمرانية وأدبية ولا سيما في الزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد والأوضاع العربية، وتولى تصحيح كتاب «البصائر النصيرية» في المنطق بمشاركة جرجس صفا بالمقابلة على نسخة قديمة، ولم يتم من هذا الكتاب إلا نحو نصفه لقفل المطبعة والجريدة في أول عهد نعوم باشا متصرف لبنان بعد أن ظهر من الجريدة 86 عددا.
فعاد إلى مسقط رأسه واشتغل في التصنيف فوضع كتاب «لطائف السمر في لبنان والقرن التاسع عشر» وهو يبحث في شئون لبنان وحكوماته وعادات سكانه وخرافاتهم وآدابهم إلخ، ولا يزال مخطوطا، وكذلك بدأ بوضع كتابه «دواني القطوف» في تاريخ أسرة المعلوف والأسر الشرقية وهو الذي طبعه بعد ذلك، ووضع كتاب «الإغراب في الإعراب» ولا يزال مخطوطا، وسنة 1893 طلب لتدريس آداب العربية والعلوم العالية والإنكليزية في «مدرسة كفتين» الأرثوذكسية في لبنان قرب مدينة طرابلس الشام، فدرس فيها بضع سنوات وتخرج عليه كثير من الأدباء والكتبة والشعراء، ونظم فيها ثلاث روايات تمثيلية هي: «مقتل بطرس الأكبر لولده ألكسيس» و«جزاء المعروف» و«ذبح إبراهيم لولده إسحاق» وهي مخطوطة، ووضع في تلك المدرسة بعض مؤلفات مثل: «الكتابة» التي طبع منها الجزء الأول، ورسالة «الشعر والعصر» المطبوعة أيضا، و«شحذ القريحة في المقطعات البليغة الفصيحة» وهو في الشعر والشاعر والفنون الشعرية ومنتخبات الأشعار مرتبة على أسلوب جديد يقع في 1600 صفحة، و«تحفة المكاتب للمعرب والكاتب» وهي في الأوضاع اللغوية والمعربات، و«المشجرات» وهي تقسيم العلوم العربية لتسهيل تعلمها على طريقة «السينوبتيك» الفرنجية، وهذه الكتب الثلاثة لم تطبع، ثم عاد إلى تحرير جريدة «لبنان» بعد استئناف نشرها، وإذ ذاك تزوج السيدة عفيفة كريمة إبراهيم باشا معلوف من زحلة، وجاء زحلة مستقدما لتدريس الحلقات العليا في «الكلية الشرقية» المنشأة إذ ذاك عام 1898 فدرس فيها آداب العربية والرياضيات والإنكليزية بضع عشرة سنة، على أنه غادرها سنة واحدة انتدب فيها سنة 1908 لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق، فاستقدمته «الكلية الشرقية» إليها في السنة التالية ولا يزال فيها مدرسا إلى الآن. ولما كان في دمشق حرر جريدة «العصر الجديد» ثم مجلة «النعمة» البطريركية التي رتبها وأنشأ مقالاتها التاريخية والعلمية، منها «تاريخ الصحافة» الذي أشرنا إليه في [التوطئة - الفصل الثاني: تعريف الصحافة من أقوال مشاهير الملوك والكتاب والصحافيين].
ولما كان في «الكلية الشرقية» أنشأ في أول تشرين الأول سنة 1901 جريدة «المهذب» لطلبة البيان فطبعها على الهلام (الجلاتين) ثم نيل امتيازها وتولى تحريرها مدة وهي الآن بيد الخوري بولس كفوري، وأنشأ سنة 1909 جريدة «الشرقية» على الهلام أيضا لتلاميذه، وكان في 6 آذار سنة 1903 قد أنشأ في تلك المدرسة «جمعية النهضة العلمية» وترأسها، وهي إلى الآن للتمرين على الخطابة والمباحث الأدبية.
ولقد تخرج على يده معظم ناشئة زحلة ولبنان الجديدة وهم من الأدباء والصحافيين في الوطن والمهجر، وفي شهر تموز سنة 1911 أنشأ مجلة «الآثار» الشهيرة، وهي متحف لأقلام كبار الكتاب في سوريا والعراق ومصر، وكان أول ما نشر فيها صورة الأمير فخر الدين الثاني المعني وترجمته المطولة عن مخطوطات نادرة أهمها تاريخ «الخالدي» و«ذيل الكواكب» للنجم الغزي ونحوهما، ونشرت له مقالات كثيرة وقصائد في أهم المجلات والجرائد في سورية ومصر والمهجر كالبيان والضياء والمقتطف والهلال والمشرق والشمس والرئيس والمقتبس والطبيب والإنسانية والصفاء والنور والحقيقة وفتاة الشرق والسمير والزهور والكوثر والاقتصاد والحسناء وكوكب البرية والنعمة ولسان الحال والأحوال ولبنان والمنار والمحبة والعصر الجديد والبرق وحمص والأيام والبرازيل والأفكار والمحيط والشهاب والرائد المصري والطرائف وزحلة الفتاة والمهذب وأشباهها، وبعضها يدفع له راتبا خاصا لقاء مقالاته.
ومما نشره مؤخرا من مؤلفاته «تاريخ زحلة» و«خطاب الأخلاق مجموع عادات» و«الأم والمدرسة»، ومما لا يزال مخطوطا منها «أسرار البيان» و«مغاوص الدرر في أدباء القرن التاسع عشر» و«الأخبار المروية في الأسر الشرقية» في بضعة مجلدات و«قطوف الفوائد من رياض الجرائد» في بضعة عشر مجلدا و«الطرف الأدبية في تاريخ اللغة العربية» و«العصريات»، وديوانه الذي سماه «بنات الأفكار» وفيه أكثر من عشرة آلاف بيت في المواضيع الحديثة مثل قوله في الجرائد:
إذا فاح طيب من رياض الفوائد
فناشر رياه نسيم الجرائد
هي العلة الأولى لرفع مواطن
هي الغاية الجلى لشهم مجاهد
تهذب أخلاقا ترقي مواطنا
تعزز آدابا بأفضل عائد
فتاريخنا اليومي فيها مسطر
سيبقى بقاء النقش فوق الجلامد
رعى الله آثار الصحافة إنها
منار الهدى يبدو كقطب لراصد
وسقيا لكتاب تجارى يراعهم
بميدان طرس كالجواد المطارد
أسالوا على القرطاس ماء دماغهم
بذهن زكي زنده غير صالد
إذا صنع اليوبيل يوما لفاضل
فللكاتب النحرير من دون جاحد
وإن نصب التمثال تذكار همة
فللقلم السيال قيد الأوابد
ومن شعره العلمي قوله:
ماذا أؤمل في حياتي مرتجى
من صاحب مهما استقمت تعرجا
عجبي لما في طبعه فكأنه
ماء وليس يسير إلا أعوجا
ومن حكمه قوله:
كل شيء تقتنيه في الورى
عندما تعطيه بعض الهمم
إنما العلم إذا أعطيته ال
كل يعطي البعض فابذل تغنم
وقوله:
دع عنك ما قد جنت الكبريا
من ثمر الشر الذميم الوخيم
فالكبرياء زهرة قد نمت
في حقل شيطان الشرور الرجيم
ومن تعريبه قوله عاقدا حكمة شكسبير كبير شعراء الإنكليز:
كم نرى الخمرة داء
يورد المرء رداه
إنها في فيه لص
سارق منه نهاه
وقال معربا لشاعر إفرنسي:
إن بيتا ليس فيه
ولد يولي المسرة
قفص لا طير فيه
وجنان دون زهرة
ومن تواريخه الشعرية قوله يؤرخ مجلة «البيان» اليازجية سنة 1897 مضمنا شطر التاريخ من قول أبي القاسم الخلوف:
هذي مجلة من بوافر علمه
ضرب البيان موارد الأمثال
علامة العصر الرفيع مقامه اب
ن اليازجي محطة الآمال
في عهد عباس الأمير بمصره
قد نال إبراهيم أوج معالي
والعصر بالتاريخ جل وقد محا
فلق البيان غياهب الأشكال
إلى غير ذلك من القصائد العصرية والمعربات الكثيرة من أشهر قصائد شعراء الفرنج على اختلافهم ولا سيما الشعر التاريخي، فإنه أكثر منه كما قال نسيبه قيصر بك المعلوف من قصيدة في مدحه:
جعلت منه سنا التاريخ منبثقا
وكان قدما سناه خير منبثق
أما أخلاقه ومزاياه فإنه حاد المزاج والذهن، كثير الجلد على الكتابة والمطالعة لا يكاد يمل. وقد صرف نحو ثلاثين سنة في العمل العقلي الدائم وهو متمتع بصحته كأنه في مقتبل الشباب. وهو طيب القلب لا تنحني ضلوعه على ضغينة، ولا يدخل قلبه حب انتقام، متساهل في آرائه على غير تردد ولا تسرع. فكير في العواقب، ولوع في التاريخ، ولا سيما تاريخ الأسر الشرقية. جيد الحافظة، كاتب شاعر خطيب، يرتجل الكلام متى أراد بلا لكنة ولا تحبس. اقتنى مكتبة مهمة قلما توجد عند الأفراد، بينها كثير من المخطوطات القديمة والرسائل والأوراق التاريخية والأدبية. ولديه كثير من مخطوطات يده وتعاليقه لا يكاد يصدق من يراها أنها نسج قلمه. وهو يدرس في «الكلية الشرقية» خمس ساعات كل يوم لحلقاتها العليا، وينشئ مجلة «الآثار» ويديرها بيده، ويكتب في مجلة «النعمة» وغيرها . ويستنسخ الكتب ويعرب المقالات توسعا في مباحثه، فضلا عن اشتغاله بكتاب تاريخ «الأسر الشرقية» المتواصل، مما يدل على اجتهاده وجلده.
القس توما أيوب
القس توما أيوب؛ مراسل جريدة «البشير» البيروتية من حلب مدة 25 سنة. ***
هو باسيل بن توما بن جرجس أيوب، ولد في أوائل شهر آذار سنة 1861 في مدينة حلب، ولما ترعرع اختاره السيد أغناطيوس جرجس الخامس بطريرك السريان الأنطاكي من بين الرفاق وأرسله إلى مدرسة الشرفة بلبنان فقرأ فيها اللغات السريانية والعربية الإيطالية، ثم رحل عنها إلى مدرسة الآباء اليسوعيين ببيروت، وهناك كان يدرس اللغة العربية ويدرس الفرنسوية واللاتينية واليونانية والبيان والخطابة والمنطق والفلسفة. ثم عاد إلى مدرسة الشرفة فقرأ فيها اللاهوت النظري والأدبي، وتخرج في الطقوس البيعية إلى أن جاء إلى حلب، فرقاه فيها البطريرك المشار إليه إلى الدرجة الدياقونية ثم إلى درجة الكهنوت؛ وذلك في 2 شباط سنة 1885، وجلاه باسم توما على اسم أبيه.
ومنذ أول نشأته الكهنوتية صرف معظم همه واجتهاده إلى تهذيب الشبيبة وتربيتها وإيقاظ الآداب فيها من غفلتها. وقد أنفق 27 سنة في خدمة العلم والتعليم في أهم معاهد الشهباء العلمية. وكانت المدارس تتنافس في الحصول عليه والسعيدة من كان فيها أستاذا؛ لأنه كان لغويا مدققا واقفا على أعمق أسرار البلاغة، ضاما لشتات آداب العرب. وقد عرف بتسهيل وعورة مسالك الدروس وإدناء مجانيها من أفهام الطلبة مهما عاصت. ولا يكاد يرى بين أدباء الشهباء من ابن خمس وأربعين سنة فما دون من لم يقرأ شيئا عليه ويلتقط من جواهر فيه. وكأنك ببيته سوق عكاظ يختلف إليه أبناء الأدب ليعرضوا عليه مقالات نثرهم وقصائد شعرهم. وكان يستقبلهم بما عهد به من طلاقة المحيا والبشاشة والإيناس.
وقد أسس ناديا سماه «نادي الأدب» ضم فيه من شبان الشهباء من يميل إلى البحث عن بلاغة العرب وأسرارها. وكان يشغلهم بإلقاء الخطب ودرس العلوم عن الملاهي المحرمة والملاعب الشائنة للآداب. وقد كان همه الأكبر في جمع الكتب المفيدة حتى أصبح عنده مكتبة عامرة جمعت من كل صنف، وكانت مفتوحة الأبواب لكل مطالع ومستعير. وبذلك كان يقي آداب الشبيبة من الفساد بقراءتهم سواها من كتب العهر والكفر.
ولما بلغ السنة الخامسة والعشرين للكهنوت، وهي سنة 1909 استفزت الحمية والمحبة ومعرفة الجميل تلامذته الشبان فأقاموا له يوبيلا شائقا كان كعيد وطني لجميع سكان الشهباء، أقبل عليه فيه المهنئون بتقادمهم وخطبهم وقصائدهم ودعواتهم الخيرية وبرهنوا بذلك على تعلقهم به وتقديرهم قدر فضله.
هكذا قضى حياته بين الطروس والمحابر والدروس والمنابر حتى اعتراه مرض طويل المدة قاسى منه مر العذاب صابرا متجلدا، واستأثرت به رحمة الله عصر يوم الخميس الواقع في 5 تشرين الأول 1911 وسير بجنازته صباح يوم الجمعة في غاية التهيب والاحترام، وقد تقدم نعشه مطران السريان ولفيف كهنة الطوائف وتلامذة مدارسها للذكور والإناث، وكانت موسيقى مدرسة الروم الكاثوليك تعزف بأنغامها الشجية قياما بجميل الفقيد؛ لأنه تولى التدريس فيها سنين طويلة، وكان الأسف عليه شديدا عاما؛ لأن الشهباء فقدت بموته إماما وحجة في اللغة العربية يرجع في حل معضلات المشاكل إلى رأيه، وخدم الصحافة مدة ربع قرن كامل بصفة مراسل من حلب لجريدة «البشير» البيروتية فكان يتحفها بالأخبار الصادقة والمقالات الأدبية، ونشر على صفحات مجلة «المشرق» وغيرها من الصحف نبذا مفيدة.
وخلف آثارا علمية كثيرة نقتصر منها على ما يأتي: كتاب «شبكة بطرس» يتضمن نحو مائة وخمسين موعظة زاجرة لا تزال قيد خطه، وله ديوان شعر رقيق عنوانه «عرف الصبا» في نحو مائة صفحة، وكتاب «موارد السلوان لمتناولي القربان» وكتاب «تحقيق الأمنية في عبادة الوردية»، وكان له الباع الطويل في الترجمة والتصرف في العبارات الفرنجية فيفرغها في قوالب عربية لا يشتم منها القارئ شيئا من رائحة الأصل، من ذلك رواية «فابيولا» أو «بيعة الدياميس» المطبوعة في مطبعة الآباء الفرنسيسيين في أورشليم وهي بقلم الكردينال نقولا وسمن، وقد راجعها بعد ذلك على الأصل الإنكليزي وأضاف إلى حسنها رونقا وطلاوة، ومن الروايات المترجمة بقلمه أيضا: «خالدة» أو بيعة قرطجنة، و«شهيد الجلجلة» أو مجموع تقاليد شرقية عن حياة السيد المسيح وموته، ومنها «قرة العين في رواية إلى أين »، ورواية «الكفارة» أو ماجريات أوائل القرن الرابع، ورواية «غد الطوقان» يحوي حكاية أحوال الأعصر الأولى في بابل ومصر، وله نحو ستين رواية تمثيلية بعضها من تأليفه وبعضها مترجم بقلمه وقد جرى تمثيل أكثرها في المدارس أو الجمعيات الخيرية وأنفق ريعها في سبيل البر، فكان في حين واحد يهذب أخلاق الجمهور بالحكم السنية ويجبر كسر البؤساء بأرباحها المادية، ثم جمع الأمثال الجارية على ألسنة القوم في وطنه وطبعها بعنوان «المنتخب في أمثال حلب»، وله غير ذلك من الرسائل والفكاهات والمطارحات الأدبية والآثار الجليلة التي تخلد ذكره الحسن بين علماء عصره.
مريانا مراش
أول سيدة عربية كتبت في الصحف السيارة. ***
نختتم هذا الباب بترجمة أول سيدة سورية أنشأت مقالة في مجلة أو جريدة، فمريانا مراش هي الكاتبة الأولى التي نشرت أفكارها في الصحف العربية على ما نعلم، فحري بتاريخ الصحافة أن يدون سيرتها وأن يسبق سير الصحافيات بها، لا سيما؛ لأنها إحدى شهيرات شاعراتنا ومن بواكيرهن في القرن التاسع عشر، وكلما تذكرنا وردة الترك ووردة اليازجي تذكرنا مريانا مراش.
ولدت مريانا في حلب في شهر آب سنة 1848 وترعرعت في أحضان والدين كريمين ترضع لبان الأدب وتتغذى ثمار العلم، فنشأت أديبة عالمة تجيد الإنشاء وتحسن الشعر ، وكان أبوها فتح الله بن نصر الله بن بطرس مراش رجلا فاضلا عني بالمطالعة واقتناء الكتب، وجمع مكتبة نفيسة ورغب في الكتابة وتمرن عليها وله كتابات عديدة مختلفة المواضيع لم تطبع، وكانت أمها ذكية عاقلة من آل أنطاكي نسيبة مطران حلب يومئذ ديمتريوس أنطاكي وكلتا الأسرتين معروفتان بالوجاهة وجليل الصفات، وأخواها فرنسيس وعبد الله مشهوران في عالم الأدب؛ كان الأول شاعرا متفننا ومنشئا مجيدا، درس الطب في وطنه على طبيب إنكليزي وقصد باريز لينهي دروسه فيها، ومن آثاره الأدبية المطبوعة نثرا ونظما: «غابة الحق» و«مشهد الأحوال» و«مرآة الحسناء» و«رحلة باريز» و«شهادة الطبيعة في وجود الله والشريعة» و«تعزية المكروب وراحة المتعوب» و«المرآة الصفية في المبادئ الطبيعية» و«الكنوز الفنية في الرموز الميمونية »؛ وكان الثاني كاتبا لوذعيا عاش في إنكلترا وفرنسا يتعاطى التجارة، ومن مؤلفاته رسالة في التربية بالغة حدها من التدقيق نشرها في مجلة «البيان» للشيخ إبراهيم اليازجي؛ وغير ذلك من الآثار الصحافية والعلمية.
فتربت مريانا في هذا البيت الكريم على مهاد الذكاء والمعرفة، وإذا اقتضت أشغال والدها أن يكثر في أثناء حداثتها التغيب عن بيته والسفر إلى أوروبا قامت والدتها بتربيتها قياما حسنا لم يكن يرجى من كثيرات من أمهات تلك الأيام، وكان من الفتاة أن دخلت المدرسة المارونية في الخامسة من عمرها، وانتقلت بعد ذلك إلى المدرسة الإنجيلية التي أنشأها الدكتوران أدي وورتبات فدرست فيهما مبادئ اللغة العربية والحساب وبعض العلوم، وفي الخامسة عشرة أخذ أبوها يعلمها الصرف والنحو ثم العروض، وعلمها بعض لغة الفرنسيس التي أحسنتها فيما بعد على بعض المعلمين، ودرست فن الموسيقى وأتقنته جيدا دون أستاذ.
فتفردت في حلب وامتازت على أترابها فنظر الناس إليها بغير العين التي ينظرون بها إلى غيرها، وتهافت الشبان على طلب يدها فرضيت منهم زوجا لها حبيب غضبان، ورزقا ولدا وابنتين: جبرائيل وليا وأسما. بدأت بالكتابة والشعر في صباها وأول مقالة رأيناها لها «شامة الجنان» نشرتها في مجلة «الجنان» في الجزء الخامس عشر لعامها الأول سنة 1870 وصدرتها بهذين البيتين لشاعر قديم:
بنفسي الخيال الزائري بعد هجعة
وقولته لي بعدنا الغمض تطعم
سلام فلولا البخل والجبن عنده
لقلت أبو حفص علينا المسلم
وعارضته باستحسان قومه صفتي الجبن والبخل بالنساء، ودعت قومها إلى بدلهما بالحرص والشجاعة مميزة بين الاقتحام والجرأة، وانتقدت بمقالاتها هذه عادات معاصراتها وحضتهن على التزين بالعلم والتحلي بالأدب، ثم كتبت في العام التالي للجنان مقالة «جنون القلم» تشكو فيها حال انحطاط الكتاب وتحرض على تحسين الإنشاء وترقية المواضيع والتفنن بها، وتدعو بنات جنسها إلى الشروع في الكتابة وترغبهن فيها، ومن مقالاتها في هذه المجلة «الربيع» وموضوعها التربية نشرتها في المجلد السابع سنة 1876 وكلها فوائد غرر، ونشرت بعض مقالات على صفحات الجرائد كلسان الحال وغيره.
ونظمت قصائد عديدة في الغزل والمدح والرثاء وعدة أغاني على أنغام مختلفة جمعت منها ديوانا صغيرا نشرته برخصة رسمية من نظارة المعارف بعنوان «بنت فكر» مطبوعا سنة 1893 في المطبعة الأدبية هنا، وقد هنأت بشعرها السلطان عبد الحميد عندما صار سلطانا وعايدته في أحد أعياد جلوسه وهنأت أمه بقصيدة، ومدحت توفيق الأول خديو مصر، وجميل باشا وأمين باشا والي حلب، وأيوانوف قنصل روسيا فيها، ورثت أخاها فرنسيس وكثيرا من صديقاتها، من ذلك قولها لأم السلطان:
كما رعيت صباه خوف نائبة
قد صار يرعى زمام الملك للأمم
ومن منظوماتها ما يأتي في مدح خديو مصر:
زهور الروض تبسم عن ثغور
زهت فحكت عقودا من جمان
نداها يبهج الأرواح رشفا
به ماء الحياة لكل دان
إذا هب النسيم على رباها
تعطرت المعاهد والمغاني
رعاه الله من روض أرانا
من الأغصان قامات الحسان
وحورا إن سفرن وملن عجبا
سلبن عقول أرباب المعاني
وقد قامت طيور الأنس تشدو
بألحان أرق من المثاني
هنا جنات بشر قد تراءت
لدى الأبصار في شبه الجنان
ومنها في مدح جميل باشا والي حلب:
أفديه لا أفدي سواه جميلا
أولى المحب تعطفا وجميلا
بدر عنت دول الجمال لحسنه
فأبى لذا تمثاله التمثيلا
فإذا تجلى فوق عرش كماله
تجثو له زهر النجوم مثولا
وإذا توارى في حجاب سنائه
لا تبلغ الجوزا إليه وصولا
كملت محاسنه فبالإشراق وال
أنوار صار عن الشموس بديلا
ومنها في مدح أيوانوف قنصل روسيا:
بزغت شموس السعد بالشهباء
فجلت لياليها من الظلماء
قشعت غيوم الضيم عنها فانجلت
كعروسة تزري ببدر سماء
وغدت بها السكان تمرح بالهنا
وتجر ذيل مسرة وصفاء
تتمايل الغادات مائسة بها
كتمايل النشوان بالصهباء
من كل غانية زهت بجمالها
ودلالها كالروضة الغناء
ماست كغصن فوقه بدر له
مرأى الثريا في بديع بهاء
بحواجب مقرونة قد أوترت
قوسا ترن بها سهام فنائي
إن كلمت صبا بنبل لحاظها
كان الشفاء له بعذب الماء
حتى ترد إليه ذاهب روحه
فيعود معدودا من الأحياء
وقالت أيضا مشطرة بعض أبيات من نظمها:
للعاشقين بأحكام الغرام رضا
يمسون صرعى به لم يؤنفوا المرضا
لا يسمعون لعذل العاذلين لهم
فلا تكن يا فتى للجهل معترضا
روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا
ذاك الذمام وقد ظنوا الهوى عرضا
جاروا وما عدلوا في الحب إذ تركوا
عهد الوفي الذي للعهد ما نقضا
قف واستمع سيرة الصب الذي فتلوا
وكان يزعم أن الموت قد فرضا
أصابه سهم لحظ لم يبال به
فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا
رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا
فما ابتغى بدلا منهم ولا عوضا
تقطع القلب منه بانتظار عسى
فسام صبرا فأعيا نيله فقضى
وقالت ترثي صبية توفيت محترقة بالبترول:
عفافة نفس مع بديع محاسن
ورقة أعطاف فلله كم تسبي
لقد جمعت ضدين في حد ذاتها
ففي اللحظ إيجاب يشير إلى السلب
وقالت وقد اقترح عليها ذلك:
بذكر المعاني هام قلبي صبابة
فيا نور عيني هل أكون على القرب
عسى الشمس من مرآك للعين ينجلي
فتنقل للأبصار ما حل بالقلب
ولها أيضا:
ذو العقل يسمو بالحجا ويسود
وبحسن رأي يمدح الصنديد
إن الفتى المقدام من يوم الوغى
خاض المعامع والعداة شهود
والندب من نال الفخار وزانه
بالجد آباء له وجدود
ومن منظوماتها الحكمية قولها:
شرف الفتى عقل له يسمو على
كل الورى فينال غايات المنى
وكذاك حسن الخلق فخر مسود
متسربل باللطف نعم المقتنى
والمرء إن شهدت له أفعاله
بالفضل والآداب يكتسب الثنا
ما كل من طلب الكرامة نالها
من رام صيد الظبي حل به العنا
ذو المال يذهب ذكره مع ماله
لكن ذكر الفاضلين بلا فنا
وقالت ترثي أخاها فرنسيس:
ما لي أرى أعين الأزهار قد ذبلت
ومال غصن صباها من ذرى الشجر
ما لي أرى الروض مكمودا وفي كرب
والماء في أنة والجو في كدر
ما لي أرى الورق تنعى وهي نادبة
فراق خل وتشكو لوعة الغير
نعم لقد سابق الأحياء أجمعها
وناب ذا اليوم مطروحا على العفر
من فقه الناس في علم وفي أدب
ونور الكل في شمس من الفكر
أبدى من الفضل ضوءا لا خبو له
والشمس شمس وإن غابت عن النظر
وإنه بحر علم لا قرار له
وقد حوى كل منظوم من الدرر
هذا الذي جابت الأقطار شهرته
قد صار مطرحا في أضيق الحفر
خنساء صخر بكته حينما نظرت
إليه ملقى بلا سمع ولا بصر
أقلام أهل النهى ترثيه وا أسفى
هل عاد من عودة يا مفرد البشر
مذ غاب شخصك هذا اليوم عن نظري
جادت عيوني بدمع سال كالمطر
فيا لدهر خئون لا ذمام له
قد راش سهما أصاب الفضل بالقدر
فحزن يعقوب لا يكفي لندبك يا
ندبا تفرد بالأجيال والعصر
ويلاه من حزن قلب نال غايته
مذ واصل القلب في غم مدى العمر
في لجة الحزن نفسي ضاق مسكنها
من ذا يسلي فؤادي قل مصطبري
واشتهرت مريانا بلطفها وخفة روحها وبحسن صوتها وجمال مغناها، وقد جعلت بيتها ناديا لأهل الفضل تجول معهم في مضامير العلم والأدب. سافرت مرة إلى أوروبا واطلعت على أخلاق الأوروبيين وعاداتهم عن قرب فاستفادت منهم كثيرا، ثم عادت إلى وطنها تبث بين بنات جنسها روح التمدن الحديث والأخلاق الصحيحة، وهي اليوم مريضة في حلب تلازم بيتها وحالتها يرثى لها، وقد وصفها مرة جبرائيل دلال بقصيدة جاوب بها من بيروت ابن أخته قسطاكي بك حمصي على قصيدة أرسلها إليه من بيت مريانا في حلب قال منها:
ولا أشتهي سواكم ولا أر
غب فيها من بعد تلك الوقائع
غير قرب الفريدة اللطف ذات ال
صوت والحسن والذكا والبدائع
ربة الفضل والفضائل مريا
نا التي ذكرها يسر المسامع
والتي زانها الكمال إذا زا
ن سواها الحلى وسدل البراقع
جرجي نقولا باز
صحافة أوروبا
الباب الأول
يشتمل على أخبار كل الصحف العربية
في أوروبا في الحقبة الثانية
1870-1892
الفصل الأول: وصف أحوال الصحافة الأوروبية بوجه الإجمال
كان للصحافة العربية في أوروبا شأن محترم في هذه الحقبة لا سيما بعد ارتقاء عبد الحميد الثاني إلى عرش الدولة العثمانية، فإن هذا السلطان المشهور بمظالمه بث العيون على الصحافيين الأحرار، وأراد أن يجعلها آلة صماء لتنفيذ مآربه، فلاذوا بأوروبا حيث العدالة رافعة لواءها؛ ليكونوا آمنين على حياتهم من شر هذا الطاغية الكبير، فعاشوا هناك ونشروا جرائدهم ليحاربوا دولة الظلم ويخدموا وطنهم المحبوب بالإخلاص ويمهدوا بحرية قلمهم للبلاد الشرقية سبيل الارتقاء إلى أوج الحضارة، وإثباتا لذلك نورد فقرة نشرها الأخ أنستاس ماري الكرملي صاحب مجلة «لغة العرب» البغدادية على صفحات مجلة «المسرة» اللبنانية في مقالة عنوانها «الصحافة في بغداد» ومنها تتضح حالة الصحافة العثمانية في عهد الاستبداد وهي:
كانت الصحافة في بلاد الدولة العثمانية في عهد الاستبداد منحطة غاية الانحطاط هاوية إلى أبعد دركة من التسفل، بل كان الصحافي عبارة عن رجل قد كم فمه، وعصبت عيناه، وغلت يداه وقيدت رجلاه، ونزع قلبه وفلج دماغه، لا حراك له حتى لم يبق له من البشرية إلا الصورة الظاهرة؛ لأنه ما كان يصدر منه أو من قلمه ما يدل على أنه رجل حر مفكر عامل لمنفعة أبناء جنسه، بل كل ما يدل على أنه آلة عجماء بيد قوم من الظلمة الفجار، وبقيت هذه الحالة ما ينيف على ثلاثة عقود من السنين حتى قيض الله لهذه الأمة المهضومة الحقوق أناسا ذوي همة علياء شماء ضربوا على أيدي أبناء الجور والاستبداد، فافتر من ورائهم للحال ثغر صباح الدستور، فأعلنت حرية المطبوعات، وتفتقت الألسنة بآلاء الحمد والشكر، ولألأ جبين الحق بنور الإخاء، وانقلبت الأمور إلى ما به خير العموم.
إن الأمور لها رب يدبرها
في الخلق ما بين تجميع ومفترق
قد يفرج الضيق يوما بعد أزفته
ويكتسي الغصن بعد اليبس بالورق
وكان معظم صحافيي العرب في أوروبا زهرة الأدباء العثمانيين أو المصريين لذاك العهد، وأكثرهم من المسيحيين المتخرجين في المدارس العالية أو المبرزين في حلبة المعارف كالدكتور لويس صابونجي وخليل غانم وزرق الله حسون وعبد الله مراش وجبرائيل دلال ويوسف باخوس وأديب إسحاق وميخائيل عورا ونعمان بك الخوري ومنصور جاماتي وسواهم، أما المسلمون فأشهرهم السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده المصري وإبراهيم المويلحي، ونذكر من الإسرائيليين الشيخ يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة.
فأخذوا ينشرون الجرائد العديدة التي جابت مشارق الأرض ومغاربها، بل لعبت دورا مهما في سياسة الشرق عموما، وكانت تلك الصحف تتكلم عن الأحوال السياسية بلا محاباة وترسل إلى القراء والمشتركين في تركيا بطريقة خفية حذرا من جور المأمورين وجواسيس عبد الحميد، وقد انحصر ظهورها في إنكلترا وفرنسا وإيطاليا، ومنها صحيفتان في جزيرة قبرص وصحيفة صدرت في جزيرة مالطا وكانت تنشر بلغة سكان هذه الجزيرة وهي مزيج من اللغة العربية العامية واللغة الإيطالية وغيرهما، وكانت تلك الصحف تطبع غالبا على الحجر لقلة العمال العارفين هناك بترتيب الحروف العربية في ذاك العهد. وفي الفصول التابعة نتكلم عن هذه الجرائد واحدة فواحدة لبيان مقصدها وكشف النقاب عن غايتها وغرض أصحابها، وبلغ مجموعها اثنتين وثلاثين صحيفة، منها ثمان في لندن وثماني عشرة في باريز وواحدة في «أنجه» بفرنسا وواحدة في نابولي وواحدة في «غلياري» من أعمال جزيرة سردينيا وواحدة في جزيرة مالطا واثنتان في قبرص.
الفصل الثاني: جرائد مدينة لندن ومجلاتها
آل سام
اسم لجريدة أسبوعية سياسية برزت عام 1872 لصاحبها رزق الله حسون الذي كان يرتب حروفها بنفسه ويطبعها على المكبس في بيته في قرية «وندسورث» بالقرب من لندن، وقد اخترع هو تلك الحروف وحفرها بأنواع الخطوط المختلفة التي تفوق بها وجهز بها مطبعته المعروفة بمطبعة «آل سام»، وكان قصده في إصدار هذه الجريدة مبنيا على أمرين كانا عنده من أهم الأمور وهما: أولا الاقتصاد المالي، وثانيا التقبيح في دولة الأتراك التي كانت تتلاعب بها أيدي السياسة الخرقاء؛ ولذلك أخذ يشوق الشرقيين إلى محبة روسيا التي كان يتمنى لها الاستيلاء على القسطنطينية، ولم يصدر من نشرة «آل سام» سوى أعداد قليلة؛ لأن منشئها كان يقلد الفرزدق في الهجو ويقدح قدحا مريعا بالأتراك ودولتهم.
مرآة الأحوال
جريدة أسبوعية سياسية أخلاقية ظهرت في 19 تشرين الأول 1876 لصاحبها رزق الله حسون الذي نشرها لإظهار الخلل السائد في تركيا، فكانت آية في الظرف وبلاغة الإنشاء وجودة الكتابة، وطبعت على الحجر بخط صاحبها المشار إليه، «وكان رزق الله حسون من رجال السياسة يسعى مع الأحرار في إصلاح تركيا، وذلك ما ألجأه إلى سكن لندن إلى آخر حياته.»
1
وقد جرى الاتفاق بينه وبين الدكتور لويس صابونجي على أن ينشئ الأول مقالاتها الأدبية ويترجم لها أهم الأخبار عن الصحف الإنكليزية، ويحرر الثاني فصولها السياسية، لكن الصابونجي افترق عن زميله بعد ظهور بعض أعداد منها لوفرة أشغاله، فاستعان حينئذ مؤسس الجريدة برجل أديب من وطنه يسمى عبد الله بن فتح الله مراش كان كاتبا في محل «فتح الله طرازي» التجاري بمانشستر، فتولى إنشاء المقالات السياسية فقط في صدر الجريدة وكان رزق الله حسون يكتب سائر موادها وينسخ بخطه الجميل كل فصولها على ورق مستحضر لينقل إلى الطبع على الحجر، ثم تركها عبد الله مراش في عامها الثاني لخلاف طرأ بينه وبين حسون الذي كان يغير بعض كتابات المراش عند نسخ الجريدة. واشتهرت «مرآة الأحوال» في كل الأقطار حتى إن عدد النسخ التي كانت تباع منها في لندن وحدها بلغ 450 على قلة الناطقين بالضاد؛ فتأمل. أما سبب تعطيلها فقد ذكره حسون في مقدمة مجلته «حل المسألتين الشرقية والمصرية» وهذا نصه:
ضاعف الله أيام السادة المشتركين في مرآة الأحوال وزاد بهجتهم ونضرتهم بكرمه ومنه إنه ولي كل إحسان. صدني وقاكم الله ضعف عن القيام بكتابة مرآة الأحوال ... وامتنع تصديرها بحروف الطباعة لما تقتضيه علاوة أضعاف النفقة الليتغرافية، ولم يواز دخل المرآة ربع نفقتها.
النحلة
مجلة مصورة كبيرة الحجم متقنة الطبع ظهرت بتاريخ 2 من شهر نيسان 1877 مرة في الأسبوعين لمنشئها الدكتور الفاضل لويس صابونجي الذي صدرها بهذه الأبيات:
يا بني الأوطان هبوا ما لكم
في رقاد عن نجاح واجتهاد
قد غرسنا جنة في أرضكم
وانتخبنا نحلة تجني المواد
شهدها فيه شفاء للورى
من أتاها نال منها ما أراد
وازدهت آدابنا في روضها
من قفير النحل شهد يستفاد
ضاء نور العلم فيها بعدما
مال جهل واستوى فيها السداد
رن في الآفاق عالي صوتها
من صداه قد دوى حتى الجماد
يجتني اليعسوب ما يحلو لكم
من مواد شأنها وصف البلاد
أكرم اليعسوب حتى مصحف
خصه الرحمن رشدا للعباد
اطلبوا منها رشادا للنهى
من جناني تجتني زهر الرشاد
حكمة في نزهة في لذة
يستقي من وردها صاد وغاد
الدكتور لويس صابونجي؛ صاحب «النحلة» وجريدتي «الاتحاد العربي» و«الخلافة» في إنكلترا؛ رسمه عندما قابل ناصر الدين شاه إيران.
وهي المجلة التي أسسها على أنقاض مجلته البيروتية المعروفة بهذا الاسم ونقش على غلافها هذه العبارة: «النحلة الأدبية رأت التصاوير البهية تهدي العقل شهد العلم وهو يتبصر في حقائقه بالنور الطبيعي.» وقد نشرها أولا في اللغة العربية ثم في العربية والإنكليزية معا حتى بلغت عامها الرابع وعطلها لأسباب. وتعد «النحلة» من أرقى المجلات وأحسنها بتعدد مواضيعها وإتقان رسومها وسهولة عباراتها، لا سيما في ذلك العهد الذي كانت فيه مجلاتنا العلمية في عهد الطفولة، وكل من طالع أجزاءها لا يتمالك من الإقرار بفضل صاحبها العلامة الذي أحاط بجميع أنواع العلوم إحاطة السوار بالمعصم، وزين الصحافة العربية بنفثات قلمه التي جابت الخافقين واشتهرت في العالمين، وحسبنا برهانا على سمو منزلة هذه المجلة أنها لم تترك بابا من أبواب العلوم القديمة والحديثة إلا طرقته وجالت في مضماره وهي: الآثار العتيقة والتاريخ والجغرافية والأدب واللغة والنبات والمعادن والفلسفة والفلك والرياضيات والطب والطبيعيات والكيميا والآلات والزراعة والصناعة والتجارة والاكتشافات العصرية والاختراعات العقلية وغيرها، وأضاف إليها كل ما جد وجل من أخبار الدنيا وحوادثها مما يتشوق إلى معرفته الناطقون بالضاد بعد التحري بسبر غثها من سمينها، وانتقاد صحيحها من فاسدها، وعانى الدكتور لويس صابونجي تعبا جزيلا في سبيل مجلته التي أنشأها في ظل الدولة الإنكليزية لعلمه «بأن زهر المعارف لا يجنى إلا في رياض الحرية وربيع السلام وربوع الأمان.» كما قال في فاتحة العدد الأول.
وبين الذين عضدوا الدكتور صابونجي لنشر مجلته نذكر: إسماعيل باشا خديو مصر، والسيد برغش سلطان زنجبار، وأحمد علي خان نواب رمبور، والسير «سالر جنك» وصي «النظام» حاكم حيدر آباد ووزيره الأعظم، وقاسم باشا الزهير البغدادي، والدكتور جرجس باجر، والدوق «أف وستمنستر » واللورد «شافتسبري» والسير «موسى منتيفيوري» ومستر «داود ساسون» والسير «ويليام ماكينن» وغيرهم من أعاظم الرجال. وقد قرظت أمهات الجرائد الإنكليزية الكبرى مجلة النحلة بما تستحقه من الثناء كما هو مسطر على صفحات كتاب «حر عثمانلو» والعدد الأول من جريدة «النحلة» المطبوعة عام 1895 في القاهرة، وممن قرظها قيصر أبيلا بقوله:
ألا حبذا القوم الكرام الألى لهم
على وطن من خير أفضالهم فضل
عليهم ثناء لا يزال مؤبدا
يطيب كما طاب الذي جنت النحل
فأكرم بمن من روض أفكارهم لنا
جنى نحلة يخلو وأثمانه تغلو
تطيب لنا مما حوته فوائد
وأعذب شيء ما يلذ به العقل
وقد قرظها أيضا جرجس بن إسحاق طراد بهذه الأبيات:
هي نحلة من كل فن قد جنت
وجلت عن التاريخ ما هو مظلم
هبوا بني الأوطان واجنوا شهدها
قد حان آن قطافه والموسم
وشى صحائفها جليل ماجد
في وصفه الأوطان تزهو وتبسم
حل المسألتين الشرقية والمصرية
هي أول مجلة شعرية ظهرت في اللسان العربي بعناية مؤسسها رزق الله حسون الذي نشرها عام 1879 مرتين في الشهر، وكانت تتضمن البحث في سياسة مصر خصوصا والشرق الأدنى عموما، وقد عاشت نحو السنة فبلغ مجموع صفحات أجزائها أكثر من ثلاثمائة صفحة، وكانت تطبع بقطع الثمن على قرطاس رقيق جدا جدا حتى يسهل إرسالها إلى المشتركين ضمن ظروف مختومة كرسائل البريد ولا تصير مصادرتها من الدولة العثمانية؛ لأن المجلة كانت تحتوي على قصائد مشحونة بالهجو الفظيع في حق رجال الحكومة العثمانية لا سيما مختار باشا الغازي الذي انكسر من الجيوش الروسية في القرص. وكانت مكتوبة بيد منشئها ومطبوعة على الحجر كسائر الصحف التي نشرها حسون في عاصمة الإنكليز، وتعطلت عام 1880 بوفاته؛ إذ فاجأته المنية ليلا في قطار السكة الحديدية بينما كان سائرا من بيت أحد أصحابه السوريين المقيمين في لندن إلى داره التي كانت بشارع «ألفا ترس»
Alpha Terrace
في قرية وندسورث، وفي الغد شق الأطباء صدره ليعلموا سبب موته فوجدوا قلبه محفوفا بمواد كثيفة شحمية، فحكموا على موته بسكتة القلب من شدة الاضطراب الذي استولى عليه في تلك الليلة؛ لأنه بقي إلى نصف الليل مع أصحابه من أبناء العرب يرغو ويزبد ويشتد غيظا على الأتراك ويطعن فيهم، وقد أنشدهم قصيدته التي هجا بها الغازي مختار باشا ومطلعها:
هل أتاكم بأن مختار غازي
أصبح اليوم وهو محتار باشا
بات مثل البرغوث أو قملة مفرو
كة قصعت بلحية باشا
الخلافة
صحيفة سياسية أنشئت في كانون الثاني 1881 في أربع صفحات مخطوطة بيد صاحبها الدكتور لويس صابونجي ومطبوعة على الحجر أيضا، فجعل شعارها «حرية واستقلال ونجاح وإقبال»، ثم افتتحها بهذه الآية
لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ، وقد تبرع بعض المتمولين في إنكلترا برأس مال قدره عشرة آلاف جنيه لنشر هذه الجريدة التي لم نشاهد قط أكثر منها جرأة وأنطق لسانا وأشد لهجة في تشخيص أمراض الدولة العثمانية ونشر الحقائق الجارحة عن السلطان ووزرائه، وكانت في الوقت ذاته تترجم إلى اللغات التركية والفارسية والهندية تعميما لفوائدها في جميع الأقطار الإسلامية، ومن أهم مقالاتها التي تستحق الذكر هي: «مسألة الخلافة والمسلمون» ثم «الخلافة في آل عثمان» وكذلك «حي على الاستقلال أيها الأبطال» ومنها «الخلافة والقانون الأساسي» إلخ، فلما اطلع عليها موزوروس باشا سفير تركيا في لندن بعث ببعض نسخ منها إلى السلطان عبد الحميد الثاني ليقف عليها، فاضطرب السلطان لذلك وارتعش فؤاده خوفا من سوء العاقبة ثم أرسل أمرا إلى السفير بأن يقنع منشئ الجريدة ويلاطفه ويطمعه بالمال لإبطالها؛ فاستدعاه موزوروس باشا إليه وكلمه مليا بهذا الشأن، فأبى الدكتور صابونجي أن يذعن لإرادة السفير مصرا على إصدار الجريدة؛ لأن أمراء المسلمين كانوا يعضدونه في هذا السبيل، وقد احتجبت «الخلافة» عندما أبدلها منشئها بجريدة «الاتحاد العربي» التي سيأتي وصفها.
الغيرة
نشرة سياسية نصف شهرية ذات صفحتين أصدرها في 10 شباط 1881 رجل هندي يسمى عبد الرسول كان يتردد على السفارة العثمانية للاستعطاء، فأوعز إليه موزوروس باشا بإنشائها وأمده بالمال لدحض مقالات جريدة «الخلافة» المشار إليها، وكان عبد الرسول قليل المعارف قاصر البصر والبصيرة ذا عين واحدة نحيف الجسم قد أكل الجدري وجهه، وكان عمر جريدته قصيرا بحيث لم يصدر منها سوى تسعة أعداد مكتوبة بعبارة ركيكة ومطبوعة بحرف دقيق، فلما شاهد السفير العثماني أن «الغيرة» لا تفي بالقصد الذي أنشئت لأجله قطع المدد النقدي عن عبد الرسول وتوقفت النشرة عن الظهور.
الاتحاد العربي
صحيفة سياسية أسبوعية أصدرها في عام 1881 الدكتور لويس صابونجي أيام كان مرتبطا ومشتغلا بسياسة مصر في عهد عرابي باشا، وكان القصد من نشرها اتحاد الناطقين بالضاد وتأليفهم عصبة واحدة على الأتراك في جميع البلاد العربية، ولكن لما شاهد أن الفساد قد دق عظم العرب ولا أمل باتحاد كلمتهم أهمل إصدار الجريدة بعد ظهور العدد الثالث منها، وكانت هيئتها شبيهة بهيئة جريدة «الخلافة» المار ذكرها من جهة الحجم والطبع وبلاغة الإنشاء وشدة الانتقاد واختيار المواضيع المختلفة.
النحلة
جريدة أسبوعية صدرت بتاريخ 26 نيسان 1884 لصاحبها الدكتور لويس صابونجي، غرضها البحث في سياسة بريطانيا العظمى بالقطر المصري والسودان والهند الشرقية، وشعارها هي الآية الواردة في سفر أرميا النبي (46، 5) القائل: «مصر عجلة سمينة يأتيها الخراب من الشمال.» وفي الأعداد الأولى من هذه الجريدة ورد مطبوعا تحت عنوانها قول الخليفة عمر بن الخطاب وهذا نصه: «مصر تربة غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر، يكنفها جبل أغبر، ورمل أعفر، يخط وسطها نهر ميمون الغدوات، مبارك الروحات.»
ولما كانت المطابع العربية في إنكلترا نادرة الوجود ومرتبو الحروف بطيئي الشغل لجهلهم هذه اللغة اقتضى إصدار النحلة مكتوبة بخط يد منشئها مطبوعة على المطبعة الحجرية حتى يتيسر تتبع الحوادث أسبوعا فأسبوعا، وقد لزم الدكتور لويس في أكثر مباحثه حدود النقل عن الجرائد الإنكليزية وتعريب خطب رجال المجلس النيابي البريطاني بدون تعرض أو تنديد بأعمال الرجال، بل ترك الأمر للقارئ أن يبرم فيه الحكم كما شاء، وكان في كل كتاباته لا يكترث لحث الناس على التعصب لدين من الأديان أو التشيع لحزب من الأحزاب، لكنه اقتصر على ذكر جوهر الحوادث السياسية التي تهم المصريين خاصة والشرقيين قاطبة. ولصاحب «النحلة» مقالات جليلة دافع بها عن حقوق أبناء وادي النيل مقبحا سياسة الإنكليز، وأخصها رسالتان على جانب عظيم من الأهمية بعث بهما في 11 آب 1884 إلى غلادستون رئيس وزراء إنكلترا واللورد غرنفيل وزير خارجيتها، وإذ رأى غلادستون أهمية الرسالة المرفوعة إليه أوعز إلى كاتم سره بإرسالها إلى اللورد نورثبروك المعتمد الإنكليزي الخارق العادة في مصر للتدقيق في مضمونها. وبالجملة فإن هذه الجريدة المعتبرة لعبت دورا كبيرا في سياسة الشرق لذاك العهد ونالت إقبالا وشهرة عظيمين.
الفصل الثالث: أخبار مجلات باريس وجرائدها
الصدى
هو عنوان لصحيفة سياسية أسبوعية أنشئت عام 1877 بأمر حكومة فرنسا، وقد جعلتها الجمهورية الفرنسية لسان حالها ترويجا لمصالحها السياسية والتجارية والاقتصادية في البلاد التي ينطق سكانها بالضاد لا سيما في الشرق الأدنى، وعهدت بتحرير فصولها إلى الكاتب الشهير جبرائيل بن عبد الله دلال الحلبي ترجمان وزارة المعارف في باريس، فقام بهذه المهمة خير قيام لكنه لم يكن يكتب فيها ما يريد، بل ما يراد بإيعاز الوزارة المشار إليها. وقد تعطلت في العام الثاني من عمرها؛ لأن منشئها سافر إلى القسطنطينية بدعوة من الصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي لإنشاء جريدة «السلام» في عاصمة آل عثمان.
جرائد أبي نظارة
للشيخ يعقوب صنوع (جمس سانوا) المعروف بأبي نظارة جريدة هزلية أسبوعية عنوانها «أبو نظارة زرقاء» نشرها عام 1877 في وادي النيل، فكانت سببا لنفيه من مصر بأمر الخديو إسماعيل باشا؛ لأن سياسته كانت شديدة اللهجة، غير أن النفي لم يؤثر فيه ولم يغير شيئا من مبادئه بل ضاعف همته لخدمة مصالح بلاده، فلجأ إلى باريس حيث أصدر جريدة «رحلة أبي نظارة زرقاء» التي أعاد فيها الكرة على إسماعيل باشا منتقدا أعماله بجرأة عظيمة ظاهرها هزل وباطنها جد، صدر منها ثلاثون عددا أولها في 7 آب 1878 وآخرها في 13 آذار للسنة التابعة، فكان يتلقاها أنصارها بما تستحقه من الاعتبار ويتهافتون على مطالعتها بما لا يوصف من اللذة والإقبال في المدن والأرياف شرقا وغربا، وكانت مباحثها تتناول المحاورات الظريفة والنوادر اللطيفة والمواعظ المفيدة والمقالات السديدة مكتوبة باللغة العامية المصرية، وكان يطبع منها في كل أسبوع ستة آلاف نسخة، بل أكثر من ذلك حتى بلغ في بعض الأوقات 15 ألف نسخة، وهذا العدد نادر جدا في الصحف العربية التي ظهرت إلى الزمان الحاضر.
ثم أعاد في 21 آذار 1879 للجريدة اسمها الأول الذي عرفت به في مصر وهو «أبو نظارة زرقاء» ونشرها مزينة بالرسوم في اللغتين العربية والفرنسية، غير أنه اضطر إلى استبدالها مرارا بأسماء جديدة؛ لأن الحكومة المصرية اشتدت في إعنات من تصل إليهم الجريدة في وادي النيل، ولذلك أنشأ في مدة أربع سنين ست صحف أخرى مختلفة الأسماء وهي: «النظارات المصرية» في 16 أيلول 1879، ثم «أبو صفارة» في 4 حزيران 1880، ثم «أبو زمارة» في 17 تموز 1880، ثم «الحاوي» في 5 شباط 1881، ثم «أبو نظارة» في 8 نيسان 1881، ثم «الوطني المصري» في 29 أيلول 1883 وغيرها من الصحف التي سيرد ذكرها في الحقبة الثالثة من تاريخ الصحافة. وفي سنة 1886 أنشأ جريدة «الثرثارة المصرية» أو «البافار إجبسيان» بثماني لغات شرقية وغربية.
فتح الله بك خياط؛ شيخ شعراء حلب وناشر المقالات الإصلاحية والقصائد الرنانة في جريدتي «أبي نظارة» و«تركيا» وغيرهما من الصحف السيارة.
وكان يعقوب صنوع يطعن على صفحات جرائده في الاحتلال الإنكليزي بوادي النيل ولا يخشى من المناداة بأعلى صوته «مصر للمصريين»، فلما أطلقت الحرية للمطبوعات المصرية أبطلت الحكومة تشديدها على جرائده، فاستأنف إصدار جريدة «أبي نظارة» جاعلا شعارها «سعادة الشعوب في صفاء القلوب» حتى بلغت عامها الرابع والثلاثين وتعطلت بداعي مرض منشئها وضعف بصره، فودع الصحافة في 31 كانون الأول 1910 بعدما خدم الحرية في مصر، وكان أول من رفع لواءها في عصر الاستبداد، وكانت جرائد أبي نظارة تنشر كثيرا من المقالات السياسية والفصول الفكاهية والقصائد الرنانة بقلم مشاهير الكتبة كالسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وفتح الله بك خياط والسيد عبد الله نديم وأحمد سمير وإبراهيم اللقاني وسواهم. ونختتم أخبارها بقصيدتين نفيستين نظمهما فتح الله بك خياط شيخ شعراء حلب في هذا العصر تبريكا ليعقوب صنوع ببلوغه اليوبيل الخمسيني في عام 1905 لحياته الصحافية وهما:
تهاليل اليوبيل
باريس يا جنة النعمى لمطلب
يا بهجة الكون بل يا آية العجب
بك العواصم قد باهت مفاخرة
فتيهي فخرا على السيارة الشهب
واستبشري بسنى يوبيل شاعرنا
سنوا الذي به عزت دولة الأدب
هذا هو السيد الميمون طالعه
يتيمة الدهر صنو العز والحسب
تالله ما سمعت أذني ولا نظرت
عيني نظيرا له في السادة النجب
يمم حماة تجد بحرا لمغترف
زهرا لمقتطف ذخرا لمصطحب
نعم الصديق الذي يشقى العدو به
فمن يعاديه في الدنيا ولم يخب
كم كربة نفست للصحب همته
فحقه أن يسمى كاشف الكرب
وكم خطوب عن الأوطان زحزحها
لا بالصفائح بل بالصحف والخطب
ذو همة مثل وري الزند لو لمست
موج الخضم لأمسى الموج في لهب
أثيل مجد تسامى في الورى كرما
مورثا بالتوالي عن أب فأب
فلا نقسه بمن رام اللحاق به
كلا وكيف يقاس الرأس بالذنب
عمت فواضله فاحت فضائله
حاكت شمائله ضربا من الضرب
فالعلم زينته والحزم شيمته
والحلم حليته لا حلية الذهب
يا من يحاول جهلا أن يماثله
دع عنك هذا ولا تغتر بالكذب
ليس العصي كحد السيف نحسبها
شتان بين صقيل العضب والقضب
إن الصحافة قد عزت به وغدت
تميل عجبا كميل الشارب الطرب
وسل إذا شئت عن آثاره فلقد
ضاقت بذاك بطون الصحف والكتب
له أشارت فرنسا وهي قائلة
يا بوسوي العصر يا علامة العرب
فذاك لو سمعت أذناه منطقه
أقر طوعا لهذا الجهبذ العذبي
أكرم بمملكة بالعلم عامرة
حازت بسنوا الفتى ما عز من أرب
إذ زانها من سنى تاريخه درر
والعز نالته في يوبيله الذهبي
1905
تفاؤل المادح الصادح
حجت علاك عرائس الأطراس
وتلت ثناك نفائس الأنفاس
ورأى الكرام مروءة وفريضة
تخليد ذكر الفضل بين الناس
جعلوا لك العيد المذهب موسما
يزري بخير مواسم الأعراس
سموك شاعر ملكهم لو أنصفوا
سموك ملك الشعر والقرطاس
أنفقت نصف القرن في فن الصحا
فة لا تبالي فيه صعب مراس
ما اعتل بين الخلق خلق مفسد
إلا غدوت له الطبيب الآسي
ورد الورى من عذب علمك مشرعا
طهرت مجاريه من الأدناس
وسقيتهم ماء طهورا صافيا
أنساهم معنى حميا الكاس
شهدت لك الأعراب والأعجام بال
آداب والحلم الرسيس الراسي
لك في القلوب منازل مرفوعة
وبصدر أندية العلوم كراسي
مولاي إني عن مديحك قاصر
لكنني للفضل لست بناس
أدعو بحفظك في الليالي هاجدا
وأكرر الدعوات في الأغلاس
يهناك عيدا أنت بهجة أنسه
وببرد مجدك وارتقائك كاس
وحييت أرغد عيشة متزملا
من نسج عافية بخير لباس
وبقيت تحرز رفعة أرخ سمت
حتى تشاهد عيدك الألماسي
مصر القاهرة: مجلة وجريدة
هو عنوان لمجلة سياسية شهرية شعارها «حرية - مساواة - إخاء» ظهرت بتاريخ 24 كانون الأول 1879 في 16 صفحة لمنشئها أديب بك إسحاق، وقد أسسها على أنقاض جريدة «مصر» التي كانت تصدر في وادي النيل لنشر ما يعود بالنفع على البلاد العربية، وصدرها بهذه العبارة: «ما تغيرت الحقيقة بتغير الرسم ولا تغيرت الصحيفة بتغير الاسم، بل هي مصر خادمة مصر.» أما خطتها فقد صرح بها أديب إسحاق في أول عدد برز من صحيفته قال:
على أني لا أقصد الانتقام وإنما أروم مقاومة الباطل ونصرة الحق والمدافعة عن الشرق وآله وعن الفضل ورجاله، فمسلكي: أن أكشف حقائق الأمور ملتزما جانب التصريح متجافيا عن التعريض والتلميح، وأن أجلو مبادئ الحرية وآراء ذوي النقد، وأن أبين ما يظهره البحث من عواقب الحوادث ومقاصد أهل الحل والعقد، وأن أوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا «أولي الأمر»، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما «أمناء الأمة»، ومفاسد الظلمة الذين نلقبهم جهلا «ولاة النظام»، وأن أعين واجبات الإنسان الشرقي بالنسبة إلى نفسه وإلى قومه وإلى بلاده وما يقابل تلك الواجبات من الحقوق. ومقصدي: أن أثير بقية الحمية الشرقية وأهيج فضالة الدم العربي، وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين وأحيي الغيرة في قلوب العارفين، ليعلم قومي أن لهم حقا مسلوبا فيلتمسوه ومالا منهوبا فيطلبوه، وليخرجوا من خطة الخسف وينبذوا عنهم كل مولس يشتري بحقوقهم ثمنا قليلا ويذيقوا الخائنين عذابا وبيلا، وليستصغروا الأنفس والنفائس في جنب حقوقهم، وليستميتوا في مجاهدة الذين يبيعون أبدانهم وأموالهم وأوطانهم وآلهم من الأجانب بما يطمعون فيه من رفعة المقام، فمن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن عاش بعد أولئك الشهداء فهو سعيد.
وقد كتب فيها فصولا متناهية في البلاغة وحاوية من آثار حدة المزاج ما دفعه إليها نزق الشباب، وكثيرا ما ندد بسياسة رياض باشا رئيس الوزارة المصرية فحمل عليه وعلى سياسة الدول الأوروبية في وادي النيل حملات شديدة، ثم حول المجلة إلى جريدة أسبوعية ولكنها قبل بلوغها الحول الأول من العمر أصيب أديب بعلة الصدر فزايل باريس عائدا إلى وطنه، وكانت هذه الصحيفة تصدر مطبوعة على الحجر ومكتوبة بخط يد منشئها أو بخط عبد الله مراش الحلبي المشهور بالأدب وجودة الكتابة. وإليك ما كتبه عنها الدكتور لويس صابونجي في مجلة النحلة في لندن (عدد 10، سنة 3) قال:
ورد إلينا العدد العاشر من جريدة حرة سياسية اسمها «مصر القاهرة» قد أنشأها صديقنا الفاضل اللبيب أديب أفندي إسحاق بحاضرة باريس الزاهرة، وهي نشرة بديعة المعاني فصيحة المباني قد حوت مقالات غراء يستفاض فيها، وقد عمل الفكرة منشئها أعزه الله في تزيين عمدها بنبذات بارعة يستفز بها همة الشرقيين إلى النهوض من سقطة الخمول والانتباه من سنة الغفول والاعتصام بحبال النخوة العربية، والاعتياض عن التقاعد وصرف الزمان الثمين سدى بتجريع قلوبهم وإجماع كلمتهم المتفرقة والذب عن مصالح أوطانهم. وقد تحرينا إثبات شذرة من مقالاته البديعة في عمد النحلة على سبيل الأنموذج ليتفكه بها أبناء المشرق، ويتفقه بها من يود أن يفرق.
الحقوق
اسم لجريدة حرة أسبوعية شعارها «الجريدة الحرة مقدمة حامية الوطن» أسسها في 16 نيسان سنة 1880 ميخائيل بن جرجس عورا للدفاع عن حقوق الشرق، وقد سلكت نهج الاعتدال في كل كتاباتها التي تدل على وجدان طاهر وإخلاص تام في خدمة مصالح البلاد العربية، وكانت هذه الصحيفة قويمة المبدأ بليغة العبارة كثيرة المباحث مرتبة المواد يكتبها منشئها بخطه الجميل ثم يطبعها على الحجر، وكان يرسلها ضمن غلافات مختومة إلى المشتركين في السلطنة العثمانية حتى تصل إليهم بطريقة مأمونة، فكان القراء يتهافتون على مطالعة أنبائها، لما هو معهود بصاحبها من المقدرة الصحافية وذكاء القريحة وغزارة المعارف لا سيما في الشئون القضائية، وبعدما عاشت نحو السنة احتجبت عن الظهور لسفر ميخائيل عورا إلى وادي النيل حيث خدم الصحافة في بعض الجرائد والمجلات التي سيأتي ذكرها في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
الاتحاد - الأنباء - الرجاء
الاتحاد هي جريدة أسبوعية سياسية أنشأها إبراهيم بك المويلحي سنة 1880 انتقاما من الدولة العثمانية وبيانا لمساوئ رجالها، فما كادت تظهر لعالم الوجود حتى تعطلت وأبدلها صاحبها بنشرة عنوانها «الأنباء»
2
ثم بصحيفة ثالثة تسمى «الرجاء»، وكانت تضرب قاطبة على وتر واحد، وقد توقفت هذه الجرائد بعد صدورها بزمن قليل؛ لأن منشئها كان ينشرها لغرض في النفس فإذا ناله عطلها، ولهذا سعى سفير تركيا لدى حكومة فرنسا في طرده من بلادها ففعلت، وقد كتب أحمد فؤاد صاحب جريدة «الصاعقة» في القاهرة يصف إبراهيم المويلحي وجرائده قال: «وكل جريدة بينها من اختلاف الرأي ما بين الروافض، ومن البعد في الفكر ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.»
3
البصير
جريدة أسبوعية حرة تشتمل على وقائع الشرق والغرب أنشئت في 21 نيسان 1881 لصاحبها خليل غانم، وكانت مباحثها تتناول شئون السياسة والأدب والاقتصاد والحكمة بأسلوب حسن لمنفعة الناطقين بالضاد، وقد استهلها منشئها مستغيثا بالعزة الصمدانية بقوله:
عليك كل اعتمادي أيها الصمد
قد فاز عبد على مولاه يعتمد
فضل الله دباس؛ أحد مؤسسي جريدة «البصير» في باريس.
وكان غمبتا رئيس وزارة فرنسا لذاك العهد أكبر عضد لها؛ لأنه عين راتبا شهريا قدره 2000 فرنك من خزينة دولته لأجل القيام بنفقات الجريدة المذكورة، وقد صدر عدداها الأولان بقلم مؤسسها وشريكه فضل الله بن خليل دباس البيروتي الذي انتقل إلى رحمة مولاه في 12 تشرين الأول سنة 1912 في الإسكندرية، وكان فضل الله دباس من أذكياء بيروت وقد نال وسام «الافتخار» من محمد الصادق باشا باي تونس، ثم دعي لتحرير «البصير» يوسف باخوس اللبناني صاحب جريدة «المستقل» في غلياري، فكتب فيها سنة كاملة حتى عاد إلى وطنه انتجاعا للعافية من داء أصيب به، ثم خلفه في التحرير نعمان الخوري اللبناني الذي توفي بتاريخ 15 آب 1910 في طنجة بعدما عهدت إليه فرنسا وظائف مهمة كان آخرها قنصلية مراكش، وقصدت فرنسا بإنشاء «البصير» تأييد نفوذها والدفاع عن مصالحها في الإمارة التونسية وتمهيد السبل لإعلان حمايتها على تلك البلاد. وكان عبد الحميد الثاني مستاء من خطة هذه الجريدة الحرة؛ لأنها كانت تضرب بعصا من حديد على أيدي الخائنين من رجال تركيا وتبين لهم وجوه الإصلاح لخير السلطنة؛ ولذلك طلب السلطان المشار إليه مرارا من فرنسا إلغاء جريدة «البصير» للنجاة من انتقاداتها المتوالية، لكن مساعيه ذهبت أدراج الرياح حتى حل القضاء المحتوم بالوزير غمبتا، فقطع الراتب عن الجريدة التي عاشت إلى أواخر سنتها الثانية.
كوكب المشرق
صحيفة سياسية أنشأها رجل فرنسي عام 1883 بعد احتجاب جريدة «البصير» المار ذكرها، وكانت تنشر في مطبعة
Charles Blot
ويحررها عبد الله بن فتح الله مراش الحلبي، وقد تولى ترتيب حروفها جرجي مكر الدمشقي صاحب المطبعة التجارية حالا في بيروت، فسعى منشئها مرارا في أن ينال لجريدته راتبا شهريا على مثال جريدة «البصير» من الحكومة الفرنسية فلم يفلح، ولذلك اضطر إلى تعطيلها في السنة التابعة؛ لأن وارداتها كانت غير كافية لسد نفقاتها، وكانت مباحث «كوكب المشرق » تتناول حوادث الكون عموما ولا سيما الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
العروة الوثقى
لا انفصام لها
Le Lien Indissoluble
أحمد باشا المنشاوي؛ صاحب اليد البيضاء على جريدة «العروة الوثقى» وأحد مؤسسيها.
جريدة سياسية أدبية أسبوعية أنشئت في 13 آذار 1884م/15 جمادى الأولى 1301ه لمدير سياستها السيد محمد جمال الدين الحسيني الأفغاني ومحررها الشيخ محمد عبده المصري، وهي بليغة العبارة كثيرة المباحث تعد الحجر الأول لأساس النهضة الإسلامية الحديثة بما كانت تنشره من المقالات الرنانة تعزيزا للإسلام وتنديدا بالسيطرة الإنكليزية في الهند ومصر، وقد صدر من هذه الجريدة ثمانية عشر عددا آخرها في 16 تشرين الأول 1884 فحالت الموانع دون الاستمرار في نشرها حيث صادرتها حكومة إنكلترا ومنعت دخولها إلى الهند وسائر البلاد التي لها فيها نفوذ. وكانت لسان حال جمعية بهذا الاسم تأسست في مدينة الإسكندرية في أوائل عهد الخديو توفيق الأول للدعوة إلى الجامعة الإسلامية، ويقال إن إبراهيم بك المويلحي نشر على صفحاتها شيئا من نفثات قلمه.
راعت في جميع سيرها تقوية الصلات العمومية بين الشعوب الإسلامية وتمكين الألفة في أفرادها، وتأييد المنافع المشتركة بينها والسياسات القويمة التي لا تميل إلى الحيف والإجحاف بحقوق الشرقيين، فكانت تطبع بنفقة إسماعيل باشا خديو مصر سابقا وغيره من أمراء العرب والهند وأغنيائهم وأعيانهم، وفي مقدمة الذين ساعدوا على انتشارها وأمدوها بالمال أحمد باشا المنشاوي صاحب المبرات الشهيرة والمثري الكبير في وادي النيل، وكانت ترسل إلى جميع الجهات ولكل من يطلبها مجانا بدون مقابل ليتداولها الأمير والحقير والغني والفقير، وقد عينت أجرة للبريد خمسة فرنكات في السنة لمن تسمح به نفسه، وإليك ما ورد عنها في كتاب «العروة الوثقى» المطبوع في بيروت بالحرف الواحد:
تلك الجريدة التي لم تقو حرية أم الحرية «إنكلترا» على احتمالها واتساع صدرها لها في حين أنها وسعت أكثر الجرائد حرية وأكثرها تطرفا، فمنعتها من الهند ومصر والسودان واستصدرت الأوامر بمنعها عن سائر البلاد التي لها فيها نفوذ أو تطمح إلى أن يكون لها ذاك النفوذ، تلك الجريدة التي لم يكف إنكلترا منعها من تلك البلاد؛ لأن أشعة نورها كانت وهاجة تخرق الحجب وتنفذ الأغشية وتدخل إلى أعماق القلوب، فاستعملت الوسائل لمحوها من عالم الوجود وإطفاء نورها الذي كان يبدد ظلمات الاعتساف، تلك الجريدة التي تعد أم الجرائد الحاضرة على الإطلاق والتي لم يزل الناهضون من بني الشرق يسيرون في دعوتهم إلى النهوض على أثرها.
الشمس
جريدة أسبوعية سياسية أدبية ظهرت في 22 شباط 1885 لمديرها سليم قويطة ومحررها الياهو ساسون وهما من أبناء تونس الإسرائيليين، وهذه الجريدة مؤلفة من أربع صفحات كان يطبع نصفها بحرف عربي، أما النصف الآخر فكان يطبع بحرف عبراني وعبارة عربية لا تختلف بشيء عن عبارة النصف الأول سوى بصورة الحروف، وهي أول جريدة من نوعها وشكلها برزت في لسان الناطقين بالضاد، وغرضها نشر حوادث المملكة التونسية والدفاع عن مصالح شعبها الوطني بعد إعلان الحماية الفرنسية عليها، فكان طبعها متقنا لكن عبارتها ركيكة وخالية من مسحة البلاغة في الإنشاء، وإليك على سبيل المثال فقرة وردت بعنوان «الروسيا والأفغان» في عددها التاسع الصادر في 26 نيسان 1885 وهي:
إن المسألة الأفغانية قد عظمت الآن وصارت في أصعب حال، وإن كلا من الطرفين متعصب لجهة الأخرى وإن الحرب قريبا للظهور، وقد أقلقت الناس هذه الخبرية، وكدرت سامعيها، إنما قيل أيضا في هذا الأسبوع: إن دولة ألمانيا مستعدة للمواسطة بين الدولتين، وإن من الأمل أن تصلح الأحوال بينهما ولكن قولا فقط ولم يظهر شيء بالعملية.
الفصل الرابع: أخبار الصحف العربية في فرنسا خارجا عن باريس
الشهرة
جريدة سياسية أدبية علمية تجارية مصورة صدرت بتاريخ غرة آب سنة 1888 بهيئة مجلة كبيرة الحجم لمنشئها المسيو بوردين صاحب «مطبعة اللغات الشرقية» ومحررها منصور جاماتي، فكانت تصدر نصف شهرية بمدينة أنجه
Angers
في فرنسا مزينة برسوم بديعة، وهي حسنة الأسلوب متقنة الطبع على ورق صقيل بالحرف القسطنطيني وطافحة بالمباحث الجليلة والروايات المفيدة والأخبار الصحيحة، ومن أهم فصولها التي تستحق الذكر المخصوص «فن الاقتصاد السياسي» بقلم خليل غانم، ومن أحسن رواياتها رواية «ذات الخدر» تأليف سعيد بن راشد البستاني اللبناني وغير ذلك. ومن الرسوم التي نشرت فيها صورة السلطان عبد الحميد الثاني وكرنو رئيس جمهورية فرنسا وعلي باي تونس وتوفيق الأول خديو مصر، ومنها منظر مدينة الجزائر ومدينة تونس وبيرسة القديمة وبرج إيفل وقفصة وموانئ قرطاجنة، وخلاصة القول أن «الشهرة» كانت من أرقى جرائد ذاك العهد واحتجبت في نهاية الحول الأول من عمرها بعد صدور أربعة وعشرين عددا منها.
ولد منصور بن حبيب جاماتي سنة 1846 في قرية «عين طورا» بلبنان وتلقى العلوم في مدرستها الشهيرة بإدارة المرسلين اللعازريين، فنال شهادتها العالية إذ أحكم معرفة لغات شتى وفنون كثيرة جعلته في مقدمة النابغين من تلامذة المدرسة المذكورة، وبعد ذلك تولى التدريس مدة من الزمان في «مدرسة المحبة» في قرية عرامون، ثم سافر إلى وادي النيل حيث دخل مع يوسف أخيه البكر إلى مدرسة «قصر العيني» الطبية في عهد الخديو إسماعيل، فخرج منها قبل إتمام دروسه وتعين أستاذا للترجمة في «مدرسة المهندسخانة» في القاهرة، وفي عام 1887 سافر إلى فرنسا وأصدر جريدة «الشهرة» في مدينة أنجه فعاشت عاما واحدا، ثم انتقل إلى باريس واقترن فيها بفتاة فرنسية وأخذ يتعاطى مهنة بيع الكتب وتعليم اللغة العربية.
الفصل الخامس: أخبار الجرائد العربية في إيطاليا
الخلافة
صحيفة أسبوعية سياسية دينية صدرت عام 1879 باللغتين العربية والتركية في مدينة نابولي، وقد نشرها إبراهيم بك المويلحي لما سافر بصفة كاتب لإسماعيل باشا بعد خلعه من سرير الخديوية المصرية، فأراد بذلك إظهار إخلاصه لمولاه الخليع والتنديد بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي وافق الدول الأوروبية على تنزيل الخديو المشار إليه. وكان المويلحي يذيع على صفحات جريدته أن مقام الخلافة عند المسلمين يتسلسل من أصل عربي، وأنه انتقل بلا حق إلى آل عثمان سلاطين الأتراك، وكان يقول: إن خديو مصر هو أولى من سواه بهذه الكرامة الدينية؛ لأن مصر كانت مقرا للخلفاء في سالف الزمان.
فاضطرب السلطان عبد الحميد الثاني لذلك وخاف من امتداد هذا الفكر بين الأمة العربية الإسلامية التي يتألف منها القسم الأكبر من سكان السلطنة العثمانية، فأوعز إلى سفيره في باريس أن يسعى في تعطيل الجريدة المذكورة بكل الوسائل الفعالة قبل أن ينتشر خبرها بين المسلمين، واتفق أن الدكتور لويس صابونجي كان موجودا حينئذ في عاصمة الفرنسيس فأشار على السفير العثماني بأن أفضل وسيلة لبلوغ الغاية المقصودة هي إغراء المويلحي بالمال، فتبع السفير نصيحته؛ وهكذا توقف إبراهيم المويلحي عن استئناف نشر جريدته بعد صدور العددين الأول والثاني منها.
المستقل
بعدما أمنت إيطاليا على كيان وحدتها بضم جميع البلاد الخاضعة الآن لصولجان أسرة «سافوا» المالكة طمحت أنظارها إلى التوسع خارجا عن شبه جزيرتها بطريق الاستعمار، وأحبت أن تعزز نفوذها في تونس وتنشر حمايتها عليها، غير أن فرنسا أخذت تزاحمها على امتلاك هذه البقعة الثمينة حرصا على مركزها في جزائر الغرب فضلا عما لها من الديون عند الحكومة التونسية.
ولما كانت الصحافة سلاحا قويا لرجال السياسة في العصر الحاضر عمدت إيطاليا إلى استخدامه لبلوغ غايتها، فطلبت من قنصلها في بيروت أن يتحرى التنقيب عن كاتب توافرت فيه الشروط الموافقة للقيام بهذا المشروع، فلبى كسبار بستلوسا متولي أعمال قنصلية إيطاليا في المدينة المذكورة طلب دولته واستدعى إليه يوسف باخوس اللبناني أستاذ الفلسفة والآداب العربية في مدرسة الحكمة المارونية، وأوعز إليه بالسفر إلى رومة لمعاطاة صناعة التدريس العربي والترجمة، وعند وصوله إلى رومة أمرته وزارتها الخارجية بالذهاب إلى جزيرة سردينيا مزودا بالمحررات الرسمية إلى مدير جريدة «مستقبل سردينيا» الذي ذهب به إلى تونس، وهناك أبرم العهد بين يوسف باخوس وبين السنيور ماتشو قنصل إيطاليا وجول بستلوسا الترجمان الأول للقنصلية على إحداث صحيفة عربية تدرأ عن مصالح العرب عموما وسكان شمال أفريقيا خصوصا، وقر رأيهم على أن تطبع بنفقة حكومة إيطاليا وتكون ترجمان أفكارها، وأن يجعل مركز إدارتها في مدينة «غلياري» قاعدة جزيرة سردينيا ويتولى يوسف باخوس كتابة فصولها.
فسافر يوسف باخوس إلى غلياري وأنشأ في 28 آذار 1880 جريدة «المستقل» وهي أسبوعية سياسية أدبية، وكان الشيخ أسعد حبيش مع ابن وطنه زين زين يساعدانه في رصف حروف الجريدة، وأعداد «المستقل» الأولى ما تخطت حد الإفصاح عن مجد العرب الباسق في القرون السابقة وعن انحطاط شأنهم في العصور اللاحقة، ثم أخذت تطعن في حكومة فرنسا التي كان نفوذها يتهدد نفوذ إيطاليا في تونس.
4
فلما نشرت الحكومة الفرنسية حمايتها على هذه المملكة صرف يوسف باخوس نظره عن إيطاليا وذهب إلى باريس ليتولى كتابة جريدة «البصير» بدعوة خاصة من صاحبها خليل غانم، وعاش «المستقل» إلى نهاية شهر نيسان 1881 وكان من أرقى صحف عصره في بلاغة الإنشاء وسمو المعاني وحرية الأفكار وحسن انتقاء الأخبار.
الفصل السادس: أخبار صحف الجزائر البريطانية في البحر المتوسط
مالطا
جريدة سياسية ظهرت في مدينة لافالتا
La Valetta
قاعدة جزيرة مالطا في البحر المتوسط ولا نعلم اسم منشئها، فكانت تصدر باللغة المالطية ثم تعطلت قبل سنة 1892 كما روى جرجي زيدان في مجلة «الهلال» المصرية (عدد 1، سنة 1)، واللغة المالطية تتألف من ألفاظ عربية عامية مخلوطة بألفاظ إفرنجية سيما الإيطالية منها، وحروف هذه اللغة هي نفس الحروف الأوروبية وإليك شيئا من ذلك على سبيل المثال:
5
Scuola di Taglio per Sarti & Sarte
Fi Strada Reale No. 32 Birchircara, infethet Scola gdida tat-tifsil gbar-rglel u innisa. Dauc colla I'iridu jithallamu ifasslu fuk l'arti tal geometria, jirricorri ghand ll prot, Vincenzo Grech, ippremiat minn bosta Accademt ta Londra, Parigi u Torino Ghall’ arti li jippossiedi ta intagliatur. Hinijetlmit - 8 ta fill ghodu sat - 8 ta fill ghaxia.
وإليك كتابتها العربية مع ترجمة ألفاظها المكتوبة بالحروف الإفرنجية:
مدرسة التفصيل للخياطين والخياطات
في الشارع الملكي عدد 32 في بير كركارا (اسم مدينة) انفتحت مدرسة جديدة للتفصيل على الرجال والإناث، فإذا كل اللي يريدوا يتعلموا يفصلوا بحسب فن الهندسة يذهبوا عند المعلم منصور غريك الحائز من محافل لندن وباريز وطورينو على شهادة فن التفصيل، ينوجد من الساعة 8 في الغدا إلى الساعة 8 في العشا.
زمان
أنشئت هذه الصحيفة السياسية الأسبوعية باللسان التركي سنة 1878 في نيكوزيا عاصمة جزيرة قبرص، وكان صاحبها درويش باشا رجلا تركيا أميا اتخذ مهنة الصحافة سبيلا للارتزاق في ظل الراية البريطانية، فأخذ يكشف النقاب عن آفات الدولة العثمانية ويوضح أسباب انحطاطها بما لا يوصف من حرية الأفكار، وأفسح في جريدته مجالا لأرباب الأقلام لنشر آرائهم فيها، فحسب السلطان عبد الحميد الثاني لذلك ألف حساب وسعى في استمالة درويش باشا إليه بقوة المال، فرتب له معاشا سنويا قدره 200 ليرة عثمانية ترويجا لسياسته الخرقاء، وكان مؤسس هذه الجريدة ينشر من وقت إلى آخر على صفحاتها مقالات عربية ليطلع عليها المسلمون الناطقون بالضاد، وقد أنشأ فيها الشيخ حبيب ابن الشيخ صعب الخوري اللبناني سنة 1896 فصولا جديرة بالذكر حث فيها العثمانيين على طلب إعادة الدستور لتركيا، فكان ذلك داعيا لصدور إرادة السلطان بإعدامه كما سنروي ذلك في الحقبة الثالثة من هذا الكتاب. وانتهت حياة جريدة «زمان» بقطع المدد عن درويش باشا لدى حدوث الانقلاب العثماني سنة 1908.
ديك الشرق
اسم لجريدة سياسية أدبية أسبوعية ظهرت عام 1889 في قاعدة جزيرة قبرص لمنشئها علكسان سرافيان، وهو أرمني الأصل لجأ إلى الجزيرة المذكورة بعد تعطيل جريدة «الزمان» المشهورة التي كان ينشرها قبل هذا العهد في عاصمة وادي النيل.
وخطة «ديك الشرق» ترمي إلى الدفاع عن الأرمن وحقوقهم المهضومة في الممالك العثمانية، ثم تستنجد الدولة الإنكليزية لحماية مصالحهم من تعديات الأكراد ونجاتهم من مظالم عبد الحميد الثاني سلطان العثمانيين. وقد جاهد صاحبها في هذا السبيل جهادا مستمرا إلى أن عطل جريدته بعد سنتين من عهد ظهورها.
الباب الثاني
تراجم مشاهير الصحافيين في أوروبا في
الحقبة الثانية
1870-1892
خليل غانم
أحد منشئي مواد الدستور العثماني ومؤسس جريدتي «البصير» العربية و«تركيا الفتاة» العربية الفرنسية، والصحيفتين الفرنسيتين «الهلال» و«لافرانس إنترناسيونال» في باريز، وجريدة «الكروزان» في سويسرا، ومحرر جريدة «مشورت» و«الديبا» و«الفيغارو» و«تركيا» في باريس وغيرها من الصحف. ***
هو خليل بن إبراهيم بن خليل بن إبراهيم بن إلياس بن إبراهيم بن زيتون بن خليل بن إبراهيم بن سرجيس بن جرجس من سلالة موسى ابن المقدم سعادة اللحفدي الذي اشتهر في جبل لبنان في أوائل القرن الرابع عشر، وأمه مريم بنت عبود بن نصر بن نجم بن ضو بن نصر، وهي لبنانية الأصل أيضا من قرية «شننعير».
ولد بتاريخ 8 تشرين الثاني 1846 في بيروت ولما بلغ الحادية عشرة من عمره دخل مدرسة عينطورا، فجلى في مضمار اللغة الفرنسية وكان فيها شاعرا مطبوعا وكاتبا ضليعا وخطيبا بليغا ورياضيا بارعا، ثم أخذ اللغة العربية عن الشيخ ناصيف اليازجي، واللغة التركية عن المعلم إبراهيم الباحوط، وأحكم أصول اللغة الإنكليزية حتى بلغ من هذه الألسنة شأوا بعيدا.
وقد بدأت حياته السياسية عام 1862 بتعيينه عضوا في محكمة التجارة، وفي السنة التابعة عينه إبراهيم باشا متصرف بيروت ترجمانا للمتصرفية وأنهى له بالرتبة الثانية وزاده إنعاما بزيادة المعاش. ولما تولى راشد باشا سنة 1865 ولاية سورية جعله ترجمانا للولاية فخدم هذه الوظيفة بعزة النفس وحرية الضمير في مدة الوالي المشار إليه ومدة الواليين صبحي باشا وأسعد باشا، وعندما أسندت الصدارة العظمى لعهدة هذا الأخير استصحبه معه وجعله ترجمانا للوزارة الخارجية، فبقي في هذا المنصب إلى غاية سنة 1875؛ إذ فيها تقلد ترجمة الصدارة العظمى ورئاسة تشريفاتها، وفي سنة 1877 انتخبه سكان سوريا نائبا عنهم في مجلس المبعوثان.
وقد عهد إليه مدحت باشا أن يطالع مع أغوب باشا قانون حكومات الدول الدستورية ويؤلفا منه قانونا ملائما وموافقا لحالة الدولة، فقام هذان العظيمان خليل وأغوب بوضع القانون الأساسي بإخلاص للدولة والأمة، وأظهر خليل في جلسات ذاك المجلس ما اختل من النظامات ودافع عن كيان الدولة، وأعلن بحرية ضمير وثبات جأش مطامع الدول الأجنبية والدسائس الخفية مظهرا واجبات المندوب الأمين والنائب عن قوم وبلاد يعلقون عليه الآمال الطوال.
وقد حمل حملة شديدة في المجلس مع أحمد أفندي مبعوث أزمير على الحكومة لنفيها مدحت باشا، وقاوم آراء حسين فهمي باشا الذي تعرض لمناقشة المجلس في نفي مدحت باشا، وكانت قد بلغت الجاسوسية وأعداء الوطن والدولة العثمانية غايتها من إقناع السلطان عبد الحميد بفض مجلس المبعوثان فأمر بفضه، فتعرض خليل لإرادة عبد الحميد بحل ذاك المجلس وكان أول المعارضين فيه، عندئذ خطب خطابه المشهور ولفظ فيه آيته المأثورة: «أيد حرية المنبر وأسندها إلى القانون، ومنذ شاء السلطان أن يمنح الدستور فلا يحق له الرجوع عما صدق عليه ومنحه وصدرت إرادته به رسميا، والسلطان تحت الدستور لا فوقه.» فلما نقلت الجاسوسية حرية أفكار خليل لعبد الحميد أصدر أمره بالقبض على بعض أعضاء المجلس الأحرار وبإعدامهم، وفي مقدمتهم الخليل الذي هيأت له العناية أحد الأمناء فأعلمه بالدسيسة فاضطر مكرها للالتجاء إلى السفارة الفرنسوية، فللحال أرسلته على إحدى بواخرها التجارية إلى مرسيليا، ومنها يمم باريس، وليس من درهم في الكيس؛ لكونه مع كل المناصب السامية التي تقلدها لم تشبه شائبة الارتشاء.
وبعد وصول المترجم إلى باريس خالي الوفاض أنشأ جريدة عربية ودعاها باسم «البصير» خدمة للوطن ولكسب المعاش الضروري معا، غير أن جريدته لم تطل حياتها؛ حيث إن الحكومة العثمانية منعت دخولها إلى بلادها وأنذرت بالعقاب الشديد كل من وجدت عنده، وقد شددت المراقبة على دخولها بالبريد العثماني والأجنبي فاضطرته هذه المضايقة إلى العدول عن نشرها، وقد انصب بعدها على التأليف والتحرير في الجرائد ليكتسب ما يسد به الرمق في ذلك المنفى الطويل، فألف كتاب «الاقتصاد السياسي» بالعربية وكتيبا أنكر فيه حماية الأجانب للعثمانيين المسيحيين نشرته جريدة «تركيا»، ونظم قصيدة بالفرنسوية على أثر الثورة الإيطالية واستقلال إيطاليا، وألف كتاب «تاريخ سلاطين آل عثمان» في مجلدين بالفرنسية وهو تأليف نادر المثال، وله قصيدة قدمها للبرنس كلوتيلد والبرنس نابوليون حينما كانا في سوريا، وقد أظهر عدة جرائد كان يقدمها تقدمة مجانية خدمة للدولة والوطن كجريدة «تركيا الفتاة» بالفرنسية والعربية و«الهلال» بالفرنسية و«لافرنس انترناسيونال»، وكان يحرر بجريدة «مشورت» لصاحبها أحمد رضا بك، وله كتاب «حياة المسيح» بالعربية، وأنشأ كثيرا من المقالات الشائقة التي كانت تزدان بها أعمدة جريدة «الديبا» و«الفيغارو» وغيرهما من الجرائد.
فطار ذكره في أوروبا عامة وفي باريس خاصة لسمو مداركه وغزارة علمه وأصالة رأيه وشدة إخلاصه لوطنه، فأصبح محجة خواطر العلماء وأرباب السياسة وذوي النفوس الشماء وأصحاب المقامات العالية من مثل المسيو هانوتو سفير الدولة الفرنسوية في لندن، والفيلسوف الشهير جمال الدين الأفغاني شهيد الحرية، ومدحت باشا شهيد الإنسانية والعثمانية، والعلامة الشيخ محمد عبده، وغمبتا رئيس الوزارة الفرنسوية الذائع الصيت بين أهل السياسة. وكان غمبتا يعتمد على آرائه وقد أحبه وآخاه وكان يتأبط ذراعه في ساحات باريس العمومية وهما يتجاذبان أحاديث السياسة؛ وهو ما دعا الباريسيين أن ينظروا إليه بناظرة الاعتبار والإكرام كما ينظر الناس إلى الرجل العظيم والسياسي الخطير والفيلسوف الشهير. وسنة 1893 أنشأ في سويسرة جريدة «الكروازان» الفرنسية وحمل بها على السلطان وحاشيته وجاهد لأجل القانون الأساسي.
وبعد جهاد طويل في سبيل الوطن بما كان يحرره في الجرائد الفرنسوية من المقالات السامية في المسائل الشرقية عرف الأتراك فضله وحرية ضميره وصدق وطنيته، فوافاه منهم إلى باريس جمهور كبير قد هجروا الأوطان هربا من الاستبداد وفي مقدمتهم محمود باشا داماد صهر السلطان عبد الحميد، وأحمد رضا بك رئيس مجلس النواب سابقا، والأمير صباح الدين، وأديب بك إسحاق، والأمير أمين مجيد أرسلان صاحب جريدة «كشف النقاب» التي كان يطبعها في باريس، وسليم سركيس صاحب جريدة «المشير» سابقا ومجلة سركيس حاليا.
وقد يمم باريس غير من تقدم ذكرهم كثير من الرجال الأحرار فأثار فيهم خليل غانم روح النهضة الوطنية، وألف لهم «جمعية تركيا الفتاة» فرأسوه عليهم، وبقي رئيسا لتلك الجمعية المقدسة إلى الممات، وأخذوا ينشرون على صفحات الجرائد مبادئهم الشريفة، فلما أدرك السلطان عبد الحميد جهاد المترجم أهدى إليه بواسطة سفيره في باريس «النيشان العثماني» من الصنف الأول وإلى قرينته «نيشان الشفقة» من الطبقة الأولى مع خمسة عشر ألف ليرة عثمانية راجيا منه قبولها وكف جهاده في طلب الدستور ونشره نور الحرية، وعرض عليه أن يكون معتمدا للدولة في باريس بمعاش وافر مدى حياته وكان ذلك إثر الحوادث الأرمنية الهائلة، بيد أنه رفض بعزة نفس قبول النيشان والوظيفة والمبلغ الطائل قائلا: «إنني لا أحب أن أدنس صدري وصدر امرأتي بنياشين مهداة من يد أثيمة سفاكة دماء عباد الله، ولا أقبل نقودا جمعت من الرشوة أو سرقت من بيت مال الدولة وكان حقها أن تبذل في إصلاح شئون الأمة العثمانية، ولا أرغب مطلقا في أن أكون معتمدا لمن لا يعتمد عليه لا في مصلحة نفسه ولا في مصلحة دولته وتبعته.»
أحمد رضا بك؛ رئيس مجلس النواب العثماني سابقا ومنشئ جريدة «مشورت» ورفيق خليل غانم في الجهاد لإنقاذ السلطنة العثمانية من نير الظلم والاستبداد.
فمن هذا الجواب ومن المقالات التي كان ينشرها في الجرائد العربية والفرنسية والتركية في الحوادث الأرمنية عن سوء السياسة الحميدية أقام عليه السلطان عبد الحميد دعوى في محاكم باريس بكونه اتهمه وتعدى عليه بما هو بريء منه وطلب مجازاته، فأقيمت الدعوى على المترجم وعلى رفيقه أحمد رضا بك منشئ جريدة «مشورت» فاضطربت لهذه الدعوى باريس وقامت وقعدت، وهب عامة المحامين الشهيرين من مثل «روشفور» وخلافه وقدموا أنفسهم للمحاماة مجانا في هذه الدعوى عن المدعى عليهما، وقد صار طبع متفرعات هذه الدعوى ومحاماة المحامين بظروفها وماجرياتها في جريدة «مشورت» المذكورة، وقد جمعت في كتاب خاص وهي من أهم الكتب التي تشتاق النفس مطالعتها، وقد أسفرت هذه الدعوى عن لا شيء.
وفي غرة حزيران سنة 1883 اقترن بالسيدة ماري رينو من أسرة شهيرة في باريس ولم يرزق منها سوى ابنة افترطها في السنة السابعة من عمرها، ونال في باريس أوسمة عديدة منها وسام جوقة الشرف «اللجيون دونور» وانتخب عضوا عاملا في الجمعية العلمية الوطنية في باريس، فأحيا بذلك شأن الاسم السوري وعرف فيه الغربيون مقدرة العقل الشرقي، وقد كان قدوة كمال ومشكاة فضائل ومرآة محاسن المبادي للجميع، ولم يتعرض حياته كلها لدين من الأديان، وكان مع احترامه لرؤساء جميع الأديان ذا ميل خاص إلى رؤساء طائفته المارونية وإجلالهم.
وقد واصل جهاده المبرور وسعيه المشكور بالدفاع عن الوطن محاربا الاستبداد ومحييا النهضة الراقية وخادما أمينا لجمعية «تركيا الفتاة» متفانيا في بث مبادئها الشريفة إلى أن دعاه ربه لملاقاته فوافاه براحة ضمير، وقد أتم أنفاسه المعدودة في أرض الغربة في باريس في غرة حزيران سنة 1903 فذهب شهيدا في سبيل الحرية والوطن والإنسانية، وكانت آخر نفثات قلمه مقالة فرنسوية نشرتها جريدة «مشورت» في أول شباط سنة 1903 عنوانها «خاتمة سنة عمل وجد» فكانت كنبوءة لخاتمة عمله وجده. ولما طار منعاه للعالم الإنساني اهتزت له جوانبه وأثر خطبه تأثيرا عظيما على جمعية «تركيا الفتاة» لفقدها رئيسها الأعظم، وشهد مشهده نخبة رجال الفضل والحرية من العثمانيين والفرنسويين فندبوه وبكوه وأبنوه ورثوه، واشتركت الحكومة الفرنسية رسميا في جنازته؛ لأنه كان حاملا لوسام «جوقة الشرف» منذ كان صديقا لغمبتا، وقد أبنه صديقه الحميم وخله الوفي أحمد رضا بك صاحب جريدة «مشورت» ورئيس مجلس النواب تأبينا باللغة الفرنسوية نثرا أظهر فيه شرف عواطفه وصدق ولائه وإخائه للفقيد، فترجم يوسف خطار غانم هذا التأبين وألبسه حلة شعر عربي ننقله عن «الرسائل الغانمية» بالحرف الواحد:
اليوم أطفئ نور بدر لامع
بسما المواطن فالمصاب به وقع
وخبا شهاب فؤاد حر صادق
ومجاهد أضناه بالوطن الولع
قد فاجأتنا الحادثات وأسرعت
بسقوط صاعقة لها القلب انصدع
في يوم محمود
1
تعلمت الأسى
وقبيله كنا وما كان الوجع
والآن قد سالت جراح قلوبنا
بعد الخليل الغانم المنشي البدع
رجل الكمال بعينه عرفوا به
رجل الضمير الحر بل رجل الورع
إن المصاب به مصاب محرق
كلسان «بركان» على الأرض اندلع
ما خص فيه حزبنا متفردا
بل كل أحزاب المواطن قد جمع
مذ غاب عن بيروت مسقط رأسه
في مجلس النواب فالظلم ارتفع
وأنال سوريا بنسبته لها
فخرا ومجدا خالدا لا ينتزع
بجدارة وبجد عزم ثابت
لإراحة الأهلين جهدا لم يدع
ومضى لباريس يواصل نفعه
في كل رأي صائب فيه نفع
بجرائد الأعراب والأتراك وال
إفرنج راح محررا أسمى القطع
فيها لإصلاح البلاد نصائح
عن خبرة وسعت وعن علم وسع
مشروعه ما شابه غبن ولا
غرض سوى النهج القويم بما شرع
قراء «مشورت» لقد حفظوا له
تلك المقالات التي فيها طبع
منها لقد عرفوا جدارة كاتب
بعواطف كرمت بها الشأن ارتفع
ما كنت في هذا المقام مبينا
شرف الحياة به وفخر المجتمع
مع أنه فرض علي وواجب
لكنما حزني الشديد له منع
بعد البواكر من دموعي والأسى
آتيكم في بسط تاريخ سطع
لكن قصدي الآن كان مجردا
في وقفتي هذي لأصرخ عن جزع
أنا ترجمان يا ضريح فقيدنا
للسان حزب للوداع قد اجتمع
بتلهف يبكي رئيسا أعظما
حجبته ظلمتك التي فيها انصرع
يسدي فروضا بالأسى لأقارب
في غربة فقدوه قبل المرتجع
وجعا تذوق «فتاة تركيا» به
وأنا أشد مرارة ذقت الوجع
قد كنت يا شخص الخليل بغربتي
خلا وفيا ثابتا فيما اتبع
أواه لو سمح الزمان بفرصة
حتى أذكركم به وبما صنع
عن فرط حبيه لكم وثباته
بحياته قطعا فما عنه انقطع
يا أهل ودي خطبنا أضحى به
خطبا جسيما سهمه لا يندفع
أمثولة وافى يعلمنا بها
هذي الحقيقة بالعيان وبالسمع
فمرارة المنفى تقصر عمرنا
حقا وهاكم سيفها فينا لمع
فنلسرعن لنصرنا بتضافر
قبل الوصول ليوم سوء لم يدع
من دون إبطاء بنهضة عامل
أفتى بحب مواطن وبها شفع
رجل الحقيقة لن يموت لدى الأولى
سمعوه واعتبروه بالحق ادرع
ما مات غانمنا بل يحيا إذن
في نهجنا في فكرنا فيما وضع
وفؤاده كنه الطهارة إنه
لقلوبنا يوحي ثبات المجتمع
ومحرك فيها صلاح مواطن
عظمت وبالنصر القريب المرتفع
هذا النشيط قد استراح اليوم من
تعب الحراثة والزراعة واضطجع
لكن فما زرعت يداه لم يضع
إذ لا نزال الحافظين لما زرع
كيلا يجف الزرع في بستانه
ويرى الفريسة للنسور وللبجع
فبذاك في حضن المواطن خلنا
يحيا بأمن لن يخامره فزع
ويدوم معتزا بما أهداه من
حرية في نورها وطن رتع
إبراهيم بك المويلحي
منشئ جريدة «الخلافة» في نابولي وصحف «الاتحاد» و«الأنباء» و«الرجاء» في باريس، ومؤسس جريدتي «نزهة الأفكار» و«مصباح الشرق» ومحرر جريدة «سوق العصر» وغيرها من الصحف في القاهرة، وناشر بعض المقالات في جريدة «العروة الوثقى» بباريس ومراسل جرائد شتى من القسطنطينية. ***
يتصل نسبه ببيت من البيوتات الكريمة التي ظهرت بمصر بعد الانقلاب في أول القرن الماضي، وكان جده السيد إبراهيم المويلحي في أول أمره كاتبا للمرحوم حبيب أفندي «كخيا» المغفور له محمد علي باشا الكبير، ثم ارتقى كما ارتقى سواه من ذوي المواهب في مثل حال مصر في دورها الانتقالي من عصر الأمراء المماليك إلى عصر التمدن الحديث؛ إذ هددتها مطامع الدول وحام حولها طلاب السيادة من الوزراء والقواد، فتسابقت العقول واختلفت الأغراض ففاز كل بما بلغ إليه إمكانه وساقته إليه فطرته، فارتقى بعضهم إلى منصات الحكم وأثرى آخرون بالتجارة أو الزراعة أو الصناعة أو غيرها، فكان للسيد إبراهيم المويلحي جد المترجم حظ كبير من ذلك الارتقاء. ومع انغماس أهل ذلك الانقلاب بالمطامع السياسية والمكاسب المالية واشتغالهم بالملاذ والملاهي لتسلط الجهل على معظمهم فالسيد إبراهيم كان محبا للأدب، لا يخلو مجلسه من الأدباء والشعراء يطارحهم ويذاكرهم، وقد أدى لمحمد علي في أوائل ولايته خدما جليلة حفظها له البيت الخديوي فانتفع بها المترجم في حال ضيقه كما سترى.
ولد صاحب الترجمة في أوائل سنة 1262ه/1846م في بيت وجاهة وعز، وكان والده مشهورا بصناعة الحرير نسيج مصر وله فيها بيت تجاري كبير فجمع ثروة طائلة، ونشأ إبراهيم في سعة ورغد وهو يتهيأ للعمل في تجارة والده، ولكنه كان مولعا بالأدب والشعر من حداثته وورث ذلك من جده، ولم يخطر له ولا لوالده أنه سيجعل الأدب مهنته وهي يومئذ مهنة الفقراء ... ولكن الأقدار ساقته إلى الاشتغال بها في كهولته فكان من أعظم نوابغها.
ظل إبراهيم في حجر والده آمنا سعيدا حتى توفي الوالد سنة 1282ه والمترجم في العشرين من عمره، فتولى تجارة أبيه وقبض على ثروته وجرى على خطته في العمل حينا فازداد تقدما، وكانت مضاربات البورصة حديثة العهد في هذا القطر وقد تحدث الناس بمعجزاتها وبهروا من سرعة الإثراء بها، وكان إبراهيم طلابا للعلى فلم يكتف بما بين يديه من الرزق الواسع وحدثته نفسه أن يطلب الزيادة بالمضاربة، فضارب وهو يكسب تارة فيطمع بالمزيد ويخسر أخرى فيطلب التعويض على نحو ما نشاهده الآن مع ما يعلمه الأكثرون من عواقبها الوخيمة، فما زال المترجم يتدرج في المضاربة حتى استنزفت ثروته وأثقلته بالديون.
على أن فروغ يده من المال لم يذهب بما نشأ عليه من العز والأنفة، ولا ضاعت مآثر جده لدى البيت الخديوي، فنظر إسماعيل باشا الخديو يومئذ في هذا البيت نظر الانعطاف وكان إسماعيل إذا أعطى أغنى، فوهبه هبات الملوك فوفى الديون ووسع التجارة، ثم أنعم عليه بالرتبة الثانية وعينه عضوا في مجلس الاستئناف وهو في الثامنة والعشرين من عمره، وأنعم على أخيه عبد السلام باشا بتلك الرتبة أيضا وأبقاه في مزاولة التجارة محافظة على ذلك المعهد التجاري، وتأييدا لذلك أصدر أوامره لجميع من في قصوره من النساء أن يعدلن عن لبس الأنسجة المصرية من صنع هذا البيت، وألا يدخل في تشريفات السيدات سيدة لابسة غير هذه الأنسجة، وأمر باصطناع كمية منها لإرسالها إلى معرض فينا في تلك الأيام.
وما زال المترجم في وظيفته بمجلس الاستئناف حتى أفضت رئاسته إلى المرحوم حيدر باشا يكن فوقع بينهما شقاق انتهى باستقالة المترجم، ولكن عناية الخديو إسماعيل ما زالت شاملة له فأمر بإعطائه مصلحة تمغة المشغولات والمنسوجات على سبيل الالتزام، واتفق في أثناء ذلك سقوط وزارة نوبار باشا المختلطة التي كان فيها عضوان أجنبيان وخلفتها وزارة شريف باشا المعروفة بالوزارة الوطنية، وهموا بإنشاء اللائحة الوطنية لتأسيس مبادئ الحكومة الدستورية، فانتدب المترجم للاشتغال في ذلك مع المرحوم السيد علي البكري، ثم صدر الأمر بتعيينه سكرتيرا للمرحوم راغب باشا ناظر المالية ولم يتول هذه الوظائف إلا لما ظهر من نجابته وسداد رأيه.
على أن ميله إلى الأدب والشعر كان ينمو فيه بين مشاغل السياسة والإدارة، فاتفق مع المرحوم عارف باشا أحد أعضاء مجلس الأحكام بمصر وصاحب المآثر الكبرى في نشر الكتب على تأسيس جمعية عرفت بجمعية المعارف غرضها نشر الكتب النافعة وتسهيل اقتنائها، وأنشأ هو مطبعة باسمه سنة 1285 لطبع تلك الكتب وهي من أقدم المطابع المصرية، على أن الجمعية كانت تطبع كتبها أيضا في مطابع أخرى وخصوصا المطبعة الوهبية، ولهذه الجمعية شأن كبير في تاريخ هذه النهضة؛ لأنها نشرت كثيرا من الكتب المهمة ككتاب «تاج العروس» و«أسد الغابة» و«رسائل بديع الزمان» و«سلوك الممالك» و«ألف باء» وغيرها من كتب التاريخ والأدب والفقه.
أما صاحب الترجمة ففي السنة التالية لإنشاء مطبعته اتحد مع محمد عثمان بك جلال لإنشاء جريدة عربية ولم يكن من الجرائد العربية بمصر يومئذ إلا الجريدة الرسمية وجريدة وادي النيل، فنال رخصة بجريدة سماها «نزهة الأفكار» ولكنه لم يصدر منها إلا عددين ثم حالت العوائق دون إصدارها، ويقال عن السبب في ذلك إن المرحوم شاهين باشا أظهر لإسماعيل باشا تخوفه من أنها تثير الأفكار وتبعث على الفتن فصدر الأمر بإلغائها، وظلت المطبعة تشتغل بطبع الكتب لجمعية المعارف وغيرها، وقد طبع فيها كتبا على نفقته.
فترى أن المترجم قد تقلب في أعمال مختلفة بين تجارة وخدمة في الحكومة وإنشاء المطابع والجرائد ونشر الكتب وغيرها وهو دون الثلاثين من العمر، ولم ينل كل مرامه من واحد منها مع اقتداره وذكائه، ولعل السبب في ذلك لحاجته في استثمار عمله قبل أن ينضج وعدم ثباته في خطة واحدة؛ لأنه لو ثبت في التجارة مثلا ولم يرغب عنها في خدمة الحكومة لكانت تجارته من أوسع التجارات، أو لو ثبت في الخدمة ولم يعدل عنها إلى الصحافة والطباعة لكان من أكبر أصحاب المناصب، ولو ثبت في الصحافة إلى الآن لكانت صحيفته من أكبر الصحف وأهمها، ولكنه لم يكن يستقر على حال، والأذكياء الذين لا يثبتون في عمل إنما يكون سبب تقلبهم الرغبة في النجاح السريع يريدون الطلوع إلى الأوج دفعة واحدة، فإذا استبطئوا الوصول إلى قمة النجاح في عمل تركوه وانتقلوا إلى سواه فيئول ذلك في الأكثرين إلى ضياع العمر في بناء القصور بالهواء، ولو ثبتوا في عمل واحد مهما يكن نوعه لكفاهم مئونة الشكوى من معاكسات الزمان.
على أن المترجم لم يشك ضيما؛ لأنه كان مرعي الجانب، وما زال الخديو إسماعيل يذكر صدق خدمته له، فلما حدث التغيير في منصب الخديوية سنة 1879 وأبعد الخديو إلى أوروبا واستقر في إيطاليا استقدم المترجم إليه فجاءه وأقام في معيته بضع سنوات كان في أثنائها كاتب يده (سكرتيره العربي) يكتب عنه الرسائل إلى الملوك والأمراء، ولم يكن ذلك ليمنعه من العمل لنفسه فأنشأ في أثناء إقامته بأوروبا عدة جرائد كجريدة «الاتحاد» وجريدة «الأنباء» ولم يثبت في واحدة منهما أو لعله كان ينشئها لغرض مؤقت فإذا ناله عطلها.
في سنة 1303ه ذهب إلى الآستانة على أثر إنشائه تلك الجرائد فأكرم السلطان وفادته وعينه عضوا في مجلس المعارف، وناظرها يومئذ منيف باشا العالم الشهير؛ فقدر الرجل حق قدره وقربه منه وعول عليه في كثير من شئون النظارة، وبعد أن أقام في هذا المنصب نحو عشر سنوات عاد إلى مصر وعاد إلى الاشتغال بالكتابة وقد نضجت مواهبه الإنشائية، واكتسب ملكة الصحافة لطول ممارسته إياها مع ما اختبره بنفسه في أثناء أسفاره ومخالطته كبار رجال السياسة واطلاعه على مخبآت الأمور، فعمد أولا إلى مراسلة الجرائد بمقالات جامعة بين السياسة والأدب وقواعد العمران أشهرها ما جمع على حدة في كتاب «ما هنالك»، ثم أنشأ جريدة «مصباح الشرق» الأسبوعية وهو يتردد في خلال ذلك إلى الآستانة ويعود منها مشمولا بالنعم السلطانية من العطايا والرتب؛ حتى بلغ الرتبة الأولى من الصنف الأول، وما زال عاملا في خدمة الصحافة العربية مخلصا للبيت الخديوي شديد التعلق بمرضاة الجناب العالي، وسموه يخصه بالمنح والمنن حتى توفاه الله في 29 يناير سنة 1906 وهو في الستين من عمره.
كان ربع القامة ممتلئ الجسم حسن الملامح كما ترى رسمه في صدر هذه الترجمة، وكان حلو الحديث لطيف النادرة سريع الخاطر حسن الأسلوب نابغة في الإنشاء الصحافي وفي الطبقة الأولى بين كتاب السياسة رشاقة ومتانة وأسلوبا مع ميل إلى النقد والمداعبة. ولا يخلو نقده من لذع أو قرص لا يراعي في ذلك صديقا ولا قريبا حتى قيل «لم ينج من قوارص قلمه إلا الذي لم يعرفه.» وقد انتقدوا عليه تقلبه في خطته وذلك تابع لتقلبه في سائر أحوال معايشه لما قدمناه من تردده في أعماله حتى قضى العمر في التنقل من عمل إلى آخر، وضاعت الفائدة التي كان يرجى استثمارها من مواهبه؛ لأنه كان نادرة في الذكاء وحدة الذهن والاقتدار على تفهم الأمور والإحاطة بخفاياها وكشف غوامضها، فلو رافقه الثبات في المبادئ والأعمال لكان من هذا الرجل غير ما كان.
جرجي زيدان
عبد الله مراش
محرر جريدة «مرآة الأحوال» في لندن وصحف «مصر القاهرة» و«الحقوق» و«كوكب المشرق» في باريز وناشر المقالات المفيدة في مجلتي «البيان» و«الضياء» في القاهرة؛ وغير ذلك من الصحف. ***
هو عبد الله بن فتح الله بن نصر الله بن بطرس مراش، من أسرة عريقة في الفضل والوجاهة معروفة بالعلم والأدب، وكفاه شهرة أنه أخو فرنسيس مراش كبير شعراء حلب، وشقيق مريانا مراش الشاعرة العربية ومن شهيرات النساء الكاتبات في سوريا. ولد في حلب في 14 آيار سنة 1839 ونشأ بها وتأدب على والده وغيره، فتلقى في حداثته مبادئ علوم العربية والخط والحساب ثم دخل مدرسة الرهبان الفرنسيسيين فأخذ عنهم أصول اللغة الإيطالية، وبعد ذلك انصرف إلى أعمال التجارة فتخرج في أبوابها وفنونها، ولما بدت نجابته فيها انتدبته جماعة من جلة تجار حلب لعقد شركة تجارية ينشئ لها محلا في منشستر من بلاد الإنكليز، فسافر إليها سنة 1861 ولبث بها إلى سنة 1869 واشتهر بما كان عليه من الأمانة والدراية، فكان له مقام محمود بين معامليه من أرباب التجارة وأحرز منها ثروة صالحة، وفي تلك السنة تم فتح خليج السويس فاستشف من وراء هذا الفتح أنه سيكون ضربة قاضية على تجارة حلب؛ لأنه قدر أن البضائع التي كانت ترسل إليها فتحملها القوافل برا إلى نواحي العراق وبلاد العجم لا بد أن ترسل بعد ذلك بحرا عن طريق السويس ثم البصرة، ولهذا السبب ولأسباب أخرى نوى العدول عن التجارة بتة وشرع في حل الشركة وتصفية أعمالها.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بين الفرنسيس والألمان سنة 1870 انتقل إلى باريس فأقام بها يتعاطى التجارة وخدمة المعارف. ولما أنشأ رزق الله حسون سنة 1876 جريدة «مرآة الأحوال» في لندن تولى عبد الله مراش تحريرها، ثم عاد إلى منشستر فلبث بها إلى سنة 1880 كاتبا لأشغال فتح الله طرازي وأعماله التجارية، وبعد ذلك فارقها فأتى باريس مرة ثانية حيث حرر في جريدة «مصر القاهرة» لأديب إسحاق وجريدة «الحقوق» لميخائيل عورا وصحيفة «كوكب المشرق» لأحد رجال الفرنسيس، ثم زايلها وسافر إلى مرسيليا وألقى بها عصاه، ولم يزل مقيما فيها إلى أن توفاه الله إليه في 17 كانون الثاني 1900.
هذا مجمل ما يذكر من تاريخ هذا الرجل وما تقلب فيه من أطوار الحياة، وقد عبرت أيامه كلها على السكينة والدعة؛ لأنه كان قليل المزاحمة والتطال إلى بعيد الشئون والتفاني في معالجة الحظوظ وابتغاء الشهرة والمقامات العلية بالإكثار من الجلبة والحراك، على أنه كان على حظ من الدنيا بلغ به مبلغ الرضى وهو الغنى كله فلم يكن بعد ذلك يحرص على حشد الدينار ولا يعاني الكسب، ولكنه انصرف إلى المطالعة والتوسع في العلم وهو ما لم ينقطع عنه قط مع اشتغاله بالتجارة أيضا؛ فإنه كان كثير الاختلاف إلى مكاتب لندن وباريز يتصفح ما فيها من الأسفار قديمها وحديثها ولا سيما الخطية منها، فأدرك حظا وافرا من لغة العرب وتواريخهم وآدابهم وانتسخ منها عدة كتب عزيزة، نذكر منها كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي وهو مصنف ضخم يكون نحوا من ألف وخمسمائة صفحة كبيرة انتسخه من مكتبة باريز، ثم عارضه بنسخة لندن وأشار إلى مواضع الفرق بين النسختين ونبه على ما وجده مباينا للصحة من غلط النساخ مما استدركه بنفسه، وبعد ذلك عارضه بالنسخة المطبوعة في دمشق، وبعد أن جمع بينها وبين نسخته وقد تتبعها صفحة صفحة وسطرا سطرا علق على هوامشها كل ما وجده من الفروق والزيادات وغيرها، فكانت كل واحدة من هاتين النسختين أصح نسخ هذا الكتاب.
وهناك كتب ورسائل أخر كلها من غرر آثار الأقدمين ونوادر تآليفهم، انتسخها بخطه مع العناية والتدقيق في مقابلتها وتصحيحها. وكان مليح الخط نقي الرقعة كثير التأنق كأكثر خطاطي حلب، وكان يكتب أولا بقلم من القصب الهندي وهو شديد الصلابة لا يكاد يتشعث ولا يتغير، ثم صار يكتب بأقلام الحديد؛ ولذلك ترى خطه من أول الكتاب إلى آخره واحدا.
وكان عبد الله من أكابر أهل الإنشاء، حسن الترسل، سهل العبارة، واضح الأسلوب، بصيرا باختيار الألفاظ والتراكيب، حسن النق، حريصا على البلاغة ووضوح المعاني، آخذا بالنصيب الأوفر من قوالب فصحاء العرب وألفاظ الخاصة من أهل الأدب. وكان مع ذلك متقنا للغة الإنكليزية والفرنسوية والطليانية يكتب فيهن جميعا، وكان له باع طويل في التاريخ والفلسفة وعلم الأخلاق والأديان والشرائع المختلفة ، مشاركا في كثير من علوم المعاصرين كالطبيعيات والهيئة وسائر الفنون الرياضية. وكان بصيرا بالسياسة مطلعا على أسرارها ودقائقها، وله في كل ذلك مقالات ورسائل شتى، منها ما هو باق بخطه ومنها ما نشر في بعض الجرائد العربية في لندن وباريس وجرائد ومجلات القطر المصري، وأشهر ما طبع له منها مقالة «التربية» التي نشرها تباعا في مجلة «البيان» اليازجية؛ فلا حاجة إلى الإطناب في وصفها. وأما النظم فإنه مع تضلعه من فنون البلاغة وكثرة ما كان يحفظ من أشعار العرب والمولدين، ومع اشتهار بيتهم بالشعر؛ كان قليل الرغبة فيه والمعاناة له، ولا سيما مع ما بلغ إليه الشعر في هذا العصر من الانحطاط والتفاهة ومع قلة المميزين بين جيده ورديئه.
وأما صفاته الشخصية فقد كان ربعة القوام، معتدل الجسم، أبيض اللون طلق المحيا، فصيح اللسان، مهذب المنطق، واسع الرواية، لطيف المحاضرة. وكان رجلا جليل القدر، كامل الصفات، قد جمع بين رزانة الإنكليز ورقة الفرنسيس وأريحية العرب. وكان على أعظم جانب من الزهد وخفض الجناح بعيدا عن الزهو والخيلاء منزها عن الدعوى والكبر، حتى إنه مع سعة فضله ورسوخ قدمه في العلم والإنشاء وإجماع المطالعين على استحسان كلامه كان يتفادى من ذكر اسمه في أكثر ما كتبه وما طبع له، ويشترط ذلك على من يروم نشر شيء من آثاره، هذا ولا جرم من عنوان تمام فضله وتناهيه في الكمالات الإنسانية؛ لأنه لم يكن يتوخى فيما يكتبه إلا نشر فائدة أو تقرير حقيقة دون ابتغاء الشهرة والتهالك على طلب الإطراء. وتوجد من آثار قلمه رسالتان إحداهما جمع فيها فوائد متفرقة في «علم الهيئة وتخطيط الأرض» والثانية عرب فيها خواطر الدوك دلارشفوكو في «الأخلاق والآداب».
وأما فصوله في «الهيئة» فإنها لا تخلو من إحياء ألفاظ من مصطلحات العرب في هذا العلم مما ذهبت بأكثره الأيام إلا من بعض الأسفار الباقية إلى هذا العهد في خزائن أوروبا؛ مما دل على وفرة اطلاعه وإمعانه في البحث والتقييد، وله أيضا نقد مطول على ترجمة فرنسية لكتاب «مروج الذهب» بقلم واحد من أكابر علماء الفرنسيس يقال له بربياي دي مينار، وهو نقد جزيل الفائدة نشرته مجلة «الضياء» اليازجية في القاهرة سنة 1900.
الشيخ أبو نظارة
منشئ الصحف الآتية: «أبو نظارة زرقاء» و«رحلة أبي نظارة زرقاء» و«أبو زمارة» و«أبو صفارة» و«الحاوي» و«الوطني المصري» و«النظارات المصرية» و«أبو نظارة» و«الثرثارة المصرية» و«التودد» و«المنصف» و«العالم الإسلامي» وغيرها، وناشر المقالات الكثيرة في أشهر الصحف الفرنسية. ***
لا نظن أحدا من كتبة الأعارب والأعاجم في هذا العصر يجهل اسم الشيخ أبي نظارة المصري الذي اشتهر ذكره في الخافقين ورن صدى مقالاته اللطيفة من مشارق الأرض إلى مغاربها، فهو الكاتب الانتقادي الكبير الذي علت شهرته في عالم السياسة، وذاع صيته بين خاصة الناس وعامتهم، وما زال منذ أكثر من نصف قرن يدافع قولا وعملا عن وطنه المحبوب، بل يجاهد بثبات جأش وحماسة لا توصف عن مصلحة بلاده واستقلالها من نير الغرباء، فنرى من باب العدل تخليدا لمآثره أن نكيل له بمكيال أعماله، ونزين صفحات هذا الكتاب برسمه وترجمته:
هو يعقوب بن رافائيل صنوع
2
ولد في القاهرة بتاريخ 9 شباط 1839 من أبوين إسرائيليين، وأتقن منذ نعومة أظفاره تعاليم التوراة حتى استحق أن يكون لاويا أي مؤمنا بعقيدة وجود الله سبحانه، ثم درس الإنجيل والقرآن ووقف هكذا على عقائد الأديان القائلة بوحدانية اللاهوت. وكان أبوه مستشارا لدى الأمير أحمد باشا يكن حفيد محمد علي باشا الكبير رأس العائلة الخديوية، وإذ شاهد هذا الأمير نباهة يعقوب أرسله على نفقته إلى أوروبا لإتقان العلوم العصرية، فذهب الفتى إلى مدينة ليفورنو
Livourne
في إيطاليا حيث تلقى العلوم وبرع فيها، ثم عاد منها بعد ثلاث سنين بالغا الحول السادس عشر من عمره، وفي أثناء ذلك فقد أباه والمحسن إليه فتأسف عليهما كثيرا وبكاهما بكاء مرا، ومن ذاك العهد أخذ يدرس اللغات لأغصان العائلة الخديوية وأبناء الأعيان حتى نبغ كثير من تلامذته الذين ارتقوا إلى أعلى المناصب والمراتب.
وسنة 1870 أنشأ أول مرسح عربي في القاهرة بمساعدة الخديو إسماعيل الذي منحه لقب «موليير مصر» ونشطه على عمله وشهد مرارا تمثيل رواياته، فألف صاحب الترجمة حينئذ اثنتين وثلاثين رواية هزلية وغرامية، منها بفصل واحد ومنها بخمسة فصول، لم يزل صداها يرن في آذان الشيوخ على ضفاف النيل، ثم أسس سنة 1872 جمعيتين علميتين إحداهما «محفل التقدم» والأخرى «جمعية محبي العلم» وتولى رئاستهما، وسنة 1874 سافر إلى أوروبا حيث بقي مدة يدرس أحوالها السياسية وأخلاق شعوبها، ثم قفل راجعا إلى وطنه مشغوفا بتقدم الإفرنج وملتهبا بنار الغيرة لبث روح الحضارة العصرية بين الشعب المصري.
وكان السيد جمال الدين الأفغاني الفيلسوف المشهور، والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا متحدين معه بعرى المحبة، وقد درسا عليه شيئا من اللغة الفرنسية، فاتفق ثلاثتهم على إنشاء جريدة عربية هزلية لانتقاد أعمال الخديو إسماعيل، ثم قر رأيهم على أن يتولى إدارتها صاحب الترجمة ويحرر فيها معه العالمان المذكوران، وقد أوعز السيد جمال الدين إلى يعقوب في إيجاد عنوان للجريدة يليق بمسلكها، فخرج هذا إلى بيته باحثا عن حمار يركبه، فإذا بالفلاحين أصحاب الحمير قد تجمعوا حوله وأراد كل منهم أن يركبه حماره، فلما زاحموه أحب التخلص منهم وإذا بصوت من ورائه يناديه «يا أبا النظارة الزرقاء» وكان وقتئذ يستعمل النظارات الزرقاء وقاية لعيونه من حرارة الشمس، فرن هذا الصوت في أذنيه واستحسن عبارة «أبي النظارة الزرقاء» وصمم على اتخاذها عنوانا للجريدة الهزلية، فرجع من ساعته إلى السيد جمال الدين وأخبره بما جرى له مع أصحاب الحمير وباختياره العنوان المذكور للجريدة، فضحك من كلامه لكنه استحسن الاسم. وهكذا صدر العدد الأول سنة 1877 من الصحيفة المذكورة التي تعد أولى الصحف الهزلية عند الناطقين بالضاد، فانتشرت في أربعة أقطار المعمور حتى صار اسمها ملازما لصاحبها الذي أطلق عليه من ذاك الحين اسم «الشيخ أبي نظارة». وكان يعقوب صنوع أول من استعمل القلم الدارج عند عامة المصريين في الكتابة فتبعه كثير من الكتاب الذين أنشئوا صحفا شتى بالقلم العامي في جميع الأقطار العربية شرقا وغربا.
ولما كانت مقالات جريدته تنتقد أعمال خديو مصر بلهجة شديدة أصدر إسماعيل باشا أمرا بإبطالها بعد ظهور العدد الخامس عشر منها، وكان الخديو متعمدا الانتقام من منشئها بكل الوسائل حتى القتل لو استطاع إلى ذلك سبيلا، وأوعز إلى قنصل إيطاليا بأن يطرده من الديار المصرية؛ لأنه كان محتميا بالدولة المذكورة، فتوجه صاحب الترجمة إلى الإسكندرية ومنها ركب سفينة لتقله إلى أوروبا، فمر الخديو بعربته أمام رصيف المينا ورأى بعينه ألوفا من الناس يشعيونه، فصاح بعضهم وقال له: «انظر يا أبا النظارة الزرقاء كيف جاء شيخ الحارة
3
ليشتفي منك ويراك بعينه منفيا من بلاده!» فأجابهم بقوله: «بعد سنة ينفى هو مثلي من مصر.» وفي الواقع خلع إسماعيل من سرير الخديوية بعد سنة من التاريخ المذكور .
فسافر صاحب الترجمة إلى باريس وهناك استأنف إصدار الجريدة بعنوان «رحلة أبي نظارة زرقاء» مقبحا فيها سياسة إسماعيل، ولبث الخديو يصادر الجريدة محرما على الناس مطالعتها حتى اضطر الشيخ إلى تبديل اسمها تارة باسم «أبي زمارة» وطورا باسم «أبي صفارة» وحينا باسم «الحاوي» وآنا باسم «الوطني المصري» أو «النظارات المصرية» لئلا تفوت القراء فائدتها. ثم أصدر مجلة «التودد» وجريدة «المنصف» وجريدة «العالم الإسلامي» وجريدة «أبي نظارة» وغيرها أيضا، وقد أصدر سنة 1886 جريدة بثماني لغات سماها «الثرثارة المصرية» أو «البافار إجبسيان» وهي أول جريدة في العالم صدرت بهذا العدد الكثير من اللغات على ما نعلم. ولم تقتصر همته على كتابة جرائده المذكورة، بل كان ينشر المقالات الضافية الذيول في الجرائد الفرنسية الكبرى من مثل «التان» و«الماتين» و«الفيغارو» وسواها.
وفي 22 أيلول 1900 ألقى في معرض باريز تحت رئاسة السيد حسن ابن السلطان عمر الهنزواني خطبة بعشر لغات مختلفة رددت صداها جرائد العاصمة الفرنسية، وبعد ذلك حمل على أكف السامعين بموكب حافل يتقدمه جوق الموسيقى إلى ساحة «برج إيفل» حيث دعا دعاء حارا لفرنسا وللدول الشرقية، ثم ترنم القوم بالنشيدين الفرنسي والخديوي، وفي تلك السنة دعاه شاه العجم إلى ضيافته في «كنتر كسفيل ليبين» وأهداه وساما عاليا وخاتما ثمينا.
وسنة 1901 زار الشيخ أبو نظارة سمو الخديو عباس الثاني في مدينة ديفون بفرنسا، فأوعز إليه الخديو بالرجوع إلى وادي النيل ممتعا بالحرية التامة، لكن شيخنا رفض إجابة الطلب: ما زال القطر المصري مقيدا بالاحتلال الإنكليزي. وفي السنة ذاتها زاره في مصيفه الواقع في شامبيني
Champigny
السلطان عمر حاكم الهنزوان فتناول عنده طعام الظهر وتبادل الاثنان نخب المحبة ثم تصورا في رسم واحد. وسنة 1902 وافق مرور خمسة وعشرين عاما على ظهور جريدته الأولى فاحتفل أصحابه بذلك احتفالا شائقا وأقاموا له مأدبة أنيقة جمعت مائة نفس من مصريين وسوريين وتونسيين وجزائريين وفرنسيس وسواهم. وسنة 1905 جرى الاحتفال باليوبيل الخمسيني لدخوله في سلك التأليف والتدريس، فكان هو أول صحافي عربي نال هذه الكرامة الشريفة في حال حياته.
ولصاحب الترجمة معرفة تامة بلغات شتى قديمة وحديثة بحيث إنه كان يكتب نثرا وشعرا في العبرانية والعربية والإيطالية والفرنسية والإنكليزية والألمانية مع إلمام بالإسبانية واليونانية وغيرها. ثم أتقن بعض الفنون الجميلة كالموسيقى والرسم فإنه ألف ألحانا بديعة للملوك والأمراء ورسم بقلمه أكثر التصاوير التي نشرها في جرائده منذ نشأتها حتى احتجابها. وكان في الخطابة آية عصره ولو جمعت خطبه لبلغت المجلدات، وقد أعجب الغربيون بفصاحة لسانه وقوة حجته، وكان مرتبطا بعلائق المودة مع أكبر علماء زمانه في مصر وسوريا والعراق وتونس والمغرب الأقصى والهند، فضلا عما أحرزه من الاعتبار لدى جهابذة الفرنسيس كالجنرال دودس وجول سيمون ولمبرت وسواهم. وابتكر في اللغة الفرنسية طريقة النثر المسجوع كما هو شائع عند العرب، فألف من هذا النوع مقالات شتى وخطبا عديدة نذكر منها النبذة المعروفة بالعنوان الآتي
Constitution Ottomane et ses héros
فإنها بليغة المعاني والمباني، وقد كتبها احتفالا بإعلان الدستور في السلطنة العثمانية، وله مؤلفات كثيرة غير ذلك.
وبمناسبة يوبيله الخمسيني المذكور أجمعت الجرائد العربية والإفرنجية على تقريظه؛ فتواردت عليه رسائل الإطراء بكثرة من الأمراء والشعراء والعلماء والعظماء شرقا وغربا، ونال من رؤساء الحكومات وسامات الشرف الكثيرة التي زينت صدره، فجاءت مصداقا على سمو منزلته الأدبية عندهم، ولولا اتضاعه لأحرز أضعافها، وإليك أسماء البعض منها:
الوسامات ذات الدرجة الأولى أو غران كردون: وسام «النجوم الثلاث» من محمد سلطان جزائر القمور، وسام «الكوكب الدري» من السيد برغش سلطان زنجبار، وسام «الهنزوان» من السيد عمر سلطان الهنزوان.
الوسامات ذات الطبقة الثانية أو غران أوفيسيه: وسام «سام مارينو» من رئيس جمهورية سان مارينو في إيطاليا.
الوسامات ذات الطبقة الثالثة أو قومندور: «الوسام العثماني» من السلطان عبد الحميد، وسام «الشمس والأسد» من ناصر الدين شاه إيران، ووسام «إنج» من سلطانها، وسام «الافتخار» من محمد الهادي باي تونس، ووسام «أوبوك» من حاكم هذه الولاية.
الوسامات ذات الطبقة الرابعة أو أوفيسيه: «الوسام المجيدي» من السلطان عبد الحميد، ووسام «المحفل العلمي الفرنسي» أو أكاديمي من رئيس جمهورية فرنسا، ووسام «كمبودج» من دولة الكمبودج، ووسام «أنام » من ملك هذه الدولة.
الوسامات ذات الطبقة الخامسة أو كواليير: وسام «إيزابلا الكاثوليكية» من ملك إسبانيا، ووسام من ليوبلد الثاني ملك بلجيكا؛ وغير ذلك من الأوسمة وعلامات الشرف التي نالها من الحكومات والجمعيات الأدبية والمحافل العلمية.
وله مع أكثر الملوك المشار إليهم لا سيما مع سلاطين الإسلام وأمرائهم وعلمائهم وشعرائهم ومشاهيرهم؛ مكاتبات تضمنت آيات الثناء على مآتيه الحسنة، وقد أتحف بها قبل وفاته مؤلف هذا التاريخ على سبيل الهدية والتذكار، وهي مجموعة أدبية ثمينة يندر وجود نظيرها عند أحد الشرقيين الذين لا يكترثون عادة لصيانة الآثار القديمة أو النفيسة.
ونال الشيخ أبو نظارة ألقابا مهمة من السلاطين والملوك نذكر منها: لقب «موليير مصر» من إسماعيل باشا خديو مصر على أثر حضوره تمثيل بعض روايات من قلمه، ولقب «صديق الإسلام» سنة 1891 عندما زار السلطان عبد الحميد الثاني في القسطنطينية، فكلفه السلطان تبليغ سلامه إلى كرنو رئيس الجمهورية الفرنسية، ثم كان سنة 1899 الواسطة الودية بين السلطان المشار إليه وبين لوبه رئيس جمهورية فرنسا، ونال سنة 1900 لقب «صديق فرنسا الكبير» من حكومة فرنسا عند افتتاح معرض باريس العام، وأحرز لقب «شاعر الملك» من شاه إيران، ولقب «كوكب الشرق» من سلطان الهنزوان، ولقب «الوطني المخلص» من عباس الثاني خديو مصر، ولقب «مقوي الرابطة الأخوية العامة» من «دون بدرو» إمبراطور البرازيل.
وبعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية بثلاثة أيام سافر إلى الآستانة للاشتراك مع العثمانيين في أفراحهم الوطنية، ثم عاد مشيعا بالإكرام إلى باريس، ومن ذاك الحين أخذ نور عينيه يضعف حتى كف بصره، وفي 31 كانون الأول 1910 أصدر العدد الأخير من جريدة «أبي نظارة» ... بعد انتشارها أربعا وثلاثين سنة ودفاعها عن حقوق وادي النيل بثبات لا يوصف، وبعدما قضى أربعا وسبعين سنة توفاه الله في 30 أيلول 1912 في باريس فنقلت شركة «روتر» التلغرافية خبر نعيه إلى الشرق والغرب.
الشيخ محمد عبده
الشيخ محمد عبده؛ محرر جريدة «الوقائع المصرية» في القاهرة و«العروة الوثقى» في باريس. ***
نشأته الأولى
نشأ في قرية صغيرة «محلة نصر» من أبوين فقيرين ، فلم يمنعه ذلك من الارتقاء بجده واستعداده حتى بلغ منصب الإفتاء، وأصبح علما في الشرق وقطبا من أقطاب الدهر سينقش اسمه على صفحات الأيام، ويبقى ذكره ما بقي الإسلام.
ولد عام 1258ه/1842م، وأبوه يتعاطى الفلاحة وقد أدخل فيها أولاده إلا محمدا، لأنه توسم فيه الذكاء؛ فأراد أن يجعله من الفقهاء فأدخله كتاب القرية، تردد إليه حينا، ثم أرسله إلى «الجامع الأحمدي» في طنطا، أقام فيه ثلاث سنوات ثم نقله إلى «الجامع الأزهر» فقضى فيه عامين لم يستفد فيهما شيئا. وهو ينسب ذلك بالأكثر إلى فساد طريقة التعليم، ثم انتبه لنفسه ولم ير بدا من تلقي العلم فاستنبط لنفسه أسلوبا في المطالعة وأعمل فكرته في تفهم ما يقرؤه، فاستلذ العلم واستغرق في طلبه فأحرز منه جانبا كبيرا على ما يستطاع إدراكه بتلك الطريقة.
واتفق أن ورد على مصر سنة 1288ه/1871م السيد جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام وصاحب الترجمة لا يزال في الأزهر وقد أدرك الثلاثين من عمره، وتولى جمال الدين تعليم المنطق والفلسفة فانخرط محمد في سلك تلامذته مع جماعة من نوابغ المصريين تخرجوا على جمال الدين، فخرجوا لا يشق لهم غبار كأن الرجل نفخ فيهم من روحه ففتحوا أعينهم وإذا هم في ظلمة وقد جاءهم النور، فاقتبسوا منه فضلا عن العلم والفلسفة روحا حية أرتهم حالهم كما هي؛ إذ تمزقت عن عقولهم حجب الأوهام، فنشطوا للعمل في الكتابة فأنشئوا الفصول الأدبية والحكمية والدينية، وكان صاحب الترجمة ألصق الجميع به وأقربهم إلى طبعه وأقدرهم على مباراته، فلما قضي على جمال الدين بالإبعاد من هذه الديار قال يوم وداعه لبعض خاصته: «قد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفى به لمصر عالما!»
وتقلب محمد في بعض المناصب العلمية بين تدريس في المدارس الأميرية وتحرير في «الوقائع المصرية» وكتابة في الدوائر الرسمية حتى كانت الحوادث العرابية، فحمله أصحابها على السير معهم وهو ينصح لهم ألا يفعلوا وينذرهم بسوء العاقبة، ولما استفحل أمر العرابيين اختلط الحابل بالنابل وسبق الناس بتيار الثورة وهم لا يعلمون مصيرهم، فدخل الإنكليز مصر والشيخ محمد عبده في جملة الذين قبض عليهم وحوكموا، فحكم عليه بالنفي؛ لأنه أفتى بعزل توفيق باشا الخديوي السابق، فاختار الإقامة في سوريا فرحب به السوريون وأعجبوا بعلمه وفضله، فأقام هناك ست سنوات فاغتنموا إقامته بينهم وعهدوا إليه بالتدريس في بعض مدارسهم.
وانتقل من سوريا إلى باريس فالتقى فيها بأستاذه وصديقه جمال الدين وكانا قد تواعدا على اللقاء هناك، فأنشئوا جريدة «العروة الوثقى» وكتابتها منوطة بالشيخ محمد؛ فكانت لها رنة شديدة في العالم الإسلامي ولكنها لم تعش طويلا، وتمكن الشيخ في أثناء إقامته بباريس من الاطلاع على أحوال التمدن الحديث وقرأ اللغة الفرنساوية على نفسه حتى أصبح قادرا على المطالعة فيها، ثم سعى بعضهم في إصدار العفو عنه فعاد إلى مصر، فولاه الخديو السابق القضاء وظهرت مناقبه ومواهبه فعين مستشارا في محكمة الاستئناف وسمي عضوا في مجلس إدارة الأزهر، وعين أخيرا مفتيا للديار المصرية سنة 1317ه/1899م، وما زال في هذا المنصب حتى توفاه الله في 11 تموز 1905 ولم يعقب ذكرا يبقى به اسمه، ولكنه خلف آثارا يخلد بها ذكره.
مناقبه وأعماله
كان ربع القامة، أسمر اللون، قوي البنية، حاد النظر، فصيح اللسان، قوي العارضة، متوقد الفؤاد، بليغ العبارة، حاضر الذهن، سريع الخاطر، قوي الحافظة؛ وقد ساعده ذلك على إحراز ما أحرزه من العلوم الكثيرة الدينية والعقلية والفلسفية والمنطقية والطبيعية، وتلقى اللغة الفرنساوية وهو في حدود الكهولة في بضعة أشهر، وكان شديد الغيرة على وطنه حريصا على رفع شأن ملته وذاع ذلك عنه في العالم الإسلامي، فكاتبه المسلمون من أربعة أقطار المسكونة يستفتونه ويستفيدون من علمه وهو لا يرد طالبا ولا يقصر في واجب.
ناهيك بما عهد إليه من المشروعات الوطنية؛ فقد كان القوم لا يقدمون على عمل كبير إلا رأسوه عليه أو استشاروه فيه، فرأس «الجمعية الخيرية الإسلامية» وألف «شركة طبع الكتب العربية» وشارك مجلس شورى القوانين في مباحثه، وآخر ما عهد إليه تنظيم مدرسة يتخرج فيها قضاة الشريعة ومحاموها، فضلا عما اشتغل فيه من التأليف والتصنيف وما كان يستشار فيه من الأمور الهامة في القضاء أو الإدارة بالمصالح العامة والخاصة، وبالجملة فقد كان كنز فوائد للقريب والبعيد، بين إفتاء ومشورة، وإحسان وكتابة، ومداولة ووعظ وخطابة، ومباحثة ومناظرة، واستنهاض وتحريض وتنشيط وغير ذلك.
إصلاح الإسلام
على أن عظمته الحقيقية لا تتوقف على ما تقدم من أعماله الخيرية أو العلمية أو القضائية، وإنما هي تقوم بمشروعه الإصلاحي الذي لا يتصدى لمثله إلا أفراد لا يقوم منهم في الأمة الواحدة مهما طال عمرها إلا بضعة قليلة، وهذا ما أردنا بسطه على الخصوص في هذه العجالة:
العظمة الحقيقية
تختلف العظمة شكلا وأثرا باختلاف السبيل الذي يسعى صاحبها فيه أو الغرض الذي يرمي إليه، فمنهم العظيم في السياسة أو الحرب أو العلم أو الدين، ومن العظماء من يوفق إلى إتمام عمله ومنهم من يرجع بصفقة الخاسر من نصف الطريق أو ربعه أو عشره. على أن أكثر العظماء إنما يأتون العظائم لمجرد الرغبة في الشهرة الواسعة ويغلب أن يكون ذلك في رجال الحرب، وهؤلاء تنحصر ثمار أعمالهم في أنفسهم أو أهلهم أو أمتهم على أنهم لا يستطيعون نفعا لأنفسهم إلا بضر الآخرين، اعتبر ذلك في سير كبار الفاتحين كالإسكندر وبونابرت وغيرهما، فكم سفكوا في سبيل عظمتهم من الدماء أو ارتكبوا من المحرمات، وكان النفع عائدا على أنفسهم أو أمتهم ولم يطل مكثه فيهم إلا قليلا!
وأما رجال العلم فعظمتهم تقوم بما ينيرون به الأذهان من الأصول العلمية أو يكتشفونه من أسباب الأمراض والوقاية منها أو يضعونه من النظامات والقوانين أو غير ذلك، ونفعهم يشمل القريب والبعيد، الرفيع والوضيع، ولا يسفكون في سبيل نشره دما، ولا يرتكبون محرما، وهو باق ما بقي الإنسان وينمو بنمو المدنية.
وأما رجال الدين ومن جرى مجراهم من واضعي الشرائع والأحكام فتأثيرهم أوسع دائرة وأعم شمولا؛ لأنه يتناول البشر على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم رجالا ونساء كبارا وصغارا، وعليهم يتوقف نظام الاجتماع وآدابه وأخلاق الناس وعاداتهم وعلائقهم بعضهم ببعض. وعظماء الدين فئتان: الفئة الأولى واضعو الشرائع كالأنبياء أو من في معناهم ممن ينسبون أعمالهم إلى ما وراء الطبيعة، والفئة الثانية المصلحون الذين يصلحون الدين بعد فساده؛ لأن الدين إذا مر عليه بضعة قرون فسد وتغير شكله، وانقلب وضعه تبعا لمطامع الذين يتولون شئونه؛ فتفسد الأمة وينحط شأنها حتى يقوم من يصلحه ويعيده إلى رونقه. ووضع الأديان عمل شاق قل من يفوز به، والإصلاح الديني لا يقل مشقة عنه، وربما كان إدخال دين جديد أيسر من إصلاح دين قديم، فالديانة المسيحية لم تكلف البشر في قيامها من الدماء أكثر مما كلفتهم في إصلاحها، على أن ما يضيعه رجال الدين في نشره من الدماء يعوضونه بسرعة انتشاره، اعتبر ذلك في الفرق بين النصرانية والإسلام في قيامهما، ويقال نحو ذلك في الإصلاح فقد طلبه وسعى فيه غير واحد من رجال النصرانية فلم يتفق منهم إلى إصلاح كبير غير «لوثير» لأن أهل السياسة نصروه، ولا بد من استعداد الأذهان لقبول الإصلاح وتهيئة الأسباب الأخرى، فكم نهض من المصلحين بالسيف فغلبوا على أمورهم وذهب سعيهم عبثا! وأقربهم عهدا منا صاحب مذهب «الوهابية» في نجد فقد استفحل أمره في أوائل القرن الماضي وأراد في الإسلام نحو ما أراده لوثير في النصرانية، فلم يوفق إلى غرضه؛ لأن الجنود المصرية غلبته وفلت عزيمته، أما المصلحون بالموعظة الحسنة والتعليم فعملهم بطيء ولكنه أرسخ في الأذهان وأصبر على كوارث الحدثان - والشيخ محمد عبده واحد منهم.
هو وجمال الدين
نشأ الشيخ المفتي نير البصيرة حر الضمير وربي في الإسلام وتعلم علومه فشب غيورا عليه، ثم اطلع على علوم الأمم الراقية من أهل هذا التمدن ودرس تاريخ الاجتماع ونواميس العمران، فرأى الإسلام في حاجة إلى نهضة ترفع شأنه وتجمع كلمته، واتفق اجتماعه بالسيد جمال الدين الأفغاني فأخذ عنه الفلسفة والمنطق والحكمة المشرقية، وكان جمال الدين غيورا على الإسلام راغبا في جمع كلمته ورفع شأنه، فتوافقا في الغاية ولكنهما اختلفا في الوسيلة؛ لأن جمال الدين سعى في ذلك من طريق السياسة فأراد جمع شتات المسلمين في أربعة أقطار العالم تحت ظل دولة إسلامية واحدة، وقد بذل في هذا المسعى جهده وانقطع عن العالم من أجله فلم يتخذ زوجة ولا التمس كسبا، وإنما جعل همه السعي إلى تلك الغاية فلم يوفق إلى غرضه لأسباب عمرانية طبيعية لا محل لذكرها، وكان الشيخ محمد عبده رفيقه في كثير من مساعيه واطلع على دخائل أموره وعرف أسباب حبوطه، فعلم أن جمع كلمة المسلمين ورفع شأنهم من طريق السياسة لا يتيسر الوصول إليه؛ فسعى فيه من طريق العلم، فجعل همه رفع منار الإسلام وجمع كلمة المسلمين بالتعليم والتهذيب وتقريبهم من أسباب المدنية الحديثة ليستطيعوا مجاراة الأمم الراقية في هذا العصر، ورأى ذلك لا يتأتى إلا بتنقية الدين مما اعتوره من الشوائب التي طرأت عليه بتوالي العصور وتغالب الدول واختلاف أغراض أصحابها وأئمتها كما أصاب النصرانية في القرون المتوسطة؛ إذ تمسك الناس بالعرض وتركوا الجوهر، واستغرقوا في الأوهام ونبذوا الحقائق. والسبيل الوحيد لمغالبة الأوهام والخرافات إنما هو العلم الصحيح على ما بلغ إليه في هذا العهد. وعلم صاحب الترجمة أن محور العلوم الإسلامية اليوم مصر ومركز العلم بمصر أو في العالم الإسلامي كافة «الجامع الأزهر»، فرأى أنه إذا أصلح «الأزهر» فقد أصلح الإسلام؛ فسعى جهده في ذلك؛ فاعترضه أناس من أهل المراتب يفضلون بقاء القديم على قدمه، واستنصروا العامة عليه، وغرسوا في أذهانهم أن المفتي ذاهب بالمسلمين إلى مهاوي الضلال والبدع. فلم يهمه قولهم لعلمه أن ذلك نسيب أمثاله من قديم الزمان، على أنه لم ينجح في إصلاح الأزهر إلا قليلا، ولكنه وضع الأساس، ولا بد من رجوع الأمة إلى تأييد هذه النهضة ولو بعد حين فيكون الفضل له في تأسيسها.
على أن الجانب الأعظم من عقلاء المسلمين وخاصتهم يرون رأيه في إصلاح الدين ورجاله، وربما سبقه كثيرون منهم إلى الشعور بحاجة الإسلام إلى ذلك ولا سيما المتخرجين بالعلوم العصرية من الناشئة المصرية، ولكنهم لم يجسروا على التصريح بأفكارهم في غير المجتمعات الخصوصية لئلا ينسبهم الناس إلى المروق من الدين، فلما جاهر محمد عبده برأيه وافقوه وصاروا من مريديه ونصروه بألسنتهم وأقلامهم. فحاجة الإسلام إلى الإصلاح ليس هو أول من انتبه إليها ولكنه أول من جاهر بها، كما أن لوثير المصلح المسيحي ليس أول من انتبه لحاجة النصرانية إلى الإصلاح، ولكنه أول من جاهد في سبيلها وقد فاز بجهاده لقيام السياسة بنصرته، وأما مصلح الإسلام فكانت السياسة ضده وإنما حمله على تلك المجاهرة حرية ضميره وجسارته الأدبية ومنصبه الرفيع في الإفتاء.
الإسلام والمدنية
فلما صرح الشيخ محمد عبده بحاجة الإسلام إلى الإصلاح انقسم المسلمون إلى فئتين: فئة ترى بقاء القديم على قدمه وهم حزب المحافظين، وفئة ترى حل القيود القديمة وإطلاق حرية الفكر والرجوع إلى الصحيح من قواعد الدين ونبذ ما خالطه من الاعتقادات الدخيلة، وكان زعيم هذه الفئة يناضل عن مبادئها بلسانه وقلمه وبكل جارحة من جوارحه، وكانت مساعيه من هذا القبيل ترمي إلى غرضين رئيسيين: الأول تنقية الدين الإسلامي من الشوائب التي طرأت عليه، والثاني تقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليستفيدوا من ثمار مدنيته علميا وصناعيا وتجاريا وسياسيا، فأهل العصبية الإسلامية يرون هذا التقريب مغايرا لما يرجونه من استقلال المسلمين بالجامعة السياسية؛ لأن مجاراة أهل التمدن الحديث بأسباب مدنيتهم وتسهيل الاختلاط بهم يضعف عصبية الإسلام على زعمهم، ويبعث على تشتيت عناصره فيستحيل جمعها في ظل دولة واحدة، ولكن الشيخ المفتي كان يرى ذلك الاجتماع السياسي مستحيلا في هذه الحال؛ فلم يشأ أن يضيع وقته سدى كما أضاعه أستاذه وصديقه جمال الدين وأن يخسر فائدة تقرب المسلمين من أسباب هذا التمدن؛ فسعى في ذلك بما نشره من فتاويه المتعلقة بالربا والموقوذة ولبس القبعة ونحو ذلك مما يقرب المسلمين من الأمم الأخرى ويسهل أسباب التجارة.
تنقية الدين
وأما تنقية الدين الإسلامي من الشوائب الطارئة عليه فأساس سعيه فيها أنه أطلق لفكره الحرية في تفسير القرآن، ولم يتقيد بما قاله القدماء أو وضعوه من القواعد التي يحرم الأئمة تبديل شيء منها، فرأى أن يحل نفسه من هذه القيود ويفسر القرآن على ما يوافق روح هذا العصر ، فيجعل أقواله وآراءه فيه موافقة لقواعد العلم الصحيح المبني على المشاهدة والاختبار ولنواميس العمران على ما بلغ إليه هذا العلم إلى الآن مع مطابقته لأحكام العقل وأصول الدين كما فعل النصارى في تفسير الكتاب المقدس بعد ثبوت مذاهب العلم الجديد، وهو أوعر مسلكا في الإسلام لارتباط الدين بالسياسة فيه، والقرآن أساس الدين والدنيا عندهم فيعلقون على تفسيره أهمية كبرى؛ لأنه مرجع الفقه وغيره من الأحكام الشرعية والسياسية، ولذلك رأى أهل السنة تقييده بأقوال الأئمة الأربعة وخالفهم الشيعة باستبقاء باب الاجتهاد مفتوحا فلا يرون بأسا في العدول عن تفسير إلى آخر بشروط يشترطونها في مفسريهم، وهم يعرفون عندهم بالأئمة المجتهدين.
التفسير
وقد توالى على تفسير القرآن أحوال تختلف باختلاف العصور من الإسلام إلى الآن ترجع إلى أربعة أعصر:
الأول العصر الشفاهي:
وهو ينحصر في أيام النبي وأصحابه فقد كانوا عند ظهور الدعوة كلما تليت عليهم سورة أو آية فهموها وأدركوا معانيها بمفرداتها وتراكيبها؛ لأنها بلسانهم وعلى أساليب بلاغتهم، ولأن أكثرها قيلت في أحوال كانت القرائن تسهل فهمها، وإذا أشكل عليهم شيء منها سألوا النبي فيفسره لهم، وكان التفسير مختصرا بسيطا لسذاجة الدولة الإسلامية يومئذ.
ثانيا العصر التقليدي:
ونريد به عصر التابعين أو حواليه وكانت الدولة الإسلامية قد أخذت في النمو والارتقاء فاحتاجوا إلى التوسع في التفسير ، وكان أكثرهم أميين فإذا أعجزهم تفسير بعض الآيات سألوا عنها من أسلم من أهل الكتاب، ولا سيما اليهود المقيمين في اليمن وكانوا قد أسلموا وظلوا على ما كان عندهم من التقاليد المتناقلة شفاها أو كتابة مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية.
ثالثا العصر الفلسفي المنطقي:
ونريد به تدوين التفسير وضبطه بالقياس الفلسفي والحكم المنطقي بعد أن اختلط المسلمون بأهل العلم القديم في الشام والعراق وفارس واطلعوا على علوم القدماء وفلسفة اليونان والهند ونقلوا ذلك إلى لسانهم واستخرجوا منه علم الكلام، وكان العرب قد وضعوا العلوم اللسانية وضبطوا معاني الألفاظ وأساليب التعبير، فنظروا في التفاسير السابقة نظر الناقد ومحصوها وضبطوها بالقياس العقلي بالاعتماد على قواعد المنطق بما تقتضيه الفلسفة اليونانية القديمة على نحو ما فعله لاهوتيو النصارى قبل ذلك.
رابعا العصر العلمي:
الذي نحن فيه، وهو عصر الفلسفة الجديدة المبنية على العلم الطبيعي الثابت بالمشاهدة والاختبار، ويمتاز عن العصر السابق بإطلاق حرية الفكر من قيود التقليد القديمة التي أغلت ألسنة أسلافنا وأقلامهم وأوقفت مجاري التمدن أجيالا متطاولة. فالشيخ المفتي أراد أن ينقل التفسير إلى روح هذا العصر فيفسر القرآن بما يطابق أحكام العقل ويحل الإسلام من قيود التقليد، فسار في هذا الطريق شوطا بعيدا فألقى على طلبة «الأزهر» خطبا كثيرة في التفسير نشرت في مجلة «المنار» وطبع بعضها على حدة وكان لها تأثير حسن في نفوس العقلاء، ولو مد الله في أجله لأتم هذا العمل، ولكنه قضى آسفا خائفا ولسان حاله يردد هذين البيتين وقد قيل إنهما من قصيدة نظمها في أثناء مرضه وهما:
ولست أبالي أن يقال محمد
أبل أو اكتظت عليه المآتم
ولكن دينا قد أردت صلاحه
أحاذر أن تقضي عليه العمائم
على أنه خلف جماعة من تلامذته ومريديه أكثرهم من أهل العلم وأرباب الأقلام، وفيهم نخبة كتاب المسلمين وشعرائهم في هذا العصر، وأكثرهم مجاهرة بنصرته وإذاعة لآرائه رصيفنا السيد رشيد رضا صاحب «المنار» الإسلامي.
والشيخ محمد عبده زعيم نهضة إصلاحية لا خوف منها على الدماء أو الأرواح، وأكثر نهضات الأمم في سبيل إصلاحها لا تخلو من إهراق الدماء، فهو رجل عظيم يجدر بالمسلمين أن يبكوه وأن يقتفوا آثاره في التوفيق بين الإسلام والمدنية الحاضرة وتنقيته مما ألم به بتوالي الأزمان، وذلك ميسور لمن أطلق فكره من قيود التقليد واسترشد بما يهديه إليه العقل الصحيح بالإسناد إلى العلم الصحيح، على أننا نرجو ألا تعدم هذه النهضة من يخلف الإمام في الانتصار لها والعمل بها. والله على كل شيء قدير.
جرجي زيدان
جمال الدين الأفغاني
فيلسوف الإسلام وأحد مؤسسي جريدة «العروة الوثقى» في باريس ومدير سياستها وناشر المقالات الشائقة في جرائد «مرآة الشرق» بالقاهرة و«مصر» و«المحروسة» بالإسكندرية.
هذا جمال الدين أمسى نازلا
جدثا تضمن منه أي دفين
قدر به عم البكاء على امرئ
فقدت به الدنيا جمال الدين ***
هو السيد محمد جمال الدين الحسيني ابن السيد صفتر ينتمي إلى أسرة عريقة النسب كانت تحكم قسما من أراضي الدولة الأفغانية في خطة «كنر» من أعمال كابل، وإنما نزع السيادة من أيديها دوست محمد خان أمير الأفغان وأمر بنفي السيد صفتر وسائر آله إلى مدينة كابل، ويتصل نسبه بالسيد علي الترمذي المحدث الشهير، ويرتقي إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.
ولد السيد جمال الدين في «أسعد آباد» التابعة لخطة كنر سنة 1254 هجرية/1838 مسيحية، وتلقى العلوم العقلية والنقلية في كابل على أشهر الأساتذة حتى استكمل دروسه في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند حيث أتقن العلوم الرياضية على الطريقة الأوروبية، ومنها ذهب في سنة 1857 إلى الحجاز لأداء فريضة الحج فوقف على كثير من عادات الأمم التي مر بها في سياحته، وبعد عودته إلى وطنه انتظم في سلك خدمة الحكومة مدة إحدى عشرة سنة على عهد الأمير المشار إليه، ثم لأمور سياسية اضطر أن يفارق بلاده فارتحل عن طريق الهند إلى القطر المصري على نفقة الحكومة الإنكليزية ومنه إلى عاصمة تركيا.
وفي أثناء إقامته في الآستانة أحرز كرامة عالية في عيون رجال السلطنة العثمانية لا سيما أمين عالي باشا الصدر الأعظم فعرفوا له فضله، وبعد ستة شهور عين عضوا في مجلس المعارف فخدم وظيفته بنشاط وأشار إلى طرق لتوسيع نطاق العلوم خالفه فيها زملاؤه في المجلس المذكور. ولما كلفه الصدر الأعظم للخطابة في دار الشورى ارتجل خطبة في الصنائع غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية، فشغب عليه طلبة العلم وشددت جريدة «الوقت» عليه النكير بما ألجأ الصدر إلى إبعاده عن تركيا، فزايلها في 22 آذار سنة 1871 متوجها إلى وادي النيل حيث عينت له الحكومة المصرية راتبا شهريا بمساعي رياض باشا. وهناك التف حوله كثير من طلبة العلم الذين قرءوا عليه ونقلوا عنه وأذاعوا بين طبقات المصريين فنون الكلام الأعلى والحكمة النظرية وعلم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وأصول الفقه الإسلامي، ولذلك دعاه تلامذته بفيلسوف الشرق وفاخروا به سائر علماء عصره. وإليك ما ورد عنه في كتاب «العروة الوثقى» المطبوع ببيروت:
وكانت مدرسته بيته من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم، ولم يذهب إلى الأزهر مدرسا ولا يوما واحدا، نعم كان يذهب إليه زائرا وأغلب ما كان يزوره يوم الجمعة، ثم وجه عنايته لحل عقل الأوهام عن قوائم العقول، وحمل تلامذته على العمل في الكتابة وإنشاء الفصول الأدبية والحكمية والدينية فاشتغلوا على نظره وبرعوا، وتقدم فن الكتابة في مصر بسعيه.
وقد وصفه سليم عنحوري في ديوان «سحر هاروت» بالعبارة الآتية: «يلبس السواد ويتزيا بزي العلماء، طلي الكلام ذرب اللسان ... مليح النكتة سمح الكف طلق المحيا وقور السمت، يجتنب النساء ويعظم نفسه عن الشهوات، يكره الحلو ويحب المر، وقلما خلت جيوبه من خشب الكينا والرواند يتنقل فيهما تفكها، يأكل الوجبة (مرة كل يوم) ولا يأكل إلا منفردا، يكثر من شرب الشاي والتبغ وإذا تعاطى مسكرا فقليلا من الكونياك، وليس له من التآليف المطبوعة سوى «تتمة البيان في تاريخ الأفغان»، يكره الكتابة ويتثاقل منها، فإذا رام إنشاء مقالة ألقى على كاتب من مثل إبراهيم اللقاني إلقاء قلما يراجعه ويصلحه، فيجيء من أول وهلة مسبوكا مفرغ المعالي بقوالب لفظ لا تنقص عنها ولا تزيد.»
وكان السيد جمال الدين ذا إلمام واسع في الشئون السياسية، إلا أنه كان متطرفا في حرية الأفكار إلى درجة متناهية، فأخذ يعقد الاجتماعات السرية والعلنية ويلقي الخطب الرنانة حاضا المصريين بلهجة شديدة على المطالبة بحقوقهم والتنصل من ربقة الظلم. وقد وقف يوما سنة 1879 في «ساحة محمد علي» المعروفة بالمنشية الكبرى في الإسكندرية وخاطب الفلاح المصري على مسمع من محافظ المدينة وقواد الجيش والعلماء والأعيان قائلا: «أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك؟ لماذا لا تشق قلوب الذين يأكلون ثمرة أتعابك؟»
وكان السامعون ينظر بعضهم إلى بعض مندهشين؛ لأنهم لم يسمعوا في حياتهم مثل هذا الكلام، فوشوا به إلى الخديو الذي أمر بتوقيفه في دار المحافظة ونفيه إلى بلاده في شهر أيلول 1879 فأخذ غلسا وقبض على من كان في حلقته، وأرسل هو وخادمه الأمين «أبو تراب» مخفورين إلى السويس، وقبيل السفر أتاه السيد النقادي قنصل إيران بذلك الثغر ومعه نفر من تجار العجم وقدموا له مقدارا من المال على سبيل الهدية أو القرض الحسن فرده وقال لهم: «احفظوا المال فأنتم إليه أحوج، إن الليث لا يعدم فريسة حيثما ذهب.»، ونزل إلى الباخرة ميمما البلاد الهندية وأقام بمدينة «حيدر آباد الدكن».
جمال الدين الأفغاني وهو في مرضه الأخير.
ولما قدحت شرارة الثورة العرابية بمصر كلفته الحكومة الإنكليزية إلى الإقامة في مدينة كلكتا حتى استتب الأمن في وادي النيل، ثم رخص له بالسفر إلى حيث شاء فجاء أوروبا وأقام في باريز نيفا وثلاث سنين، وهناك أنشأ مع الشيخ محمد عبده المصري جريدة «العروة الوثقى» لدعوة المسلمين إلى الاتحاد سياسيا ودينيا تحت لواء الخلافة الإسلامية، فنشر منها ثمانية عشر عددا ثم قامت الموانع دون استمرارها، كما سبق الكلام عن أخبارها في الباب السابق. وكتب في جرائد باريس فصولا تبحث في سياسة روسيا وإنكلترا وتركيا ومصر فنقلت كثيرا منها صحف إنكلترا، وجرت له أبحاث فلسفية في «العلم والإسلام» مع رينان الكاتب الفرنسي الذي شهد له بقوة البرهان وغزارة المعارف، ثم شخص إلى لندن بإيعاز من اللورد شرشل واللورد سالسبري ليطلعا على رأيه في «المهدي» وظهوره في السودان.
وبعد رجوعه إلى فرنسا استقدمه إلى طهران ناصر الدين شاه الفرس على لسان البرق، فسار إليها وأكرم الشاه وفادته وجعله وزيرا للحربية، فنال لدى أمراء تلك البلاد وسراتها وعلمائها منزلة سامية حتى صاروا يتسابقون إلى منزله للاستفادة من علمه، فخشي الشاه من ذلك وتغير عليه، فأدرك السيد جمال الدين ارتياب الشاه منه فاستأذنه في السفر تبديلا للهواء، فسافر إلى روسيا واختلط بمشاهير أرباب العلم والسياسة فيها، وكتب في صحفها فصولا طويلة تبحث في أحوال الدول الفارسية والأفغانية والعثمانية والروسية والإنكليزية، كان لها تأثير عظيم في عالم السياسة، وهنا ننقل ما رواه جرجي بك زيدان عن بقية أخبار صاحب الترجمة قال:
واتفق إذ ذاك فتح معرض باريس لسنة 1889 فشخص جمال الدين إليها، فالتقى بالشاه في مونيخ عاصمة بافاريا عائدا من باريس فدعاه الشاه إلى مرافقته، فأجاب الدعوة وسار في معيته إلى فارس، فلم يكد يصل طهران حتى عاد الناس إلى الاجتماع به والانتفاع بعلمه، والشاه لا يرتاب من أمره كأن سياحته في أوروبا محت كثيرا من شكوكه، فكان يقربه منه ويوسطه في قضاء كثير من مهام حكومته ويستشيره في سن القوانين ونحوها، فشق ذلك على أصحاب النفوذ وخصوصا الصدر الأعظم فأسر إلى الشاه أن هذه القوانين وإن تكن لا تخلو من النفع فهي لا توافق حال البلاد فضلا عما ستئول إليه من تحويل نفوذ الشاه إلى سواه، فأثر ذلك في الشاه حتى ظهر على وجهه، فأحس جمال الدين بالأمر فاستأذنه في المسير إلى بلدة «شاه عبد العظيم» على 20 كيلومترا من طهران فأذن له، فتبعه جم غفير من العلماء والوجهاء وكان يخطب فيهم ويستحثهم على إصلاح حكومتهم، فلم تمض ثمانية أشهر حتى ذاعت شهرته في أقاصي بلاد الفرس وشاع عزمه على إصلاح إيران، فخاف ناصر الدين عاقبة ذلك فأنفذ إلى شاه عبد العظيم خمسمائة فارس قبضوا على جمال الدين وكان مريضا، فحملوه من فراشه وساقوه يخفره خمسون فارسا إلى حدود المملكات العثمانية، فعظم ذلك على مريديه في إيران فثاروا حتى خاف الشاه على حياته.
أما جمال الدين فمكث في البصرة ريثما عادت إليه صحته، فشخص إلى لندرا وقد عرفوه الإنكليز من قبل فتلقوه بالإكرام ودعوه إلى مجتمعاتهم السياسية وأنديتهم العلمية ليروه ويسمعوا حديثه، وكان أكثر كلامه معهم في بيان حال الشاه وتصرفه في المملكة وما آلت إليه حالها في عهده مع حث الحكومة الإنكليزية على السعي في خلعه، وفيما هو في ذلك ورد عليه كتاب من المابين الهمايوني بواسطة رستم باشا سفير الدولة العلية في لندرا إذ ذاك أن يقدم إلى الآستانة، فاعتذر لأنه في شاغل وقتي لإصلاح بلاده، فورد عليه كتاب آخر وفيه ثناء وتحريض، فأجاب الدعوة تلغرافيا على أن يتشرف بمقابلة جلالة السلطان ثم يعود، فقدم الآستانة سنة 1892 فطابت له فيها الإقامة لما لاقاه من التفات الحضرة السلطانية وإكرام العلماء ورجال السياسة، وما زال فيها معززا مكرما وجيها محترما حتى داهمه السرطان في فكه أواخر سنة 1896 وامتد إلى عنقه، فتوفاه الله في 9 مارس سنة 1897 واحتفل بجنازه ودفنه في مدفن «شيخلر مزارلغي» قرب «نشان طاش».
صفاته الشخصية
كان أسمر اللون بما يشبه أهل الحجاز، ربعة ممتلئ البنية، أسود العينين، نافذ اللحظ، جذاب النظر مع قصر فيه، فإذا قرأ أدنى الكتاب من عينيه ولكنه لم يستخدم النظارات، وكان خفيف العارضين مسترسل الشعر بجبة وسراويلات سوداء تنطبق على الكاحلين وعمامة صغيرة بيضاء على زي علماء الآستانة.
طعامه
كان قانتا قليل الطعام لا يتناوله إلا مرة في النهار ويعتاض عما يفوته من ذلك بما يشربه من منقوع الشاي مرارا في اليوم، والعفة في الطعام لازمة لمن يعمل أعمالا عقلية؛ لأن البطنة تذهب الفطنة، وكان يدخن نوعا من السيكار الإفرنجي الجيد، ولشدة ولعه بالتدخين وعنايته في انتقاء السيكار لم يكن يركن إلى أحد من خدمه في ابتياعه فيبتاعه هو بنفسه.
مسكنه
كان يقيم في أواخر أيامه بقصر في «نشان طاش» بالآستانة أنعم عليه به السلطان وفيه الأثاث والرياش وعربة من الإصطبل العامر يجرها جوادان، وأجرى عليه رزقا مقداره خمس وسبعون ليرة عثمانية في الشهر، فكان قبل مرضه الأخير يقيم معظم النهار في منزله، فإذا كان الأصيل ركب العربة لترويح النفس في متنزه «كاغد خانة» بضواحي الآستانة، وكان كثير القيام لا ينام إلا الغلس إلى الضحى.
مجلسه وخطابه
كان أديب المجلس، كثير الاحتفاء بزائريه على اختلاف طبقاتهم، ينهض لاستقبالهم ويخرج لوداعهم، ولا يستنكف من زيارة أصغرهم على امتناعه من زيارة أكبرهم إذا ظن في زيارته تزلفا. وكان ذا عارضة وبلاغة لا يتكلم إلا اللغة الفصحى بعبارات واضحة جلية، وإذا آنس من سامعه التباسا بسط مراده بعبارة أوضح، فإذا كان السامع عاميا تنازل إلى مخاطبته بلغة العامة، وكان خطيبا مصقعا لم يقم في الشرق أخطب منه، وكان قليل المزاح رزينا كتوما قد يخاطب عشرات من الناس في اليوم فيبحث مع كل منهم في موضوع يهمه، فإذا خرج جليسه كان خروجه آخر عهده بذلك الموضوع حتى يعود هو إليه بشأنه.
أخلاقه
كان حر الضمير، صادق اللهجة، عفيف النفس، رقيق الجانب، وديعا مع أنفة وعظمة، ثابت الجأش، قد يساق إلى القتل فيسير إليه سير الشجاع إلى الظفر. وكان راغبا عن حطام الدنيا لا يذخر مالا ولا يخاف عوزا، وكان مقداما حاثا على الإقدام فلا يخرج جليسه من بين يديه إلا وقد قام في نفسه محرض على العلى منشط على السعي في سبيلها، ولكنه كان على فضله لا يخلو من حدة المزاج ولعلها كانت من أكبر الأسباب لما لاقاه من عواقب الوشاية.
عقله
كان ذكيا فطنا حاد الذهن سريع الملاحظة يكاد يكشف حجب الضمائر ويهتك أسرار السرائر، دقيق النظر في المسائل العقلية قوي الحجة ذا نفوذ عجيب على جلسائه، فلا يباحثه أحد في موضوع إلا شعر بانقياد إلى برهانه وربما لا يكون البرهان بحد ذاته مقنعا، وكان مع ذلك قوي الذاكرة حتى قيل إنه تعلم اللغة الفرنساوية أو بعضها وصار يقدر على الترجمة منها ويحفظ من مفرداتها شيئا كثيرا في أقل من ثلاثة أشهر بلا أستاذ إلا من علمه حروف هجائها يومين.
علومه
كان واسع الاطلاع في العلوم العقلية والنقلية وخصوصا الفلسفة القديمة وفلسفة تاريخ الإسلام والتمدن الإسلامي وسائر أحوال الإسلام، وكان يعرف اللغات الأفغانية والفارسية والعربية والتركية والفرنساوية جيدا مع إلمام باللغتين الإنكليزية والروسية، وكان كثير المطالعة لم يفته كتاب كتب في آداب الأمم وفلسفة أخلاقهم إلا طالعه، وأكثر مطالعاته في اللغتين العربية والفارسية.
آماله وأعماله
يؤخذ من مجمل أحواله أن الغرض الذي كان يصوب نحوه أعماله والمحور الذي كانت تدور عليه آماله توحيد كلمة الإسلام وجمع شتات المسلمين في سائر أقطار العالم في حوزة دولة واحدة إسلامية تحت ظل الخلافة العظمى، وقد بذل في هذا المسعى جهده وانقطع عن العالم من أجله؛ فلم يتخذ زوجة ولا التمس كسبا، ولكنه مع ذلك لم يتوفق إلى ما أراده، فقضى ولم يدون من بنات أفكاره إلا رسالة في نفي مذهب الدهريين ورسائل متفرقة في مواضيع مختلفة قد تقدم ذكرها. ولكنه بث في نفوس أصدقائه ومريديه روحا حية حركت هممهم وحددت أقلامهم فانتفع الشرق وسوف ينتفع بأعمالهم.
ميخائيل عورا
منشئ جريدة «الحقوق» في باريس ومؤسس مجلة «الحضارة» وجريدة «البيان» ومحرر صحيفة «الزمان» في القاهرة ومراسل جريدتي «الأهرام» و«المحروسة» وغيرهما من الصحف السيارة. ***
أسرته
قليلة هي العائلات السورية التي يتسلسل فيها الكتاب والمنشئون والخطاطون من قديم الزمان بلا انقطاع، وأقدم عائلة استحقت هذه الكرامة - على ما نعلم - أسرة «عورا» التي قضى أفرادها السنين الطوال بين المحابر والأقلام أو في خدمة دواوين الحكومة العثمانية والخديوية المصرية، فإنها نشأت في مدينة صيدا أولا ثم انتقلت منها إلى عكا في عهد وإليها أحمد الجزار. ويتصل نسبها بميخائيل جدها الأعلى الذي عاش في أوائل القرن السابع عشر، غير أن أخبارها طمس عليها الزمان ولم يحفظ منها التاريخ سوى ما كتبه سليلها إبراهيم (1796-1863) أحد أحفاد الجد المشار إليه أو ما نقله بعض الرواة الموثوق بصدقهم .
أما منشأ هذه الأسرة فقد روى البعض أنه من أصل يوناني، وذهب غيرهم إلى أنه يتصل بالكونت عورا أو «قنطورا» الذي كان حاكما على حاصبيا سنة 1173 في عهد الصليبيين، وقد ورد ذكر هذا الرجل في كتاب «تاريخ الأعيان في جبل لبنان» صفحة 44-45 لمؤلفه الشيخ طنوس الشدياق اللبناني، وهذا نصه بالحرف الواحد:
وكانت الإفرنج حينئذ قد استولت على وادي التيم وتوطنوا حاصبيا وحصنوها بالآلات الحربية والعساكر الوفية، فلما بلغهم نزول آل شهاب بعشايرهم في الظهر الأحمر جمع قنطورا قايدهم خمسين ألف مقاتل وطلب الإمداد من ذفاتر الإفرنجي صاحب قلعة الشقيف وما يليها، فأمده بخمسة عشر ألف مقاتل وزحف بعساكره لقتال الشهابيين، فلما التقى الجيشان استل الأمير منقذ سيفه وتبعه قومه وغاروا على الإفرنج فكسروهم وقتلوا منهم ثلاثة آلاف رجل، وقتل من عشاير الشهابيين ثلاثماية فارس فدفنوهم بثيابهم وكتبوا إلى نور الدين يبشرونه، ولما طلع النهار زحف الجيشان للقتال فصرخ أحد قواد الإفرنج بالعربية «ليبرز إلي أشجعكم!» فبرز إليه الأمير نجم ابن الأمير منقذ وهجما على بعضهما وتضاربا، فلم يقدر أحدهما على الآخر فتعانقا حتى سقطا عن جواديهما على الأرض، فاستل الأمير نجم خنجر الإفرنجي وضربه به فقتله، فانكسرت الإفرنج إلى الحولانية وقتل منهم خلق كثير، وقتل من عشاير الشهابيين ستماية رجل وانهزم قنطورا بخمسماية رجل إلى حاصبيا، فأسر الشهابيون ذلك اليوم خمسماية أسير من الإفرنج وأرسلوهم إلى نور الدين فأجابهم مادحا شجاعتهم وجهادهم، وفي اليوم العاشر قصد الشهابيون الإفرنج وتدرجوا إلى حاصبيا ليلا فتملكوها بالسيف وبقي قنطورا في القلعة مع خاصته الشجعان محاصرا عشرة أيام، ثم تملكها الشهابيون بالسيف وقتلوا قنطورا وأصحابه وأرسل الأمير منقذ رءوسهم إلى نور الدين، فسر بذلك وولاه أميرا على تلك البلاد التي فتحها وأرسل له خلعة سنية مع أحد خواصه، ولما بلغ ذفاتر الإفرنجي صاحب قلعة الشقيف ما جرى أرسل يطلب الصلح.
وأقدم من اشتهر من آل عورا المعلم ميخائيل بن إبراهيم بن حنا بن ميخائيل فإنه ولد في سنة 1746 وكان بارعا في اللغات العربية والفارسية والتركية، فأحبه أحمد الجزار والي عكا لفضله وأدبه واستقامة مبادئه، وجعله بوظيفة «ديوان أفنديسي» فخدمها إلى نهاية أجله في 5 شباط 1776.
وقام من بعده بكر أولاده حنا (1763-1828) الذي خلفه في منصبه وعمره 16 سنة وكان ذا خط حسن وأدب جم، فلما افتكر الجزار بإعلان الحرب على الأمير بشير الشهابي الكبير والاستيلاء على جبل لبنان كما استولى على بلاد صفد وبلاد المتاولة أوعز إلى المعلم حنا عورا بمرافقة سليم باشا رئيس العساكر في الحملة المذكورة، وقد رافقهم بعض القواد كسليمان باشا وعلي باشا وسليم باشا الصغير، فبدلا من محاربة اللبنانيين اتفق سليم باشا مع قواده على الرجوع إلى عكا بعد خروجهم منها للفتك بالجزار تخلصا من مظالمه، غير أن الجزار أحس بالمؤامرة فقابلهم بعساكر القلعة وبدد شملهم، وذهب المعلم حنا حينئذ إلى مدينة صور فأقام فيها حتى استقدمه إليه الجزار وأعاده إلى وظيفته، ثم أمر بحبسه في أحد الأيام ظلما وبتعذيبه ضربا على رجليه حتى تناثر اللحم من ساقيه، وبعد ذلك أصدر أمره إلى السجان بقطع أنوف بعض المحابيس وبقلع عيون البعض الآخر فكان نصيب المعلم حنا أن قطعوا أنفه، فتظاهر الجزار بالاستياء من فعل السجان وأمر بقتله، وأطلق سبيل المعلم حنا الذي هرب إلى جبل لبنان ثم إلى دمشق، فلبث حنا هناك إلى سنة 1804 وفيها عاد إلى عكا مع سليمان باشا واليها الذي جعله رئيسا لديوانه، ثم توفي سنة 1828 في عهد عبد الله باشا والي الأيالة المذكورة، وقد رزقه الله سبعة أبناء نجباء اشتهر منهم ميخائيل وإبراهيم وجبرائيل وروفائيل، فاعتنى بتربيتهم وتدريبهم على سنن الآداب فنبغوا في الكتابة وقضوا حياتهم في هذه المهنة الشريفة.
فأكبرهم ميخائيل (1794-1868) وضع مواد «تاريخ سوريا» التي جمعها ابنه يوسف من بعده وتوسع فيها كما سيأتي الكلام، وثانيهم جبرائيل الذي ولد في تشرين الثاني 1804 في دمشق وخدم الحكومة المصرية في عكا على عهد إبراهيم باشا، ثم انتقل إلى خدمة الحكومة العثمانية في بيروت سنة 1840 عندما صارت هذه المدينة مركزا لأيالة صيدا الملغاة، فأحرز مكانة رفيعة وجاها عريضا بآدابه وعفة نفسه. ومن مآثره أنه جمع في كراس مخصوص «وقائع إبراهيم باشا المصري» وكتب أخبار الأربعة عشر واليا الذين حكموا أيالة صيدا إلى سنة 1860 ميلادية، وتوفي سنة 1871 فنقشوا على ضريحه هذا التاريخ الشعري:
شهم قضى من آل عورا نحبه
فغدت عيون المكرمات تسيل
سبع وستون سنوه قد مضت
وبصدق خدمة ربه مشغول
ولذا فضائله تؤرخ قائم
في خدمة الرحمن جبرائيل
سنة 1871
وثالث أبناء المعلم حنا ابن المعلم ميخائيل عورا كان روفائيل الذي ولد في شهر أيلول سنة 1806 في عكا، فدخل في الخدم الأميرية حتى صار سنة 1845 رئيسا للديوان في عهد مصطفى باشا والي أيالة صيدا، وفي عام 1865 تعين مديرا لتحريرات بيروت فلبث في هذه الوظيفة عشر سنوات حتى استقال منها لمرض طرأ على عينيه، وكان منشئا بليغا في اللغات العربية والتركية والفارسية مع إلمام بالإيطالية، واشتهر شهرة خاصة بإجادة الخطوط على اختلاف أشكالها ونسخ كتبا عديدة من دينية وعلمية، ووضع جدولا بديعا لمطابقة السنين والشهور والأيام القمرية على السنين والشهور والأيام الشمسية، وجمع نبذا فكاهية في كتاب خاص سماه «تحف وطرف الزمان» لم يطبع، وقال الشعر منذ صباه ومن نظمه نذكر هذا التخميس:
إذا ما الشوق في قلبي ألما
تذكرت الحبيب فزدت سقما
يذكرني الهوى شوقا ولما
أمر على الديار ديار سلمى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
نسيم رسائل الأحباب هبي
على روحي ولحماني ولبي
خليلي سر بنا أحياء حبي
فما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
ولما كان قليل الحرص على صيانة منظوماته فقد لعبت بأكثرها يد الضياع، وانتقل إلى جوار ربه في 4 آب 1879 في بيروت فدفن في ضريح خاص ونقشت فوقه هذه الأبيات:
رمس به من بني العوراء مرتحل
أجرى العيون لدى ترحاله أسفا
ناحت عليه العلى والمكرمات كما
أبكى المحابر والأقلام والصحفا
مرت على الخير والإحسان مدته
حتى ثوى في جوار الله منصرفا
فقلت لما مضى أرخ لساحته
في جانب العرش روفائيل قد وقفا
سنة 1879
ورابع أنجال المعلم حنا ابن المعلم ميخائيل عورا بل أشهرهم كان إبراهيم الذي ولد بتاريخ 31 آب 1796 في صور بينما كان والده فارا من وجه الجزار، فتفقه باللسان العربي وأحرز شيئا من اللغات التركية والإيطالية واليونانية، واتصل بسليمان باشا وعبد الله باشا من ولاة عكا فخدم في ديوانهما حتى سقطت سوريا سنة 1830 فيما بعد بيد العساكر المصرية، فأبقاه إبراهيم باشا المصري في وظيفته ثم غضب عليه بدسيسة بعض الحساد وألقى القبض على أفراد عائلته وزجهم في الحبس، فتمكن إبراهيم من الهرب بواسطة قنصل روسيا وسافر إلى جزيرة قبرص، ولم يزايلها إلا بعد خروج المصريين من سوريا، وكان قدومه إليها مع الأسطول العثماني، ومن ذلك الحين عاد إبراهيم إلى خدمة الحكومة العثمانية فقام بمهام وظيفته بكل إخلاص ثم تركها لمعاطاة التجارة حتى توفاه الله في 2 نيسان 1863 في بيروت، فنظم الشيخ ناصيف اليازجي مؤرخا وفاته في هذين البيتين:
لا تجزعوا يا بني العوراء واصطبروا
بفقد ذخر لكم بالأمس فقد فقدا
من فوقه أحرف التاريخ ناطقة
في طاعة الله إبراهيم قد رقدا
سنة 1863
وكان إبراهيم طاهر الذيل عالي الهمة قوي الحجة صبورا على الأشغال راغبا في العلوم لم يقع بيده كتاب إلا نسخه بخطه حتى أربى عدد المخطوطات التي كتبها بيده على المائتين عدا، إلا أن القسم الوافر منها غرق في مينا يافا ولم يسلم سوى ما هو محفوظ عند عائلته وفي بعض خزائن الكتب، وكان له ولع بتدوين أخبار أيامه وهذا ما دعاه إلى تأليف «تاريخ سليمان باشا» و«تاريخ عبد الله باشا» وهما من ولاة عكا، وجمع شذرات من حوادث سنة 1248 إلى سنة 1255 هجرية، وله رسائل وكراريس شتى مطبوعة بحث فيها عن الحسابين اليولي والغريغوري (أي الشرقي والغربي)، وله أيضا مقالة في «الذمة» وأخرى في «صحة الاعتقاد» وغيرهما من المسائل الدينية لم تطبع، ونال في شهر رجب 1268 هجرية «الوسام المجيدي» من السلطان عبد المجيد ثم وسام «القديس سلوسترس» في 27 آذار 1860 من البابا بيوس التاسع.
حنا عورا؛ مراقب الجرائد سابقا في بيروت.
وبين آل عورا الذين اشتهروا بخدمة المعارف حنا بن إبراهيم ابن المعلم حنا، ولد بتاريخ 29 حزيران 1831 في عكا وقضى حياته كلها في خدمة الحكومة العثمانية، فتقلب في مأموريات شتى وتولى في بيروت مديرية التحريرات ووظيفة مميز لقلم المكتوبي وعضوية محكمة الاستئناف ومراقبة المطبوعات والجرائد، ولما تشكلت حكومة لبنان بعد حوادث سنة 1860 جعله داود باشا كاتبا خاصا له، ومما يؤثر عنه أنه أول من هيأ المواد لنظام جبل لبنان سنة 1861 فكتبها بخط يده طبقا لحاجة المكان والسكان بإيعاز من داود باشا الذي حوره بالاشتراك مع فؤاد باشا، وهو نفس النظام الذي أرسل بعد ذلك إلى القسطنطينية حيث جرى التصديق عليه من الدولة العثمانية والدول الكبرى الموقعة على النظام المذكور، وكانت وفاة حنا في 9 تشرين الأول 1907 وكان حائزا على الرتبة المتمايزة والوسام المجيدي، ونسخ بيده بعض كتب وكان يعرف اللغات العربية والتركية واليونانية والإيطالية والفرنسية.
ومن آل عورا يوسف بن ميخائيل ولد سنة 1828 وعاش في القسطنطينية ومات فيها سنة 1912 بالغا شيخوخة كبيرة، وقد ترك آثارا كتابية أشهرها «تاريخ بونابرت» الذي وصفه جودت باشا الوزير العثماني قائلا إنه شبيه بتاريخ نقولا الترك، وله في مدح نابليون الثالث قصائد نفيسة أيضا، وجمع مواد «تاريخ سوريا» التي وضعها أبوه ميخائيل وزاد عليها ورتبها فجاءت وافية بالمقصود.
ومنهم بتراكي أخو يوسف بن ميخائيل ولد في نيسان 1831 وتولى رئاسة كتاب الجمرك ثم أمانة الصندوق في لواء بيروت، ولما تشكلت المحاكم العدلية تعين مدعيا عموميا للواء حماة، ثم استقال من وظائف الحكومة وتعاطى مهنة المحاماة في دمشق حتى توفاه الله في 7 كانون الثاني 1880 ميلادية، وكان بتراكي من أدباء عصره فإنه نشر مقالات عديدة في مجلة «الجنان» وجريدة «الجنة» البستانيتين، وترجم من اللسان التركي إلى العربي «قانون الإجراء» للمعاملات الجزائية وبعض شذرات في الحقوق وغير ذلك.
ترجمته
هو ميخائيل بن جرجس بن ميخائيل ابن المعلم حنا ابن المعلم ميخائيل بن إبراهيم بن حنا بن ميخائيل عورا وأمه حنة بنت ديمتري نحاس، ولد سنة 1855 في عكا، وما كاد يفطم عن الرضاع حتى فقد أباه فاعتنت والدته بتربيته، ولما تأسست المدرسة البطريركية سنة 1865 في بيروت دخل إليها فكان من بواكير تلامذتها ونوابغهم، وتلقى فيها العلوم العقلية والنقلية وأحكم معرفة اللغات العربية والإيطالية والفرنسية والتركية فبرع فيها كلها مع إلمام بالإنكليزية. وكان أستاذه الشيخ ناصيف اليازجي فأخذ عنه أسرار اللسان العربي حتى صار يشار إليه بالبنان في براعة الإنشاء شعرا ونثرا، وبعد إحرازه شهادة المدرسة أكب في بيته على المطالعة ثم درس الفقه على الشيخ يوسف الأسير فأحكم أصوله.
ولما أنشأت الحكومة الفرنسية سنة 1878 معرضها العام طمحت نفسه إلى التجارة، فذهب بالبضائع الشرقية إلى باريس ولكن تجارته لم تفلح فخسر مالا كثيرا، وفي أثناء إقامته في عاصمة الفرنسيس أصدر بتاريخ 16 نيسان 1880 جريدة «الحقوق» التي عطلها بعد وقت قصير بداعي سفره إلى مصر، وهناك عرفت الحكومة الخديوية فضله فجعلته مديرا لمكتب الترجمة، ثم ترك وظيفته وأنشأ في 22 آيار 1882 مجلة «الحضارة» التي ما كادت تبرز لعالم الوجود حتى احتجبت بظهور الفتنة العرابية المشهورة. ولما كانت خطته السياسية تقبيح سياسة مصطفى رياض باشا رئيس الوزراء ألقت الحكومة المصرية القبض عليه، ولكنه نجا بفضل تداخل قنصل فرنسا فلجأ إلى بيروت ولبنان فلبث فيهما مدة سنة.
وبعد استتاب الراحة في وادي النيل وصدور العفو العام عن المتهمين بقضايا سياسية عاد إلى القاهرة فحرر في جريدة «الزمان» لصاحبها علكسان صرافيان، وقضى مدة يراسل جريدتي «الأهرام» و«المحروسة» اللتين كان مركزهما حينئذ في الإسكندرية، وفي 13 آذار 1884 أصدر بالشركة مع يوسف شيت صحيفة «البيان» التي عاشت ثلاث سنين ونالت نصيبا وافرا من النجاح، ثم ترك مهنة الصحافة وتعاطى فن المحاماة لدى المحاكم فاكتسب ثقة جميع المتعاملين معه، وفي سنة 1906 سافر إلى أوروبا انتجاعا للعافية فأدركته المنية في شهر تموز في مدينة نابولي بينما كان مستعدا للرجوع إلى مصر.
وكان حاد الذكاء صائب الرأي حر الضمير واسع الاطلاع يجيد الترجمة من اللغة العربية إلى الفرنسية والتركية وبالعكس، وكان كثير الإعجاب باللغة العربية فخاض عبابها واتسع في كشف غوامضها وإظهار محاسنها، قيل إنه ترك بعض التآليف النفيسة التي لعبت بها أيدي الضياع في أثناء هربه من وجه الحكومة المصرية. ومن مآثره الأدبية رواية «منتهى العجب في آكلة الذهب» المطبوعة عام 1885 ورواية «الجنون في حب مانون» وغيرهما، وترك خزائن غنية بالأسفار الكثيرة والمخطوطات النادرة لا سيما في العلوم الفلسفية والشرعية، وشغف بنظم الشعر منذ حداثته ولكنه قلل منه في آخر حياته، ومن شعره الرقيق قصيدة في رثاء أديب إسحاق سنة 1885 قال:
الصبر ليس على فراقك يحسن
ولمثل هذا الخطب تبكي الأعين
يا من تحركت النفوس تأسفا
لفراقه هيهات بعدك تسكن
فلئن تمكن منك سلطان الردى
لنفوسنا فيها الأسى متمكن
يا عين جودي بالبكا وتكلمي
بمدامع إن المدامع ألسن
هل ثم عين لم تجد بدموعها
لهفا عليك ومقلة لا تحزن
أو ثم قلب لم يمزقه الأسى
أو هل هنالك قوة لا توهن
تالله ما الدنيا بدار يبتغى
فيها الثوا ويطيب فيها المسكن
كلا ولا للدهر عهد يرتجى
منه الوثوق وليس منه مأمن
والأرض يورثها الإله عباده
وهمو مسيء نفسه أو محسن
كأس الممات على البرية شربه
حتم ومنه ليس ينجو ممكن
كيف النجاة من الممات وهذه
جند المنية بالأسنة تطعن
أم كيف يطمع في الصفاء فتى له
بالطين والماء المهين تكون
والمرء مرمى الموت فهو إذا نجا
منه النهار ففي غد لا يمكن
لا ينفع الأسف الغموس ولا الأسى
الكف أولى والتصبر أحسن
يوسف باخوس
مؤسس جريدة «المستقل» في غلياري ومحرر صحيفة «البصير» في باريس. ***
أسرته
من العائلات الوجيهة في جبل لبنان أسرة «باخوس» التي تنتمي إلى أصل آثوري من بلاد بين النهرين، وقد جاء سوريا أحد أفرادها في القرن السابع عشر وكان على مذهب السريان اليعاقبة القائلين بطبيعة واحدة في المسيح، فانقسمت سلالته فيها من بعده إلى فرعين كبيرين: أولهما سكن في دمشق فتبع مذهب السريان الكاثوليك، وأقام الآخر في قصبة «غزير» من جبل لبنان فانحاز إلى الطائفة المارونية.
وقد اشتهر من الفرع الثاني اللبناني أبو أنطون يوسف الذي كان في سنة 1805 مديرا لأشغال الأمير حسن الشهابي أخي الأمير بشير الثالث الكبير، ومنهم الأستاذ الفاضل نجيب بن فارس الذي عولنا على أبحاثه في أخبار عمه يوسف صاحب هذه الترجمة، ومنهم سليم بك ناظر إدارة القسم المالي في محافظة القاهرة، ثم خليل بن طنوس منشئ جريدة «الروضة» حالا، ونعوم بن جبرائيل الذي انتخبه سكان قضاء كسروان نائبا عنهم في مجلس إدارة لبنان، ثم جددوا انتخابه بإجماع الآراء في شهر حزيران 1913 لما تزين به من الصفات التي رفعته بكل استحقاق إلى هذا المنصب الشريف. ومن أشهر العائلات المرتبطة بالنسابة مع أسرة باخوس آل أصفر وثابت وتيان وخضرا ودوماني وخوام وسواهم، وقد عرف بنو باخوس بغيرتهم الوطنية وبكثير من الأعمال المبرورة.
ترجمته
هو يوسف بن حبيب باخوس ولد في بلدة «غزير » قاعدة كسروان في 5 آيار من سنة 1845 ولما بلغ أشده أدخله والده مدرسة «ماري عبدا هرهريا» الشهيرة في ذلك الحين في عرامون بجوار غزير، فدرس فيها اللغات العربية والإيطالية واللاتينية والسريانية والعلوم الفلسفية والتاريخية وبرع في جميعها لا سيما في اللغة العربية التي جعلها غاية همه ومرمى لسهمه.
وكان رئيسه ومدرسوه الأفاضل يعجبون بتوقد فؤاده وحدة ذكائه وخصوصا بغرابة حافظته وسرعة خاطره، وبعد أن أنهى دروسه في المدرسة المشار إليها درس الفقه وقوانين الدولة العثمانية على الأب العالم الخوري أرسانيوس الفاخوري، ثم عين مدرسا للبيان في اللغة العربية في مدرسة عينطورا للآباء اللعازريين على عهد رئاسة الأب كوكيل الطيب الذكر.
وفي مدة وجوده في هذه المدرسة انصب على درس اللغة الفرنسية بمزيد الهمة والنشاط حتى حذقها ومهر فيها، وهناك ألف كتابه «الهدية السنية لأبناء المدرسة اللعازرية»، وهو مؤلف جزيل الفائدة قد ضمنه جل القواعد الصرفية والنحوية في اللغة العربية جرى فيه مأمورا على الخطة المتبوعة هناك في تعليم القواعد الإفرنسية، وقد نشر بالطبع مرتين.
ثم ما لبث أن ترك مدرسة عينطورا وانتدبه رهبان دير المخلص بالقرب من صيدا لتعليم الفلسفة والآداب العربية في مدرستهم، ومن تلاميذه فيها جرمانوس معقد مطران اللاذقية وأفتيميوس زلحف مطران صور وغيرهما من مشاهير الرهبان، ثم أبحر بعد سنتين إلى الآستانة لقضاء بعض المهام فنال إذ ذاك حظوة في أعين رجال الدولة العظام، وامتدح بعضهم بقصائد غراء نذكر منها واحدة قد نظمها في مدح صفوت باشا وزير الخارجية في ذلك الحين قال في مطلعها:
هي المراتب قد عزت مبانيها
والحزم والعزم طبعا من مباديها
وذي المعالي فمن رام الدراك لها
بالفخر فالجد يؤتيه معاليها
لا يدرك المجد إلا فارس بطل
ولا يؤم المعالي غير واليها
لا بد للمجد من شهم ومن نبه
يزهى به المجد في عليائه تيها
كالفرد صفوت من تاهت بعزته
مراتب المجد دانيها وقاصيها
هو الوزير الذي شاعت مآثره
في المجد لا يبرح التاريخ يرويها
وأقبلت شعراء العصر تنشدها
وتستهل القوافي من معانيها
ومنها في الختام:
حمدا وشكرا لمولانا العزيز على
إنعامه حين أعطى القوس باريها
سلطاننا المالك الدنيا بقبضته
مولى الخلافة ملجاها وكاليها
يا رب خلد مدى الأيام شوكته
واحفظ عدالته وردا لظاميها
يا رب نعم رعاياه برأفته
وغيث نعمته لا زال يحييها
ثم آب إلى بيروت واشتغل في إنشاء الفصول الفلسفية في كتاب «آثار الأدهار» لصاحبيه سليم شحادة وسليم الخوري، وعين مدرسا للفصاحة العربية في مدرسة الحكمة المارونية لسيادة مؤسسها المطران يوسف الدبس الذي قدره حق قدره فأجله ورفع منزلته، وله في مدح سيادته القوافي المتينة والمنظومات الرائعة، منها قصيدة في بيان «محاسن اللغة العربية» رفعها لسيادة الحبر المشار إليه قال في مطلعها:
للشعر في خطرات الفكر آمال
وللقصائد إعراض وإقبال
وللعروض بحار عم طالبها
طورا نداها وطورا خاب تسآل
وللمعاني إذا جادت بها درر
يزينها النظم لا فعل وفعال
بيانها السحر من أسراره انكشفت
غوامض الحكم يروي سعدها الفال
ومنها:
نطوي وننشر من تدبيجها غررا
والطبق والجمع والتفريق إشكال
حلت عقود معاليها بتورية
حلت بها الذوق والتشبيه سلسال
عزت فلا وصل إلا من مكارمها
يرجى وبالفضل للآمال آجال
تلقي المدائح إسنادا بمسندها
وتستقل بها في الحمد أقوال
عن حسنها غرر الأشعار قد قصرت
وصفا وبالقصر إحسان وإجمال
أنعم بها فهي إعرابية سفرت
وأسعد بطلعتها فالسعد إقبال
تفردت بين أبكار اللغي وعلت
قدرا وعزت بها بالفخر أجيال
صحت بإعلالها الأفهام واعتصمت
حكما وفي صحة الأحكام إعلال
وقد نحت نحوها الأفكار وارتفعت
بنصبها منصب التفضيل إبطال
تنازعتها معاني الوصف واشتغلت
بنعت عاملها الموصوف أشغال
ومنها:
وكم رجال أفاض الدهر شهرتهم
براية المجد في مضمارها جالوا
هيهات هيهات إدراك لشوطهم
فدون ذلك أخطار وأهوال
وكل علم وفن ظل ينشدهم
بدائع الشكر تقريظا لما نالوا
لا زال يزهو سناهم كلما خطرت
للشعر في خطرات الفكر آمال
وفي 30 تموز سنة 1879 دعته الحكومة الإيطالية بواسطة قنصلها في بيروت ليتولى تحرير جريدة عربية «المستقل» تطبع في غلياري
Cagliari
في سردينيا
Sardaigne
من أعمال إيطاليا، وشأنها أن تدرأ عن المصالح العربية وتدافع عن حقوقها وأبنائها، فأجاب إلى هذه الدعوى بطيب الخاطر وغاية ما يتمناه وقوف النفس للدفاع عن حقوق أمته العربية. وواقع الأمر أن أعداد «المستقل» الأولى ما تخطت ولا تعدت حد الإفصاح عن مجد العرب الباسق السابق وعن إمحاء ذلك البهاء في أخريات الأيام.
فغادر هذه الأصقاع مريدا أولا رومة العظمى حيث حظي بمقابلة البابا لاون الثالث عشر الذي رمقه بعين الرعاية والالتفات متمنيا له الفوز والنجاح في مهمته الجديدة، وبقي يتنقل في البلاد الإيطالية من مكان إلى آخر متفقدا ما فيها من جميل الآثار التي لم تقو عليها صروف الزمان، وفي أثناء ذلك كتب رسالته المعنونة «عشرون يوما في رومة» أتى فيها بأطلى عبارة وأجمل أسلوب على ذكر ما تحويه المدينة الأبدية من الآثار التي تركها الأقدمون، وقد طبعت منها مقالة نفيسة في وصف مشهد الألعاب القديم.
وفي 28 آذار من سنة 1880 ظهر العدد الأول من «المستقل»، فأحسن الأدباء استقباله وتهافتوا على الاشتراك بهذه الصحيفة التي عظم شأنها وانتشارها، واشتهر أمر محررها، ولعبت دورا مهما في عالم الصحافة والسياسة، فتشاغلت بها الجرائد الأوروبية لا سيما الإفرنسية وتحدثت عنها مرارا عديدة كما أثبت ذلك من مقالة نشرها في أعمدة تلك الصحيفة، وبعد أن مر على تحريره للمستقل نيف وسنة غادر غلياري قاصدا باريس مدعوا من قبل الحكومة الإفرنسية لتحرير جريدة عربية أيضا تعرف ب «البصير» فوصلها في اليوم الثالث من شهر آيار لسنة 1881.
وعند وصوله إلى محطة السكة الحديدية أحسن استقباله بعض الكتبة ومحررو الجرائد الذين أظهروا مزيد الارتياح والسرور للتعرف بعالم شرقي اشتهر أمره في بلادهم «وأعطي موهبة تنميق الألفاظ فسحر الألباب بعبارته الطنانة.» كما ذكروا ذلك مرارا في بعض جرائدهم، ثم لم يلبث أن أصاب «البصير» من النجاح ما قد أصاب «المستقل» في إيطاليا، وكنا نود أن نأتي هنا على ذكر بعض عبارات من مقالات نفيسة نشرها في أعمدة تلك الجريدة إنما يمنعنا عن ذلك ضيق المجال.
وقد عرفت إذ ذاك الحكومة التونسية ما كان لمقالات محرر البصير وكتاباته من النفع والوقع في نفوس أبنائها وذويها، وما أتاه من الجد والجهد في سبيل إحياء روح اللغة العربية في تلك الأصقاع الغربية؛ فمنحته وسام كومندور من «نيشان الافتخار» وذلك في 15 تموز لسنة 1881.
وبقي متوليا إدارة البصير وتحريره إلى أن أصيب بمرض عضال فأشار عليه الأطباء بالعود إلى وطنه، فعاد إليه وقد تخون جسمه النحول والهزال حتى لم يعد ينجح به دواء ولا يرجى له شفاء، فاستأثر به الله في شرخ الشباب ونضارة العمر غير متجاوز السابعة والثلاثين من سنه، فبكى عليه ذوو الأدب والمعارف الذين كانوا يتوسمون به حسن الاستقبال ودفن في ضريح خاص في غزير قد علق عليه تاريخ نظمه المرحوم الخوري الشاعر أرسانيوس الفاخوري.
وكان شهما ذكيا متضلعا في العلوم الفلسفية والتاريخية وخطيبا مصقعا وشاعرا مجيدا له شعر أعذب من الماء الزلال وأغرب من السحر الحلال، وكان سريع الخاطر طلق اللسان لطيف المعاشرة يطرب الألباب ويسكر العقول، بل تعشق كلامه الطباع وتلذ به الأسماع، يشهد له بذلك كثير من ذوي الأدب والعلم في الديار الشرقية والغربية الذين كانوا يعجبون ويطربون بكلامه الدري، وله مع بعض محرري الجرائد في ذلك الحين ولا سيما مع أحمد فارس الشدياق محرر «الجوائب» المناقشات الحسنة والمجادلات اللطيفة التي تشف عن دهاء ودراية في الأمور، واتساع في العلوم، وطول باع في الإنشاء.
جدول عام
يحتوي على أسماء جميع الصحف العربية التي ظهرت في السلطنة العثمانية وبلاد أوروبا في الحقبتين الأولى والثانية 1799-1892
الفصل الأول
صحف السلطنة العثمانية
اسم الجريدة
اسم منشئها
تاريخ صدورها
أولا: جرائد مدينة القسطنطينية
مرآة الأحوال
رزق الله حسون
1855
السلطنة
إسكندر شلهوب
1857
الجوائب
أحمد فارس الشدياق
تموز 1860
السلام
جبرائيل دلال
23 تموز 1879
الاعتدال
أحمد قدري
29 آب 1883
الإنسان
حسن حسني باشا الطويراني
5 جمادى الآخرة 1303ه/1886م
السلام
الحاج صالح الصائغ
1885
الحقائق
إبراهيم أدهم
28 تشرين الثاني 1888
ثانيا: مجلات مدينة القسطنطينية
مدرسة الفنون
حميد وهبي
25 كانون الأول 1882
الإنسان
حسن حسني باشا الطويراني
28 أيار 1884
كوكب العلم
نجيب نادر صوايا
13 كانون الثاني 1885
الحقائق
أبو النصر يحيى السلاوي
8 كانون الأول 1885
الحقوق
إلياس مطر وإلياس رسام
13 تموز 1890
ثالثا: جرائد مدينة بيروت
حديقة الأخبار
خليل الخوري
1 كانون الثاني 1858
نفير سوريا
بطرس البستاني
1860
أخبار عن انتشار الإنجيل
المرسلون الأميركيون
1 آذار 1863
النشرة الشهرية
الدكتور كرنيليوس فانديك
1 كانون الثاني 1866
الزهرة
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1870
المهماز
خليل عطية
25 شباط 1870
الجنة
سليم البستاني
11 حزيران 1870
البشير
الآباء اليسوعيون
3 أيلول 1870
كوكب الصبح المنير
المرسلون الأميركيون
1 كانون الثاني 1871
النشرة الأسبوعية
المرسلون الأميركيون
10 كانون الثاني 1871
التقدم
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1874
ثمرات الفنون
عبد القادر قباني
20 نيسان 1875
لسان الحال
خليل سركيس
18 تشرين الأول 1877
المصباح
نقولا نقاش
1 كانون الثاني 1880
الهدية
جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسية
1 كانون الثاني 1883
بيروت
محمد رشيد الدنا
22 آذار 1886
دليل بيروت
أمين الخوري
1 كانون الثاني 1888
بيروت الرسمية
علي باشا
22 كانون الأول 1888
الفوائد
خليل البدوي
1 آذار 1889
الأحوال
خليل البدوي
1 تشرين الأول 1891
رابعا: مجلات مدينة بيروت
مجموع فوائد
المرسلون الأميركيون
1 كانون الثاني 1851
أعمال الجمعية السورية
الجمعية السورية
6 كانون الثاني 1852
الشركة الشهرية
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1866
أعمال شركة مار منصور
ميخائيل فرج الله
1 حزيران 1867
مجموعة العلوم
الجمعية العلمية السورية
15 كانون الثاني 1868
المجمع الفاتيكاني
الآباء اليسوعيون
1 كانون الثاني 1870
الجنان
بطرس البستاني
1 كانون الثاني 1870
النحلة
القس لويس صابونجي
11 أيار 1870
النجاح
القس لويس صابونجي ويوسف الشلفون
9 كانون الثاني 1871
الطبيب
الدكتور جورج بوست
1 كانون الثاني 1874
المقتطف
يعقوب صروف وفارس نمر
1 حزيران 1876
المشكاة
خليل سركيس
1 نيسان 1878
سلسلة الفكاهات
نخلة قلفاط
1 تشرين الثاني 1884
ديوان الفكاهة
سليم شحادة وسليم طراد
1 كانون الثاني 1885
الصفا
علي ناصر الدين
1 كانون الثاني 1886
الكنيسة الكاثوليكية
خليل البدوي
1 كانون الثاني 1888
خامسا: صحف مدينة دمشق
سورية (جريدة)
راشد باشا
19 تشرين الثاني 1865
دمشق (جريدة)
أحمد عزت باشا العابد
19 تشرين الثاني 1878
مرآة الأخلاق (مجلة)
سليم وحنا عنحوري
1 كانون الثاني 1886
سادسا: جرائد مدينة حلب
فرات
جودت باشا
1867
الشهباء
عطار وكواكبي وصقال
10 آيار 1877
الاعتدال
عبد الرحمن الكواكبي
25 تموز 1879
سابعا: جرائد جبل لبنان
لبنان
داود باشا
4 أيار 1867
الجعبة
الشيخ نوفل الخازن
1873
لبنان
إبراهيم الأسود
1 تشرين الأول 1891
ثامنا: جرائد سائر أنحاء السلطنة العثمانية
الزوراء (بغداد)
مدحت باشا
1868
طرابلس الغرب (طرابلس الغرب)
رسمية
1871
صنعا (اليمن)
رسمية
1877
الموصل * (الموصل)
رسمية
1885 *
حدث سهو في عدم نشر أخبار هذه الجريدة الرسمية بين صحف الحقبة الثانية فلزم التنويه.
الفصل الثاني
صحف أوروبا
اسم الجريدة
اسم منشئها
تاريخ صدورها
أولا: جرائد مدينة لندن في إنكلترا
آل سام
رزق الله حسون
1872
مرآة الأحوال
رزق الله حسون
19 تشرين الأول 1876
الخلافة
الدكتور لويس صابونجي
كانون الثاني 1881
الغيرة
عبد الرسول الهندي
10 شباط 1881
الاتحاد العربي
الدكتور لويس صابونجي
1881
النحلة
الدكتور لويس صابونجي
26 نيسان 1884
ثانيا: مجلات لندن
رجوم وغساق
رزق الله حسون
1868
النحلة
الدكتور لويس صابونجي
2 نيسان 1877
حل المسألتين الشرقية والغربية
رزق الله حسون
1879
ثالثا: جرائد باريس في فرنسا
برجيس باريس
الكونت رشيد الدحداح
24 حزيران 1858
المشتري (مجهول)
1867
الصدى
جبرائيل دلال
1877
رحلة أبي نظارة زرقاء
يعقوب صنوع
7 آب 1878
أبو نظارة زرقاء
يعقوب صنوع
21 آذار 1879
النظارات المصرية
يعقوب صنوع
16 أيلول 1879
مصر القاهرة
أديب إسحاق
24 كانون الأول 1879
الحقوق
ميخائيل عورا
16 نيسان 1880
الاتحاد
إبراهيم المويلحي
1880
الأنباء
إبراهيم المويلحي
1880
الرجاء
إبراهيم المويلحي
1880
أبو صفارة
يعقوب صنوع
4 حزيران 1880
أبو زمارة
يعقوب صنوع
17 تموز 1880
الحاوي
يعقوب صنوع
5 شباط 1881
أبو نظارة
يعقوب صنوع
8 نيسان 1881
البصير
خليل غانم
21 نيسان 1881
كوكب المشرق
عبد الله مراش
1883
الوطني المصري
يعقوب صنوع
29 أيلول 1883
العروة الوثقى
جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده
13 آذار 1884
الشمس
سليم قويطة والياهو ساسون
22 شباط 1885
الثرثارة المصرية
يعقوب صنوع
1886
رابعا: جرائد سائر أنحاء فرنسا
عطارد (مرسيليا)
منصور كرلتي
1858
الشهرة (أنجه)
منصور جاماتي
1 آب 1888
خامسا: جرائد إيطاليا
الخلافة (نابولي)
إبراهيم المويلحي
1879
المستقل (غلياري)
يوسف باخوس
28 آذار 1880
سادسا: صحف الجزائر البريطانية في البحر المتوسط
مالطا (مالطا) (مجهول)
نواحي سنة 1889
زمان (قبرص)
درويش باشا
1878
ديك الشرق (قبرص)
علكسان صرافيان
1889
الكتاب الثالث
الصحافة المصرية في الحقبة الثانية من سنة 1869 إلى سنة 1892
محمد توفيق الأول؛ خديو مصر في النصف الأخير من الحقبة الثانية لتاريخ الصحافة العربية 1879-1891.
مقدمة
ما كاد يصدر الجزآن الأول والثاني من تاريخ الصحافة العربية حتى أقبل على مطالعته علماء التاريخ وأرباب النهضة الأدبية من كل ناحية، فكان ذلك منشطا لي على مثابرة القيام بهذا المشروع المفيد، بل أنساني ما بذلته في سبيله من المشاق الكثيرة والمعدات الوافرة والنفقات العظيمة والوقت الطائل مما لا يعلمه إلا الذين يعانونه.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
وقد أفاضت صحف الأخبار والمجلات العلمية شرقا وغربا في إطرائه وبيان محاسنه وإظهار فوائده بعبارات أطلقت لساني بالشكر والثناء، ذلك فضلا عن التقاريظ الشعرية والنثرية التي امتدحه بها فطاحل الشعراء ومشاهير حملة الأقلام من الناطقين بالضاد ما لو قصدت جمعه لتألف من ذلك كتاب مستقل بذاته، مع أن كل ما صدر حتى الآن لا يعد إلا زاوية في البنيان الذي يجب أن يشيده المؤرخ لصحافتنا الشريفة. وكما أن صحفنا العربية نقلت عنه فصولا طويلة كذلك المستشرقون في أوروبا أنزلوه منزلة الاعتبار، وفسحوا لمديحه مجالا في مجلاتهم العلمية ووضعوه بين أيدي تلامذتهم، وقد أخذ أحدهم في مدينة برلين يترجمه إلى اللغة الألمانية لفائدة بني جنسه المولعين بدرس الآداب العربية.
تكلمت في الجزء الأول عن الحقبة الأولى (1799-1869) من تاريخ الصحافة العربية، وباشرت في الجزء الثاني أن أبحث عن الحقبة الثانية (1869-1892) فأوردت منها أخبار الصحافة العثمانية وصحافة أوروبا فقط، ولم يبق منها سوى ما يتعلق بشمال أفريقيا والهند وسائر الأقطار التي يدور عليها بحثنا الآن.
لما أقدمت على العمل في البداية شعرت بنفسي أهمية الموضوع وصعوبة مسالكه وكثرة ما يحول دون القيام به من العقبات، ولكن ما لاقيته من تنشيط أرباب هذه المهنة الجليلة حملني على مواصلة السعي لإتمام مشروعي الكبير رغما من الخسائر المادية التي لحقت به؛ لأن المصلحة العامة تعلو على المصلحة الخاصة، والمنافع المعنوية لا يلزم أن تقف في سبيلها العوائق المادية، ولي ملء الثقة بالصحافيين الكرام أنهم ينظرون بعين الرضى إلى هذا الأثر الذي يخلد مآثرهم وأخبار صحفهم لإعلاء منار الأدب وتهذيب الأخلاق وإسعاد حال البلاد العربية وترقيها في معارج الحضارة، والله الموفق إلى الصواب في البدء والمآب.
وصف أحوال الصحافة المصرية بوجه
الإجمال
كانت الصحافة المصرية في ختام حقبتها الأولى مؤلفة من ثلاث صحف حية وهي «الوقائع المصرية» ومجلة «وادي النيل» ومجلة «يعسوب الطب» دون سواها، فما كان يلوح هلال الحقبة الثانية حتى أخذت الصحف تنتشر بكثرة في مدينتي القاهرة والإسكندرية ولم تتعداهما، وكان معظم أرباب الصحف والمحررين فيها من المسيحيين السوريين الذين سبقوا غيرهم من الناطقين بالضاد في هذا الفن، ومنهم تعلم المصريون وتنبهوا على إنشاء الجرائد بكثرة، فإن السوريين تركوا بلادهم لائذين بحمى الخديو إسماعيل؛ لأن شهرة كرمه طبقت الخافقين، فكان يمدهم بالمال ويسهل لهم سبل الرزق ويشد أزرهم في كل الأمور طمعا بما كانت تتوق إليه نفسه من حب الاستقلال، وكانت عطاياه لا تتناول كتاب الصحف العربية فقط، بل الشعراء والأدباء وأرباب التمثيل وأصحاب الصحف الأجنبية أيضا، ولولا تنشيطه الأدبي والمادي لبقيت الصحافة منحطة وما شاهدنا لها تلك النهضة الكبيرة التي تزايدت مع الأيام شيئا فشيئا، وقد ساعده وزراء مصر في تعزيز هذه الحركة الأدبية كعلي باشا مبارك وعبد الله باشا فكري لا سيما رياض باشا رئيس النظار، وفي هذا المقام نورد شهادة ناطقة بفضل الصحافيين السوريين وعلو منزلتهم الأدبية في وادي النيل، وقد جاءت في الخطاب الذي ألقته الناثرة الشاعرة الفرنسية السيدة مردروس في إحدى حفلات «النادي الشرقي» في القاهرة حيث خاطبت أبناء سوريا بقولها:
إن ابن وطنكم الدكتور فارس نمر ذلك الشرقي الذي يحق لنا أن نعده - هو والدكتور صروف شريكه في الجهاد - في مصاف أعظم أرباب الصحافة وأهل الصدق والاستقامة من الغربيين ... على أني أعلم الآن ما تحققته وهو أنكم هنا في مصر العنصر الذي لا غنى عن علمه وعقله وذكائه، فإنكم قد أثبتم مقدرتكم وبراعتكم بالامتحان حتى أراكم في مقدمة الأقران، سواء كان في حركة الأفكار أو في المكتب والجرائد أو في الخدمة والوظائف أو في الصناعة التي لا تزال في مهدها أو في التجارة والأشغال.
وكانت حرية الصحافة مطلقة في أيام إسماعيل، لكنه كما قال جرجي زيدان «لم يكن يصبر على من ينتقده، فكان الكتاب يراعون جانبه، ومن تجاسر على انتقاده أصبح في خطر القتل كما أصاب مدير الأهرام رحمه الله لما أشار إلى مال صرف من الخزينة ولم يعلم مصيره، ولو لم تنصره فرنسا لذهب ضحية الملاحظة.»، وكانت الأهرام في مقدمة جميع الجرائد المصرية في هذه الحقبة، ولا تزال منذ نشأتها تدافع عن الوطن بما عهد في أصحابها من الاقتدار في هذه المهنة الشريفة، وكانوا لا يبالون بالخسائر المادية في سبيل خدمة البلاد رغما عما أصابهم من دخول السجن وخطر القتل ثم احتراق مطبعتهم في أثناء الحوادث العرابية.
ولما تولى توفيق الأول سرير الخديوية بعد خلع أبيه إسماعيل اندفعت الجرائد الوطنية في التنديد بأعمال الحكومة لمراعاتها جانب الإفرنج، فإن هؤلاء تداخلوا فعليا في شئون مصر واندمجوا في سلك وزارتها، وتولوا بعض إداراتها الكبرى تأمينا على الأموال التي استدانتها منهم الخزانة المصرية، وكان زعيم هذه الحركة الفكرية عبد الله نديم صاحب جريدة «الطائف» المشهورة، فإنه أضرم في قلوب مواطنيه نار الحركة المذكورة وأخذ يوالي معهم الاجتماعات العلنية والسرية، ثم يحرضهم على الجامعة العربية بكتاباته وخطبه حتى اضطر الخديو إلى أن يمنح أمته مجلسا نيابيا تحت رئاسة سلطان باشا. ولما كان سلوك الحزب الوطني من طريق لا تحمد عقباه تفاقم الخطب في البلاد ثم أفضى الأمر سنة 1882 إلى الاحتلال الإنكليزي، وبعد ذلك صار إيقاف المجلس النيابي لأمور سياسية، وكانت اليد الطولى في إيقافه لدولة الاحتلال. ومن المعلوم أن الإنكليز وعدوا بالجلاء عن مصر بعد تأييد الراحة فيها ورجوع المياه إلى مجاريها، فلما طال أمر محاولتهم ولم يأنس الوطنيون من المحلتين أقل إشارة إلى الجلاء القريب قاموا يطالبون الإنكليز بترك البلاد ويذكرونهم بوعودهم.
وعلى أثر ذلك انقسمت الصحف إلى حزبين كبيرين: أحدهما احتلالي ينتصر للإنكليز مستحسنا خطتهم، والآخر وطني يقبح سياستهم مناديا بضرورة جلائهم عن وادي النيل، فبدأت من ذاك العهد حرب الأقلام والأفكار بين الحزبين حتى بلغ أشده بظهور جريدة «المقطم» سنة 1889 لأصحابها صروف ونمر ومكاريوس، وكانت هذه الجريدة لسان حال المحتلين تخدم نواياهم وتنصرهم في كل حال، فلم يكن من الوطنيين إلا أنهم أنشئوا في السنة ذاتها جريدة كبرى سموها «المؤيد» بإدارة صاحبيها الشيخ أحمد ماضي والشيخ علي يوسف للقيام في وجه المحتلين والمنتصرين لهم، وهي باكورة الجرائد الإسلامية المهمة التي علا صوتها دفاعا عن حقوق الوطنيين، فعضدوها ماديا وأدبيا وأقبلوا على قراءتها من كل حدب وصوب. هكذا كانت حالة الصحافة المصرية في منسلخ الحقبة الثانية، فكان بعض الجرائد يضرب على وتيرة المقطم في مبادئه الاحتلالية وبعضها ينتمي إلى المؤيد في خطته الوطنية، قال جرجي زيدان: «وهناك جرائد أخرى أخذت بناصر الدولة العثمانية ضد الاحتلال وأكثرها كان عبد الحميد (السلطان المخلوع) يدفع إليها الرواتب، وبعضها كان ينصر الفرنسويين ويحاسن العثمانيين وهو الأهرام.»
الدكتور مرتين هرتمان؛ أستاذ الآداب الإسلامية بمدرسة اللغات الشرقية في برلين ومؤلف «تاريخ الصحافة المصرية» منذ ظهورها إلى سنة 1899 باللسان الإنكليزي ورئيس «الجمعية الألمانية لمعرفة أحوال البلدان الإسلامية» ومؤسس مجلتها [التوطئة - الفصل الثالث].
يتضح مما تقدم أن قسما من الجرائد المصرية كان يندد بالدولة العثمانية ويميط النقاب عن ظلم عمالها فلا يرى بابا للشكوى إلا ولجه ولا خللا إلا طلب إصلاحه، وقسم آخر يذود عن السلطنة المشار إليها فلا يذكر لها سيئة ولا يرى فيها مأثمة، فعوضا عن أن تصيخ تركيا لأقوال المنددين وتعمد إلى استجلاء حقيقة أفعال مأموريها منعت تلك الصحف من الدخول إلى ممالكها، فنقلتها من طور التظلم من بعض العمال الخونة إلى الطعن فيها عموما. ويا ليت أن الدولة وقفت عند هذا الخطأ بل تجاوزته إلى أعظم منه إذ أوعزت إلى معتمدها أحمد مختار باشا الغازي أن يسعى في إلغاء الجرائد المذكورة؛ فاتفق مع المسيو كوكوردان معتمد فرنسا على ذلك فأخفق سعيا، ولم يجد الدولة العثمانية سوى أنه نقل تلك الصحف إلى طور العداء لتركيا وجعل أكثرها ينقب عن سيئات الدولة تشفيا وانتقادا، فكان من وراء السعي المذكور أن اللورد كرومر معتمد بريطانيا العظمى وقف سدا دون نجاح مختار باشا وكوكوردان، وأيد مبادئ الجرائد المذكورة وأمال بها نحو إنكلترا، فجعلت تطبق الأرض في الثناء على عدل الإنكليز وتخدم سياستهم الاحتلالية خدمة صادقة لو بذلوا في سبيلها الألوف المؤلفة من الدنانير لما حصلوا عليها، فأتتهم غنيمة باردة لم تكلفهم أقل تعب أو نفقة.
أما الصحف المناصرة لتركيا فقد بالغت في الدفاع عن حوضها وتكذيب ما ينسب من الظلم إلى مأموريها مبالغة أفقدتها ثقة القراء الذين أصبحوا ينظرون إلى كتاباتها عن السلطنة العثمانية بعين الارتياب، ثم نقلتهم من الشك بصحة تلك الأقوال إلى القطع بأن ما تنشره عار عن الصدق مناف للحقيقة.
ولا بد لنا في هذا المقام من التصريح بأن صحافة وادي النيل بلغت أو كادت تبلغ شأو الجرائد الأوروبية من حيث الحجم ووفرة الأخبار وغير ذلك من المحاسن، والفضل في ذلك عائد إلى الحكومة المصرية التي تحدت الحكومات الأوروبية ما أمكن بتأثير الاحتلال الإنكليزي. وعلى الجملة فالصحافة العربية في تاريخ حقبتها الثانية لا تستحق أن تعد بين الصحف الراقية إلا في مصر، ولا يمكن أن ترتقي في سائر الأقطار إلا بقدر ارتقاء المحيط الذي تصدر فيه كما نشاهد الآن ذلك بالفعل في أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية.
الباب الأول
يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات في مدينة القاهرة
الفصل الأول
أخبار جرائد القاهرة من سنة 1869
إلى 1877
(1) حديقة الأبصار
جريدة سياسية ظهرت في عهد إسماعيل باشا (1863-1879) خديو مصر، ونجهل بالتدقيق سنة صدورها واسم منشئها وخطتها السياسية حتى نقوم بوصفها وصفا تاريخيا، وكل ما نعلمه عنها أن ذكرها ورد في كتاب «تاريخ مصر الحديث» لجرجي بك زيدان
1
فاكتفينا بالإشارة إلى ذلك، وإنما يترجح لدينا أن صدورها كان بعد السنة 1875. (2) أبو نظارة زرقاء
جريدة فكاهات ومسليات ومضحكات صدرت في 21 آذار 1877 ثلاث مرات في الشهر لمديرها ومحررها يعقوب صانوواع (جمس سانووا) أستاذ الألسن الشرقية ومؤسس فن التمثيل العربي في مصر، ولعنوان هذه الجريدة نادرة تاريخية نرويها في هذا المقام فنقول:
كان ليعقوب صانوواع صديقان مرتبطان معه بروابط المحبة وهما السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا، فاتفق ثلاثتهم على إنشاء جريدة هزلية لانتقاد أعمال الخديو إسماعيل ثم قر رأيهم على أن يتولى أولهم إدارتها، فأوعز السيد جمال الدين إلى يعقوب في إيجاد عنوان للجريدة يليق بمسلكها، فخرج هذا إلى بيته باحثا عن حمار يركبه فإذا بالفلاحين أصحاب الحمير قد تجمعوا حوله وأراد كل منهم أن يركبه حماره، فلما زاحموه أحب التخلص منهم وإذا بصوت من ورائه يناديه «يا أبا النظارة الزرقاء» وكان وقتئذ يستعمل النظارات الزرقاء وقاية لعيونه من حرارة الشمس، فرن هذا الصوت في أذنيه واستحسن عبارة الفلاح مصمما على اتخاذها عنوانا لصحيفته، فرجع من ساعته إلى السيد جمال الدين وأخبره بما جرى له مع أصحاب الحمير وباختياره العنوان المذكور للجريدة، فضحك من كلامه ولكنه استحسن الاسم وهكذا صدرت جريدة «أبي النظارة الزرقاء» التي تعد أول صحيفة حرة هزلية عند الناطقين بالضاد.
ولما كانت مقالاتها تنتقد بعبارات جارحة أعمال الخديو أصدر إسماعيل باشا أمرا بإلغائها بعد صدور العدد الخامس عشر منها، بل إنه كان متعمدا الانتقام من منشئها بكل الوسائل حتى القتل لو استطاع إلى ذلك سبيلا، فأوعز إلى قنصل إيطاليا بطرد يعقوب من الديار المصرية؛ لأنه كان محتميا بالدولة المذكورة، فسافر هذا إلى باريز وهناك استأنف إصدار جريدته مقبحا بها سياسة إسماعيل وأعماله الاستبدادية، كما روينا ذلك بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا الكتاب. (3) حقيقة الأخبار
هو اسم لجريدة سياسية أسبوعية ذات أربع صفحات صدرت في أوائل سنة 1877 لمؤسسها ورئيس تحريرها أنيس بك خلاط الطرابلسي، وقد ساعده ماديا وأدبيا على إنشائها وانتشارها صاحب الأيادي البيضاء منصور باشا يكن صهر الأسرة الخديوية، وكانت خطتها وطنية تراعي أميال المسلمين عموما وتدافع عن حقوق العثمانيين خصوصا في الحروب التي دارت رحاها بين تركيا وبين روسيا وسائر الدول البلقانية، وكانت المقالات الافتتاحية مدبجة ببراعة وهي تدل على طول باع في الإنشاء وبعد نظر في الشئون السياسية.
وكتب فيها بعض مشاهير حملة الأقلام المصريين والسوريين كالشيخ محمد عبده ونقولا بك توما والسيد عبد الله نديم وأمين خلاط وأنطون نوفل، وقد التزم لها منشئها برقيات شركتي روتر وهافاس وصار ينشرها بملحقات يومية ليقف القراء على أهم الأنباء الكونية، وهو أول من عمد إلى هذه الطريقة بين جميع الصحافيين في عاصمة وادي النيل. هكذا انتشرت «حقيقة الأخبار» انتشارا سريعا في كل البلاد العربية؛ لما كانت تتضمنه من الحقائق والأخبار المفيدة، ثم احتجبت هذه الصحيفة في عامها الثالث بانخراط صاحبها في سلك خدمة الحكومة المصرية. (4) الوطن
جريدة أسبوعية سياسية أدبية تجارية أنشأها ميخائيل عبد السيد في 17 تشرين الثاني سنة 1877 في القاهرة، ونشرها في المطبعة التي استجلبها من أوروبا الأنبا كيرلس الرابع الكبير بطريرك الأقباط الأرثوذكس على يد رافائيل عبيد من مشاهير أعيان السوريين بمصر في ذلك العهد، فلما وصلت المطبعة إلى محطة القاهرة استقبلها نيابة عن البطريرك مطارنته وكهنته وشمامسته بالموسيقى والملابس المختصة بالخدمة البيعية، وساروا بها قاطبة إلى الدار البطريركية وهم يرتلون التراتيل الروحية. ومما يروى عن هذا البطريرك حينئذ أنه لشدة الفرح أعلن لمن كانوا حوله قائلا: «لولا الخوف من لوم الجهال لرقصت أمام المطبعة في الطريق كما رقص داود أمام تابوت العهد.»
الشيخ يوسف الخازن؛ مؤسس جريدتي «بريد الأحد» و«الأخبار» وصاحب مجلة «الخزانة» ورئيس تحرير جريدة «الوطن».
فلما ظهرت جريدة الوطن تولى ميخائيل عبد السيد تحريرها بالاشتراك مع نخبة من شبان الأقباط لا سيما جرجس ميلاد ويسي بك عبد الشهيد، وكانت في أول عهدها صغيرة الحجم واشتهرت قبل الاحتلال وبعده بتحيزها للوطنيين، كما أنها كانت من أشياع العرابيين في عهد الثورة، وعرفت بالانتصار لرياض باشا رئيس الوزارة المصرية في معاكسته للمحتلين. ولما اشتد الخلاف بين الأقباط وبطريركهم سنة 1892 بشأن الأوقاف والمجلس الملي كانت جريدة الوطن من أنصار البطريرك ولها في الدفاع عنه مقالات معروفة، واستمرت على الصدور أسبوعيا حتى أواخر سنة 1895، ثم صدرت مرتين في الأسبوع حتى آخر سنة 1898 حيث عطلها صاحبها؛ إذ رأى أن الرغبة فيها قلت لوفرة الجرائد اليومية.
وفي 25 آب 1900 ابتاع جندي إبراهيم امتياز جريدة «الوطن» من ميخائيل عبد السيد بمبلغ مائة جنيه إنكليزي وأصدرها يومية في أربع صفحات ذات ستة أعمدة، فطبعت حينئذ في مطبعة «جمعية التوفيق» وكان ميخائيل عبد السيد يوافيها من حين إلى آخر بفصول سياسية، واشتغل بالتحرير فيها بعض شبان الأقباط نذكر منهم: ميخائيل كيرلس وميخائيل قسيس وحنا يوسف منصور المحامي لدى محاكم الاستئناف ورمزي تادرس وتوفيق حبيب وتوفيق عزوز، وكذلك اشتغل فيها بضعة شهور كتاب من المسلمين نذكر منهم: محمد حسين ومحمد نجيب وأحمد الكاشف، ثم تولى التحرير فيها نفر من نخبة الكتاب السوريين مثل خليل بك مطران ونجيب جاويش وإبراهيم نجار ونجيب شاهين وأنطون نوفل والشيخ يوسف الخازن، ولم يكن خليل مطران يتناول راتبا عن عمله، بل رضي أن يتعهد له جندي بك إبراهيم بطبع «المجلة المصرية» مقابل أتعابه في التحرير والترجمة اللازمين لجريدة الوطن.
لكن هؤلاء كلهم لم يلبثوا فيها زمنا طويلا، بل تركها بعضهم بعد أن صرف فيها شهرين، وانقضى عهد الجميع في مفتتح سنة 1902 حيث عهد في رئاسة تحريرها إلى إسكندر شاهين صاحب جريدة «الرأي العام» المحتجبة ويساعده في ذلك جرجي طنوس وفريد كامل، وكانت قبل أن يتولى التحرير فيها إسكندر شاهين بدون مبدأ سياسي معروف، ولم يكن يقرؤها إلا بعض الراغبين في مطالعة الفصول الأدبية أو ذوو العلاقة ببعض محرريها، ولما اشتدت الحركة الوطنية وعلا صوت مصطفى كامل باشا هبت جريدة الوطن تسفه المبادئ الوطنية وتحقر القائمين بها بعبارات هزلية مجونية فلم يبال بها أحد، ثم وقعت حادثة دنشواي (التي اعتدى فيها جماعة من أهل الريف على عساكر الإنكليز فحكم على من ثبتت عليهم الجريمة بأحكام مختلفة بين إعدام وسجن)، فأخذت جريدة الوطن بناصر الإنكليز، ورمت المصريين بكفران النعمة، وادعت أنهم لا يستحقون دستورا ولا استقلالا، ولم تفرق في كلامها بين حزب وحزب، بل رمت جميع أهل الحركة الوطنية بتهمة الجنون والثورة والسعي إلى خراب البلد.
واستعرت بينها وبين جريدة «مصر» القبطية نيران الجدال بشأن المسألة الطائفية، فإن صاحب «الوطن» بعد أن كان مؤيدا المجلس القبطي وناقما على البطريرك ورجال الدين وقع بينه وبين بعض أعضاء المجلس ما دعاه إلى تحويل سياسته شيئا فشيئا حتى أصبح عدوا ألد لكل من يقول كلمة عن البطريرك . ومما يروى عن «الوطن» في هذه الحركة أنه كتب يوما عن الشبيبة القبطية ما رأوه ماسا بعواطفهم فجمعوا حزمة من أعواد «الوطن» وأشعلوا فيها النيران بأحد الميادين الكبرى في القاهرة.
ثم جرت حادثة مقتل بطرس باشا غالي رئيس الوزارة المصرية فاتفق صاحب جريدة «الوطن» وصاحب جريدة «مصر» القبطيتين على تناسي ما بينهما من الخصام، واتحدا يدا واحدة على محاربة الوطنيين واتهامهم بالمؤامرة على قتل بطرس باشا ورميهم بالتعصب، واشتهرت مقالات جريدة «الوطن» في هذه المسألة بالحدة والتطرف اللذين لا زيادة بعدهما لمستزيد.
وجندي إبراهيم صاحب جريدة «الوطن» لا يكتب شيئا في جريدته، ولكنه - كما وصفه أحد الأدباء في جريدة المؤيد - يراقب المحررين مراقبة دقيقة فيوزع عليهم الأعمال ويرشدهم إلى كتابة المقالات، ثم يراقب ما يكتبونه ويغير ويبدل عباراتهم وألفاظهم ويأمر أحيانا كثيرة بإعادة كتابتهم، ويتولى بذاته دائما وضع العناوين ويتخذ لها غالبا ألفاظا وأمثالا وعبارات عامية.
ويجتهد صاحب «الوطن» في أن يكون زعيما لحركة الأقباط، ولذلك لا يكاد يشتهر أحد من الأدباء حتى يعمد إلى التشهير به والحط من مقامه واتهامه بالخيانة والمروق، وقلما احتاط فيما يوعز بكتابته عن الأشخاص فلا يمر حين حتى يساق إلى المحاكمة، ولا تنشر جريدة الوطن مقالات موقعة باسم أحد من محرريها تصريحا أو تلميحا، ولكن لا يذكر اسم الوطن بين المتأدبين وأهل الرأي إلا مقرونا باسم إسكندر شاهين، وهو الكاتب السوري البليغ الذي قضى معظم حياته الصحافية في خدمة الطائفة القبطية بإخلاص. ولبث إسكندر شاهين قائما برئاسة تحرير هذه الصحيفة حتى سافر سنة 1913 إلى العالم الجديد حيث أنشأ جريدة «أميركا» لحسابه الخاص، وقد خلفه في «الوطن» كاتب آخر من نوابغ السوريين وهو الشيخ يوسف الخازن مؤسس جريدة «الأخبار» الملغاة التي سيأتي ذكرها بين جرائد الحقبة الثانية، وفي سنة 1911 نال جندي إبراهيم من منليك نجاشي الأحباش وسام «النجمة» طبقته الأولى.
وقد وصف ولي الدين بك يكن جريدة الوطن في كتابه «المعلوم والمجهول» صفحة 13 حيث قال: «فكانت جريدة الوطن وحدها تغني مصر كما تهوى مصر بل كما يجب عليها لمصر، حفظت العهود عهود أجدادها الصيد الأول نسل الشمس وخدمت قومها كما أراد قومها، ولما كان الأقباط أولو مصر قوما امتازوا بحب وطنهم وشرف نفوسهم وبعد هممهم ومحبتهم الجد ومجانبتهم المعايب لم تثن هماتهم عداوات البعض من مواطنيهم المتعصبين، وكما حموا مجدهم على قلتهم وكثرة حسادهم وظلم حكامهم أعانوا جريدتهم فعاشت لهم واستفادوا بها.» (5) مصر
صحيفة سياسية أسبوعية ظهرت عام 1877 لصاحب امتيازها أديب إسحاق الدمشقي، قال سليم بك عنحوري في ديوانه الموسوم بعنوان «سحر هاروت» صفحة 179-180 ما يأتي:
وبعد أن ذهب المنشئ الكاتب أديب إسحاق إلى الإسكندرية قصد تمثيل الروايات تحت رئاسة الفاضل المغفور له سليم نقاش؛ سنحت عوارض قضت بإلغاء التمثيل، فأصبح أديب خالي الوفاض بادي الأنقاض، فبعث به المرحوم حنين الخوري إلى القاهرة مصحوبا بكتاب وصاة إلى جمال الدين الأفغاني، فأحسن هذا لقياه لما توسمه فيه من أمارات الذكاء ومخايل النجابة، ولزمه ثمت ملازمة اللام للألف وأقبل عليه إقبال الهائم العاني الكلف فحصل له امتياز صحيفة اسمها «مصر»، واتخذ له دكانا بباب الشعرية هيأ له فيها من أدوات الطبع بالحرف البولاقي المشهور ما قوي معه على إصدار تلك الصحيفة، فكانت ترد مودعة فصولا وأمالي منسوجة بيراع جمال الدين ومنشورة باسم «المزهر ابن وضاح» أصارت لتلك الصحيفة شأنا مذكورا.
عوني إسحاق؛ رئيس تحرير جريدة «مصر» في القاهرة وجريدة «التقدم» في بيروت سابقا.
ثم رأى أديب أن مدينة الإسكندرية أقرب لاصطياد الأخبار فنقل إليها إدارة الجريدة بعدما اتفق مع سليم نقاش على إصدارها بالشركة بينهما، فتضاعف حينئذ عدد قرائها وزاد انتشارها بسرعة عجيبة في الأقطار العربية. ولجمال الدين الأفغاني في جريدة «مصر» مقالتان مشهورتان سمى إحداهما «الحكومات الشرقية وأنواعها» والأخرى «روح البيان في الإنكليز والأفغان» ترنحت لهما أعطاف العلماء طربا، وكان لهما تأثير عظيم على أذهان أرباب السياسة الأوروبية حتى إن غلادستون رئيس وزارة إنكلترا أثبت في بعض الجرائد مقالة تشهد لجمال الدين أنه من أئمة علماء الشرق حالة كونه من ألد أعداء الإنكليز.
واشتهرت هذه الجريدة بمقالاتها الضافية في تعريف الوطنية والدعوة إلى الاعتدال في الحرية، فإنها قد بلغت وهي في سن الطفولية مقام الكهول وصار لها من الراغبين في مدة أشهر ما لم يجتمع لغيرها في مدة أعوام، وهي الجريدة الأولى التي وردت فيها كلمة «مصر الفتاة» ثم درجت بالاستعمال عند أرباب النهضة المصرية، فأدى أديب خدمة عظيمة للغة العربية بما صرف من العناية إلى تهذيب عبارة الجرائد وتقرير المعنى في الأفهام من أعذب وجوه الكلام، فاتبع الصحفيون طريقته في كتاباتهم وأخذوا يتأنقون فيها، وقد أشار جرجي زيدان إلى ذلك في «تاريخ النهضة الصحافية» حيث قال:
فانتقل الإنشاء الصحافي من العبارات الضعيفة الركيكة إلى الرشاقة والطلاوة العصرية، ومقدام هذه النهضة المرحوم أديب إسحاق؛ فقد كان نابغة في الإنشاء مع المتانة وصحة العبارة، فقلده الكتاب في عبارته وتحدوه في أسلوبه.
وكان أديب إسحاق من أنصار شريف باشا رئيس الوزارة المصرية، ووقف جريدته على خدمته، فلما عين رياض باشا وزيرا للداخلية سنة 1879 أخذ أديب ينتقد سياسته انتقادا جارحا؛ فبعثت الحكومة إليه الإنذار تلو الإنذار وعطلت جريدته، فاضطر إلى الهرب من وادي النيل. وبعد سنتين جاء مدينة الإسكندرية فاستأنف نشر صحيفته في شكل مجلة، ثم أعادها منذ العدد التاسع الصادر في 6 شباط 1882 إلى مظهرها الأول بأربع صفحات. ولما عهدت إليه وظيفة «ناظر الإنشاء والترجمة» في وزارة المعارف صدر له الأمر بالتفرغ لمهام وظيفته الرسمية والانقطاع عن الجريدة، فامتثل. وفي 8 آذار للسنة المذكورة نقل مركزها إلى القاهرة؛ مكان ظهورها الأول، وعهد في إدارتها وإنشائها إلى أخيه عوني إسحاق، فودعها بمقالة رنانة استهلها بهذا العنوان «قفي ودعينا قبل وشك التفرق».
فاقتفى عوني إسحاق آثار أخيه الأديب في الإجادة بتحبير مقالات «مصر» مجتهدا في توفير موادها وتكثير فوائدها؛ مما دل على أدبه الجم وبراعته في فنون الكتابة، وقد تعطلت بعد شهور قليلة لدى حدوث الفتنة العرابية، وكان ذلك آخر عهدها في عالم الصحافة.
الفصل الثاني
أخبار جرائد القاهرة من سنة 1878
إلى 1882
(1) بستان الأخبار
جريدة وطنية طبية أدبية علمية سياسية ظهرت في شهر تشرين الأول 1878 لمديرها صالح رضوان ومحررها حسن البليهي، واشتهرت بالترغيب في العلم والطب وخدمت الوطن خدمة صادقة، وقد احتجبت في العام الثاني من تاريخ نشأتها. (2) روضة الأخبار
في عام 1878 برزت لعالم الصحافة هذه الجريدة السياسية الأسبوعية في مدينة القاهرة لمنشئها محمد أنسي، وقد عاشت عمرا قصيرا بحيث ألغتها الحكومة المصرية قبل بلوغ تمام الحول من ظهورها لتهورها في المسائل السياسية المخالفة للمصالح الوطنية. (3) مرآة الشرق
الشيخ علي يوسف؛ المحرر في جريدة «مرآة الشرق» ومؤسس جريدتي «الآداب» و«المؤيد».
صحيفة سياسية أدبية نصف أسبوعية أنشأها باقتراح من الخديو إسماعيل في 24 شباط 1879 شاعر دمشق الفيحاء سليم بك عنحوري، وكان قد قدم للخديو كتابه «كنز الناظم» الذي هو نسيج وحده في مرادف اللغة العربية وفقهها وجمع أوابدها، فجعل خطة الجريدة معتدلة ترمي إلى مناهضة النفوذ الأجنبي في مصر، وكانت عباراتها رشيقة طلية، تدل على اقتدار منشئها في أساليب البلاغة، وقد زين العدد الأول منها بمقالة عن الجرائد جاء في مطلعها ما نصه:
تنفس صبح التمدن في أفق الممالك الغربية بعد أن عسعس ليل التوحش فيه أمدا طويلا، فيا ابن الغرب:
عهدناك تفري القاع والوهد والربى
حثيثا لكي تصطاد وحشا فتغتذي
فأصبحت هذا الحين تصطاد لبنا
بما نلت من علم ومال فما الذي
وبعدما أصدر 17 عددا منها عاد إلى دمشق لانحراف طرأ على صحته، وكان قد استدعاه إليها مدحت باشا والي سوريا، وله في صدر العدد الثاني منها مقالة عنوانها «نفثة مصدور» كان لها في مصر رنة ودوي إذ أتى بها على بيان ما ينال الوطنيين من الغبن والحيف بسبب تحكم الغربيين وتبسطهم في أحكام البلاد ومرافقها، وقد ضمن مقالته هذا البيت:
ولم أر ظلما مثل ظلم ينالنا
يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر
وقد تنازل سليم بك عنحوري عن حقوقه في «مرآة الشرق» إلى مديرها أمين بك ناصيف الذي عهد بتحريرها إلى الشيخ محمد عبده وإبراهيم بك اللقاني، فنجحت نجاحا باهرا؛ لأنه جعلها لسان حال الشيخ جمال الدين الأفغاني وتحت رعاية سليمان باشا أباظة، وقد نددت حينئذ بولاية سوريا وتحاملت على بعض مأموريها في أيام واليها أحمد حمدي باشا، فلما قضي على السيد جمال الدين بالنفي من وادي النيل أوعز الخديو توفيق الأول بتعطيلها فتوقفت عن الظهور نصف سنة، فحولها أمين بك ناصيف في 6 نيسان 1882 إلى مجلة أسبوعية، وكان يحررها الشيخ خليل ابن الشيخ ناصيف اليازجي، وبعد شهرين من ذلك التاريخ حدثت الفتنة العرابية وقضي على المجلة بالاحتجاب. وفي 14 نيسان 1883 عادت إلى مظهرها الأول فصدرت بشكل جريدة يومية يحررها صاحب امتيازها الثاني، وفي 9 آيار للسنة المذكورة تولى تحريرها فقيد المحامين نقولا بك توما مشتركا فيها مع أمين بك ناصيف. وإليك ما ورد عنها بقلم سليم سركيس
1
بالحرف الواحد:
وفي سنة 1884 صدر قرار مجلس النظار بتعطيل هذه الجريدة مدة ثلاثة أشهر، فأخذ يناصرها جماعة من رجال البرلمان الإنكليزي اهتماما منهم بحرية المطبوعات وعلى الخصوص المستر أوبراين العضو الأيرلندي، ونشرت جريدة التيمس ما دار من الجدال بهذا الشأن في دار الندوة الإنكليزية، ثم صدر قرار وزاري آخر بالعفو عن هذه الجريدة فعادت إلى الظهور بعد احتجابها مدة قليلة.
ولبثت كذلك حتى انطفأ سراج حياتها في السنة الثامنة من عمرها، وبعد نقولا بك توما استلم تحريرها سليم بن عباس الشلفون ثم إسكندر نحاس ثم سعيد البستاني ثم الشيخ علي يوسف، وانتشرت حينئذ انتشارا عظيما فأقبل الناس على قراءتها إقبال الجياع على القصاع؛ لأن سياستها كانت مخالفة لسياسة الاحتلال الإنكليزي في وادي النيل، وبيانا لأهمية هذه الجريدة نقول: إن عدد النسخ اليومية التي كانت تطبع منها بلغ نيفا وستة آلاف نسخة رغما عن انحطاط شأن المعارف حينذاك بين عامة الشعب المصري، ومن مميزاتها أنها كانت أول جريدة يومية برزت في مدينة القاهرة.
أما سبب إلغائها فهو أن سليم فارس الشدياق الذي أتى مصر لإنشاء صحيفة «القاهرة» بلغ الباب العالي زورا أن «مرآة الشرق» تنشر الفصول المهيجة ضد السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية؛ فطلب الباب العالي تلغرافيا من الحكومة المصرية إلغاءها، وللحال قرر مجلس النظار برئاسة نوبار باشا تعطيلها مؤبدا في شهر نيسان 1886. (4) الكوكب المصري
هو عنوان لصحيفة سياسية علمية أدبية تجارية أسبوعية تأسست في أوائل عام 1879 لمنشئها الكاولير موسى كاستلي صاحب المطبعة المشهورة باسمه في القاهرة، وقد تولى تحريرها في سنتيها الأوليين «وفا محمد» حارس المكتبة الخديوية ومن علماء الأزهر، ثم كتب فيها محمد الطموني إلى نهاية أجلها في السنة الرابعة، وكانت هذه الجريدة أقل انتشارا وشهرة من رصيفاتها في وادي النيل حينذاك كالأهرام والمحروسة ومصر والطائف ومرآة الشرق والزمان والتنكيت والتبكيت والمفيد، وسبب ذلك أنها كانت قليلة الجرأة ولم تكن لها خطة معروفة كسائر الصحف. (5) البوصفور المصري
LE BOSPHORE EGYPTIEN
ظهرت هذه الجريدة في أواخر أيام الخديو إسماعيل باشا باللغة الإفرنسية فقط، وكان صاحبها الكاتب الإفرنسي الشهير المسيو بارير كما أخبرنا خليل أفندي زينية، ولما حدث الاحتلال البريطاني في مصر وتباينت فيها المصالح الإنكليزية والفرنسية نشرت هذه الجريدة على صفحاتها قسما باللسان العربي، وكان القصد من ذلك اكتساب أميال المصريين إلى فرنسا وترغيبهم في محبتها والانتصار لسياستها بتقبيح سياسة الإنكليز وأعمالهم في وادي النيل، وقد عطلتها الحكومة الخديوية في نواحي سنة 1885 بالاتفاق مع قنصلية فرنسا. (6) الحجاز
بين الجرائد المصرية التي تستحق الثناء لاعتدال مشربها في هذه المدة جريدة «الحجاز» التي نكتب أخبارها، وهي أسبوعية وطنية سياسية أدبية أنشأها في 24 تموز 1881 صاحبها ومحررها الشيخ إبراهيم سراج الدين المدني من علماء الأزهر، وكانت خطتها شريفة لا سيما في آداب المناظرة كما ورد في عددها الثاني عشر تحت عنوان «نفثة مصدور» بتاريخ 16 تشرين الأول 1881 وهذا نصه بالحرف:
ادعى بعض الناس أن جريدتنا حادة القول منحرفة المزاج، وما هي فيما أعلم إلا مسلمة تدعو إلى الإصلاح الحقيقي على يد أي مصلح كان، ومن أهم الإصلاحات وأحسنها حفظ العهود والعلاقات مع الأجانب الذين لا ينكر جريان بعض المحسنات على أيديهم، ومن العجب أن هذا المدعي يغالط ويزعم أني إذا ذكرت الأروباويين إنما أريد بهم مواطنينا من الإفرنج الذين لهم في بلادنا ما لنا وعليهم ما علينا، وهذا لا شك خطأ واضح فإني لا أعتبر الأروباويين المقيمين في مصر إلا من جملة المصريين، والأروباويون الذين ذكرتهم بحسب المناسبة مرة أو مرتين هم أهل المجامع السياسية في العواصم الأروباوية لا هؤلاء الذين ألفنا بهم وألفوا بنا. وخلاصة الأمر أن من أراد أن يغالط فليغالط غيرنا أو ليخبرنا متى حصل من العرب نقص في حق جارهم في المشارق والمغارب، ولله در قائلنا:
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وليعلم من لم يعلم أن العرب ليس في كتابهم ولا سنتهم ولا عاداتهم ولا أخلاقهم أن ينظروا إلى جارهم بعين المقت، فهم يضعونه على رءوسهم إن لم تسعه الأرض، فعلى العرب ونزلائهم أن ينشدوا قول القائل:
الحمد لله أني في جوار فتى
حامي الحقيقة نفاع وضرار
لا يرفع الطرف إلا عند مكرمة
من الحياء ولا يغضي على عار
وكان الشيخ إبراهيم سراج الدين من أفضل العلماء والشعراء في زمانه، وقد بعث بقصيدة إلى الشيخ ناصيف اليازجي، فأجابه عليها اليازجي بهذه الأبيات التي تدل على علو كعب الاثنين في صناعة النظم وسمو منزلتهما في عالم الأدب:
هل للذي في حشاه حزن يعقوب
من حسن يوسف يرجى صبر أيوب
وكيف صبر بلا قلب يقوم به
فقلب كل محب عند محبوب
مضى الزمان على أهل الهوى عبثا
فلم يكفوا ولا فازوا بمطلوب
تطيب أنفسهم تحت الظلام على
وعد الخيال وتنسى وعد عرقوب
كل الملاح فدى خود ظفرت بها
تخلو عذوبتها من كل تعذيب
يزينها الحبر فوق الطرس لا حبر
تحت الحلى وطراز في الجلابيب
محجوبة تحت أستار تغيب بها
ونورها كالدراري غير محجوب
علمت أن عروسا ضمن هودجها
لما تنسمت منه نفحة الطيب
هدية جاد مهديها علي كما
تهدى عطاش الربى قطر الشآبيب
جاءت على غير ميعاد لزورتها
وأعذب الوفد وفد غير محسوب
كريمة من كريم عز جانبه
يا حبذا كاتب منه كمكتوب
أثنى علي بما لا أستطيع له
شكرا فألقي إليه عذر مغلوب
حيا الصبا أرض مصر والذين بها
وجادها كل هتان الأساكيب
في أرضها غابة العلم التي سمحت
لغيرها بالشظايا والأنابيب
على الخليل سلام الله تقرؤه
ملائك العرش من أعلى المحاريب
ومن لنا بسلام نلتقيه به
وبرد شوق كتلك النار مشبوب
هو الأديب الذي رقت شمائله
وصانه الله من لوم وتثريب
منزه عن فضول القول منطقه
في النظم والنثر مقبول الأساليب
وأحسن الشعر ما راقت موارده
مستوفيا حق تهذيب وتأديب
ومن أقام على ألفاظه حرسا
مثل الشكائم للجرد السراحيب
ومن إذا عرضت في الناس تجربة
أغنته عن شق نفس في التجاريب
إليك يا ابن سراج الدين قد وفدت
تبغي الضياء فتاة للأعاريب
خطارة في سخيف البرد عاطلة
مدت إليك بنانا غير مخضوب
رفعت قدري بمدح قد خفضت له
رأسي فناظره سمعي بمنصوب
علي شكرك مفروض أقوم به
يا من عليه مديحي غير مندوب (7) الميمون
جريدة يومية جدية أدبية فكاهية أصدرتها إدارة جريدة «الكوكب المصري» في القاهرة في شهر أيلول 1889 لصاحبها الكاولير موسى كاستلي، وكان قسم منها مكتوبا بعبارة صحيحة والقسم الآخر بلسان العامة ليوافق هزلها الغرض المقصود منها ولا يفوت نواله القراء، وكان احتجابها عند احتجاب جريدة «الكوكب المصري». (8) المفيد
لا نظن أن جريدة قبل هذا العهد نفخت روح الفوضى في الأمة العربية مثل جريدة «المفيد» التي نحن بصددها، فإنها حملت حملة عشواء على سلطة الخديو الشرعية في وادي النيل وتجاوزت حدود المعقول بسياستها الخرقاء وكتاباتها المضرة، وكانت نتيجة ذلك أنها مع بعض رصيفاتها ضلت عن سواء السبيل فأوقعت القطر المصري في حبائل الثورة الداخلية التي جرت عليه الاحتلال الإنكليزي. وقد ظهرت في 12 تشرين الأول 1881م/سنة 1298ه لصاحب امتيازها مصطفى ثاقب ومحررها حسن الشمسي اللذين أصدراها مرتين في الأسبوع، فقرظها حينئذ عبد الله فريج بقصيدة ختمها بهذه الأبيات:
يا من تروم الفضل قد
وفقت للخير العتيد
إن رمت منه تجتني
أو شئت منه تستفيد
فهلم صاح مؤرخا
واقرأ بنا خبرا مفيد
سنة 1298 هجرية
وما كادت تظهر لعالم الوجود حتى جردت سيف الطعن على الأجانب، وأخذت تبث روح الثورة ضدهم بين الوطنيين، فتأثر العقلاء من خطتها المتطرفة وأصدرت الحكومة أمرا بتعطيلها لئلا تسري جراثيم مبادئها، ثم صدر العفو عنها في أوائل شهر نيسان 1882 إلى أن تعطلت نهائيا في أثناء الفتنة العرابية. وإليك ما كتبه جرجي زيدان في مقالته «تاريخ النهضة الصحافية» بالحرف الواحد: «فلما تولى الخديو توفيق وكان سهلا هينا يحب الوطن المصري وأهله اندفعت الصحف في الحرية وحدثت ثورة أفكار وطنية، وظهرت جرائد ثورية نقادة كالتنكيت والطائف والمفيد خافتها الحكومة، فعمدت إلى تقييد الصحافة فسنت قانون المطبوعات سنة 1881 فلم يجدها ذلك نفعا؛ لأن الثورة كانت قد أخذت مجراها فأفضت إلى الحوادث العرابية المشهورة التي انتهت باحتلال الإنكليز مصر سنة 1882.» (9) النجاح
هي صحيفة سياسية ظهرت لعالم الوجود في شهر محرم سنة 1299ه/تشرين الثاني 1881م لصاحبيها مصطفى ثاقب وحسن شمسي، وقد قامت على أنقاض جريدة «المفيد» التي ألغيت بأمر الحكومة الخديوية لما كانت تنشره من الكتابات الداعية إلى تهييج الأفكار وإثارة الفتن بين سكان وادي النيل على اختلاف أديانهم وأميالهم، وما لبثت الصحيفة الثانية بعد ظهورها بزمن قليل حتى لحقت بالأولى وصدر الأمر بإلغائها أيضا. (10) السفير
هو عنوان لجريدة متوسطة الحجم ذات أربعة صفحات نشرها حسن شمسي مرتين في الأسبوع بعد تعطيل جريدة «النجاح» التي كان قد أنشأها بالشركة مع مصطفى ثاقب، صدر عددها الأول بتاريخ غرة شوال سنة 1299ه/16 آب 1882م في القاهرة، وهي أدبية سياسية ترمي إلى تعزيز مبادئ حزب «مصر للمصريين» بلهجة عنيفة وأسلوب يخالف مصالح الحكومة؛ ولذلك كان مصيرها الانقراض السريع كشقيقتها «المفيد» و«النجاح» اللتين سبق ذكرهما. (11) التيمس المصري
تأسست هذه الجريدة السياسية الأسبوعية على يد المستر بيمين قبل عهد الاحتلال البريطاني في وادي النيل بوقت قصير، وكان نصفها ينشر باللسان العربي والنصف الآخر باللسان الإنكليزي، وقد توخى فيها صاحبها خدمة مصالح بني جنسه المحتلين وإفهام سكان مصر الوطنيين منافع الاحتلال لتوفير أسباب نجاحهم وتأييد الأمن في بلادهم، وقد عاشت هذه الجريدة مدة لا تتجاوز الأربعة أعوام كما أخبرنا سليم بن عباس الشلفون الذي كان متوليا كتابة قسمها العربي.
أحمد عرابي باشا ؛ زعيم الثورة الشهيرة التي جرت الاحتلال البريطاني على مصر سنة 1882. (12) الزمان
هي صحيفة سياسية ظهرت في 6 آذار 1882م/16 ربيع الثاني 1299ه مرتين في الأسبوع لصاحب امتيازها علكسان صرافيان ومحررها حسن حسني باشا الطويراني، فنهجت في سياستها خطة الاعتدال والحرية في القول بحيث إنها كانت تذب عن حقوق مصر وتبين للشعب طرق الوصول إلى الإصلاح الحقيقي، وكانت تظهر للملأ مفاخر أرض الفراعنة إذ وصفتها بهذين البيتين:
تحقق أن صدر الأرض مصر
ونهداها من الهرمين شاهد
فيا عجبا فكم أفنت قرونا
على شرف وذاك الثدي ناهد
وفي أول عدد صدر منها نشرت مقالا عنوانه «الحاكم روح الحكمة» فقسمت فيه الحكومات إلى ثلاثة أقسام، وروت أن الأمة الإسلامية مختصة بالقسم المطلق منها وأن الإطلاق شرط من شروط الإسلام، فأخطرها محمود سامي باشا ناظر الداخلية في 19 ربيع الآخر 1299 بألا تعود إلى نسبة هذا النوع من الحكم إلى دين الإسلام الذي يعتبر الحاكم والمحكوم مقيدين بالشريعة في جميع الأعمال. واشتهرت مقالاتها كلها بالمباحث المفيدة التي جعلت القراء يتهافتون على مطالعتها والاشتراك في الجريدة. وكانت فصولها الافتتاحية بعنوان «مستقبل مصر» تبحث في شئون وادي النيل العمرانية كالمعارف والزراعة والتجارة والاقتصاد والأمن العام والأخلاق وغير ذلك، وفي 13 نيسان للسنة ذاتها ألغيت إلغاء مؤبدا بأمر محمود سامي باشا لما نشرته من المطاعن الشخصية ومخالفة أوامر الحكومة.
ثم عادت إلى الظهور بعد الاحتلال البريطاني فكانت أول جريدة عربية أخذت بناصر الإنكليز؛ لأنها توسمت فيهم خيرا لمصلحة البلاد وتأمين العباد، وقد تولى تحريرها حينئذ ميخائيل بن جرجس عورا مدة من الزمان فكان إقبال الناس عليها عظيما، ثم خلفه في رئاسة التحرير أمين بن إبراهيم خلاط الطرابلسي الذي توفي على أثر عملية جراحية أجراها له الدكتور سالم باشا، وعام 1888 تولى تحريرها جرجي بك زيدان صاحب مجلة «الهلال» فزادت شهرتها في عالم الصحافة، وبعد سنة تركها وسار بصفة مترجم مع الحملة الإنكليزية لإنقاذ غردون باشا، وكان احتجابها على أثر ذلك بوقت قصير فألغتها الحكومة الخديوية بطلب من مختار باشا الغازي؛ لأنها طعنت في الدولة العثمانية، ثم سافر مؤسسها إلى جزيرة قبرص حيث أنشأ جريدة «ديك الشرق» التي سبق ذكرها في الجزء الثاني من هذا الكتاب. (13) الفسطاط
من جملة الصحف التي استخدمها الثوار المصريون لبلوغ مآربهم السافلة ضد السلطة الحاكمة جريدة «الفسطاط»، وهي أسبوعية وطنية سياسية أدبية صدرت في 20 نيسان 1882 لمنشئها عبد الغني المدني ومديرها محمد عبد الله، فكانت خطتها متطرفة ولهجتها شديدة في حق الأجانب لا سيما الفرنسيس منهم، فتطعن فيهم طعنا موجعا ومتجاوزا حدود اللياقة؛ ولذلك أنذرها محمود سامي باشا البارودي ناظر الداخلية مرارا بالكف عن الطعن والتنديد بدون برهان حقيقي، ومن جهة أخرى كانت كتاباتها تضرب على وتيرة «المفيد» فتثير الخواطر ضد الخديو بل تحرض الأهالي على الانتصار لعرابي زعيم الثورة ضد مولاه. وبعد ضرب الإسكندرية على يد الإنكليز صارت تنشر ملحقا يوميا عن أخبار الحرب العرابية وتذيعه بين قرائها في العاصمة وسائر أنحاء مصر، ثم تعطلت هذه الصحيفة في السنة الأولى من ظهورها.
الفصل الثالث
أخبار جرائد القاهرة من سنة 1883
إلى 1886
(1) الإعلام
هو عنوان لصحيفة علمية سياسية نشرها السيد محمد بيرم الخامس التونسي في شهر ربيع الأول 1302/1884 ميلادية للتقبيح بسياسة الحكومة الفرنسية في تونس، فأصدرها في «المطبعة الإعلامية» ثلاث مرات في الأسبوع ثم حولها إلى جريدة أسبوعية حتى وافاه الأجل المحتوم سنة 1889 بعدما ظهر منها 269 عددا، وهي ذات أربع صفحات، صحيحة العبارة كثيرة المواد جزيلة الفوائد، نالت مقاما رفيعا بين رصيفاتها، وكان لها صوت مسموع عند قرائها المنتشرين في كل البلاد العربية لشهرة صاحبها في عالم السياسة وعالم الكتابة، وكانت خطتها مجاملة الإنكليز والاستفادة منهم وخدمة مصالحهم في وادي النيل، فساء ذلك بعضهم وانتقدوا عليه هذه الخطة؛ لأنها تعاكس ما كانت عليه سياسته في تونس التي هجرها فرارا من حكم الأجانب، ولكن الواقفين على أسرار آرائه كانوا يعتذرون بأنه إنما تحرى الخطة المذكورة؛ لأن مجافاة الاحتلال الإنكليزي لا تجدي نفعا. وقد نشر على صفحات «الإعلام» مقالات اجتماعية حاول فيها بيان طرق إصلاح الإسلام وتقربهم من عوامل التمدن الحديث. واشتهر في الدفاع عن حقوق الدولة العثمانية في مصوع وبعض سواحل البحر الأحمر التي امتلكتها حكومة إيطاليا. وكان ينشئ فصولها بقلمه، وساعده في ذلك بعض الكتبة كسليم بن عباس الشلفون وأحمد مفتاح وسواهما.
ولما كان السيد محمد بيرم قد لعب دورا مهما في مناهضة الحكم الاستبدادي في وطنه وسعى في تعزيز المبادئ الشوروية فنحيل القارئ إلى مطالعة ترجمته التي نشرناها في الجزء الأول من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية». (2) البيان
بينما كان البعض من الصحف الوطنية المصرية يتعمد الحط من هيبة الحكومة وكرامتها كان البعض الآخر يحمي بيضتها ويسعى في تعزيز شوكتها، وصحيفة «البيان» التي نقوم الآن بوصفها كانت من النشرات الموالية للعرش الخديوي تناضل عنه وتتفانى في إخلاص الخدمة له، وهي سياسية علمية أدبية تجارية تاريخية فكاهية تأسست في 13 آذار 1884 لمنشئها يوسف شيت ومحررها ميخائيل بن جرجس عورا، فصدرت مرتين في الأسبوع طافحة بالمقالات الشائقة والأبحاث النافعة، وكانت خطتها وطنية معتدلة غايتها «مصر للمصريين»، ثم احتجبت في السنة الثالثة من عمرها لما لحق بصاحبيها من الخسائر المادية. ووصفتها مجلة «الطبيب» البيروتية على عهد الشيخ إبراهيم اليازجي بقولها: «وقد تواطأت أعداد البيان كلها على حسن الأسلوب وتوخي الفائدة.»، ومن حملة الأقلام الذين تولوا كتابتها سليم بن عباس الشلفون الذي نشرنا ترجمته ورسمه في الجزء الثاني من تاريخ الصحافة العربية. (3) الفلاح
أنطون نوفل؛ المحرر في جرائد «حقيقة الأخبار » و«الوطن» و«الفلاح» ومجلة «الفتاة».
جريدة سياسية أدبية علمية أنشأها سليم باشا حموي في 10 تشرين الأول 1885 على أنقاض جريدة «روضة الإسكندرية» ووقفها لخدمة مصر تحت سيادة الباب العالي، وكان منشئها يتزلف كثيرا إلى السلطان عبد الحميد المخلوع وينشر الفصول الطوال في مدح عدالته الموهومة، ويقيم الزينات الشائقة في كل سنة بمناسبة تذكار ولادته وجلوسه. ولا ريب في أن المنافع الشخصية كانت تسوقه إلى اتباع هذه الخطة ترويجا لجريدته واستدرارا للآلاء الشاهانية عليه وعلى آل بيته، فنال رتبة ميرميران والوسام العثماني الثاني وبعض مداليات الافتخار، ونالت قرينته وسام الشفقة من الطبقة الثانية وأحرز بكر أنجاله إلياس بك الرتبة الثانية. ولما كان القطر المصري متمتعا بالحرية الصحافية في ذلك الدور البائد خلافا للبلاد العثمانية كان يجب على سليم حموي أن ينشر الحقائق على علاتها ويؤثر المنفعة العامة على منفعته الخاصة، وإليك ما نشرته جريدة «البشير» البيروتية في العدد 942 بتاريخ 31 تشرين الأول 1888 بيانا لخطة جريدة الفلاح بالحرف الواحد:
إن هذه الجريدة لما رأت إقبال الناس على سواها من الجرائد إيثارا لهذه عليها لسوء إنشائها وطبعها، ولما كانت خاملة لم تفلح رغما عن تيمنها بالفلاح ودت الشهرة واستلفات أنظار المسيحيين والمسلمين إليها لتكثير مشتركيها، ولما لم يمكنها أن تشتهر بحسن المشرب واعتدال المذهب اضطرت أن تلتجئ إلى كسر مزراب العين؛ أي إلى الجور والاعتساف بطعنها على قداسة البابا ونيافة الكردينال لافيجري وسائر رؤساء الكنيسة الكاثوليكية لتلزم النصارى بقراءتها والرد عليها، ولاستمالة المسلمين إذ هم الأكثرون في الديار المصرية تظاهرت بالمحاماة عن الدين الإسلامي، لكن بئست الوسيلة التي تذرعتها جريدة الفلاح؛ لأنها من وجه أساءت إلى النصارى فنفروا عنها، ومن وجه آخر لم تقو على استجلاب عامة المسلمين إليها؛ إذ لا يفتقرون إلى رجل نصراني مثله يذود عنهم بل من شأنه أن يغضبهم؛ لأنه نسب التقاعس والتقاعد إلى من يجب عليه منهم المناضلة والمدافعة عن الشريعة الإسلامية، ولا شك أنهم يفطنون إلى الغاية التي قصدها بالدفاع عنهم، وطالما لا يهجر النصرانية ويتمذهب بالإسلام لا يلفونه مخلصا لهم بل مرائيا راغبا في فلسهم.
وكان سليم باشا الحموي يتعرض كثيرا في جريدته لبعض الأشخاص ويطعن فيهم، ومن ذلك أنه حكم عليه يوما بدفع مائة جنيه إلى مدكور بك تعويضا له على مس إحساسه،
1
وعاشت هذه الجريدة إلى ما قبل إعلان الدستور العثماني بوقت قصير واحتجبت، وبين الذين تولوا تحريرها نذكر أنطون نوفل وفرح أنطون والشيخ حمزة فتح الله. (4) القاهرة
جريدة سياسية صدرت في 23 تشرين الثاني 1885 مرتين في الأسبوع لصاحب امتيازها سليم فارس ابن الشيخ أحمد فارس الشدياق، وبعد أيام قليلة جعلها يومية حاذيا فيها حذو جريدة «الجوائب» فنالت نصيبا عظيما من الشهرة في عالم الصحافة لما هو معهود بمنشئها من علو المكانة في الشئون السياسية، وقد حرر فيها أفاضل الكتاب السوريين والمصريين برئاسة سليم فارس الذي كان لا يبالي بالنفقات في سبيل مصلحة الجريدة، لكن حياة «القاهرة» تصرم حبلها بعد مدة وجيزة فاستعاض عنها صاحبها بجريدة «القاهرة الحرة» التي سيأتي الكلام عنها، وكان مبدأ الجريدتين سياسة التأليف بين الآستانة ومصر، وهي سياسة المحال؛ لمخالفتها لمصالح الحاشية التي أحاطت بالسلطان عبد الحميد الثاني، ولا يخفى أن تلك الحاشية كانت مؤلفة من حشرات القوم الذين رجحوا أصول التفريق على التوفيق حتى قضوا على حتفهم بظلفهم. (5) القاهرة الحرة
صحيفة سياسية يومية صدرت عام 1886 على أنقاض جريدة «القاهرة» لصاحبها سليم فارس ومحررها نجيب هندية، وكانت خطتها انتقاد سياسة بريطانيا العظمى في الشرق وتقبيح أعمال الحكومة العثمانية ومساعيها ضد توفيق الأول خديو مصر، إلا أن عدم اهتمام المصريين حينئذ بالشئون السياسية سد أبواب النجاح في وجه «القاهرة الحرة» التي كان صاحبها يقصد إبدالها باسم «الجوائب» جريدة أبيه المشهورة، والعامل الأكبر على قتل هذه الصحيفة كان هواء مصر الذي لم يكن موافقا لمزاج صاحبها ومحررها المشار إليهما، فما كان من سليم فارس إلا أنه حول امتيازها للكاتب اللوذعي محمد عارف بك المارديني من مشاهير حملة الأقلام ومن أعاظم رجال تركيا الفتاة، فنجحت «القاهرة الحرة» بإدارة محمد عارف بك وكان ولي الدين بك يكن يحرر فيها مشاركا لصاحبها، وقد حرر فيها أيضا كل من محمد بك المويلحي وعزيز بك الزند وحسن الدرس وأيوب عون اللبناني وغيرهم، واستمرت تنشر في عهد محمد عارف بك مدة أربعة أعوام وستة شهور حتى احتجبت عام 1893 لداعي سفر مديرها إلى الآستانة بدعوة من السلطان عبد الحميد فطالت مدة إقامته هناك، ثم أعاد إصدارها أسبوعية في 15 آب 1895 بحجم أصغر في ثماني صفحات، وعهد بإدارتها إلى رجل يسمى محمد شريف، وكان داود بركات اللبناني محرر «الأهرام» حالا يكتب أكثر فصولها بقلمه البليغ، ولم يمض وقت قصير حتى اشتراها السيد كمال الدين الدمشقي الذي نشرها إلى نحو السنة 1897 ثم دخلت في خبر كان، وإليك ما وصفها به الكاتب الشهير ولي الدين بك يكن بالحرف الواحد:
2
الشيخ عبد الحميد الزهراوي؛ رئيس المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913 وعضو في مجلس النواب العثماني سابقا، وعضو في مجلس الأعيان العثماني حالا، والمحرر في جريدة «المؤيد» المصرية ومؤسس صحف «الحضارة» و«الإدارة» و«المدنية» في القسطنطينية.
وكما انتصر أبو الهدى على خصومه بالوشايات انتصر عليهم بالجرائد، فوجه إلى مصر في نحو سنة 1892 رجلا من دراويشه اسمه السيد كمال الدين الدمشقي، فأتى هذا الرجل إلى مصر محملا بالمال، مصحوبا برعاية أبي الهدى وقوته، وكان خليعا ظريفا وسيم المحيا يمشي وكأنه مروحة في يد حسناء، فأصدر كمال الدين جريدة القاهرة (الحرة) التي أسسها سليم فارس ثم نشرها من بعده محمد عارف الكاتب الشهير، فكأن خيبة الجد استكثرت على «القاهرة» سابق «مجدها» فأرادت أن تنزلها بعد الرفعة إلى أسفل الدركات، فأخذت تنشر جريدة القاهرة كل أسبوع بعد أن كانت تنشر كل يوم، وسودت صفحاتها بمقالات الدراويش وأهل المجون بعد أن كانت ترصعها باللآلئ أقلام مشاهير الكتاب في عهد سليم فارس ومحمد عارف، وأتتها قصائد الصوفية مطولة باردة مظلمة كليالي الشتاء، وقد اشتغلت الدسائس بين مصر والآستانة، فأخذ كثير من الأغنياء يحبون كمال الدين للمال ويتخذونه شفيعا إلى أبي الهدى في استجلاب رتبة أو وسام أو قضاء حاجة دخلت فيها المشكلات، وأخذت جماعة من رجال عزت العابد تنتصر بالمعية وأخذت المعية تطارد جمال الدين، وبذا عرف المصريون من مكانة أبي الهدى ما لم يعرفوا من قبل فأقبلوا على سفيره المعمم يمشون وراءه، ودخل أبو الهدى أبوابا لم تكن تنفتح له لولا جريدته ودرويشه، فقصد إليه المتنازعون مع المعية في أمر جزيرة طاشيوز وتحملوا إليه الدراهم، ويممه أصحاب وقف العلماء في قضية الأزهر ثم تاجر بالرتب والنياشين فربحت تجارته. (6) الحقوق
شهرة هذه الجريدة الحقوقية القضائية التاريخية الأدبية تغني عن وصفها، فإنها أنشئت في 6 آذار 1886 لصاحب امتيازها ومحررها أمين شميل اللبناني، وهي أول صحيفة قضائية ظهرت في اللسان العربي ومن أمهات الصحف التي ثبتت ثبات الأهرام في خطتها القويمة وآرائها الحكيمة، فانتشرت انتشارا كبيرا في الخافقين وعرف القاصي والداني أن منشئها العلامة قد أحكم وضعها وشحنها بالمواضيع المفيدة، وتصدر مرة في الأسبوع ويختلف حجمها من ثماني إلى ست عشرة صفحة بحسب المواد، وتبحث في جميع الأمور المتعلقة بنظام الهيئة الحقوقية، وتخوض عباب التواريخ السابقة واللاحقة الأثرية، وتذيع كل ما يتعلق بذلك من الخلاصات المهمة لتكون دليلا ونبراسا لأهل الزمان الحاضر وسجلا ومقياسا لأبناء العصور التالية، ولكنها لا تمس للسياسة يدا، ولا ترد للإدارة موردا؛ إذ لا تحب أن تشتغل فيما لا ينفع منه لقرائها.
على أثر وفاة أمين شميل في 6 كانون الأول 1897 انتقلت الجريدة لعهدة صاحبها الحالي المحامي البارع إبراهيم جمال، فتولى إدارتها وتحريرها مقتفيا آثار مؤسسها المشار إليه في انتقاء المباحث النافعة وخدمة المصالح العمومية. وقد أصابت مجلة «الأصمعي» فيما روته عن «الحقوق» بقولها
3
إنها تشتمل على «أهم الأخبار والحوادث القضائية والمقالات الحقوقية مما لا يستغنى عن مطالعته للفقيه والأصولي والقاضي والمحامي.» ولذلك قررت المحاكم الأهلية في مصر تعيينها رسميا لنشر الإعلانات التي تتعلق بالمجالس البدائية والاستئنافية ومنشورات لجنة المراقبة القضائية، وقد توفقت إلى اجتياز عيدها الفضي ولم تزل حية إلى الآن وقائمة بكل أمانة في خدمة الوطن والأمة والعلم، وتشتمل أبحاث هذه الجريدة على الأقسام الآتية:
أولا:
القسم التشريعي - وهو يشتمل على نصوص جميع القوانين المصرية الجديدة والأوامر العالية والقرارات والمنشورات الوزارية التي لها علاقة بالقضاء وما يترتب على مخالفة نصوصها فعل جنائي، والتقارير الرسمية المختصة بهذه الأمور بحيث إن جريدة الحقوق تغني في هذا الشأن المشتغلين بالقوانين عن الجريدة الرسمية والمجموعات الرسمية.
ثانيا:
القسم الحقوقي - وهو يشتمل على مقالات ومباحث ومحاضرات في الحقوق والقوانين لصاحب الجريدة وغيره ممن يكتب في هذا الباب.
ثالثا:
القسم القضائي - وهو يشتمل على (1) نصوص أحكام محكمة الاستئناف وسائر المحاكم الأهلية ذات المباحث القانونية في جميع فروع الحقوق المدنية والجنائية مصدرة هذه الأحكام بخلاصة القواعد القانونية التي بنيت عليها . (2) نصوص منشورات لجنة المراقبة القضائية. (3) قواعد قانونية من أحكام محكمة الاستئناف المختلطة.
رابعا:
القسم التاريخي والأدبي - وهو يشتمل على (1) أهم الحوادث التاريخية العصرية التي لها علاقة بالحقوق العامة مثل المعاهدات وقرارات المؤتمرات الدولية ونحو ذلك. (2) الأخبار القضائية الهامة في محاكم القطر وغيره، وأخبار نقابة المحامين، ومؤلفات رجال الحقوق وما أشبه ذلك. (3) أجوبة قضائية على أسئلة السائلين. (4) جميع ما له علاقة بالقضاء مما يهم نشره. (7) الصادق
جريدة يومية سياسية علمية أدبية ظهرت في 2 أيلول 1886 لصاحب امتيازها أمين بك ناصيف اللبناني مدير المدارس الإنكليزية سابقا في القاهرة، فدعاها بهذا الاسم مختار باشا الغازي المعتمد السلطاني حينئذ في مصر ورئيس مجلس الأعيان في الآستانة والصدر الأعظم سابقا وجعلها تحت رعايته، وقد أنشئت بعد تعطيل صحيفة «مرآة الشرق» التي سبق وصفها فجرت على خطتها ونجحت مثلها وأقبل الناس بلذة على مطالعة أخبارها الصادقة، لكنها كانت أشد منها لهجة ضد الاحتلال الإنكليزي ومكتوبة بعبارة بليغة؛ لأن المحررين فيها كانوا من أعلام حملة الأقلام. وبعدما عاشت أربع سنوات احتجبت احتجابا اختياريا لما طرأ من الانحراف على صحة أولاد منشئها الفاضل، فإن الأطباء أوعزوا إليه بمزايلة وادي النيل بتاتا لخير عائلته، ومن ذلك الحين سكن أمين بك ناصيف في فلسطين فأقام ست عشرة سنة في القدس الشريف، ثم انتقل منها إلى مدينة يافا ولم يزل فيها حتى الآن، وهو من أفاضل الرجال علما وأدبا وفضيلة وقد خدم الصحافة بأمانة يشكر عليها من الخاص والعام.
الفصل الرابع
أخبار جرائد القاهرة من سنة 1887
إلى 1889
(1) الآداب
جريدة أسبوعية تاريخية علمية أدبية فكاهية صدرت بثماني صفحات متوسطة الحجم في 4 شباط 1887 لمنشئها الشيخ علي يوسف، فرخصت له الحكومة المصرية بذلك بعد ممانعة طويلة واحتمل صاحبها من المشاق والنفقات ما يتخذ دليلا على عظيم ثباته وقوة عزيمته، وكان الشيخ أحمد ماضي ينشر فيها المقالات المفيدة والمباحث المهمة، وفي السنة الثانية احتجبت عن الظهور مدة من الزمان ثم عادت في شهر كانون الثاني 1889 في مظهر حسن مشحونة بالفوائد الأدبية والمواضيع النافعة، وقد عطلها صاحبها في السنة الثالثة من عمرها
1
وحصر عنايته في جريدة «المؤيد» السياسية التي سيأتي الكلام عنها، وأحرزت «الآداب» شهرة كبيرة لما هو معهود بالشيخ علي يوسف من الذكاء والاقتدار، وقد نزع فيها إلى الأسلوب القديم فلم توافق ذوق العصر ولا نالت رواجا فكان ذلك سبب تعطيلها، وكانت مباحثها منقسمة إلى ثلاثة أقسام كبرى وهي: القسم التاريخي، والقسم العلمي، والقسم الأدبي. وقد قرظ السيد شاكر الجرجاوي الأزهري صدور «الآداب» بهذه الأبيات مؤرخا:
يا مصر بالآداب عزك قائم
وببردة العليا توشح واتزر
لله در مديرها بصحائف ال
بلور تورد مجتناها من صدر
نجل الكمال علي يوسف من علا
عرش العلا برفيع همته استقر
رب الفضائل حلية الآداب سر
بال البلاغة بين بدو والحضر
ربته طفلا فانتضى أفكاره
ليعزها وكذا يجازى من شكر
لا زالت «الآداب» مصدر فضله
تتلو علينا من شرائعها سور
يحدو بها الحادي يقول مؤرخا
تروى عن الآداب للداني درر
سنة 1304 هجرية
ثم انتقلت إلى عهدة المنشئ المصري الشهير محمد بك مسعود الكاتب الفني في قلم المطبوعات بنظارة الداخلية حالا، فحسن مواضيعها عما كانت عليه في عهد مؤسسها المشار إليه وجعلها مجلة نصف شهرية بعد أن كانت جريدة أسبوعية، وكان مشاركا له في تحريرها جملة من مشاهير الكتاب العصريين وأفاضلهم كما يتضح من مطالعة فصولها المفيدة، وقد احتجبت «الآداب» عندما أبدلها صاحبها بجريدة «منفيس» التي سيأتي ذكرها في جزء آخر. (2) مكارم الأخلاق
نادرة هي الصحف الدورية التي ينطبق اسمها على مسماها وتدل مواضيعها على حقيقة عنوانها، ومن الصحف التي يصح فيها هذا الوصف جريدة «مكارم الأخلاق» التي أسسها في 29 تشرين الأول 1887 الكاتب الأديب أحمد الشريف، وهي ذات ثماني صفحات متوسطة الحجم كانت تتناول أبحاثا شتى في الحكم والمواعظ والتواريخ والشعر والفقه والآداب، ونشرت بعض مسائل مقتطفة من الحساب والهندسة وتعريب ما للإفرنج من غرائب الاكتشافات وعجائب الاختراعات خالصة من الخرافات وملآنة من صحيح المنقولات والمعقولات.
وعلى قصر عمرها فإنها كانت ميدانا لفرسان الأقلام وسوقا عرضت فيه بضائع علماء الكلام في تلك الأيام، وقد طالعنا فيها فصولا لمشاهير الكتاب كإسماعيل باشا عاصم ومحمود عمر بمدرسة دار العلوم ويحيى قدري بك مندوب الحضرة الخديوية في قولة وغيرهم، ومنهم حسن حسني باشا الطويراني الذي نفحها بنفثات قلمه ولا سيما قصيدته الشهيرة «لامية الترك» وهذا مطلعها:
الجد في القول ينفي الهزل في العمل
والعز باليأس يمحو الذل بالأمل
وقال في الختام:
سميتها بعد أن أخلصت جوهرها «لامية الترك» تسمو الزهر في نزل
وصغتها للعلى حتى تسير على
رغم الحواسد بين الناس كالمثل
يشقى بها حاسدوها وهي ناعمة
تلهو فتهدى إليهم وردة الخجل (3) الجريدة المصرية
جريدة يومية سياسية تجارية أدبية برزت في أوائل سنة 1888 لصاحبها فكتور فيليب ومحررها جرجس بن ميخائيل نحاس، وهي النسخة العربية للصحيفة الإنكليزية المشهورة بعنوان
The Egyptian Gazette
اليومية، وخطتها ذات مشرب معتدل وعبارة صحيحة عليها مسحة الطلاوة العصرية، وكانت «الجريدة المصرية» لسان حال الاحتلال الإنكليزي؛ تصدع بأوامره وتذيع آيات فضله، وإليك فقرة في هذا المعنى وردت في العدد 268 للسنة الأولى تحت عنوان «كلمة حق» فنقلناها بالحرف الواحد:
استلفتت جريدة الوطن في عددها الأخير أفكار القراء إلى سلوك الإنكليز في حسن معاملاتهم للأمم التي يحلون في بلادها ويديرون أمورها وأعمالها، فرأيناها كلمة حق وعدل لما نعلم من أن الموظفين الإنكليز لا يوجهون التفاتهم الدائم بنوع خاص إلا إلى مراعاة أخلاق وعادات الأهالي الذين يتولون إدارة شئونهم، وهذا هو سر النجاح في سياسة الدولة الإنكليزية بصفة دولة مستعمره، فكأننا بجريدة الوطن قد أصابت المرمى فيما نطقت به حقا وصوابا.
وجرجس نحاس الذي يعد من نوابغ السوريين اشتغل مدة طويلة في الصحافة مع أديب إسحاق وسليم نقاش وسليم باشا حموي ويوسف الشلفون وروفائيل مشاقة وسواهم، وله آثار قلمية تدل على طول باعه في صناعة التحرير والتحبير، وأهمها كتاب «مصر للمصريين» الذي اشترك في وضعه مع مؤلفه المرحوم سليم نقاش ثم أكمله بعد وفاته، ومنها أيضا كتاب «الأثر» يحتوي على أخبار الخديو توفيق الأول، وجمع في كتاب سماه «الدرر» أنفس ما خلفه صديقه أديب إسحاق من المقالات والخطب والقصائد حتى لا تعبث بها أيدي الضياع وغير ذلك من الآثار المخطوطة.
جرجس بن ميخائيل نحاس؛ المحرر سابقا في جريدة «التقدم» البيروتية وصحف «روضة الإسكندرية» و«المحروسة» و«الاتحاد المصري» في الإسكندرية و«الجريدة المصرية» في القاهرة. (4) النور التوفيقي
هي صحيفة علمية أدبية صناعية تاريخية فكاهية مصورة ظهرت في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1888 بشكل شبه مجلة ذات 16 صفحة، وكانت تصدر في كل خمسة عشر يوما مرة واحدة لمنشئها ديمتري مسكوناس ورئيس تحريرها فرنسيس ميخائيل، وقد دعيت كذلك تيمنا باسم توفيق الأول خديو مصر كما يتضح من بيت الشعر الوارد في صدرها وهو:
إذا رمت أن تهدى إلى الرشد فاستضئ
بأنوار توفيق الأنام فتهتدي
فلما برز «النور التوفيقي» إلى الوجود استحسن بعضهم خطته وقرظها، وانتقده البعض الآخر كجريدة «البشير» البيروتية التي أشارت بطلف إلى خطئه في بعض المباحث، فرد عليها «النور التوفيقي» بكلام خارج عن حدود اللياقة وأدب المجادلة، ومن أخص الكتاب الذين نشروا فيها المقالات المفيدة أو القصائد النفيسة أو الألغاز والفكاهات نذكر: عبد الله فريج وبطرس شلفون وتوفيق ميخائيل وفريد عبد الله وبطرس حنا.
وفي أوائل عام 1889 اشترك منشئاها مع سليم الخوري مدير جريدة «المنارة» سابقا في الإسكندرية، فاشتغلوا فيها إلى أن احتجبت في أواخر عهد الخديو المشار إليه الذي كان يبسط لها يد المساعدة كما ساعد كثيرا غيرها من الصحف المصرية، فكانت عبارتها صحيحة بالإجمال ومباحثها مفيدة وقلما ظهر عدد من أعدادها خاليا من رسم أو أكثر لأعاظم الرجال والمناظر الشهيرة والآثار القديمة. (5) المقطم
من كبريات الصحف العربية في الزمان الحاضر ومن أبعدها صيتا وأكثرها انتشارا واعتبارا جريدة «المقطم» القديمة العهد، وهي يومية سياسية تجارية أدبية أسسها في 14 شباط 1889 ثلاثة أفاضل من سوريا وهم: الدكتوران يعقوب صروف وفارس نمر صاحبا مجلة «المقتطف» وشاهين بك مكاريوس منشئ مجلة «اللطائف» الشهرية، وقد جرت على خطة الاحتلال الإنكليزي تعزز أركانه وتناصره في مبادئه وتنطق بلسان حاله مع المحافظة على صوالح القطر المصري، وقد صرح أصحابها بأن غرضهم السياسي من تأسيسها معلوم ظاهر في كل صفحة من صفحاتها، وهو تأييد السياسية الإنكليزية التي لولاها ما كان في الشرق بلد يستطيع أحد أن يعيش فيه ويجاهر بآرائه وأقواله.
2
إلياس صالح؛ المحرر في جريدة «المقطم».
فكان ذلك سببا لنهوض الشعور الوطني بين المصريين الذين كانوا إلى ذلك الحين يعللون الآمال بخروج الإنكليز من وادي النيل، فنقموا على المقطم وأصحابه وأنشئوا الجرائد الوطنية لمقاومة الاحتلال ومريديه، ثم اشتد الجدال بين الفريقين بحيث قام حملة الأقلام على ساق وقدم يتطاحنون في ميدان السياسة، وقد حمي وطيس الجدال بهذا المقدار حتى إنه لا يروى في تاريخ الصحافة شرقا وغربا أنه حصل اهتمام بإحدى المسائل الخطيرة (ما عدا مسألة دريفوس) مثل اهتمام الصحافة المصرية بمسألة الاحتلال الإنكليزي، فأصبح مركز «المقطم» من أصعب المواقف إزاء أخصامه؛ لأنه زعيم الجرائد الاحتلالية، وإليك ما قاله جرجي بك زيدان في «تاريخ النهضة الصحافية» بالحرف الواحد:
أما المقطم فلاقى في سبيل البقاء في خطته مشقات جسيمة قل من يصبر عليها.
وروى ولي الدين بك يكن
3
ما نصه:
وما لاقاه المقطم من أعدائه أعظم، فكم تآمروا عليه جماعات وقصدوا إلى إدارته ليضربوا أصحابه ويلحقوا بهم كل سوء فتعجلتهم الحكومة المصرية بحمأة الأمن ففرقوا المهاجمين ودفعوا عن المقطم شرهم، وكم حاولت حكومة الاستبداد كسر تلك الأقلام التي نمقت ديباجة المقطم والانتقام ممن صرت في أناملهم فحال اللورد كرومر بينهم وبين ما يشتهون.
ويعد المقطم الآن من أهم الصحف وأكثرها انتشارا بين الجرائد العربية الكبرى، ومن مميزاته أنه يراعي قوانين الآداب في كل مباحثه ومناظراته، وينهج منهاج الاعتدال في الإطراء مع التأدب في النقد وتحاشي الذم، وهو أول من تحرى اجتناب النعوت والألقاب الفارغة التي كان الكتبة يملئون بها صفحات الجرائد للمدح أو للقدح، فاقتصر على الألقاب التي تمنحها الجماعات المعروفة في الهيئة الاجتماعية أو التي تشهد بها فعال المرء وسجاياه، ولم يزل سالكا هذه الخطة التي سلكتها الصحف الممتازة من بعده فكان له فضل التقدم، وهو أول جريدة عربية صدرت في ثماني صفحات كبيرة فجرت مجراها سائر الصحف اليومية الشهيرة للناطقين بالضاد في مصر وأميركا.
وللمقطم أيضا مواقف خطيرة في مكافحة ظلم السلطان عبد الحميد الثاني بقلم كالسيف تستله جرأة أدبية نادرة المثال، ووقف أعمدته على مظاهرة أحرار الدولة العثمانية والجهاد العظيم في سبيل تحريرها من ربقة الاستبداد والاستعباد، فلما أعلن الدستور في تركيا ذهب أصحاب المقطم لزيارة وطنهم بعد غيابهم عنه نحو ربع القرن، فاحتفل بهم أبناء سوريا ولبنان وعقدوا لهم الجلسات الأدبية التي رن صداها في كل ناحية تقديرا لمنزلتهم العالية سياسيا وعلميا، ومن المعلوم أن المقطم كان محظورا دخوله للبلاد العثمانية قبل إعلان الدستور فيها سنة 1908 لجهاده العنيف في سبيل رفع الضيم عن العثمانيين، وكان أحد مؤسسيه الدكتور فارس نمر قد استل يراعا أشد من الحسام مضاء في المناضلة عن الحق، فكانت كل كلمة يخطها تدل على ما يكنه فؤاده من الغيرة على بلاده ودولته، وكانت الجريدة ميدانا متسعا للأحرار ينشرون على صفحاتها مقالاتهم الرنانة وأفكارهم القويمة نخص منهم بالذكر: ولي الدين بك يكن والدكتور شبلي شميل ورفيق بك العظم وإمام العبد، وكان معظم تلك المقالات تتناقلها أهم الصحف العربية والتركية والأجنبية لما حوته من المباحث الجليلة والفصول العمرانية.
وبعد إعلان الدستور في تركيا انهال القراء العثمانيون على المقطم من كل مكان انهيال السيل وأقبلوا على مطالعته إقبالا لا يوصف، حتى إن النسخة الواحدة منه بيعت بريال مجيدي في بعض جهات سوريا كما روى بعض الثقات، وما ذلك إلا لكون السوريين قد علموا أن المقطم اختار لنفسه سياسة حرة عطلت مصالحه المادية زمانا طويلا، ولكنها أعلت منزلته الأدبية حتى أكسبته ثقة الأمة العثمانية، وهي في اعتبار أصحابه خير من المال والرتب والنياشين التي كانت تنال على يد الظالمين.
وقد كان صروف ونمر ومكاريوس يطمعون بأن يبقوا المقطم الذي يوزع في البلاد العثمانية العربية يوميا فأبقياه إلى نهاية سنة 1908 على حاله، لكن لما كان معظم مدن الأقطار العربية وقراها الكبرى بعيدا عن الثغور البحرية والسكك الحديدية فلا يصلها البريد سوى مرة أو مرتين في الأسبوع، ولما كانت حالة كثيرين من بعض الطبقات واجبة المراعاة اقترح على أصحاب المقطم جمهور كبير من محبيه والراغبين في مطالعته أن يصدروا نسخة أسبوعية منه يقتصرون فيها على الأخبار والمقالات والرسائل التي تختص بالممالك العثمانية وتهم أهلها والمقيمين فيها، فلم يجدوا بدا من الجري على مقتضى اقتراحهم وأصدروا المقطم الأسبوعي من غرة كانون الثاني 1909 وظلوا ينشرون النسخة اليومية كالعادة.
وفي 12 حزيران 1910 أدركت المنية شاهين بك مكاريوس أحد مؤسسي هذه الجريدة، فحل محله ابنه سليم بك مكاريوس الذي نهض بها مع شريكيه نهضة عظيمة وأثبت حسن إدارته ودرايته. وللمقطم مراسلون أو مندوبون في أهم مراكز السياسة وعواصم الممالك يوافونه بالأخبار الصادقة والأنباء المهمة، ولما نشبت الحرب أولا بين الدولة العثمانية وإيطاليا في طرابلس الغرب ثم بين الأولى والممالك البلقانية كان إبراهيم بن سليم نجار اللبناني مندوبا عن المقطم في القسطنطينية ثم خلفه في مهمته أسعد داغر اللبناني أيضا، وهذه أسماء أخص الكتبة الذين تولوا التحرير في هذه الجريدة مع أصحابها وهم: إلياس صالح والشيخ يوسف الخازن وإسحاق صروف وخليل ثابت وسامي قصيري ورشيد عطية ومحمود زكي وسليم مكاريوس ومحمد القلقيلي ونجيب هاشم وإدوار مرقص وغيره ممن لم نتوفق إلى معرفة أسمائهم. (6) المؤيد
لا يجهل أحد أهمية هذه الصحيفة اليومية السياسية التجارية التي ظهرت في غرة كانون الأول 1889م/8 ربيع الثاني 1307ه لمديرها الشيخ أحمد ماضي ومحررها الشيخ علي يوسف وكلاهما من تلامذة الجامع الأزهر، وهي أرسخ جريدة إسلامية وأقدمها عهدا بين الجرائد الحاضرة في أرض الفراعنة. ومنذ أول نشأتها التف حولها أعيان المصريين وحملة أقلامهم فعززوا شأنها لمعاكسة مبدأ الاحتلال الإنكليزي والمنتصرين له؛ فنالت من الصيت المسموع والانتشار الواسع ما لا يختلف فيه اثنان. وللوزير رياض باشا اليد الطولى في معاونة صاحبي هذه الجريدة الوطنية على إصدارها لتكون على مذهبه ورأيه.
وبعد ظهورها بشهور قليلة تنحى مديرها عن العمل لمرض اعتراه فابتاع منه بعض الأفاضل حصته ووهبوها للشيخ علي الذي تفرد بها ووسع دائرة مباحثها، وقد قاسى في سبيلها مصاعب شتى إذ وشي إلى الخديو توفيق الأول بأنها جريدة حزب وطني سري يعمل لإسقاطه عن الأريكة المصرية ويثير نار التعصب الديني. وكان أعداء الشيخ علي يوسف يقولون إن اسمه وهمي وإن الذي يدير حركة الجريدة ويحرر فيها هم أناس آخرون، ودام ذلك حتى تبدلت وزارة رياض باشا بوزارة فهمي باشا، وبعد بضعة أسابيع من تولية هذا الوزير أصدر أمرا بمنع صاحب المؤيد من دخوله ودخول عماله في دواوين الحكومة لالتقاط الأخبار كأصحاب سائر الجرائد، ولكن المؤيد ثبت على خطته التي عرف بها وأنشئ لأجلها، وقد أقيمت على صاحبه تلك القضية المشهورة التي اتهم فيها بأنه شريك في سرقة رسالة برقية بعث بها السردار إلى ناظر الحربية ونشرها المؤيد بحروفها في ثاني يوم ورودها، ولا يخفى ما تقلبت عليه هذه القضية من الأدوار وما تنقلت فيه من الأطوار حتى أفضت في 20 تشرين الثاني 1896 إلى تبرئة الشيخ والمتهم بالفعل الأصلي، فكان لذلك تأثير عظيم دوى صداه في كل الأنحاء حتى بلغ متوسط ما كانا يطبع يوميا من الجريدة في أثناء المرافعة عشرة آلاف نسخة، وفي بعض الأيام كان يزيد ألفا أو ألفين على الكمية المذكورة.
وبعد تأليف الأحزاب المصرية كان المؤيد في مقدمة «حزب الإصلاح» الذي قال عنه الشيخ إبراهيم الدباغ ما نصه:
4
كان هذا الحزب إبان تكوينه بعيدا عن التلوين والتزويق، وطنيا قوي العارضة، لو استطاع أن يكتب ضد الاحتلال بالفأس بدل القلم وبالنار بدل المداد لفعل، ثم انقلب زعيمه المستتر جوازا إلى مصانعة الاحتلال ومداعبته، ثم كر وطنيا ولم يشأ أن يرتد مرة ثانية احتلاليا بحتا لما يلحق العمائم في ذلك من العار، فتوسط بين هؤلاء وهؤلاء فدعا إلى حرب الإنكليز حربا سلمية معتقدا أن الملاينة أخت الخديعة، وصنع معهم صنع معاوية مع علي بن أبي طالب فطورا يجرد الحسام وأخرى يرفع المصاحف على الرماح.
وكتب أيضا حسين شفيق المصري صاحب جريدة «المباحث السياسية» المحتجبة حيث قال ما نصه:
المؤيد الذي يقرأ الآن غير المؤيد الذي كان المصريون يحبونه، والشيخ علي يوسف صاحب المؤيد الحاضر غير الشيخ علي يوسف الذي حمل على الأعناق بعد حكم قضية التلغراف المشهورة، فقد تغيرت الحال مع الصحيفة وصاحبها، والبون بعيد بين اجتماع الوطنيين لتوقير أم الصحف وأبي الصحفيين وبين اجتماعهم للنداء بإسقاطهما في الحضيض الأسفل، وليس الإقرار بهذه الحقيقة من الأمور التي تسر الوطنيين ... والمؤيد أقدم صحيفة إسلامية حية فهبوطه مما يؤلمنا جميعا، ويجوز أنه يعود إلى سيرته الأولى كما يجوز أن يبقى على مذهبه الجديد إلى أن يفنى؛ فتكون تلك إحدى الخسائر التي تصيب أبناء مصر الغيورين على ما يحتمل أن يفيدهم يوما ما، وغير مختلف في أن المؤيد من كبريات الصحف العربية بل هو من كبريات أمهاتها وله صوت مسموع في سائر أقطار المسكونة، وكان الكثيرون يعدونه في المقدمة من حيث جودة الكتابة وإتقان الصناعة، فلا تكن على الشيخ غضاضة إذا نحن بينا له ما يخفيه عنه اعتماده على صيته الطائر ومركزه الذي يحبه باقيا على رسوخه، فإن المؤيد قد أخذ في التقهقر، وهذا مما يؤلم كل غيور على هذا البلد؛ لأن الجميع يريدون أن تعيش هذه الصحيفة وتحيا حياتها الأولى.
محمود سامي باشا البارودي؛ رئيس مجلس النظار وناظر الداخلية وقلم المطبوعات المصرية سابقا ومنشئ بعض المقالات في الجرائد في أثناء الفتنة العرابية.
ولا ينكر ما للشيخ علي يوسف من الاهتمام الكبير في شأن ترقي جريدته، فإنه سبق جميع الصحافيين الشرقيين على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم في استعمال القوة الكهربائية بمطبعته لنشر المؤيد، وفي 2 تشرين الثاني 1906 احتفل احتفالا عظيما بصدور جريدته في ثماني صفحات كبيرة، فأنشده شاعر مصر الكبير حافظ إبراهيم مهنئا بهذه الأبيات:
أحييت ميت رجائنا بصحيفة
أثنى عليها الشرق والإسلام
أضحت مصلى للهداية عندما
سجدت برحب فنائها الأقلام
فعلى مؤيدك الجديد تحية
وعلى مؤيدك القديم سلام
وسنة 1910 منع الباب العالي جريدته من الدخول إلى تركيا؛ لأنها نشرت فصلا قالت فيه بكل صواب إن الدارعتين اللتين اشترتهما وزارة حقي باشا من بحاتر الدوارع الحربية لا تنفع بحرية الدولة بل ستكون حملا ثقيلا على ماليتها، وعلى أثر سقوط الوزارة المذكورة أفرج الباب العالي عن جريدة المؤيد بعدما قضي عليها ثلاثة عشر شهرا ألا تدخل الممالك العثمانية.
وبين الذين تولوا تحرير المؤيد نعرف أسماء: جميل مدور، وسليم سركيس البيروتيين، والشيخ عبد الحميد الزهراوي، والشيخ حامد إبراهيم، وإسماعيل شكري، ومحب الدين الخطيب، وعمر منصور، وعبد المؤمن الحكيم، وسليمان فوزي، ومحمود الباجوري، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ومحمد مسعود، وسليم قبعين، ومحمود زكي، والشيخ عبد القادر المغربي، وأحمد كمال الحلي، ومساعد اليافي، وحافظ عوض، ومحمد كرد علي، ومحمد أبو شادي، وإمام العبد، وأحمد عبد الرحمن، والسيد كامل.
وقد نشر محمد مسعود جريدة «المؤيد» باللغة الفرنسية وضمنها أهم ما كان في هذه الجريدة من المقالات السياسية. وفي سنة 1911 حولها الشيخ علي إلى شركة مساهمة؛ لأن الديون أثقلت كاهله، وفي 3 آذار 1912 أسندت إليه مشيخة السادة الوفائية لمصاهرته آل السادات المشهورين؛ فاستقال حينئذ من إدارة سياسة الجريدة وتعين محمد بك أبو شادي وكيلا لمجلس إدارتها. وفي شهر آذار 1913 أصر البنك العقاري المصري على بيع عمارة جريدة المؤيد الواقعة في شارع محمد علي في القاهرة وأثاث بيت صاحبها لاستيفاء ما له عليه، فبيعت العمارة مع الأثاث بسبعة عشر ألف جنيه، وبعد وفاة الشيخ علي يوسف في 25 تشرين الأول 1913 بقيت جريدته حية ومنتشرة، وإليك ما كتبه عن صاحب المؤيد زميله ولي الدين بك يكن قال:
الشيخ علي يوسف سهل التأليف شديد المضاء، هو في بيانه أقرب إلى العامة منه إلى الخاصة، إذا غالب غالب بصوته دون روحه، صحافي محنك وليست الكتابة من عمله،
كأنما يراعه سوطه
يضرب إن جد ولا يكتب
لا تدع العجمة أسلوبه
فليس في أسلوبه معرب
وقال يوسف البستاني:
أنظر إليه بعين الصحافي فأراه عظيم البراعة في تقليب اليراعة، وشديد الحصافة في ميدان الصحافة، ولو وجد قلمه من عواطفه دعامة لرفعه بيننا إلى مقام الزعامة، ولقد زاد فضله أنه من الطبقة العصامية وجهال اللغات الأجنبية.
الفصل الخامس
أخبار جرائد القاهرة من سنة 1890
إلى نهاية الحقبة الثانية سنة 1892
(1) المحاكم
جريدة قضائية علمية أدبية أنشأها في 4 آيار 1890 يوسف أصاف اللبناني، كانت تنتشر أولا ثلاث مرات في الأسبوع بأربع صفحات متوسطة الحجم، ثم صارت أسبوعية ذات ثماني صفحات صغيرة مشتملة على المقالات الشرعية والفصول القضائية، ولم تزل حية حتى الآن. (2) صدى الشرق
ولي الدين بك يكن؛ منشئ صحف «المقياس» و«الاستقامة» و«القانون الأساسي» والمحرر في جريدتي «القاهرة الحرة» و«النيل» بمدينة القاهرة ومؤسس جريدة «الإقدام» في الإسكندرية وناشر المقالات الرنانة في أشهر الصحف العربية.
ما من صحيفة عربية قبل هذا العهد كافحت في سبيل كسر قيود الاستبداد في بلادنا مثل جريدة «صدى الشرق» الذائعة الصيت، وهي أسبوعية سياسية أدبية تجارية ظهرت في 6 نيسان 1891 لمحررها حبيب فارس اللبناني وصاحب امتيازها خريستيان بوجاد الفرنسي الأصل، وغرضها كشف الستار عن مظالم بعض رؤساء مأموري الحكومة اللبنانية لا سيما زعيمهم كوبليان أفندي صهر واصا باشا حاكم الجبل؛ فراجت الجريدة رواجا عظيما بين الخاصة والعامة بما لم يعهد له مثيل قبل ذاك العهد. وهي من أوليات الصحف التي أقدمت على إعلان الحقيقة بلا محاباة، ومهدت السبل لكسر قيود الظلم في السلطنة العثمانية، ورغما من مصادرتها من الحكومة أقبل الناس على مطالعة مقالاتها الرنانة التي كانت تضرب بعصا من حديد على أيدي المأمورين الخائنين الذين عمموا الرشوة في الجبل حيث لم يعرف لها اسم ولا رسم في سالف الأيام، وكان بعض أعدادها مزينا برسوم مشاهير أولئك الخونة تأديبا لهم وعبرة لسواهم. وقد ساعد على نشرها رهط من أعيان سوريا ولبنان نذكر في طليعتهم يوسف بن بشارة هاني الذي بسط لها يدا سخية، وكان من أكبر أنصارها وأعظم مروجيها.
فلما عجزت حكومة لبنان عن استقدام محرر «صدى الشرق» من وادي النيل عمدت إلى معاملة أبيه الطاعن في السن وأخيه أنطون فارس معاملة الوحوش الكاسرة، فأرسلت شرذمة من جنودها لإلقاء القبض على أنطون فارس الذي لجأ إلى مغاور الأرض حتى تمكن من الفرار من وجه الظلم بمساعدة قنصل فرنسا العام في بيروت والمطران يوسف الدبس، فسافر إلى مرسيليا آمنا وهناك أنشأ جريدة «المرصاد» في ظل الراية المثلثة الألوان، فحولت حكومة واصا باشا قوتها لتعذيب والد حبيب فارس الذي نزل به داء الفالج على أثر ما شاهده من اعتساف تلك الحكومة الغاشمة، وكانت تصدر الأوامر مشددة لاستقدام ذلك الشيخ العاجز محفوظا لمركز المتصرفية حتى يكف ولده حبيب عن إعلان الحقيقة، ولكن أحد الأطباء ذوي المبادئ الشريفة وهو الدكتور فارس نجيم أعلن مع زميله الدكتور داود مشاقة أنه يستحيل إخراج الشيخ المريض من بيته بلا وقوع الخطر على حياته.
فأخذت الحكومة آنئذ تضطهد وكلاء جريدة «صدى الشرق» ومراسليها كالشيخين فيليب وفريد الخازن في جونية، ويوسف بك الشدياق في بيروت، فألقت القبض على الشيخ فيليب ويوسف بك ثم ساقتهما كما يساق كبار المجرمين إلى مركزها الصيفي في «بيت الدين» حيث زجتهما بالحبس للانتقام منهما بكل الوسائل البربرية، بل كادت تفتك بحياتهما لو لم يقيض لهما مساعدا في شخص سليم فارس ابن الشيخ أحمد فارس الشدياق المشهور بالوجاهة والدهاء ونفوذ الكلمة عند الباب العالي، فإنه أنقذهما من الإهانة والاغتيال وأخرجهما من السجن بإرادة سلطانية منتصرين على أنصار الظلم وزعماء الاستبداد.
ثم حولت الحكومة اللبنانية اهتمامها إلى استقدام حبيب فارس محرر «صدى الشرق» من مصر لأجل الانتقام منه، وبينما كان يكتب يوما في غرفته بشارع كلوت بك وافاه رسول يحمل بطاقة من الرجل اللبناني الغيور داود بك عمون ينبئه فيها بأن الحكومة الخديوية أصدرت الأوامر إلى دائرة البوليس لإلقاء القبض عليه وتسليمه لجنود مخصوصين قادمين من جبل لبنان؛ فأخذ حبيب فارس قرطاسا وكتب يشكو ظلامته إلى اللورد كرومر معتمد الدولة البريطانية بمصر، ثم بعث بالرسالة مسجلة في البريد وكانت آنئذ الساعة الثامنة ليلا، فلما أصبح الصباح أقبل عليه الدكتور فارس نمر أحد صاحبي جريدة «المقطم» ومجلة «المقتطف» وقال له: «إنني أتيت لأدعوك حتى تكون حاضرا عند الساعة العاشرة من هذا الصباح في دار اللورد كرومر؛ لأن كتابك بلغه وكنت حينئذ بناديه، وعند تلاوته لأسطرك الوجيزة اغرورقت عيناه بالدموع وأمرني أن أدعوك لداره.»
وفي الوقت المعين ذهب حبيب فارس إلى مقابلة اللورد المشار إليه فخاطبه اللورد بما يأتي: «كن مطمئن البال لأنك مصون من كل الاعتداء، فأنت حر أن تكتب ما تشاء، حتى إنني أبيح لك انتقاد الحكومة البريطانية؛ لأن كل حكومة راقية لا تضغط على حرية الصحافة، ولقد قرأنا شيئا كثيرا عن حكومة لبنان فلنا الأمل أنك تصلح حالها.»
فخرج حبيب فارس من لدنه وضاعف همته في تقبيح أعمال الخائنين من متوظفي جبل لبنان، وعاشت جريدته إلى منتصف سنة 1892 بحيث تبدلت الأحوال بوفاة واصا باشا وتعيين نعوم باشا بدلا منه. (3) الدليل
عندما تنازل سليم فارس الشدياق عن حقوق امتيازه في جريدة «القاهرة الحرة» المار ذكرها تركها أيضا نجيب هندية الحلبي أحد المحررين فيها، ففكر هذا في تأسيس جريدة لحسابه الخاص تبحث في الشئون التجارية والاقتصادية من دون أن تتعداهما إلى مباحث أخرى، وقد تم ذلك سنة 1891 بحيث أنشأ جريدة «الدليل» في اللغتين العربية والفرنسية تعميما لفوائدها بين الوطنيين والأجانب، إلا أن «الدليل» احتجب بعد صدور أعداد قليلة منه؛ إذ اضطر منشئه إلى السفر لأوروبا لمعالجة مرض ألم به، ولما استقر به المقام في عاصمة الإنكليز أخذ يحرر في جريدة «حريت» التركية التي نشرها هناك سليم فارس المشار إليه، وكانت خطتها إفشاء مظالم السلطان عبد الحميد الثاني وتشهير رجاله المستبدين وإيقاظ العثمانيين للمطالبة بحكومة دستورية.
وسنأتي في جزء آخر من كتاب «تاريخ الصحافة العربية» على أخبار جريدة «الخلافة» العربية التركية التي أصدرها كلاهما في لندن، ونورد حينئذ ما طرأ على نجيب هندية وأخيه سليم هندية بسبب ذلك من الاضطهادات الشديدة من طرف حكومة الباب العالي. (4) النيل
عبد القادر المغربي؛ منشئ جريدة «البرهان» في طرابلس الشام حالا والمحرر في جريدة «المؤيد» المصرية سابقا.
جريدة سياسية علمية يومية صدرت بتاريخ 17 كانون الأول 1891م/15 جمادى الأولى 1309ه في 4 صفحات لمنشئها حسن حسني باشا الطويراني صاحب جريدة «الإنسان» في القسطنطينية سابقا، وقد استدعي منها لإنشاء صحيفة «النيل» لتقوم لدى الرأي العام المصري مقام صحيفة «المؤيد» التي كان يعزو لها الأوروبيون وقناصلهم في وادي النيل أقوالا وأفكارا مضرة بهم، ويلقون على صاحبها تهمة التعصب الديني، إلا أن حسن حسني باشا اتبع في جريدته سياسة عثمانية مسالمة للاحتلال الإنكليزي نفر منها الناس وخيب آمالهم فيها، فبقي «المؤيد» كما كان؛ الجريدة الإسلامية الوحيدة في القطر المصري،
1
وفي شهر آذار 1893 تحول «النيل» إلى جريدة أسبوعية ذات ثماني صفحات متوسطة الحجم، وكان يديرها جورج مرزا المسيحي البيروتي ويحرر فيها ولي الدين بك يكن الكاتب المصري المشهور وحبيب فارس وداود بركات الكاتبان اللبنانيان واحدا بعد الآخر، ثم أبطلت عام 1896 عقب حادثة الإسكندرية التي قامت لها الجرائد الأوروبية، وقد وصف ولي الدين بك يكن المشار إليه هذه الصحيفة
2
قال:
فأما المقطم فقد ثبت على سياسته إلى يومنا هذا ولم يبد منه أدنى تغيير فيؤاخذ عليه، وأما النيل فقد تغير في أواخر أيامه وظهر تغيره للعيان وما غيره صاحبه بل أنا غيرته، على أنه لم ينتقد السياسة البريطانية ذاتها، بل استكبر حمايتها للأحرار العثمانيين ممن هبطوا مصر ليستمتعوا بحريتها ويحتشدوا بها على حرب الحكومة المستبدة المنقرضة، فكنت أنا وصاحب النيل رحمة الله عليه ننكر على الأحرار مساعيهم ونأبى مشاركتهم فيها، ومن هنا يتبين للمتأمل أن اختلاف المقطم مع النيل لم يكن إلا من الوجهة العثمانية والداخلية، وذلك أن أصحاب المقطم نشئوا في أعظم مدرسة غربية أسست في الشرق وهي الكلية الأميركية الكائنة ببيروت، وأخذوا علومهم على أعظم حكيم غربي قطن الشرق وهو طيب الذكر الدكتور كارنيليوس فانديك، فعرفوا التمدين العصري وبرعوا في العلوم الجديدة وأشربوا الحرية فشبوا عليها وكأنهم ولدوا في أوطانها، وصاحب النيل لم يكن كذلك فإن الرجل كان من الراسخين في العلوم العقلية والنقلية مما نحله إياها أحزاب الفكر القديم، فكان مؤرخا فقيها وكاتبا المعيا ولكن لم يخل قلبه من التعصب، كانت نفسه الكبيرة لا تستحب النزوع عن القديم ولا تستطيب شيئا من القديم فاهتديت أنا برأيه ولكن وقعت في خطائه.
ولما استوفت هذه الجريدة عامها الرابع نشر صاحبها في العدد 455 مقالة عنوانها «حياة النيل الصدورية » جاء فيها على خلاصة أخبارها من يوم ظهورها إلى ذلك التاريخ، قال:
ولقد صادف صدور النيل صعوبة لم تصادفها جريدة في بلاد حرة كمصر، وذلك أن الثقة العمومية المصرية التي لم يزدها طول زمان التباعد إلا تزايدا وتوكيدا ولم يبدل منها القرب شأنا - وهي النعمة التي أشكر الله عليها دائما - كانت أحدثت صعوبات مضافة إلى قرب عهد العودة من دار الخلافة العظمى كما لا يخفى، واختلفت مساعي أرباب الأغراض إلى فرقتين: الأولى تتزلف لدى رجال الإنكليز وبعض المأمورين بأنها ستكون جريدة ضد منافع إنكلترا في مصر، والثانية تتلهف للباب العالي وللمقامات العالية بعكس القضية؛ ترويجا لمقاصدهم الفاسدة وبضاعة خيالاتهم الكاسدة، فلم يزل النقض والإبرام حتى عاد رئيس النظار ودفعت قيمة التأمين نقدا وهو الأمر الذي لم يجر في حق جريدة منذ وضع قانون المطبوعات المصري.
ولما ظهرت الجريدة وخابت آمال المرجفين تجمهروا ليقاوموها فزعموا أن النيل ميال مماش للإنكليز، وإنما روجوا كذبهم لأنني لم أشتم الإنكليز شتم الأسافل، وقلت إن الواجب على مصر أن تحتاط في حكمة السير، وألا تجعل للإنكليز حجة عليها، وأن تسلم مقاليد السياسة للدولة العلية مالكة البلاد.
وكانت خطة النيل ألا يكون مع دولة أجنبية ضد الإنكليز وألا يكون مع الإنكليز ضد الدولة العلية، وأن سياسته العامة سياسة مقام الخلافة وأن سياسته المصرية الخاصة سياسة الخديوي، وأنه يرفع احتياجات الأمة إلى الحكومة بلسان التربية والأدب ويخدم الأمة بعرض واجبات الحكمة، وزاد على كل ذلك أن أطلقت الحرية للعموم في التنقيد على النيل وعلى النشر ولي حق المدافعة.
وما تأخر النيل عن خدمة الحق والحقيقة ومصالح الدولة والملة ولا تلمس الزلفى، حتى إنني لما حدث الضغط على النيل في مسألة الغازي مختار باشا التزمت أن أترك امتياز الجريدة والمطبعة ولا أتكلف ذلك الضغط فتلطفت بي الحكومة ولم تقبل مني ذلك الترك، ولا أجحد لطف الحكومة إذ كانت تعلم ما ضحيت في سبيل الاحتياط والحكمة من المنافع.
وفي محرم سنة 1310 أصدرت خلاصة أسبوعية للنيل مخصوصة بالأقطار الخارجة عن الديار المصرية، وفي سنة 1893 ابتلي النيل بالتصديات العظيمة المبنية على الأغراض القديمة، ولكنه استمر محافظا على وتيرته بدون تزلف إلى ذي صلف، وبعد 15 مارس سنة 1893 عطلت صدوره يوميا واكتفيت بصدوره أسبوعيا وعم نشره جميع أقطار المسكونة من الغرب الأقصى إلى الشرق الأقصى.
ولما اشتدت ثورة الجرائد المخالفة ضد الترك خصوصا وضد العثمانيين عموما قامت الحجة ووجب الوقوف موقف الدفاع عن الدين والدولة والخلافة والقومية، وما زال النيل جاريا على قدر يموت تارة ويحيى أخرى وحيدا لا يعتمد على أحد سوى الله تعالى، تقيمه الهمة وتقعده الحالة، لا يبالي رضي عنه الناس أم غضبوا، أثنوا عليه أو انثنوا عنه، قانعا برضاء الله واثقا بما لديه إلى اليوم، وناهجا منهج الحق المبين قائما بفريضته الملية على شرعة الرسوخ والتمكين. (5) النشرة الدينية الأسبوعية
نشرة هي شبه مجلة ذات ثماني صفحات، ظهرت في 21 شباط 1892 لمؤسسها القمص يوسف حبشي (المشهور بالفرنساوي)، وهي أول صحيفة دينية أنشأها أحد قسوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكان كل عدد منها يحتوي على فصل من الإنجيل المقدس مع تفسيره من أقوال آباء البيعة وعلماء اللاهوت، وكانت أبحاث هذه المجلة مقصورة على المواضيع المذكورة إلا ما ندر، وقد عاشت نحو السنتين ثم احتجبت. (6) وقائع البوليس
اشتهر الإنكليز بتيقظهم الزائد لتأييد الأمن في كل أنحاء القطر المصري، ومن جملة مساعيهم المشكورة أنهم أوعزوا إلى ديوان عموم البوليس بإحداث نشرة مصورة عنوانها «وقائع البوليس» صدرت بتاريخ 26 آيار 1891 مرة كل أسبوعين، والغرض منها أن تنشر أسماء الأشخاص الذين لم يتيسر القبض عليهم وهم مطلوبون للمحاكمة أو لاستيفاء مدد السجن المحكوم عليهم بها، وأن تذيع أيضا أوصافهم ورسومهم منقولة بالطريقة الشمسية (فوطغراف) والجرائم التي ارتكبوها والأحكام الصادرة عليهم، وغير ذلك من الأمور التي تسهل الاستدلال عليهم، وكانت تنشر أهم الحوادث الجنائية التي تحدث في جهات القطر المصري فتذكر كيفية وقوعها وإجراءات البوليس فيها، وقد أبدلها ديوان البوليس في 4 تشرين الثاني سنة 1898 بجريدة أخرى عنوانها «النشرة الإدارية» التي سنتكلم عنها في جزء تابع إن شاء الله تعالى .
الباب الثاني
يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات في مدينة الإسكندرية
الفصل الأول
أخبار جرائد الإسكندرية من سنة
1869 إلى 1876
(1) الكوكب الشرقي - شعاع الكوكب «الكوكب الشرقي» هو صحيفة سياسية أدبية أسبوعية أنشأها في 20 تموز 1873 سليم باشا الحموي وأخوه عبده، و«شعاع الكوكب» جريدة يومية أدبية تجارية نشرها الأخوان المشار إليهما في نهاية السنة المذكورة، فالأولى هي جدة الصحف العربية والأخرى هي أم الجرائد اليومية في مدينة الإسكندرية، فكان يكتب فيهما صاحباها مع الشيخ حمزة فتح الله الذي صار فيما بعد مفتشا للمدارس الأميرية المصرية، ولكن لم يطل عمرهما حيث أصدرت الحكومة أمرا بإلغائهما بلا ذنب ولا سبب، فاستدعى محافظ الإسكندرية إليه صاحب الامتياز سليم الحموي وأجبره بالعنف على إرجاع الرخصة إلى الحكومة تنفيذا لإرادة الخديو بإلغاء الجريدتين، فتظلم سليم الحموي للخديو إسماعيل باشا بواسطة خيري باشا نثرا وشعرا، ومما قاله في هذا الموضوع:
مولاي إن لراحتي
شأنا أراه براحتي
ولعيشتي شمت الصحا
فة أشرف الأشيا لدي
فتخذتها لي مهنة
منها أؤمل كل شي
ووجدت إقبالا ولكن
حال حجب جريدتي
فامنن بفضلك سيدي
وارددهما كرما علي
جبرائيل مخلع؛ أول من ساعد بماله وسعيه لنشر الجرائد العربية الأولى في مدينة الإسكندرية.
فاستقدمه الخديو إسماعيل وقال له: «يسرني أن أرى شابا مثلك ساعيا وراء الجد والارتقاء، وأتمنى أن يكون في بلادي كثير من أمثالك يصرفون أوقاتهم في خدمة الآداب والحكومة والوطن، ولكن بما أن حالة البلاد لا تستوجب انتشار جرائد عربية فيها بالوقت الحاضر رأيت أن ألغي جريدتيك بلا ذنب ولا إثم يستوجبان هذا القصاص، ولكن ما قدر كان فاطلب ما شئت عوضا عما خسرته.»، وقد أبت نفسه إلا عدم الطلب مكتفيا بانعطاف الخديو عليه. فأمر له إسماعيل باشا بمبلغ 50 جنيها على سبيل الإنعام وعين له عشرين جنيها راتبا شهريا من جيبه الخاص، ثم أمر أيضا بأن تحال المطبوعات اللازمة لجميع مصالح الحكومة على مطبعته ولم يدم ذلك بالنظر لتظلم مأموري مطبعة الحكومة، أما الراتب فبقي نحو السنة ثم انقطع بسبب حضور المستر غوشن مفتشا للمالية وتعرضه لمسائل كثيرة مثل هذه. ونجعل مسك الختام لأخبار هذه الصحيفة ما كتبه عنها نجيب غرغور في مقالة له عنوانها «الصحافة في ثلاثين عاما» نشرت في العدد 2934 من جريدة «الاتحاد المصري» بالإسكندرية:
ومن النوادر الجميلة عن فقر الصحافة وتعاستها في ذلك العهد البعيد ما رواه لي صديقي المرحوم خليل أفندي إبراهيم مأمور إدارة المحلة الكبرى سابقا، وقد كان، رحمة الله، عليه من رجال الفضل والأدب قال: لما صدر الكوكب اجتمع عشرون سوريا من نزلاء المحلة الكبرى ودفع كل منهم فرنكا واحدا ليشتركوا جميعا في نسخة واحدة من الكوكب؛ لأن قيمة الاشتراك كانت عشرين فرنكا، وجعلوا ينتظرون يوم الجمعة من كل أسبوع انتظار هلال العيد، ولما يحضر القطار ويوزع البريد يقف نبيه القوم عند دار البريد وباقي المشتركين وراءه على صف طويل، وينادي أبعدهم عن القوم سائلا بملء فيه «ما أجا الكوكب؟» فإذا أجابه المتقدم سلبا ينهال المشتركون على المسكين «الحموي» بالسباب وأنواع الشتائم، وقد أكد لي راوي هذا الخبر أنه تاريخي صحيح، وفي هذه النادرة ما يدل على تقدم الصحافة في هذا العهد لأن قراء بعض الصحف أصبحوا بفضل العلم والعرفان يعدون بالألوف.
وكان عنوان الجريدة «الكوكب الشرقي» محفورا على صحيفة مزينة برسوم تمثل أهرام مصر ومسلة فرعون وتمثال أبي الهول وغيرها من الرموز المصرية القديمة، يعلو جميع ذلك شعار الأسرة الخديوية تيمنا وافتخارا، وإلى جانبي العنوان المذكور أسماء وكلاء الجريدة في أنحاء القطر المصري وسائر البلدان الخارجية، وكان «الكوكب الشرقي» مكتوبا بعبارة بسيطة ومطبوعا على قرطاس رقيق بالحرف البولاقي القديم. (2) الأهرام
رحم الله من قال عن جريدة الأهرام إنها «مدرسة الصحافيين» بلا معارض، ورحم الله الشيخ علي يوسف الذي وصفها سنة 1901 عند وفاة أحد مؤسسيها بشارة باشا تقلا في جريدة «المؤيد» بقوله: «الأهرام ثبتت بين زلازل الحوادث في ربع قرن ثبات تلك الأهرام الشامخة في أربعين قرنا.»، ولا غرو فإنها الآن أقدم صحيفة حية على الإطلاق بين جميع الصحف السياسية التي أنشأها الناطقون بالضاد قديما وحديثا في العالم بأسره، ورحم الله الشيخ نجيب الحداد حفيد الشيخ ناصيف اليازجي إذ نظم الأبيات الآتية في وصف جريدة «الأهرام» قال:
انظر إلى الأهرام في بنيانها
وإلى جريدتها وقس تمثيلا
هذي دلالة ظلم بانيها وذي
قامت على عدل البناء دليلا
هذي تفيد الناظرين وتلك قد
أضحت تفيد نواظرا وعقولا
هذي توافيها الأنام وتلك قد
تخذت إلى كل الأنام سبيلا
هاتيك ثابتة وذي سيارة
تطوي البلاد تغربا ورحيلا
هاتيك خرساء اللسان وهذه
جاءت تجيد رسائلا وفصولا
واليوم قد ثبتت لدينا مثلما
ثبتت سميتها بمصر طويلا
تأسست هذه الجريدة السياسية التجارية الأدبية في 5 آب 1876 لصاحب امتيازها ورئيس تحريرها سليم بك تقلا ومديرها بشارة باشا تقلا، فكانت في أول أمرها أسبوعية صغيرة الحجم جامعة من المباحث ما يستخف له إذا قابلناه بما نعهده اليوم، ولكن ترتيب الجريدة كان أساسا للوضع الحسن الذي انتهت إليه الأهرام في وقت قصير ثم جرت عليه جميع صحف الشرق بعدها، وما زالت تنمو حتى صارت صحيفة يومية كبرى يقرؤها الأكابر والأصاغر في داني البلاد وقاصيها، وقد لاقى صاحباها من المصاعب في مهنتهما ما يقصر عن وصفه قلم الكاتب البليغ، وناهيك أنه في سنة 1879 سجن أحد صاحبيها لأنه ندد بالخديو إسماعيل يوم مد يده إلى الخزانة المصرية، فكان ذلك منتهى الإقدام وكبر النفس؛ لأنه لم يكن أحد يجسر في ذلك الزمان أن يقابل إسماعيل باشا ببسمة فضلا عن طعنة ، ولم يخرج من الحبس إلا بعد ثلاثة أيام بتوسط حكومة فرنسا.
وبعد حدوث مذبحة الإسكندرية سنة 1882 هجم الثائرون على مطبعة الأهرام فأحرقوها؛ لأنها كانت مناصرة للخديو ضدهم، فاضطر بنو تقلا إلى نشر جريدتهم في مطبعة غريبة ريثما ابتاعوا مطبعة جديدة، فصدرت الأهرام مشحونة بالمقالات العائدة على الوطن بالخير الحقيقي فقدر المصريون هذه الخدمة الشريفة، ثم تألف وفدان من أعيانهم ونواب مجلس شورى القوانين والمجالس العمومية فزارا إدارة الأهرام سنة 1884 وأهديا كلا من صاحبيها ساعة ذهبية مرصعة بالجواهر الكريمة؛ فاستاءت الحكومة من ذلك وعطلت جريدة الأهرام في 20 أيلول للسنة المذكورة بحجة أنها كتبت فصلا قالت فيه: إن الحكومة لا تخدم مصر بل إنكلترا، ثم انجلت المسألة عن حضور نفس المأمورين الذين أقفلوا المطبعة إلى الباب الذي أوصدوه وختموه، وقد فتحوه باليد بعد الاعتذار والترضية الرسمية لقنصلية فرنسا من قبل نوبار باشا رئيس النظار.
الشيخ أمين الحداد؛ أحد مؤسسي جريدة «لسان العرب» والمحرر في جريدتي «الأهرام» و«البصير» ومجلة «أنيس الجليس» بالإسكندرية.
وكانت خطة الأهرام الداخلية مصرية عثمانية بمعنى أنه يجب أن تكون مصر للمصريين تحت سيادة الدولة العثمانية، وكانت سياستها الخارجية تميل إلى فرنسا لعدة أسباب ذاتية وعامة، فأما الأسباب الذاتية فهي أن فرنسا حمت مؤسس الأهرام من إسماعيل باشا أيام سجنه وكان على وشك أن يأمر بقتله، وأما الأسباب العامة فهي أن الخطة التي جرت عليها فرنسا وجدت مطابقة للمرام من حيث صداقتها التاريخية للباب العالي ومناظرتها لإنكلترا في وادي النيل واهتمامها بمصالحه.
وبعد وفاة سليم بك تقلا سنة 1892 استقل بالأهرام أخوه بشارة باشا الذي نقل إدارتها سنة 1898 إلى القاهرة فوسع حجمها وجعلها من كبريات الصحف العربية، وفي الوقت ذاته أصدر جريدة «صدى الأهرام» في الإسكندرية لتقوم مقام «الأهرام» في نشر الأخبار بين سكان الثغر المذكور، وهي غير «صدى الأهرام» اليومية التي صدرت في 3 أيلول 1876 بل أكبر منها حجما، وسيأتي ذكرها، ثم أنشأ في القاهرة نسخة فرنسية للجريدة الأولى سماها
ليقف الأجانب في الشرق والغرب على محتويات النسخة العربية. ولما توفي سنة 1901 خلفه نجله جبريل بك في إدارة الجرائد والمطبعة، وإثباتا للمنزلة السامية التي أحرزتها الأهرام في عالم الصحافة نحيل القارئ على ما ورد تقريظا لها في الكتابين اللذين جمعت فيهما مراثي صاحبيهما الفاضلين رحمهما الله تعالى، ونكتفي من كل ذلك بما كتبه العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي منشئ مجلة «الضياء» المصرية بعد وفاة بشارة باشا تقلا، وهذا نصه بالحرف الواحد:
وقد نالت جرائده الثلاث ولا سيما الأهرام العربية منها أعلى مكان من الأهمية في المقامات الرسمية، وحاز لأجلها المكافآت الجمة من أكثر الدول، وكان لها من الفائدة بين قراء العربية وعلى الخصوص في القطر المصري ما لا يسع أحدا إنكاره، فإنها بدئت وليس في القطر المصري من يقرأ جريدة، ولا يعلم شيئا من أمور السياسة والحقوق، ولا يهتم لسماع حادث من الحوادث الخارجية ولا الداخلية، فما لبثت بضع سنين حتى انتشرت الرغبة في المطالعة بين خاصة الناس وعامتهم، وازداد عدد القراء سنة بعد سنة حتى صاروا يعدون بالآلاف، وتتابعت بعد ذلك الجرائد في القطر فلم تعدم واحدة منهن عددا كبيرا من القراء، فكانت منزلة الأهرام ولا جرم منزلة أستاذ لأهل القطر وممهد لسائر الجرائد وموطئ لانتشار العلم والإقبال عليه، وهو فضل لو لم يكن لصاحب الأهرام سواه لكفى، وليس هنا محل ترجمة حياته بالتفصيل، وإنما ذكرنا ما ذكرنا بيانا لمزية الرجل وإلماعا إلى ما استحق به المنزلة التي بلغها من الجاه العريض والدنيا الواسعة مما لم يبلغه كاتب قبله في الشرق.
ومنذ العدد 10680 الصادر في 19 نيسان 1913 بدأ ظهور جريدة «الأهرام» مضاعفا في ثماني صفحات كبرى لزيادة إقبال القراء على مطالعتها، فكان ذلك برهانا ساطعا على شدة عناية صاحبها جبريل بك بشئونها واهتمامه بتحسينها وتوفير مواضيعها والثبات على خطتها الرشيدة، وفي السنة ذاتها اتفقت مع إدارة جريدة «الديلي تلغراف» في لندن على أن توافيها الثانية بأنبائها البرقية الكونية في كل يوم ولا سيما فيما يتعلق بالشرق الأدنى، ثم صحت عزيمتها على إعادة نشر شقيقتها الفرنسية «البيراميد» في حجم كبير يومي بعد احتجابها، وقد اتفقت مع عدد من كبار الكتاب الفرنسيس على التحرير فيها، فباتت إدارة «الأهرام والبيراميد» اليوميتين من أكبر إدارات الصحف العربية والإفرنجية في الشرق كله، وهذه خطوة عظمى في سبيل نهضة الصحافة الشرقية كما لا يخفى.
أما المحررون الذين كتبوا في جريدة الأهرام فهذه أسماؤهم نذكرها بترتيب التاريخ: إسكندر كسيب وفتح الله صوصة وإسكندر صباغ وجرجي نصار وقيصر زينية وخليل زيدان والشيخ نجيب الحداد ورشيد شميل وخليل زينية وخليل المطران وخليل جاويش وداود بركات ويوسف البستاني ونقولا حداد وأنطون جميل ونجيب هاشم وتوفيق فرغلي وإدوار مرقص وإبراهيم بن سليم نجار .
ونضيف إلى من تقدم ذكرهم اسم فتح الله بك جاويش الذي قام بوكالة هذه الجريدة في عموم سوريا وتولى مراسلتها مدة 19 سنة بأمانة ونشاط، وكان هذا الوكيل شديد الغيرة على ترويج مصالح الجريدة وإكثار المشتركين فيها حتى زاد عددهم في سوريا وحدها على ألف وخمسمائة مشترك، وقد كلفه بنو تقلا بتجهيز مطبعتهم بالأدوات والحروف التي اشتراها لهم من المطبعتين الأميركية والأدبية في بيروت. وفي مدة وكالته توقفت «الأهرام» سبع مرات عن الدخول إلى الولايات العثمانية؛ فسعى بواسطة صديقه يوسف بك مطران لدى أولياء الأمور في القسطنطينية في إبطال المنع، ونال في كل مرة رخصة بإعادة دخول الجريدة إلى سوريا، ولما توقفت في عهد حمدي باشا والي سوريا سنة 1884 كان الوالي المشار إليه عند ورود البريد المصري إلى بيروت يستحضر رزم «الأهرام» ويأمر بإحراقها أمام عينيه في دار الحكومة لئلا يفلت عدد منها إلى يد أحد الأهالي. (3) صدى الأهرام - الوقت - الأحوال
هي أسماء لثلاث صحف يومية سياسية تجارية صغيرة الحجم أنشأها سليم بك تقلا وأخوه بشارة لنقل الأخبار السريعة التي كان يهم قراء «الأهرام» الأسبوعية أن يقفوا عليها، فكان صدور «صدى الأهرام» في 3 أيلول 1876 وهي الجريدة اليومية الثالثة التي برزت في وادي النيل، وقد تعطلت بعد سنتين من ظهورها بأمر الخديو إسماعيل؛ لأنها انتصرت للفلاح المظلوم وطعنت في الحكومة عند اشتداد الأزمة المالية المصرية، فاستاء إسماعيل باشا من بشارة تقلا مدير «صدى الأهرام» وسجنه وأقفل جريدته، فلما أفرج عنه أنشأ مع أخيه سليم صحيفة «الوقت» التي عاشت إلى أيام الفتنة العرابية وتعطلت أيضا، وفي 9 حزيران 1882 قامت على أنقاضها جريدة «الأحوال» فكانت أيامها قصيرة؛ لأن نجمها أفل باحتراق مطبعة الأهرام في الشهر التابع، وأخص الكتبة الذين حرروا في هذه الصحف الثلاث هم فتح الله صوصة وجرجي نصار وقيصر زينية من أدباء جبل لبنان.
الفصل الثاني
أخبار جرائد الإسكندرية من سنة
1877 إلى 1880
(1) حقيقة الأخبار
هي نشرة سياسية أصدرها الأخوان سليم بك وبشارة باشا تقلا سنة 1877 لإذاعة الأنباء البرقية التي ضاقت عن نشرها صفحات جريدتي «الأهرام» الأسبوعية و«صدى الأهرام» اليومية في أثناء الحرب الروسية العثمانية، وكانت تظهر مرة أو أكثر في النهار ومثل ذلك في الليل لسرعة نقل الأخبار إلى القراء والمشتركين، وهي النشرة الدورية الوحيدة التي كانت تطبع وتوزع ليلا على المشتركين فيها بين جميع الصحف العربية قديما وحديثا، وقد خصص صاحباها نصف دخلها بمساعدة الجنود العثمانية واحتجبت بانتهاء الحرب المذكورة. (2) التجارة
صحيفة يومية أصدرها في 15 آيار 1878 سليم نقاش وأديب إسحاق بالشركة بينهما لنشر الأخبار المالية وحركة السوق التجارية وأنباء الكون عموما، فراجت كثيرا بإقبال الناس على مطالعتها والاشتراك فيها من كل ناحية، وقد وصفها سليم بك عنحوري بقوله:
1
إن الشيخ محمد عبده وإبراهيم اللقاني كانا يخدمانها قلما وسعيا ما استطاعا إلى ذلك سبيلا، وكان السيد جمال الدين الأفغاني يواصلها بشذرات من قلمه البديع وخطرات من فكره حتى كان سبب شهرتها كما كانت بتعظيمها له في النعوت والألقاب من مثل «مهبط أسرار الحكمة وأسطرلاب فلك العلوم»؛ إلى غير ذلك مما اعتادت أن تصفه به سبب نماء شهرته وانتشار صيته.
وكان جبرائيل مخلع وحنين بن نعمة الله خوري من كرام السوريين في الإسكندرية وأفاضل علمائها يجودان بسخاء لمساعدة هذه الجريدة التي بلغت حد الشهرة والانتشار. ولا حاجة بنا أن نذكر ما كانت عليه من الانحياز إلى جانب المصريين؛ فإن ذلك لا يزال معروفا بين الناس يردده من لا يزال يحفظه من الأبناء عن الآباء ما توالت الأيام، ولما كان مشرب «التجارة» لا يوافق هوى الحكومة إذ ذاك أخذت الحكومة في معاكسة صاحبيها بموالاة الإنذارات إليهما، وانتهى الأمر بإلغاء الجريدة.
وقد صرح جرجي بك زيدان
2
بأن هذه الجريدة مع شقيقتها «مصر» كانتا من أعظم أركان النهضة الإنشائية في الجرائد، وتحداهما الكتاب ونسجوا على منوالهما من أساليب التحرير البسيط الخالي من التعقيد أو التقييد، فأحدث ذلك حركة في الأفكار وحرية في الأقوال لم تكن معروفة من قبل فأصدرت الحكومة أمرها بإلغائها. (3) الإسكندرية
كان لسليم باشا حموي ولع مخصوص بالصحافة التي خدمها خمسا وثلاثين سنة متوالية ، وإنما لم يكن كسواه من أفاضل رصفائه في ذلك العهد يستخدمها بنزاهة وعزة نفس، ولذلك طاش سهمه في الجرائد الكثيرة التي نشرها باللغة العربية في وادي النيل وباللسان التركي في القسطنطينية فضعفت ثقة الناس بها، وأغلب الأحياء من القراء يعرفون خطتها القائمة على أساس المنفعة الخاصة مما لا يختلف فيه اثنان، ويسوءنا كثيرا التصريح بمثل هذه الحقائق الجارحة التي كنا نود السكوت عنها لولا الواجب التاريخي.
وكتابات جريدة «الإسكندرية» الأسبوعية التي أنشأها على أنقاض «الكوكب الشرقي» و«شعاع الكوكب» في 11 تموز 1878 مع سائر ما أنشأه من الصحف هي شاهد حي على صحة هذا القول، وقد أوقف نشرها سنة 1882 عندما حدثت الفتنة العرابية فسافر إلى القسطنطينية فتونس فأوروبا فسوريا، وبعد رجوعه من رحلته المذكورة أعاد نشر هذه الجريدة وجعل لها فرعا يوميا سماه «روضة الإسكندرية» كما سترى، وكان احتجاب هاتين الصحيفتين الشقيقتين في سنة 1885 بحيث سافر منشئهما إلى القاهرة وأصدر فيها جريدة «الفلاح» التي كتبنا أخبارها في الباب الأول من هذا الجزء. (4) مصر الفتاة
أديب إسحاق؛ منشئ جريدة «مصر الفتاة» و«مصر» و«التجارة» في مصر، والمحرر في جريدة «التقدم» البيروتية.
جريدة أسبوعية سياسية شعارها «البحث عن حقوق كل إنسان فاكر» برزت لعالم الوجود عام 1879 بعد اعتلاء توفيق الأول مسند الأريكة الخديوية، فصدرت باللغتين العربية والفرنسية وكان أديب إسحاق يحرر فيها ويعرب الفصول التي كانت تنشر في القسم الإفرنسي منها ، وقد أصدرتها «جمعية مصر الفتاة» المؤلفة من أذكياء أبناء وادي النيل والنازلين بساحته، وغرضها تنبيه الغافل من الأمة المصرية وتوثيق عرى الألفة بين أفرادها، ودفع ما ألم بها من الأضرار المادية والمعنوية في آخر أيام الخديو إسماعيل، وبعبارة إجمالية كانت تروم حفظ الحقوق الوطنية وكف يد الأجنبي عن استقلال الوطن والسعي وراء ضالتهم المنشودة وهي أن تكون «مصر للمصريين».
وقد تعطلت بعد ظهورها بوقت قصير بمساعي مصطفى رياض باشا رئيس الوزارة المصرية الذي كانت تطعن في سياسته طعنا موجعا، فأقام صاحب «مصر الفتاة» في شهر كانون الثاني سنة 1880 الحجة على الحكومة المصرية في المجلس المختلط وقاد إليه وكيلها صاغرا، وكان المحامي المشهور «وريجوس» وكيلا للمدعي في المحاكمة فأطلق لسانه الفصيح في مجال الدفاع، وأظهر من معايب الإدارة ومفاسد الوزارة ما تقشعر منه الأبدان حتى خيل للسامعين أنهم يرون الإدارة متقمصة جسم إنسان منخطف اللون بادي النحول. (5) المحروسة - العصر الجديد
بعدما احتجبت جريدتا «التجارة» و«مصر» المار ذكرهما برزت في أوائل سنة 1880 صحيفة «المحروسة» الأسبوعية لمنشئها سليم نقاش، وكان هو يحررها بمساعدة بعض الكتبة الأدباء كعبد الله نديم والشيخ محمد عبده وإبراهيم اللقاني وجرجس بن ميخائيل نحاس وأديب إسحاق وإسكندر نحاس وروفائيل الخوري وأمين البستاني وسليم بن عباس الشلفون، وكان الشيخ إسكندر العازار يراسلها من بيروت بمقالاته المشهورة فيطالعها أدباء القطرين.
وأول فصل كتب فيها كان داعيا لتعطيلها فظهرت جريدة «العصر الجديد» بدلا منها جارية على خطتها ومشربها ومتهالكة في الدفاع عن مصالح المصريين، ثم عفا الخديو توفيق الأول عنها فعادت إلى الظهور يومية، وبقي «العصر الجديد» يصدر أسبوعيا حتى بدت طلائع الفتنة العرابية، فاحتجبت الجريدتان بعد مذبحة الإسكندرية في 11 حزيران 1882 ولجأ صاحبهما إلى سوريا، ثم عادت «المحروسة» وحدها عام 1884 بعدما قبض صاحبها مبلغ أربعين ألف فرنك من الحكومة تعويضا عما لحق به من الخسائر باحتراق المطبعة، ومن ذاك العهد صدرت أسبوعية لحين وفاة منشئها في أواخر السنة المذكورة فكان بذلك نهاية دورها الأول، وقد اشتهرت حينئذ بمناظراتها السياسية مع صحيفة «الأهرام»؛ لأن «المحروسة» كان شعارها «مصر للمصريين» وكانت «الأهرام» تدافع عن مصر وتحاسن الحكومة الفرنسية.
وتولى إدارتها بطريق التوريث خليل نقاش والد مؤسسها الذي أصدرها يومية مدة سنتين، وقد كتب فيها سليم عباس الشلفون المشار إليه وجرجس بن ميخائيل نحاس، فكانت خطتها معتدلة تستحسن الحسن وتقبح القبيح فيما يتعلق بالوطنيين والمحتلين، وقبيل وفاة خليل نقاش في 2 تشرين الثاني 1886 اشتراها يوسف آصاف ونسيبه عزيز بك زند، فنقلا إدارتها مع مطبعتها سنة 1887 إلى القاهرة وعهدا بتحريرها تباعا إلى يوسف البستاني وداود بركات ونقولا حداد وأيوب عون وغيرهم، وامتازت المحروسة إذ ذاك بالدفاع عن مصر تحت سيادة الباب العالي وبمناهضة الاحتلال الإنكليزي، ثم استقل بها عزيز بك زند مع والده روفائيل زند وكانا يتقاضيان راتبا سنويا من السلطان عبد الحميد الثاني للغاية المذكورة، واستمرت منتشرة مدة من الزمان غير قصيرة إلى أن قضت دواعي الأحوال باحتجابها فكان بذلك نهاية دورها الثاني، غير أنها انحط شأنها في أيام روفائيل زند وولده عزيز وتلاعبت بها الأغراض الشخصية ففقدت ما كان لها من المنزلة السامية في عهد مؤسسها الفاضل.
وفي 11 كانون الثاني 1909 تحول امتيازها لمديرها الحالي إلياس زيادة الذي وسع نطاق مباحثها وسلك فيها خطة الاعتدال كمنشئها الأول، فأصدرها يومية وعهد بتحريرها إلى كتاب أفاضل تولوا معه إنشاء فصولها واحدا بعد الآخر وهم: إبراهيم الحوراني وإدوار مرقص وسليم قبعين وأمين تقي الدين وسيد علي ومحمد مصطفى الههياوي وفرح أنطون، وللكاتبة الرقيقة السيدة «مي زيادة» بنت صاحب الامتياز مقالات رائقة تواصل بها المحروسة من حين إلى آخر. ولما استلم إلياس زيادة إدارة الجريدة نشر في صدر العدد الأول هذه الأبيات:
قدم الزمان وما فتئت عروسا
أسقي النديم من القديم كئوسا
محروسة مذ كنت عن قصد الهوى
لمؤذن أو ضارب ناقوسا
أروي الصحيح من الحديث ولا أرى
غير الصحيح لصاحبي مأنوسا
وإذا رويت العلم أنشر ما بدا
كالصبح منه وأترك المطموسا
وأزف من آداب أرباب النهى
أبكار طهر تشنأ التدنيسا
وإذا مدحت فلا أدلس إنني
من بدء كوني أبغض التدليسا
أرضي فلاسفة وما من مغضب
بمقالتي شيخا ولا قسيسا
أبغي الإخاء فكل حر لي أخ
يرجى وأضرب بالسوى إبليسا
والسلم نهجي لست أسلك غيره
ما لم أر الحق المقدس ديسا
علمي بأن الكبر ذل ما نهى
عن أن أرى شرف النفوس نفيسا
فأنا الغزالة في الكناس فإن أهن
فأنا الغضنفر يهجر العريسا
ونجهل السبب الذي حمل عزيز زند على إضافة خمس سنين إلى عمر الجريدة خلافا لواقع الحال، فجرى إلياس زيادة مجراه وجعل أيضا تأسيس المحروسة عام 1875 بدلا من عام 1880 وهي سنة ظهورها لعالم الصحافة، ولدينا نسخ كثيرة من أعداد سنتها الأولى فما بعدت تثبت هذا القول، ومن المعلوم أن مؤسسها حينئذ كان مأمورا في جمرك بيروت سنة 1876 قبل ذهابه إلى القطر المصري، وأول جريدة أنشأها في حياته كانت «التجارة» عام 1878 كما سبق الكلام في هذا الفصل، ولنا على صحة ذلك شهادة لا ترد بقلم أديب إسحاق كما ورد في الصفحة 74 من كتاب «الدرر» المطبوع سنة 1909 في بيروت. وتحرير الخبر أنه لما ألغيت جريدتا «التجارة» و«مصر» عام 1879 وعد صاحباها سليم نقاش وأديب إسحاق بنيل الرخصة في إنشاء جريدتين أخريين باسم «المحروسة» و«العصر الجديد» من طرف الحكومة، ثم طال المطال في ذلك فكتب أديب إلى علي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية يومئذ يتقاضاه وعد الحكومة، وإليك نبذة من الرسالة المذكورة ننقلها بالحرف الواحد:
ولقد صار (العصر الجديد) قديما بما مر عليه من مؤثرات الانتظار، وأصبحت (المحروسة) على قدم اليأس تستجير بالأولياء والأنصار، وتتلو وهي في عالم القوة بين المخاوف والأخطار، إذا ما الفكر حار، وإذا ما الزمان جار، أتنسى مصر مزية البر بالجار، أم لا يسمع بين براياها صدى نداء المستجير.
وفي 4 حزيران 1911 أصدر إلياس زيادة عددا أسبوعيا يتضمن نفثات أقلام الجالية السورية في مصر وخلاصة المباحث الجليلة التي يكتبها الأدباء في سوريا، وقصد بذلك أن يجعل «المحروسة» رسول السوريين ولسان حالهم في القطرين المذكورين.
وفي شهر تشرين الأول 1913 ظهرت المحروسة في ثماني صفحات كبرى على مثال جرائد الأهرام والمقطم والمؤيد وغيرها طافحة بالمواضيع المفيدة والمواد اللذيذة والأخبار الصادقة، ومنذ التاريخ المذكور قد تولى رئاسة تحريرها فرح أنطون منشئ مجلة «الجامعة» الذائعة الصيت، وتعد الآن هذه الجريدة من أرقى الصحف المصرية وأوسعها انتشارا بعناية صاحب امتيازها الذي أعادها إلى منزلتها الرفيعة، وقد أخذت على نفسها أن تكون الآن هي هي جريدة المحروسة كما كانت عليه إبان نشأتها الأولى وزمن شهرتها من السير على الطريقة المثلى وسلوك الجادة الفضلى منكبة على طرفي التفريط والإفراط مبتعدة عن لغو الكلام وهجر القول، فلا تمدح إلا من استحق المدح ولا تذم وإنما تذكر الأعمال، وليست مصلحتها الخاصة إلا ما جاء من جانب مصلحة مصر العامة فهي بذلك بعيدة عن الغايات الشخصية.
الفصل الثالث
أخبار جرائد الإسكندرية من سنة
1881 إلى 1886
(1) الاتحاد المصري
بلغت هذه الجريدة شوطا بعيدا في الحياة الصحافية ولم تزل منتشرة إلى الآن، وهي سياسية أدبية قضائية صدرت في 2 كانون الثاني 1881 باللغة الفرنسية باسم
L’Union Egyptienne
لمنشئها روفائيل بن بشارة بن يوسف مشاقة، ثم أوقف صاحبها الطبعة الإفرنسية وحولها بعد شهور إلى جريدة عربية لينقطع إلى خدمة الوطن واللغة، ففاز من ذلك بالأمنية واشتهر بالثبات في هذا الموقف الحرج بحيث أتت أدوار عسرة نجت الصحيفة من عواقبها بحسن تدبيره، وقد عرفت بالنزاهة والاعتدال والجهاد في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وفي أوائل سنة 1906 احتفلت بعيدها الفضي احتفالا شائقا شهده جمهور من كرام القوم والصحافيين تليت فيه الخطب وتبودلت عبارات التبريك؛ لأن صاحبها تغلب على مشاق الصحافة العربية خمسة وعشرين عاما وذلك من الحوادث النادرة فيها، ولما اجتازت العام الثلاثين من عمرها برزت في ثوب قشيب ومظهر جميل فأصدر صاحبها عددا ممتازا بالرسوم والمواضيع ومكتوبا بقلم نجيب غرغور، وبهذه المناسبة نظم الشاعر البليغ الشيخ أمين الحداد حفيد الشيخ ناصيف اليازجي ستة أبيات لهذا العدد من «الاتحاد المصري» وهي بنصها الشائق:
كل هذا الوجود بالاتحاد
قائم بين مختف أو باد
من نبات ومن هواء ومن ماء
وحي إلى أدق الجماد
ونجوم بالاتحاد لقد ضاءت
وقامت تسمو بغير عماد
علة الكون كله من غرام
وزواج وصحبة ووداد
فهو لولاه لم يكن من قوي
بل محال يقوى امرؤ بانفراد
فعجيب يعيش فينا «اتحاد»
في بلاد تعيش دون اتحاد
إدجار مشاقة؛ صاحب الامتياز الثاني لجريدة «الاتحاد المصري» وابن روفائيل مشاقة صاحب الامتياز الأول.
وفي 10 تشرين الثاني 1910 ظهرت باسم إدجار مشاقة خلفا لأبيه ومؤسسها الذي وافته المنية قبل التاريخ المذكور بأربعة أيام. ومن أخص الأدباء الذين زينوا «الاتحاد المصري» بكتاباتهم ونفثات أقلامهم نذكر: جورج مرزا وجرجس بن ميخائيل نحاس من أبناء سوريا، ومنذ سنة 1889 تولى تحريره نجيب غرغور الذي لم يزل قائما بهذه المهمة إلى الآن، وهو من الكتاب الذين خدموا فن الصحافة العربية زمنا طويلا بكل نشاط في مدينة البطالسة كما سيأتي ذكره في هذا الجزء وفي غيره أيضا. (2) البرهان
إزاء الصحف الفوضوية التي جلبت الدمار للقطر المصري في أثناء الحوادث العرابية وجدت صحف أخرى معتدلة المشرب ومخالفة للأولى في الرأي والسياسة، وجريدة «البرهان» التي نحن بصددها هي من جرائد الفئة الثانية بحيث اتخذت خطة النصح للعرابيين بالإقلاع عما هم عليه ومبينة لهم سوء الحالة ووخامة العاقبة بلسان العقل والدين، صدرت هذه الصحيفة الوطنية الأسبوعية في 5 آيار 1881 لصاحبها معوض محمد فريد ورئيس تحريرها الشيخ حمزة فتح الله، ثم نقلت في عامها الثالث إلى عاصمة الديار المصرية وصارت تصدر مرتين في الأسبوع، وكان حينئذ يدبر شئونها يوسف شيت ويحرر فيها أحمد سمير، ثم تولى الشيخ البشير الغمار التونسي
1
رئاسة تحريرها مدة من الزمان، وقد قرظها عند ظهورها السيد إبراهيم سراج الدين المدني صاحب جريدة «الحجاز» في القاهرة بهذين البيتين:
أرى مصر قد فازت بكل فضيلة
فليس لها في الشرق والغرب أشباه
فمن أنكر التمدين فيها فحمزة
بجرناله «البرهان» يقطع دعواه (3) الطائف
نقولا حداد؛ منشئ جريدة «المحبة» المدرسية في صيدا وجريدة «الحكمة» المدرسية في بيروت والمحرر في جرائد «الأهرام» و«المحروسة» و«الرائد المصري» في القاهرة وجريدة «الجامعة» ومجلتها في مدينة نيويورك.
أنشئت هذه الصحيفة الأسبوعية المصرية السياسية التهذيبية بعد احتجاب «التنكيت والتبكيت» سنة 1881 لصاحبها ومحررها السيد عبد الله نديم، فكانت في أول أمرها ناهجة طريق السداد والرشاد ثم قلبت ظهر المجن لما اغتصبها منه قواد الجيش في أثناء الفتنة العرابية ولم يدعوا له منها غير الاسم، فكانوا ينشرون على صفحاتها ما يريدون من المقالات المهيجة دون أن يستطيع ردعهم عن عملهم حتى انتهت الحرب بفوز الإنكليز في معركة «التل الكبير» كما هو معلوم. وعاشت هذه الجريدة نيفا وسنة فنالت من الرواج والشهرة ما لم تنله صحيفة قبلها من التأثير على الأفكار، وكانت تطبع في مطبعة «المحروسة» لصاحبها سليم نقاش بعد اختفاء جريدتي التجارة ومصر، فلما رأى سليم أن عبد الله نديم تجاوز كل حد في زرع بذور الشقاق بين سكان القطر حصل خصام بينهما كاد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن أصلح الأصدقاء ذات البين بينهما وظلت جريدة «الطائف» تصدر في مطبعة المحروسة حتى نقلت إدارتها إلى القاهرة منذ العدد 26 الصادر في 5 كانون الثاني 1882 ميلادية، فتضاعف حجمها واتسع نطاق مباحثها وزاد عدد المحررين فيها وصارت تطبع في «مطبعة وادي النيل» ثم في «مطبعة الاتحاد».
ومنذ العدد 42 الصادر في 6 آيار للسنة المذكورة تولى أحمد سمير كتابة فصولها لضعف ألم بصحة عبد الله نديم، وكان منشئها ينشر على صفحاتها تحت عنوان «مصر وإسماعيل باشا» فصولا تاريخية أظهر فيها مساوئ هذا الخديو وتحامل عليه تحاملا عظيما بالطعن والذم، وقد ظهرت في هذه الجريدة مقالات مهمة بأقلام أحمد عرابي باشا ومحمود سامي البارودي ويوسف آصاف اللبناني صاحب جريدة «المحاكم» وكامل ميخائيل وحبيب سالم وإبراهيم نظمي وسواهم. (4) روضة الإسكندرية
بعد استتباب الراحة على أثر الفتنة العرابية في مصر رجع إليها سليم باشا حموي وأصدر في 9 تشرين الثاني 1882 جريدة «روضة الإسكندرية» اليومية بدلا من جريدة «الإسكندرية» السابقة الذكر، فظهرت مرتين في الأسبوع ريثما تهيأت له المعدات اللازمة لإصدارها يومية في الشهر التابع، واستقدم معه حينئذ من بيروت جرجس بن ميخائيل نحاس وجعله مساعدا له في التحرير، وقد أطلق عليها عنوان «روضة الإسكندرية» تفاؤلا بما في الرياض من داعيات النزهة والانشراح وتيمنا بما لهذا الاسم من الانتساب إلى مصطفى رياض باشا رئيس الوزارة المصرية؛ لأن الحكومة المصرية رخصت بإصدار هذه الصحيفة اليومية في أيام وزارته فضلا عما كان له عليها وعلى منشئها من اليد البيضاء، وبعدما عاشت هذه الصحيفة ثلاثة أعوام احتجبت بانتقال صاحبها سنة 1885 إلى القاهرة حيث أنشأ جريدة «الفلاح» التي أوردنا أخبارها في الباب الأول من هذا الجزء. (5) الاعتدال
الشيخ حمزة فتح الله كاتب قديم العهد خدم الصحافتين المصرية والتونسية منذ أكثر من أربعين سنة، فبعد أن كتب في «الرائد التونسي» بتونس و «الكوكب الشرقي» و«البرهان» في الإسكندرية أنشأ جريدة «الاعتدال» الأسبوعية في 31 تموز 1882م/15 رمضان 1299ه على أثر ضرب الإسكندرية بأيام قليلة، وكان ذلك بأمر من الخديو توفيق الأول الذي أوعز إليه أن ينهج في إنشائها خطته الصالحة التي كان يحرر بها «البرهان» وكفل الصرف عليها من جيبه الخاص، وكانت جريدة «الاعتدال» اسما على مسمى؛ لأن صاحبها توخى فيها أن يكم أفواه مشايعي عرابي باشا زعيم الفتنة ويبين لهم استنادا إلى الشرع المحمدي أن عملهم يفضي إلى عواقب سيئة، ثم أصدرها مرتين في الأسبوع ليزداد انتشارها وتعم فوائدها بين خاصة الشعب وعامته، ولكن منشئها عطلها في السنة التابعة؛ لأن خيري باشا ناظر المعارف إذ ذاك اختبر مكانته من العلم فسعى في تعيينه مفتشا للعلوم العربية في المدارس المصرية.
الفصل الرابع
أخبار جرائد الإسكندرية من سنة
1887 إلى 1892
(1) الببغاء
برزت هذه الصحيفة الأسبوعية الهزلية المصورة في عام 1887 لمنشئها نجيب غرغور، وقد عين لها وكيلا يكاد أن يكون أميا يسمى نسيم بن حسين وكان جزائري الأصل فرنسي التبعية ولكنه كان خائر العزيمة، فما سئل هذا الوكيل عن اسم صاحب الجريدة حتى أفشى اسمه واختفى وراء ستار، وقد احتجبت بعد صدور خمسة أعداد منها؛ لأن عثمان باشا عرفي محافظ الإسكندرية حينئذ اضطهدها وصادرها، وكانت رسومها تأتي من مدينة بولونيا بإيطاليا وهي ذات الرسوم التي كانت تنشرها جريدة «الباباغلو» الإيطالية في المدينة المذكورة، أو بالحري كانت نسخ هذه الجريدة تأتي مرسومة ولكنها بيضاء بدون تحرير، فكان نجيب غرغور يحررها ثم يكتبها بقلمه على «الورق الزفر» ويطبعها على الحجر، وكان الطباع يتقاضى لذلك أجرة تزيد على الأجرة الاعتيادية مرارا. (2) المنارة
جريدة أسبوعية أدبية ذات رسوم وصور برزت عام 1888 لمحررها نجيب غرغور ومديرها سليم الخوري بشارة، فما كاد يظهر منها بعض أعداد لعالم الأدب حتى انطفأ مصباحها وأظلم نورها وتعطلت لأسباب شخصية، وقد باح بذلك نجيب غرغور في مقالة له «الصحافة في ثلاثين عاما» فنروي كلامه بالحرف الواحد:
المنارة، هي أول جريدة مصورة في هذه البلاد، أنشأتها وجعلت لها مديرا رجلا لم أكن خبرته وهو أمي مطرود من بيت أبيه، فأطعمته وكسوته ودفعت عنه أجرة الفندق وجعلت له اسما كبيرا؛ لأن الشعراء كانوا يتبارون في مدحه وبيان محامده وعلمه وفضله ورشاقة قلمه، وليس منهم من يذكر بالثناء ذلك المسكين - حاجب فضلي - وهو الاسم الذي كنت أوقع به مقالاتي، ثم حصل معظم اشتراكات الجريدة وأركن إلى الفرار مع أنه كان لها أكثر من ألف وخمسمائة مشترك في مدة لا تزيد على شهرين.
ومن لطيف ما يذكر من الألغاز التي كانت تنشر في هاته الجريدة حل لغز بقلم إبراهيم بك رمزي منشئ جريدة «الفيوم» وجريدة «التمدن» المحتجبتين ومدير الشركة الصناعية التجارية الآن إذ قال في حل لغز عن «المنارة»:
ألا يا ملغزا عن اسم شيء
رشيق القد يعرف بالإشارة
تبدى لغزك الأسنى كبدر
زها في أفق هاتيك المنارة
أما رسوم المنارة فكان يرسمها مصور إيطالي بارع يدعى «ألبرتو فابي» وهو من مشاهير المصورين في مدينة بولونيا بإيطاليا، وكان نجيب غرغور يكتبها بكلياتها وجزئياتها ويعد مواضيع رسومها ويطبعها. (3) الحقيقة
لما عزم الحاخام فرج مزراحي على إصدار هذه الجريدة أراد أن يدعوها باسم «الصدق»، ثم استحسن لها اسم «الحقيقة» وأصدرها بالشركة مع نجيب غرغور الذي تولى رئاسة تحريرها. ولما لم تكن في الإسكندرية معامل زنكوغرافية استحضر المنشئان اسم «الحقيقة» محفورا على الخشب ثم مسبوكا بالنحاس من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت، وقد اشتريا لها حروفا جميلة من حروف تلك المطبعة قبل أن تشتهر الحروف القسطنطينية وحروف «المطبعة الأدبية» في القطر المصري.
صدرت هذه الصحيفة السياسية الأدبية التجارية الفكاهية في 2 آذار 1888 فحرر فيها نجيب غرغور مدة سنتين، على أن بعض الدواعي الخصوصية لم تسمح بالاستمرار على نشر الجريدة فاحتجبت عن الظهور، وبعد حين أصدرها أحد أدباء الإسرائيليين الحلبيين فلم تفلح في عهدته، ثم انتقلت إلى يد جورج مرزا البيروتي، ولكن عدم استقلاله في إدارتها وتحريرها أدى إلى توقيف نشرها نهائيا على كبير أسف العارفين بأهميتها.
وكانت «الحقيقة» من الصحف المشهورة بإتقانها وكثرة موادها ونظافة طبعها، وكانت مضمارا تتبارى فيه أقلام مشاهير الكتاب السوريين والمصريين، أما خطتها فوطنية معتدلة تبين لسكان وادي النيل وجوه الإصلاح بلهجة منزهة عن كل غرض، ومن جهة أخرى كانت تعترف للإنكليز بحسناتهم في مصر وتشير إلى مساوئهم ودهائهم السياسي، وكان نجيب حاج صاحب جريدة «أبو الهول» المحتجبة في القاهرة يكاتب «الحقيقة» وله على صفحاتها المقالات الشائقة. (4) السرور
كان يوم صدور هذه الجريدة يوما مشئوما على القطر المصري بحيث حلت فيه وفاة مليكها الخديو محمد توفيق الأول، ولذلك تشاءم الناس من عنوانها «السرور» الذي وقع وقعا سيئا في النفوس للسبب المذكور ولو كان جميلا في حد ذاته.
نقولا عبد المسيح؛ مؤسس جريدة «السرور» في الإسكندرية.
ظهرت هذه الجريدة الأسبوعية الأدبية الإخبارية الزراعية التجارية الفكاهية في 8 كانون الثاني 1892 لصاحبها نقولا عبد المسيح، فاستلم هو إدارتها وإنما عهد بتحريرها لبعض الكتاب تحت نظارته؛ لأنه كان ضعيف الإنشاء في اللسان العربي، واشتهر الذين تولوا كتابتها جورج مرزا وأنطون نوفل السوريان، وهي بلا مبدأ معروف؛ لأن خطتها كانت شبيهة بخطة جرائد سليم باشا حموي تتزلف للكبراء وتكثر من عبارات المدح للأعيان والأمراء تعزيزا لمركزها الأدبي، وقد عاشت نيفا وعشر سنين ثم احتجبت غير مأسوف عليها.
ولد نقولا بن جرجس بن إبراهيم عبد المسيح في غرة شباط 1865 في مدينة القاهرة، وعائلته من أقدم العائلات السورية المتوطنة في القطر المصري، وقد تلقى العلوم أولا في مدرسة الروم الكاثوليك ثم في مدرسة إخوة المدارس المسيحية، وفي عام 1876 انتقل والده إلى الإسكندرية، وهناك أتم صاحب الترجمة دروسه عند الإخوة المشار إليهم، ولما خرج من المدرسة أخذ يعلم اللغتين العربية والفرنسية للأفراد حتى أنشأ سنة 1882 «المدرسة السورية» لحسابه الخاص، وفي سنة 1886 وسع نطاقها متحدا مع أخيه إبراهيم عبد المسيح منشئ جريدة «الإخلاص» المحتجبة في القاهرة، وبعد مدة تاقت نفسه إلى خدمة عالم المطبوعات فنال سنة 1882 امتيازا بنشر جريدة «السرور» وبإنشاء «المطبعة الوطنية»، ولبث على هذه الحال حتى احتجبت الجريدة فباع المطبعة وسافر إلى أميركا ولم يزل فيها إلى الآن .
الباب الثالث
يشتمل على أخبار كل المجلات في مدينة القاهرة
الفصل الأول
أخبار مجلات القاهرة من سنة 1848
إلى سقوط الخديو إسماعيل سنة 1879
(1) الجريدة التجارية الزراعية
مهما اجتهد الإنسان وبالغ في التنقيب والتفتيش عن الآثار القديمة لا يستطيع أن يبلغ الغاية القصوى من الكمال في أبحاثه الدقيقة، وقد حملنا على الإقرار بذلك خلو الجزء الأول لتاريخ الصحافة العربية من أخبار مجلة أو جريدة عنوانها «الجريدة التجارية الزراعية» أصدرها الخديو إبراهيم باشا قبل وفاته بعشرة أيام، فإنه مات في 10 تشرين الثاني 1848 فنظم أحد الشعراء تاريخا هجريا لوفاته سنة 1264 قال:
فمضى وقلت مؤرخا
الله يرحم من مضى
وقد تنبه إلى هذه الجريدة صاحب العزة أحمد بك تيمور المصري المشهور بمعارفه الواسعة، فكتب إلى عيسى إسكندر معلوف منشئ مجلة «الآثار» اللبنانية وأرسل إلينا على يده نص هذين المنشورين التاليين نقلا عن مجلد عتيق لجريدة «الوقائع المصرية» محفوظ بدار الكتب الخديوية، ويتضمن المنشور الأول منهما نص الإرادة الخديوية بإصدار الجريدة، ويشتمل الثاني على نص الأمر الخديوي المؤذن بطبعها ونشرها بين الناس:
المنشور الأول
العدد 135 الصادر في يوم الاثنين 12 ذي القعدة سنة 1264 هجرية/ 11 تشرين الأول سنة 1848 ميلادية
لما كان أمر التجارة والزراعة أساسا للرفاهية والثروة، وقد أراد الجناب الخديوي أن يطبع «جرنال جمعي» في شأن ذلك بحيث يشتمل على أخبار التجارة والزراعة والإعلانات الملكية، وأن ينشر على البلاد والقرى كافة زيادة على نسخ الوقائع
1
المعتاد نشرها في كل أسبوع لتعلم أرباب التجارة والزراعة بمطالعة ما يتحصل من الرواج ويكون وسيلة إلى استحصال الفوائد العامة، حصل تنظيم لائحة ببيان الإفادات والكشوف والإعلانات الواجب إرسالها في كل أسبوع إلى ديوان المدارس بالأخبار المذكورة، وقدمت صورتها اللازم نشرها على المديريات لأعتاب الداوري
2
وتوج أعلاها بأوامره السنية وبعث بها إلى من يلزم إرسالها إليهم.
المنشور الثاني
يوم الاثنين ثالث ذي الحجة سنة 1264 هجرية/ غرة تشرين الثاني 1848 ميلادية «قد ذكر في طبع من نسخ الوقائع سابقا المنمرة بنمرة 135 أن الإرادة الداورية تعلقت بطبع جرنال عربي العبارة يحتوي على الحوادث التجارية والإعلانات الملكية، وينشر في كل أسبوع على كافة البلاد والقرى بالسوية خلاف نسخ الوقائع المعتاد نشرها لتعلم أرباب التجارة والزراعة منه رواجها ومحسناتها، وإذ كان ذلك معدودا من أساس الرفاهية واليسار ومن وسائل قوت العالم كما هو جلي لدى أهل البصيرة والاستبصار؛ بودر إلى الشروع في طبع الجرنال المذكور من الآن طبق مراد الآصفي علي الشان، وسينشر في كل يوم جمعة بدون انقطاع، وقد حررت في هذا الأسبوع أول نسخة منه وطبعت، وعلى كافة المديريات نشرت.»
في هذين المنشورين دلالة على أن أول جريدة أو مجلة زراعية أنشئت في عام 1848 ميلادية، وهي رابعة الصحف العربية منذ تأسيسها إلى الآن ونجهل كم بقيت من الزمان بعد عهد نشأتها، فنثني على صاحب الفضل أحمد بك تيمور الذي أتحفنا بهذه الفوائد خدمة للتاريخ واللغة. (2) الجريدة العسكرية المصرية
لما نشرنا أخبار الحقبة الأولى فاتنا أن نذكر هذه المجلة القديمة التي أنشئت بعناية إسماعيل باشا خديو مصر، وقد نبهنا إلى ذلك عيسى إسكندر المعلوف منشئ مجلة «الآثار» اللبنانية.
وهي شهرية قمرية تسمى «الجريدة العسكرية المصرية» وعنوانها يدل على مباحثها، كانت تطبع في المطبعة الأميرية وتوزع مجانا على القراء، وقطعها كبير كقطع مجلة «المقتطف» في زماننا وكل جزء من أجزائها الثلاثة التي نشرت يتألف من 36 صفحة، ظهر منها الجزء الأول في 22 أيلول 1865م/غرة جمادى الثانية 1282ه ومن مقالاته «نبذة مختصرة من تاريخ فن العسكرية وكيفية تقدمه عند أشهر الأمم المتقدمين والمتأخرين». (3) روضة المدارس المصرية
مجلة علمية أدبية فنية ظهرت في أوائل سنة 1870 لمنشئها علي باشا مبارك
3
أحد وزراء مصر السابقين ومن كبار ذوي النهضة العلمية فيها، وقد نشر على صفحاتها كثيرا من الفصول التي تدل على طول باعه في حلبة المعارف على اختلاف أنواعها، فتولى إدارتها وتحريرها رفاعة بك رافع الطهطاوي الشهير الذي نشرنا ترجمته في [الكتاب الأول - الباب الثاني] من هذا الكتاب، وبعد وفاته عام 1873 خلفه في إدارتها ابنه علي فهمي ناظر قلم مطبوعات المعارف فوسع دائرة مباحثها وزادها تحسينا، وقد كتب فيها نخبة من علماء مصر كصالح مجدي بك وتادرس وهبي والشيخ محمد دياب ومحمد حافظ ومنصور أحمد أستاذ الكيميا والطبيعيات بمدرسة المهندسخانة الخديوية والشيخ حسين بن أحمد المرصفي مدرس علوم الأدب بدار العلوم الخديوية وغيرهم، وكانت المجلة مصدرة بهذين البيتين:
تعلم العلم واقرأ
تحز فخار النبوة
فالله قال ليحيى
خذ الكتاب بقوة
وكانت «روضة المدارس المصرية» كثيرة المواد جزيلة الفوائد تطبع بعناية نظارة المعارف في وادي النيل، وكان الخديو إسماعيل باشا يساعد على انتشارها بسخائه المشهور كما ساعد كثيرا غيرها من الصحف العربية، فطار صيتها وذاع وملأ الآفاق ثناء على مؤسسها ومحرريها الأفاضل الذين أتحفوا اللغة العربية بتآليف شتى في علوم مختلفة. (4) جريدة أركان حرب الجيش المصري
حقي بك العظم؛ أحد مؤسسي جريدة «الشورى العثمانية» العربية - التركية في القاهرة وكاتب المقالات السياسية الكثيرة في الصحف المصرية والسورية.
يرجع الفضل في معرفة أخبار هذه الصحيفة التي كنت أجهل وجودها إلى صديقي البحاثة عيسى إسكندر معلوف منشئ مجلة «الآثار» اللبنانية، وهي شبه مجلة بقطع صغير نشر منها العدد الأول في 15 جمادى الأولى 1290 هجرية/11 تموز 1873 ميلادية، كانت تصدر في منتصف الشهور القمرية وكل سنة منها مقسومة إلى مجلدين؛ أي ستة أجزاء في كل مجلد، وقد يلحق ببعض الأجزاء رسوم للأسلحة ومصورات (خرائط) لبعض المواقع الحربية التي يقتضي المقام توضيحها، قام بنظارة تحريرها أولا البكباشي موري أفندي من أركان الحرب، ثم خلفه البكباشي عمر أفندي رشدي من أركان الحرب أيضا ، وهذا صار بعد ذلك عمر باشا رشدي ومات وهو مدير للغربية في مصر، والمعروف من هذه المجلة أجزاء السنتين الأولى والثانية ونصف السنة الثالثة. (5) النحلة الحرة
هي مجلة جدلية ذات 19 صفحة مخطوطة بيد منشئها القس لويس صابونجي ومطبوعة على الحجر، ظهر منها سنة 1871 العدد الأول فقط وهو الثاني والثلاثون لمجلة «النحلة» التي تأسست في بيروت، ثم ألغيت بأمر راشد باشا والي سوريا على يد خليل أيوب الدمشقي، وكان قصد القس المشار إليه من نشرها تبرئة ساحته مما نسبته إليه مجلة «الجنان» وجريدة «الجنة» البيروتيتان من تهمة الطعن في حق صاحبها المعلم بطرس البستاني، ولذلك أصدر مجلته الجديدة في القاهرة وصدرها بالعبارة الآتية مع الأبيات التي تليها قال: «النحلة الحرة تطبع في بلاد حرة تنشر عند اللزوم دون ميعاد لإصلاح ما تفسره الجنة والجنان بين العباد.»
أهلا وسهلا نحلتي ما ذا الجفا
قد غبت عن عيني وأخرت الوفا
قالت رماني وابتلاني من بغى
جورا فلازمت قفيري في خفا
عهدي على دحض الضلالة ثابت
قد جئت عن بعد لحقي منصفا
وقد قرظ هذه المجلة الشاعر الكبير محمود سامي باشا البارودي رئيس مجلس النظار سابقا في مصر بالأبيات الآتية:
ألا يا نحلة سرحت فحازت
سلالة ما تولته الوهاد
تلقتها النجاد بما أسرت
ضمائرها وحيتها الوهاد
سعت جهدا فنالت ما تمنت
كذاك الدهر سعي واجتهاد
فلا عجب إذا طرقت بخير
فلولا النحل ما كان الشهاد
وتتضمن هذه المجلة انتقادات على المعلم بطرس البستاني في بعض المسائل الجغرافية والفلكية والعلمية، فمن ذلك أن المعلم بطرس ترجم جبل «جينيزيو» بمعنى الرماد غلطا، ثم قال إن ارتفاعه يبلغ 35 كيلومترا مع أن أعلى جبال الأرض وهي سلسلة جبال هملايا لا يتجاوز ارتفاعها ثماني كيلومترات، ومما يؤاخذ عليه القس لويس صابونجي تحامله الشديد على النابغة البستاني وتصويب سهام الطعن عليه بعبارات جارحة تحط من مقام أهل الذوق السليم والأدب الصحيح، وقد فعل مثل ذلك في حق كل من خليل أيوب المشار إليه وخليل الخوري مؤسس جريدة «حديقة الأخبار» وترجمان ولاية سوريا، ويعلم الجميع أن الأول كان من عيون أعيان دمشق المشهورين بالاستقامة والوجدان الطاهر، وكان الثاني من مؤسسي الصحافة العربية وأركان النهضة العلمية الحديثة في سوريا الذين يخلد الشرق ذكرهم جيلا بعد جيل.
الفصل الثاني
أخبار مجلات القاهرة من سنة 1880
إلى 1886
(1) نشرة الشركة الزراعية المصرية
لكل بلد خاصة يمتاز بها عن سائر البلدان، فالقطر المصري الذي يخترقه النيل المبارك قد خصه الله بخصب التربة حتى صار بذلك مثلا سائرا على ألسنة الناس، وقد عرف هذه الحقيقة حكام مصر من أمراء الأسرة الخديوية فصرفوا اهتمامهم إلى تنشيط الزراعة وتوسيع نطاقها في كل أنحاء البلاد الخاضعة لصولجانهم، ولبلوغ غايتهم حفروا الترع وأقاموا الخزانات وشيدوا القناطر الخيرية وأسسوا المصارف المالية ومدوا السكك الحديدية وعمموا غرس الأشجار وجلبوا النباتات الكثيرة الخيرات وأنشئوا الشركات والمعامل على اختلاف أنواعها ورتبوا مسائل الري طبقا للأصول الفنية وأوفدوا الإرساليات العلمية إلى مدارس أوروبا لتحصيل المعارف العالية، وذلك كله ليستعينوا به على تحسين شئون الزراعة التي يتوقف عليها عمران القطر المصري وتوفير موارده وإسعاد حال سكانه.
وكانت الصحافة من جملة الوسائل الفعالة التي عولوا عليها لنجاح مساعيهم، وثاني مجلة زراعية ظهرت بعنايتهم لعالم الوجود في أرض الفراعنة «نشرة الشركة الزراعية المصرية» التي تأسست في 31 كانون الثاني (يناير) سنة 1880 ميلادية، وهي مجلة شهرية صغيرة الحجم ذات عشر صفحات مطبوعة بحرف دقيق تبحث في المسائل الزراعية علما وعملا. وكانت هذه الشركة تسعى في انتشار استعمال النباتات المختلفة الأجناس التي يمكن نموها ونجاحها في القطر المصري والانتفاع من غلاتها، ولحصول الفائدة المرغوبة كانت الشركة تقدم لأعضائها جميع ما لديها من أصناف البذور، وترشدهم إلى طرق استعمالها لتنوير أذهان العموم وتوفير ثروة البلاد وتدريب الشعب المصري على استثمار أطيانه المشهورة بالخصب. (2) المنتخب
هو عنوان لمجلة شهرية علمية طبية صناعية أصدرتها الحكومة المصرية في أواخر شهر آيار سنة 1881 وسلمت إدارتها للدكتور أحمد باشا حمدي مفتش الصحة، وقد أنشأتها على أنقاض مجلة «يعسوب الطب» التي مر ذكرها في الجزء الأول من تاريخ الصحافة العربية وجعلت إدارتها تابعة لإدارة جريدة «الوقائع المصرية» الرسمية، فتولى تحريرها رئيس المدرسة المذكورة الدكتور عيسى باشا حمدي وبعض أساتذتها كعثمان بك غالب وغيرهما من مشاهير الأطباء المصريين الذين يشار إليهم بالبنان، وكان هؤلاء يتبرعون بتحرير «المنتخب» بلا أجرة خدمة للبلاد وسعيا في نشر المعارف بين أبنائها.
وتحتوي هذه المجلة على أصول وفروع من المعارف العمومية التي يستفيدها كل ناظر ويستطيع إدراكها كل كاتب وقارئ، وتشتمل أيضا على كثير من الفوائد الطبية من تشخيص أمراض بطريقة سهلة وتعيين علاجات بسيطة وتقريب وسائل لحفظ الصحة فضلا عن الاكتشافات الجديدة والاختراعات المهمة، أما عبارتها فكانت قريبة التناول خالية من التعقيد إلا ما ندر، وقد تعطلت بعد زمن قصير من عهد ظهورها لقلة ميل المصريين عموما في ذلك العهد إلى مطالعة الصحف العلمية وترويج بضاعتها. (3) مرآة الشرق
سبق لنا وصف هذه المجلة الأسبوعية ضمن أخبار جريدة «مرآة الشرق» التي أوردناها في [الكتاب الثالث - الباب الأول - الفصل الثاني]. (4) الحضارة
في 22 آيار 1882 برزت لعالم الصحافة هذه المجلة الأدبية العلمية التاريخية بقلم ميخائيل بن جرجس عورا مدير مكتب الترجمة بمصر، فكانت تصدر مرتين في الشهر وكل جزء منها يحتوي على 32 صفحة مطبوعة بحرف دقيق ومشحونة بالمباحث العديدة والفوائد الجليلة. وكان منشئها الفاضل منذ نعومة أظفاره كثير الإعجاب باللغة العربية؛ فخاض عبابها واتسع في كشف غوامضها وإظهار محاسنها. وعلى سبيل المثال نورد فقرة من مقالة له في «اللغة» نشرت في العدد الأول من «الحضارة» وقد جاء فيها ما نصه:
ومن ذلك ما تقع المماثلة في اللفظ دون المعنى بين لغتين فأكثر كالنار، فإنها تعتبر في اللغة العربية بمعنى النار المحرقة المعلومة وفي اللغة التركية بمعنى الرمان، ومما قلت في المعنى:
دعي صدري وتعذيبي
كفى ما كان من هجرك
فنار العرب في صدري
ونار الترك في صدرك
وقد انطفأ سراج حياتها على أثر ظهورها بوقت قليل؛ لأن صاحبها لاذ بالفرار من مصر إلى سوريا بسبب الفتنة العرابية، وبعد استتباب الراحة عاد إلى القاهرة فأخذ يحرر في جرائدها السيارة حتى وفاته، وقد نشرنا ترجمته في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية]. (5) الشفاء
الدكتور شبلي شميل؛ مؤسس مجلة «الشفا» في القاهرة.
ظهرت هذه المجلة الشهرية الطبية الجراحية العلمية والعملية في 15 شباط 1886 لصاحب امتيازها ومحررها الدكتور شبلي شميل، وهو باكورة الأطباء الذين تخرجوا في المدرسة الكلية السورية الإنجيلية ببيروت، فكانت أسعد حالا وأوفر مادة وأفصح عبارة من مجلة «يعسوب الطب» ومجلة «المنتخب» الطبيتين اللتين سبق عنهما الكلام، وكانت مباحثها تتناول علم الطب والجراحة وما يتعلق بهما مع كل ما يئول إلى رفع مقام الطب والأطباء في الشرق، وقد تولى إدارتها جرجي بك زيدان منذ السنة الرابعة فصار عدد صحفاتها 40 بعدما كانت 32 عند ظهورها، ثم توقفت عن النشر في السنة الخامسة من عمرها بعدما انقطعت مصالح الصحة عن إمدادها باشتراكات معلومة، وقد افتتحها الدكتور شبلي بمقدمة طويلة أوضح فيها «حاجتنا» إلى العلم، نقتطف منها الفقرة الآتية:
فارتقاء الأمم وانحطاطها وتقدمها وتقهقرها وقوتها وضعفها لا يكون إلا بالنظر إلى حال العلم فيها، الحكم العدل الذي يعطي كل أمة بقدر استحقاقها منه، فلا منعة المعاقل والحصون ولا كثرة الرجال والعدد تحمي الديار وتدفع العار وتصد هجمات العدو عن المواطن والحمى؛ إن لم يكن العلم ضاربا فيها أطنابه داقا فيها أوتاده وأسبابه رافعا فوقها قبابه، وماذا تنفع المعاقل إذا ارتفعت، والحصون إذا امتنعت والرجال إذا اشتدت والعدد إذا عدت ما دام العلم يخلق لها كل يوم ما يدقها دقا، ويمحقها محقا، ويذرها هباء منثورا، كأن لم تكن شيئا مذكورا، فبدونه لا تستقل أمة، ولا تدفع ملمة، ولا تحسن صناعة، ولا تستقيم تجارة أو زراعة، فالعلم هو السيف الذي لا يعتريه فلل، وأصحابه هم الجند الذين لا يصيبهم فشل، فالسياسة خادمة للعلم وإن أنكر المنكرون، وأصحابها عبيد لأصحابه وإن استكبر المستكبرون، فويل لقوم سادت كبراؤهم، وذلت علماؤهم، فإنهم قوم خاسرون، وعما قليل سيمحقون.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وكان يساعد في تحرير المجلة مشاهير أطباء مصر الذين نذكر منهم: سالم باشا وأباتي باشا وحسن باشا محمود وغرانت بك وأحمد باشا حمدي وهربرت ملتون ومحمد بك علوي وإبراهيم صوصة وفوكة وغيرهم.
وما حرمت هذه المجلة من مساعدة رياض باشا وعنايته، فإن صاحبها قبل سفره إلى أوروبا لدرس آراء كوخ في السل دخل على هذا الوزير مودعا، فلما سأله عن موعد سفره قال له: «قابل حمدي باشا قبل السفر لأمر يطلعك عليه.» فذهب الدكتور شميل إلى حمدي باشا الذي سلم إليه صرة وقال: «إن الوزير يهدي إليك هذا القليل لتنفقه في سبيل مباحثك الجليلة.»
1 (6) اللطائف
مجلة شهرية علمية أدبية تاريخية فكاهية أنشئت في 15 آيار 1886 لصاحب امتيازها شاهين بك مكاريوس السوري الأصل وأحد أصحاب جريدة «المقطم» في القاهرة، فكانت حاوية لكثير من الملح والنوادر والروايات والفوائد وتنشر أحيانا أخبار الماسون وتدافع عنهم، غير أنها كانت بسيطة العبارة ولا سيما في أعوامها الأولى كأكثر المجلات في ذاك العهد، وقد جرت بينها وبين جريدة «البشير» البيروتية مجادلات كثيرة وهما على طرفي نقيض في المبدأ؛ لأن الأولى كانت تنتصر لجماعة الماسون وتعظم شأنهم والثانية تقبح أعمالهم وتذيع مساوئهم، وتبين أن غايتهم نقض الخير ومقاومة الحق وتقويض أركان الدين. ولدى بلوغها السنة الخامسة والعشرين من تاريخ ظهورها تصرم حبل حياتها بوفاة منشئها التي حلت في 12 حزيران 1910 بمدينة حلوان.
ومن مزايا شاهين مكاريوس أنه لم يتعلم على أستاذ طول حياته، بل حصل أصول الصرف والنحو والعروض بينما كان يشتغل في صف الحروف بالمطبعة الوطنية عند عمه جرجس شاهين في بيروت، فكان يلتقط ذلك من الأدباء والشعراء الذين كانوا يختلفون إلى المطبعة المذكورة لطبع مؤلفاتهم، ثم عين مديرا لهذه المطبعة أربع سنين وانتقل منها إلى المطبعة الأميركانية حيث استوقف اجتهاده وبراعته أبصار أوليائها فجعلوا اعتمادهم عليه، وبعد ذلك سافر إلى وادي النيل حيث أنشأ مجلة «اللطائف» واشترك مع الدكتورين صروف ونمر في تأسيس جريدة المقطم، وقد ترك بعد وفاته بعض آثار علمية وأدبية شعرا ونثرا نذكر منها كتاب «تاريخ الإسرائيليين».
هذا ما أمكننا الوقوف عليه من أخبار هذا الصحافي القديم من أحد أصدقائه في بيروت، وقد كتبنا مرارا إلى نجله سليم بك مكاريوس مدير جريدة «المقطم» المصرية ليتحفنا بترجمة والده ورسمه لننشرهما على صفحات هذا التاريخ فبقيت رسائلنا مهملة على أسف منا.
الفصل الثالث
أخبار مجلات القاهرة من سنة 1887
إلى 1889
(1) الأزهر
نشرت هذه المجلة الشهرية العلمية الأدبية في غرة آب 1887 لصاحبيها الدكتور حسن باشا رفقي أحد أصهار العائلة الخديوية وإبراهيم بك مصطفى ناظر مدرسة دار العلوم وأستاذ الكيميا في المدرسة الطبية، ولم تقتصر مباحثها على المسائل العلمية والأدبية فقط، بل كانت تتناول أيضا مسائل شتى كالطب والتاريخ والصناعة وغيرها، وكانت تعابيرها مألوفة، عليها مسحة من البلاغة؛ مما يشهد لمنشئيها بالبراعة في أحكام اللغة العربية، ولا يشوبها سوى بعض الأوضاع الإفرنجية المستعملة بدلا من الألفاظ التي تقابلها عند العرب للدلالة على المسميات العلمية والاختراعات الحديثة. وفي غرة كانون الثاني 1893 انتقلت إدارة المجلة إلى المستر ولكوكس مدير عموم الخزانات بمصر والشيخ أحمد الأزهري، وقد جرت حينئذ بين أحدهما ولكوكس وبين عبد العزيز فريد أستاذ الرياضة في مدرسة المهندسخانة مناظرات فنية وعلمية تتعلق بالقطر المصري دلت على علو كعب الثاني في المعارف وشهامته الوطنية،
1
وعاشت هذه المجلة إلى السنة الثامنة من عهد ظهورها وكانت من المجلات الراقية في عهدها. (2) الصحة
مجلة علمية أدبية طبية ظهرت في غرة آب 1887 للدكتور حسن باشا رفقي وإبراهيم بك مصطفى صاحبي مجلة «الأزهر» المار ذكرها، فكانت كشقيقتها مشحونة بالفوائد الكثيرة والمباحث الجليلة، وكفانا برهانا على ذلك أن نذكر أسماء الكتبة الذين كانوا يؤلفون لجنة تحريرها بالاشتراك مع منشئيها وهم: الدكتور غرين باشا والدكتور عيسى باشا حمدي والدكتور محمود بك مصطفى والدكتور حسن أفندي خورشيد والمسيو بريس، وطالت حياتها خمس سنين تقريبا ثم احتجبت. (3) الأحكام
مجلة شهرية قضائية أدبية ظهرت لعالم الوجود في غرة حزيران 1888 بعناية منشئها القانوني الشهير نقولا بك توما، فإنه صرف كنانة الجهد لتعميم منافعها بما كان ينشره فيها من المواد الشرعية والفتاوى وأحكام المواريث مع شرحها بعبارة بليغة تتناولها أفهام الخاصة والعامة، ولا غرو في ذلك فإن نقولا بك نال القدح المعلى بين زملائه في علم الفقه وفن المحاماة لدرجة ليس وراءها زيادة لمستزيد، وقد نال مساعدة جودت باشا وزير العدلية في الآستانة بحيث قرظ مجلة الأحكام
2
واشترك بعدد وافر من نسخها لمكتب الحقوق الشاهاني، وقد أصدر جودت باشا قرارا وزاريا بتدريس مواد المجلة المذكورة في مدرسة الحقوق السلطانية العثمانية لتلامذة الدرجة الأولى، وهي شهادة ناطقة بفضل المنشئ وغزارة علمه وتضلعه من القانون.
وقد توقفت «الأحكام» عن النشر بعد صدور الجزء العاشر منها لكثرة أعمال منشئها في فن المحاماة، ثم أعيد نشرها سنة 1895 فعاشت عمرا قصيرا بعدما نالت شأنا حسنا في عالم الصحافة، وقد قرظت جرائد كثيرة في الشرق والغرب هذه المجلة حتى إن جريدة «الوقائع المصرية» أعطتها حقها من المدح والإطراء وهي جريدة رسمية لا تنطق إلا بالصدق، وبمثل ذلك تواردت قصائد جمة من شعراء مصر وسوريا وتونس والعراق يصح جمعها ديوانا، نذكر منهم الإمام الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري الذي قال في وصف المجلة ما يأتي:
يهتز سامعها حتى تراه غدا
يهتز عطفا كمثل الشارب الثمل
فلا تعر غيرها سمعا ولا بصرا
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل (4) المخبر المصري
مجلة أسبوعية صدرت في 24 تشرين الثاني 1887 لمنشئها ديمتري مسكوناس صاحب جريدة «النور التوفيقي» التي سبق وصفها، وهي تتألف من ثماني صفحات مشحونة بالإعلانات الصناعية والتجارية والزراعية والعقارية، وفي آخرها بعض أخبار وملح لتفكهة أذهان القراء، واحتجب «المخبر المصري» بعد ظهور أجزاء قليلة منه. (5) الرياض المصرية
بهذا العنوان أنشئت هذه المجلة العلمية الصناعية الأدبية التاريخية في 7 أيلول 1888 ميلادية، وصاحباها رجلان من أدباء مدينة بيروت هجرا وطنهما للتمتع بالحرية تحت سماء وادي النيل، اسم أحدهما عبد الرحمن الحوت والآخر ابن شقيقته محمد حسن سلطاني المخزومي (صار بعد ذلك محمد باشا المخزومي)، فكانت المجلة تصدر مرتين بالشهر في 32 صفحة كبيرة وقد استهلها منشئاها بهذين البيتين:
فيا لك من مصر هو التبر تربها
حدائقها خضر وتوفيقها بدر
ويا لك من نيل تبارك ماؤه
على ضفتيه من رياض الهنا زهر
نجيب كنعان؛ مراسل جريدة «البصير» الإسكندرية من القاهرة والمحرر في صحف مصرية شتى.
وكانت لمصطفى رياض باشا رئيس وزراء مصر سابقا عناية خاصة بصاحبيها فسمياها باسمه تيمنا وافتخارا، وكان أحدهما محمد باشا يكتب أكثر فصولها وأهم مقالاتها النفيسة التي نذكر منها: حرارة الجو وشعورنا بها - الحضارة والمساواة - حركات ما على وجه الأرض - حجة البدو في سكن القفر - مزايا الخلافة - سبب اختلاف الأمم في تسمية الشهور والأعوام - الائتلاف بالتجانس - مراتب القضاء - سؤدد الأمة وحفظ مكانتها، ومن أشهر مقالاتها «تحرير الأرقاء وإسارة الأحرار» التي تناقلتها الجرائد وترجمت إلى اللسان الإنكليزي بطلب من اللورد كرومر معتمد إنكلترا في مصر.
وبعدما عاشت هذه المجلة نيفا وسنة احتجبت عن الظهور بداعي سفر أحد مؤسسيها محمد باشا المخزومي إلى أوروبا، وفي الجزء التابع سننشر إن شاء الله رسمه وترجمته مع سائر أخبار الصحف التي أنشأها في مدينة القسطنطينية. (6) فواكه الأرواح
صدرت هذه المجلة الأسبوعية الأدبية التاريخية الفكاهية في 2 تشرين الثاني 1889 بحجم صغير جدا لمديرها يوسف حبيب ومحررها نقولا ذكا، وهي تتألف من 32 صفحة مشتملة على أربعة أقسام: القسم الأول في فنون الأدب واللغة والتاريخ ويليه بعض فكاهات، والأقسام الثلاثة الباقية معربة عن أهم الروايات الأجنبية، ومراعاة لسهولة مطالعتها واقتنائها قد نشرت كل قسم منها على حدة في ثماني صفحات بحيث كان كل جزء منفصلا عن سواه حتى يتيسر تجليده مستقلا بذاته مع عدم الإضرار بالباقي.
الفصل الرابع
أخبار مجلات القاهرة من سنة 1890
إلى 1891
(1) كنز الزراعة
هي ثالثة الصحف الزراعية التي ظهرت في اللسان العربي، كانت ذات ست عشرة صفحة وصدرت مرتين في الشهر لمديرها كريستيان بوجاد ورئيس تحريرها حبيب فارس اللبناني، وهما اللذان أسسا جريدة «صدى الشرق» المار ذكرها، وقد ظهر أول أعدادها في 15 نيسان 1891 وشعارها «اطلبوا الرزق في خبايا الأرض»، وكانت مباحثها تتناول المواد النباتية والحيوانية والمعدنية والاختراعات وأحوال الري وسائر ما تفيد معرفته الزارع والصانع والتاجر، واحتجبت عند احتجاب جريدة «صدى الشرق» المشار إليها، وهاك ما ورد في فاتحة الجزء الأول منها ننقله بالحرف الواحد:
أما بعد فإن القصد من جريدتنا هذه هو خدمة نقدمها لهذا القطر العزيز، نبحث فيها عن الزراعة ومتعلقاتها لعلمنا بأن هذا المطلب من أهم المطالب التي تفيد مباحثها وتنفع مطالعتها؛ لأن الزراعة من أهم الكنوز المادية التي خص الله بها الأرض وجعلها واسطة لقيام حياة من عليها، وبالحقيقة أن الزراعة كنز لا يفنى ولا يفرغ ولا يمنع نواله عن طالبه إذا ما قصده بطريق الجهد والكد والاجتهاد والصبر والعلم بقواعده وأحواله، وقد ورد «اطلبوا الرزق في خبايا الأرض» والحق يقال إن الزراعة كانت كافية الإنسان سادة حاجته في بداية أمره أوان بساطة حاله، وما زالت مصدرا لقوام حياته ومدار معاشه بعد أن بلغ بالمدنية شأنا عليا، وعليه نرى الإنسان معتنيا بها خادما لها في كل أدواره، ومن غالى في خدمتها وعرف طرق تدبيرها نال منها خيرا ورزقا أوسع. ومن البديهي أن توافر المادة الموجبة للشيء تكثر من نتائجه إذا تدبرت بحسب ناموسه وطبق مقتضياته، وإذ كان أهم مواجب توافر نتاج الزراعة تربة جيدة وماء غزير وفصول موافقة كانت أرض مصر من أغنى الكنوز الزراعية، فإن الله سبحانه جعل تربتها حسنة وماءها غزيرا بأن أجرى إليها نيلها المبارك، فزاد تربتها خصبا وأرضها غنى وجعل لها فصولا مرتبة وحرارة كافية لنمو نباتها، وما ذلك إلا فضل الله يؤتيه من يشاء فلم ينقصها والحالة هذه إلا إتقان العمل لتزيد خيرا على خيرها، فهذا وما يتعلق به سيكون قاعدة مباحثنا في جريدتنا هذه إن شاء الله واضعين بأفكارنا وإزاء أعيننا خدمة هذا القطر السعيد على قدر استطاعتنا مدققين البحث بكل ما نرى منه وفيه فائدة لأصحاب الأطيان وللفلاح موضحين ما أمكننا الوصول لمعرفته من الطرق السهلة والأقرب مأخذا لأجل الحصول على أثمار الأرض وغلاتها، فإن في زراعة الأرض ونتاجها البركة ممن سطر على جبهة الإنسان هذه الآية الشريفة: بعرق جبينك تأكل خبزك. (2) الزراعة - الزراعة المصرية
أيوب صبري؛ صاحب جريدة «الوطنية» ومحرر جريدتي «الوطن» و«مصر» ومراسل جريدة «المؤيد» سابقا.
أنشئت مجلة «الزراعة» في 23 نيسان 1891 لصاحبها أيوب عون اللبناني، وهي أسبوعية تبحث في المواد الزراعية والصناعية والتجارية والاقتصادية والفكاهية، وغايتها ترقية شأن الفنون المذكورة في القطر المصري والسلطنة العثمانية وتنوير أفكار الفلاحين فيهما لمعرفة الطرق التي تمكنهم من زيادة قدر محاصيلهم وبيعها بأغلى الأسعار وكيفية اجتنائهم للأرباح المضاعفة باستصناع قسم منها بدلا من البيع، وقد لاقت هذه المجلة من الإقبال فوق ما كان يؤمله العارفون بأحوال البلاد في ذاك العهد، لا سيما أن الحكومة الخديوية عضدتها واشتركت في نسخ خاصة منها، ولبث أيوب عون ينشرها حتى أدركته الوفاة بتاريخ 15 تموز 1894 في جبل لبنان، وكان قد بدأ بترجمة إلياذة هوميرس نثرا وأخذ ينشر منها ملحقا بثماني صفحات في كل جزء من أجزائها الأخيرة.
وقد نشطه إلى إنشاء هذه المجلة الأمير حسين باشا كامل ثاني أنجال الخديو إسماعيل باشا، وأمده بالمساعدة المعنوية المستر ولس الإنكليزي مدير المدرسة الزراعية في الجيزة فكانت المجلة لسان حال المدرسة المشار إليها. ولأيوب عون فضل كبير في ارتقاء الزراعة المصرية واستعمالها على الطرق العلمية الحديثة؛ لأن ذلك كان في بدء النهضة إلى درس مكروب النبات ومقاتلة العلة بواسطة العلم.
وبعد ذلك تحولت المجلة لعهدة إسكندر كركور فسماها «الزراعة المصرية» وعاشت بإدارته حتى بلغت العام العاشر من عمرها واحتجبت. وتسهيلا للمشتركين ولا سيما الفلاحين منهم الذين تمنعهم أشغالهم عن قضاء مصالحهم أمام دوائر الحكومة وسائر الإدارات الكبرى فقد وقفت إدارة هذه المجلة نفسها لخدمتهم مجانا، وكانت تتوسط لهم لدى المصارف المالية وتقوم بكل حاجاتهم رهنا وشراء وبيعا، وكانت تقوم مقامهم لدى التجار وأصحاب مخازن الآلات الزراعية في كل ما يلزمهم منها، وكانت تهدى للمزارعين الفقراء الذين لا مقدرة لهم على تأدية بدل الاشتراك، وقد أخطأ إسكندر كركور بنشره في صدر مجلته «الزراعة المصرية» أن أيوب عون كان منشئا لأول مجلة زراعية عربية، والحال أنها رابعة المجلات من نوعها كما رأيت. (3) الإعلان
أنشئت هذه المجلة الأسبوعية في 15 تشرين الثاني 1891 بعناية إبراهيم جمال المحامي بالاشتراك مع ابن عمته غنطوس مصوبع، وهي جديدة في أسلوبها وموضوعها لخدمة التجارة والصناعة، وكانت توزع مجانا بلا ثمن وتنشر الإعلانات باللغة العربية وسائر اللغات الإفرنجية الشائعة في الشرق، وقد ضمنها صاحباها الأخبار التجارية كأسعار المحاصيل والكنتراتات والأسهم والسندات وغيرها، وتشتمل على قسم روائي في ملزمة ذات ثماني صفحات تجمع عند انتهائها كتابا، وفي أول كل شهر كان يطرح سؤال في أحد الفنون يعطى لمن يحله جائزة نقدية أو خلافها. وكان المعول على القيام بنفقات هذه المجلة وجني الربح منها أجرة الإعلانات، إلا أن البلاد الشرقية لم تكن، بل ليست حتى الآن، مستعدة لمثل هذا المشروع فنشرها صاحباها مدة نصف سنة ثم تركاها. (4) الفوائد الصحية
إن منزلة الصحف في عالم الأدب تتفاوت مراتبها كمنزلة الإنسان في الهيئة الاجتماعية، فبينما نرى مركز بعض الصحف الراقية مساويا لقدر فوائدها نرى البعض الآخر منها حائزا إما على شهرة تفوق على استحقاقها وإما على منزلة دون الواجب لها، فمجلة «الفوائد الصحية» الشهرية وإن تكن قليلة الشهرة فهي من الصحف التي تستحق الاعتبار المخصوص للمباحث الجديدة التي تفردت وامتازت واستقلت بها بل لم يطرق أبوابها غيرها من المجلات قبلها، وقد أنشئت في غرة كانون الأول 1891 بعناية الدكتور شلهوب بك المتخرج في المدرسة الطبية العليا بباريس، وكانت أبحاثها منطبقة على ما جاء مسطرا في مقدمة العدد الأول وهو:
وسأجعل من أبحاث هذه المجلة الإفاضة في طرق الطب المنعي وهو اتخاذ الاحتياطات المانعة لوقوع الداء قبل وقوعه، فإن في ذلك نجاة من مقاساة الآلام واقتصارا في إنفاق الدرهم الرنان، وما المقصد من مشروعي هذا إفادة حضرات الأطباء وإنما غرضي الأول إفادة من لم يتم لهم الاطلاع على هذه الصناعة؛ ما يؤخذ منه تجنب العوامل المؤدية إلى العلل، واتخاذ الوسائل الحافظة لنظام الجسم ووظائفه مما يتعلق معظمه بالنظافة في البيوت وخارجها وما يتطرق إليه من المأكل والمشرب واللباس؛ إذ قد تكون آفة الأجسام. واحتجبت في سنتها الثانية ثم عادت في أوائل سنة 1902 بإدارة الصيدلي نصري شلهوب شقيق الدكتور شلهوب بك مؤسسها، وقد زاد عليها من الأبحاث المفيدة ما جعلها في عداد المجلات الراقية من نوعها.
الفصل الخامس
أخبار سائر مجلات القاهرة إلى
نهاية الحقبة الثانية
(1) الإصلاح «استقامة الأحوال وإقامة الأمور بمقتضى القانون العقلي وإزالة الفساد واستجلاب المنافع في البلاد» هو غرض هذه المجلة العلمية الأدبية التاريخية الفكاهية الشهرية كما ورد في فاتحة عددها الأول. تأسست في شهر كانون الثاني 1892 بعناية «جمعية غرة الصباح الكلية» المؤلفة من أفاضل الملة القبطية، وكانت تتضمن ما لذ وطاب من الخطب العمرانية والمقالات التاريخية والمناظرات الأدبية والمباحث المفيدة في كل فن ومطلب ما خلا السياسة والدين. أما أعضاء هذه الجمعية الذين كانوا يقومون بتحبير مقالات المجلة فنذكر منهم: تادرس فهمي وفيلبس قلادة وبشارة سعيد ووهبة إبراهيم وبطرس تادرس وميخائيل عوض وجرنت عصفور وسلامة ميخائيل ونجيب مطر وسواهم. وقد نشرت في صدر عددها الأول هذه الأبيات:
إن كنت تهوى أن تكون أخا العلا
فاقصد بعزمك نشرة الإصلاح
فهي التي بسما الجرائد شمسها
بزغت بنور ضيائها الوضاح
في عصر عباس خديوي عصرنا
تبدي الفلاح لمعشر بنجاح (2) البستان
هو عنوان لمجلة شهرية علمية زراعية صدرت في 9 نيسان (أبريل) سنة 1892 لصاحبها عبد الواحد حمدي، ولما كنا لم نتوفق إلى الوقوف عليها فنقتصرعلى ذكرها دون وصفها. (3) الفرائد
في 15 تموز 1892 أنشأ الشريكان جرجس وفوزي هذه المجلة العلمية الأدبية الصناعية التاريخية، فكانت شهرية تصدر في 16 صفحة صغيرة الحجم وكان وكيلها العام توفيق عزوز، أما مباحثها فمقسومة إلى أربعة أبواب وهي: أولها باب المقالات الأدبية، وثانيها باب المباحث العلمية والصناعية، وثالثها باب الرياضيات، ورابعها باب المناظرات والفكاهات. وقد طالعنا في عددها الأول قصيدة أدبية تظهر من الجهة الواحدة فظاعة الرذيلة وتميط النقاب من الجهة الأخرى عن محاسن الفضيلة، وهذا مطلعها:
سوق الفضائل في كساد
والنفس مالت للفساد
والبغي في ذا العصر ساد
يا رب الطف بالأنام
والنفس مالت للهوى
والعقل في الجهل هوى
ومن النصيحة ما ارعوى
بل سد أذنا للكلام (4) الأستاذ
بعد صدور العفو عن عبد الله نديم أحد زعماء الثورة العرابية ورجوعه إلى وطنه أنشأ مع أخيه عبد الفتاح نديم في 24 آب 1892 هذه المجلة الأسبوعية العلمية التهذيبية الفكاهية، فكان الأول يحبر مقالاتها والثاني مديرا لها، وقد صرح عبد الفتاح في مقدمة المجلة بخطتها ومنهاجها قال:
عقدنا العزيمة على إصدار هذه الجريدة المسماة بالأستاذ كل أسبوع مرة، وجعلناها خزانة لشوارد العلوم وفوائد الرسوم لا تتقيد بفن ولا تقتصر على موضوع، فتنشر ما يحسن نشره ويلذ سماعه من المعقول والمنقول مما لا يطعن في دين ولا يمس شرف شخص ولا يقرب من الأهاجي، ولا تتعرض للأمور السياسية الحاضرة؛ أي أنها لا تتكلم في الإدارات والأعمال والعمال سواء في ذلك الداخلية والخارجية، وأما فن السياسة من حيث هو فإنه يدخل في موضوعها العلمي، فإن علم التاريخ والأخلاق والعادات وتدبير الممالك ووحدة الاجتماع العالمي من الفروع السياسية، وهي مستقلة عما يتعلق بالسياسة الإدارية، والحامل لي على فتح هذه الجريدة أني رأيت شقيقي الفاضل السيد عبد الله أفندي النديم المنشئ الشهير قد قضى مدة اختفائه مشتغلا بوضع كتب لا تخلو من الفوائد لما اشتملت عليه من الأبحاث العلمية، فاستأذنته في نشرها لإتمام خدمته المقصودة له من تأليفها فرخص لي بنشر عشرين كتابا منها مما تم تحريره وتنقيحه، ومع كوني اتخذت هذه المؤلفات مادة للجريدة فإني وكلت تحرير مطالبها وترتيب رسائلها لقلمه لسهولته.
وقد بلغت «الأستاذ» من الشهرة ما لم تبلغه مجلة قبلها من التأثير الهائل في أفكار المصريين، فإن عبد الله نديم أعاد لهم فيها نغمات حزب عرابي وأخذ يدعوهم إلى الفتنة ويحضهم على الثورة حتى عرتهم هزة أفلتوا بها من مرابطهم، فظن اللورد كرومر المعتمد البريطاني أن عبد الله نديم إذا دام على نشر «الأستاذ» حدثت ثورة في وادي النيل، فطلب من الخديو عباس الثاني نفيه من القطر وإلغاء مجلته، فزايل النديم مصر مأسوفا عليه من أشياعه، مغضوبا عليه من العقلاء. (5) الفتى
لإسكندر شلهوب صحف شتى خدم بها المعارف العربية وهي: «الفتى» و«الرأي العام» و«السلطنة» و«العصر الجديد» ولكل منها مزية خاصة، فالأولى تأسست في الحقبة الثانية، والثلاث الباقيات ظهرن في الحقبة الثالثة من تاريخ الصحافة العربية. ومجلة «الفتى» التي نكتب عنها الآن علمية صناعية زراعية تاريخية فكاهية صدرت بأربعين صفحة في غرة أيلول 1892 مرة في كل شهر، وقد افتتحها منشئها ورئيس تحريرها المشار إليه بهذه الأبيات:
يا طالب العلم المفيد وكنزه
أبشر إليك فتى يريك عجائبا
خلق وآداب وحسن طوية
جلت فأبدت للبيان غرائبا
في ظل عباس الخديو أميرنا
ما دامت الأيام تجد سحائبا
وبعد ثمانية شهور من التاريخ المذكور عطلها وأنشأ في 25 نيسان 1893 جريدة «الرأي العام» الأسبوعية بالشركة مع صاحب امتيازها ألكساندر زهيري ورئيس تحريرها نجيب حاج، وبقي اسم «الفتى» في رأس القسم العلمي من «الرأي العام» الذي كان يبحث في السياسة والإدارة والأدب والعلم، وقد تعهد إسكندر شلهوب بإدارة الصحيفة الجديدة وتعهد زميله نجيب حاج بتحريرها. وسنأتي في الحقبة الثالثة على وصف هذه الجريدة التي انتقلت فيما بعد إلى إسكندر شاهين ونالت من الشهرة الواسعة ما لا يختلف فيه اثنان. (6) الهلال
أصبح اسم هذه المجلة أشهر من نار على علم في مشارق الأرض ومغاربها، وإذا ما ذكرت تبادر إلى الذهن حالا اسم منشئها العلامة جرجي بك زيدان الذي لا يجهله أحد من قراء اللسان العربي صغيرهم وكبيرهم، فهو الصحافي والمؤرخ والروائي الذي أتحف الشرق والشرقيين بأبحاثه الجليلة وتآليفه المفيدة في كل باب ومطلب، ولا نبالغ إذا قلنا إنه من أفراد الرجال القليلين الذين خدموا الصحافة في هذا العصر بإخلاص وثبات وهمة واجتهاد وصدق وشرف، وأعظم شاهد على ذلك مجلة «الهلال» الشهرية العلمية التاريخية الأدبية التي أنشأها في غرة أيلول 1892 ولم تزل منتشرة إلى الآن بين البعيد والقريب والوطني والغريب. وما صاحبها إلا من خدام مملكة العلم الأمناء الذين وقفوا عقلهم وجسدهم وما يملكون في سبيل جمع شتيت لغة العرب ونشر لواء المعارف على كل ناطق بالضاد.
جرجي زيدان؛ منشئ مجلة «الهلال» الشهرية. (رسمه عند أول دخوله في سلك الصحافة).
بدأ «الهلال» حياته بثمان وأربعين صفحة، ثم أخذ يتدرج في مدارج النمو حتى تضاعفت صفحاته فبلغت ستا وتسعين وصار يليق أن نسميه بدرا كاملا. وكان في أول ظهوره يصدر مرة في كل شهر، ثم صارت سنته عشرة أشهر ويعوض عن الشهرين الباقيين بكتاب يهديه إلى المشتركين في آخر العام. وهكذا تحولت بداية سنته من شهر أيلول إلى شهر تشرين الأول منذ سنة 1904 ميلادية، وقد جعل جرجي بك زيدان أخاه متري مديرا لأشغال المجلة واتخذ نجله البكر إميل زيدان منذ سنة 1913 مساعدا له في التحرير.
ويعد «الهلال» على العارفين أوسع المجلات العربية انتشارا في أربعة أقطار الأرض، فإنك لا تجد بلدا في إحدى القارات الخمس فيها قوم يقرءون اللغة العربية إلا كان الهلال في جملة ما يطالعونه، فضلا عن انتشاره في وادي النيل فإنه منتشر في الطبقة الراقية من المصريين وغيرهم من قراء اللغة العربية ولا سيما الناشئة الجديدة، ولا تجد مدرسة من مدارس مصر الابتدائية والعالية إلا كان الهلال في جملة ما تقرر وضعه بين أيدي التلامذة للمطالعة، يقرؤه التلميذ في مدرسته والتاجر في مخزنه والصانع في دكانه والمزارع في حقله والأديب في مكتبته والوالدة في منزلها، ويرى كل منهم فيه ما يلذ له أو يفيده.
والسبب في سعة انتشاره أن مواضيعه قريبة من حاجة القراء على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، ولم يتوصل إلى إحراز هذا الرضى إلا بعد نيف وعشرين سنة قضاها في درس حاجات القراء وتعديل خطة «الهلال» وترقية مواضيعه وتنويعها وانتقاء ما يوافق حاجاتهم منها، ولم تمض سنة إلا أدخل منشئه فيه تحسينا، وهو يدأب في خدمة اللغة العربية وأبنائها ويطبق أبحاثه ومواضيعه على ما يلائم أذواق قرائه ويوافق احتياجاتهم، على أن الهيئة الاجتماعية على إجمالها تقدمت من طبيعتها فتكاثر القراء واتسعت معارفهم وارتقت أذواقهم إلى أضعاف ما كانوا عليه يوم ظهور «الهلال»؛ لتوافر أسباب المدنية وإقبال الناشئة الشرقية على عوامل هذه النهضة.
كان أكثر أبحاثه في التاريخ ثم تكيفت خطته بتوالي الاختبار والممارسة حتى تغلب فيها التاريخ الشرقي على العموم والإسلامي العربي على الخصوص لما رآه صاحب الهلال من حاجة البلاد إلى ذلك، فأخذ بنشر التاريخ المذكور لجمهور القراء في قالب روايات غرامية متسلسلة من زمن الجاهلية فما بعده، ثم نشره للخاصة على أسلوب فلسفي في تاريخ التمدن الإسلامي، ونالت سلسلة الروايات المذكورة وقعا حسنا عند جمهور المطالعين على اختلاف طبقاتهم ونحلهم ونزعاتهم، وقد ترجم معظمها إلى اللغات الفارسية والتركية والهندية وبعضها إلى الإنكليزية والروسية، وأصبحت أبواب «الهلال» بعد تعديلها والزيادة فيها من أول سنته الثانية والعشرين 12 بابا هذا بيانها: (1)
المقالات: ومنها يتألف القسم الرئيسي من الهلال وتشتمل على وصف أشهر الحوادث وتراجم أعظم الرجال، ومقالات اجتماعية وتاريخية وتهذيبية وأخلاقية وفلسفية وعلمية مما تقتضيه حاجة الأمة أو تستدعيه الأحوال الجارية، فلا يخلو هلال من عدة مقالات ضافية في المسائل التي يتحدث بها الناس أو يتوقون إلى معرفتها من حيث الاجتماع أو الاقتصاد السياسي أو فلسفة التاريخ أو العلم أو الأدب أو نحوها، وكل ذلك مزين بالرسوم والخرائط حسب الحاجة. (2)
السؤال والاقتراح: يكتب فيه منشئه مقالات يقترحها القراء أو يجيب على الأسئلة في كل موضوع مما يتوسم فيه فائدة للجمهور. (3)
العائلة والمنزل: ينشر فيه وصايا صحية عمومية مما يفيد العائلات على الخصوص ومقالات تتعلق بتدبير المنزل وشئونه. (4)
عجائب المخلوقات: لنشر ما يحدث من غرائب الطبيعة من حيوان أو نبات أو جماد مزينا بالرسوم مما تلذ مطالعته وتجزل فائدته. (5)
أخبار علمية وصناعية: يتضمن خلاصة ما وصل إليه العلم والصناعة من الاختراعات والاكتشافات المهمة. (6)
أخبار اجتماعية واقتصادية: لنشر زبدة ما يحدث من الأمور التي تتعلق بالهيئة الاجتماعية وأحوال البلاد الاقتصادية. (7)
خواطر وآراء: تلخص فيها آراء مشاهير العلماء والفلاسفة وخواطرهم في كل موضوع سواء كانوا من العرب أو من الأجانب. (8)
المراسلة والمناظرة: تنشر فيه المناظرات التي تقوم بين أدباء العصر في المواضيع المفيدة. (9)
تاريخ الشهر: تذكر فيه خلاصة ما يحدث من الأخبار المهمة في مصر وخارجها مع إيضاحها بالرسوم والخرائط. (10)
التقريظ والانتقاد: لدرس ونقد ما يصدر من الكتب المهمة في أثناء الشهر. (11)
مطبوعات جديدة: يقتصر فيه منشئه على ذكر ما يصدر من الكتب والجرائد والمجلات ويكتفي بإيراد مواضيعها وإرشاد القارئ إلى أثمانها وأماكن وجودها. (12)
رواية تاريخية تنتهي بانتهاء السنة.
وتمتاز هذه المجلة عن سواها من المجلات بما يأتي؛ أولا: أن أبحاثها أكثرها شرقي عربي إسلامي، ثانيا: أن مقالاتها يكتبها منشئها بعد الدرس ولا يترجم عن المؤلفات الأجنبية إلا ما ندر، ثالثا: تكثر في المواضيع الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية وتهتم على الخصوص في تهذيب الشبان وتعويدهم على حرية القول والصراحة في الفكر، رابعا: هي معتدلة اللهجة معروفة بالإنصاف وصدق النية في خدمة العلم لا تبالي بتفرق الأديان، خامسا: أقصى همها أن تبحث عن الحقيقة فلا تبالي أن تعترف بالخطأ صريحا إذا عرفته، وتبذل الجهد في بث هذه الروح في الشبيبة، سادسا: لم تنشر تقريظا لصاحبها قط، سابعا: هي أول مجلة فتحت بابا للتقريظ والانتقاد ودعته بهذا الاسم، ثامنا: هي أول مجلة أبطلت نعوت التفخيم واقتدى بها غيرها من المجلات، وقد سبقتها في هذا المضمار جريدة «المقطم» وحدها، وكل من طالع هذه المجلة ورأى ما يطرد فيها من التحسين والرسوم الجميلة والزيادة في عدد الصفحات يخيل له أنه انتقل من مصر إلى أوروبا حيث سوق الآداب في رواج يساعد على بسط اليد في سبيل ترقي الصحف، فإن منشئها ما برح دائبا في توفير أسباب تقدمها حتى جعلها في المقام الأول بين المجلات، وعبارتها اليوم تحسنت كثيرا عن عبارتها في أول عهد ظهورها كما يتضح لمن يطالع أجزاءها منذ البداية حتى النهاية.
والخلاصة أنه لم يبق عربي في العالم إلا وسمع أو شعر بفضل جرجي زيدان؛ وذلك لما له من الأيادي البيضاء على اللغة العربية التي خدمها بمجلته «الهلال» وأغناها بتآليفه النفيسة وحلاها بتواريخ أصبحت هدى للدارسين وذخرا للناطقين بالضاد يباهون به أرقى شعوب الأرض علما.
بعد كتابة ما تقدم وتهيئته للنشر ورد نبأ برقي في 22 تموز 1914 يعلن وفاة منشئ «الهلال» فجأة، رحمه الله تعالى، فنزل ذلك كالصاعقة على آل الفقيد وأصحابه وعارفي فضله في أقطار المعمور قاطبة، فأكبرنا المصاب به ومع النادبين قد ندبنا خسارته العظمى التي لا تعوض؛ لأن العالم العربي فقد به ركنا قويا من أركان النهضة العلمية في الشرق، فنستنزل على ضريحه شآبيب الرضوان من العلي المنان، ونتمنى لبكر أنجاله إميل أفندي الذي نعتقد فيه المقدرة الأدبية أن يخلفه في خدمة الصحافة والمعارف، ويكمل ما بدأ به والده العلامة من الآثار المفيدة التي تخلد ذكره جيلا بعد جيل. (7) الرشاد
مجلة علمية أدبية إنشائية فكاهية شهرية ظهرت في 8 تشرين الأول 1892م/17 ربيع الأول 1310ه لمديرها ورئيس تحريرها أحمد سلامة، وكانت أبحاثها قاصرة على أبناء المدارس ومن يماثلهم من أهل الأدب، محتوية على ما تسهل معرفته من الألفاظ المألوفة للأذهان على حد القول «خاطبوا الناس على قدر عقولهم.» وكانت معروفة بسلامة المبدأ منزهة عن الخرافات كافلة بنشر المواضيع المفيدة وتحويل الألفاظ العادية إلى عربية والخطأ إلى صحيح والمستهجن إلى فصيح مع أسئلة في كل فن من الفنون، وفي فاتحة عامها الثالث تحولت إدارتها ورئاسة تحريرها لعهدة محمود سلامة فأدخل إليها بعض التحسين، وكان منقوشا على غلافها الخارجي هذان البيتان:
جرائد العلم شتى
وكلها في سداد
ولا أرى لك فيها
إلا سبيل الرشاد (8) المنظوم
سبق القول [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الأول - الفصل الثاني] عن أول مجلة شعرية ظهرت باللسان العربي، وهي مجلة «حل المسألتين الشرقية والمصرية» سنة 1879 بقلم رزق الله حسون الحلبي الشهير في مدينة لندن، والآن نأتي على وصف ثاني مجلة من هذا النوع صدرت بتاريخ 15 تشرين الثاني سنة 1892 في القاهرة، أسسها أحمد نجيب مرتين في الشهر بثماني صفحات لتأهيل غريب الشعر وتسهيل الطرق لاجتماع شمل بعيده بقريبه، والذي حدا به إلى إنشائها قوله:
ومما زاد الشعر فسادا وجلب على بضاعته كسادا انتسابه إلى غير ذويه وادعاء من ليس ببنيه أنه من بنيه حتى خرج عن أصله وصار في غير أهله:
الشعراء فاعلمن أربعة
فشاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر ينشد وسط المجمعة
وشاعر من حقه أن تسمعه
وشاعر من حقه أن تصفعه
وقد قسمها صاحبها إلى ثلاثة أبواب: الأول في المدائح الخديوية والأمراء والوزراء والأعيان، والثاني في الانتقاد الأدبي على ما يدرج بالباب الأول من القصائد التي يوجد بها خلل من جهة الفنون الأدبية، والباب الثالث في الأزجال والأبيات الحكمية والفكاهية والغرامية والمواليا وغير ذلك. وما كادت تظهر هذه المجلة لعالم الصحافة حتى عطلها منشئها لقلة إقبال الناس على مطالعة مضامينها التي ما كانت تهم إلا فئة مخصوصة منهم. (9) النصوح
جملتي في العلم صغرى
لا تطل فيها الشروح
جئت للعالم أدعو
ها أنا ذاك النصوح
بهذين البيتين صدر محمد توفيق مجلته هذه التي ظهرت في 20 تشرين الثاني سنة 1892 ميلادية/29 ربيع الأول 1310 هجرية لعالم الوجود، وهي مجلة علمية أدبية تاريخية فكاهية كانت تصدر يوم الخميس من كل أسبوع في 32 صفحة صغيرة الحجم، وفي أول كل عدد منها جزء من ديوان «المدائح الخديوية للعائلة العلوية» مرتب على حروف المعجم، وقد مد بعض أعيان مصر ووزرائها يد المساعدة لإنشاء هذه المجلة كالسيد محمد توفيق البكري نقيب السادة الأشراف في الديار المصرية ومحمد راتب باشا وغيرهما، وقد نظم أحدهم هذين البيتين في مدح محمد توفيق البكري المشار إليه قال:
هو السيد البكري من آل هاشم
له الشرف العالي على كل سيد
إذا قيل أي الناس أشرف محتدا
أشير إليه باللسان وباليد
الباب الرابع
يشتمل على أخبار كل المجلات المصرية خارجا عن العاصمة
الفصل الأول
أخبار مجلات الإسكندرية من سنة
1881 إلى 1888
(1) التنكيت والتبكيت
من أوليات الصحف التي كان لها شأن عظيم في إثارة الخواطر وإحداث القلاقل قبل الاحتلال البريطاني مجلة «التنكيت والتبكيت» لعبد الله نديم، ولا نبالغ إذا قلنا إنها كانت مع رصيفاتها «المفيد» و«الفسطاط» و«الطائف» ينبوع الفتنة الأهلية ومصدر الثورة العسكرية بشهادة كثيرين من عقلاء الأمة المصرية، وهي صغيرة القطع ذات ثماني صفحات ظهرت في 6 حزيران 1881م/8 رجب سنة 1298ه وكان القصد من وضعها انتقاد أعمال الحكومة وتحريض الوطنيين على مقاومة الأجانب في وادي النيل، فأخطأت المرمى وكان ما كان من النتائج الوخيمة التي سردنا تفاصيل حوادثها المشئومة في كتابنا «تاريخ الخديوية المصرية في عهد السلالة المحمدية العلوية» الذي سننشره قريبا بالطبع إن شاء الله تعالى. وقبل تمام السنة الأولى من عمرها انقرضت فحولها صاحبها إلى جريدة سيارة باسم «الطائف» التي سيأتي ذكرها، وكان يكتب هو مقالاتها بالاشتراك مع أحمد سمير، وهاك ما رواه عنها نجيب غرغور
1
بالحرف الواحد:
وظلت الحال كذلك حتى أصدر المرحوم عبد الله نديم جريدته الهزلية الأخلاقية «التنكيت والتبكيت» فأعجب وأطرب، ووصف مصر إذ ذاك وصفا دقيقا في مقالة خالدة عنوانها «مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي» وكانت الشعلة الأولى من حركة الأفكار التي انتهت بثورة عرابي واحتلال الإنكليز لهذه الديار الأسيفة.
واشتهرت هذه المجلة بالمناقشة التي حمي وطيسها بينها وبين جريدتي «المحروسة» و«العصر الجديد» لأجل مقالة كتبها عبد الله نديم بعنوان «حفظ الذات بحفظ اللغة» فرد عليه العلامة أمين شميل ردا محكما أثبت فيه أن «حفظ اللغة لا يكون إلا بحفظ الذات» وهو أمر لا يحتاج إلى برهان، فاشتد الجدال بين الفريقين ثم انضم إلى كليهما بعض الأدباء كأحمد سمير والدكتور شبلي شميل ونجيب غرغور وإسكندر نحاس وغيرهم، وانتهت المناظرة بتفرق شمل المتناقشين لدى نشوب نار الثورة العرابية. (2) الراوي
كانت مدينة الإسكندرية تزاحم عاصمة القطر المصري بكثرة جرائدها الراقية في الحقبة الثانية من تاريخ الصحافة العربية، لكنها كانت أقل منها حظا بعدد مجلاتها المهمة التي تستحق الوصف المخصوص، ومن أشهرها مجلة «الراوي» الأدبية الفكاهية الشهرية التي ظهرت في غرة شهر آذار 1888 لمنشئها خليل زينيه. ومن مميزاتها أن كل جزء منها كان بمثابة حديقة صغيرة فيها من كل فاكهة زوجان، فكان القارئ يتنقل فيها من المباحث الاجتماعية إلى الفصول الأدبية إلى أفكار العلماء وآراء الحكماء إلى الفكاهات والنكات والقصص والروايات، ونشر فيها أيضا «تاريخ مصر» منذ العصور الخاوية إلى عهد الدولة الخديوية، لكن الحظ عثر بها إذ أدخل صاحبها فيها السياسة ووقف في وجه رياض باشا رئيس الوزارة المصرية عندما حمل حملته المشهورة على السوريين، فوقف رياض باشا في وجه المجلة وكان بالطبع أقوى من صاحبها الذي عطلها بعد إصدارها بسنتين، وفي خلال هذه العطلة شاع في بيروت بين بعض الأدباء أن خليل زينيه عازم على إعادة إصدار «الراوي» بعد احتجابه، وبلغت الإشاعة إلى الإمام الشيخ إبراهيم اليازجي أستاذه الأكبر فكتب إليه تلك الرسالة التي صارت بين الأدباء أشهر من «قفا نبك» وهي التي جاء فيها:
أسألك أين الذي كنا نسمع عن نهضة الأدب عندكم وغيرة الوطنيين في تلك الناحية وسخاء أيديهم على أدبائهم؟ ألم يكن في فضلات أموالهم ما يقوم بمجلة صغيرة في حجمها، رخيصة في ثمنها، قليلة المزاحم في خطتها، تشغل فراغهم سلوة، وتملأ مجالسهم أدبا، وتسود صفحاتها بذكر مآثرهم والذود عن حياضهم؟ وتقول إن في عزمك الرجوع إلى مجلتك، كلا ثم كلا، إنه الرأي الفائل وإنه لمن وساوس الباطل، وقد بلوت من أمره أولا وثانيا ما يغنيك عن إطالة النصيحة، وإن كنت فاعلا ولا بد فأصدر منها جزءا واحدا تقوم فيه على ضريح الشرق خطيبا مؤبنا وشاعرا راثيا يستعير يراعة أرميا في مراثي قومه وأرضه حتى تبكي وتستبكي إن وجدت في تلك الرمم المتحركة قلبا يشعر أو عينا تدمع، ثم انقش ما تكتبه على لوح ذلك الضريح وشج رأس القلم وادفنه في تلك الرمم إلى أن يبعثه الله فيهم مرحوما مرتضى عنه، وإن توخيت بعد ذلك وجها من المعاش فاستعر لك ثوبا من الجهل تتردى به وبرقعا من الخلاعة تستر حمرة وجهك أمام عيني نفسك وتمسح ندى جبينك عن بشرتك الرقيقة، ثم اتبع القوم في سبيلهم إنه اليوم هو السبيل ... وإنني لا أراك إلا متحاملا على نفسك بما لا تحتمله جاهدا إياها في إدراك خطة ليس في وسع الأيام أن تمالئك على نيلها؛ لأنه ما دامت بضاعة الأدب كاسدة وأهلها معدومين فأنت أشبه بمن يطلب الثلج من الرمضاء ويلتمس العشب في ظهر الصفاة الصماء.
وكتب في «الراوي» أدباء كثيرون من السوريين والمصريين كنجيب غرغور والآنسة سلمى بنت نعمان قساطلي الدمشقي وغيرهما، ونشر فيه الشيخ إبراهيم اليازجي خطابا عنوانه «أدب الدارس بعد المدارس» والشيخ نجيب الحداد قصيدته الشهيرة التي مطلعها:
يا بني الشرق أين ذاك الضياء
أين تلك النفوس والآلاء (3) حديقة الأدب
مجلة روائية أنشأها سنة 1888 نجيب غرغور لينشر فيها الروايات التي ألف بعضها وعرب البعض الآخر منها عن أشهر كتبة الإفرنج، وجعل عدد صفحات كل جزء منها 64 صفحة بحجم كبير وحرف جميل وإتقان بديع، فبدأ بنشر رواية «التعساء» التي عربها عن فكتور هوغو ورواية أخرى لا محل لذكرها، وقد راجت هذه المجلة رواجا عظيما جدا، ولكنه اضطر إلى تعطيلها امتثالا لأمر رجل من أعاظم رجال مصر، وأرادت نظارة الداخلية حينئذ أن تعامله بموجب قانون المطبوعات فكتبت كتابا بسيطا إلى محافظ الإسكندرية تطلب إليه أن يسأل صاحب المجلة عما إذا كان حاصلا على رخصة طبعها، فبعث عرفي باشا يدعوه بواسطة معاون المحافظة الأول وبعض رجال البوليس، ولما تمثل نجيب غرغور بين يديه أخذ محافظ المدينة قانون المطبوعات بيده وبدأ يقرأ بدون أن يفهم حتى جعل مجموع الغرامات التي استحقها تسعين جنيها، وكلما حاول نجيب غرغور أن يفهمه بأن المجلة أدبية يزيد في نغمته حتى كادت العبرة والغيظ يخنقانه، فلحظ المحافظ ذلك وأشار بذهابه وبأخذ تعهد عليه بأن يطلب في المستقبل رخصة قبل الطبع.
الفصل الثاني
أخبار سائر مجلات الإسكندرية إلى
نهاية الحقبة الثانية
(1) مرقى النجاح
أول مجلة عربية أنشأها أحد شبان الأقباط لخدمة طائفته كانت «مرقى النجاح» لعطية جرجس، وهي ذات ثماني صفحات كبيرة القطع دقيقة الحروف مختلفة المواضيع كانت تصدر ثلاث مرات في الشهر، وقد ظهر جزؤها الأول في غرة كانون الثاني 1892 وقصد بها منشئها ترقية بني قومه ليتسنى لهم مباراة سائر الشعوب في مدارج المعارف وأسباب الحضارة الحديثة؛ لأن الأقباط كانوا كسائر الأمم الشرقية منقطعين عن العلم وتائهين في بيداء الإهمال، ولم يتنبهوا من غفلتهم إلا عندما استجلب لهم بطريركهم كيرلس الرابع الكبير مطبعة من أوروبا وتأسست لهم جريدة «الوطن» على يد ميخائيل عبد السيد، ومن ذلك الحين أخذت النهضة القومية تتزايد فيما بينهم شيئا فشيئا حتى صارت الآن لهم صحافة يعولون عليها في شئونهم العلمية والسياسية والمذهبية.
ومجلة «مرقى النجاح» التي نقص أخبارها كانت من جملة العوامل التي حركت الأقباط على الاقتداء بسائر الشعوب جيرانهم في السعي وراء ترقية مصالحهم الخاصة والعامة، وإن تكن قد عاشت عمرا قصيرا إلا أنها مهدت السبيل لظهور غيرها من المجلات التي أدت خدما وافرة للأقباط وأنعشت في قلوبهم روح العلوم والرابطة الجنسية، وكانت مباحثها تتناول الأبواب الآتية: المقالة الافتتاحية - الكتابة والإنشاء - التاريخ - القضاء - شذرات - حل ألغاز - المكاتبة والمناقشة - أسئلة وأجوبة - ملخص أخبار الأسبوع - حكم ونصائح - فكاهات. (2) الفتاة
نسيم نوفل؛ مدير مجلة «الفتاة» ووالد مؤسستها.
كانت الصحافة إلى أواخر الحقبة الثانية محصورة بيد الرجال من كتاب اللغة العربية، ولم نلم بجريدة أو مجلة واحدة ظهرت بهمة ربات القلم من النساء؛ لأن المرأة الشرقية كانت عائشة في ديجور الجهل والجمود والخمول لقلة العناية بترقية شئونها وإهمال تربيتها وتحسين أحوالها، ولذلك قصرت النساء عن مجاراة الرجال ومنافستهم في هذه الحلبة الشريفة، ولبث الحال على هذا المنوال حتى برزت من خدرها فتاة من كرائم سوريا ومن أديبات عائلاتها المشهورة، فأرادت أن تمزق بيدها حجاب الجهل عن أبصار بنات جنسها وأنشأت لهن مجلة جديرة بالثناء والاعتبار، ونعني بها السيدة هند نوفل التي أسست في 20 تشرين الثاني 1892 مجلة «الفتاة» الشهرية، وهي باكورة الصحف النسائية للناطقات بالضاد، ولذلك دعيت منشئتها الفاضلة بأم الصحافيات وعميدتهن كما دعي إسماعيل بن الخشاب بأبي الصحافيين وزعيمهم، وقد افتتحت الجزء الأول من المجلة بهذين البيتين:
يا ربة العلم بل يا ربة الكرم
غضي لحاظك عما خطه قلمي
تصفحيه بحسن الود منعمة
هذي فتاتك بين العرب كالعلم
أما مباحث المجلة فكانت مبتكرة تحت سماء الشرق بمواضيعها المتعلقة بالجنس اللطيف، فكانت تتحاشى الأمور السياسية ولا تنزع إلى المشاحنات الدينية عملا بمبدئها الوحيد وهو: الدفاع عن حق المرأة المسلوب والاستلفات إلى الواجب المطلوب، ونشرت بنوع خاص فصولا عن حالة المرأة ومركزها الطبيعي في الأزمنة الغابرة والقرون الوسطى، وما بلغته الآن من العلم والآداب والأخلاق والأزياء وحسن الإدارة وتدبير المنزل وتربية الأولاد وسائر الفنون كالخياطة والتطريز والتخريم والنقش والرسم والتصوير، فصادفت المجلة قبولا وإقبالا لدى ربات الأدب وأميرات البلاد وقرظتها الصحف العربية والأجنبية بدرر المقالات، وقد تواردت على صاحبتها قصائد الثناء فاخترنا منها الأبيات الآتية من نظم الشاعرة زينب فواز التي اختتمها بتاريخ على الحساب الهجري:
عز الفتاة يزين أرباب الأدب
وبها ازدهى الجنس اللطيف كما أحب
جاءت لنا هند تزف فتاتها
حور المعاني المسفرات ولا عجب
وفدت محلاة بكل فضيلة
جمعت حضارتها فصيحات العرب
وصفت فلو وصفت جمال سماتها
أفكارنا مالت وملنا في طرب
لله در فتاتنا وفنونها
فلقد حوت من كل معنى منتخب
فليهنأ الجنس اللطيف بنشأة
ما كان يبلغها الزمان ولو طلب
الكتاب الرابع
فهارس الجرائد والمجلات العربية منذ تكوين الصحافة إلى نهاية عام 1929
الفيكونت فيليب دي طرازي.
يا معشر الصحب ذا رسم به اقترنت
رسومكم وبها قد صار مزدانا
فتلك آثارنا أضحت تضم معا
رغما عن الدهر في ذا السفر إخوانا
المقدمة
وعدت أهل البحث الناطقين بالضاد والمستشرقين أن أنشر ما تبقى من أجزاء مؤلفي «تاريخ الصحافة العربية» الذي باشرت طبعه قبل الحرب العظمى، فإنجازا للوعد وقياما بالعهد أقدم لهم الجزء الرابع من سلسلة أجزاء التاريخ المذكور ولو بعد زمان طويل، ولي الثقة بأنه ينال استحسانهم أسوة بالأجزاء السابقة التي أحرزت رضى الذين تصفحوها من العلماء والباحثين، ويحتوي هذا الجزء فهارس كاملة شاملة لكل ما صدر في لغتنا الشريفة من الجرائد والمجلات شرقا وغربا منذ تكوين الصحافة إلى الآن.
لا يخفى على ذوي الألباب أن هذا الموضوع وعر المسالك لم يطرقه قبلي الكتاب الجديون والمؤرخون المدققون؛ لأنهم قلما يجدون لذة في الاشتغال به أو لا يتوقعون منفعة مادية من ورائه، بل أستطيع القول إنه لم يخطر ببال أحدهم أن يتحداه لما يعانيه المؤلف في هذا السبيل من المصاعب الجسيمة والأبحاث المملة، وقد قيض لي تذليل تلك العقبات بأن شمرت عن ساعد الجد وتفرغت للقيام بهذا المشروع الذي محصته ودرسته درسا متواصلا ليس بعده زيادة لمستزيد، فجاء تأليفا جديرا بأن ينشر بين الأدباء تعميما لجزيل فوائده العائدة لرفع شأن الصحافة وتخليد آثار الصحافيين. ولدى مطالعته يتضح سداد هذا القول جليا لكل عالم خبير ونقاد بصير؛ لأني لم أغفل عن ذكر صحيفة عربية واحدة مهما كانت قديمة أو حديثة صغيرة أو خاملة، بل دونت منها ما ظهر في أحقر قرية من أطراف المعمور أو تلك التي لم يكتب لها أن تعيش أكثر من يوم واحد.
لا أقول ذلك من باب المباهاة أو الادعاء بالعصمة والكمال، حاشا لي ثم حاشا لي من هذا الإثم الفظيع! إنما يدعوني إلى هذا التصريح إعلان الواقع وبيان الحقيقة الراهنة، وإذا فاتني ذكر صحيفة أو أكثر بين ألوف الصحف التي أوردت أسماءها فأرجو العفو عن إهمال كهذا غير مقصود مني، ومن المقرر الثابت أنه إذا طرأ سهو عن ذكر بعض الصحف فلا يثبت ذلك إلا ما ندر، والنادر لا يقاس عليه في مثل هذه الأحوال.
يتبادر إلى أذهان البعض أن وضع الفهارس المشار إليها أمر سهل لا يكلف منشئها سوى أن يتناول القلم والقرطاس ويخط بعض الصفحات فيبلغ الضالة المنشودة، كلا ثم كلا! بل إن من تدبر هذا الموضوع وتمعن فيه بعين البصيرة والإنصاف لا يلبث أن يقر بما يرافق هذا العمل من التنقيب والتنقير والجلد والعناء وسهر الليالي وبذل النفقات كما سترى.
وقد رتبت فهارس الصحف ترتيبا جغرافيا تاريخيا بجعلها وافية بالمراد وصالحة لأن تكون دستورا ومرجعا لذوي البحث والتدقيق، فعملا بالترتيب الجغرافي قسمت هذه الفهارس إلى أقسام خمسة يتناول كل منها قارة من قارات الدنيا وهي: آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، ثم جعلت لكل قسم بابين أحدهما لفهارس الجرائد والآخر لفهارس المجلات، ويتألف الباب الواحد من فروع يساوي عددها عدد البلدان أو الدول الواقعة في كل قارة من القارات التي أتيح لها أن تكون مهدا لصحف عربية، وتأتي بعد ذلك فروع الفروع وهي فهارس لصحف العواصم أو المدن أو القرى التابعة لكل دولة على حدة، وبهذه الوسيلة يتمكن رواد التاريخ في وقت قصير من معرفة صحف المعمور بوجه عام ومن الوقوف على صحف كل دولة بوجه خاص ومن الاطلاع على صحف كل عاصمة أو مدينة أو قرية بوجه أخص.
ولتنظيم الفهارس المذكورة اتبعت خطة رشيدة مهدت أمامي كل صعوبة وسهلت لي الوصول إلى الغاية المقصودة، وهي أني في تقسيم البلدان وتسمية الدول راعيت وضعها الجغرافي السياسي الذي كانت تعرف به رسميا في بداية عام 1933؛ أي لدى مباشرتي طبع هذا الجزء الرابع من كتاب «تاريخ الصحافة العربية».
ودونت في هذه الفهارس ما يأتي: أولا عناوين الصحف من جرائد أو مجلات على اختلاف موادها ونزعاتها، ثانيا أسماء مؤسسي الصحف دون سواهم؛ لأن التغييرات التي طرأت بعد التأسيس على تلك الأسماء سيأتي ذكرها في سياق البحث عن أخبار كل جريدة ومجلة في الأجزاء التالية من هذا الكتاب. أضرب مثلا على ذلك مجلة «الهلال» في القاهرة، فإني أوردت في الفهرس اسم مؤسسها جرجي زيدان وأهملت ذكر نجليه أميل وشكري زيدان صاحبيها الآن عملا بالخطة التي آليت على نفسي السير بموجبها، وما قلته عن «الهلال» يصدق على «لسان الحال» و«البلاغ» و«الأحرار» في بيروت، و«الأهرام» و«البصير» في الإسكندرية، و«النفير» في حيفا، و«الهدى» في نيويورك إلخ ... ثالثا تاريخ اليوم والشهر والسنة لظهور كل صحيفة بما لا يوصف من العناية والضبط، وعولت في ذلك على الحساب الغريغوري الذي اتخذته الدول الكبرى شرقا وغربا كقاعدة لها في المعاملات الرسمية، وأضفت إلى يمين كل صحيفة رتبتها العددية مسلسلة لتكون كل صحيفة مقرونة بعددها الخاص ومستقلة به.
وقد اعتمدت في تعيين مراكز الصحف على أسماء المدن التي كانت مهدا لولادتها، وكل ما طرأ بعد ذلك من التبديل على مكان نشر بعض الصحف سأضرب الآن عنه صفحا لأدونه بالتفصيل لدى سرد أخبارها في سائر أجزاء هذا الكتاب، ومن هذا القبيل سبق لي أن أوردت في الجزء الثاني تاريخ مجلة «المقتطف» التي ولدت في بيروت ثم انتقلت إلى القاهرة، وذكرت في الجزء الثالث عنوان جريدة «الأهرام» بين جرائد الإسكندرية وهي تنشر الآن في عاصمة المملكة المصرية، وكتبت في الصفحة 450 من هذا الجزء الرابع أخبار جريدة «البرازيل» التي أبصرت النور في مدينة سانتوس ثم تحولت في عامها الثاني إلى مدينة سان باولو، وقس عليها صحفا أخرى من قبيل ذلك.
ولا بد من التنويه في هذا المقام بأني اصطلحت في تعريف الشهور على أسمائها العربية الجارية الاستعمال في أكثر الأقطار التي ينطق سكانها بالضاد؛ لأن بعض البلدان كمصر وتونس والجزائر ومراكش وزنجبار والهند وغيرها من الأقطار الخاضعة للاستعمار الأجنبي يستعمل سكانها أسماء الشهور الفرنجية في كتاباتهم العربية بلا حاجة ماسة إلى ذلك، فنرى صحف القطر المصري مثلا تستعمل لفظة «جنايو» أو «يناير» للدلالة على شهر كانون الثاني، كما أننا نشاهد صحف تونس تورد لفظة «جانفي» للشهر المذكور، وقس على ذاك أسماء سائر الشهور التي لا يستقيم لها وزن في اللسان العربي ولا يفهمها من أبناء الضاد إلا العارفون منهم بلغة أجنبية، فدفعا لكل التباس أطلقت على الشهور مسمياتها العربية توحيدا لاستعمالها وصيانة لكرامة لغتنا الشريفة.
أما الترتيب التاريخي فإني اتبعت فيه طريقة التسلسل من الأقدم عهدا إلى الأحدث عمرا في إيراد عناوين الصحف لكل مدينة، فإذا شئت مثلا أن تعرف عناوين جميع الصحف التي ولدت منذ بدء الصحافة إلى الآن في مدينة بيروت وأن تعرف أسماء منشئيها مع تاريخ اليوم والشهر والسنة لصدورها أمكنك إدراك ذلك مفصلا وبلا عناء في أقل لمحة بصر، وما قلته عن صحف مدينة بيروت يصدق بحذافيره على الصحف العربية في سائر المعمور من أكبر عاصمة حتى أصغر قرية وأقصاها، هكذا تتمثل أمامك حركة النهضة الصحافية العربية في أطوارها المختلفة جغرافيا وتاريخيا ولغويا وعلميا وأدبيا وفنيا وسياسيا واجتماعيا وزراعيا وصناعيا وتجاريا إلخ ...
وإكمالا للعمل أردفت الفهارس بحواش مفيدة تجلو الغوامض عن كثير من نشراتنا الدورية، وبين تلك الحواشي ما يشير إلى الحوادث التاريخية التي اندمجت في حياة بعض الصحف أو اشتهر بها غير واحد من الصحافيين أو فاتني ذكرها في الأجزاء السابقة، وهي تشتمل على فوائد جليلة ونوادر لذيذة وأخبار فريدة لا يجدها الباحثون إلا في طي هذا الكتاب، أما سائر الصحف التي لم أتطرق إلى ذكرها في الحواشي فسأسهب الكلام عنها وعن أربابها في الأجزاء التالية إن شاء الله تعالى، وقد تهيأت لدي المواد الكافية لنشر سائر أجزاء هذا الكتاب الذي يتألف من اثني عشر مجلدا جاهزة للطبع، وينتهي آخر هذه المجلدات بأخبار الصحف العربية وتراجم أربابها مزينة برسومهم حتى السنة 1929 ميلادية، وإذا فسح المولى سبحانه في أجلي فلن أتقاعس عن إنجاز المجلدات التي تتعلق بالصحف الصادرة بعد السنة المذكورة أيضا.
على أثر هذا التمهيد لا بد لي من التصريح بأن هذا الجزء الذي أزفه اليوم من مؤلفي إلى الأمة العربية الكريمة هو ثمرة شغل جدي استغرق أكثر أوقاتي بل أفنيت في سبيله أهم شطر في حياتي؛ لأني قضيت أربعا وأربعين سنة في إعداد مواده وتنظيم فهارسه وتمحيص محتوياته حتى جاء والحمد لله وافيا بالغرض المطلوب وجديرا بأن يقال فيه: «لا عطر بعد عروس.»
ولبلوغ هذه الأمنية رأيت أن أجمع شتى الصحف العربية التي صدرت في الخافقين من أول عهد الصحافة حتى الآن، فصرفت اهتمامي إلى إخراج هذا الفكر المبتكر، الذي ما سبقني إليه إنسان، من حيز القوة إلى حيز العمل، بل جاهدت لأجله جهادا مستمرا دون أن يأخذني ملل أو يستولي علي يأس، وقد توخيت سرد هذه الرواية كي تكون عبرة لأبناء الغرب الذين يعيرون الشرقيين بالتقلب في المبادئ والأفكار، وينسبون إليهم عدم الثبات فيما يباشرونه من الأعمال.
ولما كان هذا المشروع يتطلب بحثا دقيقا واجتهادا كبيرا أخذت أفتش بكل الذرائع الفعالة عن شوارد الصحف وآثارها البالية وعتائقها المهجورة حتى ظفرت منها بالسهم الأوفر؛ ولهذا السبب راسلت الصحافيين الإحياء وأحفاد الدراجين منهم وذوي الاختصاص بصيانة الآثار الكتابية في الأمصار الشرقية والغربية، ثم عانيت بذاتي الأسفار الشاقة في طول البلاد وعرضها ساعيا وراء ضالتي المنشودة، وأقمت الوكلاء في كل قطر أو مدينة مفوضا إليهم أن يبحثوا عن الجرائد والمجلات التي تنشر ضمن دائرتهم أو نشرت فيها منذ قديم الزمان، وأوعزت إليهم أن يلتقطوها لي على نفقتي مهما تجشموا لذلك من وقت ومال وتعب وتنقيب، فاشتغل كل منهم بما لا يوصف من الهمة متبعا الخطة التي رسمتها له أو جرى الاتفاق عليها بينه وبيني، هكذا واصلت السعي بلا فتور في سبيل نجاح المشروع لئلا يتخلله نقص أو يعتوره خلل.
ولما كانت الصحف العربية تتكاثر يوما فيوما وينمو عددها في جميع الأمصار عدلت عن اقتناء مجموعاتها برمتها كما فعلت في بادئ الأمر؛ لأن حفظها والإنفاق عليها أولى بالدول والحكومات ودور الآثار والمجامع العلمية من فرد مثلي، بناء عليه اقتصرت على إحراز أول عدد صدر من كل جريدة أو مجلة وعلى بعض الأعداد الممتازة التي لا يستغنى عنها في وضع تاريخ الصحافة، وعندما كان يتعذر علي إحراز العدد الأول اعتضت عنه العدد الثاني أو الثالث أو عددا آخر ذا قيمة تاريخية أو بحث مفيد.
ومن فرائد تلك الصحف أنشأت في منزلي معرضا صحافيا قد اتبعت في تنظيمه ما سبق ذكره عن تنظيم الفهارس جغرافيا وتاريخيا في صدر هذه المقدمة، ويبلغ عدد الصحف العربية التي اشتمل عليها هذا المعرض الصحافي لدى الفراغ من طبع الجزء الرابع من هذا الكتاب نيفا وثلاثة آلاف ومائتين وخمسين جريدة ومجلة مختلفة العناوين جمعت من أربعة أقطار المسكونة، وقد توقفت بعد العناء الجسيم والوقت الطويل والنفقات الوافرة إلى العثور على الأعداد الأولى لثلاثة أرباع صحفي المذكورة.
وما رويته عن الصحف العربية يسري أيضا على جميع الصحف التي يتألف منها معرضي الصحافي وقد صدرت في سائر اللغات الشرقية قديمها وحديثها، وهي: السريانية والعبرانية واليونانية والقبطية والفارسية والأرمنية والحبشية والتركية والكردية والأردوية إلخ. وتحتوي تلك المجموعة على طائفة جليلة من الجرائد والمجلات الأوروبية التي طبع أكثرها في البلدان الشرقية أو أنشأها الشرقيون في الأمصار الغربية وغيرها. فبعد هذه الإيضاحات يسوغ بكل حق وكل صواب أن يطبق على هذا المعرض الصحافي ذلك المثل العربي المشهور: «كل الصيد في جوف الفرا.»
وقد تجمع لدي من هذه الوثائق الصحافية المختلفة اللغات ما لا يحصى ولا يحد، وفي ظني أنه لا يتيسر بعد الآن لكائن من كان من المؤلفين أو الباحثين أو من هواة الآثار النفيسة جمع ما تنطوي عليه خزائني من تلك العتائق النادرة التي يصعب إحرازها وضم شتاتها، على أن فريقا من كبار العلماء وجهابذة المؤرخين جاهروا لدى زيارتهم هذا المعرض الصحافي بأنه يستحيل على دول الأرض قاطبة تكوين مجموعة أخرى تضاهي مجموعتي هذه عددا وأهمية وذوقا وترتيبا وكمالا؛ لأن السواد الأعظم من تلك الصحف دخل في خبر كان ونسجت عليه عناكب النسيان، وقد شاهد أولئك الجهابذة الأعلام بين الصحف المشار إليها نسخا كثيرة غالية الثمن ونادرة الوجود بل منقطعة النظير، فأعلنوا مصرحين بأنه لن يتسنى الوصول إلى مثال منها ولو بذل في سبيل مشتراه كل ثروة كسرى ومال قارون.
ولم تخف شهرة هذه المجموعة وفهارسها عن الأوساط العلمية في جميع أنحاء البلدان الراقية؛ لأنها المرجع الوحيد لكل من شاء التنقيب عن صحافة الشرق عموما والعرب خصوصا، وهنا لست أرى مندوحة عن إيراد حادثة جرت لي بهذا الشأن وهي حرية بأن تدون خدمة للحقيقة والتاريخ، ذلك أن اثنين من جهابذة أوروبا المستشرقين قدما سنة 1925 مدينتي الآستانة (عاصمة الأتراك قديما) وأنقرة (عاصمة الأتراك الجديدة) للوقوف على آثار الصحافة في اللغة التركية، فخابت آمالهما وعادا بخفي حنين بعدما عانيا مشقات السفر وبذل الأموال بلا جدوى؛ لأن الأتراك كانوا قليلي الاكتراث لجمع الصحف التي ظهرت في بلادهم على عهد السلطنة العثمانية وأوائل عهد الجمهورية التركية، وهو تقصير واضح لا يسلم منه أيضا أكثر دول الشرق بوجه الإجمال على بلوغ بعضها درجة سامية في معارج الحضارة والكمال.
وما عتم ذانك المستشرقان أن بلغهما خبر المجموعة الصحافية التي سبق الآن وصفها، فهبطا مدينة بيروت ولبثا مدة أسبوعين كاملين يترددان إلي لدرس القسم التركي منها حتى ظفرا ببغيتهما المقصودة، ولدى الوداع أعربا عن إعجابهما بهذه المجموعة الفريدة وأكدا أنه سيكون لها شأن عظيم في عالم الأبحاث الشرقية، ثم تمنيا أن تكون في حوزة أحد المتاحف الشهيرة في أوروبا ليتسنى لعلماء الاستشراق أن يطلعوا عليها وينتفعوا من كنوز فوائدها .
عرف أنصار العلم أهمية مؤلفي «تاريخ الصحافة العربية» ومقدار الجهود التي بذلت لأجل وضعه وجمع مواده مدة أربع وأربعين سنة كاملة، وأيقنوا أيضا أنه من المؤلفات الأساسية التي لا يستغنى عنها في المكاتب العامة والخاصة، واتضحت ضرورة مطالعته للصحافي والمؤرخ والأديب؛ إذ أصبح مرجعا في بابه لأبحاث كل منهم، فكان ذلك من جملة الدواعي التي حملت بعض الجمعيات العلمية على استخراجه من اللسان العربي إلى اللغات الأوروبية تعميما لفوائده في الأقطار الغربية، وبعد أن ترجم المجلدان الأولان منه إلى اللغة الألمانية قبل الحرب العظمى قامت الآن دائرة العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية ببيروت تنشر منه المجلد الرابع هذا وتنقله إلى اللغة الإنكليزية، وسيكون هذا المجلد جزءا من مجموعة الثمانية الأجزاء التي هيأتها الجامعة المذكورة ونشرت فيها المراجع المختصة بآسيا العربية بعد الحرب العظمى (1914-1918) والموضوعة بأهم اللغات الأوروبية ولغات الشرق الأدنى
1
وهو أول تلك الأجزاء رتبة كما يبين جليا من رقم التسلسل المدون في صفحة العنوان الإنكليزي لهذا الكتاب، وإليك أيها القارئ اللبيب فقرة من رسالة مؤرخة في 28 تشرين الأول سنة 1931 وجهها إلي الأستاذ العلامة السيد ستيوارت داد رئيس الدائرة المذكورة قال:
يسر جمعيتنا أن تعلم أنه أصبح في الإمكان أن تضع يدها بيدكم للتعاون على نشر فهرسكم الجامع للصحف الدورية العربية لمنفعة العالم أجمع، وتمتلئ قلوبنا ابتهاجا حين ننظر بعين الأمل إلى المستقبل غير البعيد ونرى مؤلفكم النفيس في عداد الفهارس التي تعدها جمعيتنا باللغات المختلفة وموضوعها: أسيا العربية.
ثم كتب لي رئيس الدائرة المشار إليها رسالة مرقومة في 29 شباط 1932 أقتطف منها العبارة التالية التي تفصح عن وفرة اعتبار العلماء لكتابي «تاريخ الصحافة العربية»، قال ما نصه بالحرف الواحد:
وفي هذه الحال سنشرع في الطبع وسنشير إلى مؤلفكم النفيس، ونعد به أهل العلم في الخافقين ليعللوا أنفسهم به من الآن إلى وقت صدوره.
يتضح مما سبق بيانه أن «تاريخ الصحافة العربية» أحرز الثقة التي توخيتها له بصدق الرواية ودقة الأبحاث، ولا أزيد القراء علما أن جميع الذين طالعوا الأجزاء السالفة منه اتفقت كلمتهم على استحسانه والاعتماد عليه في المسائل التي يدور عليها موضوعه، وناهيك أن القصائد التي نظمت في تقريظه والإعجاب به والإفصاح عن فوائده لا يقل عددها عن الخمسين وردت علي من أربعة أقطار المسكونة، وقس على ذلك أقوال الصحف العربية والإفرنجية مع الرسائل الكثيرة التي وافتني من أقطاب الفضل وأمراء البيان في مختلف الأقطار والبلدان.
لست أقول ذلك على سبيل التباهي بل أقوله من باب معرفة الجميل للعلماء والأدباء والشعراء والصحافيين الذين راقهم مؤلفي فلحظوه بعين الرضى والحلم والاستحسان، وفي هذا المقام أسأل أهل المعرفة والنقد بعد اطلاعهم على هذا الجزء الجديد من كتابي أن يبينوا لي ما لعلهم يعثرون عليه من الخلل والغلط كي يصلح في الطبعات اللاحقة؛ لأن العصمة والكمال لله المتعال.
القسم الأول
في فهارس صحافة آسيا منذ تكوين الصحافة العربية إلى ختام السنة 1929
تنبيه أول
إني اعتمدت في تعيين أسماء منشئي الصحف على ذكر المؤسسين الأصليين دون سواهم، واعتمدت أيضا في تعيين مراكز الصحف على أسماء المدن التي كانت مهدا لولادتها، وكل ما طرأ بعد ذلك من التبديل في إدارة بعض الصحف أو هيئة تحريرها أو مكان نشرها سيظهر في سياق أخبار كل جريدة أو مجلة في الأجزاء التالية من هذا الكتاب.
تنبيه ثان
إن النجمة المرقومة ⊙
في يمين اسم الجريدة أو المجلة تشير إلى أن تلك الصحيفة كانت لم تزل منتشرة بتاريخ 11 تشرين الثاني سنة 1918 وهو تاريخ عقد الهدنة بين الدول المتحاربة في الحرب العظمى، أما النجمة ⋆
المسطرة في يسار اسم الجريدة أو المجلة فتشير إلى أن الصحيفة كانت لم تزل منتشرة بتاريخ 31 كانون الأول سنة 1929.
الباب الأول
فهارس جميع الجرائد العربية في آسيا
يتضمن فهارس جميع الجرائد العربية في آسيا على الإطلاق.
وهي مرتبة تاريخيا وجغرافيا لكل مدينة وبلد من الأصقاع الآسيوية. ***
جرائد الجمهورية اللبنانية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: بيروت العاصمة (1)
حديقة الأخبار *
خليل الخوري
1 كانون الثاني 1858 (2)
نفير سوريا
بطرس البستاني
تشرين الأول 1860 (3)
أخبار عن انتشار الإنجيل
المرسلون الأميركيون
1 آذار 1863 (4)
النشرة الشهرية
الدكتور كرنيليوس فنديك †
1 كانون الثاني 1866 (5)
الجنة
سليم البستاني
11 حزيران 1870 (6) ⊙
البشير ⋆
الآباء اليسوعيون ‡
3 أيلول 1870 (7)
كوكب الصبح المنير
المرسلون الأميركيون
1 كانون الثاني 1871 (8)
الجنينة §
سليم البستاني
3 شباط 1871 (9) ⊙
النشرة الأسبوعية ⋆
المرسلون الأميركيون ||
10 كانون الثاني 1871 (10)
التقدم ¶
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1874 (11)
ثمرات الفنون
عبد القادر قباني
20 نيسان 1875 (12) ⊙
لسان الحال ⋆
خليل سركيس **
18 تشرين1 1877 (13)
المصباح
نقولا نقاش
1 كانون الثاني 1880 (14)
الهدية
جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسية
1 كانون الثاني 1883 (15)
بيروت
محمد رشيد الدنا
22 آذار 1886 (16)
دليل بيروت
أمين الخوري
1 كانون الثاني 1888 (17)
بيروت
رسمية
22 كانون الأول 1888 (18)
الفوائد
خليل البدوي
1 آذار 1889 (19) ⊙
الأحوال ⋆
خليل البدوي ††
1 تشرين الأول 1891 (20)
النشاط (مدرسية)
نقولا لويس
1896 (21)
المنار
المطران أرسانيوس حداد
17 أيلول 1898 (22)
روضة المعارف
سليم الأنسي وشاكر أبو ناضر
1 آيار 1899 (23)
المنارة (مدرسية)
يوسف الحويك
14 كانون الأول 1899 (24)
الكنانة (مدرسية)
الجامعة الأميركية
15 تشرين الثاني 1900 (25)
العلمية (مدرسية)
الجامعة الأميركية
20 كانون الثاني 1902 (26)
النهضة الأدبية (مدرسية)
فريد غماشي ومحبوب الشرتوني
1 آذار 1902 (27)
صدى الاستعدادية (مدرسية)
إسكندر فواز وفؤاد غصن
2 آذار 1902 (28)
الرقيب (مدرسية)
نجيب مصور وشركاه
12 آذار 1902 (29) ⊙
الإقبال ⋆
عبد الباسط الأنسي ‡‡
9 نيسان 1902 (30)
العصر (مدرسية)
سليم عبد الأحد
29 آذار 1903 (31)
ثمرة النجاح (مدرسية)
أخوة المدارس المسيحية
1 كانون الثاني 1904 (32)
الباكورة
جمعية مار منصور
16 شباط 1904 (33)
المبتدئون (مدرسية)
الجامعة الأميركية
5 آذار 1906 (34)
الصلوات الغانمية
يوسف خطار غانم
3 كانون الثاني 1907 (35)
الأرزة (مدرسية)
فيليب عضامي وشركاه
1907 (36)
صدى الاستعدادية (مدرسية)
متري حداد وشركاه
1907 (37)
الشاطئ (هلامية)
1907 (38)
هبت
15 آب 1908 (39) ⊙
البرق ⋆
بشارة عبد الله الخوري
1 أيلول 1908 (40)
المارونية الفتاة
يوسف خطار غانم
5 أيلول 1908 (41)
الاتحاد العثماني
الشيخ أحمد حسن طبارة §§
22 أيلول 1908 (42)
الوطن
ملاط وشوشاني وفارس
5 تشرين الأول 1908 (43)
مذكرات الأحرار اللبنانيين
داود مجاعص
15 تشرين الأول 1908 (44)
الثبات
إسكندر خوري وخليل زينية
21 تشرين الأول 1908 (45)
المحبة
فضل الله أبي حلقة
2 تشرين الثاني 1908 (46)
الرسائل الغانمية
يوسف خطار غانم
5 كانون الأول 1908 (47)
المراقب |||
جرجي شاهين عطية
19 كانون الأول 1908 (48) ⊙
الحقيقة
أحمد عباس الأزهري ¶¶
6 شباط 1909 (49)
لسان الاتحاد
فليكس فارس
8 شباط 1909 (50)
المفيد
عبد الغني العريسي
9 شباط 1909 (51) ⊙
أبابيل ⋆
حسين محيي الدين حبال
15 شباط 1909 (52)
الأيام
فائق غرغور وطانيوس عبده
27 آيار 1909 (53)
الحرية
داود مجاعص
24 تموز 1909 (54)
عيواظ
18 تشرين الأول 1909 (55)
الخرج
متري الخرج
4 كانون الأول 1909 (56)
النصير البيروتي
عبود أبي راشد
1 كانون الثاني 1910 (57)
الرشيد
الشيخ صالح اليافي
27 كانون الثاني 1910 (58)
الراوي
طانيوس عبده
18 آذار 1910 (59) ⊙
الرأي العام ⋆
طه المدور
30 آذار 1910 (60)
صدى الجامعة العثمانية
عبد الكريم أبو النصر
7 آيار 1910 (61)
الطبيب العامل
الدكتور ثيوفيل دبانة
10 حزيران 1910 (62)
حمارة بلدنا
توفيق جانا
17 أيلول 1910 (63)
الحارس
أمين الغريب
2 تشرين الثاني 1910 (64)
الحمارة
نجيب جانا
4 تشرين الثاني 1910 (65)
الوطنية
محمد القلقيلي
24 تشرين الثاني 1910 (66)
المباراة (مدرسية)
أمين الحداد وإلياس جرجور
25 تشرين الثاني 1910 (67)
الزهرة
جمعية الإخاء المدرسي
20 كانون الثاني 1911 (68)
الهامش
حسن الناطور وعلي لطفي
3 آذار 1911 (69)
يأجوج ومأجوج
17 نيسان 1911 (70) ⊙
البلاغ ⋆
محمد الباقر ونصوح بكداش
29 حزيران 1911 (71)
القلم العريض
عبد الرحمن سلام
5 آب 1911 (72)
الإخاء العثماني
محمد شاكر الطيبي
19 آب 1911 (73)
النشرة الأولى
13 تشرين الثاني 1911 (74)
المسامرات
أحمد محيي الدين حرب
19 تشرين الثاني 1911 (75)
القضاء
جميل الحسامي
10 كانون الثاني 1912 (76)
الإعلانات
حرفوش وبرصا وشركاهم
16 كانون الثاني 1912 (77)
كراكوز
د. ل. ش
28 كانون الثاني 1912 (78)
الأستاذ (مدرسية)
نزيه داود
شباط 1912 (79)
الشركة التلغرافية السورية
حرفوش وبرصا وشركاهم
14 آيار 1912 (80)
صدى البرق
بشارة عبد الله الخوري
14 آيار 1912 (81)
صدى المفيد
عبد الغني العريسي وفؤاد حنتس
30 آيار 1912 (82)
صدى البشير
الآباء اليسوعيون
4 حزيران 1912 (83)
الائتلاف العثماني
الشيخ أحمد حسن طبارة
2 آب 1912 (84)
لسان العرب
عبد الغني العريسي وفؤاد حنتس
23 أيلول 1912 (85)
الفتى العربي
عبد الغني العريسي وفؤاد حنتس
28 أيلول 1912 (86)
المصور
محمد طاهر التنير
7 كانون الأول 1912 (87)
الإصلاح
أحمد حسن طبارة
10 آيار 1913 (88)
البغلة
توفيق جانا
4 تموز 1913 (89)
العجائب
بهاء الدين الصوفي
24 تموز 1913 (90)
ذيل النفائس
أنيس عيد الخوري
16 آب 1913 (91)
حمارة الجبل
توفيق جانا
18 آب 1913 (92)
فتى العرب ***
عبد الغني العريسي وفؤاد حنتس
15 كانون الأول 1913 (93)
المرآة
خليل زينية
15 كانون الثاني 1914 (94)
صدى الأحوال
عبد الله بك رعد
12 نيسان 1914 (95)
جراب الكردي
توفيق جانا
20 نيسان 1914 (96)
ملحق الإصلاح
الشيخ أحمد حسن طبارة
19 آب 1914 (97)
جورنال بيروت
جرجي بك حرفوش
7 تشرين الأول 1914 (98) ⊙
الوطن
جرجي عوض وشبلي ملاط
1 تموز 1915 (99)
مينرفا (خطية)
ماري يني
24 أيلول 1916 (100) ⊙
بيروت
رسمية
1 تشرين الأول 1918 (101) ⊙
الإخاء
محمد شاكر الطيبي
4 تشرين الأول 1918 (102) ⊙
الحرية ⋆
جرجي عوض
25 تشرين الأول 1918 (103)
اقرأني
الأمير فريد شهاب
9 نيسان 1919 (104)
الجامعة السورية
عمر أبو النصر
14 آيار 1919 (105)
النشرة الرسمية للأعمال الإدارية ⋆
المفوضية العليا
1921 (106)
الدبوس
16 كانون الثاني 1921 (107)
الكشاف (هلامية)
صلاح عثمان بيهم وعزة قريطم
29 نيسان 1921 (108)
المعرض ⋆
ميشال زكور
1 آيار 1921 (109)
رسالة السلام ⋆
الخوري أنطون عقل †††
25 آيار 1921 (110)
فتى الأرز
إلياس أسعد نعيم
6 آب 1921 (111)
العالم الإسرائيلي ⋆
سليم الياهو من
1 أيلول 1921 (112)
اليومية السورية
12 أيلول 1921 (113)
الهدية
المطران جراسيموس مسرة
17 تشرين الثاني 1921 (114)
النبوت
إلياس غريب
14 آب 1922 (115)
الرسالة المصورة
الخوري أنطون عقل
أيلول 1922 (116)
البستان ⋆
المرسلون الأميركان
1 تشرين الأول 1922 (117)
المناغش
جرجي عوض
7 كانون الأول 1922 (118)
الإصلاح
يوسف ثابت ونجيب أبي عكر
11 كانون الأول 1922 (119)
الدبور ⋆
يوسف مكرزل
1 كانون الثاني 1923 (120)
البيان ⋆
بطرس بستاني وطانيوس باخوس
2 كانون الثاني 1923 (121)
الكشكول ⋆
مكتب جريدة البلاغ
5 كانون الثاني 1923 (122)
المحاكم
أنطون زيات
15 كانون الثاني 1923 (123)
الغربال
إلياس رعد
12 شباط 1923 (124)
المنبر
علي ناصر الدين
15 شباط 1923 (125)
المجنون
نجيب غطاس
1 آذار 1923 (126)
الطالب
يحيى اللبابيدي
15 آذار 1923 (127)
البيرق
يوسف ووديع عقل
نيسان 1923 (128)
صدى الأحوال
سمعان فرح سيف
5 نيسان 1923 (129)
الطالب (غير الأولى)
يحيى اللبابيدي
12 نيسان 1923 (130)
المستقل
عبد الله رزق الله خير
14 آب 1923 (131)
الشفاء
الدكتور مصطفى السعادة
18 آب 1923 (132)
صدى المسارح
مصباح تميم وأحمد كريدية
19 آب 1923 (133)
ملحق النشرة الأسبوعية
المرسلون الأميركان
1 تشرين الأول 1923 (134)
الأحرار ⋆
جبران تويني
6 كانون الثاني 1924 (135)
العمال
سجيع الأسمر
5 آب 1924 (136)
الفنون الجميلة
ألكسي لادقاني وجرجي عازار
17 آب 1924 (137)
العهد الجديد ⋆
خير الدين الأحدب
5 آذار 1925 (138)
الحياة الرياضية
إلياس يوسف شدياق
20 آذار 1925 (139)
الإنسانية
يوسف إبراهيم يزبك
15 آيار 1925 (140)
الاستقلال
نجيب ليان
24 آيار 1925 (141)
صدى المصايف
فؤاد مغبغب
15 تموز 1925 (142)
الفتاة
شكري بخاش
1925 (143)
وفاء العرب
سيف الدين سمان وأحمد دمشقية
31 آب 1925 (144)
هبت ⋆
خليل كاملة
22 أيلول 1925 (145)
النذير
راغب اليافي
12 تشرين الثاني 1925 (146)
النمرود
حنين قطيني
20 كانون الأول 1925 (147)
المدفع
سيف الدين سمان
كانون الأول 1925 (148)
الأحرار المصورة
جبران تويني
11 كانون الثاني 1926 (149)
النديم
إدارة مجلة المرأة الجديدة
24 كانون الثاني 1926 (150)
الجوائب
ألبرت يوسف شدياق
18 آذار 1926 (151)
الشرق ⋆
عبد الغني عوني الكعكي
17 آيار 1926 (152)
الحوت
فريد سلام
23 آب 1926 (153)
معليش ⋆
منيب سنو
10 تشرين الأول 1926 (154)
المناغش
حبيب جورج عوض ونجيب عطية
18 تشرين الأول 1926 (155)
الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية ⋆
رسمية ‡‡‡
أيار 1926 (156)
الكشاف الوطني
فؤاد زيدان
12 حزيران 1926 (157)
البحر
الخوري لويس الخازن
17 كانون الأول 1926 (158)
الراية
يوسف السودا
1 كانون الثاني 1927 (159)
العروة الوثقى
وهبة سليمان شعيب
1 كانون الثاني 1927 (160)
أبو الرياح والمسامير
عزيز عوض
20 كانون الثاني 1927 (161)
الفنون الجميلة
نجيب كرم وألكسي لاذقاني
3 نيسان 1927 (162)
الشرائع
راشد البيلاني
16 آيار 1927 (163)
الحضارة
طبارة ولبابيدي
5 حزيران 1927 (164)
الدستور
خليل أبو جودة
24 حزيران 1927 (165)
إلى الأمام
عبد الله حشيمة
17 تشرين الأول 1927 (166)
النشرة التجارية الاقتصادية
يوسف نصار الحايك
18 كانون الثاني 1928 (167)
النشرة العقارية
جرجي مرقدة وأولاده
17 شباط 1928 (168)
الفلكي
الظاهر وفؤاد زيدان
30 آذار 1928 (169)
الخبير
يوسف نصار الحايك
23 آيار 1928 (170)
صدى التجدد
عابد جمال الدين ومحمود العشي
4 تموز 1928 (171)
الراصد ⋆
وديع عقل §§§
17 تموز 1928 (172)
التاريخ
عابد جمال الدين ومحمود العشي
7 آب 1928 (173)
البيرق ⋆
يوسف وأسعد عقل
9 آب 1928 (174)
الجريدة
حسني مصباح فتح الله
1 تشرين الأول 1928 (175)
فرعون
نجيب نجم كرم
16 كانون الأول 1928 (176)
تراحيل
بهاء الدين الطباع
28 كانون الأول 1928 (177)
العين
فوتيوس الخوري
نيسان 1929 (178)
بيروت سبور ⋆
إدوار إنجليل
6 تشرين الأول 1929 (179)
المعرض الأسبوعي ⋆
ميشال زكور وميشال أبو شهلا
1 كانون الأول 1929
ثانيا: مدينة طرابلس الفيحاء (1) ⊙
طرابلس ⋆
محمد كامل البحيري ||||
13 آذار 1893 (2)
الرغائب
حكمت شريف
26 تشرين الثاني 1907 (3)
الوجدان
محمد سامي صادق
8 تموز 1910 (4)
شمس الاتحاد
عبد الرحمن عز الدين
28 تموز 1910 (5)
الأجيال
توفيق اليازجي ¶¶¶
26 أيلول 1910 (6)
المحامي
أحمد سلطاني
3 تموز 1911 (7)
المدلل
محمد منير الملك
6 آب 1911 (8)
السعدان
محمد صلاح الدين مراد
6 أيلول 1911 (9) ⊙
الحوادث ⋆
لطف الله خلاط
7 كانون الأول 1911 (10)
البرهان
عبد القادر المغربي
22 كانون الأول 1911 (11)
الضمير
ناصيف طربية
20 تموز 1914 (12) ⊙
المباحث ⋆
جرجي يني
17 تشرين الأول 1918 (13)
الرقيب ⋆
يوسف الفاخوري وإلياس طربية
23 حزيران 1920 (14)
الثريا
المحامي نوري صوفي
31 تموز 1920 (15)
المهماز
نجيب عطية ****
1 كانون الأول 1921 (16)
صدى الشعب
الأمير أسعد الأيوبي
1922 (17)
لبنان الشمالي ⋆
ناصيف طربية وفاخوري
30 حزيران 1923 (18)
الشفق
الشيخ زخريا أسعد زخريا
7 شباط 1925 (19)
الصباح ⋆
سليم غنطوس
24 كانون الثاني 1926 (20)
أبجد هوز
زخريا أسعد زخريا
تشرين الأول 1926 (21)
الديك
الأمير أسعد الأيوبي
7 آذار 1927
ثالثا: أهدن وزغرتا †††† (1)
أهدن
بطرس يمين
13 شباط 1913 (2)
صدى الشمال ⋆
فريد أنطون
4 تموز 1925
رابعا: قصبة بشراي (1)
بشراي
الأب وانيس الكرملي
13 نيسان 1910
خامسا: كفر حاتا (1)
النهضة
الدكتور جرجي سابا
24 كانون الثاني 1910
سادسا: مدرسة كفتين (1)
لبان الألباب (خطية)
9 كانون الأول 1883
سابعا: مدينة البترون (1)
مشهد الأحوال
أسعد ضو
17 آذار 1910
ثامنا: أنفة (1)
النهضة
جبران حنا مكاري
28 آب 1913
تاسعا: مدينة جبيل (1)
الحكمة
سليم وهبة
23 تموز 1909
عاشرا: عمشيت (1)
بيبلوس
روفائيل لحود
1 كانون الثاني 1928
حادي عشر: درعون (1)
الجعبة (خطية)
الشيخ نوفل الخازن
1892
ثاني عشر: مدينة جونية (1)
الأرز ‡‡‡‡
الشيخ فيليب والشيخ فريد الخازن
15 تشرين الأول 1895
ثالث عشر: بيت شباب (1)
الحق
الخوري طوبيا عطا الله
12 آذار 1909 (2)
النتيجة
أميل حبشي
4 نيسان 1912 (3)
العلم ⋆
ميشال يوسف الحائك
6 كانون الثاني 1923
رابع عشر: صليما (1)
الورقاء
يوسف الخوري البشعلاني
1923
خامس عشر: برمانا (1)
المدارس (خطية) مدرسة عين السلام
1906
سادس عشر: بعبدات §§§§ (1)
الهرموش
حنا نعمان خباز
17 تشرين الثاني 1912 (2)
الشاعر
يوسف صوايا
1 كانون الثاني 1913 (3)
الجميل
جميل لحود وميشال شبل
2 شباط 1913 (4)
البستان
توفيق سليم وميشال صوايا
23 شباط 1913 (5)
الولاء
فؤاد سمعان
17 تشرين الأول 1913 (6)
صدى المنتدى
يوسف أبي خير ويوسف أبي رزق
16 تشرين الثاني 1913 (7)
الوطن
إبراهيم الكفوري
14 كانون الأول 1913 (8)
اليقظان
نسيب الكفوري
1913 (9)
الرعد
إيليا أيوب
4 كانون الثاني 1914 (10)
جحا
فريد كفوري
18 كانون الثاني 1914
سابع عشر: بسكنتا (1)
المضمار (خطية)
مدرسة القديس بطرس
20 تشرين الثاني 1912 (2)
صنين ⋆
جبور عريضة وعبد الله غانم
9 آيار 1929
ثامن عشر: حمانا (1)
الشاغور
الدكتور إلياس عاد ويوسف الحاج
21 كانون الثاني 1910
تاسع عشر: بحمدون (1)
الاعتدال
يوسف الحاج
1910
عشرون: جسر نهر بيروت (1)
أبو النواس
محمد صبحي عقدة
4 تشرين الأول 1913 (2)
النادي
حنا أبي راشد
16 حزيران 1914
حادي وعشرون: فرن الشباك (1)
حمارة الجبل
توفيق جانا ونجيب جانا
15 آب 1913 (2)
النصير اللبناني
عبود أبي راشد وجرجي عوض
23 أيلول 1914
ثاني وعشرون: الحدث (1)
النصير
عبود أبي راشد
أيلول 1901 (2)
البيرق
سعيد عقل ونجيب شديد عقل
23 كانون الأول 1911
ثالث وعشرون: بعبدا (1)
لبنان
إبراهيم الأسود
1 تشرين الأول 1891 (2)
الروضة
خليل طنوس باخوس
31 كانون الثاني 1894 (3) ⊙
لبنان
رسمية
25 كانون الثاني 1909 (4)
جريدة لبنان الكبير
رسمية
1920
رابع وعشرون: كفرشيما (1) ⊙
السلام
رشيد نصر
15 تشرين الأول 1918
خامس وعشرون: الشويفات (1)
زهرة الشبيبة (خطية)
نشرة مدرسية
16 شباط 1909
سادس وعشرون: مدينة عاليه (1)
الجامعة
إلياس شبل الخوري
4 كانون الثاني 1913
سابع وعشرين: الدامور (1)
إبريق الزيت (خطية)
يوسف أيوب الحتي
1911
ثامن وعشرون: عبيه (1) ⊙
الصفا ⋆
علي ناصر الدين |||||
18 شباط 1899 (2)
الفرائد
محمد السامي نكد
14 آذار 1912
تاسع وعشرون: عين زحلتا (1)
الشعب
رشيد نخلة
28 أيلول 1912 (2)
الحكيم
توفيق رعد
16 آب 1913
ثلاثون: بتدين ودير القمر (1)
لبنان
رسمية
1867 (2) ⊙
دير القمر ⋆
مسعود سماحة ونعوم البستاني
13 آيار 1912
حادي وثلاثون: مدينة زحلة (1)
المهذب (خطية)
الشيخ عيسى إسكندر المعلوف
1906 (2)
المهذب
الخوري بولس الكفوري
5 كانون الثاني 1907 (3)
ملحق بجريدة المهذب
الخوري بولس الكفوري
9 حزيران 1910 (4)
البردوني
سالم وإسكندر الرياشي
25 حزيران 1910 (5) ⊙
زحلة الفتاة ⋆
إبراهيم الراعي وشكري بخاش
3 كانون الأول 1910 (6)
الشرقية (خطية)
جمعية النهضة بالكلية الشرقية
12 كانون الثاني 1911 (7)
الخواطر الزحلية
إبراهيم أبو خاطر
24 كانون الثاني 1912 (8)
الخواطر
إبراهيم أبو خاطر
16 آيار 1912 (9)
الزهرة (خطية)
سليم أبو جمرة
1 حزيران 1913 (10)
الرحمة ⋆
شركة مار منصور دي بول ¶¶¶¶
1 آب 1922 (11)
الصحافي التائه ⋆
إسكندر وإلياس الرياشي
28 أيلول 1922
ثاني وثلاثون: مدينة بعلبك (1)
بعلبك ⋆
يوسف الغندور المعلوف
26 آذار 1927 (2)
الأضاحي
لطفي حيدر
21 تموز 1927
ثالث وثلاثون: مدينة صيدا (1)
جبل عامل
أحمد عارف الزين
28 كانون الأول 1911 (2)
أبو دلامة
رفقي بكار وحسيب شهاب
4 كانون الثاني 1927
رابع وثلاثون: قصبة جزين (1)
الاتفاق
سعيد رزق وحبيب ناصيف
16 آب 1910 (2)
الشلال
الخوري يوحنا رزق
2 آيار 1926
خامس وثلاثون: مدينة مرجعيون (1)
المرج
أسعد رحال ودانيال زعرب
25 كانون الثاني 1909 (2)
النهضة المرجعيونية ⋆
جمعية النهضة المرجعيونية
27 كانون الثاني 1927
سادس وثلاثون: قيتولي (1)
الأدب (خطية)
فائز غسطين
1 تشرين الأول 1910
سابع وثلاثين: مدينة صور (1)
القوة
حسن دبوق
11 شباط 1912 *
نشرنا أخبار «حديقة الأخبار» وسائر الصحف القديمة الواردة بعدها في فهرس جرائد بيروت في الجزء الأول والجزء الثاني من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» فلتراجع في محلها، ومما يجب ألا نغفل عنه الآن هو أن «حديقة الأخبار» احتفلت في 13 كانون الأول 1908 بيوبيلها الذهبي احتفالا كبيرا، وهو أول احتفال رسمي قامت به جريدة عربية تيمنا بمرور خمسين عاما على تأسيسها، وكان ناظم باشا والي بيروت مترئسا هذه الحفلة الفريدة وأطلق فيها الشيخ إسكندر العازار حمامتين بيضاوين رمزا إلى السلام وبهجة اليوبيل. †
كان الدكتور كرنيليوس فنديك في عصره من أساطين العلماء المستشرقين الذين خدموا اللغة العربية قولا وعملا، وقد نشرنا رسمه وترجمته في الجزء الأول من «تاريخ الصحافة العربية». ‡
راجع أخبار هذه الجريدة ورسوم بعض محرريها في الجزء الثاني من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» فهي الآن في العقد السابع من عمرها ولها مبدأ خاص اتبعته وحافظت عليه منذ نشأتها، وقد برزت في فرص شتى بمظهر جميل يروق الأبصار بنقوشه البديعة ورسومه الفاخرة التي لم يعهد لها مثيل في سائر الصحف العربية حتى الآن، ومن أحسن الشهادات التي يركن إلى ثقتها عن نزاهة مبدأ البشير ما روته جريدة «سورية» الرسمية بدمشق في شهر كانون الثاني 1887 قالت: «البشير جريدة قديمة ... لا تكتب في سياق الأخبار السياسية وحوادث العالم شيئا مضرا». §
تعد «الجنينة» أول جريدة يومية صدرت باللسان العربي ولم تطل حياتها أكثر من أربعة أعوام. ||
بدأت هذه الجريدة حياتها باسم «النشرة الشهرية» المار ذكرها، وقد احتفلت عام 1915 ببلوغ يوبيلها الذهبي فأصدرت عددا ممتازأ خصته بما كتب مطالعوها بمناسبة يوبيلها، وبين التهاني المذكورة تاريخ شعري نظمناه وأثبتناه في ذلك العدد يسرنا أن نورده هنا بالحرف الواحد:
هذي الجريدة أدركت من عمرها
خمسين عاما صانها الله الأحد
دعيت بأسبوعية وببدئها
شهرية ظهرت يعززها الرشد
شهدت بفضل مؤسسيها إذ هم
رفعوا لواء العلم في هذا البلد
خدمت لسان العرب في أبحاثها
وغدت فوائدها الجليلة لا تعد
لما دنا يوبيلها قد أصدرت
أرخ بحمد ختامه هذا العدد
1915 ¶
أتى على صحيفة «التقدم» عهدان: عهد ازدهار ونجاح لما تعاقب في إدارتها كل من أديب إسحاق وجرجس نحاس ونجيب إبراهيم طراد وإسكندر طاسو، وعهد بؤس وانحطاط لما كانت بعهدة صاحب امتيازها يوسف الشلفون الذي كان كثير التقلب في أعماله ومبادئه؛ ذلك ما حمل الدكتور لويس صابونجي على أن ينظم فيه ارتجالا هذا البيت المشهور:
إن التقدم دائما يتأخر
ما زال للشلفون اسم يذكر
هي أول الجرائد الإسلامية في بيروت وأول صحيفة عربية أنشأتها شركة مساهمة في العالم كله، كانت شركتها تتألف من اثني عشر سهما وقيمة كل سهم ألفان وخمسمائة غرش ذهب عثماني، وكان المساهمون من أدباء المسلمين وأعيانهم يؤلفون «جمعية الفنون» برئاسة الحاج سعد حمادة ابن الحاج عبد الفتاح حمادة الشهيرين، إلا أن «جمعية الفنون» لم يطل عمرها لحلول روح الحسد في بعض النفوس واندفاعها إلى معاكسة الجمعية التي دخلت في خبر كان لدى وفاة مؤسسها الحاج سعد حمادة، فانتقل اسم الجريدة إلى صاحب الامتياز الشيخ عبد القادر قباني الذي جعل قبلته خدمة الأمة الإسلامية، وكانت للمسلمين ثقة عظيمة بهذه الصحيفة التي بقيت لسان حالهم زمانا طويلا ولا سيما بعد احتجاب جريدة «الجوائب» في الآستانة، فكانوا يطالعونها بكل اهتمام؛ لأنها كانت تنشر أخبارهم وحوادث ممالكهم وأحوال شعوبهم في مشارق الأرض ومغاربها. وفي 13 أيار 1899 جرى الاحتفال الرسمي بعيدها الفضي فحضره ذوو الوجاهة والفضل ومأمورو الحكومة تقديرا لخدمة صاحب الامتياز الموصوف برصانته وأدبه لدى الخاص والعام، وقد عد القوم ذلك الاحتفال حادثا تاريخيا للصحافة العربية. **
وفينا حق هذه الجريدة من الوصف وأسهبنا في ترجمة مؤسسها في الجزء الثاني من هذا الكتاب، وكفاها فخرا أنها ثانية الجرائد السيارة العربية المؤسسة من رجل فرد (بعد جريدة الأهرام في القاهرة) والتي كتبت لها أن تتجاوز الشطر الأكبر للعقد السادس من عمرها مع محافظتها على نهج الاعتدال والمسالمة وعدم التحيز لعنصر دون آخر، فكانت في جميع أدوار حياتها مثال الرزانة والترفع عما لا يليق بقادة الرأي العام من الغايات الدنيئة، وهي الجريدة العربية الوحيدة المحتفى بيوبيلها فضيا وذهبيا بصفة رسمية، فجرى المهرجان الأول بتاريخ 22 نيسان 1904 في عهد مؤسسها خليل سركيس الطيب الأثر، وثم المهرجان الثاني بتاريخ 17 كانون الأول 1927 في عهد صاحبها الحالي صديقنا الأديب رامز سركيس، وقد تصدر هذه الحفلة رئيس الجمهورية اللبنانية الذي منح مدير «لسان الحال» وسام الاستحقاق اللبناني إعجابا بعبقريته، ولكل من اليوبيلين الفضي والذهبي كتاب خاص نشرت فيهما أخبار حفلتيهما مع أقوال الجرائد وقصائد التهاني الواردة من الأدباء شرقا وغربا. ††
بدأ السيد خليل البدوي حياته الصحافية عام 1882 في جريدة «البشير» البيروتية، فتولى تحريرها ثمانية أعوام وثلاثة أشهر أنشأ في خلالها مجلته «الكنيسة الكاثوليكية» التي عاشت ثلاث سنين، وقد أبدلها بجريدة «الفوائد» التي انتشرت خمسة أسابيع وسعى الحساد في صاحبها فعطلت، إلا أن ذلك لم يثبط من عزائم السيد خليل البدوي؛ فسافر إلى الآستانة حيث فاز بامتياز جريدة «الأحوال» التي خدمت الوطن خدمة صادقة وأحرزت ثقة الجمهور، فكانت سببا لنجاح مؤسسها الذي ابتنى لها ولمطبعتها بناية شاهقة في جادة المرفأ، وهي أول بناية شيدت لجريدة عربية في هذه الديار، ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 كانت «الأحوال» أول جريدة عربية أفلتت من نير المراقبة وسبقت سائر رصيفاتها في نشر هذه البشرى، وهي أيضا أول جريدة عربية في العالم صدرت مرتين في اليوم صباحا ومساء فداومت على هذه الحال عدة أعوام، ولا ينسى البيروتيون تلك التظاهرة الهائلة التي قام بها رعاع مدينتهم مدفوعين من أولي الأغراض؛ إذ اجتمع نحو العشرة آلاف رجل من شاكي السلاح أمام مكتب «الأحوال» يطلبون إهلاك منشئها؛ لأنه أشار إلى حالة البلاد السيئة واحتياجها الشديد إلى الإصلاح العاجل قبل أن تمتد إليها الأصابع الأجنبية، وكان ذلك يوم الأربعاء في 7 نيسان 1909 يوم جاء بالبرق خبر مقتل أحمد صميم أحد محرري جريدة «سربستي» التركية وعلى أثر زيارة السر الدن غورست معتمد بريطانيا العظمى في مصر لبيروت ولبنان، فلما رأى خليل البدوي أن حبه لإصلاح بلده كاد يكون له تهلكة كرهت نفسه الصحافة وعافت خدمة الأدب في هذه البلاد، فكسر القلم وعول على هجر هذه المهنة الشريفة التي كان الشرقيون يجهلون مقامها في ذاك العهد والتي لم يكن ليخدمها لربح مادي وهو في غنى عنه، ومن ذاك الحين باع مطبعته وحول الجريدة إلى الذين اشتروا المطبعة لأجل استثمارها بشروط معلومة، ثم ودع الصحافة بمقالة خالدة أشار فيها إلى مثيري تلك الفتنة وبينهم من عاش السنين الطوال في نعمته وقد ضمنها هذين البيتين:
أعلمه الرماية كل حين
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني ‡‡
جريدة «الإقبال» هي ثالثة الصحف الإسلامية في بيروت عاشت ثماني وعشرين سنة ناهجة خطة الصدق في أخبارها والاعتدال في مشربها، وقد أسف قراؤها في جميع البلدان لاحتجابها بعد هذا الشوط الطويل من حياتها، ولمنشئها الجليل الشيخ عبد الباسط الأنسي خدم وافرة تذكر فتشكر في نشر المعارف قولا وعملا. §§
تعلم الشيخ أحمد حسن طبارة مهنة الصحافة في مكتب جريدة «ثمرات الفنون» لصاحبها الشيخ عبد القادر قباني، وبعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية أنشأ جريدته «الاتحاد العثماني» التي أودعها نفثات قلمه السيال فكان من المبرزين في أساليب السياسة، ولما عقد المؤتمر العربي سنة 1913 في باريس برئاسة عبد الحميد الزهراوي عين فيه كاتبا أول، فلم يرق ذلك في عيون الولاة العثمانيين الذين كتموا غيظهم وما لبثوا يترقبون الفرص للاقتصاص من الشيخ أحمد حسن طبارة حتى نشبت الحرب العظمى، فنسبوا إليه خيانة الوطن، وبعد ما حاكموه في المحكمة العسكرية أعدموه شنقا في ساحة الشهداء ببيروت بتاريخ 6 أيار 1916. |||
تأسست جريدة «المراقب» بعناية الأستاذ الفاضل جرجي شاهين عطية اللبناني، وهو يعد كأبيه من أعلام اللغة العربية التي وضع لها معجما سماه «المعتمد» اختصره من المعاجم الكبرى، وله أيضا ديوان شعر مطبوع وديوان شعر غير مطبوع وخلاف ذلك من الآثار الكتابية، ولما دعي للتعليم في إحدى مدارس دمشق الشهيرة حول إدارة الجريدة وتحريرها لعهدة صديقه بترو باولي الذي قام بهذه المهمة أحسن قيام واشتهر بجرأته الأدبية في تحرير المراقب، فكان ذلك باعثا لاستياء الحكام الأتراك منه ولنفيه في مطلع الحرب العظمى إلى أزمير، ثم استاقوه إلى بيروت ورفعوه من دون أن يقترف ذنبا إلى المشنقة وأعدموه مع غيره بتاريخ 6 آيار 1916. ¶¶
قضى هذا الإمام الكامل حياته كلها بين التصنيف والتدريس وتهذيب الناشئة على منهاج العلم ومحبة الوطن، ومن مآثره المجيدة تأسيسه الكلية الإسلامية التي صارت منارة للطلاب الوافدين إليها من جميع الأصقاع العربية، وفي سنة 1926 احتفل تلامذته وأصدقاؤه الكثيرون بمرور خمسين عاما على خدمته للمعارف احتفالا لائقا بمقامه الأدبي، ولم نشأ نحن أيضا أن نتخلف عن الاشتراك في مهرجان هذا الأستاذ الفاضل العامل فنصبنا رسمه الكريم في دار الكتب الكبرى بجانب رسوم أعلام علمائنا في هذه البلاد تخليدا لذكره.
ما كادت تظهر جريدة «البلاغ» لعالم الوجود حتى انسحب منها أحد مؤسسيها نصوح بكداش الذي هاجر إلى جمهورية خط الاستواء في جنوب أميركا، وانصرف هناك إلى الأعمال التجارية، فاستقل السيد محمد الباقر بالبلاغ يديره ويحرره بنشاط وفطنة، ولبث كذلك عشرين سنة حتى قام بعض الأدباء وأسسوا بينهم شركة مساهمة لإصدار جريدة «البلاغ» متوخين فيها توطيد الجامعتين الشرقية والغربية، وقد أنيطت إدارتها ورئاسة تحريرها بمنشئها السيد محمد الباقر لثقتهم بكفاءته. ***
نزعت نفس عبد الغني العريسي إلى الصحافة منذ الصغر فسافرإلى أوروبا وتعلم أصولها في المدارس المتخصصة بهذا الفن، وبعد عودته إلى بيروت أنشأ جريدة «المفيد» التي كانت أول جريدة عثمانية جاهرت بانتقاد الحكومة لاستعمالها بعد إعلان الدستور تلك العبارات المزيفة التي اعتاد سلاطين آل عثمان أن يسردوها من دون معنى في طليعة فراميتهم، وقد وصفته إحدى جرائد مصر بقولها: «أجرأ كتبة الإسلام في عصره، يكره التعصب والتدليس، يتوخى الحقائق في كتاباته ولو كلفته الخسائر الجمة ... ولا يستحب من عبد الغني أفندي تهوره أحيانا في كتاباته، ولكن ذلك نتيجة اندفاعه وتفانيه في سبيل وطنه، وهو من الذاهبين مذهب العقلاء بوجوب إسقاط الخونة من بين الحكام العثمانيين ... وقد قيل فيما مضى عن عبد الغني أفندي إنه متعصب لدينه يكره المسيحيين، ولكنه أظهر في المدة الأخيرة ما يعكس رأي القائلين هذا القول حتى خيل لنا أنه مثبت ومعمود ...» وانتهت حياة هذا الصحافي بالإعدام شنقا في يوم واحد مع رفقائه بالجهاد الوطني وقد مر ذكر البعض منهم. †††
رسالة السلام مجلة أنشئت بتاريخ 1 كانون الثاني 1919 ولم تزل منتشرة حتى الآن، وقد صدر منها هذا العدد الوحيد بهيئة جريدة فوجب التنويه. ‡‡‡
صدرت «الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية» بهذا العنوان سنة 1926 على أثر تأسيس حكومة الجمهورية اللبنانية، وهي قامت على أنقاض «جريدة لبنان الكبير الرسمية» التي كانت تنشر منذ سنة 1920 في مطبعة حكومة لبنان الكبير، ويقرأ في صدرها أنها أنشئت عام 1864 وذلك مخالف للحقيقة والواقع، وهذه «جريدة لبنان الكبير الرسمية» خلفت جريدة «لبنان» الرسمية التي أسسها يوسف باشا فرنكو بتاريخ 25 كانون الثاني 1909 في بعبدا مركز متصرفينه، وبدأ بسلسلة أعدادها منذ التاريخ المشار إليه، فأعاد بها ذكر جريدة «لبنان» التي أوجدها سلفه داود باشا سنة 1867 في قصر بتدين ثم ألغاها والده فرنكو باشا بعد سنتين من ظهورها، وكانت جريدة «لبنان» البندينية تطبع باللغتين العربية والفرنسية معا. يتضح مما سبق بيانه أن أول جريدة رسمية أنشأتها الحكومة اللبنانية باسمها ولحسابها الخاص كانت عام 1867 وليس عام 1860 كما هو مسطور في رأس «الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية» ولا عام 1864 كما ورد في صدر «جريدة لبنان الكبير الرسمية» من دون تثبت أو تحقق، والأغرب من ذلك أن المتولين طبع الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية اتبعوا سلسلة أعداد لا يعرفون بالتأكيد إن كانت صحيحة أو مغلوطة، ومن المحتمل أنهم يجهلون في أي حين بدأت سلسلة الأعداد المذكورة؛ لأنهم لا يملكون مجموعة كاملة للجرائد الرسمية التي سردنا أسماءها هنا، بل إنهم يعجزون عن إحراز مجموعة كاملة لتلك الصحف مهما بذلوا في سبيل ذلك من الجهود والأوقات والأموال، على أننا نملك نحن في معرضنا الصحافي أمثلة ونسخا من كل الجرائد الرسمية السالفة الذكر، فمن شاء أن يتصفحها لا يتمالك من الإعجاب بما كانت عليه جريدة «لبنان» البندينية لداود باشا من إتقان الطبع ونظافة الحروف وجودة الورق، وذلك بالرغم من قدامة عهدها وصعوبة المواصلات وقلة الوسائل الكتابية والفنية والمالية في تلك البقعة النائية وفي مهد الحضارة العصرية بلبنان، كيف لا وقد كان لبنان من أقصاه إلى أقصاه في ذاك الحين خاليا من السكك الحديدية وطرق العربات والفنادق إلخ، وكان الحاكم وأعوانه يمتطون ظهور البهائم لدى تنقلهم من محل إلى محل ومن قرية إلى قرية، وكانت أمتعتهم ومؤنهم وجميع لوازم الحكومة وذخائر الجند تنقل بالوسائل ذاتها في طرق جبلية وعرة لا يعرف مشقاتها إلا من سار فيها. أخيرا لا يخفى أن حكومة الجمهورية اللبنانية تدفع بسخاء وافر نفقات طبع جريدتها الرسمية ضنا بشرفها وكرامة للشعب، فيترتب على من يلتزمون طبع جريدة رسمية كهذه أن يترفعوا عن الأطماع المادية ويقابلوا صنيع الحكومة بما يفرضه عليهم الوجدان الطاهر والإخلاص للوطن، ويا ليتهم يقتفون آثار الأجداد في الصدق والأمانة وإتقان العمل مرددين طول مدة الالتزام قول الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح §§§
تولى السيد وديع عقل رئاسة المجمع العلمي اللبناني بعد أستاذه اللغوي الكبير الشيخ عبد الله البستاني واضع المعجم العربي «البستان» ومختصره «فاكهة البستان» الشهيرين، وقد ألغي هذا المجمع في مهد الحياة سنة 1930 بحجة الاقتصاد في موازنة الجمهورية اللبنانية. ويا ليت الحكومة اللبنانية حافظت عليه وبذلت في سبيل تأييده كل غال ورخيص؛ لأنه حامل اسمها ورافع راية افتخارها بين الأمم الراقية، وكان هو أولى بالمساعدة من مشاريع شتى غير مقيدة وجدت مرتعا خصيبا في الموازنة المذكورة وأثقلت بنفقاتها الباهظة عاتق جمهوريتنا الفتاة. ||||
لاقت جريدة (طرابلس) مصاعب جمة في عهد الحكومة التركية، فتسلط عليها الشيخ أبو الهدى الصيادي الشهير لأنه كان يحاول جعلها لسان حاله في جميع أطواره، وكان أبو الهدى من رجال السلطان عبد الحميد الثاني في الآستانة ومن ذوي الكلمة النافذة لديه، فجارته جريدة «طرابلس» فيما يمكن مجاراته صيانة لوجودها. ولما أبت عليه نشر ما لا يوافق مشربها أخذ يناهضها فعطلها عدة مرات، ثم كانت تعود إلى الظهور مثابرة على خطتها إلى عهد سقوط الشيخ أبي الهدى سنة 1908 بإعلان الدستور في السلطنة العثمانية، وعاشت بعد ذلك حتى وفاة منشئها محمد كامل البحيري بتاريخ 25 كانون الثاني 1920 في وطنه، وقد شيع الأهالي جنازته بكل إكرام واشتركت فيها دوائر الحكومة؛ لأنه كان عضوا في المجلس العمومي لولاية بيروت، وكفاه فخرا أنه أقدم على تأسيس أول مطبعة وأول جريدة في طرابلس الفيحاء حين لم تكن هذه الفكرة تجول في خاطر أحد من أدبائها. ¶¶¶
افتتح السيد توفيق اليازجي حياته الصحافية في طرابلس الفيحاء حيث أنشأ جريدة «الأجيال» في 26 أيلول 1910 ميلادية، ولما أعلنت الحكومة العربية في سوريا بعدما وضعت الحرب العظمى أوزارها انتقل إلى مدينة دمشق ونشر هناك جريدة «سورية الجديدة» بتاريخ 22 تشرين الأول 1918 بالاشتراك مع حبيب كحالة، ثم أوقفها وأبدلها في 26 كانون الأول 1919 بجريدة «الدفاع» التي عاشت إلى حين سقوط الملك فيصل الأول في 20 تموز 1920 بعد موقعة ميسلون الشهيرة، ومذ ذاك العهد نزح من سوريا مؤثرا الإقامة في عاصمة وادي النيل حيث اشتغل في بعض صحفها الشهيرة، وله ما عدا ذلك مجلة خاصة به عنوانها «مصر الحديثة» أنشأها بتاريخ 15 تشرين الأول 1927 وهي من أرقى المجلات العصرية، وله أيضا جريدة «الحدائق» أسسها بتاريخ 5 كانون الثاني 1930 في القاهرة.
ظهرت «المباحث» بشكل مجلة في 16 تشرين الثاني 1908 وفي سنتها العاشرة حولها منشئها إلى جريدة في التاريخ المذكور أعلاه، ثم عادت إلى شكلها الأول ولم تزل منتشرة بهمة صاحبها الذي يعد من أقدم كتبة هذا الزمان ومن جلة أدبائه العاملين. ****
كان «المهماز» عنوانا لنشرة دينية أدبية تاريخية روائية أنشأها في 25 شباط 1870 خليل عطية اللبناني، وكانت صغيرة الحجم ذات ثماني صفحات تصدر بمدينة بيروت مرتين في الشهر، فأراد نسيبه نجيب عطية أن يحيي بعد مرور نصف قرن ذكر هذه الصحيفة القديمة بإنشاء هذه جريدة «المهماز» الجديدة. ††††
جمعنا جرائد هذين البلدين في فهرس واحد وما هما في حقيقة الواقع إلا بلدا واحدا؛ لأن أهاليهما يسكنون أهدن صيفا وينتقلون إلى زغرتا برمتهم شتاء، ولا نظن أن في العالم كله بلدا على شاكلة أهدن وزغرتا من هذا القبيل، ومن مشاهير هذه البقعة يوسف بك كرم البطل اللبناني الذائع الصيت. ‡‡‡‡
كانت جريدة «الأرز» من أفضل صحف جبل لبنان وأطولها عمرا وأرقاها إنشاء، عاشت ستة عشر عاما في عهد مؤسسيها الشهيدين اللذين ذهبا ضحية الإخلاص لوطنهما والاندفاع في سبيل استقلاله، فانتهز الأتراك نشوب الحرب العظمى لاحتلال جبل لبنان عسكريا والفتك بكثير من أعيانه وأدبائه، نذكر منهم صاحبي «الأرز» الشيخين فيليب وفريد الخازن اللذين أعدما شنقا بتاريخ 6 حزيران 1916 في بيروت بعد محاكمتهما وتعذيبهما، فندب الجبل ولديه البارين الأمينين ورثاهما أبناء لبنان بما يستحقه فضلهما الجم وأدبهما العالي، وتخليدا لذكرهما أطلقت مدينة بيروت اسمهما على أحد شوارعها في الناحية الشرقية، وهو يعرف باسم «شارع الخازنين»، هكذا كرمت مدينة بيروت كل شهيد أعدم فيها أثناء الحرب العظمى. §§§§
كل الجرائد التي ذكرناها في بعبدات هي مدرسية مخطوطة باليد تفنن في إنشائها وزخرفتها تلامذة المدرسة الوطنية لمؤسسها المفضال نعيم بك صوايا. |||||
ظهرت جريدة «الصفا» في بيروت بشكل مجلة في غرة كانون الثاني 1886 ثم تحولت إلى جريدة في 18 شباط 1899 وطبعت في عبيه، وقد أسهبنا الكلام عنها وعن منشئها الفاضل ونجله الشاعر اللوذعي أمين بك في الجزء الثاني من «تاريخ الصحافة العربية». ¶¶¶¶
ظهرت «الرحمة» في أول عهدها بشكل جريدة ثم تحولت إلى مجلة، وكان يحررها الأب العالم القس أسطفان بخاش السرياني الحلبي.
كانت إدارة هذه الجريدة في صور، ولعدم وجود مطبعة في هذه المدينة اضطر منشئها إلى طبعها في مدينة بيروت، وقد احتجبت «القوة» بعد ظهورها بوقت قصير.
جرائد الدولة السورية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة دمشق (1) ⊙
سورية *
رسمية
19 تشرين الثاني 1865 (2)
دمشق
أحمد عزت باشا العابد †
9 آب 1879 (3)
الشام
مصطفى واصف
22 تموز 1896 (4)
العصر الجديد
ناصيف بك أبو زيد
1 تشرين الأول 1908 (5)
تكمل
محمد خير الدين
12 تشرين الثاني 1908 (6)
المقتبس
محمد كرد علي ‡
17 كانون الأول 1908 (7)
روضة الشام
خالد قارصلي
21 كانون الأول 1908 (8)
دمشق
سليم هاشم وتوفيق الحلبي ومسلم عابدين
شباط 1909 (9)
ظهرك بالك
2 نيسان 1909 (10)
السكة الحجازية
محمد عارف الهبل
3 نيسان 1909 (11)
حط بالخرج
محمد عارف الهبل
12 نيسان 1909 (12)
أعطيه جمله
16 نيسان 1909 (13)
موارد الحكمة
عبد القادر بدران
9 تشرين الثاني 1909 (14)
الراوي
توفيق الحلبي
4 كانون الأول 1909 (15)
الأمة
أحمد كرد علي
4 كانون الأول 1909 (16)
هلال عثماني
محمد خير الدين
13 كانون الأول 1909 (17)
النفاخة
يوسف الأهرامي
28 كانون الثاني 1910 (18)
الشرق §
حبيب برهوم
شباط 1910 (19)
اسمع وسطح
6 نيسان 1910 (20)
المنتخبات
أحمد العطار وأديب نظمي
23 تموز 1910 (21)
الكائنات
أديب نظمي
19 تشرين الثاني 1910 (22)
جحا
محيي الدين شمدين
11 شباط 1911 (23)
البارقة
مصطفى شوقي
29 نيسان 1911 (24)
النفاخة (المصورة)
يوسف عز الدين الأهرامي
10 آب 1911 (25)
النديم
علي الغبرة
14 آب 1911 (26)
بردى
محمد فهمي الغزي
10 أيلول 1911 (27)
المهاجر
محمد التهامي شطة
11 كانون الثاني 1912 (28)
المشكاة
سليم عنحوري
28 شباط 1912 (29)
الاشتراكية
حلمي فتياني
17 آذار 1912 (30)
الأصمعي
خير الدين الزركلي ووجيه الكيلاني
18 آذار 1912 (31)
الضمير
داود صدقي المارديني وعزت الحجار
18 آذار 1912 (32)
قبس
شكري العسلي ||
19 آذار 1912 (33)
الصارخ
عزت الحجار وداود صدقي المارديني
21 آذار 1912 (34)
الوفاق
حبيب إلياس زحلاوي
23 آذار 1912 (35)
المجد
علي الشهابي
24 آذار 1912 (36)
القبس
شكري العسلي ومحمد كرد علي
30 أيلول 1913 (37)
الاتحاد الإسلامي
محمد التهامي شطة
23 كانون الثاني 1915 (38)
الشرق
خليل الأيوبي وتاج الدين الحسني ¶
27 نيسان 1916 (39)
الشرق (مصور)
خليل الأيوبي الأنصاري
30 أيلول 1916 (40) ⊙
الاستقلال العربي
رشدي الصالح ومعروف الأرناءوط
14 تشرين الأول 1918 (41) ⊙
لسان العرب
خير الدين الزركلي وإبراهيم العمر
15 تشرين الأول 1918 (42) ⊙
سورية الجديدة
توفيق اليازجي وحبيب كحالة
23 تشرين الأول 1918 (43)
الحياة
فريد حاج
2 كانون الأول 1918 (44)
الحسام
محمد فريد سلام
1918 (45)
حرمون
الأب ميخائيل شحادة وإلياس بحمدوني
1 كانون الثاني 1919 (46)
الصحة العمومية
كامل هلال ومحمد سعيد السيوطي
2 كانون الثاني 1919 (47)
المفيد
يوسف حيدر وخير الدين الزركلي
25 كانون الثاني 1919 (48)
العقاب
أسعد داغر
14 شباط 1919 (49)
الحمارة
قاسم الهيماني ونجيب جانا
16 شباط 1919 (50)
العاصمة
رسمية
17 شباط 1919 (51)
الانقلاب
عجاج الهيماني وكمال الدين الرفاعي
20 شباط 1919 (52)
الكنانة
أبو الهدى اليافي
27 شباط 1919 (53)
الإعلانات
صالح الحيلاني
9 آذار 1919 (54)
الفجر
توفيق الناطور
23 حزيران 1919 (55)
الأردن
أمين سعيد
20 أيلول 1919 (56)
الفلاح
عمر شاكر
31 تشرين الأول 1919 (57)
الطبل
محمود لطفي الحمصي
10 تشرين الثاني 1919 (58)
الدفاع
توفيق اليازجي
26 كانون الأول 1919 (59)
فتى العرب ⋆
معروف الأرناءوط
18 شباط 1920 (60)
الحق
محمد الأنسي
13 آذار 1920 (61)
المحيط
نظمي حمزاوي
19 آذار 1920 (62)
العفريت
محمد كامل
1920 (63)
الشرق
إبراهيم طوطح
3 تموز 1920 (64)
ألف باء ⋆
يوسف العيسى
1 أيلول 1920 (65)
العمران
إلياس قوزما وقبلان الرياشي
2 تشرين الأول 1920 (66)
أبو نواس العصري
أمين سعيد
3 تموز 1921 (67)
الأنوار
يوسف الحاج
1 شباط 1922 (68)
الفيحاء
قاسم الهيماني
وشفيق شبيب
24 تموز 1923 (69)
الحق
محمد صبحي عقدة
18 تشرين الأول 1923 (70)
الحاكمية
إسماعيل حقي الخربوطلي
1 كانون الثاني 1924 (71)
حط بالخرج
هاشم خانكان
2 كانون الثاني 1924 (72)
المفيد
يوسف ونجيب حيدر
20 كانون الثاني 1924 (73)
أبو العلاء المعري
محمد راغب العثماني
28 آذار 1924 (74)
وادي بردى
إسماعيل حقي الخربوطلي
29 آيار 1924 (75)
المصور
محمد طاهر التنير
27 تشرين الثاني 1924 (76)
بريد الشرق
يوسف حيدر
17 كانون الأول 1924 (77)
الميزان
أحمد شاكر الكرمي
20 كانون الثاني 1925 (78)
المصارع
توفيق عطار حسن
حزيران 1925 (79)
العالم
فائز سلامة وجورج قطيني
1925 (80)
الأصمعي
يوسف العيسى وشركاؤه
28 تموز 1926 (81)
الأنباء
محمد الدالاتي
27 آب 1926 (82)
الصحراء المصورة
إسماعيل حقي وطارق ممتاز
14 كانون الثاني 1927 (83)
المستقبل ⋆
شريف الأسطة
23 آيار 1927 (84)
الشعب ⋆
توفيق جانا
1 تموز 1927 (85)
لسان الأحرار
هاشم خانكان
11 تموز 1927 (86)
الحياة المصورة
ناظم الشمعة
6 أيلول 1927 (87)
السهام ⋆
محيي الدين البديوي
10 تشرين الأول 1927 (88)
الحياة الأدبية ⋆
أديب التنيكجي
15 تشرين الأول 1927 (89)
الاستقلال ⋆
راغب العثماني
6 تموز 1928 (90)
المرصاد ⋆
عبد الهادي اليازجي
8 تموز 1928 (91)
الخازوق
بسيم مراد
2 آب 1928 (92)
أبو النواس
مهدي اللوجي وأحمد العيتاني
13 آب 1928 (93)
النظام ⋆
فوزي أمين
1928 (94)
القبس ⋆
عادل كرد علي ونجيب الريس
1 أيلول 1928 (95)
الأمة ⋆
عبد الله الأويري
29 نيسان 1929 (96)
المضحك المبكي ⋆
حبيب كحالة
1929 (97)
الثروة ⋆
نقولا قشيشو وسهيل السيد
22 كانون الأول 1929
ثانيا: مدينة حمص (1) ⊙
حمص ⋆
المطران إثناسيوس عطا الله
13 تشرين الثاني 1909 (2)
ضاعت الطاسة
يوسف خالد المسدي
2 تموز 1910 (3)
المدرسة
توفيق النجيب الأتاسي
28 شباط 1911 (4)
جادة الرشاد
حنا خباز
5 تشرين الأول 1911 (5)
دليل حمص
قسطنطين يني
19 كانون الثاني 1912 (6)
التنبيه
محمد الخالد جلبي
14 آذار 1912 (7)
جراب الكردي
توفيق جانا
1 شباط 1914 (8)
التنبيه
عبد الحميد الموصلي
28 كانون الأول 1918 (9)
فتى الشرق
محمد أديب الساعاتي
11 تشرين الأول 1921 (10)
السمير
عبد المجيد الهريسي
28 شباط 1922 (11)
صدى سوريا
نسيب شاهين ووهبة مبيض
16 آذار 1922
ثالثا: مدينة حماة (1)
لسان الشرق
أحمد الصابوني
19 تشرين الأول 1909 (2)
انخلي يا هلالة
عبد الرحمن المصري
20 تموز الأول 1910 (3)
المكنسة
شمس الدين العلواني
1 أيلول 1910 (4)
السيف
محمد سالم الأمير ومحمد البارودي
2 كانون الثاني 1911 (5)
نهر العاصي
محمد جابر
7 آب 1911 (6)
حماة
عبد الرحمن المصري
13 تموز 1917 (7) ⊙
نهر العاصي
عبد الرحمن المصري
1918 (8)
التوفيق
الدكتور توفيق جيجكلي
1 كانون الثاني 1919 (9)
الإخاء ⋆
جبران مسوح **
1 آذار 1919 (10)
الهدف
إبراهيم الشيخ سعيد
18 آيار 1919 (11)
الشعب
عبد الرزاق الأسود
11 تشرين الأول 1919
رابعا: مدينة حلب (1)
غدير الفرات ††
رسمية
1867 (2) ⊙
الفرات
رسمية
1869 (3)
الشهباء
هاشم عطار وعبد الرحمن كواكبي
10 آيار 1877 (4)
الاعتدال
عبد الرحمن الكواكبي ‡‡
25 تموز 1879 (5)
الحوادث الداخلية
نجيب كنيدر
آب 1908 (6)
حلب الشهباء
محمد نافع طلس
19 أيلول 1908 (7)
صدى الشهباء
حكمت ناظم وكامل الغزي
1 تشرين الأول 1908 (8)
التقدم
شكري كنيدر
15 تشرين الأول 1908 (9) ⊙
التقدم ⋆
كنيدر إخوان §§
21 آيار 1909 (10)
الخطيب
الشيخ إبراهيم المؤذن
5 تموز 1909 (11)
الشعب
ليون حمصي وفتح الله قسطون
5 آب 1909 (12)
مسخرة
نوري ومانوئل
شباط 1910 (13)
كشكول
فاتح عمري
28 آذار 1910 (14)
الأهالي
مانوثل وعاصم
12 آيار 1910 (15)
لسان الأهالي
أرداشس بوغيكيان
27 حزيران 1910 (16)
الإعلان
فتح الله قسطون
2 تموز 1910 (17)
تنوير الأفكار
عيسى محمد هاشم
2 نيسان 1911 (18)
مكتبلي
فاتح عمري وأحمد سامي
8 نيسان 1911 (19)
المرمح
محمود دهني
18 نيسان 1911 (20)
النهار
حسين حازم
7 آيار 1911 (21)
الصدق
مصطفى رشدي الحمصي
28 حزيران 1911 (22)
العفريت
سامي غالبي ومحمد المصري
1 تموز 1911 (23)
هوببالا
مانوئل
5 تموز 1911 (24)
الغول
مصطفى رشواني
16 أيلول 1911 (25)
تشبت
مانوئل
29 تشرين الثاني 1911 (26) ⊙
العرب
أحمد سامي السراج
29 تشرين الأول 1918 (27)
حلب
رسمية
9 كانون الأول 1918 (28)
الصاعقة
بطرس معوض
12 كانون الأول 1918 (29)
حقوق البشر
عبد الحميد الجابري
2 شباط 1919 (30)
النهضة
محمد صبحي بصمة جي
3 شباط 1919 (31)
الراية
منيب الناطور
29 نيسان 1919 (32)
المصباح
عبد الحميد وعبد الودود الكيالي
2 آيار 1919 (33)
البريد السوري ⋆
فاضل شكري أسود
3 آيار 1919 (34)
الفرات
مارديروس حكيميان
8 تشرين الأول 1919 (35)
الوطن
شاكر نعمت الشعباني
8 كانون الثاني 1920 (36)
العدل
محمد صبحي بصمة جي
12 شباط 1920 (37)
الأمة
بطرس معوض
3 آب 1920 (38)
الآمال
صديق صندوق
5 نيسان 1921 (39)
سورية الشمالية
أنطون يوسفاكي شعراوي
11 نيسان 1921 (40)
شفق
زكريا رضا
20 نيسان 1921 (41)
المرسح
نجيب كنيدر
1921 (42)
الترقي السوري
بهاء الدين الكاتب
9 تشرين الثاني 1923 (43)
الكلمة ⋆
الأب بولس قوشاقجي
6 حزيران 1924 (44)
الوقت ⋆
طاهر سماقية
26 آذار 1925 (45)
الميثاق ⋆
محمد شرف الدين الفاروقي
26 أيلول 1925 (46)
الثعبان
فؤاد حسني المدرس
30 تموز 1926 (47)
المرسح
كنيدر
13 آب 1926 (48)
الاتحاد ⋆
محمود وهبي
25 أيلول 1926 (49)
على كيفك
فهمي الحفار وإلياس قيشر
8 آيار 1927 (50)
التاج ⋆
أمين تاج الدين
20 شباط 1928 (51)
السلام ⋆
جلال قدري
6 نيسان 1928 (52)
الأهالي ⋆
شاكر نعمت الشعباني
18 نيسان 1928 (53)
الجهاد ⋆
محمد فهمي الحفار
27 آب 1928
خامسا : مدينة الإسكندرونة (1)
الخليج
الأرشمندريت أغناطيوس والأرشدياكن حنانيا
18 تموز 1922 (2)
صدى الإسكندرونة
أ. بولس |||
1926
سادسا: مدينة أنطاكية (1)
أنطاكية ⋆
أسبر باسيل وجورج مدني
19 آذار 1927
سابعا: مدينة دير الزور (1)
جول
رسمية
15 آيار 1918
ثامنا: مدينة القنيطرة (1)
الجولان
أحمد حمدي
19 تشرين الأول 1911 (2)
مارج
حاغور طارق ممتاز
7 تشرين الأول 1927 *
كانت جريدة «سورية» تطبع باللغتين العربية والتركية، ثم انتهت حياتها بانقراض حكم الدولة العثمانية من الأقطار الشامية على أثر الحرب العظمى، وهي من الصحف التي عاشت طويلا وبلغت الخمسين عاما من عمرها. †
هو أحمد عزت باشا العابد الذي كان أمين سر السلطان عبد الحميد الثاني، وأحرز من المجد والثروة وعلو المنزلة ما لم يحرزه أحد أبناء العرب المسلمين وغيرهم في دولة الأتراك منذ تأسيسها، طالع ترجمته في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع]. ‡
هو العلامة محمد كرد علي وزير المعارف العامة في الدولة السورية سابقا ورئيس المجمع العلمي العربي بدمشق ومؤسس جريدة «المقتبس» ومجلة «المقتبس» الشهيرتين وجريدة «القبس» ومؤلف كتاب «خطط الشام» وغير ذلك من الآثار المجيدة والمآثر الخالدة. §
انطفأ سراج هذه الجريدة بعد صدور العدد الأول منها. ||
كان في عداد الشهداء الذين اشتغلوا في القضية العربية وأعدمهم الأتراك شنقا أثناء الحرب العظمى. ¶
تولى الشيخ تاج الدين الحسني رئاسة الوزارة في الحكومة السورية مدة ثلاث سنين متوالية (1928-1931) وهو ابن المحدث الشهير بدر الدين الحسني.
بعدما ظهر بضعة أعداد من هذه الجريدة تصرم حبل حياتها وهي في المهد، ولما سافر أحد منشئيها قاسم الهيماني إلى جزيرة كوبا في أميركا الجنوبية أصدر منها عددا أو عددين سنة 1931 ثم دخلت في خبر كان. **
ولد «الإخاء» في مدينة حماة بتاريخ 2 نيسان 1910 وكان أولا بشكل مجلة، ثم تحول في 1 آذار 1919 إلى جريدة سيارة بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا، ولم يلبث أن هاجر منشئه جبران مسوح إلى مدينة توكومان في الجمهورية الفضية حيث استأنف في 9 آب 1922 نشر جريدته المشار إليها، وفي سنة 1926 أنشأ مجلة راقية عنوانها «التمدن» بالاشتراك مع الخطيب الشهير حبيب أسطفان اللبناني ولكنها احتجبت بعد عام من ولادتها. ††
كانت جريدة «غدير الفرات» الصحيفة الرسمية لولاية حلب، وبعدما عاشت عامين خلفتها جريدة «الفرات» التي كانت تطبع في أوائل عهدها باللغات العربية والتركية والأرمنية، ثم اقتصرت على اللغتين الأوليين إلى آخر عهدها سنة 1911 واحتجبت، وهي من جملة الصحف التي كتب لها أن تحتفل بعيدها الخمسيني (1867-1918). ‡‡
انظر رسم هذا الصحافي الشهير وترجمته في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع]. §§
بعد إعلان الدستور العثماني 1908 أصدر نجيب كنيدر صحيفة صغيرة عنوانها «الحوادث الداخلية» لنشر الأنباء البرقية والأخبار المحلية، وبعد ظهور سبعة أعداد منها حولها إلى جريدة سماها «التقدم» مبتدئا بها منذ العدد الثامن وهو الأول لصدورها، ولم يلبث أن شارك إخوته في إنشاء جريدة جديدة بالعنوان نفسه وجعل أول أعدادها في 21 آيار 1909. |||
ظهرت هذه الجريدة في اللغة الفرنسية، غير أنها كانت تنشر بعض الإعلانات أحيانا باللغة العربية.
جرائد بلاد العلويين
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة اللاذقية (1)
اللاذقية
محمد سعيد حسن سعيد
4 آيار 1909 (2)
المنتخب
إدوار مرقص
27 آب 1910 (3)
أبو النواس
محمد صبحي عقدة
23 تموز 1911 (4)
عكاز أبو النواس
محمد صبحي عقدة
7 تشرين الثاني 1912 (5)
أبو النواس الجديد
محمد صبحي عقدة
26 حزيران 1913 (6)
أبو فراس
محمد صبحي عقدة ومحمود هارون
24 تموز 1913 (7)
العربية
محمد سعيد حسن سعيد
1913 (8)
ما صنع الحداد
عبد الحميد حداد
1 نيسان 1916 (9)
النهضة الجديدة
إدوار مرقص
22 شباط 1919 (10)
اللاذقية
عبد الحميد حداد وصبحي الطويل
17 نيسان 1921 (11)
الصدى العلوي
عابد جمال الدين
17 نيسان 1921 (12)
الزمر
خليل المجدلي
20 نيسان 1921 (13)
المنار ⋆
المطران أرسانيوس حداد *
22 كانون الأول 1921 (14)
النشرة الشهرية للأعمال الإدارية ⋆
رسمية
آذار 1922 (15)
النحلة
مصباح شريتح
آب 1922 (16)
الاعتدال ⋆
محمد جميل شومان
29 كانون الثاني 1924 (17)
جريدة دولة العلويين ⋆
رسمية
1926 (18)
صدى اللاذقية ⋆
عبد الحميد حداد
1927 (19)
الرغائب ⋆ †
حكمت شريف ومحمد نحلوس
7 تموز 1929
ثانيا: مدينة جبلة (1)
الأدهمية ⋆
فارس كنج
18 كانون الثاني 1928 *
ولد «المنار» في 17 أيلول 1898 بشكل جريدة لصاحب امتيازه الشماس أرسانيوس حداد في بيروت، ثم تحول بتاريخ 15 كانون الثاني 1903 إلى مجلة شهرية، وفي 22 كانون الأول 1921 نقله منشئه السيد أرسانيوس حداد إلى اللاذقية؛ لأنه كان متوليا كرسيها الأسقفي على الروم الأرثوذكس، والسيد المشار إليه هو أحد البطريركين اللذين ارتقيا في وقت واحد إلى السدة الأنطاكية للطائفة المشار إليها؛ أحدهما دعي باسم أرسانيوس الثاني وجعل مقره في مدينة اللاذقية، والآخر نودي به باسم ألكسندرس الثالث وأقام في مدينة دمشق، ولما توفي البطريرك أرسانيوس في 7 كانون الثاني 1933 توحدت الرئاسة في السيد ألكسندروس على أثر اعتراف أحبار الملة الأرثوذكسية بغبطته بطريركا شرعيا للكرسي الأنطاكي. †
تعد «الرغائب» ثانية الجرائد التي ظهرت في طرابلس الفيحاء، أصدرها منشئها حكمت شريف بتاريخ 26 تشرين الثاني 1907 وما احتجبت عن قرائها إلا بعيد نشوب الحرب العظمى، وبتاريخ 7 تموز 1929 نقلت إدارتها إلى اللاذقية حيث صدرت باسم صاحب امتيازها المشار إليه وشريكه محمد صائب نحلوس، وقد اتخذا لأعدادها سلسلة جديدة وتاريخا جديدا وأهملا سلسلة أعداد الجريدة الأولى وتاريخها.
جرائد إمارة شرق الأردن
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة عمان (1)
الشرق العربي ⋆
رسمية
28 آيار 1923 (2)
جزيرة العرب
حسام الدين الخطيب
23 حزيران 1927 (3)
الشريعة
كمال عباس ومحمود الكرمي
25 حزيران 1927 (4)
صدى العرب
صالح العمادي وعلي منصور
13 تشرين الأول 1927
جرائد فلسطين
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: القدس الشريف (1)
القدس الشريف
رسمية
1 أيلول 1913 (2) ⊙
النفير العثماني ⋆
إبراهيم زكا *
1904 (3)
صهيون (خطية)
مدرسة صهيون الإنكليزية
27 آذار 1906 (4)
القدس
جرجي حبيب حنانيا
18 أيلول 1908 (5)
الأحلام (خطية)
أيلول 1908 (6)
الديك الصياح (خطية)
تشرين الثاني 1908 (7)
بشير فلسطين †
أطناسيوس تيوفيلو باندازي
5 كانون الأول 1908 (8)
منبه الأموات (خطية)
1908 (9)
البلبل (هزلية)
1908 (10)
الطائر (خطية)
1908 (11)
الإنصاف
بندلي إلياس مشحور
23 كانون الأول 1908 (12)
النجاح
أحمد الريماوي
24 كانون الأول 1908 (13)
الدستور (خطية)
المدرسة الدستورية
6 كانون الأول 1910 (14)
المنادي
سعيد جار الله
8 شباط 1912 (15)
الدستور
جميل الخالدي
26 تشرين الثاني 1913 (16)
القدس الشريف
رسمية
18 كانون الأول 1913 (17)
الاعتدال
بكري السمهوري
18 آذار 1914 (18)
سورية الجنوبية
محمد حسن البربري
8 أيلول 1919 (19)
مرآة الشرق
بولس شحادة
17 أيلول (20)
بيت المقدس
بندلي إلياس مشحور
26 كانون الأول 1919 (21)
القدس الشريف
حسن صدقي الدجاني ‡
13 نيسان 1920 (22)
بريد اليوم
أ. سفير
11 آيار 1920 (23)
الأقصى
صالح عبد اللطيف الحسيني
6 أيلول 1920 (24)
يوم الرب
القسيس أسبر ضومط
28 تشرين الثاني 1920 (25)
جريدة حكومة فلسطين الرسمية ⋆
رسمية
1 كانون الثاني 1921 (26)
رقيب صهيون ⋆
بطريركية اللاقين
15 كانون الثاني 1921 (27)
الصباح
محمد البديري ويوسف ياسين
1921 (28)
لسان العرب
إبراهيم سليم نجار
24 حزيران 1921 (29)
أورشليم جديدة ⋆
و . و. كاتلنج
1 تشرين الثاني 1922 (30)
الزنبقة ⋆
كشافة القديس جرجس
18 آيار 1924 (31)
اتحاد العمال ⋆
لسان حال العمال في فلسطين
نيسان 1925 (32)
الإعلان
ميشال سليم نجار
23 أيلول 1926 (33)
الجامعة العربية ⋆
منيف الحسيني
20 كانون الثاني 1927 (34)
الصغير ⋆
جمعية الكردينال فراري
22 آيار 1927 (35)
إلى الأمام ⋆
الحزب الشيوعي الفلسطيني
آذار 1928 (36)
المعاد ⋆
ميشال سليم نجار
18 آيار 1928
ثانيا: مدينة يافا (1)
الأخبار
بندلي غرابي
29 حزيران 1909 (2)
الاعتدال اليافي
بكري السمهوري
1 آيار 1910 (3)
الحرية
توفيق السمهوري
20 حزيران 1910 (4) ⊙
فلسطين ⋆
عيسى داود العيسى ويوسف العيسى
14 كانون الثاني 1911 (5)
الأخبار الأسبوعية
حنا فضول صباغة
28 كانون الثاني 1911 (6)
أبو شادوف
وهبة تماري
13 آذار 1912 (7)
صوت العثمانية
الدكتور شمعون مويال
16 كانون الثاني 1914 (8)
السلام
نسيم ملول
31 آيار 1920 (9)
الجزيرة
حسن فهمي ومحمد كامل الدجاني
31 كانون الثاني 1924 (10)
الصراط المستقيم ⋆
القلقيلي
2 أيلول 1925 (11)
صوت الحق ⋆
فهمي الحسيني
6 تشرين الأول 1927
ثالثا: مدينة حيفا (1) ⊙
الكرمل ⋆
نجيب نصار
1908 (2)
جراب الكردي
متري حلاج
1908 (3)
الحمارة القاهرة
خليل زقوت ونجيب جانا
4 أيلول 1911 (4)
العصا لمن عصى
نجيب جانا
22 شباط 1912 (5)
الصاعقة
جميل رمضان
1912 (6)
الأردن
باسيلا الجدع وخليل نصر
8 تشرين الأول 1923 (7)
اليرموك
كمال عباس
31 آب 1924 (8)
حيفا
إيليا زكا
31 تشرين الأول 1924 (9)
الإقدام
سليم الحلو
1 آب 1926 (10)
الزهور ⋆
جميل البحري
12 كانون الثاني 1927 (11)
النهضة ⋆
جاد سويدان وقيصر أبيض
11 آيار 1929
رابعا: مدينة بيت لحم (1)
صوت الشعب
يوسف أبي العراج وعيسى بندك
11 آيار 1922
خامسا: مدينة طول كرم (1)
الاتحاد العربي
سليم عبد الرحمن الحاج إبراهيم
نيسان 1925 *
تأسست هذه الصحيفة في الإسكندرية سنة 1904 ثم انتقلت إلى القدس سنة 1908 بعد إعلان الدستور العثماني، وتحول امتيازها حينئذ إلى إيليا زكا شقيق إبراهيم زكا مؤسسها فأطلق عليها عنوان «النفير»، وفي شهر نيسان 1913 نقلت إدارتها ومطبعتها إلى حيفا، ولما كانت هذه الجريدة قد اشتهرت في فلسطين وعاشت فيها أكثر منها في الإسكندرية رأينا أن ندرجها بين الجرائد الفلسطينية. †
كانت هذه الجريدة تنشر باللغتين العربية واليونانية ولم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد لا غير. ‡
تحت عنوان «القدس الشريف» ذكرنا ثلاث جرائد في مدينة أورشليم: الأولى رسمية ظهرت عام 1903 واحتجبت بعد خمسة أعوام لنشرها، والثانية رسمية أيضا نشرتها متصرفية القدس عام 1913 وأعدادها غير مرتبطة بأعداد الجريدة الأولى؛ ولهذا اتخذت سلسلة أعداد جديدة مستقلة عن أعداد شقيقتها السابقة، والثالثة سياسية أنشأها حسن صدقي الدجاني سنة 1920.
جرائد بلاد ما بين النهرين
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة ديار بكر (1)
كوكب الشرق *
نعوم فائق
29 تموز 1910 (2)
البوق †
بشار حلمي
19 كانون الاول 1913 *
كانت تنشر هذه الجريدة في اللغات الثلاث: السريانية والعربية والتركية، وكان منشئها يكتبها بخط يده ثم يطبعها كلها بحروف سريانية على مطبعة حجرية، ولما ارتحل نعوم فائق سنة 1912 إلى مدينة نيويورك من الولايات المتحدة الأميركية شاهد هناك جالية سريانية كثيرة العدد توافرت فيها الثقافة العصرية، فأحب أن يخدمها بقلمه عن طريق الصحافة وأصدر هناك في 8 نيسان 1916 جريدة «بيت نهرين» باللغات الثلاث المذكورة أعلاه، وكان يطبعها على المطبعة الحجرية أيضا لعدم وجود حروف سريانية في تلك الأصقاع البعيدة، وقد واصل نشرها حتى وافته المنية عام 1930 فأقام له أصدقاؤه وعارفو فضله حفلة تذكارية عددوا فيها مناقبه الشخصية وآثاره العلمية، وقد أرسل مؤلف «تاريخ الصحافة العربية» تأبينا صارت تلاوته في الحفلة المشار إليها. †
كانت هذه الصحيفة كالتي قبلها تطبع على الحجر: فكان نصفها يطبع باللسان التركي ذي الحروف العربية، وكان نصفها الآخر يطبع بحروف سريانية تقرأ سريانيا أو عربيا أو تركيا بحسب النص الأصلي.
جرائد مملكة العراق
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: بغداد العاصمة (1)
الزوراء
رسمية
15 حزيران 1869 (2)
بغداد
6 آب 1908 (3)
الرقيب
عبد اللطيف ثنيان
28 كانون الثاني 1909 (4)
الإرشاد
حسين فريد
12 شباط 1909 (5)
الانقلاب
ح. ثريا - م. رءوف
21 آذار 1909 (6)
تعاون
رشيد
25 نيسان 1909 (7)
روضة
عبد الحسين الأزري
22 حزيران 1909 (8)
الحقيقة
طلعت
25 حزيران 1909 (9)
صائب
م. عارف
3 آب 1909 (10)
صدى بابل
داود صليوا ويوسف غنيمة
13 آب 1909 (11)
الزهور
ن. يوسف
4 تشرين الثاني 1909 (12)
بين النهرين
محمد كامل
6 كانون الأول 1909 (13)
الرياض
سليمان الدخيل
7 كانون الثاني 1910 (14)
بيلديرم
محمد صادق الأعرجي
9 كانون الثاني 1910 (15)
الظرايف
أبو الصفا طلعت
17 كانون الثاني 1910 (16)
أخوت
عبد الحسين الأزري
3 نيسان 1910 (17)
الرصافة
محمد صادق الأعرجي
17 حزيران 1910 (18)
مصباح الشرق
الحاج محمد نقي اليزدي
1 آب 1910 (19)
صائب
إبراهيم فهيم
11 آب 1910 (20)
سبيل الرشاد
محمد بهجت
28 أيلول 1910 (21)
وجدان
أبو الصفا طلعت
12 كانون الأول 1910 (22)
خان جفان
أبو الصفا طلعت
5 آذار 1911 (23)
بالك
شكري
13 آذار 1911 (24)
الحقوق
معروف
18 كانون الثاني 1911 (25)
المضحكات
محمد سعيد لطفي
23 كانون الثاني 1911 (26)
القسطاس
عبد الجبار الأعظمي
5 شباط 1911 (27)
تفكر
سلمان عنبر
21 شباط 1911 (28)
المصباح
عبد الحسين الأزري
7 آذار 1911 (29)
خان الذهب
محمد سعيد لطفي
22 آذار 1911 (30)
سيف الحق
عثمان نوري أورفلي
30 آذار 1911 (31)
البلبل
محمد سعيد لطفي
16 نيسان 1911 (32)
أفكار عمومية
حسين عوني ونزهت كامل
18 نيسان 1911 (33)
بكي مودة
عبد الرحيم صائب
4 آيار 1911 (34)
كرمة ونرمة
لطفي فكرت وأحمد هادي
16 آيار 1911 (35)
الأسرار
عبد الرحيم صائب
23 آيار 1911 (36)
الصاعقة
عبد الكريم الشيخي
8 حزيران 1911 (37)
دونبلا
لطفي فكرت
15 آب 1911 (38)
النوادر
محمود الوهيب
6 أيلول 1911 (39)
المصباح الأغر
عبد الحسين الأزري
14 تشرين الثاني 1911 (40)
مكتب
يونس وهبي
6 آذار 1912 (41)
معارف
إبراهيم فهيم
1 آب 1912 (42)
الرياحين
إبراهيم منيب الباجه جي
28 آذار 1913 (43)
شمس المعارف
إبراهيم صالح شكر
25 نيسان 1913 (44)
النهضة
إبراهيم حلمي
3 تشرين الأول 1913 (45)
غنجة اتحاد
صلاح الدين كركوكلي
3 كانون الأول 1913 (46)
صدى الإسلام
عطا الله آل الخطيب
23 تموز 1915 (47) ⊙
العرب
4 تموز 1917 (48) ⊙
صدى الحقيقة
تشرين الأول 1917 (49) ⊙
دار السلام
23 حزيران 1918 (50) ⊙
الملحق المصور لجريدة العرب
1918 (51) ⊙
الملحق التصويري للأوقات البغدادية
رسمية
1918 (52)
العراق ⋆
رزوق داود غنام
1 حزيران 1920 (53)
الشرق
حسين أفنان
30 آب 1920 (54)
الاستقلال
عبد الغفور البدري
28 أيلول 1920 (55)
الفلاح
عبد اللطيف الفلاحي
20 حزيران 1921 (56)
دجلة
داود السعدي والرشيد الهاشمي
25 حزيران 1921 (57)
لسان العرب
إبراهيم حلمي العمر
1921 (58)
الرافدان
سامي خوندة
26 أيلول 1921 (59)
المفيد
إبراهيم حلمي العمر
11 نيسان 1922 (60)
التوحيد
مجيد طلعت آل الواعظ
24 حزيران 1922 (61)
جريدة الحكومة العراقية ⋆
رسمية
أيلول 1922 (62)
العاصمة
حسن وشاكر الغصيبة
5 تشرين الثاني 1922 (63)
الناشئة الجديدة
إبراهيم صالح شكر
27 كانون الأول 1922 (64)
بابل
حسن سامي
10 تموز 1923 (65)
البدائع
داود العجيل
30 أيلول 1923 (66)
الأمل
معروف الرصافي
1 تشرين الأول 1923 (67)
العراق المسائي
رزوق غنام
5 تشرين الأول 1923 (68)
المراقب
عثمان الزهير
16 تشرين الأول 1923 (69)
جحا الرومي
رشيد الصوفي
19 تشرين الأول 1923 (70)
الغربال
مكي جميل
17 تشرين الثاني 1923 (71)
الوقائع العراقية ⋆
مديرية المطبوعات
1923 (72)
الحقائق
عباس حسين آل الجلبي
22 شباط 1924 (73)
الظرائف
صالح السيد عبد
28 شباط 1924 (74)
شط العرب
خلف شوقي الداودي
2 آذار 1924 (75)
العالم العربي ⋆
حسون ومداد
27 آذار 1924 (76)
المصباح
سلمان شينة
10 نيسان 1924 (77)
الشعب
محمد عبد الحسين
10 نيسان 1924 (78)
الربيع
رفائيل بطي
2 آيار 1924 (79)
الحضارة
منير اللبابيدي
1 حزيران 1924 (80)
الضاد
محمد صالح سليم
29 تموز 1924 (81)
الأدب
محمد الباقر الحلي
7 أيلول 1924 (82)
الهزل
علاء الدين عوني
24 تشرين الأول 1924 (83)
مرآة العراق
محمد ناجي صالح
17 تشرين الثاني 1924 (84)
الصحيفة
حسين الرحال
28 كانون الأول 1924 (85)
العالم المصور
كاظم الشماع
10 كانون الثاني 1925 (86)
السياسة
يوسف غنيمة
3 آذار 1925 (87)
كناس الشوارع
ميخائيل تبسي
1 نيسان 1925 (88)
بالك
عبد الحميد فخري
28 آب 1925 (89)
الفضيلة
عبد الرزاق الحسني
1 أيلول 1925 (90)
الأدب والبدائع
داود العجيل
12 كانون الأول 1925 (91)
نداء الشعب
إبراهيم بك كمال
20 كانون الثاني 1926 (92)
المداعب
حسين يحيى
30 كانون الثاني 1926 (93)
الإرشاد
عبد الجليل آل جميل
5 تشرين الثاني 1926 (94)
جريدة حاسين
1926 (95)
سينما الحياة
ميخائيل تبسي
17 كانون الأول 1926 (96)
الأخلاق
عبد الرحمن البناء
24 كانون الأول 1926 (97)
الكرخ ⋆
الملا عبود الكرخي
10 كانون الثاني 1927 (98)
الزمان
إبراهيم صالح شكر
11 تموز 1927 (99)
النهضة العراقية
المحامي أمير الخراز
10 آب 1927 (100)
النظام
توفيق النسكيكي
22 آب 1927 (101)
الصراحة
هاشم الرفاعي
16 شباط 1928 (102)
صدى الكرخ
الملا عبود الكرخي
17 نيسان 1928 (103)
اللواء
محمد سعيد العزاوي
20 آيار 1928 (104)
البرهان
سلمان كوهين
1928 (105)
التقدم
سلمان الشيخ داود
16 تشرين الثاني 1928 (106)
الحاصد ⋆
أنور شاؤل
14 شباط 1929 (107)
الثمرات ⋆
عبد الرضا الجبيلي
10 آذار 1929 (108)
الناظرة ⋆
فائق الكيلاني ومحمد علي عبد الله
12 نيسان 1929 (109)
الوطن ⋆
عبد العزيز ماجد
2 آيار 1929 (110)
الدليل ⋆
س. إسحاق
12 آيار 1929 (111)
الناقد ⋆
سلمان الشيخ داود
13 حزيران 1929 (112)
النور ⋆
عبد الرحمن البناء
23 حزيران 1929 (113)
المزمار
أحمد عزت
16 تموز 1929 (114)
الشباب ⋆
سعيد السامرائي
16 آب 1929 (115)
المعارف
أحمد عزت
22 آب 1929 (116)
صوت العراق ⋆
المحامي علي محمود
8 أيلول 1929 (117)
نداء الشعب
عبد الغفور البدري
8 أيلول 1929 (118)
البرهان ⋆
شاؤل حداد
17 تشرين الأول 1929 (119)
البلاد ⋆
المحامي رفائيل بطي
25 تشرين الأول 1929 (120)
اليقظة ⋆
سلمان الصفواني
تشرين الثاني 1929 (121)
الحارس ⋆
عبد الغفور البدري
1 كانون الأول 1929 (122)
صدى المزمار ⋆
أحمد عزت
3 كانون الأول 1929 (123)
المستقبل ⋆
إبراهيم صالح شكر
29 كانون الأول 1929
ثانيا: مدينة البصرة (1)
البصرة
رسمية
كانون الثاني 1895 (2)
الإيقاظ
سليمان فيضي الموصلي
2 آيار 1909 (3)
التهذيب
أمين عالي
1 حزيران 1909 (4)
إظهار الحق
قاسم جلميران
1 حزيران 1909 (5)
مرقعة الهندي
أحمد حمدي
21 تشرين الثاني 1909 (6)
الفيض
داود نيازي
6 آيار 1910 (7)
البصرة الفيحاء
أحمد حمدي ومحمد حمدي
10 آب 1910 (8)
الرشاد
يوسف السامرائي
29 آب 1910 (9)
آتي
عمر فوزي
23 تشرين الأول 1910 (10)
التاج
محمد نجيب
22 تموز 1911 (11)
المنير
أحمد جودت كاظم
12 تشرين الأول 1911 (12)
الدستور
عبد الله الزهير
22 كانون الثاني 1912 (13)
صدى الدستور
عبد الوهاب طباطبائي
25 أيلول 1913 (14) ⊙
الأوقات البصرية
رسمية
1915 (15)
مرآة العراق
8 شباط 1919 (16)
الأوقات العراقية ⋆
رسمية
1921
ثالثا: مدينة الموصل (1) ⊙
الموصل
رسمية (عربية وتركية)
1885 (2)
نينوى
فتح الله سرسم
15 تموز 1909 (3)
النجاح
محمد توفيق
12 تشرين الثاني 1910 (4)
جكه باز
عبد المجيد خيالي
27 حزيران 1911 (5)
دعوة الحق
محمد رشيد الصفار
7 نيسان 1915 (6)
الموصل ⋆
رسمية (عربية)
14 تشرين الثاني 1918 (7)
الجزيرة ⋆
محمد مكي صدقي
24 آذار 1922 (8)
العهد ⋆
لسان حزب الاستقلال العراقي
1924 (9)
صدى الجمهور ⋆
عيسى محفوظ
21 شباط 1927
رابعا: مدينة الكاظمية (1)
اليقظة
سلمان آل إبراهيم الصفواني
5 أيلول 1924 (2)
المنبر العام ⋆
سلمان آل إبراهيم الصفواني
20 كانون 1925 (3)
المعارف ⋆
عبد المالك حافظ
3 أيلول 1926
خامسا: مدينة كركوك (1)
نجمة كركوك ⋆
حكومة الاحتلال البريطاني
15 كانون الأول 1918
سادسا: مدينة النجف (1)
الفرات
زعماء الثورة العراقية
4 ذي الحجة 1338ه/1920م (2)
النجف ⋆
يوسف رجيب
17 نيسان 1925
سابعا: مدينة كربلا (1)
الاتفاق
حاجي ميرزا علي آقا شيرازي
7 آذار 1916
ثامنا: مدينة العمارة (1)
التهذيب ⋆
أنور مجيد تحافي
11 آذار 1926
تاسعا: مدينة الحلة (1)
الفيحاء
عبد الرزاق الحسني ⋆
27 كانون الثاني 1927
عاشرا: مدينة العشار (1)
الإخاء
سيد عبد الرحمن
15 آب 1926 *
السيد عبد الرزاق الحسني شاب ذكي الفؤاد ولوع بالأبحاث التاريخية، اشتهر بالجلد والثبات وصفاء السريرة، ولد في بغداد سنة 1903 وكلف منذ حداثته بمهنة الصحافة فاحترفها وأنشأ صحيفتين: أولاهما «الفضيلة» بتاريخ 1 أيلول 1925 في مسقط رأسه عاشت ثلاثة أعوام، والثانية «الفيحاء» بتاريخ 27 كانون الثاني 1927 احتجبت قبل مرور سنة واحدة على ولادتها؛ لأن الحكومة صادرت مطبعتها وسحبت امتيازها، ولهذا الأديب الكبير مؤلفات شتى أهمها: «عبدة الشيطان في العراق» و«الصابئة قديما وحديثا» و«البابيون في التاريخ» و«تاريخ البلدان العراقية» و«الأغاني الشعبية» و«رحلة في العراق» و«تحت ظل المشانق» و«الخوارج في الإسلام» و«تاريخ الوزارات العراقية» و«المعلومات المدنية» وغير ذلك من الآثار الكتابية الخالدة.
جرائد مملكة الحجاز
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مكة المكرمة (1)
حجاز
رسمية *
1908 (2)
شمس الحقيقة
محمد توفيق وعبد الله قاسم
16 شباط 1909 (3)
صفا الحجاز †
أحمد رأفت الإسكندراني
1909 (4) ⊙
القبلة
رسمية
14 آب 1916 (5)
الفلاح
عمر شاكر
26 أيلول 1920 (6)
أم القرى ⋆
رسمية
1925 (7)
الإصلاح ⋆
محمد حامد الفقي
1 آب 1928
ثانيا: المدينة المنورة (1)
الرقيب ‡
إبراهيم خطاب وأبو بكر الداغستاني
كانون الثاني 1909 (2)
المدينة المنورة
محمد مأمون الأرزنجاني
16 تشرين الثاني 1909 (3)
الحجاز
7 تشرين الأول 1916
ثالثا: مدينة جدة (1)
الإصلاح الحجازي
أديب داود هراري
17 آيار 1909 (2)
بريد الحجاز
محمد صالح نصيف
13 تشرين الثاني 1924 *
يلاحظ القراء أننا سردنا أسماء ثلاث صحف (رسمية) في فهرس جرائد مكة المكرمة، فالأولى وعنوانها «حجاز» كانت لسان حال الدولة العثمانية، والثانية «القبلة» أسسها الملك حسين بن علي رأس العترة الهاشمية، والثالثة «أم القرى» ظهرت بظهور دولة ابن السعود في المملكة الحجازية. †
جريدة خطية صغيرة الحجم كانت تطبع على الجلاتين. ‡
كانت هذه الجريدة خطية تطبع أيضا على الجلاتين، وهي أول صحيفة ظهرت في المدينة المنورة لعدم وجود مطابع في ذاك العهد.
جرائد إمارة اليمن
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: صنعاء العاصمة (1)
صنعاء
رسمية
1879 (2)
الإيمان ⋆
قائد بن محمد سريع
تشرين الثاني 1926
جرائد المكلا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها (1)
النهضة الحضرمية ⋆
الطيب المسلمي
تشرين الثاني 1927
جرائد بلاد فارس
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة طهران (1)
لواء بين النهرين
1923
جرائد الهند الإنكليزية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «كلكتا» عاصمة الهند الإنكليزية سابقا (1)
مفرح القلوب
1881 (2)
نخبة الأخبار
1892 (3)
الهلال
أحمد أبو الكلام الدهلوي
1 أيلول 1912 (4)
الهلال ⋆
مسعود حسن زبيري
حزيران 1927
ثانيا: مدينة «دلهي» عاصمة الهند الإنكليزية حالا (1)
نصرة الأخبار
نصرة علي خان
1880
ثالثا: مدينة بمباي (1)
صوت الحق
محمد معراج وعبد الله شريف
12 تموز 1925
رابعا: مدينة لكناو (1)
الرياض
محمد عبد العلي المدراسي
1900
خامسا: مدينة سنغافورا (1)
الإصلاح
كرامة بلدرم
1 تشرين الثاني 1908 (2)
الوطن
محمد بن عبد الرحمن
28 شباط 1910 (3)
الحسام
21 نيسان 1910
سادسا: مدينة بنجاب (1)
النفع العظيم
الدكتور ليتنز
1880
جرائد الهند الهولندية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «بتافيا» عاصمة الهند الهولندية (1)
بوروبودور
محمد هاشمي
9 تشرين الثاني 1920 (2)
المعارف ⋆
أبو الفضل الأنصاري
12 آيار 1927
ثانيا: مدينة سربايا (جاوا) (1)
الإقبال
محمد بن سالم
22 تموز 1917 (2)
الإرشاد
حسن أبو علي النقة
11 حزيران 1920 (3)
حضرموت ⋆
محمد بن هاشم
6 كانون الثاني 1923 (4)
القسطاس
عمر بن علي مكارم
3 شباط 1923 (5)
الإحقاق
عمر هبيص
تشرين الثاني 1925 (6)
الدهناء ⋆
الجمعية التهذيبية
1 كانون الثاني 1928
ثالثا: مدينة ويلتفريدن (جاوا) (1)
برهوت ⋆
محمد بن عقيل
1929
رابعا: مدينة بيتن زورخ (جاوا) (1)
الوفاق
محمد سعيد الفتة
1 تشرين الثاني 1923
خامسا: مدينة فلمبغ (سومترا) (1)
البشير
محمد بن هاشم بن طاهر
1 كانون الأول 1914
الباب الثاني
فهارس جميع المجلات العربية في آسيا
يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في آسيا على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مدينة وبلد من الأصقاع الآسيوية. ***
مجلات الجمهورية اللبنانية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: بيروت العاصمة (1)
أعمال الجمعية السورية *
الجمعية السورية
6 كانون الثاني 1852 (2)
الشركة الشهرية
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1866 (3) ⊙
أعمال شركة مار منصور دي بول ⋆
شركة مار منصور
1 حزيران 1867 (4)
مجموعة العلوم
الجمعية العلمية السورية
15 كانون الثاني 1868 (5)
المجمع الفاتيكاني
الآباء اليسوعيون
1 كانون الثاني 1870 (6)
الجنان
بطرس البستاني
1 كانون الثاني 1870 (7)
الزهرة
يوسف الشلفون
1 كانون الثاني 1870 (8)
المهماز
خليل عطية
25 شباط 1870 (9)
النحلة
القس لويس صابونجي
11 آيار 1870 (10)
النجاح
لويس صابونجي ويوسف شلفون
9 كانون الثاني 1871 (11) ⊙
المقتطف ⋆
يعقوب صروف وفارس نمر †
1 آيار 1876 (12)
الطبيب
الدكتور جورج بوست
1 كانون الثاني 1878 (13)
المشكاة
خليل سركيس
1 نيسان 1878 (14)
سلسلة الفكاهات
نخلة قلفاط
1 تشرين الثاني 1884 (15)
ديوان الفاكهة
سليم شحادة وسليم طراد
1 كانون الثاني 1885 (16) ⊙
الصفاء ⋆
علي ناصر الدين
1 كانون الثاني 1886 (17)
الكنيسة الكاثوليكية
خليل البدوي
1 كانون الثاني 1888 (18)
الجامعة
أمين الخوري
1894 (19) ⊙
المشرق ⋆
الأب لويس شيخو ‡
1 كانون الثاني 1898 (20)
غادة الفكر (مدرسية)
فؤاد سالم وسامي صهيون
1898 (21)
المحبة §
فضل الله فارس أبي حلقة
13 كانون الثاني 1899 (22)
زهرة الكلية (مدرسية)
أسعد مدري
10 كانون الأول 1899 (23)
حديقة المعارف (مدرسية)
بشير قصار ونجيب نصار
1899 (24)
الحديقة (مدرسية)
نجيب نصار وبشير قصار
1900 (25)
الحظ (مدرسية)
إسحاق عطية وأمين تقي الدين
14 تشرين الثاني 1901 (26)
العفة (مدرسية)
وديع حداد وإلياس حداد
18 كانون الأول 1901 (27)
حسناء الكلية (خطية)
إلياس عبيد وشركاؤه
5 كانون الثاني 1903 (28) ⊙
المنار ⋆
المطران أرسانيوس حداد
15 كانون الثاني 1903 (29)
الزهرة (مدرسية)
سليم العازار
1903 (30)
الغادة (مدرسية)
إيليا بارودي
27 كانون الأول 1903 (31)
الدائرة (مدرسية)
مصطفى السعادة وضياء البغدادي
كانون الثاني 1904 (32)
أرزة التاجر (مدرسية)
عضامي وراسي وشركاؤهما
1904 (33)
المنارة (مدرسية)
جرجي سابا
18 كانون الأول 1905 (34)
سورية (مدرسية)
أمين بطرس هلال
8 كانون الثاني 1906 (35)
المنصف (مدرسية)
حنا خليل فرح
27 كانون الثاني 1908 (36)
النهضة الإصلاحية
توفيق قربان وشركاؤه
كانون الثاني 1908 (37)
المنتقد
محمد الباقر
15 أيلول 1908 (38)
روضة المعارف
محمد علي القباني
1908 (39)
الحرب العثمانية الروسية
أسطفان بغوصيان
1 كانون الثاني 1909 (40)
النبراس
الشيخ مصطفى الغلاييني
22 كانون الثاني 1909 (41)
الراوي
طانيوس عبده
1909 (42)
الحسناء
جرجي نقولا باز
20 حزيران 1909 (43)
الكوثر
بشير رمضان
18 تموز 1909 (44) ⊙
المورد الصافي ⋆
جرجس وأنيس المقدسي
1 تشرين الثاني 1909 (45)
الجسمانية
الأب يوسف علوان اللعازري
1 كانون الثاني 1910 (46)
اللطائف الأهلية
محمد جمال
1 كانون الثاني 1910 (47) ⊙
الكلية ⋆
الجامعة الأميركية
1 شباط 1910 (48)
النفائس
أنيس عيد الخوري وكامل حمية
1 آذار 1910 (49)
التلميذ
المدرسة العثمانية ||
31 آذار 1910 (50)
المجلة الشرقية ¶
بوبز وبرصا ورعد
2 آيار 1910 (51)
المجلة السورية
فيليب يوسف تيان
24 تموز 1910 (52)
مجلة الاقتصاد
أنيبال أبيلا
15 تشرين الأول 1910 (53)
الأنيس
سليم إبراهيم صادر
1 تشرين الثاني 1910 (54)
الرابطة
متخرجو الكلية العلمانية
1 كانون الثاني 1911 (55)
ثمرة الأدب (مدرسية)
المدرسة البطريركية الكاثوليكية
1 شباط 1911 (56)
العروة الوثقى (مدرسية)
سامح وفؤاد الخالدي
1911 (57)
الروايات العصرية
سليم الياهو من
1911 (58)
المسامرات السورية
محمد مختار نجا وأحمد حرب
10 أيلول 1911 (59)
البصائر
جميل العظم
1912 (60)
صور الحرب في طرابلس الغرب
محمد طاهر التنير
1 حزيران 1912 (61) ⊙
صديق العائلة ⋆
الآباء الكبوشيون
1 كانون الثاني 1913 (62)
الرشيد
الشيخ صالح اليافي
9 آيار 1913 (63)
مسامرات الشعب
أسطفان بغوصيان
31 آيار 1913 (64)
الرسالة
المطران بطرس شبلي **
1 تموز 1913 (65)
الخليل
رزق الله سركيس وخليل كسيب
1913 (66)
مجلة العلوم الاجتماعية
توفيق الناطور
أيلول 1913 (67)
الاتحاد المصري (خطية)
صفر توفيق
تشرين الثاني 1913 (68)
المحاسن
لويس دربان
تشرين الثاني 1913 (69)
السلوى
إدارة المطبعة الأدبية
1 كانون الثاني 1914 (70)
مجلة كمال
كمال عباس
1 كانون الثاني 1914 (71)
فتاة لبنان
سليمة أبي راشد
1 كانون الثاني 1914 (72)
الثمرة (مدرسية)
نقولا بشارة وشركاؤه
5 شباط 1914 (73)
الفتاة
محمد الباقر
آذار 1918 (74) ⊙
النشرة الشهرية عن الأعمال الإدارية ⋆
رسمية
10 تشرين الأول 1918 (75)
رسالة السلام ⋆
الخوري أنطون عقل
1 كانون الثاني 1919 (76)
الفجر ††
الأميرة نجلا أبي اللمع
1919 (77)
رسالة قلب يسوع ⋆
الأب بشير أجيا اليسوعي
1 كانون الثاني 1920 (78)
النشرة الشهرية للأعمال الإدارية ⋆
القوميسرية العليا الفرنسية
1 تموز 1920 (79)
المجلة القضائية ⋆
يوسف إبراهيم صادر
1 نيسان 1921 (80)
المرأة الجديدة
جوليا طعمة دمشقية
1 نيسان 1921 (81)
الفوائد ‡‡
خليل البدوي
1 نيسان 1921 (82)
الوقائع الماسونية
يوسف الحاج
1 آيار 1921 (83)
صوت الحق
الأرشمندريت برنردس غصن
15 كانون الثاني 1923 (84)
القاموس العام
حنا أبي راشد
15 كانون الثاني 1923 (85)
التلميذ
الجمعية العلمية بالكلية الإسلامية
آذار 1923 (86)
مورد الأحداث ⋆
أمينة الخوري المقدسي
نيسان 1923 (87)
مينرفا ⋆
ماري يني
15 نيسان 1923 (88)
الجامعة المصورة
عمر أبو النصر
19 نيسان 1923 (89)
الحارس ⋆
أمين الغريب
15 آيار 1923 (90)
المجلة الطبية العلمية ⋆
الدكتور فؤاد غصن
1 آب 1923 (91)
فكاهات الجنس اللطيف
أنيس عيد الخوري
1 كانون الثاني 1924 (92)
مجلة التعليم ⋆ §§
إدارة المعارف بالمفوضية العليا
كانون الثاني 1924 (93)
نشرة البوليس الشهرية ⋆
الحكومة اللبنانية
1 حزيران 1924 (94)
المجلة الشاملة
فرج الله معوض
28 آب 1924 (95)
سمير الصغار
جوليا طعمة دمشقية
1 كانون الثاني 1925 (96)
الروايات العصرية
يوسف طوا
1 شباط 1925 (97)
نجم الشبيبة ⋆
ورام ساموئليان |||
1 آذار 1925 (98)
مجلة العالم
أنيس جابر وسليم الترك
1 حزيران 1925 (99)
الآثار الشرقية ⋆
البطريركية السريانية ¶¶
15 كانون الثاني 1926 (100)
اللطائف العصرية ⋆
عبد الرحمن العكاوي
15 آب 1926 (101)
نشرة دائرة المهاجرة اللبنانية
دائرة الأمور الاقتصادية
30 تشرين الثاني 1926 (102)
الكشاف ⋆
مقر الكشاف العام
كانون الثاني 1927 (103)
نشرة مطرانية بيروت وجبيل
المطران باسيليوس قطان
1 آذار 1927 (104)
مجلة الصحة
الدكتور أنطون شلفون
1 نيسان 1927 (105)
المناغش المجنون
نجيب غطاس وحبيب عوض
آب 1927 (106)
ألف ليلة وليلة ⋆
كرم ملحم كرم
1 كانون الثاني 1928 (107)
السيارة
جوزف قسطنطين خوري
1 شباط 1928 (108)
البادية ⋆
نسيب داود أبو شقرا
تموز 1928 (109)
الحكمة ⋆
الدكتور عبد الغني شهبندر
1 كانون الثاني 1929 (110)
المجلة الوطنية ⋆
أميل يوسف ثابت
1 شباط 1929 (111)
الأوكازيون
شكري معيقل
5 شباط 1929 (112)
المستشار ⋆
دعيبس المر
1 آيار 1929 (113)
اليقظة ⋆
نقابة عمال المطابع
1 حزيران 1929 (114)
الزنبقة ⋆
إلياس حاطوم
1 تشرين الأول 1929 (115)
العفريت الفكاهي السيار ⋆
عزيز عوض المصري
1929
ثانيا: طرابلس الفيحاء (1) ⊙
المباحث ⋆
جرجي وصموئيل يني
16 تشرين الثاني 1908 (2)
جامعة الفنون
أحمد كمال حداد
15 تشرين الأول 1909 (3)
البيان
مصطفى البارودي وجميل عدرة
22 كانون الأول 1911 (4)
العصر الذهبي
حنا الشماس
15 آب 1926 (5)
التمدن الإسلامي
عبد الحليم مراد وعبد الله الشامي
1927
ثالثا: مدينة صيدا (1) ⊙
العرفان ⋆
أحمد عارف الزين
5 شباط 1909
رابعا: الشويفات (1)
مدرسة التهذيب
عمسيح وزيريان
1 كانون الثاني 1913 (2) ⊙
المعارف ⋆
وديع نقولا حنا ***
1 شباط 1918 (3)
الخدر
عفيفة فندي صعب
1 تموز 1919
خامسا: عبيه (1)
الشبيبة
يوسف إسكندر عازار
1 أيلول 1925 (2)
مجلة المدرسة الداودية
المدرسة الداودية
1 أيلول 1925 (3)
الذكرى ⋆
المدرسة الداودية
نيسان 1927
سادسا: مدينة عاليه (1)
الإصلاح
علي ناصر الدين
1 نيسان 1911 (2)
الثمار (مدرسية)
جمعية الثمرة بالمدرسة الوطنية
1917 (3)
صدى العالم
أنيس جابر
1 آب 1925
سابعا: بعبدا (1)
كوكب البرية
الأب يوسف الشدياق
1 كانون الثاني 1911 (2)
الذخائر ⋆
إدوار لحود ونجيب صعب
1 شباط 1929
ثامنا: دير القمر (1)
القمر
وليم دياب نعمة †††
1 تموز 1911
تاسعا: زحلة والمعلقة (1)
الآثار ‡‡‡
الشيخ عيسى المعلوف
1 تموز 1911 (2)
فتاة الوطن
مريم الزمار
1 آذار 1919 (3)
الرحمة
جمعية مار منصور
كانون الثاني 1925 (4)
المحامي ⋆
فؤاد رزق
1 نيسان 1926
عاشرا: مدينة بعلبك (1)
جوبيتر ⋆
يوسف فضل الله سلامة
1 تشرين الثاني 1929
حادي عشر: جسر نهر بيروت (1) ⊙
الحقوق ⋆
سليم المعوشي وملحم خلف
18 شباط 1910 (2)
النديم
شاكر عون وإلياس الحويك
5 أيلول 1910
ثاني عشر: بيت شباب (1)
المحراث
إدوار غالب
1 كانون الثاني 1928 (2)
الليالي ⋆
إميل حبشي وميشال حائك
1 آيار 1929
ثالث عشر: بكفيا (1)
العرائس
عبد الله حشيمة
1 أيلول 1924
رابع عشر: بعبدات (1)
صدى الوطنية
نعيم بك صوايا
1 شباط 1910 (2)
النعيم (خطية)
أسعد حزير
1926 (3)
صدى الوطنية (خطية)
فريد خليل شاهين
17 آذار 1927
خامس عشر: جونية (1)
الرئيس
لويس الخازن وإبراهيم الحوراني
1 كانون الثاني 1900 (2)
صدى لبنان
سجعان عارج سعادة
3 تشرين الثاني 1910
سادس عشر: حريصا (1) ⊙
المسرة ⋆
الآباء المرسلون البولسيون §§§
1 حزيران 1910
سابع عشر: البترون (1)
مجلة العثماني
الخوري أسطفان ضو
1 حزيران 1909
ثامن عشر: أنفة (1)
العيون ⋆
جبر جوهر
1 آيار 1927
تاسع عشر: عبدللي (1)
القلب ⋆
جرجي يوسف أبي رزق
1 كانون الثاني 1929
عشرين: بينو (عكار) (1)
عكار
الجمعية الخيرية في بينو وقبولا
14 نيسان 1914 (2)
عكار الجديدة
قيصر نادر
1 آيار 1921 *
إننا أسهبنا الكلام في الجزأين الأول والثاني من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» عن جميع مجلات بيروت المذكورة في هذا الفهرس من العدد الأول حتى العدد السابع عشر، وقد أثبتنا هناك تراجم أربابها ونشرنا رسومهم فنحيل القارئ إلى مطالعتها. †
أتيح لبيروت أن تكون مهد طفولة «المقتطف» وأن تكون مصر مرقاة اكتماله واكتهاله، فهي المجلة الكبرى التي يعتدها الآن أبناء الضاد عميدة مجلاتهم في الخافقين بقدامة العهد وجلال الشيخوخة، فإن عدد مجلداتها بلغ نيفا وثمانين مجلدا تشتمل على نحو الستين ألف صفحة تبحث في مختلف العلوم قديمها وحديثها، وعلاوة على ما وصفنا به هذه المجلة في الجزء الثاني من «تاريخ الصحافة العربية» نذكر الآن بالفخر أنها توقفت إلى بلوغ يوبيلها الخمسيني في حياة مؤسسيها الفاضلين، وهو حدث قل ما شاهد العالم مثله في عصر من العصور، كما أن هذا اليوبيل هو الأول من نوعه في تاريخ المجلات العربية، وجرى لذلك في 30 نيسان 1936 مهرجان نادر المثال قدمته مصر دليلا من الأدلة الساطعة على حبها للعلم وعرفانها قدر المعارف وتكريمها للعاملين في هذا المضمار، وقد أقيمت الحفلة في دار الأوبرا برعاية الملك فؤاد الأول حضرها الأمراء والوزراء والرؤساء والعلماء وأعيان البلاد وأرباب الصحافة ووفود الجامعات والجمعيات من جميع أقطار الشرق الأدنى، وبعث أهل الفضل من أكثر أنحاء العالم بتهانئهم نثرا وشعرا يعربون فيها عن إجلالهم للعلم وذويه، واشتركت بعض المدن اللبنانية اشتراكا فعليا في هذا اليوبيل فأقامت حفلات في اليوم الذي صار فيه مهرجان القاهرة، وأجرت الجالية السورية اللبنانية في أميركا الجنوبية اكتتابا عاما قدمت من مجموعه هدية تذكارية نفيسة، ويرى جميع ذلك وغيره مفصلا في «الكتاب الذهبي ليوبيل المقتطف الخمسيني» الذي نشرته لجنة الاحتفال في حينه. ‡
لا حاجة إلى تعريف هذه المجلة؛ لأن شهرتها وشهرة مؤسسها العلامة لويس شيخو في غنى عن كل تعريف، وحسبنا أن نجيل الطرف في مجلداتها الثلاثين فنرى أنها تتألف من ثلاثة وثلاثين ألف صفحة حافلة بشتى الأبحاث لا يستثنى منها إلا السياسة، تشهد على ذلك مقالاتها في العلوم الدينية والفلسفية واللغوية والبيانية والتاريخية والاجتماعية والطبيعية وعلم الآثار القديمة والطب والهندسة والزراعة والتجارة والصناعة والفنون والمطابع وخزائن الكتب والرحلات والاختراعات والاكتشافات إلخ. ولعلماء المشرقيات في الغرب فضلا عن العلماء المدققين في بلادنا ثقة تامة بهذه المجلة التي قرظها كثير منهم، وقد شهدوا لها قاطبة بأنها المجلة العربية الوحيدة التي جرت على منهاج إنشاء المجلات الأوروبية ذات الشأن، وعرف «المشرق» بمباحثه الجدلية مع أشهر المجلات العربية التي نذكر منها: «الضياء» بالقاهرة في موضوع لغة الجرائد، و«المقتطف» بالقاهرة و«الكوثر» ببيروت في العلوم العربية وحريق مكتبة الإسكندرية، و«الهلال» بالقاهرة في الماسونية، و«النعمة» بدمشق في قانونية الأسفار الإلهية، و«الكلمة» بمدينة نيويورك في سلطة البابا وبعض العقائد الكاثوليكية، وجريدة «الرأي العام» البيروتية في قضية «المدارس الدوارس» وغير ذلك من المجلات والجرائد، وقد أنشبت المنية أظفارها بمؤسس «المشرق» علامتنا الأب لويس شيخو في 7 كانون الأول 1928 بعدما سطرت يده الكلمة الأخيرة من المجلد السنوي الذي أتم به عرس المجلة الفضي، فانطفأ بوفاته مصباح وهاج من المصابيح العلمية كان يشع نوره إلى أقصى ما ينتهي إليه نفوذ اللغة العربية، ولضيق المقام نمسك القلم عن وصف فضائل أستاذنا الجليل الذي سنفرز له ترجمة لائقة بمنزلته الأدبية في جزء آخر من هذا الكتاب إن شاء المولى. §
عهد صاحب امتياز هذه المجلة بنشرها إلى جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسية في بيروت، فبعدما لبثت بعهدة هذه الجمعية أربعة أعوام استقل بها فضل الله أبي حلقة صاحب الامتياز وأناط كتابتها بعض الأدباء، وعلى أثر إعلان الدستور العثماني تحولت «المحبة» من مجلة أسبوعية إلى جريدة يومية صدر عددها الأول في 2 تشرين الثاني 1908 وكان يحررها كامل بك حمية محافظ طرابلس حالا، وقد صدر من هذه الجريدة سبعة وثمانون عددا ثم دخلت في عالم الخفاء، وعام 1913 انتقلت إدارتها إلى حيفا وتحولت من جريدة يومية إلى جريدة أسبوعية، وظهر أول أعدادها هناك بتاريخ 24 شباط وهو اليوم الذي أطلق فيه الإيطاليان قنابلهم على مدينة بيروت. ||
هي المدرسة المشهورة الآن بالكلية الإسلامية لمنشئها العلامة الشيخ أحمد عباس الأزهري. ¶
ما كاد يطبع العدد الأول من هذه المجلة حتى احتجبت قبل توزيعه.
صدر «الرشيد» في 27 كانون الثاني 1910 بشكل جريدة، وبعد احتجابه مدة عاد إلى الظهور بشكل مجلة وعاش زمنا قصيرا. **
كان هذا الحبر الموقر في عداد الأعيان الأبرياء الذين نفاهم الأتراك من بيروت إلى أماكن مختلفة أثناء الحرب العظمى، فكان نصيبه أنه أبعد إلى مدينة آدنه حيث اعتلت صحته فمات مأسوفا على علمه وفضيلته، ثم نقل جثمانه على بارجة إفرنسية إلى بيروت كرسي أبرشيته ودفن في كنيستها الكاتدرائية بمجالي التكريم والتعظيم. ††
عاش «الفجر» في بيروت خمس سنوات متوالية، وبعد ذلك سافرت منشئته الأميرة نجلا أبي اللمع إلى كندا في شمالي أميركا حيث استأنفت نشر المجلة عام 1921 ولم تلبث أن احتجبت بعد زمن قصير. ‡‡
ورد عنوان هذه النشرة الدورية في فهرس جرائد بيروت، وقد شاء منشئها إعادة نشرها بشكل مجلة في 1 نيسان 1921 ولكنها كانت قصيرة العمر كشقيقتها السالفة الذكر، ثم استأنف نشرها بهذا الشكل أيضا في 8 شباط 1922 فعساها تكون أطول عمرا وأسعد حظا منهما. §§
نشرت هذه المجلة أول بدء باللغة الفرنسية فقط ثم أفرزت منذ سنتها الثالثة قسما من صفحاتها للأبحاث العربية. |||
نشرت في بداية عهدها باللغتين العربية والأرمنية، أما الآن فقد انحصرت كتاباتها في اللغة الأرمنية وحدها لعدم إقبال القراء على مطالعة القسم العربي. ¶¶
عاشت هذه المجلة أربعة أعوام دائبة في نشر الفضيلة والعلم بين الشرقيين، وفي أوائل عهدها كان يطبع قسم منها باللغة الفرنسية تعميما لمباحثها المفيدة بين الغربيين الذين يجهلون اللسان العربي، وانطفأ سراج حياتها بوفاة مؤسسها العلامة مار أغناطيوس أفرام الثاني البطريرك الأنطاكي الذي زين صفحاتها بمقالات علمية وأثرية وتاريخية دبجها بقلمه سريانيا وعربيا.
هي أرقى مجلة نشرها أبناء الشيعة حتى يومنا هذا بعناية منشئها العالم العامل السيد أحمد عارف الزين، فإنه على رغم ما صادفه في سبيله من المصاعب الجمة والخسائر الفادحة نراه دائبا في خدمة ملته خاصة والأمة العربية عامة بما لا يوصف من النشاط والتفاني وصدق الصريمة، وهو مؤسس أول مطبعة في مدينة صيدا بل في جميع أنحاء لبنان الجنوبي، وقد أدت مطبعته أعظم الفوائد بما نشرته من الكتب في مختلف العلوم والمواضيع والفنون. ***
بعد انتهاء الحرب العظمى انتقلت إدارة «المعارف» إلى بيروت ولم تزل تطبع في هذه العاصمة. †††
أنشأ الدكتور وليم نعمة مجلته «القمر» قبلما خطر بباله أن يدرس فن الطب، فلما أحرز الشهادة الطبية من كلية بيروت الفرنسية حسن له بعض أقاربه وأبناء وطنه «دير القمر» تعاطي هذه المهنة في المكسيك حيث يوجد منهم عدد وافر، فلبى رغبتهم وسافر إلى تلك الأصقاع، وما عتم أن رفع علم مهنته عاليا، وقد عرف له علماء المكسيك فضله فانتخبوه عضوا في كلية الأطباء الأميركية، وبالوقت نفسه أرادوا مكافأته على مكانته العلمية بتعيينه لكرسي الطب الداخلي في المجمع العلمي بالبلاد المذكورة. ‡‡‡
أشرنا إلى هذه المجلة عندما نشرنا ترجمة مؤسسها البحاثة الشيخ عيسى المعلوف في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع]، وقد تفردت «الآثار» بوصف المخطوطات النادرة وبالمباحث الأثرية والتاريخية عن بلادنا، وعنيت بالبحث في مواضيع لم يسبقها إليها في ذلك مجلة عربية حتى أعجب بها المستشرقون ونقلوا عنها مقالات شتى إلى اللغات الغربية، وأهم ما نشرته مجلة «الآثار» تاريخ الأمير فخر الدين المعني الثاني مع صورته، ونشرت أيضا نبذة مخطوطة من تاريخ هذا الأمير للخالدي الصفدي، فذيلها ناشرها الشيخ عيسى المعلوف بحواش وتعاليق تدل على مطالعات واسعة وتنقيبات جدية، وللمعلوف أيضا مقالات عن عاداتنا وأخلاقنا ولا سيما عما كان منها الآن مجهولا أو منسيا مثل «الصيد بالبازي وآدابه» بتفصيل واف وافر؛ وتحتوي «الآثار» على تواريخ لبعض الأسر الشرقية وعلى غير ذلك مما نحن بحاجة قصوى إلى معرفته في أبحاثنا الوطنية. §§§
موعدنا بسط الكلام عن هذه المجلة وعن مؤسسها الجليل ذي الآثار المبرورة وعن جمعية الآباء المرسلين البولسيين وعن مطبعتهم العامرة ومآتيهم المبرورة في جزء لاحق من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
مجلات الدولة السورية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة دمشق (1)
مرآة الأخلاق
سليم وحنا عنحوري
1886 (2)
الشمس
جورج متى وجورج سمان
15 حزيران 1900 (3)
المقتبس
محمد كرد علي
25 شباط 1906 (4)
النعمة
بطريركية أنطاكية الأرثوذكسية
15 حزيران 1909 (5)
الحقائق
عبد القادر الإسكندراني
7 آب 1910 (6) ⊙
العروس *
ماري عجمي
1 كانون الأول 1910 (7)
مجلة الشعب
الشهابي وأحمد حلمي الخيمي
1 كانون الثاني 1912 (8)
الناشئة
المدرسة العلمية الوطنية
9 نيسان 1913 (9)
أنفس النفائس الروائية
أحمد عبيد
1913 (10)
العلم العربي
معروف الأرناءوط
1 كانون الثاني 1919 (11)
المدرسة
محمد أنسي وبدر الدين صفدي
5 كانون الثاني 1919 (12)
المجلة
هاني أبي مصلح وعبد الله النجار
1 نيسان 1919 (13)
الفلاح †
عمر شاكر
1 آيار 1919 (14)
القلم
عبد الله النجار وعجاج نويهض
1 تموز 1919 (15)
التربية والتعليم
إدارة المعارف العامة
1 كانون الثاني 1920 (16)
الشرائع
محمود لطفي ومحمد كامل
12 كانون الثاني 1920 (17)
نور الفيحاء
نازك عابد
كانون الثاني 1920 (18)
العلوم
عبد اللطيف الفلاحي
16 تموز 1920 (19)
الحياة
إلياس ساسون
تموز 1920 (20)
الطرائف الروائية
محيي الدين البديوي
1920 (21)
النجاح
إلياس خليل ترتر
1 كانون الثاني 1921 (22)
مجلة المجمع العلمي ⋆
المجمع العلمي العربي ‡
1 كانون الثاني 1921 (23)
مجلة الشرطة
مديرية الشرطة العامة
15 آب 1921 (24)
مجلة الرابطة الأدبية
جمعية الرابطة الأدبية
1 أيلول 1921 (25)
النشرة الشهرية لغرفة التجارة ⋆
غرفة التجارة
1 كانون الثاني 1922 (26)
العاصمة ⋆
رسمية §
1922 (27)
الروايات العصرية
قاسم الهيماني
1 كانون الثاني 1922 (28)
اللطائف السورية
عبد القادر إنارة
1 كانون الثاني 1923 (29)
معارف دمشق
دائرة معارف دمشق
1 أيلول 1923 (30)
مجلة المعهد الطبي العربي ⋆
المعهد الطبي العربي
1 كانون الثاني 1924 (31)
سمير الشبان
محمود جوهرجي
1924 (32)
الربيع
ماري إبراهيم وعبد السلام صالح
1 آذار 1925 (33)
مارستان الأفكار
حاتم نصري وشفيق العقاد
1927 (34)
الكرباج
سلامة الأغواني
1927 (35)
الحياة الأدبية ||
منير العجلاني وأديب تنبكجي
2 شباط 1928 (36)
الطب الحديث ⋆
حسن سهيل العجلاني
شباط 1928 (37)
المصباح ⋆
محمد أحمد دهمان
شباط 1928 (38)
العصا لمن عصى ⋆
مهدي اللوجي
نيسان 1928 (39)
مجلة الإعلانات السورية
جورج فارس
17 حزيران 1928 (40)
النهضة السورية ⋆
قلم تحرير جريدة الاستقلال
1 آيار 1929
ثانيا: مدينة حمص (1)
سمير الصبا
شكري فارس لوقا
1 كانون الثاني 1911 (2)
الشبيبة
عبد الباقي الدروبي وعبد الكريم صباغ
1 نيسان 1911 (3)
العريس
الأمير نسيب شهاب وشركاؤه
1 نيسان 1911 (4)
جادة الرشاد
حنا خباز
1 كانون الثاني 1923 (5)
دوحة الميماس ⋆
ماري عبده شقرا
نيسان 1928
ثالثا: مدينة حماة (1)
الإخاء
جبران مسوح
2 نيسان 1910 (2)
الإنسانية
حسن الرزق
10 نيسان 1910 (3)
المجلة البيطرية
فائق الخطيب
1 شباط 1923 (4)
الزراعة الحديثة ⋆
عمر ترمانيني
1 كانون الثاني 1924 (5)
الوحي
محمود العثمان وزاكي عثمان
1 آب 1926
رابعا: مدينة حلب (1)
الشذور
عبد المسيح أنطاكي
1 كانون الثاني 1897 (2)
فوائد
خليل كامل الجراح
26 شباط 1909 (3)
الورقاء
الخورفسقفوس جرجس شلحت
1 تشرين الثاني 1910 (4)
مجلة الشركة الزراعية
الشركة الزراعية الحلبية
15 حزيران 1919 (5)
الشعلة
فتح الله قسطون
1 تموز 1920 (6)
النشرة الشهرية ⋆
غرفة تجارة حلب
1 أيلول 1921 (7)
حديقة التلميذ
المدرسة الفاروقية
1 شباط 1924 (8)
الكشاف العربي
عبد القادر الشوا
1 نيسان 1924 (9)
الجريدة الزراعية
عبد القادر ناصح الملاح
1 أيلول 1924 (10)
مجلة المحاماة
نقابة المحامين
آذار 1926 (11)
مجلة القربان المقدس ⋆
القس أغناطيوس سعد
1 آيار 1926 (12)
الرحمة ⋆
القس إلياس غالي
1 كانون الثاني 1927 (13)
الحديث ⋆
سامي الكيالي وأدمون رباط
1 كانون الثاني 1927 (14)
الفجر
عطا الله الصابوني
آذار 1927 (15)
الاعتصام ⋆
عبد الله العز وعون الله الإخلاصي
9 حزيران 1929 (16)
الجامعة الإسلامية ⋆
محمد علي الكحال
27 تموز 1929 *
هي باكورة المجلات النسائية في دمشق الفيحاء. †
عاشت هذه المجلة ستة شهور ثم جعلها مؤسسها جريدة في 31 تشرين الأول 1919 كما أوردنا في فهرس جرائد دمشق. ‡
هو المجمع العلمي العربي الأول الذي تأسس في العالم رسميا وعرفته الحكومة وعينت له الاعتمادات المالية للقيام بنفقاته، وجرى ذلك سنة 1919 على إثر الانقلاب العربي لما كان فيصل الأول أميرا على البلاد السورية، وقد عهدت الحكومة في رئاسة المجمع إلى صديقنا العلامة محمد كرد علي الذي لم يزل خادما هذه الوظيفة منذ ثلاثة عشر عاما بالأمانة وسداد الرأي، وفي 8 كانون الأول 1931 قدم استقالته من الرئاسة المذكورة؛ لأن أشغال وزارة المعارف العامة كانت تستغرق قسما وافرا من أوقاته، ولم يلبث أن تجددت له الرئاسة بكل استحقاق بعد اعتزاله الوزارة المشار إليها في السنة التابعة. §
نشرت «العاصمة» أولا في 17 شباط 1919 بشكل جريدة ثم تحولت إلى مجلة عام 1922. ||
ظهرت «الحياة الأدبية» في 15 تشرين الأول 1927 بهيئة جريدة، وبتاريخ 2 شباط 1928 حولها صاحبها إلى مجلة.
مجلات بلاد العلويين
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة اللاذقية (1)
العلوي
مصري زاده برهان الدين بك
15 أيلول 1923 (2)
مجلة الأبحاث القضائية ⋆
حكومة بلاد العلويين
15 آذار 1924 (3)
النشرة الاقتصادية ⋆
دولة العلويين
15 نيسان 1924 (4)
النور
نصر الله طليع وجاد كومين
حزيران 1925 (5)
المرشد العربي ⋆
الشريف عبد الله علوي الحسني
نيسان 1929
ثانيا: مدينة صافيتا (1)
التجدد
أديب طيار
1 آذار 1927
ثالثا: قلعة القدموس (1)
الباستيل الجديد *
فؤاد شمالي وزهران غريب إلخ
10 أيلول 1927 *
هي مجلة خطية ظهر منها عددان لا غير، مكتوبان باللغتين العربية والأرمنية، فكانت لسان حال بعض المعتقلين السياسيين اللبنانيين الذين أبعدتهم السلطة الفرنسية إلى قلعة القدموس في بلاد العلويين وهم: علي ناصر الدين، وزهران الغريب، ومحيي الدين الكوسا، ونسيم شمالي، وأخوه فؤاد شمالي، وجورج عازار وغيرهم، ولدى الإفراج عنهم وعودتهم إلى الوطن أحبوا أن يتحفونا بالعددين المذكورين لنضمهما إلى مجموعة متحفنا الصحافي تخليدا لذكرى اعتقالهم في القلعة المذكورة.
مجلات فلسطين
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا : مدينة القدس الشريف (1)
الباكورة الصهيونية
مدرسة صهيون الإنكليزية
1909 (2)
الدستور
تلامذة مدرسة الدستور
6 كانون الأول 1910 (3)
المنهل
موسى المغربي
5 آب 1913 (4)
دار المعلمين
موسى نقولا وعبد الهادي
1 تشرين الأول 1920 (5)
باكورة جبل صهيون
مدرسة صهيون الإنكليزية
1 كانون الثاني 1922 (6)
روضة المعارف
مدرسة روضة المعارف
كانون الثاني 1922 (7)
الروايات الأهلية
مكتبة بيت المقدس
حزيران 1924 (8)
الحكمة ⋆
مراد فؤاد جقي *
1 تشرين الأول 1927 (9)
الكلية العربية ⋆
الكلية العربية
15 كانون الأول 1927
ثانيا: مدينة حيفا (1)
النفائس
خليل بيدس
1 تشرين الثاني 1908 (2)
النفائس العصرية
خليل بيدس
1909 (3)
حيفا
إيليا زكا
آذار 1921 (4)
زهرة الجميل
جميل البحري
1 آيار 1921 (5)
الزهرة
جميل البحري
1 آيار 1922 (6)
حيفا †
إيليا زكا
15 آب 1924 (7)
المجلة التجارية ⋆
غرفة تجارة حيفا
1 كانون الثاني 1925
ثالثا: مدينة عكا (1)
الإنارة
الإيقونومس نقولا يوحنا
1 أيلول 1925
رابعا: مدينة بيت لحم (1)
بيت لحم
يوحنا دكرت وعيسى بندك
11 أيلول 1919
خامسا: مدينة يافا (1)
الأصمعي
حنا عبد الله عيسى
1 أيلول 1908 (2)
الحقوق
فهمي الحسيني
1 كانون الأول 1923 (3)
النشرة التجارية ⋆
غرفة تجارة يافا
1 نيسان 1924
سادسا: بلدة بئر سبع (1)
جول مصور ‡
حاجي جمال
14 أيلول 1916 *
نحيل القارئ إلى ما كتبناه عن هذه المجلة في فهرس مجلات مدينة ماردين وهي واقعة في بلاد ما بين النهرين. †
هي غير مجلة «حيفا» التي ذكرناها تحت رقم 3 في هذا الفهرس؛ لأنها اتخذت تاريخا جديدا يختلف عن تاريخ المجلة السابقة وسلسلة أعدادها، إنما لم يصدر من هذه المجلة الثانية سوى عدد واحد ثم احتجبت. ‡
أنشئت هذه المجلة ومطبعتها بأمر جمال باشا قائد الجيش التركي الرابع في بلدة «بئر سبع» التي اتخذها مركزا لعساكر دولته أثناء الحرب العظمى، وكان مراده الزحف منها إلى ترعة السويس لمحاربة الإنكليز واسترجاع وادي النيل إلى الحكم التركي، ففشلت مساعيه؛ لأن أكثر جنوده ماتوا إما من الجوع وإما من تفشي الأمراض فيهم، وقد استسلم الباقون إلى الجيش البريطاني الذي كان كامنا في صحراء التيه وسد على الأتراك منافذ الترعة.
مجلات العراق
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: بغداد العاصمة (1)
زهيرة بغداد
الآباء الكرمليون
25 آذار 1905 (2)
تنوير الأفكار
عبد الهادي الأعظمي
26 آب 1910 (3)
خردلة العلوم
رزوق عيسى *
1 تشرين الثاني 1910 (4)
الحياة
سليمان الدخيل وإبراهيم حلمي
1 كانون الثاني 1910 (5) ⊙
لغة العرب ⋆
الأب أنستاس الكرملي
1 تموز 1911 (6)
سبل الرشاد
رشيد الصفار
18 آيار 1912 (7)
الغرائب
المعلم داود صليوا
شباط 1913 (8)
الرصافة
محمد صادق الأعرجي
9 نيسان 1913 (9)
مقتبسات
ريزة لي عيسى
1 آيار 1914 (10)
النور
محيي الدين الكيلاني
1 تموز 1914 (11) ⊙
دار السلام
6 تشرين الأول 1918 (12)
اللسان
أنطون لوقا والغزالي
1 آب 1919 (13)
مجلة العدلية
نظارة العدلية
1 أيلول 1920 (14)
دار المعلمين
نظارة المعارف
1 تشرين الأول 1921 (15)
الناشئة
إبراهيم صالح شكر
2 كانون الأول 1921 (16)
نشرة الأحد ⋆
الخورفسقفوس عبد الأحد جرجي السرياني
1 كانون الثاني 1922 (17)
اليقين
محمد الهاشمي
13 نيسان 1922 (18)
التجارة العراقية
وزارة التجارة
1 حزيران 1922 (19)
الزنبقة
عبد الأحد حبوش
1 تشرين الأول 1922 (20)
التلميذ العراقي
سعيد فهيم
9 تشرين الأول 1922 (21)
نادي الألعاب الرياضية
نادي الألعاب الرياضية
2 تشرين الثاني 1922 (22)
الوقائع العراقية ⋆
مديرية المطبوعات
8 كانون الأول 1922 (23)
المحيط
صالح الناصري
21 كانون الأول 1922 (24)
الخزانة
مكتبة السلام
1 كانون الثاني 1923 (25)
ليلى
يولينا حسون
15 تشرين الأول 1923 (26)
الحقوق
منير آل القاضي
20 كانون الأول 1923 (27)
المجلة العسكرية
وزارة الدفاع
1 كانون الثاني 1924 (28)
مجلة المعلمين
هاشم السعدي
15 شباط 1924 (29)
الكشاف العراقي
15 حزيران 1924 (30)
الحقائق المصورة
صالح الوردي
13 تموز 1924 (31)
الحرية
روفائيل بطي وعبد الجليل رزق الله
15 تموز 1924 (32)
الإصلاح
نادي الإصلاح
2 آب 1924 (33)
هدية كردستان †
صاحبتران زاده صالح زكي
11 آذار 1925 (34)
المجلة الطبية البغدادية
صائب شوكت
1 حزيران 1925 (35)
المحامي
فائق القشطيني
1 تشرين الأول 1925 (36)
المعرض
أحمد الأعظمي ونوري الأورفلي
1 تشرين الثاني 1925 (37)
المرشد
محمد الحسيني
1 كانون الأول 1925 (38)
الجامعة
سعيد الراوي
15 آذار 1926 (39)
المدرسة
محمود نديم
15 آيار 1926 (40)
الإصابة
جميل صدقي الزهاوي
10 أيلول 1926 (41)
مرآة الحال
ميخائيل يوسف
15 تشرين الأول 1926 (42)
الشرطي
مديرية الشرطة في العراق
1 شباط 1927 (43)
الحديث
نور الدين داود والقشطيني
1 تشرين الثاني 1927 (44)
مجلة دار المعلمين
عبد الحميد الدبوني
1 كانون الأول 1927 (45)
التربية والتعليم ⋆
ساطع الحصري
1 كانون الثاني 1928 (46)
الأقلام ⋆
علي ظريف الأعظمي
1 شباط 1928 (47)
التلميذ ⋆
سعيد فهيم
1 شباط 1929 (48)
الشباب ⋆
سعيد السامرائي وشركاؤه
1 شباط 1929 (49)
نشرة الاقتصاد ⋆
عبد الله نسيم حاي
29 كانون الأول 1929
ثانيا: مدينة البصرة (1)
شط العرب ‡
خلف شوقي الداوودي
1 كانون الثاني 1923
ثالثا: مدينة العشار (1)
النشء الجديد
عبد الرزاق الناصري
1 شباط 1927 (2)
الثقافة
عبد الجليل تيرتو
1 كانون الأول 1927 (3)
الاقتصاد ⋆
بديع شوكت
1 نيسان 1928
رابعا: مدينة العمارة (1)
الهدى ⋆
عبد المطلب الهاشمي
1 آب 1928
خامسا: مدينة النجف (1)
العلم
هبة الدين الشهرستاني §
29 آذار 1910 (2)
النجف
يوسف رجيب
1926 (3)
الحيرة ⋆
عبد المولى الطريحي
29 كانون الثاني 1927
سادسا: مدينة كركوك (1)
كوكب المعارف
عرفي
27 ربيع الأول 1334ه/1916م
سابعا: مدينة الموصل (1)
إكليل الورود
الآباء الدومنيكيون
1 كانون الأول 1902 (2)
النادي العلمي
إدارة النادي العلمي
15 كانون الثاني 1919 (3)
الجزيرة ||
محمد مكي صدقي
22 شباط 1923 (4)
النجم ⋆
البطريركية الكلدانية
25 كانون الأول 1928 *
يدعوني الواجب وعرفان الجميل إلى التنويه بالثناء على هذا الأستاذ الكامل والصحافي الفاضل، فإنه تكرم علي بقسط وافر من الصحف العراقية التي سهلت لي وضع فهارس شاملة لكل ما صدر في أنحاء العراق من الجرائد والمجلات قديمها وحديثها، وسأنشر ترجمته في جزء لاحق من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وما عدا مجلة «خردلة العلوم» التي احتجبت في أوائل عهدها فإن السيد رزوق عيسى صاحبها أصدر في مطلع السنة 1932 مجلة «المؤرخ» وهي الأولى من نوعها في اللسان العربي. †
صدرت هذه المجلة باللغات الثلاث: العربية والتركية والكردية. ‡
كانت أول مجلة عرفتها مدينة البصرة في تاريخ صحافتها، إلا أنها أقفلت بعد صدور العدد الأول منها لأسباب نجهلها، ولما حل منشئها دار السلام رخصت له الحكومة بإعادة إصدار هذه الصحيفة بصفة جريدة أسبوعية في عاصمة العراق. §
تولى وزارة المعارف في المملكة العراقية ثم صار رئيس محكمة التمييز الشرعية في بغداد لأبناء الشيعة التي يعد من جلة علمائها، وقد نشرنا رسمه في [التوطئة - الفصل السابع]. ||
أحصينا جريدة بهذا الاسم صدرت بتاريخ 24 آذار 1922 في الموصل، وبعدما عاشت عاما كاملا حولها صاحبها محمد مكي صدقي إلى مجلة بتاريخ 22 شباط 1923.
مجلات بلاد ما بين النهرين
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة ماردين (1) ⊙
الحكمة ⋆
ميخائيل حكمت جقي *
14 آب 1913 *
أصدرت بطريركية السريان القدماء مجلة «الحكمة» بتاريخ 14 آب 1913 في دير الزعفران الذي اتخذه أحبارهم الأنطاكيون كرسيا لهم من عهد أغناطيوس ميخائيل الأول الكبير (1167-1200) وموقع هذا الدير الشهير في الجهة الشرقية من مدينة ماردين على مسافة ساعة منها مشيا على الأقدام، وفي مطبعة هذا المعهد التاريخي نشرت المجلة المذكورة التي عاشت عاما واحدا ثم انطفأ سراجها لدى نشوب الحرب العظمى، ولبثت «الحكمة» محتجبة عن قرائها نيفا وثلاثة عشر عاما حتى بعثت من جديد رافلة بحلة قشيبة وحافلة بالمواضيع المفيدة. ولما كانت الأحوال السياسية قد حالت دون استمرار نشرها في دير الزعفران فقد نقلت إدارتها إلى دير مار مرقس بأورشليم، ومنذ شهر تشرين الأول 1927 صدر العدد الأول لسنتها الثانية، ولم تزل سائرة بأقدام راسخة على الخطة التي رسمها لها رؤساؤها الأفاضل، وفي أثناء احتجابها منيت بفقد صاحب امتيازها الأول ميخائيل حكمت جقي؛ فأحيل الامتياز في عهدها الثاني إلى شقيقه الكاتب الأديب مراد فؤاد جقي.
مجلات إمارة الكويت
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: كويت العاصمة (1)
الكويت ⋆
عبد العزيز الرشيد
20 حزيران 1928
مجلات مملكة الحجاز
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مكة المكرمة (1)
المعري
طلبة المدرسة الزراعية
آيار 1920 (2)
الإصلاح ⋆
محمد حامد الفقي
1 آب 1928
مجلات الهند الإنكليزية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «كلكتا» عاصمة الهند الإنكليزية سابقا (1)
المجلة الإسلامية الهندية
الخوجة كمال الدين
كانون الثاني 1913 (2)
الجامعة
عبد الرزاق اللكنوي
1 نيسان 1923
ثانيا: مدينة لكناو (1)
البيان
عبد الله العمادي
1 آذار 1902
ثالثا: مدينة سنغافورا (1)
الإمام
محمد بن سالم الكلالي
1906
مجلات الهند الهولندية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «بتافيا» عاصمة الهند الهولندية (1)
الرابطة ⋆
أحمد بن عبد الله السقاف
كانون الثاني 1928
ثانيا: مدينة فكلوغن (1)
الشفاء
عمر بن سليمان ناجي
1920 (2)
المدرسة
أبو بكر العطاس وعبد الله الخوجة
1922
ثالثا: مدينة ويلتفريدن (جاوا) (1)
الذخيرة الإسلامية ⋆
أحمد سوركتي الأنصاري
1923
رابعا: مدينة سربايا (1)
الدهناء ⋆
الجمعية التهذيبية
حزيران 1928 (2)
المصباح ⋆
تلامذة مدرسة الإرشاد
كانون الأول 1928
خامسا: مدينة جكجاكرتا (1)
مرآة المحمدية
محمد علي قدس
1927 (2)
مرآة الشرق ⋆
محمد علي قدس وأحمد باحشوان
1 حزيران 1928
القسم الثاني
في فهارس صحافة أفريقيا منذ تكوين الصحافة العربية إلى ختام السنة 1929
الباب الأول
فهارس جميع الجرائد العربية في أفريقيا
يتضمن فهارس جميع الجرائد العربية في أفريقيا على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مدينة وبلد من الأصقاع الأفريقية. ***
جرائد المملكة المصرية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة القاهرة (1) ⊙
الوقائع المصرية ⋆
محمد علي باشا *
3 كانون الأول 1828 (2)
وادي النيل
عبد الله أبو السعود
1866 (3)
نزهة الأفكار
إبراهيم المويلحي ومحمد عثمان جلال
1869 (4)
حديقة الأبصار
1875 (5)
حقيقة الأخبار
أنيس خلاط
1877 (6)
أبو نظارة زرقاء
جمس سانووا (يعقوب صنوع)
21 آذار 1877 (7) ⊙
الوطن ⋆
ميخائيل عبد السيد †
1877 (8)
روضة الأخبار
محمد أنسي
1878 (9)
بستان الأخبار
حسن البليهي وصالح رضوان
تشرين الأول 1878 (10)
مرآة الشرق
سليم عنحوري
24 شباط 1879 (11)
الكوكب المصري
وفا محمد وكستلي
1879 (12)
الميمون
5 أيلول 1879 (13)
النجاح
مصطفى ثاقب وحسن الشمسي
1881 (14)
الحجاز
إبراهيم سراج المدني
24 تموز 1881 (15)
المفيد
مصطفى ثاقب
12 تشرين الأول 1881 (16)
مصر
أديب إسحاق
كانون الأول 1881 (17)
التيمس المصري
المستر بيمن
1882 (18)
الزمان
علكسان صرفيان
6 آذار 1882 (19)
الفسطاط
عبد الغني المدني
20 نيسان 1882 (20)
السفير
حسن الشمسي
16 آب 1882 (21)
الإعلام ‡
محمد بيرم الخامس
25 ربيع الثاني 1302ه/1884م (22)
البيان
يوسف شيت وميخائيل عورا
13 آذار 1884 (23)
الفلاح
سليم باشا حموي
10 تشرين الأول 1885 (24)
النشرة البريدية
إدارة البريد المصري
1885 (25)
القاهرة
سليم فارس الشدياق
23 تشرين الثاني 1885 (26)
القاهرة الحرة
عارف المارديني §
1885 (27) ⊙
الحقوق ⋆
أمين شميل
6 آذار 1886 (28)
الصادق
أمين بك ناصيف
2 أيلول 1886 (29)
الآداب
الشيخ علي يوسف
1887 (30)
مكارم الأخلاق
29 تشرين الأول 1887 (31)
الجريدة المصرية
جرجس ميخائيل نحاس
1888 (32)
النور التوفيقي
ديمتري مسكوناس
15 تشرين الأول 1888 (33) ⊙
نشرة أسبوعية عن المواليد والوفيات والأمراض المعدية ⋆
مصلحة عموم الإحصاء
كانون الثاني 1889 (34) ⊙
المقطم ⋆
صروف ونمر ومكاريوس ||
14 شباط 1889 (35)
المؤيد ¶
أحمد ماضي وعلي يوسف
1889 (36) ⊙
المحاكم ⋆
يوسف آصاف
4 آيار 1890 (37)
صدى الشرق
حبيب فارس وكريستيان بوجاد
6 نيسان 1891 (38)
النيل
حسن حسني باشا الطويراني
17 كانون الأول 1891 (39)
وقائع البوليس
ديوان البوليس بنظارة الداخلية
26 آيار 1892 (40)
الرأي العام
إسكندر شلهوب ونجيب الحاج
25 نيسان 1893 (41)
المرشد
المرسلون الأميركيون
1893 (42)
الكمال
توفيق عزوز
23 آيار 1893 (43)
أبو الهول
نجيب الحاج ونجيب كنعان
15 تموز 1893 (44)
الأمة
سليم حبالين
8 شباط 1894 (45)
المحاسن
ميخائيل عبد الملك
15 شباط 1894 (46)
صهيون
الأسقف إيسيذورس
28 نيسان 1894 (47)
التلغرافات الحقيقية
1894 (48)
العلم
محمد سليمان أباظة
1894 (49)
الأهالي
إسماعيل باشا أباظة
أيلول 1894 (50)
شهادة الحق
خريسطوفورس جبارة **
8 شباط 1895 (51)
الظاهر
نصر الدين زغلول ودرويش مصطفى
10 شباط 1895 (52)
منفيس
محمد مسعود
آذار 1895 (53)
النبراس
نجيب جاويش
23 آذار 1895 (54)
البريد
محمد شكري
29 نيسان 1895 (55)
صدى الشرق
أميل بربريك
نيسان 1895 (56)
الإخلاص
إبراهيم عبد المسيح
2 آيار 1895 (57)
المقياس
يوسف فتحي
16 حزيران 1895 (58)
البرق
محمود زكي
23 حزيران 1895 (59)
العدل
سليم حبالين
25 حزيران 1895 (60)
المنتزه
محمد صقر
تموز 1895 (61)
الإنصاف
محمد حلمي عزيز
27 آب 1895 (62)
بصير الشرق
أحمد رشيد
31 آب 1895 (63)
السيار
يوسف كنعان
8 تشرين الأول 1895 (64)
النحلة
الدكتور لويس صابونجي
تشرين الأول 1895 (65) ⊙
مصر ⋆
تادرس شنودة المنقبادي
22 تشرين الثاني 1895 (66)
الناظور المصري
حسن علي
9 كانون الأول 1895 (67)
الوظيفة
سليم حبالين
8 كانون الثاني 1896 (68)
المنير
محمد صقر
19 كانون الثاني 1896 (69)
المنادمة
حسن صبحي
1896 (70)
الرياضة
عثمان لبيب
1 شباط 1896 (71)
القاهرة الحرة
محمد شريف
1896 (72)
المبشر المصري
عبد الله براون
21 شباط 1896 (73)
الكوثر
إسكندر دبانة
1 آذار 1896 (74)
التفريح
محمد عبد الجليل ومحمود سلامة
1896 (75)
العمدة
حسن يونس
15 آذار 1896 (76)
الكمال
بطرس المصري
3 نيسان 1896 (77)
النهج القويم ††
محمد الشربتلي وأمين حسن
9 نيسان 1896 (78)
الشرق
أمين شدياق وتوفيق عزوز
1 حزيران 1896 (79)
الغزالة
نقولا بولاد
2 حزيران 1896 (80)
الكرباج والعفريت
عبد الله القدسي
15 حزيران 1896 (81)
الأقلام
أحمد رأفت ومحمد فرج
23 حزيران 1896 (82)
الأخبار
الشيخ يوسف الخازن
29 تموز 1896 (83)
الوقت
يوسف كامل حتاتة
10 آب 1896 (84)
الرائد المصري
نقولا شحادة
31 آب 1896 (85)
الدح
محمد المصري
آب 1896 (86)
المنبه
جمعية نشر المعارف والآداب
4 أيلول 1896 (87)
العصر العباسي
باسيلي بطرس
31 تشرين الأول 1896 (88)
الثبات
إبراهيم كامل
5 كانون الأول 1896 (89)
الحرية
محمد فرج وأحمد رأفت
28 كانون الأول 1896 (90) ⊙
الصاعقة ⋆
أحمد فؤاد ‡‡
26 كانون الثاني 1897 (91)
النصر
محمد مراد ومحمد فتحي رستم
1 آذار 1897 (92)
العلم العثماني
علي يوسف الجردلي
25 آذار 1897 (93)
الأثر
علي سلام
3 نيسان 1897 (94)
التلغرافات الجديدة
محمد مختار البارجوري
نيسان 1897 (95)
النشرة العثمانية
م. مي - م. مل
19 آيار 1897 (96)
السلطنة
إسكندر شلهوب §§
20 آيار 1897 (97)
نشرة العدالة
الخيامي
21 آيار 1897 (98)
تركيا
قيصر باشا كرم
22 آيار 1897 (99)
الهداية
محمد أمين
1 حزيران 1897 (100)
النجاة
أحمد محمد القوصي
1 حزيران 1897 (101)
الأجيال
ميخائيل أنطون صقال
19 حزيران 1897 (102)
الغربال
حزيران 1897 (103)
النشأة الوطنية
أحمد فؤاد
24 حزيران 1897 (104)
الحاكم
أحمد عاشور سليمان الأزهري
25 حزيران 1897 (105)
أبو نظارة معظمة
شكري وفريد
16 تموز 1897 (106)
الاستقامة
ولي الدين يكن
27 تموز 1897 (107)
البنانة
يوسف سعد
23 آب 1897 (108)
الكهربائية
سليم سركيس
24 آب 1897 (109)
رائد الليل
الصادق ابن الجد
26 آب 1897 (110)
أبو العيال
محمد حبيب
1897 (111)
السفير
محمد حسين وأحمد محمد
31 آب 1897 (112)
الباشا
حسن علي المصري
أيلول 1897 (113)
الجلاء
محمد شكري
25 تشرين الأول 1897 (114)
النشرة الإدارية
قسم الضبط بنظارة الداخلية
4 تشرين الثاني 1897 (115)
المأمون
أمين حسن بك
1897 (116)
العفريت
عزيز فهمي التجاربي
22 تشرين الثاني 1897 (117)
القانون الأساسي
صالح جمال
20 كانون الثاني 1898 (118)
الجاسوس
أمين ومهدي
6 شباط 1898 (119)
كردستان
مقداد مدحت بن بدرخان باشا
1898 (120)
المنخاس
1898 (121)
القول الحق
عزيز طرابلوسي
14 آذار 1898 (122) ⊙
المنار ⋆
محمد رشيد رضا |||
15 آذار 1898 (123)
الأسد
أ. أ. ع
22 آذار 1898 (124)
الشيطان
توفيق حبيب
1898 (125)
مصباح الشرق
إبراهيم بك المويلحي ¶¶
14 نيسان 1898 (126)
المطالب الحقة
حسين شاكر
16 نيسان 1898 (127)
المعتصم
أحمد أمين
23 نيسان 1898 (128)
جهينة
محمود طاهر ومحمد فرج
26 نيسان 1898 (129)
السودان المصري
محمد راغب قدور الجزائري
نيسان 1898 (130)
أنيس التلميذ
موسى بنروبي
5 آيار 1898 (131)
الواسطة
مطبعة هندية
5 آيار 1898 (132)
الحروب
زكي رزق الله
17 آيار 1898 (133)
المحامي
كامل الحكيم
26 آيار 1898 (134)
الصباح
محمد غانم
12 حزيران 1898 (135)
شمس الحقيقة
محمد أمين
13 حزيران 1898 (136)
المعارف
حسين صبري
1 تموز 1898 (137)
الشهباء
عبد المسيح أنطاكي
1898 (138)
النصيب
ميشيل حكيم
30 تشرين الأول 1898 (139)
المرصاد
علي لطفي
15 تشرين الثاني 1898 (140)
سوق العصر
محمد فرج وحمدي يكن
1899 (141)
البورصة المصرية
هنري بوتينيه
21 كانون الثاني 1899 (142)
أنين مظلوم
أمين أنطاكي
6 آذار 1899 (143)
الأساس العلمي
أحمد فريد
17 آيار 1899 (144)
الفوضى
توفيق جانا
1899 (145)
الممتاز
مصطفى الشاطر
20 آيار 1899 (146)
المستشار
إبراهيم أدهم
حزيران 1899 (147)
أبو الهدى
حلمي مراد
2 آب 1899 (148)
الواجبات
عبد الحميد حمدي
1899 (149)
النور
تادرس شنودة المنقبادي
9 أيلول 1899 (150)
التذكار
محمد صادق ومحمد علي خطاب
تشرين الأول 1899 (151)
الشهامة
محمد فهمي ومحمد نجيب
10 تشرين الأول 1899 (152)
الأسد المرقسي
جمعية الوحدة المرقسية
23 تشرين الثاني 1899 (153)
المجموعة الرسمية للمحاكم الأهلية
رسمية
1 كانون الثاني 1900 (154)
اللواء
مصطفى كامل باشا
2 كانون الثاني 1900 (155)
الغزالة
إدوار قرا ألي
كانون الثاني 1900 (156)
الإنذار
يوسف حمدي يكن
8 كانون الثاني 1900 (157)
الإنسانية
ج. سيدهم
13 نيسان 1900 (158)
العصر الجديد
إسكندر شلهوب
15 نيسان 1900 (159)
الخبير
عثمان الخناني
25 نيسان 1900 (160)
الأسبوع
سليم قبعين
19 آيار 1900 (161)
الثمرات
سليم زكي
25 آيار 1900 (162)
البوستة
محمد شريف الجزائري
28 آيار 1900 (163)
رائد النيل
أحمد نجيب
30 حزيران 1900 (164)
الدواء
محمد فؤاد كامل
18 تموز 1900 (165)
الأفكار
حلمي صادق
12 آب 1900 (166)
العرب
1 أيلول 1900 (167) ⊙
صدى لبنان ⋆
سجعان عارج ***
2 كانون الثاني 1901 (168)
النسناس
مراد بينتوا
13 كانون الثاني 1901 (169)
أبو زيد
جورج أطانسيادي
حزيران 1901 (170)
الخزان
نجيب هاشم
9 آب 1901 (171)
التهذيب
مراد فرج
12 آب 1901 (172)
تحرير سوريا
جورج عساف
27 تشرين الأول 1901 (173)
الصوت الصارخ
باسيلي نصر
1 تشرين الثاني 1901 (174)
التمدن
إبراهيم رمزي
17 تشرين الثاني 1901 (175)
الابتسام
جورج إسحاق يارد
2 كانون الأول 1901 (176)
الحقيقة
عبد الله طاهر
5 كانون الأول 1901 (177)
العاصمة
شاكر أباظة
كانون الأول 1901 (178)
الغازي
محمد شكري
12 كانون الأول 1901 (179)
الأمل
بشير أنطاكي
20 كانون الأول 1901 (180)
الشرق المصور
أحمد كامي الكريدي
21 كانون الأول 1901 (181)
السهام
جورج إسحاق يارد †††
كانون الثاني 1902 (182)
سوق العصر
أحمد عباس
1902 (183)
أبو زيد
جورج أطانسيادي
20 شباط 1902 (184)
المصور
خليل زينيه ‡‡‡
6 آذار 1902 (185)
العجائب
أمين فوزي
16 آذار 1902 (186)
العمران
عبد المسيح أنطاكي
16 آذار 1902 (187)
الرشيد
إبراهيم فهمي
نيسان 1902 (188)
الصياد
سيد أحمد مصطفى
9 آيار 1902 (189)
المقصود
عبد المجيد كامل
1 حزيران 1902 (190)
التيمس المصري
سالم سيدهم تادرس
تموز 1902 (191)
الحقائق
قاسم محمد
15 آب 1902 (192)
بريد الأحد
الشيخ يوسف الخازن
تشرين الثاني 1902 (193)
الإكسبرس
توفيق حبيب
3 تشرين الثاني 1902 (194)
الكلمة الحرة
إبراهيم سليم نجار
20 تشرين الثاني 1902 (195)
الحوادث
أمين عواد
2 كانون الأول 1902 (196)
الفريق
علي علوي
كانون الأول 1902 (197)
الحرية
محمود فهمي
كانون الأول 1902 (198)
الحميدي
عبد الله حسون
كانون الثاني 1903 (199)
الراوي
يوسف طلعت ونجيب هاشم
6 شباط 1903 (200)
الجوائب المصرية §§§
خليل بك مطران
1903 (201)
القاهرة
بشير يوسف ووليم تركماني
آذار 1903 (202)
الإمام
محمد بك أبو شادي
آذار 1903 (203)
الإصلاح
زياد وماجدي
13 نيسان 1903 (204)
الباباغللو المصري
عبد المجيد كامل
28 حزيران 1903 (205)
الطغراء
جورج إسحاق يارد
آب 1903 (206)
الخلاعة
حسن علي عبد الله الرومي
14 تشرين الأول 1903 (207)
الطرائف
رشيد مصوبع
24 تشرين الأول 1903 (208)
ضد الخلاعة
يوسف عزمي
29 تشرين الثاني 1903 (209)
الخلاعة المصرية
عبد الرءوف حلمي
1903 (210)
الأزبكية
ن. ج
15 كانون الأول 1903 (211)
العصر العباسي
فتحي محمد
20 كانون الأول 1903 (212)
النيل
محمد غانم وسليم قبعين
20 كانون الأول 1903 (213)
السودان
محمود القباني
1903 (214)
المنتزة
سيد علي الحريري
كانون الثاني 1904 (215)
الفوتوغراف
1904 (216)
الإنسانية
محمود أبو النصر
31 كانون الثاني 1904 (217)
السياسة
يوسف كساب
26 شباط 1904 (218)
العائلة
إستير مويال
1 آذار 1904 (219)
الحافي
علي حافي بك
16 آذار 1904 (220)
الإجابة
شركة التشهيلات العمومية
18 آذار 1904 (221)
المساواة
قسطندي قسطة
نيسان 1904 (222)
المستقبل
محمود قدري
1904 (223)
الواعظ
محمود سلامة
23 نيسان 1904 (224)
الجاسوس
حافظ حلمي بكير
22 آيار 1904 (225)
النادي
الدكتور أنريكو أنساباتو
29 آيار 1904 (226)
الأمة حرة
قسطندي قسطة
8 تموز 1904 (227)
الغرائب
محمد أمين فوزي
تموز 1904 (228)
سيف العدالة
توفيق البحري
19 آب 1904 (229)
السويسية
ن. ج
4 أيلول 1904 (230)
المطالب
محمود فاضل
1904 (231)
المنعم
لطفي بك عيروط
أيلول 1904 (232)
الكوكب
محمود زكي بك
1904 (233)
الحوادث العمومية
عبد الله حسون
1904 (234)
الإرشاد
علي أحمد الجرجاوي
5 كانون الثاني 1905 (235)
الصحافة
مصطفى توفيق الجراحي
8 كانون الثاني 1905 (236)
التنكيت والتبكيت
محمد فاضل ومحمد طلعت
شباط 1905 (237)
الحجاز
أبو بكر بن عمر داغستاني
شباط 1905 (238)
السعيد
سعيد وإبراهيم أدهم
1905 (239)
المشكاة
يوسف يكن وخليل مويلحي
1905 (240)
العالم الإسلامي
مصطفى كامل باشا
نيسان 1905 (241)
الضحى
عبد الرحمن الذهبي
1905 (242)
الفاروق
محمد عزت
5 آيار 1905 (243)
الخلاعة الأصلية
عبد الله حسون
1905 (244)
الأمير
أحمد الليثي
9 حزيران 1905 (245)
المفيد
عبد العزيز حمدي
1905 (246)
الكون
أحمد رفعت
1 أيلول 1905 (247)
العروة الوثقى
بشير بن فتح الله
1 تشرين الأول 1905 (248)
الاعتدال المصري
مصطفى حلمي سعد
10 تشرين الأول 1905 (249)
عفريت الحمارة
عبد الرحمن الهندي
31 تشرين الأول 1905 (250)
الحكومة
عزيز فهمي المصري
28 تشرين الثاني 1905 (251)
الأزبكية
قسطندي قسطة
1905 (252)
الصائح
محمد علي نصوحي
1 كانون الثاني 1906 (253)
الراية العثمانية
بشير بن فتح الله
1 كانون الثاني 1906 (254)
الأمة
محمد الشربتلي
1906 (255)
الخطيب
عبد العزيز فرغلي
1906 (256)
الكلمة الحقة
إبراهيم سليم نجار
1906 (257)
المعرض
حسن راغب
1906 (258)
المنبر
محمد مسعود وحافظ عوض
تموز 1906 (259)
الآستانة
حسين تيمور ومحمد الصادق عمر
تموز 1906 (260)
الانتباه
1906 (261)
كشف الخبايا
عبد الحميد فريد
1906 (262)
الحرمين
حسين برادة
1906 (263)
حقائق الشرق أو الديك المصري
جورج نلكن دي ولدبرج
1906 (264)
الشورى
عبد الحق الأنصاري والطهطاوي
23 كانون الأول 1906 (265)
الكوكب المصري
جورج نلكن دي ولدبرج
1906 (266)
البورصة
جورج نلكن دي ولدبرج
1907 (267)
الدنيا الجديدة
أحمد نديم
17 كانون الثاني 1907 (268)
الحق الصراح
عبد العزيز ومحمود موسى
1907 (269)
الشورى العثمانية
جمعية الشورى العثمانية
31 كانون الثاني 1907 (270)
الشرق
محمد حلمي ونجيب زكي
شباط 1907 (271)
ها ها ها
محمد مسعود وحافظ عوض
8 آذار 1907 (272)
الجريدة
أحمد لطفي السيد ||||
9 آذار 1907 (273)
التمساح
علي شوقي
6 آيار 1907 (274)
الديك
فتحي عزمي
1907 (275)
مرآة تركيا
محمد صفا
7 حزيران 1907 (276)
السبعة وذمتها
علي أبو زيد
10 آب 1907 (277)
الأسد الإسلامي
سليمان الباروني ¶¶¶
12 آب 1907 (278)
خيال الظل
أحمد حافظ عوض
1907 (279)
الجامعة المصرية
مرسي محمد وأحمد راشد
تشرين الأول 1907 (280)
السياسة المصورة
عبد الحميد زكي
تشرين الثاني 1907 (281)
الدستور
محمد فريد وجدي ****
تشرين الثاني 1907 (282)
النهضة
إسماعيل غصبرنسكي ††††
كانون الثاني 1908 (283)
الجريدة الأسبوعية
محمود طاهر حقي
31 كانون الثاني 1908 (284)
الأستاذ
علي لطفي وعبد المجيد كامل
2 شباط 1908 (285)
ضياء الشرق
محمود بك حسيب
آذار 1908 (286)
العزيز
مصطفى عبد الله وأبو زيد حسن
20 آذار 1908 (287)
الإقدام
حنا سيدهم ونجيب كرم إلخ
20 آذار 1908 (288)
عفريت المقاولين
جندي فرج
1908 (289)
الحق الصراح
عبد العزيز موسى
1908 (290)
البستان
ميشال ميسر وسالم سيدهم
1908 (291)
الحكومة
عزيز عزت
1908 (292)
الإنسانية
إبراهيم الدباغ
21 نيسان 1908 (293)
القطر المصري ‡‡‡‡
أحمد حلمي
24 نيسان 1908 (294)
الجهاد
السيد سعيد والقليني
1908 (295)
المصباح
محمود زكي وحسين الخادم
10 آيار 1908 (296)
المباحث السياسية
حسين شفيق
21 حزيران 1908 (297)
الولاء
إبراهيم روسو
1908 (298)
الأحوال
حبيب يوسف
28 حزيران 1908 (299)
الرعد
علي صادق الحكيم
16 آب 1908 (300)
عصر الجديد
حبيب تراك وحمدي السمان
8 تشرين الأول (301)
المباحث السياسية (مصورة)
حسين شفيق وسليم الحداد
16 تشرين الأول 1908 (302)
مجلة الأعمال اليدوية للسيدات
الآنسة فاسيلا وأختها
1 كانون الأول 1908 (303)
مصر الفتاة
سيد علي
كانون الأول 1908 (304)
الطلبة
عبد الحميد حمدي
كانون الأول 1908 (305)
الفضيلة
علي صادق الحكيم
1908 (306)
الظهور
علي نور راغب
1 كانون الثاني 1909 (307)
المقطم الأسبوعي
صروف ونمر ومكاريوس
1 كانون الثاني 1909 (308)
الاستقامة
حافظ حلمي بكير
2 كانون الثاني 1909 (309)
البهلول
محمد شرف
كانون الثاني 1909 (310)
النظام
محمد مسعود
13 كانون الثاني 1909 (311)
الخطيب
الشيخ حسن فرغلي
1909 (312)
حذام
يوسف حمدي يكن
2 شباط 1909 (313) ⊙
المسامير
السيد عارف
19 شباط 1909 (314)
الأقباط الكاثوليك
حبيب كرم
1 آذار 1909 (315)
الآمال
باسيلي بطرس قزمان
30 آذار 1909 (316)
اللواء المصور
قاسم حسن شاكر الروسي
نيسان 1909 (317)
الشجاعة
أحمد عباس
حزيران 1909 (318)
البشائر
السيد الغنيمي محمد التفتزاني
17 كانون الأول 1909 (319)
المؤيد الوطني
علي نور راغب
1909 (320)
السامي
السيد عارف
1909 (321)
الولاء
بشير بن فتح الله
1909 (322) ⊙
الآداب
أحمد كمال الحلي
كانون الثاني 1910 (323)
الكائنات
الأرشمندريت باسيليوس الحاج
15 كانون الثاني 1910 (324)
العلم
إسماعيل حافظ
1 آذار 1910 (325)
الشعب
محمود أبو عثمان
آذار 1910 (326)
الاستقلال
نجيب بك شقرا
2 نيسان 1910 (327)
السلام
نسيم ملول
15 نيسان 1910 (328)
السيف
عبد الله حسون وحسين علي
24 نيسان 1910 (329)
البلاغ المصري
جاك دراجيلا
9 تموز 1910 (330)
مجلة الصحة
25 آب 1910 (331)
النصيحة
أحمد نديم
23 تشرين الأول 1910 (332)
الترقي
الكونت مكس دي كولالتو
1 تشرين الثاني 1910 (333)
العفاف
سليمان أحمد مهران السليمي
3 تشرين الثاني 1910 (334)
الجوهر الساطع
رزق الله جرجس بشاي
5 كانون الثاني 1911 (335)
صحائف الحق
محمود أبو الفيض
1911 (336)
أبو الهول
قسطنطين رومانو
4 شباط 1911 (337)
الشعب
محمود أبو عثمان
1911 (338)
المعتدل
عزيز سليم صعب
14 نيسان 1911 (339)
الإرشاد
لويجي بنياتين
1911 (340)
الرقيب
جورج طنوس
1 تموز 1911 (341)
الكوكب
الشيخ مصطفى الترمذي
28 تشرين الأول 1911 (342)
الإحصائية الزراعية الاقتصادية
مصلحة عموم الإحصاء
1 كانون الثاني 1912 (343)
جمعية النهضة الأدبية
لعمال المطابع العربية
1 كانون الثاني 1912 (344) ⊙
إحصائية شهرية لمحصول القطن المصري ⋆
رسمية
30 أيلول 1912 (345) ⊙
عكاظ ⋆
الشيخ فهيم قنديل
13 تموز 1913 (346)
الإقدام
محمد الشنطي
17 كانون الأول 1913 (347)
اقرأني
الأمير فريد شهاب
4 آذار 1914 (348) ⊙
المجلة المصورة ⋆
بيني إخوان
8 آيار 1914 (349) ⊙
الكشكول ⋆
سليمان فوزي
5 حزيران 1914 (350)
النجمة المصرية
عبد الحليم دلاور المصري
26 حزيران 1914 (351)
المشرق
أحمد حلمي
1 آب 1914 (352)
الثمرات
حسن السندوبي
14 آب 1914 (353)
ملحق المقطم المصور
صروف ونمر ومكاريوس
20 آب 1914 (354)
العصر
محمود راشد
6 كانون الأول 1914 (355) ⊙
اللطائف المصورة ⋆
إسكندر مكاريوس
15 شباط 1915 (356) ⊙
الوطنية ⋆
أيوب صبري
1915 (357)
السفور
عبد الحميد حمدي
21 آيار 1915 (358) ⊙
الإصلاح ⋆
محمود عبد السلام
تشرين الثاني 1916 (359)
الكوكب
محمد القلقيلي
1917 (360)
المرآة
أحمد إبراهيم فودة
20 كانون الثاني 1917 (361) ⊙
الحال ⋆
خليل صادق
18 حزيران 1917 (362) ⊙
الشباب ⋆
محمد عبد العزيز
1 كانون الثاني 1918 (363) ⊙
جريدة فلسطين
الجيش البريطاني في بلاد العدو المحتلة
11 نيسان 1918 (364) ⊙
المنبر ⋆
عبد الحميد حمدي
3 آب 1918 (365)
الأخبار (أسبوعي مصور)
24 نيسان 1919 (366)
النظام
سيد علي
29 تموز 1919 (367)
الأفكار ⋆
أبو العينين بدر
آب 1919 (368)
الزراعة
أحمد حلمي
25 آب 1919 (369)
مفتاح الإصلاح
توفيق عزوز
1919 (370)
الوفد المصري
1919 (371)
اللسان §§§§
الحكيم
3 تشرين الأول 1919 (372)
عصفور الليل
محمد شرف
12 تشرين الأول 1919 (373)
الحاوي
راغب حسن
20 تشرين الأول 1919 (374)
الرعد المصري
حسني يوسف
2 تشرين الثاني 1919 (375)
البلابل
محمد شرف
21 تشرين الثاني 1919 (376)
المرزبة
أحمد السيد أبو السعود
1 كانون الثاني 1920 (377)
الطلبة
عبد الخالق عزت
12 كانون الثاني 1920 (378)
الخزوق
ع. ع. أ. أمين
15 كانون الثاني 1920 (379)
الأخبار ⋆
أمين الرافعي
22 شباط 1920 (380)
إسرائيل
موسيري
26 آذار 1920 (381)
الزمان
أحمد إبراهيم فودة
9 نيسان 1920 (382)
الصنف
حبيب عبد الملك
5 حزيران 1920 (383)
النشرة الاقتصادية المصرية
منصور صدقي بك
12 حزيران 1920 (384)
الحقائق ⋆
أحمد فريد
3 تشرين الأول 1920 (385)
النسر المصري
ميخائيل بشارة داود
4 تشرين الثاني 1920 (386)
أبو الهول ⋆
مصطفى إسماعيل القشاشي
9 تشرين الثاني 1920 (387)
النيل المصري
فرج سليمان فؤاد
13 كانون الثاني 1921 (388)
الأخبار الماسونية
جرولشتين وفرج وبزيات
كانون الثاني 1921 (389)
الوجديات
محمد فريد وجدي
15 شباط 1921 (390)
الصباح
حسن حافظ
3 آذار 1921 (391)
الساعة (مصورة) ⋆
إبراهيم زهدي
1921 (392)
النيل ⋆
فرج سليمان فؤاد
1921 (393)
الديك
فتحي عزمي
1921 (394)
الاستقلال
محمود عزمي
15 آيار 1921 (395)
البشير
سيد حسن
19 آيار 1921 (396)
الكشكول المصور ⋆
سليمان فوزي
24 آيار 1921 (397)
إياك
محمد فرحات
5 حزيران 1921 (398)
السمير المصور
ليون نعيماس
14 تموز 1921 (399)
النهضة النسائية ⋆
لبيبة أحمد
16 تموز 1921 (400)
الراوي
محمد حطاب
5 آب 1921 (401)
المعلقات
محمد عيد
13 آب 1921 (402)
اللواء المصري
محمد حافظ رمضان
23 آب 1921 (403)
قصر النيل
حسين مظلوم
18 نيسان 1922 (404)
الرجاء
ليلى عبد الحميد الشريف
نيسان 1922 (405)
العالمين
عبد القوي الحلبي
18 آيار 1922 (406)
القصص
جورج طنوس
28 آيار 1922 (407)
شمس النيل
علي حمدي
1922 (408)
النشرة المصورة
منصور صدقي بك
19 حزيران 1922 (409)
الصباح
مصطفى إسماعيل القشاشي
28 تموز 1922 (410)
الأحوال ⋆
علي النحاس
14 أيلول 1922 (411)
مجلة الشرق الطبية ⋆
الدكتور حسن كامل
1 تشرين الأول 1922 (412)
المفيد
علي أمين
1 تشرين الأول 1922 (413)
النهضة المصرية
عبد الحميد حمدي
22 تشرين الأول 1922 (414)
السياسة ⋆
محمد حسين هيكل
30 تشرين الأول 1922 (415)
الدستور ⋆
محمد فريد وجدي
9 تشرين الثاني 1922 (416)
المحاسن المصورة
عبيد الله أسعد
30 تشرين الثاني 1922 (417)
الحركة التجارية
شوبلا وكرم والباجا
7 كانون الأول 1922 (418)
شجرة الدر
منيرة منصور
28 كانون الأول 1922 (419)
البرلمان
حسن الشيخ
6 كانون الثاني 1923 (420)
البلاغ ⋆
عبد القادر حمزة
28 كانون الثاني 1923 (421)
الأولاد
إسكندر مكاريوس
15 شباط 1923 (422)
الفلك
محمد شفيق
18 شباط 1923 (423)
الحضارة المصرية ⋆
محمود رفعت
1923 (424)
عاصمة الشرق
عبد العزيز حمدي
17 نيسان 1923 (425)
الثبات
عبد الحميد حمدي
7 آيار 1923 (426)
الألعاب الرياضية
فؤاد غطاس
16 آيار 1923 (427)
الرشيد ⋆
أحمد صادق |||||
20 آيار 1923 (428)
السداد
عبد العظيم يوسف
10 حزيران 1923 (429)
الجمهور
محمود أبو الفتح
21 تموز 1923 (430)
سمير الأفكار
حسن حافظ
13 تشرين الأول 1923 (431)
الحوادث المصورة
أنيسة حصلب
تشرين الأول 1923 (432)
النفير
دسوقي سليمان
تشرين الثاني 1923 (433)
السباق
توفيق حبيب
31 كانون الثاني 1924 (434)
بريد المحاكم
يعقوب دانا المحامي
16 شباط 1924 (435)
الصحيفة المدرسية
سالم الظاهر
6 آذار 1924 (436)
التمثيل
عدلي جرجس ويوسف توما
20 آذار 1924 (437)
المقرعة
حسين رفعت
4 نيسان 1924 (438)
مجلة النهضة الإكليريكية ⋆
القس جرجس النفاري
9 نيسان 1924 (439)
الاتحاد الإسرائيلي ⋆
يوسف فرج صالح
20 نيسان 1924 (440)
الجرس
عبد الفتاح المسلمي
20 نيسان 1924 (441)
لسان الشعب
حسني يوسف
30 نيسان 1924 (442)
الزراعة الحديثة
محمد الروركلي
15 آيار 1924 (443)
الشرق الجديد ⋆
محمد أحمد عمارة
29 آيار 1924 (444)
خيال الظل
حافظ عوض وسهران بك
12 حزيران 1924 (445)
السمر
حسين سليم
14 حزيران 1924 (446)
الناس ⋆
حسين شفيق المصري
6 تموز 1924 (447)
الفنون
أحمد علام
15 تموز 1924 (448)
ملحق البلاغ المصور
عبد القادر حمزة
1 آب 1924 (449)
المطرقة ⋆
أحمد شفيق
10 آب 1924 (450)
نشرة الأزهر
أحمد مختار الحنبلي
6 أيلول 1924 (451)
المرأة الجديدة
عبد الوهاب الصبري
11 أيلول 1924 (452)
التضامن
توفيق صليب
14 أيلول 1924 (453)
الجريدة المصورة
14 أيلول 1924 (454)
الطائف المصور
محمد حلمي دسوقي
15 أيلول 1924 (455)
ميمون
محمد رفعت المازني
18 أيلول 1924 (456)
أبو قردان
محمود رمزي نظيم
21 أيلول 1924 (457)
عظمة الشرق
محمد عبد الهادي عمار
1924 (458)
البهيج
مصطفى بهيج
1924 (459)
كوكب الشرق ⋆
أحمد حافظ عوض
21 أيلول 1924 (460)
الشيوخ
أحمد أحمد بدوي
21 أيلول 1924 (461)
الحوادث
أحمد نديم المربع
1 تشرين الأول 1924 (462)
الرشاد
حليم ميخائيل أسعد
14 تشرين الأول 1924 (463)
النونو
جمال الدين حافظ عوض
19 تشرين الأول 1924 (464)
النوبة
عمر محمد ميرغني
20 تشرين الأول 1924 (465)
الشورى ⋆
محمد علي الطاهر
22 تشرين الأول 1924 (466)
المصور ⋆
إميل وشكري زيدان
24 تشرين الأول 1924 (467)
السودان المصري
أحمد محمد علي
25 تشرين الأول 1924 (468)
الحياة الجديدة
محمود محمد وهبي
26 تشرين الأول 1924 (469)
العفريت
عبد الحميد نجيب قناوي
11 تشرين الثاني 1924 (470)
البغبغان ⋆
كامل تادرس وسيد سعودي
21 كانون الأول 1924 (471)
الحساب
إبراهيم الصيحي
كانون الأول 1924 (472)
الوسيط ⋆
الدكتور مقصود
1 كانون الثاني 1925 (473)
الفجر ⋆
أحمد خيري سعيد
8 كانون الثاني 1925 (474)
العلم المصري ⋆
علي فهمي كامل
10 كانون الثاني 1925 (475)
الاتحاد ⋆
عبد الحليم البيلي
11 كانون الثاني 1925 (476)
الكناشة
15 كانون الثاني 1925 (477)
الأجيال
محمد محمد السيد
1925 (478)
تاريخ الحوادث
عبد العظيم سعودي
1925 (479)
الإخلاص
عبد القوي نصار
19 كانون الثاني 1925 (480)
العهد
سليمان فوزي
24 كانون الثاني 1925 (481)
العروسة ⋆
إدارة مجلة اللطائف المصورة
28 كانون الثاني 1925 (482)
الاستقلال المصري
لطفي عيروط
15 شباط 1925 (483)
الميكروسكوب
حسين سعودي
5 آذار 1925 (484)
الهادي ⋆
الشيخ مصطفى عمر الأخميمي
12 آذار 1925 (485)
الوطنية المصرية
محمد أبو العزام
13 آذار 1925 (486)
صحيفة الإعلانات
أحمد شفيق باشا وبولس مسعد
15 آذار 1925 (487)
الزغلول
حسين سعيد
16 آذار 1925 (488)
اللواء المصري والأخبار
أمين الرافعي
10 آيار 1925 (489)
فتى الشرق
حسين علي داود
15 آيار 1925 (490)
الطائف المصور
عدلي جرجس ومحمد السوادي
27 حزيران 1925 (491)
الميكروسكوب المصور
حسين سعودي
1925 (492)
المرشد
16 آب 1925 (493)
الأمل
منيرة ثابت
7 تشرين الثاني 1925 (494)
كل شيء ⋆
إميل وشكري زيدان
16 تشرين الثاني 1925 (495)
1000 صنف ⋆
بديع خيري
23 تشرين الثاني 1925 (496)
الأطفال المصورة ⋆
يعقوب ليسكوفتش
15 كانون الأول 1925 (497)
الألعاب
محمد جاهين
15 كانون الثاني 1926 (498)
الغول
محمود طاهر العربي وبديع خيري
20 شباط 1926 (499)
المنهاج
إبراهيم أطفيش
شباط 1926 (500)
الدفاع الوطني ⋆
حسن حسني كامل
7 آذار 1926 (501)
السياسة الأسبوعية ⋆
محمد حسين هيكل
19 آذار 1926 (502)
العلم ⋆
علي فهمي كامل
نيسان 1926 (503)
الأسبوع
إبراهيم عبد القادر المازني ¶¶¶¶
4 آيار 1926 (504)
العالم ⋆
كريم خليل ثابت
30 آيار 1926 (505)
الفتح
محب الدين الخطيب
10 حزيران 1926 (506)
الشيطان
بطرس جلبي
22 آب 1926 (507)
المعرض ⋆
راغب حسن
1926 (508)
النواب
محمد إبراهيم هلال
2 أيلول 1926 (509)
الصادرات والواردات
جان سياج وشركاؤه
أيلول 1926 (510)
التصوير النفسي
يوسف عوني
2 تشرين الأول 1926 (511)
أبو شادوف
محمد شرف
3 تشرين الأول 1926 (512)
النذير
مفيدة سليمان
7 تشرين الأول 1926 (513)
مسامرات الأطفال المصورة
محمود كامل فريد
14 تشرين الأول 1926 (514)
الوجدان
محمد محمد الجنبيهي
16 تشرين الأول 1926 (515)
القلم
بيومي أبو السعود
17 تشرين الأول 1926 (516)
أولمبيا السينماتوغرافية
حسن حسني الشبراويني
11 تشرين الثاني 1926 (517)
البلاغ الأسبوعي ⋆
عبد القادر حمزة
26 تشرين الثاني 1926 (518)
كلية الآداب والعلوم ⋆
الجامعة الأميركية
كانون الثاني 1927 (519)
صدى الحق ⋆
محمد صفا
6 كانون الثاني 1927 (520)
الفلسفة
علي أسعد الحسيني
13 كانون الثاني 1927 (521)
الأتوموبيل
شفيق غندور
10 شباط 1927 (522)
الفنان
محمد يونس القاضي
3 آذار 1927 (523)
المخادنة ⋆
حسين رمزي
1927 (524)
الأماني القومية ⋆
إبراهيم عبد الله الديروطي
1927 (525)
الظاهر ⋆
حسن الشيخة
أيلول 1927 (526)
الكشاف
أحمد عبود
29 تشرين الثاني 1927 (527)
النور ⋆
محمود زكي باشا
2 كانون الأول 1927 (528)
النجمة الزهراء
وهبة مكسيموس
1927 (529)
المستقبل
المحامي إسماعيل وهبة
كانون الأول 1927 (530)
الأحوال ⋆
مصطفى إسماعيل القشاشي
1927 (531)
الصور الاجتماعية
علي نجيب
1928 (532)
المستقبل الرياضي
إسماعيل وهبة
12 تموز 1928 (533)
ماتش ⋆
أنطون سليم شنيارة
10 كانون الثاني 1929 (534)
المحكمة ⋆
أمين إبراهيم الأزهري
10 كانون الثاني 1929 (535)
النشر القضائي ⋆
متولي علي العوضي الخبير
27 كانون الثاني 1929 (536)
المحروسة المصورة ⋆
محمود زكي شاكر
23 آذار 1929 (537)
النظام ⋆
سيد علي
10 آيار 1929 (538)
الدنيا المصورة ⋆
إميل وشكري زيدان
22 آيار 1929 (539)
الصرخة ⋆
حسن حسني عبد العال
1929 (540)
ابن البلد ⋆
سيد بيومي سلامة
1929 (541)
الثبات ⋆
خليل أحمد
1929 (542)
الروضة ⋆
يوسف المرزوقي
1929 (543)
جريدة الأمين ⋆
أمين حسن
19 كانون الأول 1929
ثانيا: مدينة الإسكندرية (1)
التنبيه
رسمية
6 كانون الأول 1800 (2)
الكوكب الشرقي
سليم باشا الحموي
6 آب 1873 (3)
شعاع الكوكب
سليم باشا الحموي
1876 (4) ⊙
الأهرام ⋆
سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا *****
5 آب 1876 (5)
مصر الفتاة
1877 (6)
صدى الأهرام
سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا
1877 (7)
الوقت
سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا
1877 (8)
التجارة
سليم نقاش وأديب بك إسحاق
15 آيار 1878 (9)
الإسكندرية
سليم باشا الحموي
11 تموز 1878 (10) ⊙
المحروسة ⋆
سليم نقاش †††††
1880 (11)
العصر الجديد
سليم نقاش
8 كانون الثاني 1880 (12) ⊙
الاتحاد المصري ⋆
روفائيل مشاقة ‡‡‡‡‡
2 كانون الثاني 1881 (13)
البرهان
معوض محمد فريد وحمزة فتح الله
5 آيار 1881 (14)
الطائف
عبد الله نديم
10 تموز 1881 (15)
مصر
أديب بك إسحاق وأخوه عوني
كانون الأول 1881 (16)
الأحوال
سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا
9 حزيران 1882 (17)
الاعتدال
الشيخ حمزة فتح الله §§§§§
31 تموز 1882 (18)
روضة الإسكندرية
سليم باشا الحموي
9 تشرين الأول 1882 (19)
الببغاء
نجيب غرغور
1887 (20)
المنارة
نجيب غرغور
1888 (21)
الحقيقة
جورج مرزا وفرج مزراحي
1888 (22)
السرور
نقولا عبد المسيح
8 كانون الثاني 1892 (23)
فرصة الأوقات
محمود حلمي
3 كانون الأول 1893 (24)
المتحف
يعقوب نوفل
1 كانون الثاني 1894 (25)
لسان العرب ||||||
نجيب وأمين الحداد وعبده بدران
1 آب 1894 (26)
النور العباسي
نجيب استفان أيوب
13 أيلول 1894 (27)
المشير ¶¶¶¶¶
سليم سركيس
1 تشرين الثاني 1894 (28)
السباق
إميل نافارتي
18 آذار 1895 (29)
المغربي العثماني
محمد دياب
25 آذار 1895 (30)
حظ الحياة
سليم إبراهيم رومانو
14 أيلول 1895 (31)
في الطريق
بابيو وليروا
25 أيلول 1895 (32)
أبو النواس
نجيب غرغور
3 تشرين الثاني 1895 (33)
المرسي
جمعية النجم الثاقب
كانون الأول 1895 (34)
الرفيق
محمد مطوش نوري ومحمود حلمي
15 كانون الثاني 1896 (35)
العباس
محمد يوسف
شباط 1896 (36)
الكرباج والعفريت
الشيخ عبد الله القدسي
10 حزيران 1896 (37)
الإعلانات
نقولا سابا الأنطاكي
14 أيلول 1896 (38)
فصل الخطاب
طانيوس عبده
1 كانون الأول 1896 (39)
الأدب
أحمد فهمي
كانون الأول 1896 (40)
المأمون
أحمد صادق
15 تموز 1897 (41) ⊙
البصير ⋆
رشيد بك شميل ******
1 أيلول 1897 (42)
التجارة
جرجي حبيب
20 أيلول 1897 (43)
الرجاء
جرجي حبيب
1898 (44)
الرقيب
نجيب إبراهيم طراد
15 كانون الثاني 1898 (45)
التاريخ اليومي
نقولا سابا الأنطاكي
4 شباط 1898 (46)
الحقانية
أحمد عبد الكريم
1898 (47)
مجلة النيل
مصطفى الدمياطي
3 آذار 1898 (48)
العثماني
أمين الخوري ونقولا رزق الله
21 آيار 1898 (49)
السلام
نجيب الحداد وغالب طليمات
حزيران 1898 (50)
الحشاش
أحمد صادق
14 آب 1898 (51)
الصادق ††††††
يعقوب مراد وأحمد صادق
31 آب 1898 (52)
السعادة
عبد الفتاح بيهم
13 أيلول 1898 (53)
صدى الأهرام
بشارة باشا تقلا
1899 (54)
أبو نواس
يوسف وإلياس كنعان
كانون الثاني 1899 (55)
برهان الحق
محمود حمدي ومحمد فهمي محسب
22 آيار 1899 (56)
الإرشاد
محمد فخري
14 تموز 1899 (57)
الكوكب المصري
مصطفى كامل
23 تموز 1899 (58)
الكوكب الساري
جمعية الكوكب الساري
1 أيلول 1899 (59)
الإسكندرية
توفيق فرغلي
1899 (60)
الآمال
نجيب غرغور
8 تشرين الأول 1899 (61)
الصباح
عبده بدران
26 آب 1900 (62) ⊙
نجم المشرق ⋆
متري سليم الدويري
1 كانون الثاني 1901 (63)
النجاة
خليل إبراهيم
18 آذار 1901 (64)
المنصور
موسى حمدي
1 آذار 1902 (65)
الإعلان
أمين الخوري
آذار 1902 (66)
الرجاء
ألبرت أسود
9 تموز 1902 (67)
المصري
علي عبد الكريم المصري
16 تشرين الأول 1902 (68)
النصر
نسيم ملول
1 كانون الثاني 1903 (69)
الجريدة الماسونية
نقولا سابا
كانون الثاني 1903 (70)
المودة
سليم خليل فرح
18 نيسان 1903 (71)
الشرق
حنا جاويش وطانيوس عبده
16 أيلول 1903 (72)
الذمار
شاهين الخازن ونسيم العازار
7 تشرين الثاني 1903 (73)
الهلوسة
محمد أمين وعبد الرحمن الهندي
1904 (74) ⊙
الإكسبريس ⋆
محمود إبراهيم ‡‡‡‡‡‡
آيار 1904 (75)
المساعد
جمعية حفظ العهود
1 حزيران 1905 (76)
الجمهور
محمد مصطفى الدرمللي
1 أيلول 1905 (77)
الغندرة
محمد علي أحمد
1905 (78) ⊙
وادي النيل ⋆
محمد الكلزة §§§§§§
2 آيار 1908 (79)
الشعب المصري
أحمد رفعت
1908 (80)
البعبع
رضوان فريد
1908 (81)
أبو النواس
27 شباط 1909 (82)
الطنبورة
21 آذار 1909 (83)
كراكوز
وصفي نديم
24 أيلول 1910 (84) ⊙
الأهالي
عبد القادر حمزة
19 تشرين الأول 1910 (85) ⊙
الهدى ⋆
القس توما فني
6 كانون الثاني 1911 (86)
الإقدام
ولي الدين بك يكن |||||||
29 نيسان 1912 (87)
جريدة الإعلانات القضائية والتجارية
نقولا وإلياس سابا
8 كانون الثاني 1914 (88) ⊙
الدليل ⋆
نقولا وإلياس سابا
15 آذار 1914 (89)
السلام
توفيق فرغلي
28 حزيران 1915 (90) ⊙
الأمة
توفيق طنوس
8 تشرين الأول 1915 (91)
النجاح
إسماعيل صبري ومحمد بيرم
1916 (92) ⊙
التجارة
عبد الفتاح بركة
1 كانون الثاني 1917 (93) ⊙
الهوانم
عبد الحميد سالم
1918 (94)
المسلة
محمود بيرم التونسي
1919 (95)
الأمة
توفيق طنوس وأحمد عبد السلام
28 شباط 1920 (96)
الجريدة التجارية المصرية ⋆
محمد نجيب ولاية ¶¶¶¶¶¶
20 آيار 1921 (97)
الشبيبة
عبد الحميد نحاس
16 نيسان 1922 (98)
الشبيبة (غير السابقة)
عبد الحميد نحاس
7 تموز 1922 (99)
النهضة المصرية
إدوار بايار
22 تشرين الأول 1922 (100)
الشعب المصري
مصطفى الخادم بك
31 آيار 1923 (101)
البصير القضائي ⋆
شارل شميل
2 تشرين الثاني 1923 (102)
حيرام
توفيق طنوس
1923 (103)
المصباح
عبد الوهاب علي
16 آذار 1924 (104)
اللسان الصادق
عبد الفتاح علي بدوي
27 آذار 1924 (105)
العمال
محمد متولي سويلم
18 نيسان 1924 (106)
النشرة التجارية ⋆
مظلوم هاشم
1924 (107)
السفير ⋆
عبد الرحمن شرف
25 آيار 1924 (108)
الجهاد
زينب عبد الحميد
21 أيلول 1924 (109)
الإسكندرية
حافظ مختار
28 كانون الأول 1924 (110)
نهضة الشرق
محمد علي حسن
15 كانون الثاني 1925 (111)
النزاهة
أحمد علي خطابي
1 آذار 1925 (112)
البعث
صديق أحمد
12 نيسان 1925 (113)
الظريف ⋆
محمد عبد الجواد
28 حزيران 1925 (114)
الثروة
محمد نجيب ولاية
أيلول 1925 (115)
المهذب ⋆
جورج فرح
17 تشرين الأول 1925 (116)
الأجيال ⋆
محمد متولي سويلم
24 كانون الثاني 1926 (117)
نفائس المدارس
أحمد حشمة عمار
13 حزيران 1926 (118)
الوجدان
محمد الجنبيهي
1927 (119)
السهام
توفيق طنوس
16 آذار 1927 (120)
الرياضة ⋆
أحمد السدودي
7 تموز 1927 (121)
معرض السينما ⋆
محمد عبد اللطيف
1927 (122)
النديم
محمد فهمي
16 أيلول 1927 (123)
الرياضة الأسبوعية ⋆
عبد الحميد الباجوري
1 تشرين الثاني 1928 (124)
الأجيال ⋆
السيد مصطفى وعبد القادر السيد
5 كانون الثاني 1929 (125)
الجرس ⋆
موريس بتيتو
18 كانون الثاني 1929 (126)
الثغر ⋆
سليمان فوزي
16 نيسان 1929 (127)
عالم السينما
جورج منسي
17 آب 1929 (128)
عالم السينما
جورج منسي وحسن جمعة
5 أيلول 1929
ثالثا: مدينة طنطا (1)
طنطا
محمد توفيق الأزهري
28 آب 1896 (2) ⊙
الرائد العثماني ⋆
محمد توفيق الأزهري
1903 (3) ⊙
الحرية ⋆
محمود فهمي
1903 (4)
الصيحة
محمود الشاذلي
3 نيسان 1903 (5)
النافع
مصطفى نافع
كانون الثاني 1904 (6)
الهجرة
عبد الرحمن الذهبي
29 كانون الأول 1904 (7)
العدل
عثمان محمد
4 أيلول 1908 (8)
الشرائع
سعادة بك
31 تشرين الأول 1913 (9)
المحاكم الأهلية
قسطنطين دهان
20 شباط 1914 (10)
روضة البحرين
حسن راسن
6 تشرين الأول 1919 (11)
المقص
16 كانون الأول 1919 (12)
الضحوك ⋆
عبد ربه بهاء الدين
13 آيار 1921 (13)
الفضائل ⋆
محمود راغب
17 آيار 1921 (14)
سفينة الأخبار ⋆
عبد المتعال خليل
26 آيار 1921 (15)
الابتسام
محمد فؤاد كامل
3 حزيران 1922 (16)
الكمال ⋆
نجيب يوسف
كانون الثاني 1923 (17)
العصر الجديد ⋆
محمود حلمي القباني
24 نيسان 1924 (18)
القاهرة ⋆
محمد صالح
10 تموز 1924 (19)
سمير فتية مصر الفتاة ⋆
2 تشرين الثاني 1924 (20)
الحضارة المصرية *******
محمود رفعت
كانون الثاني 1925 (21)
جريدة طنطا ⋆
محمد راشد
1926 (22)
الأقلام ⋆
مسيحة ميخائيل
14 تشرين الثاني 1927 (23)
المدنية ⋆
ديمتري فهمي
12 آب 1929
رابعا: مدينة المنصورة (1)
المنصورة
أحمد رشدي
27 أيلول 1896 (2)
المفتخر
عمر لطفي
1904 (3)
الهدهد
26 كانون الثاني 1905 (4)
الدلتا
جبرائيل إنكيري
1912 (5)
التوفيق ⋆
علي حمدي
كانون الثاني 1924 (6)
المنصورة ⋆
موافي رمضان
آذار 1925 (7)
المسامرات ⋆
علي حمدي
1927 (8)
مسامرات عزمي ⋆
عمر عزمي
25 كانون الثاني 1929
خامسا: مدينة المنيا (1)
البريد
صالح زهير
1924 (2)
مصر الجديدة
صادق الفكري
13 نيسان 1924 (3)
العناية ⋆
شفيق يونان
30 آيار 1924 (4)
المنيا ⋆
أبو الليل راشد
2 حزيران 1924 (5)
المنطق
مصطفى فهمي البشندي
26 تموز 1924 (6)
المحكمة
أمين إبراهيم الأزهري
12 شباط 1925 (7)
الائتلاف ⋆
شحاتة فرج السمالوطي
20 تشرين الثاني 1926 (8)
الأقاليم ⋆
إبراهيم فؤاد المنياوي
12 حزيران 1928
سادسا: مدينة دمنهور (1)
الإنسان
خليل فوزي
1907 (2)
المصارحات
عبد العزيز دعبيس
29 كانون الأول 1919 (3)
القاهرة
محمد صالح
10 تموز 1924 (4)
رحلة البحيرة
محمد لبيب الجويني
28 أيلول 1924 (5)
الحق
أحمد متولي الحوفي
30 تشرين الثاني 1924 (6)
المحمودية
محمد زاهر الجويني
1925
سابعا: مدينة حلوان (1)
الحماية
شاكر أباظة ومحمد توفيق الأزهري
15 تشرين الأول 1896 (2)
حلوان
حمدي يوسف يكن ومحمود طاهر
24 تشرين الأول 1897 (3)
الأحرار
محمد وحيد
15 آذار 1908 (4)
الريحانة
جميلة حافظ
20 آذار 1908
ثامنا: مدينة الزقازيق (1)
الشرقية
محمد توفيق العطار ويوسف حسين
22 شوال 1317ه (2)
الصبوة
أحمد عبد الله حسين
16 ذي القعدة 1317ه (3)
الصبا
أحمد عبد الله حسين
23 ذي القعدة 1317ه (4)
الشرقية
محمد الههياوي
18 تموز 1914 (5)
منبر الشرقية ⋆
محمد العراقي
26 تموز 1925
تاسعا: مدينة الجيزة (1)
الساعة
إبراهيم زهدي
شباط 1920 (2)
شمس الكمال ⋆
أمين عبده
1 تشرين الثاني 1927
عاشرا: مدينة أسيوط (1)
بوق الإصلاح
جماعة الإصلاح
1 كانون الثاني 1900 (2)
بوق القداسة
1902 (3)
المنتظر ⋆
محمد فهمي حسونة
حزيران 1924 (4)
الشعب المصري
جميل بك السيد أبو علي
13 نيسان 1926 (5)
الأخلاق ⋆
حبيب جيد
15 أيلول 1927
حادي عشر: مدينة بني يوسف (1)
المرصد ⋆
عبد العزيز الجيالي
28 نيسان 1921 (2)
السلام ⋆
محمد الجنيدي
23 آذار 1924
ثاني عشر: مدينة الفيوم (1)
الفيوم
إبراهيم رمزي
26 كانون الثاني 1894 (2)
قارون ⋆
زكي يوسف الفيومي
4 نيسان 1924 (3)
الوادي
هاشم عبد الحي
1924 (4)
نهر النيل
كامل زخاري
1924
ثالث عشر: مدينة بنها (1)
القليوبية
محمد زكي الأتربي
1900 (2)
النجاة
أحمد علي إبراهيم
6 آيار 1928 (3)
رواصد المشرق ⋆
حنا أبي راشد
21 تموز 1928 (4)
بنها
حسن شاكر
23 كانون الأول 1928
رابع عشر: مدينة السويس (1)
السويس الناهضة
حسن صالح الجداوي
4 تموز 1924 (2)
الثغر الشرقي
محمد فضل إسماعيل
1924
خامس عشر: مدينة بورسعيد (1)
المؤدب
محمود جمعة جلبة
10 نيسان 1921
سادس عشر: مدينة دمياط (1)
التفريح
محمد عبد الجليل
1 آب 1896 (2)
القنبلة
محمد السلاموني
1909
سابع عشر: مدينة بلقاس (1)
الواجب ⋆
أحمد جاد جمعة
1926 (2)
الوفاق ⋆
البيلي علي الزيني
14 آيار 1928
ثامن عشر: مدينة ميت غمر (1)
الوقت ⋆
إبراهيم فرج كشك
شباط 1925 (2)
المدفع ⋆
محمد توفيق محمد
1927
تاسع عشر: مدينة شبين الكوم (1)
الصحيفة
حسن عبد الوهاب عامر
6 أيلول 1921
عشرين: مدينة المحلة الكبرى (1)
النسر الدهري ⋆
بسطويسي بركات
8 تموز 1926
حادي وعشرين: مدينة دسوق (1)
الجهاد
حسن القليني
1907 (2)
البريد
محمد صالح زهير
1925 (3)
الإسعاد ⋆
1928
ثاني وعشرين: مدينة طوخ قليوبية (1)
الإخاء
محمود كامل كاشف
10 محرم 1318ه/1910م
ثالث وعشرين: مدينة طهطا (1)
الصعيد
عبد الحق الأنصاري ومحمد الطهطاوي
1904
رابع وعشرين: مدينة القرشية (1)
الكاشف
أحمد الكاشف
1 آذار 1908
خامس وعشرين: مدينة طوخ (1)
النداء
محمد علي حكشة
1924
سادس وعشرين: مدينة سوهاج (1)
السمر ⋆
حنا وهبي الإدفاوي
5 شباط 1928 *
هي شيخة جميع الصحف العربية الحية شرقا وغربا بقدامة عصر تأسيسها واستمرار نشرها بلا انقطاع، وهي الجريدة الوحيدة التي أتمت قرنا كاملا في خدمة البلاد المصرية واجتازت أطول مرحلة من عمر لم تبلغه جريدة عربية سواها، وقد أطل عليها القرن الثاني من حياتها الطويلة التي رافقت وادي النيل في كل أطواره وسجلت حوادثه التاريخية من عهد محمد علي الأول رأس الأسرة المالكة المصرية إلى يومنا هذا، وقد ذكرنا غلطا في كتابنا [الكتاب الأول - الباب الأول - الفصل الثاني] أن «الوقائع المصرية» ظهرت في 20 تشرين الثاني 1828 تبعا للحساب الشرقي أو اليولي الذي كان جاريا حينذاك بالاستعمال في الأمصار الشرقية والصواب هو 3 كانون الأول 1828 وفقا للحساب الغربي؛ أي الغريغوري الذي عولنا عليه في سرد تواريخ جميع الصحف العربية. †
كانت جريدة «الوطن» تنشر في المطبعة التي استجلبها من أوربا الأنبا كيرلس الرابع الكبير بطريرك الأقباط على يد رافائيل عبيد من مشاهير أعيان السوريين بمصر، فلما وصلت المطبعة إلى محطة القاهرة استقبلها نيابة عن البطريرك المشار إليه مطارنته وكهنته وشمامسته بالموسيقى الكنسية والملابس المختصة بالخدمة الدينية، وساروا بها قاطبة إلى الدار البطريركية في شارع كلوت بك وهم ينشدون الترانيم الروحية. ويروى عن هذا البطريرك أنه لشدة فرحه بهذا الحادث التاريخي أعلن لمن كانوا حوله قائلا: «لولا الخوف من لوم الجهال لرقصت أمام المطبعة في الطريق كما رقص داود أمام تابوت العهد.» ‡
كان محمد بيرم الخامس منشئ هذه الجريدة من أعلام المملكة التونسية وجلة علمائها، ولد سنة 1840 ويتصل نسبه ببيرم أحد قواد الجيش العثماني الذي جاء تونس بقيادة سنان باشا سنة 981 هجرية، نشأ حر الضمير جريئا في أقواله وكتاباته مخلصا لوطنه يكره الظلم والاستبداد، وهو أول تونسي صرح بآرائه السياسية في بلاده وعن بلاده على صفحات الجرائد، وقد عارض بكل ما أوتيه من قوة الحجة فكرة احتلال الفرنسيس لتونس فلم يفلح، ولما تحقق رسوخ قدمهم فيها آثر هجرها والإقامة في مصر احتجاجا على احتلالهم المشار إليه، وهناك أنشأ جريدة «الإعلام» التي كانت خطتها محاسنة الإنكليز والاستفادة منهم (راجع الجزء الثاني من كتاب «مشاهير الشرق» لجرجي زيدان، صفحة 217). §
انتقل عارف المارديني من مهنة الصحافة إلى سلك الوظائف في الدولة العثمانية فترقى في مناصبها حتى صار سنة 1913 واليا على سوريا، ثم أحيل إلى التقاعد، فجاء مصر، وتوفي فيها أثناء الحرب العظمى كما ذكرنا مفصلا في [الكتاب الثالث - الباب الأول - الفصل الثالث]. ||
هو ثالث الجرائد المصرية (بعد الوقائع المصرية والأهرام) التي ثبتت حتى الآن بالرغم مما اعترضه في سبيله من المعاكسات والمقاومات على اختلاف أنواعها. ويعد «المقطم» من أكبر الجرائد حجما وأوسعها انتشارا في جميع البلاد التي ينطق سكانها بالضاد، وقد ماشى في خطته التطور السياسي الأخير في مصر فصار يدافع عن القضبة المصرية الوطنية بعدما كان سابقا في طليعة الصحف الاحتلالية، وأكد لنا خبير يوثق بصحة كلامه اشتغل أعواما عديدة في إدارة «المقطم» أن عدد النسخ التي تطبع منه لا تقل عن الثلاثين ألف نسخة يوميا. ¶
ظهر «المؤيد» بعيد ظهور «المقطم» وفي السنة ذاتها، وهو من كبريات الصحف المصرية في عهده، بل هو باكورة الجرائد الإسلامية المهمة التي علا صوتها دفاعا عن حقوق الوطنيين ، ولما كان «المقطم» يضرب على وتر الاحتلال الإنكليزي انصرفت صحيفة «المؤيد» إلى معارضته في خطته الاحتلالية تأييدا لاستقلال مصر، فاستعرت بين هاتين الصحيفتين حرب عوان تجردت لها أقلام الكتاب، وكان يناصر كلا منهما فريق من الصحف في القاهرة والإسكندرية. ومن مميزات «المؤيد» أنه سبق جميع الجرائد المصرية بل الشرقية في استعمال المحركات الكهربائية بمطبعته على مثال المطابع الشهيرة في الغرب إتقانا للعمل وترويجا لانتشار جريدته الذائعة الصيت.
كان حسن حسني باشا الطويراني ذا مقام رفيع في عالم الصحافة ومن أكبر علماء عصره كما روينا عنه في الجزء الثاني من هذا الكتاب، ومع علو كعبه في المعارف وإحرازه أوسمة الافتخار ورتب الشرف كان ذا هيئة قبيحة قد أحكم وصفها عبد الغني العريسي صاحب جريدة «المفيد» البيروتية، قال: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، كان ذميم الخلق قبيح المنظر غائر العينين مستطيل الوجه نحيف الجسم متراخي الأطراف، قيل في حنكه عوج وفي رجله عرج، تبدو على أسارير وجهه سيماء الوفاة، وبين تضاعيف قلبه طيب الحياة ...» **
ولد الأرشمندريت خريسطوفورس جبارة في دمشق سنة 1835 من أسرة أرثوذكسية نبغ فيها بعض رجال العلم والكهنوت، وكان بارعا بلغات شتى كالعربية واليونانية والفرنسية والروسية والإنكليزية والتركية، وألف كتبا شتى ورسائل عديدة نشر بعضها بالطبع ولم يزل الباقي غير مطبوع، وطاف في بلاد الشرق الأدنى وأوربا وأميركا حتى انتهى إلى مصر حيث أنشأ جريدة «شهادة الحق» التي أودعها آراءه الدينية، وزبدة تلك الآراء تنحصر في التوفيق بين الأديان الثلاثة ذات الكتب المنزلة وهي: اليهودية والمسيحية والإسلامية؛ لأنه كان يزعم أن تلك الأديان الثلاثة ليست إلا دينا واحدا وأن كتبها المنزلة ليست إلا واحدة، وأن الاختلاف بين أصحاب هذه الأديان ناتج من الرؤساء والمفسرين، وكان يعلم أن كتب هذه الأديان الثلاثة؛ أي التوراة والإنجيل والقرآن متفقة معنى وإن اختلفت مبنى. ††
أنشئت هذه الجريدة بشكل مجلة أولا ثم تحولت إلى جريدة. ‡‡
السيد أحمد فؤاد صحافي من أقدم الصحافيين الأحياء في مصر، وكاتب من أبرع الكتاب، يجيد الإنشاء والتحبير، بلغت جريدته عمرا طويلا لم يبلغه إلا القليل من الصحف العربية الحية، غير أنها لا تصدر الآن بآجال منتظمة كسابق عهدها لما ألم بمنشئها من ضعف في النظر اضطره إلى هذا التدبير في مواقيت صدور الجريدة، شفاه الله وعافاه، أما خطته السياسية فهي مع سياسة الوفديين المصريين على طرفي نقيض. §§
هو حفيد إسكندر شلهوب الذي أنشأ قبله جريدة «السلطنة» عام 1857 بالآستانة في عهد السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861)، وقد أراد الحفيد بهذه التسمية أن يحيي اسم صحيفة جدة المشار إليها تخليدا لذكره وذكرها. |||
يعد «المنار» بقدامة عهده واستمرار نشره منذ نشأته حتى الآن رابع المجلات العربية في العالم وهي: أولا «المقتطف» في بيروت ثم في القاهرة، ثانيا «الهلال» في القاهرة، ثالثا «المشرق» في بيروت، رابعا «المنار» في القاهرة، وهو يعتبر من هذا القبيل في طليعة جميع المجلات الدينية الإسلامية بعناية منشئه العلامة الشيخ محمد رشيد رضا، ولا نعلم مجلة إسلامية سواه بلغت هذا الشوط الطويل من حياتها، وبعدما صدر «المنار» في أول عهده بشكل جريدة حوله صاحبه إلى مجلة شهرية لها شأنها ومقامها في المحيط الإسلامي. ¶¶
راجع ترجمة إبراهيم بك المويلحي وانظر رسمه في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الثاني].
نشأ الحزب الوطني المصري في عهد الخديو إسماعيل باشا وترعرع في أيام نجله وخلفه الخديو توفيق الأول، ولم يشتد ساعده وتنتظم صفوفه إلا في أوائل ملك الخديو عباس الثاني الذي كان على طرفي نقيض مع الإنكليز في سياسته الداخلية، فوجد الحزب الوطني في مليكه أعظم نصير وأخذ يعمل في السر والخفاء لإنقاذ مصر من سلطة الأجانب إما عن طريق الصحافة وإما بالمفاوضات مع وزارات أوروبا وغير ذلك من الوسائل، وكان في طليعة المشتغلين بالقضية المصرية شاب اشتهر بحرية الفكر وصراحة القول وحسن الإلقاء يدعى مصطفى كامل قد درس علم الحقوق في بلده ثم في فرنسا ونال الشهادة العالية من مدرسة تولوز، وأثناء إقامته في فرنسا تشرب من أساتذته الفرنسيس الوثوق بفرنسا والاستهانة بإنكلترا التي نكثت وعودها بالجلاء عن وادي النيل، فلما عاد إلى وطنه بث هذا الروح في الشبان المصريين المتثقفين الذين التفوا حوله وألفوا حزبا وطنيا منتظما على مثال الأحزاب السياسية في أوروبا، وانضم إليهم جمهور من الأدباء والأعيان الذين يكرهون الاحتلال إما رغبة في استقلال مصر وإما نقمة لفقد نفوذهم، وكان مصطفى كامل ينتهز الفرص لإلقاء الخطب السياسية في المنتديات العمومية طالبا جلاء الإنكليز عن مصر بلهجة شديدة لم يعهدها القوم من قبل، فأطروه ونشطوه فازداد رغبة في الخطابة موطنا النفس على الاستهلاك في طلب الجلاء بحيث جعل ذلك محور أعماله وكعبة آماله، وكأنه خشي أن تضيق الجرائد عن نشر خطبه وآرائه السياسية فأنشأ في 2 كانون الثاني 1900 جريدة «اللواء» اليومية وصوتها في الدفاع عن مصر والمصريين من أعلى الأصوات، ثم رأى أن «اللواء» باللسان العربي وحده لا يفي بمراده ولا يحيط بمدى صوته، فأصدره باللسانين الفرنسي والإنكليزي حتى يصل بواسطتهما صدى احتجاجه بشأن مصر إلى إنكلترا وإلى فرنسا وإلى سائر دول العالم المتمدن، وألف لجريدة «اللواء» المثلثة شركة مساهمة كانت الأولى من نوعها في وادي النيل؛ فطار صيته في الخافقين وصار اسمه مرادفا لاحتجاج مصر على إنكلترا. ولما تألف الحزب الوطني انتخبه المصريون رئيسا له طول حياته، ولكنه رحمه الله كان قصير الحياة فتوفي في 10 شباط 1908 بالغا الرابعة والثلاثين من العمر. ولما كان ضيق المقام يحول دون سرد جميع مآتيه في سبيل بلاده فقد هيأنا له ترجمة مطولة سننشرها في جزء لاحق إن شاء المولى. ***
مؤسس هذه الجريدة هو أحد أمراء الجند اللبناني المتقاعدين أنشأ «صدى لبنان» بتاريخ 2 كانون الثاني 1901 في القاهرة حيث عاشت مدة من الزمان ثم احتجبت، وبتاريخ 3 تشرين الثاني 1910 استأنف نشرها في مدينة جونية بلبنان حيث يتعاطى فن المحاماة. †††
اشتغل بالصحافة أولا في مصر حيث كتب في بعض جرائدها الشهيرة، وأنشأ هناك بالتوالي ثلاث جرائد وهي: «الابتسام» في 2 كانون الأول 1901 و«السهام» في كانون الثاني 1902 و«الطغراء» في آب 1903 فكانت بأجمعها قصيرة العمر، ثم خطر بباله أن يحترف الصحافة في مدينة مناوس بالبرازيل، فارتحل إليها واستأنف بتاريخ 4 كانون الأول 1912 نشر جريدته «السهام» التي رافقته إلى آخر حياته، وعام 1915 أصدر جريدة هزلية عنوانها «أبو النواس» مع مثابرته على نشر الجريدة السابقة الذكر. ‡‡‡
خليل زينية اللبناني الأصل يعتبر من الصحافيين المعدودين بسلاسة إنشائه وسلامة ذوقه في الكتابة، اشتغل نحو الستين سنة في الصحافة من دون أن يأخذه ملل أو يجف له قلم، وما عدا الصحف التي حرر فيها منذ بداية عهده في هذه المهنة الشريفة فإننا نقتصر على ذكر التي أنشأها وهي: مجلة «الراوي» سنة 1888 وجريدة «صدى الأهرام» سنة 1898 في الإسكندرية وجريدة «المصور» سنة 1902 ومجلة «المرآة» سنة 1918 في القاهرة وجريدتا «الثبات» سنة 1908 و«المرآة» سنة 1914 في بيروت، وراسل من باريس جريدة «الأهرام» وغيرها ردحا من الزمان. §§§
تقسم حياة هذه الجريدة إلى عهدين: عهد مؤسسها الكاتب الشهير خليل بك مطران شاعر القطرين، وعهد صاحبها الثاني عطا بك حسني صهر الأسرة المالكة بمصر، ومن أشهر الكتبة الذين تولوا تحرير هذه الجريدة الشيخ علي الغاياتي مؤلف كتاب «وطنيتي» ومنشئ جريدة «منبر الشرق» حالا في جنيف بسويسرا، وقد تكلمنا عنه بإسهاب في فصل جرائد مدينة جنيف بسويسرا، أما عطا بك حسني فنحيل القارئ إلى ما كتبناه عنه في [التوطئة - الفصل السادس] من هذا الكتاب، وفي جزء لاحق سنبدي رأينا في ابن وطننا خليل بك مطران صديق مصر والمصريين وحامل لقب «شاعر القطرين» بكل افتخار. ||||
هو من كبار أدباء وادي النيل تولى أمانة دار الكتب المصرية بضعة أعوام، وقد عين وزيرا للمعارف في عهد وزارة محمد محمود باشا ثم مديرا للجامعة المصرية، وفي عهده بالجامعة صدر أمر الحكومة بنقل طه حسين رئيس كلية الآداب إلى وظيفة أخرى، فأدى ذلك إلى إضراب التلامذة عن الدروس واتساع خرق الخلاف بينهم وبين الحكومة. ¶¶¶
يعد السيد سليمان الباروني من مشاهير طرابلس الغرب أدبا وجاها ونفوذا، فإنه بعدما احترف الصحافة في جريدته «الأسد الإسلامي» أعلن الحكم الشوروي في الدولة العثمانية، فاضطر إلى توقيف نشرها؛ لأنه انتخب نائبا في مجلس النواب العثماني عن الجبل الغربي في طرابلس الغرب، ولما نشبت الحرب بين إيطاليا وتركيا عام 1911-1912 عاد سليمان الباروني إلى وطنه للدفاع عن حوزته، فأظهر من البسالة والحمية ما يسطره له التاريخ بمداد الفخر.
هي أفضل جريدة مصورة ظهرت بمصر لتصوير أحوال مصر، وقد زادها رونقا وشهرة ما كان ينشر في صدرها من نفثات يراع حافظ إبراهيم شاعر وادي النيل، ثم انتقلت في عامها الثالث إلى مدينة بولونيا في إيطاليا، واقتصر منشئها على إصدارها في صفحة كبيرة تمثل الأحوال السياسية في بلاد الشرق خالية من المقالات، ورغم ما صادفه من الخسائر العظيمة في سبيلها فإنها بلغت من الانتشار في جميع الممالك الشرقية ما لم تبلغه جريدة عربية سواها قبل ذاك العهد، ورسومها متقنة الطبع تضارع مثيلاتها في أوروبا، وكل رسم يرمز إلى معان خطيرة تعجب كل سياسي وأديب. ****
اسم محمد فريد وجدي مقرون بالاحترام في كل صقع انتهى إليه نفوذ اللغة العربية، فهو العالم العامل الذي صرف عمره بين القلم والقرطاس باحثا ومؤلفا وناشرا كل مفيد من التصانيف الوافرة العدد الجليلة القدر، فإذا ضربنا صفحا عن المجلات والجرائد التي أنشأها في مدينتي القاهرة والسويس لا يسعنا إلا الإقرار بفضله والتنويه ببعض آثاره العلمية، وحسبنا منها «دائرة معارف القرن العشرين» التي نفدت طبعتها الأولى فطبعها مرة ثانية عام 1923 بعد تنقيحها وإكمالها وإعادة النظر فيها، وهي تتألف من عشرة مجلدات شاملة للعلوم النقلية والعقلية والكونية بجميع أصولها وفروعها. ††††
أنشأ إسماعيل غصبرينسكي جريدة «النهضة» متوخيا فيها دعوة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى عقد مؤتمر إسلامي عام ينظر فيما طرأ على المسلمين من الأمراض الاجتماعية التي جعلتهم في تقهقر بين سائر الأمم، وكان إسماعيل بك من رجال النهضة النثرية وصاحب جريدة «ترجمان» التي كانت تصدر في مدينة باغجه سراي من بلاد القديم في روسيا، واحتجبت «النهضة» بعد شهرين من ظهورها، وأثناء وجود صاحبها في القاهرة ألقى بتاريخ أول تشرين الثاني 1907 خطبة تركية العبارة في نزل «غران كونتيننتال» أمام جمع كبير من العلماء والأعيان وحملة الأقلام حث فيها المسلمين على تلبية دعوته، وقد نشرت مجلة «العالم الإسلامي» لصاحبها مصطفى كامل باشا ترجمة الخطبة المذكورة باللغة العربية (عدد 102، سنة 3، في تشرين الثاني 1907)، وحلت وفاة إسماعيل غصبرينسكي في 14 أيلول 1914. ‡‡‡‡
ظهرت هذه الجريدة أولا بهيئة مجلة، ونحيل القارئ إلى ما كتبناه عنها في مجلات القاهرة. §§§§
لما وضعت الحرب بالعظمى (1914-1918) أوزارها نهض الشعب المصري يطالب باستقلاله وبجلاء الجيش البريطاني عن وادي النيل، وكان زعيم تلك الحركة الفكرية سعد باشا زغلول رئيس حزب الوفد المصري ومؤسسه، فقر رأي الحكومة الإنكليزية على إبعاده مع أعوانه إلى جزيرة مالطة تفكيكا لعرى الحزب المذكور وتسكينا للغليان الوطني، وبالرغم من هذه التدابير الصارمة فإن الهيجان بلغ أشده حتى كاد ينقلب إلى ثورة في جميع أنحاء مصر، ولما كان للصحافة صوتها المسموع في ذلك المعترك الهائل فإن الأوامر صدرت بإقفال الجرائد المتطرفة ومنع ظهور جرائد جديدة، فلجأ بعض الصحافيين إلى حيلة غريبة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصحافة؛ ترويجا لأفكارهم وتحريضا للأهالي على استمرار المقاومة، وهي أنهم طبعوا نشرات وكراريس بدلا من الجرائد وصاروا يوزعونها على القراء والمشتركين تحت عناوين كتب في مدينتي القاهرة والإسكندرية، على أن تلك النشرات وإن لم يكن لأكثرها شكل الجرائد ظاهرا فإنها تعد في الواقع نشرات دورية بكل معنى الكلمة، ولأجل ذلك أثبتنا أهمها بين الجرائد تخليدا لهذا الحادث النادر في أخبار الصحافة المصرية، وأشهر الكراريس التي صدرت من هذا القبيل في القاهرة هي: «الرعد المصري» و«مفتاح الإصلاح» و«اللسان» و«عصفور النيل» و«الحاوي» و«الطلبة» و«البلابل» و«المرزبة» و«الخزوق». |||||
كان «الرشيد» في أول عهده مجلة أدبية مصورة صدرت في 14 آذار 1920 ثم حولها منشئها في عامها الرابع إلى جريدة سياسية بتاريخ 20 آيار 1923. ¶¶¶¶
لمجلة «المقتطف» مكانة رفيعة في العالم العربي وكلامها جدير بالاعتبار فيما تنشره من الآراء والأخبار، وإليك ما قرأناه على صفحاتها (مجلد 80، صفحة 109)، ويسرنا أن نثبته هنا بالحرف الواحد: تضم دار الكتب المصرية ثلاثة من خيرة الكتاب والمفكرين العصريين هم الدكتور هيكل والأستاذ المازني والأستاذ محمد عبد الله عنان، فإذا سنحت لهم فرصة الراحة من خوض معامع السياسة انصرفوا إلى الأدب والتاريخ والفلسفة السياسية يبدعون فيها ما شاءه العقل المثقف والقلم السيال.
لما احتلت الجيوش الفرنسية وادي النيل في أواخر القرن الثامن عشر لم يلبث قائدها العظيم نابليون بونابرت أن أسس في الإسكندرية مطبعة سميت «المطبعة الأهلية» وجهزها بحروف عربية استحضرها من مطبعة انتشار الإيمان «بروبغندا» في رومة، وصدرت في تلك المطبعة أول جريدة قرأها أبناء الضاد وعنوانها «التنبيه» كما ذكر المؤرخ المدقق توفيق إسكاروس (مجلة الهلال، سنة 28، صفحة 807) نقلا عن مقال للمسيو ألبرت جيس
A. Geiss
وغيره من الباحثين، وقد أمر الجنرال عبد الله جاك مينو
Menou
بنشر جريدة «التنبيه» في 15 فروكتيدور سنة 9/6 أيلول 1800 باللغة العربية ليصير توزيعها على الجيش في المدن والأرياف، وجريدة «التنبيه» ليست إلا جريدة «الحوادث اليومية» التي أخبرنا عنها في الجزء الأول (صفحة 48-49) من هذا الكتاب، وقد دعوناها «الحوادث اليومية» استنادا إلى التاريخ المسمى «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» للعلامة الجبرتي (4: 238) فلتراجع فيه وفي كتابنا المشار إليه، وقد عهدت أشغال «التنبيه» إلى فورييه
Citoyen Fourrier
رئيس الإدارة والقضاء بمصر في زمن الاحتلال الفرنسي. *****
ظهرت «الأهرام» للوجود في 5 آب 1876 ولا ندري السبب الذي حمل إدارة هذه الجريدة على اعتبار تأسيسها عام 1875 حين أن أحد مؤسسيها سليم بك تقلا كان في التاريخ المذكور أستاذا أول للغة العربية في المدرسة البطريركية ببيروت، وكان شقيقه بشارة باشا أستاذا في مدرسة عينطورا لذلك العهد، وقد عرفهما مؤلف هذا الكتاب بذاته ودرس على أولهما بعض مبادئ اللغة، فوجب التنبيه إلى هذا الخطأ اليسير زيادة للتدقيق وخدمة للتاريخ، إنما ذلك لا يحط من قدر «الأهرام» الجليلة التي اجتازت هذا الشوط الطويل من حياتها صادعة بالحق في جميع أقوالها، وحاملة لواء الإخلاص للقطر المصري الذي ولدت فيه وعاشت تحت سمائه، وهي في طليعة الجرائد السياسية العربية التي أنشأها فرد وبقيت حتى الآن راسخة رسوخ الأهرام الفرعونية دون أن تؤثر فيها نكبات الزمان وحوادث الأيام، ومن شاء زيادة إيضاح عنها وعن تراجم أربابها فليراجع الجزء الثالث من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية». ومن مفاخر جريدة «الأهرام» أن صاحبها الحالي جبرائيل بك تقلا المشهور بالكرم وسلامة الذوق دعا مؤتمر الصحافة اللاتينية أن ينعقد للمرة العاشرة في ضيافة جريدته «الأهرام» بمصر بعد أن كان عقد اجتماعاته السابقة في أثينا ورومة وباريس وبرشلونا وغيرها من العواصم المرافقة للحضارات القديمة، ولما كانت مصر أم الحضارة القديمة التي قامت على شواطئ البحر المتوسط ولها اتصال وثيق بالحضارة اللاتينية والأمم اللاتينية الغربية رأت «الأهرام» أن تكون مصر مقر مؤتمر الصحافة اللاتينية العاشر ، فتكللت مساعيها بالنجاح، وقد تم انعقاد المؤتمر المذكور في أوائل شهر كانون الثاني 1922 مؤلفا من ستين صحافيا وصحافية يمثلون صحافات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا ورومانيا واليونان وسويسرا والأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وشيلي وكولومبيا وغواتيمالا والمكسيك وفنزويلا وبراغواي والصحافة الفرنسية الأميركية. †††††
نشرنا أخبار جريدة «المحروسة» في جميع أدوار حياتها في الجزء الثالث من هذا الكتاب، وأتينا على ذكر انتقالها من الإسكندرية إلى القاهرة في عهد عزيز زند حتى صارت في عهدة المرحوم إلياس زيادة والد الكاتبة العصرية «مي» التي تغني شهرتها عن ذكر اسمها. وتعتبر «المحروسة» من الصحف العربية النادرة التي قيض لها أن تبلغ العقد الخامس من عمرها دائبة في إخلاص الخدمة للوطن الذي نشأت فيه وعاشت تحت سمائه. ‡‡‡‡‡
تعد جريدة «الاتحاد المصري» من أقدم الصحف المصرية، نشأت أولا باللغة الفرنسية، على أن صاحبها رأى أن يحولها إلى جريدة عربية يخدم بها الأمة والوطن والناطقين بالضاد، وفي دخولها العام الثلاثين من عمرها أصدرت عددا ممتازا مزينا برسوم عظماء الرجال ومشاهير الصحافيين. وكانت في جميع أدوار حياتها سائرة على مبدأ احترام حقوق الجميع، واجتناب المناقشات التي لا طائل تحتها إلا ما كان الغرض منها تقويم مبدأ وخدمة الوطن بالنزاهة والصدق، وقد توفي روفائيل مشاقة منشئ «الاتحاد المصري» في 6 تشرين الثاني 1910. §§§§§
الشيخ حمزة فتح الله هو ركن من أركان الصحافة العربية وعلم من أعلام البيان الذين يشار إليهم بالبنان. بعدما اشتغل بالصحافة في مصر وتونس عينته الحكومة المصرية مفتشا أول في وزارة المعارف فخدم هذه الوظيفة حتى أحيل على معاش التقاعد في حزيران 1912 لضعف طرأ على بصره، وقد انتدبته الحكومة الخديوية مرتين لينوب عنها في مؤتمر المستشرقين السابع في فينا، وفي مؤتمر المستشرقين الثامن عام 1889 بمدينة استكهلم، وأنشد في المؤتمر المذكور قصيدته المشهورة التي أنشأها على الطريقة البدوية ومطلعها:
حمد السرى يا أخي العود والناب
أنساك وعثاء إغباب وإخباب
إلى أن ختمها بقوله:
وإننا وفد توفيق إلى ملك
سميدع من سراة قبل صياب
نجل الملوك الألى شادوا العلى وبنوا
بيتا من المجد مرسوما بأنجاب
أحيا مزايا الأعاريب الكرام بإس
تكهلم ما بين أخلاق وآداب
شمت الخورنق بل غمدان ذي يزن
فيها كما شمت فيها كل عجاب
لو أن قحطان في الدنياء شاهدها
لقال هاتيك أخلاقي وآدابي ||||||
كان «لسان العرب» من الصحف الحرة المسموعة كلمته، وقد جاهر بالحق في كل مباحثه وشد في بيان استبداد السلطان عبد الحميد داعيا إياه إلى الإنصاف في الرعية، فطارد السلطان هذه الصحيفة وحرج عليها الدخول إلى البلاد العثمانية كي لا يقرأها أفراد الأمة فينتبهوا إلى أعماله ويكونوا مع الأحرار يدا واحدة عليه. أما إنشاؤها فهو في غاية الحسن والرشاقة والإيجاز وقد امتازت بفصاحة مقالاتها الافتتاحية على الخصوص، وازدان مطلع عددها الأول بقصيدة عصماء نظمها الشيخ أمين الحداد حفيد الشيخ ناصيف اليازجي وأحد أصحاب هذه الجريدة في مدح الخديو عباس الثاني، وألمع فيها إلى القصائد التي أنشدها جده لجد الخديو واختتمها بهذه الأبيات:
ولما رأيت الشعر عندك أينعت
رباه وفاحت عن ثناك ورودها
منحتكها من نبعة يازجية
يرد لك الجد القديم جديدها
قصائد أنشأها لجدك جده
وأعقابه والآن فيك يعيدها
وإن كانت الأسياف تمضي حدودها
فمرهفها حدادها لا حديدها
ولما قضت حال الصحافة إلى تعطيل هذه الجريدة أصدرها أصحابها في القاهرة وحولوها من جريدة يومية إلى أسبوعية، ثم أعيدت إلى الإسكندرية ولم تتوقف عن النشر إلا بوفاة صاحبها الأول الشيخ نجيب الحداد سنة 1899 حتى أعادها عبده بدران في شهر أيلول 1908 بدلا من جريدته «الصباح». ومما يؤثر عن الشيخ نجيب الحداد أنه أول من استعمل لفظة «الصحافة» بمعناها العصري، وتابعه فيها سائر كتاب زماننا، وكان خاله الشيخ إبراهيم اليازجي أول من اصطلح على استعمال لفظة «مجلة» كما نفهمها اليوم. أما أمين الحداد فقد توفي في 5 آب 1912 في مسقط رأسه «عين قنة» بلبنان، فكان حظه أوفى من حظ شقيقه نجيب الذي مات في الإسكندرية بعيدا عن وطنه فنظم في نفسه لدى احتضاره هذا البيت:
مات النجيب فأرخوا قبرا له
قد مات مشتاقا إلى لبنان ¶¶¶¶¶
صدرت هذه الجريدة بلهجة مستغربة جديدة لم يألفها الناس يومئذ، وكانت مواضيعها تتناول الأبحاث العثمانية بحرية مطلقة ناشرة خيانات عمالها وفظائع حكامها ومحرضة الشعب على مطالبة دولته بالإصلاح، وكان عنوانها مذيلا بأربعة أبيات منظومة بقلم الأمير شكيب أرسلان اللبناني وموقعة باسمه وهي:
ويممت دار الملك أحسب أنها
إلى الآن لم تبرح إلى المجد سلما
فألفيتها قد أقفرت من كرامها
ولم يبق فيها المجد إلا توهما
وألفيت فيها أمة عربية
يرى الترك منها أمة الزنج أكرما
وما نقموا منا بني العرب خلة
سوى أن خير الخلق لم يك أعجما
فلما وصلت أعداد «المشير» الأولى إلى بيروت أمرت الحكومة العثمانية بإحراقها، ثم أصدرت محكمة الجزاء حكما على منشئها بالإعدام، وقد طلبت ولاية بيروت من حكومة مصر تسليمها إياه لكن اللورد كرومر معتمد إنكلترا طيب خاطره وصرح له بأنه لن يترك مصر أبدا، فاستأنف «المشير» حملاته الإصلاحية على تركيا، وفي أواخر سنة 1895 نقلت إدارته إلى القاهرة وصار يصدر فيها؛ فاستاء ولاة الأمر في تركيا وأرسلوا بعض الرعاع للفتك بسليم سركيس غيلة، فنجا بحمد الله وعناية كولس باشا من مكيدتهم. وإليك فقرة من مقالة كتبها الشيخ نجيب الحداد صاحب جريدة «لسان العرب» تحت عنوان «نجاة الأدب» قال: «أبى الله أن تتغلب دولة السيف على دولة القلم، وأبت الحرية أن يحبس لها لسان أو يسكت لها فم، وحاشا للهجة الأدب والعلم أن تسطو عليها يد الجهالة أو تسفك من حياتها نقطة دم، فإنما أنت أيها المشير عرق نابض في جسم الحرية والصدق، وإنما أنت يا حياة السليم صوت صارخ في بوادي الوطنية والحق، وإنما نحن معشر الوطنيين في مصر أنوار آمال خارجة من ظلمات العبودية والرق، وحاشا لهذا العرق النابض أن تقطعه يد العدوان، وهيهات لذلك الصوت الصارخ أن تسكته أغراض إنسان، وأبى الله لأنوار تلك الآمال أن تطفئها أكف الخيبة والحرمان، فأقم أيها المشير تحت لواء الحرية في مصر، واعلم أن مداد يراعك جار من منبع الاستقلال في هذا العصر، وإن من يرى هذا القلم لا يسمح لحد السيف أن يبريه، وإن هذا اليراع الناحل لا يعدم من أجساد الرجال سورا يقيه، وإن سهم الباغين إذا نفذ في أحد أبناء الأدب قابلته من أقلامهم سهام، وإن سيف مشير الدولة لا يبلغ مشير الحرية حتى تنكسر من دونه عوامل الأقلام ...» وفي 30 أيلول 1897 أصدرت المحكمة العليا في القاهرة حكما على سليم سركيس بالحبس مدة أسبوع؛ لأنه عاب في السلطان عبد الحميد وغليوم الثاني إمبراطور ألمانيا، وفي سنة 1899 نقل «المشير إلى مدينة نيويورك حيث أخذ يوالي نشر مقالاته كالسابق من دون تهيب ولا جزع، فحكمت عليه محكمة مصر غيابا بالحبس ثمانية عشر شهرا وبتغريمه ألفي غرش، فلما رأت الدولة العثمانية عجزها عن القبض عليه حاولت استرضاءه وعاملته بالحلم وصدر أمر السلطان بالعفو عنه، وفي 13 كانون الثاني 1902 كان ختام حياة «المشير» بعد أن خدم الإنسانية والوطن تسع سنين كاملة. ولدى إعلان الدستور العثماني سنة 1908 أخذ أصدقاء سليم سركيس وأنصاره يهنئونه باعتبار أنه أحد الذين أحسنوا الخدمة وسعوا وراء الإصلاح واحتملوا العذاب والسجن والنفي في سبيل الوطن.»
هي جريدة سياحة حول الكرة الأرضية، قام بها رجلان فرنسيان يدعى أحدهما بابيو والآخر ليروا، فباشرا رحلتهما من باريس في منتصف آذار 1895 وأخذا يتنقلان من مدينة إلى مدينة ومن مملكة إلى مملكة حتى بلغا ضالتهما المنشودة في أقل من سنتين، وقد عولا ألا يحملا في جيبهما شيئا من النقود، وإنما قياما بما يلزمهما من النفقات كانا يلقيان الخطب أو ينشدان الأغاني أو يكتبان الفصول في الجرائد، وكانا من وقت إلى آخر ينشران جريدة عنوانها «في الطريق» في أهم المدن التي مرا بها وباللغة الشائعة بين سكان كل مدينة، وكانت الجريدة تتضمن شيئا من أخبار رحلتهما مع بعض رسوم وإعلانات مهمة، وأول عدد صدر منها كان في مدينة نيس بفرنسا، وثانيهما في ميلانو وثالثها في رومة ورابعها في أثينا، ولدى وصول الرحالتين إلى الآستانة استأذنا السلطان عبد الحميد في نشر العدد الخامس فامتنع أولا لشديد خوفه، إلا أنه رخص لهما بذلك بعد مرور عشرين يوما على إقامتهما في عاصمة ملكه بناء على إلحاح السفير الفرنسي، وقد ظهر العدد السادس بتاريخ 25 أيلول 1895 في الإسكندرية باللغات العربية والفرنسية والإيطالية واليونانية والإنكليزية، وهو مؤلف من أربع صفحات كبرى مطبوعة طبعا حسنا ومزينة برسمين جميلين يمثل أحدهما صاحبي الرحلة والآخر بناية سان ستفانو المشهورة في رمل الإسكندرية، وبعد ذلك سافر الرحالتان بطريق السويس إلى الهند والصين وأميركا حتى انتهيا من سياحتهما، ولا نعلم كمية الأعداد التي برزت من جريدتهما اللذيذة المفيدة، لكن العدد السادس الذي سبق وصفه كان الوحيد الذي نشر باللسان العربي. ******
لا نرى بدا عند إثبات جريدة «البصير» من أن نؤدي تحية الاحترام لمؤسسها المرحوم رشيد بك شميل ولنجله الأديب السيد شارل الذي خلفه في إدارة هذه الصحيفة القديمة الأيام، وكفاهما تعريفا انتسابهما إلى أسرة شميل اللبنانية التي أنجبت رهطا كبيرا من رجال الطب والصحافة والجاه والأدب نذكر منهم: الشاعر المجيد أمين شميل منشئ مجلة «الحقوق» ومؤلف كتاب «المبتكر» وكتاب «الوافي في المسألة الشرقية» وكتاب «بستان النزهات في فن المخلوقات» وغيرها، ومنهم نجله الطبيب إدوار ونجله الآخر ماريوس مؤسس «المجلة المصرية» وواضع بعض المؤلفات شعرا ونثرا في اللسان الفرنسي، ومنهم الدكتور شبلي شميل صاحب مجلة «الشفاء» بالقاهرة ومؤلف كتاب «النشوء والارتقاء» وغير ذلك من الآثار التي تشهد بعلو كعبه في صناعتي الشعر والنثر، ويعد الدكتور شبلي باكورة الأطباء الذين تخرجوا في الجامعة الأميركية ببيروت، ومنهم الشاعر ملحم شميل الذي تولى قائمقامية زحلة بلبنان ومارس الطب على الطريقة الاختبارية القديمة، وألف أرجوزة في «علم الجبر والمقابلة» ومقدمة طويلة على علم الحساب ، ومنهم سبع شميل الذي أكب على فن الكتابة فصنف وحرر في جرائد مصر وبيروت وأوروبا، ومنهم قيصر شميل منشئ مجلة «السمير» في الإسكندرية، ومن مشاهيرهم الأرشمندريت ساروفيم شميل الذي تولى رئاسة الكلية الشرقية في زحلة والرئاسة العامة على الرهبنة الباسيلية البلدية، وكان منشأ أسرة شميل في «كفر شيما» التي اشتهر منها: آل اليازجي الخالدو الذكر، وآل تقلا مؤسسو جريدة «الأهرام»، وسليم كنسبالي مؤسس «المغرب» سنة 1889 وهي باكورة الجرائد في مراكش، ومنها الصحافيون آل كرم كلارجي وسواهم. ††††††
كان لهذه الجريدة نسختان؛ عربية وتركية، وقد ظهر أول عدد منهما في 31 آب 1898 وهو تذكار جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على أريكة آل عثمان، واشتهر «الصادق» بنزعته التركية ومناهضته للاحتلال البريطاني في وادي النيل. ‡‡‡‡‡‡
يؤثر عن السيد محمود إبراهيم منشئ «الإكسبريس» أنه سافر إلى مدينة أثينا عام 1913 لحضور مؤتمر المستشرقين فيها، وكان في الوقت ذاته يراسل من تلك عاصمة اليونان جريدتي «العلم» و«اللواء» في القاهرة، ويواصلهما بحوادث المؤتمر المشار إليه وأخبار المؤتمرين. §§§§§§
يعد «وادي النيل» رابعا بين الصحف التي ظهرت في الإسكندرية ولم تزل منتشرة حتى الآن بين أبناء الضاد وهي: الأهرام (انتقلت فيما بعد إلى القاهرة) والبصير والإكسبريس ووادي النيل. |||||||
إذا ذكرنا أدباء مصر الخالدين في الربع الأول من القرن العشرين عد ولي الدين يكن من أفرادهم الذين خلفوا آثارا أدبية ولغوية تشهد برسوخ قدمه في دولة القلم. ولد في الآستانة سنة 1873 وكان محمد علي باشا مؤسس الأسرة المالكة في مصر خال جده. عاش ولي الدين يكن تارة في وادي النيل وطورا في دار الخلافة حيث عين عضوا في مجلس المعارف الأعلى، ولما كان يحب العدل ويكره الاستبداد مصرحا بآرائه السديدة علانية وبلا وجل نقم عليه السلطان عبد الحميد وأمر بإلقائه في السجن سنة 1902 بتهمة الخيانة للعرش السلطاني، ثم نفاه إلى سيواس فأقام فيها إلى حين إعلان الدستور عام 1908 في الدولة العثمانية، ومن ذاك التاريخ سكن ولي الدين يكن مصر مشتغلا بالصحافة والتأليف وتعزيز المعارف حتى توفاه الله كهلا عام 1921 غير متجاوز السنة الثامنة والأربعين من العمر. ¶¶¶¶¶¶
هي من أرقى جرائد نوعها في القطر المصري؛ لأن منشئها المفضال لا يألو جهدا في سبيل إنمائها وتوفير موادها خدمة لتجارة وادي النيل، وبعدما عاشت زمنا في الإسكندرية انتقلت إدارتها إلى القاهرة حيث تصدر يومية بكل انتظام.
نقلت جريدة «الضحوك» إلى القاهرة عاصمة الديار المصرية. *******
نقلت هذه الجريدة إلى القاهرة.
جرائد السودان
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «الخرطوم» عاصمة السودان (1) ⊙
السودان ⋆
فارس نمر وشركاؤه *
تشرين الأول 1904 (2) ⊙
الغازتة السودانية
حكومة السودان
1906 (3)
الخرطوم
أسعد يسى المساح
آيار 1909 (4)
رائد السودان
كانون الثاني 1913 (5)
حضارة السودان
حسين شريف
27 شباط 1919 (6)
حضارة السودان †
24 تموز 1920 (7)
الجريدة التجارية ⋆
سليمان داود منديل
28 شباط 1928 *
جريدة «السودان» هي باكورة الصحف التي صدرت في الأقطار السودانية على الإطلاق، وتولى رئاسة تحريرها في أوائل عهدها خليل بك ثابت وهو من أركان الصحافة العربية في وادي النيل، وقد جعلتها حكومة السودان شبه رسمية إلى أن أنشئت «الغازتة السودانية» وهي الجريدة الرسمية حالا، وكلتاهما تطبعان باللغتين العربية والإنكليزية ليستطيع مطالعتها الوطنيون والأجانب. †
بعد احتجاب الجريدة السابقة «حضارة السودان» صدرت الصحيفة التابعة بالعنوان نفسه، وقد بدأت هذه حياتها في 24 تموز 1920 فاتخذ منشئها سلسلة أرقام جديدة مستقلة عن سلسلة أرقام الجريدة السابقة، فاقتضى التنبيه دفعا للالتباس.
جرائد طرابلس الغرب أو ليبيا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «طرابلس» العاصمة (1)
طرابلس الغرب *
رسمية
1870 (2)
الترقي
محمد البوصيري
26 حزيران 1897 (3)
العصر الجديد
محمد علي الباوردي
آذار 1909 (4)
المرصاد
أحمد الفساطوي
16 أيلول 1910 (5)
أبو قشة
الهاشمي التونسي
1910 (6)
الرقيب
محمود نديم بن موسى
1 آذار 1910 (7)
الدردنيل †
فرايم شوبة
1 آيار 1911 (8) ⊙
إيطاليا الجديدة ⋆
رسمية
1912 (9)
اللواء الطرابلسي ⋆
حزب الإصلاح الوطني
9 تشرين الأول 1919 (10)
الوقت
محسن ظافر المدني
1919 (11)
العدل ⋆
المحامي عبد الله بانون
1920 (12)
الرقيب العتيد ⋆
محمود نديم بن موسى
19 آب 1922
ثانيا: مدينة برقة (1)
بريد برقة ⋆
محمد طاهر المحيشي
1923 *
أنشئت في عهد السلطان عبد العزيز العثماني وبأمره وكانت تنشر باللغتين العربية والتركية، وعندما انسحبت الجنود التركية من طرابلس الغرب عام 1912 واحتلت مكانها الجيوش الإيطالية احتجبت هذه الجريدة وحلت محلها صحيفة أخرى رسمية عنوانها «إيطاليا الجديدة»، وتنشر الآن هذه الجريدة الرسمية باللغتين العربية والإيطالية ليقرأها الوطنيون والمحتلون. †
كانت جريدة «الدردنيل» عبرانية الحرف عربية اللفظ يقرؤها الإسرائيليون المنتشرون في طرابلس الغرب وتونس والجزائر والمغرب الأقصى، وسنتكلم عن صحف شتى من هذا القبيل فيما يلي من الفهارس ولا سيما في عاصمة المملكة التونسية وعاصمة الجمهورية الفرنسية، فوجب التنويه بذلك.
جرائد المملكة التونسية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «تونس» العاصمة (1) ⊙
الرائد التونسي ⋆
رسمية *
20 تموز 1860 (2)
نتائج الأخبار
حسين المقدم
نيسان 1888 (3)
الحاضرة †
علي بو شوشة
2 آب 1888 (4) ⊙
الزهرة ⋆
عبد الرحمن الصنادلي
1889 (5)
البصيرة ‡
نجيب باشا ملحمة وفرج الله تمور
14 نيسان 1893 (6)
المنتظر
محمد بلك باش
14 حزيران 1893 (7)
سبيل الرشاد
عبد العزيز الثعالبي §
16 كانون الأول 1895 (8)
لسان الحق
محمد بو رقيبة
14 حزيران 1896 (9)
البستان
1900 (10)
المخير ||
1900 (11)
القلم
محمد البحري
3 تموز 1903 (12)
الرشدية
حسين بن عثمان
1904 (13)
الصباح ¶
يعقوب كوهين
1904 (14)
الصواب
محمد الجعائبي
1 نيسان 1904 (15)
إظهار الحق
أحمد القبائلي
10 آيار 1904 (16)
تونس
صالح بن محمود
28 حزيران 1905 (17) ⊙
الزهرة ⋆
عبد الرحمن الصنادلي
7 أيلول 1905 (18)
الترقي
صالح بن محمود
21 أيلول 1905 (19)
لسان الأمة
صالح بن محمود
15 كانون الثاني 1906 (20)
حبيب الأمة
عبد الرزاق الغطاس
17 آيار 1906 (21)
المزعج
محمد بن عمران
1 آب 1906 (22)
ترويح النفوس
عزوز بن أحمد الخياري
1 تشرين الثاني 1906 (23)
المرشد
سليمان الجادوي
23 تشرين الثاني 1906 (24)
المعارف
محمد صادق المحمودي
10 كانون الثاني 1907 (25)
النصيحة
الصادق بن إبراهيم
8 آذار 1907 (26)
الحقيقة
عثمان بن عمر
10آذار 1907 (27)
العدلية
الهادي عباس
3 نيسان 1907 (28)
المنير
محمد الشاذلي المورالي
12 آيار 1907 (29)
القسطاس
البشير القروي
11 تموز 1907 (30)
التقدم
البشير الفورتي
31 تموز 1907 (31)
المنبر الفرنسوي التونسي
بطرس لامولينري
1 أيلول 1907 (32)
المنصف
محمد الشريف التجاني
19 تشرين الأول 1907 (33)
العبر
محمد بن عمران
19 نيسان 1908 (34)
خطيب العالم
محمد الشريف التجاني
4 حزيران 1908 (35)
الإسلام
محمد الهاشمي
10 حزيران 1908 (36)
التسامح
محمد الشريف التجاني
29 تموز 1908 (37)
أبو قشة
الهاشمي
29 تموز 1908 (38)
الإقبال
حسين بن عثمان
13 أيلول 1908 (39)
الفتح
محمد بن حميدة
7 حزيران 1909 (40) ⊙
مرشد الأمة
سليمان الجادوي
2 تموز 1909 (41)
الاستواء **
ن وزان
1909 (42)
جحا
السيد بنعيسى
8 تموز 1909 (43)
النهضة
البشير عز الدين
7 آب 1909 (44)
أبو نواس
سليمان الجادوي
27 آب 1909 (45)
التونسي
علي باش حانبة
8 تشرين الثاني 1909 (46)
الزمان ††
م. موسى سيتبون
31 آذار 1910 (47)
ولد البلاد
البشير الفورتي
25 نيسان 1910 (48)
كاراكوز
الحاج الصادق بن الخوجة
18 حزيران 1910 (49)
خلط ملط ‡‡
كوهين
1 تموز 1910 (50)
النمس
محمد التونسي
10 آب 1910 (51)
جحجوح §§
1910 (52)
النصر
محسن زكريا
8 أيلول 1910 (53)
حياة الضحك |||
بربي إسحاق وناثان بسموت
6 تشرين الثاني 1910 (54)
الزعبال |||
فكتور صبان
1910 (55)
الفلاح
محسن زكريا
11 كانون الأول 1910 (56)
اللواء
يونس بن جاء الله
21 كانون الأول 1910 (57) ⊙
المشير ¶¶
الطيب بن عيسى
1 كانون الثاني 1911 (58)
الضحك
بنعيسى ابن الشيخ أحمد
26 كانون الثاني 1911 (59)
المضحك
عبد الله زروق
20 آب 1911 (60)
الاتحاد الإسلامي
علي باش حانبة
19 تشرين الأول 1911 (61)
المنار
كريستيان دومانقاز
15 شباط 1912 (62)
غصن البان
علي النجار
21 آذار 1920 (63)
الوزير ⋆
الطيب بن عيسى
5 نيسان 1920 (64)
فزدور
عثمان المحجوب
10 آيار 1920 (65)
الإصلاح
الشاذلي بو دربالة
1 حزيران 1920 (66)
الاتحاد
الشاذلي بن الحطاب
15 آب 1920 (67)
النصير
إبراهيم الأكودي
23 كانون الأول 1920 (68)
الأخبار التونسية
علي عباس
1920 (69)
لسان الشعب
البشير الحنفي
28 كانون الأول 1920 (70)
الهلال التونسي
محمد بطيخ
27 كانون الثاني 1921 (71)
النديم ⋆
حسين الجزيري
12 شباط 1921 (72)
الأمة
الحاج علي بن مصطفى
26 شباط 1921 (73)
العمران
محمد الصادق الرزقي
29 نيسان 1921 (74)
حبيب الأمة
المختار العياري
22 تشرين الأول 1921 (75)
المبشر
أحمد الجزيري
20 آيار 1922 (76)
الممثل
سلومة بن عبد الرزاق
25 تموز 1922 (77)
البرهان
الطاهر ابن الحاج مبروك
أيلول 1922 (78)
إفريقيا
محمد الصادق الرزقي
1922 (79)
الحقيقة
الرشيد الجزيري
كانون الأول 1922 (80)
المنجنيق
محمد بن الحنفية
6 كانون الثاني 1923 (81)
النهضة
الطاهر ابن الحاج مبروك
1 تشرين الأول 1923 (82)
الزمان ⋆
محمد بنيس
1929
ثانيا: مدينة صفاقس (1)
العصر الجديد
أحمد حسين المهيري
29 آيار 1920
ثالثا: مدينة القيروان (1)
القيروان
عمر العجرة
17 آب 1920
رابعا: مدينة سوسة (1)
صدى الساحل
الحاج إسماعيل بن حميدة
17 آذار 1921 *
يعد «الرائد التونسي» ثالث الصحف بقدامة العهد بين الصحف العربية الحية وهي: أولا «الوقائع المصرية» أنشئت عام 1828 في القاهرة، ثانيا «المبشر» تأسس عام 1847 في الجزائر شمالي أفريقيا، ثالثا «الرائد التونسي» ظهر سنة 1860 في عاصمة المملكة التونسية، وقد كتبنا عنها قاطبة بإسهاب في الجزء الأول من «تاريخ الصحافة العربية»، ومن غرائب الاتفاق أن هذه الصحف الثلاث ظهرت كلها في أفريقيا. †
بلغت هذه الجريدة يوبيلها الفضي في حياة منشئها، وقس عليها جريدة «الزهرة» الواردة بعدها للسيد عبد الرحمن الصنادلي. ‡
ينتمي نجيب باشا ملحمة أحد صاحبي هذه الجريدة إلى أسرة قديمة في بيروت، وقد مثل دورا سياسيا مهما عندما كان وزيرا عثمانيا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ثم أفل نجم سعده بسقوط عرش السلطان المشار إليه ومات غريبا في باريس سنة 1926. §
هو الزعيم التونسي المشهور في الأوساط السياسية والإسلامية بمساعيه في سبيل استقلال وطنه ومناهضة النفوذ الأجنبي في بلاده. ||
هاتان الجريدتان كانتا تطبعان بحروف عبرانية كما أورد المستعرب أكليمنت هوار في كتابه
La Littérature Arabe
غير أنه أغفل اسم منشئيهما. ¶
كانت تطبع بحروف عبرانية وتقرأ بلفظ عربي كجريدتي «البستان» و«المخير».
بعدما كانت جريدة «الزهرة» الأسبوعية التي أوردنا ذكرها تحت العدد 4 من فهرس جرائد تونس قد أحرزت إقبالا من فضلاء التونسيين رأى منشئها أن يجعل لها فرعا يوميا، والغرض من ذلك إذاعة الأخبار البرقية والحوادث المهمة والإسراع بما يجب نشره ويضر تأجيله. **
كانت هذه الجريدة تطبع بحروف عبرانية وتقرأ بلفظ عربي كما هو شأن الكتابة الكرشونية الجارية بالاستعمال في كنائس الطوائف السريانية وهي: النسطورية والكلدانية واليعقوبية والسريانية الكاثوليكية والمارونية، والكتابة الكرشونية هي قراءة الحروف السريانية بلفظ عربي، أما السريان الملكيون والسريان الملياريون فإنهم لم يستعملوا أبدا الكفاية الكرشونية في كتبهم. ††
كانت جريدة «الزمان» تطبع أيضا بحروف عبرانية وتقرأ بلفظ عربي. ‡‡
هي كالصحف السابقة عبرانية الحروف وعربية العبارة. §§
ما كاد يطبع العدد الأول من هذه الجريدة حتى تعطلت إداريا قبل نشره وتوزيعه. |||
كانتا تنشران أيضا بحروف عبرانية يقرؤها مطالعوها الإسرائيليون بلفظ عربي. ¶¶
وافق صدور هذه الجريدة الراقية مطلع السنتين: الميلادية 1911 والهجرية 1329 في يوم واحد، ويعد منشئها الأديب الطيب بن عيسى من أفاضل الصحافيين بتونس الخضراء في هذا العصر، وله في سبيل وطنه وملته آثار مشهورة وخدم مشكورة سنأتي على ذكرها مفصلا مع نشر رسمه في جزء لاحق من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
جرائد الجزائر (المغرب الأوسط)
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: عاصمة الجزائر (1) ⊙
المبشر ⋆
رسمية *
15 أيلول 1847 (2)
النصيح
إدوار غسلين
1899 (3)
الأخبار
فكتور باروكان
30 تشرين الثاني 1902 (4)
المنتخب
1903 (5)
المغرب
بطرس فونطانا
10 نيسان 1903 (6)
كوكب أفريقيا
محمود كحول
17 آيار 1907 (7)
الجزائر
عمر راسم
27 تشرين الأول 1908 (8)
الإسلام
صادق دندان
1909 (9)
الإسلام
محمد عز الدين القلال وصادق دندان
2 آب 1912 (10)
الفاروق
عمر بن قدور †
28 شباط 1913 (11)
البريد الجزائري
محمد عز الدين القلال
28 آب 1913 (12)
ذو الفقار
أبو المنصور الصنهاجي
5 تشرين الأول 1913 (13)
الصديق
عمر بن قدور ومحمد بن بكير
12 آب 1920 (14)
الإقدام
الأمير خالد عبد القادر ‡
1920 (15)
لسان الدين
مصطفى حفيد
2 كانون الثاني 1923 (16)
وادي ميزاب ⋆
أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى
1 تشرين الأول 1926 (17)
البلاغ الجزائري ⋆
حدوني محمد محيي الدين
24 كانون الأول 1926
ثانيا: مدينة قسنطينة (1)
المسلم
دليس
14 تشرين الأول 1909 (2)
النجاح
عبد الحفيظ بن الهاشمي
13 آب 1920 (3)
البرق ⋆
رحموني محمد عبد المجيد
7 آذار 1927
ثالثا: مدينة بسكرة (1)
صدى الصحراء
أحمد بن العابد العقبي
23 تشرين الثاني 1925 (2)
الحق
علي موسى العقبي
23 نيسان 1926 (3)
الإصلاح ⋆
الطيب العقبي
8 أيلول 1927
رابعا: مدينة وهران (1)
الحق الوهراني
1902
خامسا: مدينة سكيكدة (1)
الهلال
أندراوس لنغوا
30 نيسان 1911 *
هي ثالثة الجرائد العربية التي ظهرت إلى عالم الوجود منذ تأسيس الصحافة حتى الآن، وقد أمر بإنشائها لويس فيليب الأول ملك الفرنسيس لتكون لسان حكومته في القطر الجزائري، ولم يزل «المبشر» الجريدة الرسمية لحكومة الجزائر ويطبع في اللغتين العربية والفرنسية. †
يعد هذا الأديب من أكتب الصحافيين في المغرب الأوسط وأرقاهم، وقد تلطف بنظم تقريظ شعري لكتابنا هذا نقابله عليه بالثناء الوافر وننشره بالافتخار وهو:
يا صاحب القلم السيال عش أبدا
ممتعا بالعلى في دولة الأدب
كفاك فخرا بما أبرزت من خدم
فيه بنشر علوم العجم والعرب
كم زاحمته سيوف الفاتحين فكا
ن النصر يأتيه مكفولا من العطب
أكرم بقوم لقد عزت صحافتنا
بهم ودون علاهم سبعة الشهب
لما استنار بهم أفق النهى رسمت
أسماؤهم في جبين الدهر بالذهب
إن كادهم غبن ذي الأيام من حسد
فقد حماهم عريق المجد والنسب
سليل أسرة طرازي التي لمعت
بالفضل وانتسبت أصلا لخير أب
فيليب قلدهم فخرا بمأثرة
كل يقابلها بالمدح والعجب
قد ضمهم في كتاب لا مثيل له
من نوعه فغدا كالمنهل العذب
أجاد وضعا لتاريخ الصحافة إذ
نلنا به منتهى المرغوب والأرب
فالحسن ما كان في القرطاس مرتسما
وليس بالمال والألقاب والرتب
وما الجمال جمال البدر في فلك
بل الجمال جمال العلم في الكتب
هذا الكتاب حوى ما الدهر شتته
بفضل صاحبه المقدام ذي الحسب
شكرا له من جميع المنشئين على
براعة ذكرها يبقى مدى الحقب ‡
هو الأمير خالد ابن الأمير الهاشمي ابن الأمير عبد القادر الحسني الجزائري الكبير بطل الجزائر، تلقى علومه في مدرسة البوليتكنيك بباريس، ويعد من نوابغ الأسرة القادرية الشريفة، وقد تكرم عمه الأمير محيي الدين باشا الجزائري بتقريظ كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» بهذه الأبيات:
لما تصفحت تاريخ الصحافة قد
ألفيته سفر إبداع وإعجاز
عليه يثنى من الكتاب قاطبة
كل الثناء ولا يثنى بإيجاز
لا غرو إن ذاع في الآفاق منتشرا
فإن منشئه فيليب طرازي
جرائد مراكش (المغرب الأقصى)
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة طنجة (1)
المغرب
عيسى فرح وسليم كسباني
آب 1889 (2) ⊙
السعادة ⋆
جريدة رسمية (حكومة فرنسا)
1905 (3)
لسان المغرب
فرج الله وارثور نمور *
8 شباط 1907 (4)
استقلال المغرب
الدكتور هيمنس
1907 (5)
الفجر
الشيخ نعمة الله الدحداح
27 حزيران 1908 (6)
الحق
جريدة رسمية (حكومة إسبانيا)
8 كانون الثاني 1911 (7)
الترقي
12 نيسان 1913
ثانيا: مدينة فاس (1)
الطاعون †
الشريف الإدريسي محمد القطاني
1908
ثالثا: مدينة الدار البيضاء (1)
الأخبار المغربية
بدراوي
آذار 1912
رابعا: مدينة تطوان (1)
الإصلاح
رسمية إسبانية
1918 (2)
الجنوب المغربي
الهادي السبعي
1924 (3)
الاتحاد ⋆
رسمية إسبانية
آذار 1927
خامسا: مدينة مليلا (1)
تلغراف الريف
رسمية إسبانية
1909 *
هو فرج الله بن سليم تمور من أدباء صيدا ولد فيها سنة 1865 ورحل إلى طرابلس الغرب ومنها إلى تونس، فأنشأ فيها سنة 1893 جريدة «البصيرة» بالاشتراك مع نجيب باشا ملحمة، ومن تونس سافر إلى مراكش فأسس جريدة «لسان العرب» سنة 1907 في طنجة، واستحضر لمطبعته كل اللوازم من المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت وفتح أيضا هناك مكتبة نفيسة، وأخيرا سافر إلى البرازيل واشترى المدرسة الشرقية الكبرى في سان باولو ليخدم فيها أبناء وطنه، وحلت منيته في المدينة المذكورة بالغا السنة الرابعة والخمسين من عمره، وكان رجل علم وعمل لين المعشر يجيد الكتابة نثرا وشعرا. †
هي أول جريدة أنشأها رجل وطني في المغرب الأقصى، وكانت تنشر مكتوبة بخط اليد، وذلك أن صاحبها كان يجمع لديه عددا من علماء مدينة فاس يساوي عدد النسخ التي يريد إذاعتها بين القراء، فكان يوزع عليهم القراطيس الصغيرة ويستكتبهم المقالات وهم قاعدون القرفصاء بشكل حلقة، وعلى هذا النمط صدرت جريدة «الطاعون» التي ورد وصفها مفصلا في «مجلة العالم الإسلامي» الفرنسية بباريس (راجع عددها الصارد في شهر آذار 1908)، وما أثبتناه هنا عن صحيفة «الطاعون» بصدق أيضا على جريدة «الفجر» التي سبق ذكرها بين جرائد مدينة طنجة وهي للشيخ نعمة الله الدحداح اللبناني.
جرائد سلطنة زنجبار
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: زنجبار العاصمة (1) ⊙
صحيفة زنجبار ⋆
رسمية *
1892 (2)
النجاح
أبو مسلم الرواحي
12 تشرين الأول 1911 (3)
الفلق ⋆
هاشل بن راشد المسكري
1 نيسان 1929 *
تصدر هذه الجريدة باللغة الإنكليزية ويتخللها أحيانا بعض الإعلانات باللغة العربية، وهي الصحيفة الرسمية لسلطنة زنجبار ولا سيما الدولة البريطانية ذات النفوذ العظيم في السلطنة المشار إليها، وبالرغم من كون هذه البلاد عربية وسلطانها عربي فإنه لم يصدر فيها حتى الآن سوى الجرائد الثلاث المذكورة أعلاه، وأول من اعتنى بنشر المعارف فيها كان السلطان برغش بن سعيد بن سلطان جد الأسرة المالكة، فإنه ابتاع سنة 1884 مطبعة مجهزة بكل اللوازم من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت واستقدم لها عمالا لبنانيين من عمالهم لأجل إدارتها وتشغيلها. وبعد وفاة سعيد بن سلطان انقسمت مملكته إلى دولتين مستقلتين إحداهما عن الأخرى، وبالتالي انقسمت سلالته إلى فرعين متميزين مستقلين كما يأتي: ينتمي الفرع الأول إلى بكر المجال سعيد بن سلطان، وأعطى له ولسلالته من بعده حق الولاية على عرش زنجبار في شرق أفريقيا، وجلس رأس الفرع الثاني تركي بن سعيد بن سلطان في عرش مسقط وعمان في الخليج الفارسي، ولم يزل أعقاب هذين الفرعين يتسلسلون بلا انقطاع في العرشين المذكورين حتى الآن، وكانت لمؤلف هذا الكتاب «تاريخ الصحافة العربية» علائق طيبة ومراسلات متواصلة مع آل هذين البيتين الشريفين وغيرهم من سلاطين العرب
وأمرائهم، وله تاريخ شعري نظمه لدى وفاة سلطان مسقط وعمان السيد فيصل بن تركي بن سعيد سنة 1331 هجرية قال:
سلطان مسقط قد هوى من عرشه
لينال عرشا في الديار المسفرة
هو فيصل للملك بل هو فيصل
يرتاع منه ذوو القلوب الموغرة
قامت له في العالمين مناحة
ذكراه فيها بالصلاح مسطرة
أثوى لمجد جللته كرامة
عليا وقدسه الإله ونوره
تتلى عليه فواتح بصباحه
ونوافل بمسائه متكررة
من بعده تيمور قام مؤيدا
فبدت صفات أبيه فيه مصورة
ولتبشر الدنيا ففيصل ناله
عفو المهيمن أرخوه ومغفرة
1331
الباب الثاني
فهارس جميع المجلات العربية في أفريقيا
يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في أفريقيا على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه المجلات في الأصقاع المذكورة. ***
مجلات المملكة المصرية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة القاهرة (1)
الجريدة التجارية الزراعية
رسمية
1 تشرين الثاني 1848 (2)
الجريدة العسكرية المصرية
رسمية
22 أيلول 1865 (3)
يعسوب الطب
محمد علي باشا الحكيم
1865 (4)
روضة المدارس المصرية
علي باشا مبارك
17 نيسان 1870 (5)
النحلة الحرة
القس لويس صابونجي السرياني
1871 (6)
جريدة أركان حرب الجيش المصري
رسمية
11 تموز 1873 (7)
نشرة الشركة الزراعية
الشركة الزراعية المصرية
31 كانون الأول 1880 (8)
المنتخب *
الدكتور عيسى باشا حمدي
2 آيار 1881 (9)
مرآة الشرق †
خليل اليازجي وأمين ناصيف
6 نيسان 1882 (10)
الحضارة
ميخائيل جرجس عورا
22 آيار 1882 (11)
الشفاء
الدكتور شبلي شميل
15 شباط 1886 (12)
اللطائف
شاهين مكاريوس
15 آيار 1886 (13)
الأزهر
حسن باشا رفقي وإبراهيم مصطفى
1 آب 1887 (14)
الصحة
حسن باشا رفقي وإبراهيم مصطفى
1 آب 1887 (15)
الأحكام
نقولا بك توما
1 تشرين الثاني 1887 (16)
المخبر المصري
ديمتري مسكوناس ‡
24 تشرين الثاني 1887 (17)
مكارم الأخلاق
أحمد الشريف
1 كانون الثاني 1888 (18)
الرياض المصرية
عبد الرحمن الحوت ومحمد المخزومي
7 أيلول 1888 (19)
فواكه الأرواح
يوسف حبيب ونقولا زكا
2 تشرين الثاني 1889 (20)
الآداب §
الشيخ علي يوسف
28 آب 1889 (21)
كنز الزراعة
حبيب فارس
15 نيسان 1891 (22)
الزراعة
أيوب عون
23 نيسان 1891 (23)
الإعلان
جمال ومصوبع
15 تشرين الثاني 1891 (24)
الفوائد الصحية
الدكتور شلهوب بك
1 كانون الأول 1891 (25)
الإصلاح
جمعية غرة الصباح الكلية
1 كانون الثاني 1892 (26)
النشرة الدينية الأسبوعية
القمص يوسف حبشي
21 شباط 1892 (27)
البستان
عبد الواحد حمدي
9 نيسان 1892 (28)
الفرائد
جرجس وفوزي
15 تموز 1892 (29)
الأستاذ
عبد الله نديم الإدريسي
24 آب 1892 (30) ⊙
الهلال ⋆
جرجي زيدان ||
1 أيلول 1892 (31)
الفتى
إسكندر شلهوب
1 أيلول 1892 (32)
الرشاد
أحمد سلامة
8 تشرين الأول 1892 (33)
النصوح
محمد توفيق
20 تشرين الأول 1892 (34)
فرصة الأوقات
تشرين الأول 1892 (35)
النشرة الإنجيلية المصرية
القس وطسن
1892 (36)
المنظوم
أحمد نجيب قناوي
15 تشرين الثاني 1892 (37)
المهندس
أحمد كامل الشهدي
1 شباط 1893 (38)
الهدى
أحمد لطفي
16 شباط 1893 (39)
المدرسة
مصطفى كامل
18 شباط 1893 (40)
التلميذ
جمعية التعاون الإسلامي
4 آذار 1893 (41)
الشرائع
أحمد لطفي السيد وإسماعيل الحكيم
4 آذار 1893 (42)
النديم
أحمد عبد اللطيف
5 آذار 1893 (43)
التقدم المصري
أحمد القوصي
19 آذار 1893 (44)
المنتقد
أحمد الأزهري ومصطفى الدمياطي
2 آيار 1893 (45)
العلم المصري
زكي عوض وبطرس ميخائيل
15 حزيران 1893 (46)
سلسلة الفكاهات
نخلة قلفاط ¶
1 تموز 1893 (47)
أبو الهول
نجيب الحاج
15 تموز 1893 (48)
الالتفات
أحمد رشدي
12 آب 1893 (49)
الميزان
محمد شكري
25 أيلول 1893 (50)
رعمسيس
جرجس بياضي
1 تشرين الثاني 1893 (51)
الإسلام
أحمد علي الشاذلي
8 آذار 1894 (52)
مجلة مصر
شارل غلياردو
1 حزيران 1894 (53)
المجلة الزراعية
حسن حسني باشا الطويراني وخليل كنعان
1 أيلول 1894 (54)
الأرغول
محمد النجار
1 أيلول 1894 (55)
اليانصيب
دافيد بارحي
3 أيلول 1894 (56)
الشمس
حسن حسني باشا الطويراني
13 تشرين الأول 1894 (57)
منتخبات الروايات
إسكندر كركور
1 تشرين الثاني 1894 (58)
الحق
يوسف منقريوس
كانون الثاني 1895 (59)
المنادمة
حسن صبحي ويحيى محمد ومحمد إبراهيم
16 آذار 1895 (60)
الكنانة **
شاكر شقير ونجيب متري
1 نيسان 1895 (61)
الشرف
جمعية الاتحاد الأخوي
15 نيسان 1895 (62)
الظرائف
حسن علي
5 أيلول 1895 (63)
المعارف
محمد حسن الجندي
1 تشرين الأول 1895 (64)
قرائن الأحوال
إبراهيم نجيب حمدي
1 تشرين الأول 1895 (65)
طبيب العائلة
الدكتور الفريد عيد
15 تشرين الثاني 1895 (66)
النشرة الشهرية
شركة القديس منصور دي بول
1 كانون الثاني 1896 (67)
الحدود
إسكندر أبادير وأمين إبراهيم
13 كانون الثاني 1896 (68)
النهج القويم
محمد خيامي
9 نيسان 1896 (69)
باب الفتوح ††
أحمد سمير وشركاؤه
1 آيار 1896 (70)
الثريا
إدوارد جدي
15 حزيران 1896 (71)
الفردوس
لويزا حبالين ‡‡
15 حزيران 1896 (72)
التوفيق
جمعية التوفيق القبطية
8 أيلول 1896 (73)
الهداية
محمد مهدي الشرقاوي
9 أيلول 1896 (74)
مرآة الحسناء
مريم مزهر (اسم مستعار)
1 تشرين الثاني 1896 (75)
الرائد الطبي
جمعية المعاضدة الطبية
1 تشرين الثاني 1896 (76)
مرآة العصر
يوسف سامي وأحمد زكي
1 كانون الثاني 1897 (77)
البيان
الشيخ إبراهيم اليازجي وبشارة زلزل
1 آذار 1897 (78)
المعارف
منلا عثمان الموصلي
19 آيار 1897 (79)
الأجيال
ميخائيل صقال §§
19 حزيران 1897 (80)
الميمون
ن. أ. وا. ج.
1897 (81)
السمير الصغير
جمعية التأليف العلمية
21 تشرين الأول 1897 (82)
الرسام
حسين صبري
تشرين الثاني 1897 (83)
الاتحاد الإسلامي
أوجين كلافل وشركاؤه
15 تشرين الثاني 1897 (84)
الفلاحة المصرية
محمود أنيس
1 كانون الثاني 1898 (85)
الفكاهة
ديمتري نقولا
31 كانون الثاني 1898 (86) ⊙
المنار ⋆
محمد رشيد رضا |||
15 آذار 1898 (87)
اللجام
30 آذار 1898 (88)
الخيلة الكدابة
26 نيسان 1898 (89)
الفيل الأبيض
عبد الرحمن المرصفي
20 آيار 1898 (90)
بغلة العشر
30 آيار 1898 (91)
القمر
جرجي طنوس
1 حزيران 1898 (92)
المسيح الدجال
6 تموز 1898 (93)
المهدي
8 تموز 1898 (94)
الغزالة
ن. ب.
1898 (95)
الصديق
محيي الدين سعيد
1 أيلول 1898 (96)
مظلة داود
جمعية التعليم المسيحي الأورثوذكسية
10 أيلول 1898 (97)
الضياء
الشيخ إبراهيم اليازجي ¶¶
15 أيلول 1898 (98)
مجلة الجمعية الطبية المصرية
سعد سامح وفريد عبد الله
1 تشرين الأول 1898 (99)
الشهباء
عبد المسيح أنطاكي وأومير حكيم
1 تشرين الثاني 1898 (100)
الزمن
محمود حمدي ومحمد هلالي الإبياري
7 تشرين الثاني 1898 (101)
الموسوعات
أحمد حافظ عوض
15 تشرين الثاني 1898 (102)
إدريس
خليل بتراكي عورا
1 كانون الثاني 1899 (103)
مجلة الجمعية الزراعية الخديوية
المستر فورن والمستر ماكنزي
1 كانون الثاني 1899 (104)
حمارة منيتي
محمد توفيق
24 شباط 1899 (105)
غزل البنات
27 شباط 1899 (106)
النور
تادرس شنودة
1899 (107)
العائلة
إستير مويال ***
1 آيار 1899 (108)
المدارس
4 آيار 1899 (109)
سلسلة الروايات
محمود خضر وبشير شوكتلي
15 آب 1899 (110)
الكوثر
جورج طنوس
16 تشرين الأول 1899 (111)
الوكيل
1 كانون الأول 1899 (112) ⊙
مكارم الأخلاق الإسلامية ⋆
جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية
2 كانون الثاني 1900 (113)
القدس
طه. المحتسب بالله
2 كانون الثاني 1900 (114)
سبل الهدى
أحمد سعيد
كانون الثاني 1900 (115)
المفتاح
توفيق عزوز
15 كانون الثاني 1900 (116)
التمثيل
محمد أمين
1 شباط 1900 (117)
عين شمس
أقلوديوس يوحنا لبيب الميري
1 توت 1617 قبطية/1900 (118)
الانتقاد العام
محمد راغب آل خبرة
15 آذار 1900 (119)
النديم
1 نيسان 1900 (120)
النهضة الأدبية
جمعية النهضة
1900 (121)
الدنيا في باريس
أحمد زكي باشا †††
13 نيسان 1900 (122)
الهوانم
أحمد حلمي
15 نيسان 1900 (123)
مجلة المجلات العربية
محمود حسيب
نيسان 1900 (124)
النظارة
ع. كامل
14 آيار 1900 (125)
المجلة المصرية
خليل بك مطران
1 حزيران 1900 (126)
الخزانة
الشيخ يوسف الخازن ‡‡‡
1 تموز 1900 (127)
مجلة اللواء
مصطفى كامل باشا
1 تشرين الأول 1900 (128)
الرسول
عبد الحميد إبراهيم ومحمد الهراوي
1900 (129)
البدر المنير
جمعية المباحث العلمية
25 تشرين الثاني 1900 (130)
المصباح الجديد
إبراهيم نجار وسجعان عارج
6 كانون الأول 1900 (131)
المجلة الصحية §§§
الدكتور أديب زيات ونجيب غناجة
1 كانون الثاني 1901 (132)
المرأة في الإسلام
إبراهيم رمزي
1 نيسان 1901 (133)
التعليم الابتدائي
أحمد حسين ويوسف مظهر
5 نيسان 1901 (134)
المرأة
أنيسة عطا الله
6 تموز 1901 (135)
مجلة نقابة اتحاد مزارعي القطر المصري
20 تموز 1901 (136)
الكنيسة الأرثوذكسية
جمعية النشأة السورية الأرثوذكسية
1 تشرين الأول 1901 (137)
الجامعة الإسلامية
محمد أحمد عفيفي
تشرين الثاني 1901 (138)
الطب الحديث
الدكتور الفريد عيد
1 كانون الثاني 1902 (139)
الاستقلال
نجيب شقرا
15 كانون الثاني 1902 (140)
مرآة الأيام
إبراهيم لفلوفة
4 آذار 1902 (141)
التلميذ الشرقي
حسين روحي
1 نيسان 1902 (142)
مجلة الأحكام الشرعية
حسن حمادة
24 نيسان 1902 (143)
السعادة
روجينا عواد
1 تموز 1902 (144)
الخطيب
مصطفى حسين
1 أيلول 1902 (145)
المحيط
عوض واصف
1 تشرين الثاني 1902 (146)
المجلة المدرسية
سيد محمد
1 كانون الثاني 1903 (147)
العلم الصناعي
عبد الرحيم فوزي وحسن فهمي
1 كانون الثاني 1903 (148)
الاعتدال
عازر حلمي
31 كانون الثاني 1903 (149)
حديقة الفكاهة
إبراهيم فارس
1903 (150)
مسامرات النديم
إبراهيم رمزي وعزة حلمي
نيسان 1903 (151)
معين المتعلم
رزق الله حنا وعجبان بطرس
1903 (152)
الثبات
إبراهيم عبد الحميد
1903 (153)
المرستان
ع. ر. ش.
11 حزيران 1903 (154)
عروس النيل
سليم قبعين
1 آب 1903 (155)
العصر الجديد
محمود صادق سيف
1 آب 1903 (156)
الأوقاف المصرية
محمد غالب فطين
17 آب 1903 (157)
الكاروز المنير
جرجس بياضي
تشرين الأول 1903 (158)
سر الليل
عبد الرحمن هندي
16 تشرين الأول 1903 (159)
المؤنس
محب
15 تشرين الثاني 1903 (160)
مجلة أبقراط الطبية
الدكتور حسين يسري
1 كانون الأول 1903 (161)
الرسام
عيسى صبري
8 كانون الأول 1903 (162)
الإنسانية
إبراهيم الدباغ
28 كانون الأول 1903 (163)
مسامرات الشعب
خليل صادق
1 كانون الثاني 1904 (164)
الفتى القبطي
الشماس بطرس باسيلي
1 كانون الثاني 1904 (165)
المفيد
عبد العزيز حمدي
شباط 1904 (166)
نفير الحرب ||||
خليل صادق
12 آذار 1904 (167)
المحبوب
محمد أحمد محبوب المهندس
24 نيسان 1904 (168)
المنهل
عطية حنا
1 آيار 1904 (169)
مجلة البلاد
بيومي السيد
آيار 1904 (170)
مجلة النادي
الدكتور أنريكو أنسباتو
1 آيار 1904 (171)
نبراس المشارقة والمغاربة
قاسم الشماخي العامري
30 تموز 1904 (172)
لسان الأمم
حسين روحي
أيلول 1904 (173) ⊙
الكرمة ⋆
الشماس جرجس حبيب
11 أيلول 1904 (174)
الدنيا الجديدة
أحمد نديم
20 تشرين الأول 1904 (175)
علم الشرق
محمود نجيب
1904 (176)
التربية
محمود عمر الباجوري
1 تشرين الثاني 1904 (177)
الفرقان
أحمد فهمي
1 كانون الثاني 1905 (178)
الروايات الشهرية
يعقوب جمال
1 كانون الثاني 1905 (179)
الحكمة
الدكتور عبد العزيز نظمي ¶¶¶
1 كانون الثاني 1905 (180) ⊙
الشرق والغرب ⋆
تمبل جردنر
4 كانون الثاني 1905 (181)
الحجل
سليمان الحكيم (اسم مستعار)
1905 (182)
المجموعة السنية في المسائل الحسابية
عطا فهمي
1 شباط 1905 (183)
البازي
أرميا التيلوني (اسم مستعار)
1905 (184) ⊙
الهدى ⋆
سيد محمد
7 آذار 1905 (185)
العالم الإسلامي
مصطفى كامل باشا
10 آذار 1905 (186)
جريدة المحفل الأكبر الأورشليمي
نيسان 1905 (187)
مجلة سركيس
سليم سركيس
1 آيار 1905 (188)
الموقوذة
محمد توفيق
2 آيار 1905 (189)
المجلة الماسونية
المحفل الأكبر الأورشليمي
1905 (190)
هلسية
1905 (191)
مجلة الشتاء
سليم بك عنحوري
1 كانون الثاني 1906 (192)
مجلة الإخاء
رحمين فرجون
1 كانون الثاني 1906 (193)
نهضة الإخاء
رحمين فرجون
1 شباط 1906 (194)
المعلم
علي الجندي وشركاؤه
25 شباط 1906 (195)
المجلة العثمانية
فتحي عزمي
1 آذار 1906 (196)
العلوم
محمود ثابت
1 آيار 1906 (197)
عفريت الحمارة
عبد الرحمن الهندي
1 آيار 1906 (198)
الأقلام
جورج طنوس ومحمود أبو حسين
1 حزيران 1906 (199)
المنهل الصافي
محمد نجيب الحارتي
1 حزيران 1906 (200) ⊙
طوالع الملوك ⋆
محمود محمد ****
8 حزيران 1906 (201)
بشير الإسلام
محمد طلعت
23 تموز 1906 (202)
النبراس
أحمد شاكر
1 أيلول 1906 (203)
الأرنب
حسين توفيق
1906 (204)
الكوثر
محمد شفيق
1 تشرين الأول 1906 (205) ⊙
فتاة الشرق ⋆
لبيبة هاشم ††††
15 تشرين الأول 1906 (206)
الرابطة المسيحية
الشماس فرج جرجس
1 كانون الثاني 1907 (207)
السجل المصري
علي يوسف الكريدلي
كانون الثاني 1907 (208)
الإظهار
عبد اللطيف المصري
1 كانون الثاني 1907 (209)
الإنسانية
إبراهيم الدباغ
1907 (210)
الريحانة
جميلة حافظ
27 شباط 1907 (211)
مجلة الأزهر
محمود زكي بك
نيسان 1907 (212)
المجلة القبطية
جرجس فيلوثاؤس عوض ‡‡‡‡
نيسان 1907 (213)
مجلة الصدق العثماني
محمد عثمان
30 نيسان 1907 (214)
الفائز
أحمد الماجدي
1907 (215)
ضياء الألعاب
ناصف طه النساخ
1907 (216)
الحكمة
عبد العزيز جاب الله
1907 (217)
مجلة المساحة
موظفو مصلحة المساحة
1 أيلول 1907 (218)
طريق الحياة
فريد كامل
أيلول 1907 (219)
البستان الزاهر
ميشيل ميسر وسالم سيدهم تادرس
1 كانون الثاني 1908 (220)
حدائق الظاهر
أحمد زكي أبو شادي
1908 (221)
مجلة القضاء والبوليس المصري
محمد البارودي وشركاؤه
1 كانون الثاني 1908 (222)
اللباب
أ. أ. ن.
1 كانون الثاني 1908 (223)
الفكاهات العصرية
عبد الله غزالة
كانون الثاني 1908 (224)
مجلة ترقية المرأة
فاطمة راشد
3 آذار 1908 (225)
الزهرة
محمود عزمي حسيب
نيسان 1908 (226)
فتى العصر §§§§
راشد يعقوب
15 نيسان 1908 (227)
القطر المصري |||||
أحمد حلمي
24 نيسان 1908 (228)
العرش الأبيض
ن. ر. غ.
15 آيار 1908 (229)
الأسماء
عارف بك البغدادي
آيار 1908 (230)
مجلة الطلبة المصريين
1 تموز 1908 (231)
مجلة صدق الإخاء
نادي صدق الإخاء
1 تموز 1908 (232)
المترجم
1908 (233)
الجنس اللطيف
ملكة سعد
5 تموز 1908 (234)
الزار
أمين سيد أحمد الزيات
1908 (235)
التذكرة
أحمد خليل
13 تموز 1908 (236)
الطائف
محمد رشدي
11 أيلول 1908 (237)
الفوائد
حسن محمد مالك
13 أيلول 1908 (238)
نور الشرق
حبيب نجار
24 تشرين الثاني 1908 (239)
المدرسة
نخبة من الأدباء والكتاب
1 كانون الثاني 1909 (240)
الجامعة المصرية
محمود شاهين وشركاؤه
1 كانون الثاني 1909 (241)
المجلة المطبعية
فرنسيس ميخائيل
1 كانون الثاني 1909 (242)
فرعون
توفيق حبيب
1 كانون الثاني 1909 (243)
مجلة الإيمان الشهرية
جمعية الإيمان القبطية المركزية
1 كانون الثاني 1909 (244)
الساروخ
معوض وجرجس خليل
1909 (245)
مجلة جمعية الحياة
جمعية الحياة
1 شباط 1909 (246)
مجلة عمال السكة الحديد
محمد نجيب
15 آذار 1909 (247)
حديقة الروايات
شركة نشر الروايات
1909 (248)
الأستاذ
عبد المجيد كامل
2 نيسان 1909 (249)
صحيفة نادي دار العلوم
نادي دار العلوم
6 نيسان 1909 (250)
الآثار المصرية
أقلوديوس لبيب بك ¶¶¶¶
1909 (251)
مجلة العلم العثماني
حنفي
1 أيلول 1909 (252)
الرقي الإسلامي
أحمد زكي
1 أيلول 1909 (253)
سلسلة الروايات
سليم قبعين ومنصور
1909 (254)
مرشد الأطفال
أنجلينا أبو شعر
14 تشرين الثاني 1909 (255)
الروايات الجديدة
نقولا رزق الله
1 كانون الثاني 1910 (256)
الوجديات
محمد فريد وجدي
1910 (257)
صدى النعمة والحق
أوتو بلبدل
1910 (258)
الهداية
الشيخ عبد العزيز جاويش
1 شباط 1910 (259)
الجامعة الإسلامية
1910 (260)
السيارة الفلكية
أحمد موسى الزرقاوي
11 شباط 1910 (261)
الزهور
أنطون الجميل وأمين تقي الدين
1 آذار 1910 (262)
الأحوال
حسن فهمي ومحمود طاهر
1 تموز 1910 (263)
تقويم حمارة منيتي
محمد توفيق
1 كانون الثاني 1911 (264) ⊙
المجلة الزراعية المصرية ⋆
وزارة الزراعة
1 كانون الثاني 1911 (265)
روايات الملوك
ديمتري نقولا
15 كانون الثاني 1911 (266) ⊙
نجم المشرق ⋆
القس أرمس
1911 (267)
الفنون والصنائع
نادي الفنون والصنائع
1 شباط 1911 (268)
سبل الرشاد
محمود رشيد
1911 (269)
المجلة العربية
جمعية أرباب الأملاك العقارية
1 آيار 1911 (270)
البيان
عبد الرحمن البرقوقي ومحمد السباعي
24 آب 1911 (271) ⊙
رعمسيس ⋆
رمزي وكيرلس تادرس
كانون الأول 1911 (272)
النسيم
محمود طاهر
كانون الثاني 1912 (273)
المجنون
أمين عطا الله
2 كانون الثاني 1912 (274)
المعلم
علي بكير
15 شباط 1912 (275)
الربيع
جماعة الرابطة الإسلامية
1 آذار 1912 (276)
المعارف
محمد إبراهيم
1 آذار 1912 (277)
المجلة الزراعية العملية
أحمد خيري
25 نيسان 1912 (278)
الشمس
عبد الرءوف حلمي
1 آيار 1912 (279)
الجميلة
فاطمة توفيق
15 آب 1912 (280)
الحياة
محمد فريد وجدي
1 تشرين الثاني 1912 (281)
مسامرات الملوك
ألفريد خوري
1 تشرين الثاني 1912 (282)
الفنون الجميلة
الجمعية الفوتوغرافية المصرية
1 آيار 1913 (283)
السعادة الأبدية
علي عبد الرحمان الحسيني
تشرين الأول 1913 (284)
فتاة النيل
سارة الميهية
30 تشرين الثاني 1913 (285)
مجلة الروايات العصرية
عبد الواحد أحمد ومحمود صادق سيف
1914 (286) ⊙
البريد المصري ⋆
مطبعة النيل المسيحية
1 كانون الثاني 1914 (287)
المجلة التجارية
إلياس زخورا وشركاؤه
1914 (288)
مجلة الغرفة التجارية المصرية
غرفة التجارة
نيسان 1914 (289)
المستقبل
سلامة موسى
7 آيار 1914 (290)
روضة المدارس
المسز بري
1914 (291)
الروايات الكبرى
مراد الحسيني
1914 (292)
شولح
1915 (293)
مجلة فلاحة البساتين
جمعية فلاحة البساتين
1 كانون الثاني 1915 (294) ⊙
مجلة الشباب ⋆
محمد عبد العزيز
23 تشرين الثاني 1915 (295)
العظماء
ميخائيل بشارة داود
1 كانون الأول 1915 (296)
مرآة الأدب
أحمد إبراهيم فودة
1 شباط 1916 (297)
المفيد
علي أمين
1 آذار 1916 (298) ⊙
غذاء النفوس ⋆
فرج جرجس الواعظ
آذار 1916 (299)
المسابقات العلمية
وهبة عبد الله
نيسان 1916 (300)
الروايات الأسبوعية
جورج أوغيا
1916 (301)
الأدب والتمثيل
إبراهيم رمزي
نيسان 1916 (302) ⊙
الزهرة
نعوم مغبغب
15 حزيران 1916 (303) ⊙
المجلة السلفية
عبد الفتاح قتلان
1917 (304) ⊙
المجلة الطبية المصرية
أطباء مدرسة الطب
1 نيسان 1917 (305) ⊙
مجلة كلية الأقباط ⋆
مدرسية
1918 (306) ⊙
المرآة
خليل زينية
1918 (307)
المسرح المصري
تشرين الثاني 1919 (308)
الرسالة
محمد السباعي وإبراهيم أمان
1 كانون الأول 1919 (309)
المهندس
إبراهيم حلمي
1 كانون الثاني 1920 (310)
مجلة المرأة المصرية ⋆
بلسم عبد الملك
1 كانون الثاني 1920 (311)
كوكب الصبح ⋆
القس ه. أ. رندل
1 كانون الثاني 1920 (312)
الرياضة البدنية
نادي القاهرة بشبرا
2 كانون الثاني 1920 (313)
الرسالة الصيدلية المصرية
جمعية الصيادلة
1920 (314)
أبو الهول ⋆
لسان الشعب المصري
15 شباط 1920 (315)
الرشيد ⋆
أحمد صادق
4 آذار 1920 (316)
الفلاحة
خريجو مدرسة الزراعة بالجيزة
1 تموز 1920 (317)
العلوم الحديثة
زكي جندي المساح
1 تموز 1920 (318)
بوق الإنجيل ⋆
ج. ك. أوزونيان
1 آب 1920 (319)
روضة البلابل ⋆
إسكندر شلفون *****
1 تشرين الأول 1920 (320)
المحاماة ⋆
نقابة المحامين الأهلية
تشرين الأول 1920 (321)
النشرة الفنية لنقابة المهندسين
نقابة المهندسين المصريين
1 كانون الثاني 1921 (322)
الأخبار الماسونية
ألبير بزيات
1 كانون الثاني 1921 (323)
النيل المصري
فرج سليمان فؤاد
13 كانون الثاني 1921 (324)
الصراحة
صابر حمدي
24 كانون الثاني 1921 (325)
الإنشاء
رضوان حسين
1 شباط 1921 (326)
البرق
عبد الله يزبك وأيوب نقاش
آذار 1921 (327)
الهندسة ⋆
محمود أحمد المهندس
1921 (328)
الكشافة المصرية
توفيق بسيم
26 آذار 1921 (329)
المسامرات
حسن الهلالي ومحمود بسيوني
29 آذار 1921 (330)
المجلة الماسونية
سيد علي الحريري
1921 (331)
فتاة مصر الفتاة
إملي عبد المسيح
1 نيسان 1921 (332)
الكشافة الأعظم
محمود عبد الله القصري
22 آيار 1921 (333)
الروايات المصورة
سليم خوري
25 آيار 1921 (334)
المجلة التجارية النوبية ⋆
محجوب سليمان وأحمد علي حجازي
17 تموز 1921 (335)
الطبيب المصري
الدكتور فؤاد شوكت
1 آب 1921 (336)
الفكاهات المصورة
عمر عبد العزيز أمين
1921 (337)
المضمار
حبيب أسعد داغر
21 تشرين الأول 1921 (338)
الصحة والقوة
سيد حسين البشلاوي
كانون الأول 1921 (339)
مجلة القصص المصورة
م. أفاتس
26 كانون الأول 1921 (340)
مجلة المدرسة الخديوية
محمود المنجوري
1 شباط 1922 (341)
النديم الروائي
إسحاق صروف وسليم خوري
1922 (342)
مجمع الدرر
نجيب كنعان
1 آذار 1922 (343)
الملحق الروائي لمجلة الروايات المصورة
إسحاق صروف وسليم خوري
2 آذار 1922 (344)
حديقة الفكاهة
إبراهيم فارس
8 آذار 1922 (345)
القضاء الشرعي
أمين الخولي
1922 (346)
الميدان
إبراهيم الموصلي
3 نيسان 1922 (347)
العالم المصور
أحمد محمد عصفور
5 آيار 1922 (348)
مجلة المجلات
عبد الحليم الغمراوي
12 حزيران 1922 (349)
مجلة إحياء العلوم المصورة
محمد مصطفى العامري
6 تموز 1922 (350)
المشكاة
يوسف توما ومحمود أنيس
1 كانون الثاني 1923 (351)
العمدة
محمود الباجا بك
1 آذار 1923 (352)
صحيفة المعلمين
الشيخ أبو الفتح الفقي
نيسان 1923 (353)
الصور المتحركة
محمد توفيق
10 آيار 1923 (354)
مجلة المدرسة الثانوية الملكية
إدارة المدرسة
1923 (355)
الأتوموبيل
نقولا حبيقة
15 آيار 1923 (356)
الجامعة المصرية
خريجو الجامعة المصرية
1 تشرين الثاني 1923 (357)
صحيفة التوفيقية
المدرسة التوفيقية
1 كانون الثاني 1924 (358)
صحة العائلة
الدكتور أمين دمر
كانون الثاني 1924 (359)
بريد المحاكم
يعقوب دانا
كانون الثاني 1924 (360)
الدليل في تقدم فن التفصيل
صالح الحاو
1 آذار 1924 (361)
الإخاء ⋆
سليم قبعين
1 نيسان 1924 (362)
الأستاذ
توفيق سامي
20 نيسان 1924 (363)
المكتبة
عبد العزيز الحلبي
آيار 1924 (364)
مجلة الميثاق الماسونية
المحفل الأكبر الوطني المصري
15 آيار 1924 (365)
رابطة الشرق
الدكتور ميرزا محمد كمال
1 حزيران 1924 (366)
كليوباتره
محمد فوزي وزكريا منصور
3 حزيران 1924 (367)
اتحاد العمال
نجاة عبد العزيز
13 حزيران 1924 (368)
لواء الإسلام ⋆
محمد أبو الفيض المنوفي
1 تموز 1924 (369)
التاج
حسن حسني الخصوصي
1 تموز 1924 (370)
الشمس
زكي رزق الله
15 تموز 1924 (371)
العالم الإفريقي
محجوب سلامة
15 تموز 1924 (372)
التقوى ⋆
جماعة الوعظ الإسلامي
1924 (373)
التصوير الشمسي
أحمد حجازي
10 آب 1924 (374)
بستان المعارف
محمد كامل دسوقي
15 آب 1924 (375)
الزهراء ⋆
محب الدين الخطيب
17 آب 1924 (376)
حديث المجالس
محمد البرديسي
15 أيلول 1924 (377)
اليقظة ⋆
الأيغومانس إبراهيم لوقا
أيلول 1924 (378)
وادي الملوك
محمد توفيق بسيم
17 أيلول 1924 (379)
صحيفة التجارة والصناعة
مصلحة التجارة والصناعة
1 تشرين الأول 1924 (380)
مجلة المؤتمر الإسلامي
محمد فرج المنياوي
1924 (381)
التلميذ
علي محمد راضي
3 تشرين الأول 1924 (382)
مجلة المحكمة الشرعية
أحمد السيد السبكي
تشرين الأول 1924 (383)
التياترو
إدوار كحيل ومحمد شكري
5 تشرين الأول 1924 (384)
الانتشار الاقتصادي في الشرق
1924 (385)
الحساب
إبراهيم الصيحي
21 تشرين الأول 1924 (386)
الرياض
محمد علي حماد وشركاؤه
23 تشرين الأول 1924 (387)
الخلود
حنا سيروفيم
تشرين الثاني 1924 (388)
سمير الطالب
فهيم بسخرون
13 تشرين الثاني 1924 (389)
القلادة الدرية
محمد محمود حافظ
1 كانون الأول 1924 (390)
الأحوال
مصطفى إسماعيل القشاشي
2 كانون الأول 1924 (391)
مجلة فرعون
عبد العزيز رسمي
5 كانون الأول 1924 (392)
الربابة
مصطفى فهمي الحكيم
18 كانون الأول 1924 (393)
صحيفة الاقتصاد والتجارة ⋆
نادي التجارة العليا
1 كانون الثاني 1925 (394)
مصر الصناعية ⋆
جمعية الصناعات بالقطر المصري
1 كانون الثاني 1925 (395)
زهرة الربيع
محمد أحمد يوسف
20 كانون الثاني 1925 (396)
المجلة الشهرية
إسكندر مكاريوس
1 شباط 1925 (397)
أسرار الكون
علي صالح العاصي
1 شباط 1925 (398)
الجديد
محمود عزمي
15 شباط 1925 (399)
النشرة الصناعية
محمد سامي
16 شباط 1925 (400)
الجوهرة
إسكندر تادرس وحسين إبراهيم
شباط 1925 (401)
الطوفان
راشد البداري
1925 (402)
الصراحة
إسماعيل وهبي بك
1925 (403)
الحياة الجديدة
محمود محمد
5 آذار 1925 (404)
صندوق الدنيا
صابر حمدي
15 آذار 1925 (405)
مجلة المدرسة الخديوية
الحزب الوطني
1925 (406)
السلوى
نسيب المشعلاني
1 نيسان 1925 (407)
نهضة الطلبة
غالي جرجس
1925 (408)
الزهرة
عدلي جرجس
1925 (409)
الحياة الجديدة
فرج سليمان فؤاد ومحمود محمد
12 نيسان 1925 (410)
مشنقة عشماوي
إبراهيم عشماوي
4 آيار 1925 (411)
الرقيب المصري
أحمد يوسف
1925 (412)
القديم
حسن صبحي
حزيران 1925 (413)
النهضة الروحية
حلمي حبيب
1 تموز 1925 (414)
الحاوي
حافظ نجيب
14 تموز 1925 (415)
النشرة الفنية
نقابة المهندسين
1925 (416)
المدينة المنورة ⋆
محمد الحسن ماضي أبو العزم
1925 (417)
الأجيال ⋆
محمود وعبد القادر السيد
1925 (418)
الحسان ⋆
فريدة فوزي
23 أيلول 1925 (419)
الهجين
أمين عزت الهجين
13 تشرين الأول 1925 (420)
القمر
رياض شحاتة
16 تشرين الأول 1925 (421)
روز اليوسف ⋆
روز اليوسف
26 تشرين الأول 1925 (422)
الروضة المصورة
أحمد حسني جاد الله
1 تشرين الثاني 1925 (423)
المسرح ⋆
محمد عبد المجيد حلمي
17 كانون الأول 1925 (424)
روح العدل
صالح عوني
1925 (425)
المجلة السورية ⋆
الخوري بولس قرألي †††††
15 كانون الثاني 1926 (426)
مصر الحرة ⋆
بديع خيري ومحمود طاهر العربي
1926 (427)
العلوم والروايات المصورة
سليم خوري
1926 (428)
مجلة اللحام الذاتي
شركة الغاز المضغوط
كانون الثاني 1926 (429)
مجلة التلغرافات والتلفونات ⋆
فرج أندراوس
كانون الثاني 1926 (430)
البدر ⋆
متولي الطنطاوي
17 آذار 1926 (431)
البوليس السري
محمد عبد العزيز الصدر
10 حزيران 1926 (432)
الفنون ⋆
أحمد كمال الحلي
19 أيلول 1926 (433)
مجلة كلية الحقوق ⋆
إدارة كلية الحقوق
تشرين الأول 1926 (434)
نهضة اللغة العربية
عبد الخالق محمد أبو اليسر
1 تشرين الأول 1926 (435)
سياج الشرق
جورج يوسف سياج
1 تشرين الأول 1926 (436)
جوزي جورنال
تمثيلية
1926 (437)
الفكاهة ⋆
إميل وشكري زيدان
1 كانون الأول 1926 (438)
مجلة مدرسة الأقباط الكبرى ⋆
طلبة المدرسة
1 كانون الثاني 1927 (439)
المثال المسيحي ⋆
أ. ه. طمسن
1 حزيران 1927 (440)
أبو نواس
علي عبد الرحمن الحسيني
17 آب 1927 (441)
الحلاوة
إلياس شحادة صدناوي
1 أيلول 1927 (442)
الإيجارات
أسطاسي إسكندر
1 أيلول 1927 (443)
الإعلانات
شركة الإعلانات العمومية
1 أيلول 1927 (444)
العصور ⋆
إسماعيل مظهر
1 أيلول 1927 (445)
الناقد ⋆
محمد علي حماد
3 تشرين الأول 1927 (446)
الشعلة
إبراهيم عاشور
3 تشرين الأول 1927 (447)
مجلة الشرق الأدنى ⋆
أمين سعيد
11 تشرين الأول 1927 (448)
مصر الحديثة المصورة ⋆
توفيق اليازجي
15 تشرين الأول 1927 (449)
الممثل
علي حسن الشيخ
28 تشرين الأول 1927 (450)
الستار
جمال الدين عوض وحبيب جاماتي
3 تشرين الثاني 1927 (451)
المدفع المصور ⋆
محمود إبراهيم
7 تشرين الثاني 1927 (452)
المستقبل ⋆
عبد الجواد محمد
1 كانون الأول 1927 (453)
التربية الحديثة ⋆
رسل جولت وأمير بقطر
1 كانون الثاني 1928 (454)
مجلة تقدم العلاج ⋆
1 كانون الثاني 1928 (455)
الطلبة المصريون
لسان حال الطلبة
12 كانون الثاني 1928 (456)
الجديد ⋆
محمد المرصفي
22 كانون الثاني 1928 (457)
النجوم ⋆
أحمد فؤاد نصار
26 كانون الثاني 1928 (458)
الأزهر
أحمد السعيد نعمان
4 شباط 1928 (459)
الأحاديث
أحمد فهمي الريدي
13 شباط 1928 (460)
السيف والناس
حسين علي وحسين شفيق
26 شباط 1928 (461)
النشرة الشهرية للشئون البيطرية ⋆
وزارة الزراعة المصرية
1928 (462)
مجلة العلاج الطبي
1 آذار 1928 (463)
سبور ⋆
27 نيسان 1928 (464)
النشرة الدورية ⋆
دار الكتب المصرية
نيسان 1928 (465)
المنارة المرقسية ⋆
القمص سرجيوس
1928 (466)
الرأي العام المصور
حسني الحسيني وعلي الحسيني
17 آيار 1928 (467)
الثبات
خليل أحمد
18 آيار 1928 (468)
التلميذ
الجمعية العلمية للطلبة
1 حزيران 1928 (469)
الشبيبة المسيحية ⋆
الشماس عزيز غالي
15 آب 1928 (470)
الأوتوموبيل ⋆
ريشار كوزمي وشفيق غندور
1928 (471)
العاصمة
محمود مراد ومهدي الرفاعي
14 أيلول 1928 (472)
الحركة ⋆
وسيم فائد
14 تشرين الأول 1928 (473)
الرابطة الشرقية ⋆
جمعية الرابطة الشرقية
15 تشرين الأول 1928 (474)
الشباب والمدفع المصور
محمود إبراهيم
27 تشرين الأول 1928 (475)
الفاتح ⋆
أحمد ماضي أبو العزائم
23 تشرين الثاني 1928 (476)
الأزهر ‡‡‡‡‡
أحمد السعيد نعمان
25 تشرين الثاني 1928 (477)
الهداية الإسلامية ⋆
محمد الخضر حسين §§§§§
تشرين الثاني 1928 (478)
العلم والطب
الدكتور إسماعيل بك مرتضى
1 كانون الأول 1928 (479)
الطبيب
توفيق مفرج وإسماعيل مرتضى
1 كانون الثاني 1929 (480)
الغلباوي ⋆
محمد عبد العزيز الصدر
11 كانون الثاني 1929 (481)
رفيق المسافر ⋆
نجيب كنعان
14 كانون الثاني 1929 (482)
رقي المعارف ⋆
مدرسة رقي المعارف الثانوية
1 شباط 1929 (483)
الطريق ⋆
محمد سراج الدين وحسين غنام
شباط 1929 (484)
الرسول ⋆
محمود رمزي نظيم
1 آذار 1929 (485)
الربيع ⋆
علي كشميري
30 نيسان 1929 (486)
صديق العائلة ⋆
نيسان 1929 (487)
صحيفة التعاون ⋆
وزارة الزراعة المصرية
1 آيار 1929 (488)
الصباح ⋆
مصطفى إسماعيل القشاشي ||||||
1929 (489)
الرأي العام والسعادة
علي عبد الرحمن الحسيني
5 تموز 1929 (490)
شهر زاد ⋆
محمد المرصفي
18 أيلول 1929 (491)
مجلة الشبان المسلمين ⋆
الدكتور يحيى أحمد الدرديري
1 تشرين الأول 1929 (492)
المحاماة الشرعية ⋆
نقابة المحامين الشرعيين
1 تشرين الأول 1929 (493)
المجلة الجديدة ⋆
سلامة موسى
1 تشرين الثاني 1929 (494)
أبو الهول ⋆
مصطفى إسماعيل القشاشي ¶¶¶¶¶
26 تشرين الثاني 1929 (495)
إشمعنه ⋆
محمد عبد المنعم رضا
1929
ثانيا: مدينة الإسكندرية (1)
التنكيت والتبكيت
عبد الله نديم
6 حزيران 1881 (2)
الراوي
خليل زينية
1 آذار 1888 (3)
حديقة الأدب
نجيب غرغور
1888 (4)
مرقى النجاح
عطية جرجس
1 كانون الثاني 1892 (5)
فرصة الأوقات
محمود حلمي
تشرين الأول 1892 (6)
الفتاة ******
هند نوفل
20 تشرين الثاني 1892 (7)
الثمرة
أنطونيوس منصور
15 شباط 1893 (8)
الابتسام
روفائيل مشاقة ونجيب غرغور
18 شباط 1894 (9)
جورنال الصفا
محمد عمر الحسامي
1895 (10)
العام الجديد ††††††
نجيب غرغور
1 كانون الثاني 1895 (11)
القضاء
آمده شراباتي
1 كانون الثاني 1895 (12)
مرآة العصر
أحمد زكي ويوسف سامي
1 كانون الثاني 1897 (13)
التاريخ اليومي
نقولا سابا الأنطاكي
1 كانون الثاني 1897 (14)
التاريخ
نقولا سابا الأنطاكي
1898 (15)
الأدب
أحمد فهمي
1898 (16)
أنيس الجليس ‡‡‡‡‡‡
الأميرة ألكسندرا أفيرينوه
31 كانون الثاني 1898 (17)
تسلية الخواطر
سبع شميل
10 شباط 1898 (18)
مجلة النيل
مصطفى الدمياطي
1898 (19)
أبو النواس
يوسف وإلياس كنعان
25 كانون الأول 1898 (20)
الظهور
علي نور
8 آذار 1899 (21)
الجامعة
فرح أنطون
15 آذار 1899 (22)
الاعتدال
جمعية الاعتدال
آب 1899 (23)
البحبحة
السيد توفيق وعبد الحميد صالح
6 حزيران 1900 (24)
المجلة الماسونية
يوسف لفلوفة
1 كانون الثاني 1901 (25)
شجرة الدر
سعدية سعد الدين
1 آيار 1901 (26)
مجلة الملاجئ العباسية
جمعية الملاجئ العباسية
1901 (27)
الزهرة
مريم سعد
8 آيار 1902 (28)
المصري
علي عبد الكريم
4 كانون الأول 1902 (29)
الفضيلة
سليم العظم
1 آذار 1903 (30) ⊙
مجلة السيدات والبنات ⋆
روزة أنطون §§§§§§
1 نيسان 1903 (31)
ظريفة المعاني
عبد الرحمن هندي
28 آيار 1903 (32)
زهرة الشرق
محمد علي حسن
15 حزيران 1903 (33)
الرجاء
جرجي حبيب وتوفيق رزق الله
1 تشرين الثاني 1903 (34)
المباحث
الخوري جرجس فرج صفير
1 كانون الثاني 1904 (35)
الأمة الشرقية
ح. ص.
1 كانون الثاني 1904 (36)
النور
فارس مشرق وداود مجاعص
15 حزيران 1904 (37)
التعاون
عبد الفتاح بركة وخليل الغرياني
1 تشرين الأول 1904 (38)
المجلة التعليمية
أحمد فريد وعبد الخالق إسماعيل
نيسان 1905 (39)
الحقيقة
نعيم صوايا ويوسف أبي نكد
1 كانون الثاني 1906 (40)
نشرة شركة نزع يسوع المسيح
الآباء اللعازريون
1 آذار 1906 (41)
رجع الصدى
الشيخ نسيم العازار
1 تشرين الثاني 1906 (42)
الصراط
جمعية محامد الأخلاق
1 أيلول 1907 (43)
المرآة النقية
زكي فانوس
1 كانون الثاني 1908 (44)
الشعب القبطي
مكسيموس
25 نيسان 1908 (45)
القرطاس
أحمد فائق
31 تشرين الأول 1908 (46)
المسامرات الأسبوعية
جريدة وادي النيل
3 كانون الثاني 1909 (47)
العائلة القبطية
جمعية الاتحاد القبطية الخيرية
1 آذار 1909 (48)
السمير
قيصر شميل
1 آذار 1910 (49)
الإرشاد الإسلامي
جمعية الإرشاد الإسلامي
1910 (50)
الأحوال
حسن فهمي ومحمود طاهر
1 تموز 1910 (51)
النصائح العلمية
عبد الحميد جلبي
شباط 1911 (52)
الجامعة الإسلامية
محمد أحمد عفيفي
27 تموز 1911 (53)
مجلة النهضة الأدبية
محمود إبراهيم أبو شبانة
1912 (54)
نور التجارة
محمد أحمد موسى
1 آذار 1912 (55)
الصديق
عبد الحميد سالم
15 تموز 1912 (56)
المخزن
يوسف ذكار
13 نيسان 1913 (57)
الرشديات |||||||
زكريا أحمد رشدي
5 تموز 1913 (58)
النجاح
محمود بيرم التونسي
12 حزيران 1919 (59)
الوجدان
فهيم خير الله
6 تشرين الأول 1921 (60)
مجلة الضياء
م. ر. برسوم
16 شباط 1922 (61)
النهضة العلمية
محمد حلمي
1 تموز 1922 (62)
ترقية الفتاة المصرية
نبوية موسى
5 حزيران 1923 (63)
مجلة التاج الذهبي
عبد الرزاق الشيخ
25 أيلول 1924 (64)
ممفيس
شكري إسكندر
1 تشرين الأول 1924 (65)
معرض السينما
محمد عبد اللطيف
17 كانون الأول 1924 (66)
مضمار الألعاب
أحمد بيومي
10 نيسان 1925 (67)
مار مرقس
زكي صليب
أيلول 1925 (68)
اللاسلكي
عبد الحميد يحيى الديب
5 آذار 1926 (69)
الشاكوش
أحمد فهمي
14 حزيران 1926 (70)
المحكمة الإسلامية
الجمعية السنية الخيرية
1926 (71)
الجيش والبحرية ⋆
أحمد حمودة
15 آيار 1927 (72)
الأمم
محمد محمد حمدي
8 تموز 1927 (73)
الجرس
جورج سمان
15 تموز 1927 (74)
طب الأسنان العام ⋆
الدكتور أولمبيوس
آذار 1928 (75)
النديم
محمد فهمي
7 حزيران 1928 (76)
المسرات ⋆
فتحي إبراهيم علم الدين
كانون الثاني 1929 (77)
معرض السينما ⋆
عز الدين صالح
20 كانون الثاني 1929 (78)
النزاهة ⋆
أحمد خطابي وعبد الرحمن البسيوني
21 آذار 1929 (79)
الجهاد الإسلامي ⋆
صالح محمد صالح
آذار 1929 (80)
الملاكم ⋆
حسين محمد الزعاوي
24 تشرين الثاني 1929
ثالثا: مدينة طنطا (1)
سلسلة الروايات العثمانية
جورجي سعادة وشريكه
15 تشرين الثاني 1908 (2)
التعاون
محمد حمدي ومحمد الجاشنجي
1912 (3)
المعلومات
سيد كامل عوني
5 تموز 1914 (4)
صحيفة مدرسة طنطا الثانوية
طلبة المدرسة
تشرين الثاني 1915 (5)
الاتحاد
عبد المجيد خليل
1918 (6)
الحضارة
محمود رفعت
1 كانون الثاني 1920 (7)
مصباح النيل ⋆
نجيب يوسف
1925 (8)
الأزهار
السيد فهمي
5 كانون الثاني 1925 (9)
الكرنك
الدكتور أحمد عبد الله
19 كانون الثاني 1926 (10)
الحرية
حسن رضوان فهمي
1927 (11)
التاج المصري ⋆
عبد الصمد علي عطية ¶¶¶¶¶¶
12 حزيران 1928 (12)
الضحوك ⋆
عبد ربه بهاء الدين
11 كانون الثاني 1929 (13)
الأقلام ⋆
مسيحة ميخائيل
15 شباط 1929
رابعا: مدينة أسيوط (1)
النزهة
جورجي خياط
1 شباط 1886 (2)
الراوي
بطرس حنا
15 كانون الثاني 1893 (3)
رياض التوفيق
دانيال باشا
1 نيسان 1893 (4)
دليل الطلاب
رزق الله جودا
1 آيار 1902 (5)
المراعي الخضراء ⋆
فخري لوقا الزق
1 تموز 1921 (6)
الأنصار ⋆
محمد فهمي حسونة
آيار 1927 (7)
الزرع الجيد ⋆
الرهبان الفرنسيسيون
1 حزيران 1927 (8)
كلية أسيوط ⋆
إدارة الكلية
1 كانون الثاني 1928
خامسا: مدينة المنصورة (1)
المنصورة
رئيس جمعية السعادة
8 تموز 1902 (2)
البرنسس
فطنت هانم
1 آيار 1909 (3)
تحفة العصر بمستقبل مصر
عبد السلام إمام
1 تموز 1909 (4)
مجلة الفنون والصنائع
أحمد عثمان المهندس
1 كانون الأول 1920 (5)
صحيفة مدرسة المنصورة الثانوية
طلبة المدرسة
1 آذار 1924 (6)
مجلة المحاكم المختلطة
ألبير فاضل المحامي
1924
سادسا: مدينة الزقازيق (1)
الشرقية
توفيق العطار ويوسف عبد الله
1899 (2)
نور الإسلام
أمين أبو يوسف ومحمود عبد الكريم
15 آيار 1900 (3)
ظريفة المعاني
1902
سابعا: مدينة الفيوم (1)
الفيوم
إبراهيم رمزي
26 كانون الثاني 1894 (2)
حامل النور
القس لويس جان
1 تشرين الثاني 1907 (3)
آداب الفتاة
فكتوريا مجلي
كانون الثاني 1925
ثامنا: مدينة بني سويف (1)
الحكمة
مرسي محمود وحسن عيسى
1 آب 1899 (2)
الرياض
حسن صديق
1 كانون الثاني 1905 (3)
مجلة مدرسة بني سويف الثانوية
إدارة المدرسة
آيار 1927
تاسعا: مدينة السويس (1)
الحياة
محمد فريد وجدي
حزيران 1899 (2)
بشائر السلام
نقولا رفائيل
1 كانون الثاني 1901
عاشرا: مدينة دمنهور (1)
الحكيم
الدكتور محمد فضلي الجراح
1910 (2)
المحمودية
زاهر الجويني
1924
حادي عشر: مدينة بورسعيد (1)
القنال
علي مظهر
1914 (2)
المجلة المصورة
كامل دسوقي ومحفوظ حسين
1 شباط 1928
ثاني عشر: كفر الزيات (1)
العرب
جبالي عبد النبي
1915
ثالث عشر: فاقوس (1)
القلم
1925
رابع عشر: مدينة شبين الكوم (1)
روضة البحرين
إبراهيم أدهم
1 كانون الثاني 1899
خامس عشر: عزبة الزيتون (1)
المعاني
يوسف يعقوب
1903
سادس عشر: مدينة بنها (1)
سمير الشبان
أرمانيوس سليمان
1 كانون الثاني 1907
سابع عشر: زفتى (1)
إحياء العلوم
عبد الفتاح جاب الله
30 آذار 1903
ثامن عشر: مدينة حلوان (1)
مجلة جمعية التعاون الإسلامي
الشريف منصور
24 آب 1907
تاسع عشر: مدينة قنا (1)
الشمس
مسيحة خليل الجرجاوي
15 حزيران 1909
عشرين: مدينة طوخ قليوبية (1)
الإخاء
محمود كامل كاشف
31 كانون الثاني 1903
حادي وعشرين: مدينة بلقاس (1)
السائح الشرقي
عبد العزيز سالم المسيري
1 شباط 1913
ثاني وعشرين: شربين (1)
الصياد
محمد أحمد غيث الشربيني
1 آب 1919
ثالث وعشرين: المحمودية (1)
الإسعاد
محمد زهران
1920
رابع وعشرين: الحوامدية (1)
بستان العلم
أحمد محمد البدرشيني
31 آذار 1922
خامس وعشرين: مدينة الجيزة (1)
مجلة مدرسة الجيزة
أحمد محمد خيري
1926
سادس وعشرين: مدينة ميت غمر (1)
الوقت
إبراهيم فرج كشك
23 شباط 1929
سابع وعشرين: مدينة المحلة الكبرى (1)
المجموعة الفنية الصناعية
كامل أحمد
1919
ثامن وعشرين: ملوي (1)
الفردوس ⋆
القس منسي يوحنا
1 نيسان 1926
تاسع وعشرين: مدينة طهطا (1)
المثال المسيحي ⋆
القس أ. ه. طمسن
1 حزيران 1927
ثلاثين: مدينة أسوان (1)
مجلة المدرسة ⋆
مدرسة أسوان
1 آذار 1929
حادي وثلاثين: مدينة بلبيس (1) ⊙
بشائر السلام ⋆
أ. م. هاي
1 كانون الثاني 1901 *
سبقت ترجمة الدكتور عيسى باشا حمدي في [الكتاب الثالث - الباب الثالث - الفصل الثاني]. †
تأسست جريدة «مرآة الشرق» في 24 شباط 1879 بعناية صاحب امتيازها الشاعر الكبير سليم بك عنحوري عضو المجمع العلمي العربي في دمشق، فلما عاد إلى دمشق مسقط رأسه حول امتيازه في «مرآة الشرق» إلى أمين بك ناصيف الذي أصدرها بشكل مجلة في 6 نيسان 1882 يحررها الشيخ خليل اليازجي ابن العلامة الشيخ ناصيف اليازجي اللبناني، أما سائر مجلات القاهرة المذكورة في هذا الفهرس من العدد 1 إلى العدد 36 فقد أوردنا أخبارها في الأجزاء الأول والثاني والثالث من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية»، فمن أراد زيادة إيضاح فليراجعها هناك ريثما يتسنى لنا نشر أخبار بقية المجلات في الأجزاء اللاحقة بحوله تعالى. ‡
يعد ديمتري مسكوناس من أقدم الأدباء الذين خدموا فن الصحافة في وادي النيل، فإنه بعدما اشتغل في بعض الصحف العربية أحب الاستقلال بالعمل وأصدر مجلة «المخبر المصري» التي عاشت شهورا قليلة، ثم أنشأ على أنقاضها في 15 تشرين الأول 1888 جريدة «النور التوفيقي» التي سبق ذكرها في فهرس جرائد القاهرة، وقد دعاها كذلك تيمنا باسم توفيق الأول الذي كان متوليا عرش الخديوية المصرية، وحلت وفاة هذا الخديو الحميد الأثر والمشهور بالعدالة سنة 1309 هجرية، فنظمنا لوفاته تاريخا شعريا ننشره فيما يلي:
رحم الإله خديو مصر فقد قضى
في هذه الدنيا حياة صالحة
فطرت على حب التواضع نفسه
وبنشر ذكراه ذكاء الرائحة
كانت مناهجه الشريفة للورى
مثلا وكفة عدله هي راجحة
بالبر والتقوى تجارته نمت
فغدت لدى عرش المهيمن رابحة
ومزار توفيق لدى تاريخه
يتلو عليه المؤمنون الفاتحة
1309 §
ظهرت «الآداب» في أول عهدها سنة 1887 بهيئة جريدة، ثم حولها مؤسسها الشيخ علي يوسف في 28 آب 1889 إلى مجلة على أثر إصداره جريدة «المؤيد» في عاصمة وادي النيل، وكان يحررها الكاتب الشهير محمد بك مسعود الذي أفرزنا له وللشيخ علي يوسف ترجمة خاصة في [الكتاب الثالث - الباب الأول - الفصل الخامس] من هذا الكتاب. ||
نبت آل زيدان ونبتت فيهم محبة الصحافة كأنها خلقت لهم وخلقوا لها، تعاطوا هذه المهنة الشريفة فأحاطوا بكل أسرارها وأجادوها إدارة وإنشاء وفنا، وقد بذلوا الجهد لإيصالها في الشرق إلى أقصى ما بلغته من الإتقان والعظمة في الغرب. أسس جرجي زيدان مجلة «الهلال» فكانت أصدق مثال لأرقى المجلات في عهده، ولما انتقلت بالإرث إلى نجليه الفاضلين إميل وشكري من بعده تكاتفا على إنمائها وزيادة تحسينها وتوفير موادها صيانة لمقامها العلمي بين الناطقين بالضاد، ثم شيدا للهلال دارا خاصة به سمياها «دار الهلال» وجعلاها مركزا للصحف العديدة التي أنشئت بعنايتهما لخدمة جميع طبقات الهيئة الاجتماعية، وإليك عناوينها ما عدا «الهلال» القديم العهد وهي: «المصور » و«الفكاهة» و«كل شيء» و«الدنيا المصورة» و«الكواكب» و«نشرة المعرض» و«الصور
Images » الفرنسية، وهذه الأخيرة غايتها تنوير أذهان الغربيين عن حقيقة ما يجري في مصر والعالم العربي بأسره، ولا نبالغ إذا قلنا إن الصحف الزيدانية أحرزت رواجا لا يضاهيه رواج في المحيط الأدبي لما تتناوله من الأبحاث الممتعة والحوادث الرائعة والمبتكرات الشائقة. ¶
طالع ترجمة هذا الصحافي البيروتي الأصل ورسمه في [الكتاب الأول - الصحافة العثمانية - الباب الثاني - الفصل السابع].
صدرت «مجلة مصر» باللغة الفرنسية وكانت أحيانا تنشر فصولا باللسان العربي، ولد منشئها شارل غلياردو بك في صيدا سنة 1847 وتوفي سنة 1928 في مدينة القاهرة، وهو ينتمي إلى أسرة من أقدم الأسر الفرنسية التي جاءت لبنان في أوائل القرن التاسع عشر فامتزجت بأهاليه وعاشت بين ظهرانيهم بالوفاق والمحبة، ومما يؤثر عن أفراد أسرته بالفخر أنهم أحبوا أهل الشرق ودرسوا مثلنا اللغة العربية وتكلموا بها، وقد تولى أبوه الدكتور غلياردو بك رئاسة مدرسة «قصر العيني» الطبية في عهد الخديو إسماعيل والد جلالة الملك فؤاد الأول، وكان تلامذتها يتلقون الدروس من الأساتذة في العهد المذكور باللغة العربية دون سواها. قضى شارل غلياردو حياته الطويلة في جمع الآثار القديمة والرسوم التاريخية والكتب النفيسة التي تنحصر أبحاثها في الشرق والشرقيين، فألف منها متحفا فريدا في بابه ونادرا من نوعه لم تقع عيننا على أنفس منه في عاصمة وادي النيل، وقد سماه «متحف بونابرت» لأن الحكومة المصرية أذنت له بأن يجعل ذلك المتحف في الدار التي سكنها الجنرال بونابرت في القاهرة أثناء إقامة الحملة الفرنسية في مصر، وكان شارل غلياردو من أحب الناس لدولته الفرنسية وأمحضهم إخلاصا لها حتى إنه ضحى في سبيل مصالحها بمنصبه العالي في الحكومة المصرية، وكان راتب هذا المنصب المورد الوحيد للقيام بنفقات معيشته وإعالة أسرته، فاضطر بعد اعتزاله الوظيفة أن يتقلب نيفا وأربعين سنة في عسر مالي شديد، على أن الحكومة الفرنسية اعترفت له بهذه التضحية وكافأته عليها بأن أنعمت عليه بوسام جوقة الشرف بعد وفاته رحمه الله تعالى بالغا السنة الحادية والثمانين من العمر. **
طالع ترجمة شاكر شقير في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الثاني]. ††
سبقت ترجمة أحمد سمير في [الكتاب الثالث - الباب الثالث - الفصل الخامس]. ‡‡
تنتمي لويزا حبالين إلى أسرة حبالين من بلدة زوق ميكائيل التي اشتهر سكانها بفن تطريز المنسوجات الحريرية اللبنانية بالذهب والفضة. وتعد لويزا حبالين أول صحافية عربية في مدينة القاهرة، ومن مشاهير أسرتها الكاتب والخطيب والصحافي إلياس بك حبالين الذي كان رئيس قلم الترجمة في مجلس النظار بمصر، وقد نشرنا ترجمته في الصفحة 115 و116 من الجزء الأول لتاريخ الصحافة العربية، ومنهم سليم حبالين منشئ جريدتي «العدل» و«الوظيفة» في القاهرة سابقا. §§
صدرت «الأجيال» بهيئة جريدة ثم بدأت منذ عددها الرابع تنشر بشكل مجلة، فأعادت طبع الأعداد الثلاثة الأولى ليتسنى للمشتركين تجليدها في سلخ السنة، وصاحب هذه المجلة ميخائيل بن أنطون صقال حلبي الأصل ألمعنا في كتابنا [التوطئة - الفصل الثالث] إلى قلة تدقيقه في مباحثه التاريخية، وجاء في أول أعداد «الأجيال» أنها مبتكر المجلات العربية المصورة، وذلك غلط ظاهر؛ إذ قد سبقها في هذه الحلبة بعض الصحف الشهيرة كمجلة «النحلة» و«الاتحاد العربي» في لندن للصابونجي وصحيفة «أخبار عن انتشار الإنجيل» للمرسلين الأميركيين في بيروت ومجلة «العام الجديد» لنجيب غرغور في الإسكندرية ومجلة «الابتسام» لروفائيل مشاقة في الإسكندرية أيضا ومجلة «معلومات» لمحمد طاهر بك في الآستانة، وقس على ذلك «المقتطف» و«الهلال» وغيرهما من المجلات العربية في سائر الأنحاء، ولميخائيل صقال كتاب عنوانه «السمر في سكان الزهرة والقمر» وصفه العلامة الأب لويس شيخو في كتابه «الآداب العربية في القرن التاسع عشر: جزء ثان صفحة 120» بما يأتي: «هو على شكل رواية فلسفية ... ادعى فيها الكاتب بعض المدعيات الغريبة التي تبعد عن التصديق، أو قل إنها تمويه وتلفيق ...» ولميخائيل صقال أيضا ديوان شعر انتقده خليل مردم بك في مجلة «المجمع العلمي العربي» بدمشق (مجلد 5، صفحة 564-568) انتقادا مفصلا محكما نقتطف منه ما يلي: «قرأت الديوان كله ولم أخرم منه حرفا واحدا حتى فهرست الخطأ والصواب، ولكن لم يعلق بخاطري منه شيء ... ولم أهتز لشيء ورد فيه اللهم إلا عند قوله:
يا أيها البطريك جرجس شلحت
يا أيها الحبر العظيم ويا ويا
فلقد عرتني عند هذا البيت هزة عريان فوجئ بذنوب من ماء بارد، ولكنها كانت هزة استهجان لا استحسان، حاولت أن أقع على مزية للديوان تبوئه مكانا يشاكل شيخوخة صاحبه فحدقت إليه وألقيت السمع عساني أجد ولو ذماء من روح الشاعرية كامنا في تلك الأجسام الموزونة الموسدة المصفوفة فلم أجد، ثم صوبت طرفي في هاتيك الأبيات لعلني أقف على صنعة جيدة أو بناء مهندم أو رصف محكم أو سبك متين أو طلاء حسن فما رأيت شيئا من ذلك، ولما يئست من هذا وذاك دعوت الله أن يهديني فيه إلى معنى سائغ أو حكمة بالغة أو نادرة طلية أو نكتة مستملحة فكنت كمن يتطلب في الماء جذوة نار، لا مرية في أن سوء الطالع حاف بالديوان من كل أقطاره، فهو مع خلوه من الشاعرية والصنعة اللفظية خال من كل موضوع يهم القراء، فما فيه قصيدة وطنية أو مقطوعة اجتماعية كأن صاحبه في معزل عن هذا العالم لا يشعر بما يشعر به أهل وطنه إلخ إلخ.» |||
طالع ما نشرناه عن «المنار» وعن منشئه الشيخ محمد رضا في فهرس جرائد القاهرة. ¶¶
نحيل القارئ إلى ما نشرناه عن أستاذنا العلامة اللغوي الشيخ إبراهيم اليازجي في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الثاني] من هذا الكتاب، وهو الذي أشار باستعمال لفظة «مجلة» للدلالة على صحيفة دورية تصدر تباعا في أوقات معينة، ومعناها الأصلي «صحيفة فيها الحكمة» كما ورد في القاموس، فأثبتها الشيخ إبراهيم بمعناها العصري وتابعته في هذا الاصطلاح جميع المجلات التي صدرت بعدها والتي كانت قبلها، ثم شاعت هذه التسمية في جميع الأقطار شيوعا أجهز على المعنى الأصلي حتى صار مهجورا بالمرة، فلا يتبادر الآن إلى ذهن المطالع لدى عثوره على لفظة «مجلة» إلا الصحيفة الدورية دون سواها، ولا يطلق أحد من كتاب العصر هذه التسمية على «صحيفة فيها الحكمة» إلا إذا كانت تصدر تباعا في أوقات محدودة، ومع ذلك إذا طالعت المعاجم العصرية لا ترى فيها للفظة المذكورة معناها الحالي الشائع بل معناها القديم المهجور. هكذا توفق العرب المولدون إلى وضع أسماء لمسميات الصحافة الحديثة، وهو مطلب غير بعيد على أهل هذه اللغة طلبوه بأسبابه ودخلوه من أبوابه.
بعد ظهور العدد الثالث من «الشهباء» اعتزل أومير حكيم إدارة هذه المجلة فاستقل بها عبد المسيح أنطاكي منفردا، ثم تحولت إلى جريدة ثم أبدلها صاحبها بجريدة «العمران» في 16 آذار 1902. ***
إستير أزهري هي إسرائيلية المذهب ولدت في بيروت وتعلمت في مدارسها كل العلوم التي أهلتها لتكون من أرقى صحافيات عصرها، ولما تزوجت الدكتور شمعون مويال سكنت في القاهرة حيث أنشأت بتاريخ 1 آيار 1899 مجلة «العائلة» وحولتها في 1 آذار 1904 إلى جريدة، ثم نزحت إلى يافا مع زوجها فأسسا في 16 كانون الثاني 1914 جريدة «صوت العثمانية» التي احتجبت في أوائل الحرب العظمى، وبعد وفاة الدكتور شمعون مويال التحقت بأولادها الذين سكنوا مدينة مرسيليا لأشغال تجارية، وعاشت هناك. †††
أحمد زكي باشا هو أشهر من أن يذكر في العالم العربي بتآليفه العلمية وآثاره الأدبية ومباحثه التاريخية ورحلاته المفيدة، وبكل حق أطلق عليه الناطقون بالضاد لقب «شيخ العروبة» لما يكنه في صدره من محبتهم وجمع كلمتهم وإعلاء شأن لغتهم، وحسبه فخرا أنه أهدى خزائن كتبه الحافلة بنوادر الأسفار ونفائس المخطوطات إلى دار الكتب المصرية، وهي مأثرة سنية تدل على عبقريته وتخلد ذكره الميمون جيلا بعد جيل. ‡‡‡
الشيخ يوسف الخازن هو علم من أعلام لبنان ومفكريه وعضو في مجلسه النيابي سابقا، يشار إليه بالبنان بقوة الحجة وأصالة الرأي، اشتغل بالصحافة في مصر ولا سيما في جريدة «الوطن» زمنا طويلا، ثم أنشأ هناك صحيفة «الأخبار» في 29 تموز 1896 ومجلة «الخزانة» في 1 تموز 1900 وجريدة «بريد الأحد» في شهر تشرين الثاني 1902. §§§
توقفت هذه المجلة عن النشر عندما انتقل أحد منشئيها الدكتور أديب زيات الدمشقي الأصل إلى عاصمة الفرنسيس وسكن فيها. ||||
سميت هذه المجلة بهذا العنوان «نفير الحرب»؛ لأنها كانت تنشر حوادث الحرب الشهيرة التي نشبت بين دولتي روسيا واليابان عام 1904 في الشرق الأقصى، وانتهت بفوز الدولة الثانية على الأولى. ¶¶¶
للدكتور عبد العزيز نظمي شهرة بعيدة بين أطباء مصر العاملين فإنه ما عدا الكتب الطبية الوافرة التي ألفها نجد له مآثر جليلة في خدمة الإنسانية المتألمة، فقد سعى في تأسيس جمعية «رعاية الأطفال» لحماية البائسين منهم وتحسين أحوالهم بقدر المستطاع، وانضوى تحت لواء هذه الجمعية كثير من أهل الفضل والثروة والجاه في القطر المصري.
هو علم من أعلام الناطقين بالضاد في هذا العصر، وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق، وشيخ الصحافيين الأحياء على الإطلاق بعد العلامة الدكتور فارس نمر والشيخ عبد القادر قبالي، ومؤسس جريدة «مرآة الشرق» سنة 1879 في القاهرة، وصاحب مجلة «مرآة الأخلاق» وهي أقدم مجلة عربية صدرت في عاصمة بني أمية، ومنشئ غير ذلك من الصحف في سوريا ووادي النيل كما رأيت، ومؤلف كتب شتى ودواوين شعرية تشهد له بطول الباع نثرا ونظما، وحامل أوسمة عديدة من دول الشرق والغرب تنطق بفضله وتحدث عن وجاهته، وقد تكرم بتقريظ كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» بقصيدة عصماء نقتطف منها ما يأتي:
للشهم فيليب آثار تسجلها
أيدي الفخار بأقلام من الذهب
لو كان في الناس والدنيا مكافأة
قامت تماثيله في الشرق كالنصب
أحيا لنا نحن أرباب الصحافة من
دون الورى أثرا يبقى مدى الحقب
إلى أن قال في الختام:
هذا هو الفضل لا ما يستعز به
أهل الغباوة من مال ومن نشب
فلينشر المجد والعليا محامده
في البر والبحر من قطب إلى قطب ****
تبحث مجلة «طوالع الملوك» في السحر واستحضار الأرواح وتفسير الأحلام والتنويم المغناطيسي وغير ذلك من الخرافات والأباطيل، ولحسن حظ هذه المجلة وسوء طالع قرائها وجدت كثيرا من العقلاء يؤمنون بكتاباتها ويصدقون كل ما تنشره من النبوءات الملفقة، وبيانا لحقيقة حال هذه المجلة المضللة نوجه الأنظار إلى ما ورد عن وصفها في جريدة «الوجدان» الطرابلسية (عدد 48، سنة أولى) وفي جريدة «المحروسة» في القاهرة بتاريخ 4 كانون الثاني 1912. ††††
لا نعرف مجلة نسائية قبل «فتاة الشرق» وبعدها بلغت هذا الشوط البعيد من الجهاد الأدنى وهي دائبة في الانتشار بلا انقطاع، يرجع الفضل في ثباتها ونموها ورواجها إلى منشئتها الكاتبة الشهيرة لبيبة هاشم التي شيدت لبنات جنسها بمجلتها صرحا خالدا في دولة الأدب والبيان، ولدت السيدة لبيبة في بيروت وكان يدعى والدها ناصيف ماضي، ثم نزحت مع أسرتها في مطلع القرن العشرين إلى القاهرة حيث انصرفت إلى درس اللغة العربية على العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي، وتعلمت منه أيضا الخط الفارسي الجميل فأجادته كل الإجادة، وفي سنتي 1911 و1912 عينتها الجامعة المصرية أستاذة في القسم النسائي وعهدت إليها إلقاء محاضرات في التربية، وعام 1919 وجهت إليها الحكومة العربية بدمشق وظيفة التفتيش بوزارة المعارف فقامت بهذه المهمة خير قيام، وعام 1931 سافرت إلى جمهورية تشيلي في أميركا الجنوبية حيث أنشأت بتاريخ 15 أيلول 1923 مجلة «الشرق والغرب» في مدينة سنتياغو، وفي السنة التابعة رجعت إلى وادي النيل واستأنفت تحرير «فتاة الشرق» بقلمها السيال ونشاطها المعهود، وقد زينا مطلع الجزء الأول من هذا الكتاب برسمها الجميل فليطالع في مكانه. ‡‡‡‡
إذا ذكرنا جرجس فيلوثاوس عوض تبادر إلى الذهن ذلك الرجل القبطي الصميم الحريص على أمجاد قومه والمغرم بنبش آثارهم والتنقيب عن أخبارهم، ألف ونشر كتبا شتى مبتكرة في بابها تدل على هيامه بكل ما هو قبطي أو له علاقة بالأقباط، وطاف مرارا صعيد مصر وفلسطين ولبنان وسوريا متحملا المشاق بالرغم من تقدمه في السن؛ لمشاهدة أديار بني جنسه والعثور على مخلفاتهم ومخطوطاتهم القديمة. عرفناه بالذات فأعجبنا بهمته وأخلاقه الطيبة ومعلوماته الواسعة، وله أيضا «المجلة القبطية» التي أنشأها في شهر نيسان 1907 وتقويم سنوي يعرف باسم «النتيجة القبطية» بدأ ظهوره سنة 1930. §§§§
ظهر العددان الأولان من هذه المجلة بعنوان «الفتى العصري». |||||
صدرت مجلة «القطر المصري» في 24 نيسان 1908 لأنه في مثله من العام السابق وصل السير الدون غورست المعتمد البريطاني بمصر إلى القاهرة، وخطة هذه المجلة المناداة بالعداء للاحتلال الإنكليزي وانتقاد سياسة ممثله المشار إليه كما كانت الحال مع سلفه اللورد كرومر، وبعد صدور بضعة أجزاء منها تحولت إلى جريدة أسبوعية فكانت لها شهرتها، ولم يبق عظيم إلا عرفها وقرأها حتى إن الخديو نفسه كان يقرؤها خلافا لعادته ولا يطالع سواها من الصحف المصرية، وكان ضباط الجيش المصري من عاضديها حتى إن حكومة السودان لما قررت منع دخول هذه الجريدة إلى بلادها كان أولئك الضباط يخفونها في طيات ملابسهم، وكان العمال أيضا من أنصارها حتى إن مقالتين منها كانتا كافيتين لإحداث اعتصام موظفي التراموي في القاهرة ثلاثة أيام متواليات، ولم يستطع البوليس أن يقاوم تأثير هذا الحادث إلا بالعصا والسلاح، وكانت ثلاث مقالات من هذه الجريدة كافية لاستياء غرفة التجارة ولتحامل الصحف الإنكليزية على أحمد حلمي؛ لأنه بين للمصريين وجوب مقاطعة البضائع الإنكليزية؛ لأن رواج تلك البضائع في مصر وترويجها على الدوام هو علة الاحتلال البريطاني لوادي النيل، ولما كشف أحمد حلمي صاحب جريدة «القطر المصري» الستار عن المعايب المتفشية في المعية الخديوية ولا سيما بيع الرتب والأوسمة للأعيان؛ قامت عليه القيامة وسعى به الأعداء لدى أمير البلاد، فمثلوه للخديو كعدو عامل على دعوة الأمة المصرية للخروج عليه وانتزاع الملك من أسرته، ولما نشر أحمد حلمي خطبته التي ألقاها على نحو خمسة وعشرين ألفا من المصريين في تظاهرة 8 آذار 1909 بساحة الأوبرا دفاعا عن الدولة العثمانية رفعت عليه دعوى من النيابة العامة، وكانت نتيجة ذلك صدور الحكم عليه بالحبس ستة عشر شهرا وتعطيل جريدته مدة ستة شهور وهو أقصى عقوبة في القانون، وبعد انتهاء الستة الأشهر عاد «القطر المصري» إلى الظهور في 23 تشرين الأول 1909 وصاحبه في السجن، فاختار أحمد حلمي لإدارة سياسة جريدته رجلا إيطاليا يسمى جبريل إسكوردينو فنهج فيها على المبدأ الذي أنشئت له، ولكنها لم تلبث ثلاثة شهور حتى اجتمع مجلس الوزراء برئاسة بطرس باشا غالي وقرر تعطيل الجريدة مؤبدا؛ لأنها انتهكت حرمة صاحب العرش المصري، وبعد خروج أحمد حلمي من السجن انضم إلى محرري جريدة «العلم» التي كانت لسان حال الحزب الوطني، ونشر كتابا عن السجون المصرية في عهد الاحتلال الإنكليزي ألم فيه بكل ما له علاقة بهذا الموضوع من عهد الرومان إلى الآن. ¶¶¶¶
اشتهر أقلوديوس بن يوحنا لبيب الميري بمعرفة اللغة المصرية القديمة أي الهيروغليفية، وهو أول قبطي تعلمها وأحكم أصولها واشتغل بها وأنشأ لها مجلة «الآثار المصرية»، وتفرد أيضا بإتقان لغته القبطية التي ألف فيها ونشر بالطبع بعض كنوزها العلمية، وقد عين أستاذا أول لهذه اللغة في المدرسة الكهنوتية القبطية ومفتشا للقسم القبطي الأثري سنة 1884 في دار الآثار المصرية بالقاهرة، وبلغ هيامه باللغة القبطية التي اندثرت أو كادت تندثر مبلغا غريبا حتى إنه كان يسعى في إحيائها بكل الوسائل الفعالة. وروى لنا رجل يوثق بكلامه أن أقلوديوس لبيب علم ذويه وآل بيته حتى النساء والأطفال تلك اللغة القبطية البائدة ولم يك يتكلم معهم إلا بها، وأنشأ سنة 1900 مجلة «عين شمس» جعل نصفها عربيا والنصف الآخر قبطيا، ومن مفاخره أنه كان عضوا في المؤتمر الأثري الدولي الثاني المنعقد في نيسان 1900 بالقاهرة فأدى له خدما وافرة، وقد اعتمد المؤتمر على خبرة أقلوديوس لبيب ومعارفه الواسعة ففوض إليه تأليف اثني عشر بحثا ذكرت عناوينها في مقدمة المجموعة الثانية عشرة من النبذة الأولى لمجلة «الآثار المصرية»، فنحيل هواة هذه المباحث إلى مطالعتها.
ليس من يجهل اسم الشيخ عبد العزيز جاويش في البلاد الشرقية؛ فإنه كان من أكبر قادة الحركة الوطنية المصرية ورئيسا لتحرير جريدة «اللواء» التي أسسها مصطفى كامل باشا في القاهرة، ونظرا لاستهلاكه في سبيل استقلال مصر اتفقت كلمة المصريين قاطبة على وجوب تكريمه ومكافأة جهاده؛ فأنشئوا له وساما خاصا به سموه «وسام الشعب» وأهدوه إليه في مهرجان عظيم لم يسبق له مثيل، وقد رأى الإنكليز من مصلحة سياستهم أن يبعدوه عن وادي النيل فلجأ الشيخ عبد العزيز إلى الآستانة حيث أنشأ بتاريخ 16 آذار 1912 جريدة «الهلال العثماني» التي عاشت عامين، وأثناء الحرب العظمى أوعز إليه الباب العالي أن ينشر مجلة «العالم الإسلامي» تعزيزا لمقام الخلافة وتحريضا للمسلمين على محاربة أعداء السلطنة العثمانية، وكان صدور هذه المجلة في 4 آيار 1916. *****
إسكندر شلفون لبناني الأصل عكف على فن الموسيقى الشرقية ونبغ فيها حتى صار من أقطابها المعدودين في هذا العصر، وتعد مجلته «روضة البلابل» باكورة المجلات الموسيقية في اللسان العربي وسائر لغات الشرق الأدنى. †††††
عاشت هذه المجلة السورية في القطر المصري أربعة أعوام كاملة، وفي عامها الخامس انتقلت إلى لبنان متخذة لنفسها عنوانا جديدا وهو «المجلة البطريركية» مع المثابرة على الخطة التي اتبعتها في وادي النيل. ‡‡‡‡‡
ظهرت هذه المجلة لمنشئها أحمد السعيد نعمان في 4 شباط 1928 وما كادت تبرز للوجود حتى انطفأ سراجها فأعاد صاحبها نشرها في 25 تشرين الثاني من السنة ذاتها، وقد ابتدأ بالعدد الأول في كلا التاريخين فوجب إثبات عنوان هذه المجلة مرتين. §§§§§
السيد محمد الخضر حسين تونسي المحتد أنشأ مجلة «السعادة العظمى» بتاريخ 2 نيسان 1904 في عاصمة بلاده، وهي باكورة جميع المجلات العربية على الإطلاق في جميع أنحاء المملكة التونسية، ثم نزح إلى مصر حيث اشتغل بالأدب والصحافة وأحرز منزلة محترمة بين سكان وادي النيل. ||||||
ظهر «الصباح» في 2 آذار 1921 بهيئة جريدة لمنشئه حسن حافظ، ثم تحول إلى مجلة عام 1929 بعناية صاحبها ورئيس تحريرها مصطفى إسماعيل القشاشي. ¶¶¶¶¶
صدرت مجلة «أبو الهول» أولا بشكل جريدة تاريخها 9 تشرين الثاني 1920.
وفينا حق هذا الكتاب الشهير والصحافي القديم في الترجمة التي نشرناها له في [الكتاب الثالث - الباب الأول - الفصل الأول]، فنحيل القارئ اللبيب إلى مطالعتها في مكانها. ******
هي باكورة الصحف النسائية في لسان الناطقين بالضاد، وتعتبر منشئتها السيدة هند نوفل البيروتية المولد أولى الصحافيات في لغتنا الشريفة، وقد وردت أخبار مجلة «الفتاة» مع ما سلفها من مجلات الإسكندرية الواردة أعلاه في الجزء الثالث من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية». ††††††
جرت عادة الصحف الغربية الراقية أن تصدر في رأس كل سنة جديدة عددا ممتازا بحجم أكبر من حجمها الاعتيادي تقدمه هدية إلى مشتركيها، ويكون هذا العدد مزينا بالرسوم البهية ومرصعا بالمقالات المختلفة المواضيع، ولم يقتصر الأمر على الصحافيين، بل إن هنالك كثيرين من فحول كتاب الإفرنج المشهورين في عالم الإنشاء والأدب يصدرون في مطلع كل عام جديد صحفا بأسمائهم ويبيعونها الراغبين في مطالعة أقوالهم بأسعار غالية، وترى القوم في تلك الأقطار الغربية يرقبون بذاهب الصبر صدور الأعداد السنوية المخصوصة فيتهافتون عليها تهافت الجياع على القصاع؛ لما تحويه من جزيل الفوائد التي لا يتسنى الظفر بها في غير تلك الأعداد. وأول كاتب عربي تشبه بأولئك الصحافيين والكتاب وحذا حذوهم في هذا الأسلوب إنما هو نجيب غرغور المستتر تحت اسم «حاجب فضلي» في أكثر الفصول التي نشرها على صفحات الجرائد، فإنه أتحف أدباء الشرق في غرة سنة 1895 بمجلته «العام الجديد» المصورة، وهي الأولى من نوعها عندنا، جرى فيها منشئها المتفنن مجرى الصحافيين الغربيين ومشاهير كتابهم كما سبق الكلام، وقد جاء عمله المبتكر مدعاة إلى الإعجاب في بلادنا؛ إذ أضاف إلى سلسلة الصحف حلقة جديدة كان الشرقيون في افتقار إليها. ‡‡‡‡‡‡
عاشت مجلة «أنيس الجليس» عشرة أعوام ونالت من الصيت البعيد ما لم تنله مجلة نسائية سواها قبل ذلك العهد، وحسبنا برهانا على ذلك أنها كانت تقرأ في قصور السلاطين والملوك والأمراء والأعيان في جميع البلاد الشرقية؛ ولذلك فإن منشئتها السيدة ألكسندرا أفيرينوه أحرزت جاها كبيرا وذكرا مستطابا في عالم الصحافة والأدب، وإليك ما كتبه عنها سليم بك عنحوري (مجلة الشتاء، عدد 1، صفحة 8، سنة 1) قال: «وإنما لكل قاعدة شواذ فإن الكاتبة الفاضلة السيدة ألكسندرا أفيرينوه هي المرأة الشرقية الوحيدة التي أقدمت على مشروع أدبي علمي، ونهضت بأعبائه أتم نهوض، وثبتت فيه أعواما جمة بهمة عادت عليها وعلى بنات جنسها بالفائدة والنفع، بينا نرى أترابها يصرفن الأيام جزافا أمام المرآة وهن يحسبن سفر المرأة عارا، وارتزاقها بمهنة شريفة ذلا، وقيامها بالمشروعات الخطيرة كالصحافة والخطابة والتأليف قحة.» والأميرة ألكسندرا هي بنت قسطنطين بن نعمة الله خوري المشهور بالذكاء والثروة والكرم، ولدت عام 1872 في بيروت وتثقفت في مدرسة راهبات المحبة، ثم نزحت مع أسرتها إلى الإسكندرية حيث أنشأت مجلتها المشار إليها ومجلة
Lotus
الفرنسية، وقد تزوجت السيد ملتيادي أفرينوه فرزقت أولادا ربتهم أحسن تربية. وكما أنها نالت مقاما عاليا في عالم الأدب أحرزت كذلك مكانة رفيعة لدى الملوك والسلاطين؛ ففي عام 1901 منحها مظفر الدين شاه إيران لقب «كوكب الشرق» وأنشأ لأجلها وساما خاصا بالنساء أتحفها به مع رسمه موقعا بخطه، وفي تموز 1903 شهدت حفلة السلاملك الهمايوني بالآستانة فأنعم عليها السلطان عبد الحميد بوسام الشفقة من الدرجة الأولى مرصعا بالحجارة الكريمة، ولما التأمت جمعية «السلم العام» سنة 1900 في باريس انتدبت ألكسندرا لتمثيل سيدات مصر فيها، فأنشأت حينئذ لمصر راية سلام مخصوصة جعلتها تخفق بين رايات سائر الدول، وكانت الأميرة فيزينوسكا الإيطالية رئيسة تلك الجمعية فتعرفت ألكسندرا إليها وحظيت بصداقتها وثقتها، ولم يكن للأميرة فيزينوسكا أولاد يرثون عنها لقبها الشريف، فأعلنت في وصيتها الأخيرة عن رغبتها في أن ينتقل لقب الإمارة بعد وفاتها إلى السيدة ألكسندرا مع الحق بتسلسل هذا النعت الشريف في ذريتها من بعدها. على أن الأمير فيزينوسكا بعد وفاة الأميرة كتب إلى السيدة ألكسندرا يخبرها بمآل وصية زوجته، فأجابته صاحبة الترجمة شاكرة له هذا العطف النبيل ومستمطرة على ضريح الأميرة الفقيدة شآبيب الرحمة، وقد صدق فيكتور عمنوئيل الثالث ملك إيطاليا تحويل هذا اللقب الشريف إلى أسرة أفيرينوه، وللأميرة صاحبة «أنيس الجليس» مآثر أدبية شتى فإنها عربت رواية «شقاء الأمهات» ونظمت القصائد البديعة في مواضيع مختلفة، وطبعت ديوان الشيخ نجيب الحداد ومرائيه اعترافا بفضله على مجلتها التي كان هو وأخوه الشيخ أمين يحرران فيها، وطبعت على نفقتها ديوان «شعر النحلة» فقرظها ناظمه الدكتور لويس صابونجي بهذه الأبيات التي أثبتها تحت رسم الأميرة في صدر الديوان وهي:
هذا مثال التي للخير ساعية
كأنها البدر عند السعي يكتمل
قد قارن الحسن إحسانا بها ولكم
غدت من الحسن للإحسان تنتقل!
لها شهود جمال من محاسنها
بذا المثال الذي تزهو به المقل
ومن يشأ شاهد الإحسان عن بعد
فطبعها لكتابي الشاهد الجلل
على أن الدهر لم يصف للأميرة ألكسندرا زمنا طويلا؛ إذ منيت بخسائر مالية فادحة أضرت بها وعانت بسببها متاعب جمة، ثم نزح أولادها إلى إنكلترا سعيا وراء الرزق، فتبعتهم بعد الحرب العظمى، وهناك توفيت عام 1927 في لندن، وكانت ألكسندرا كثيرة الوفاء فصيحة اللسان جميلة الخلق والخلق تحن إلى كل عمل خيري أو مشروع أدبي. §§§§§§
برزت «مجلة السيدات والبنات» للوجود في الإسكندرية بتاريخ 1 نيسان 1903 واحتجبت عن قرائها في ختام عامها الثاني، ثم عادت إلى الظهور في عامها الثالث بتاريخ تشرين الثاني 1921 وعنوانها «مجلة السيدات» فقط، وقد تولت تحريرها من ذاك الحين منشئتها الفاضلة روز أنطون بالاشتراك مع زوجها الكاتب الألمعي نقولا حداد، ومن ذاك العهد انتقلت إدارة هذه الصحيفة إلى عاصمة وادي النيل ولم تزل، وفي عامها الرابع عرفت بعنوان «مجلة السيدات والرجال» واستقرت عليه حتى الآن، ومن مميزاتها أنها تفردت بما تنشره من الروايات المسلسلة أو الروايات الصغيرة في كل عدد، ومن أشهر رواياتها المسلسلة «تكون الوحدة العربية» المنطوية على ثلاث روايات. |||||||
لهذه الصحيفة عهدان: برزت في أولهما كمجلة أدبية ثم قدر لها بعد ذلك أن تحتجب عن قرائها زمانا غير يسير، ويبتدئ عهدها الثاني في 31 آذار 1930 حيث ظهرت بشكل جريدة سياسية اجتماعية، وقد اتبع منشئها الفاضل السيد زكريا أحمد رشدي برنامجا خاصا سنورده في جزء تابع من كتابنا هذا. ¶¶¶¶¶¶
ظهر «التاج المصري» بهيئة مجلة أولا ثم تحول سنة 1930 إلى شكل جريدة.
نشأت «الأقلام» في 14 تشرين الثاني 1927 بشكل جريدة ثم حولها منشئها إلى مجلة عام 1929.
مجلات السودان
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «الخرطوم» عاصمة السودان (1) ⊙
المنارة المرقسية ⋆
القمص مرقس سرجيوس *
11 أيلول 1912 *
لما انتقل القمص مرقس سرجيوس من مدينة الخرطوم حاضرة السودان وسكن في عاصمة وادي النيل نقل إليها أيضا إدارة مجلته المذكورة أعلاه، وهي لم تزل تصدر حتى الآن كما أشرنا إلى ذلك في فهرس مجلات القاهرة تحت رقم 465 صفحة 320 فوجب التنبيه، غير أنه أبدل عنوان المجلة وجعله «المنارة المصرية» منذ سنة 1933 وهكذا أزال عنها صبغتها الدينية.
مجلات المملكة التونسية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة «تونس» العاصمة (1)
السعادة العظمى
محمد الخضر بن الحسين
2 نيسان 1904 (2)
خير الدين
محمد الجعايبي
27 آذار 1906 (3)
تونس
جبرائيل إنكيري *
وصالح بن محمود
15 تشرين الأول 1906 (4)
النصيحة
محمد الصادق بن إبراهيم
14 حزيران 1908 (5)
الثريا
بنعيسى بن الشيخ أحمد
22 نيسان 1909 (6)
المدرسة
عبد الرزاق الغطاس
1 كانون الثاني 1911 (7)
إرشادات للفلاحة
إدارة المصالح الاقتصادية الأهلية
1 كانون الثاني 1914 (8)
مجلة التعليم العربي
الجمعية الودادية لمعلمي اللغة العربية
21 شباط 1920 (9)
مجلة الآداب
عبد الرحمن سومر
17 تموز 1920 (10)
البدر
محمد العربي المشيرفي
31 تموز 1920 (11)
العالم الأدبي
زين العابدين السنوسي
آب 1923 (12)
الطرائف الأدبية
محمد المرساوي
27 تشرين الأول 1927
ثانيا: مدينة سوسة (1)
تحقيق الأمل
3 آب 1905 *
جبرائيل إنكيري هو لبناني الأصل واسع الاطلاع بدأ حياته الصحافية بنشر مجلة «تونس» في 15 تشرين الأول 1906 في عاصمة المملكة التونسية، وقد أنشأها باللغتين العربية والفرنسية مع صديقه الأديب وزميله السيد صالح بن محمود صاحب جرائد «تونس» و«الترقي» و«لسان الأمة» المار ذكرها في الصفحة 252 من هذا الجزء، ثم هبط جبرائيل إنكيري وادي النيل حيث اشتغل بالصحافة فأنشأ جريدة «الدلتا» العربية الفرنسية سنة 1912 في مدينة المنصورة، وبعد ذلك ابتاع من جورج فييه جريدة «جورنال دي كير» الفرنسية وهي الآن منتشرة انتشارا واسعا وتعد من كبريات صحف القاهرة.
مجلات الجزائر (المغرب الأوسط)
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: عاصمة الجزائر (1)
الإحياء
جان ديريو *
14 شباط 1907 (2)
الفاروق
عمر بن قدور
8 تشرين الأول 1920
ثانيا: مدينة قسنطينة (1)
الشهاب
عبد الحميد بن باديسي
1924 *
طالع رسم هذه الصحافية الشهيرة في [التوطئة - الفصل الأول] من هذا الكتاب، وهذه السيدة الفرنسية الأصل هي منشئة باكورة المجلات العربية في عاصمة الجزائر، وتعرف في كتاباتها ومؤلفاتها باسم «جمانة رياض» أو «فاطمة الزهراء»، وأحرزت الجائزة الأولى في آداب اللغة العربية عام 1911 بين جميع طلبة مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس، وحلت وفاتها عام 1914 في العاصمة المذكورة فكان لمنعاها رنة أسف شديد لدى عارفي فضلها من الأدباء والمستشرقين، ولدينا من آثارها رحمها الله تعالى رسائل شتى مكتوبة بخطها المغربي الجميل.
مجلات مراكش (المغرب الأقصى)
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة طنجة (1)
الصباح
وديع كرم
15 آب 1908
مجلات سلطنة زنجبار
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: زنجبار العاصمة (1)
الجازيت المعلن بالبشائر والأسرار
رسمية
24 كانون الأول 1899
القسم الثالث
في فهارس صحافة أوروبا منذ تكوين الصحافة العربية إلى ختام السنة 1929
الباب الأول
فهارس جميع الجرائد العربية في أوروبا
يتضمن فهارس جميع الجرائد العربية في أوروبا على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
جرائد الدولة التركية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة القسطنطينية (1)
مرآة الأحوال
رزق الله حسون *
1855 (2)
السلطنة
إسكندر شلهوب
1857 (3)
الجوائب †
أحمد فارس الشدياق
تموز 1861 (4)
السلام
جبرائيل دلال ‡
23 تموز 1879 (5)
الاعتدال §
أحمد قدري
29 آب 1883 (6)
السلام
الحاج صالح الصائغي
1885 (7)
الإنسان
حسن حسني باشا الطويراني
11 نيسان 1886 (8)
الحقائق
إبراهيم أدهم
28 تشرين الثاني 1888 (9)
البيان
محمد باشا المخزومي
31 آب 1893 (10)
المعلومات ||
محمد طاهر بك
13 آذار 1895 (11)
سياحتي
الدكتور لويس صابونجي
1896 (12)
الكوكب العثماني
محمود زكي
11 نيسان 1900 (13)
المنير ¶
عبد الحميد الزهراوي
1903 (14)
المساواة
محمد باشا المخزومي
9 آب 1908 (15)
القسطاس
محمد كريمة ومحمد المجذوب
13 آب 1908 (16)
طاووس
فريد حاج
1908 (17)
الأوفوروك
22 آب 1908 (18)
شمس العدالة
رشيد حاج والأمير خليل شهاب
16 أيلول 1908 (19)
الدستور
أحمد باشا الزهير
4 تشرين الأول 1908 (20)
كلمة الحق
جرجي بك حرفوش
10 تشرين الأول 1908 (21)
العدل
محمد صفا بك
5 تشرين الثاني 1908 (22)
بروتستو
محمد صفا بك
22 كانون الأول 1908 (23)
الإخاء العثماني
شفيق بك المؤيد **
21 كانون الثاني 1909 (24)
شمس الحقائق
الأمير خليل شهاب
1909 (25)
العرب
محمد عبيد الله ††
3 شباط 1909 (26)
دار الخلافة
عبد الوهاب عبد الصمد
3 آذار 1910 (27)
الانتقاد
عبد الرزاق البغدادي
20 آذار 1910 (28)
الحضارة
عبد الحميد الزهراوي وشاكر الحنبلي
14 نيسان 1910 (29)
الفردوس
محمد المقحفي
9 كانون الثاني 1911 (30)
المدنية
عبد الحميد الزهراوي
21 كانون الأول 1911 (31)
شركة الأخبار الصحافية
إبراهيم سليم نجار
2 كانون الثاني 1912 (32)
الإدارة
عبد الحميد الزهراوي وكامل الأسعد
11 كانون الثاني 1912 (33)
الحق يعلو
ح. وهبة
10 آذار 1912 (34)
الهلال العثماني
الشيخ عبد العزيز جاويش
16 آذار 1912 *
إن أول كاتب ناطق بالضاد أصدر باسمه صحيفة عربية في الخافقين هو رزق الله حسون الحلبي المولد والأرمني المحتد، فإنه أنشأ جريدة «مرآة الأحوال» سنة 1855 في الآستانة أثناء حرب القرم الشهيرة وأودعها نفثات قلمه السيال؛ ولأجل ذلك يمكننا أن نسميه بكل حق جد الصحافيين في اللسان العربي على الإطلاق، راجع ترجمته في [الكتاب الأول - الباب الثاني - الفصل السابع]. †
طالع أخبار هذه الجريدة وترجمة مؤسسها العلامة في [الكتاب الأول - الباب الثاني - الفصل السابع] وكان أحمد فارس الشدياق أول من استعمل لفظة «جريدة » للدلالة على النشرات الدورية والصحف السيارة، ومذ ذاك الوقت شاع اسم «الجريدة» لدى جميع الصحافيين والكتاب بمعناها العصري. ولشقيقنا البكر الكنت أنطون دي طرازي تاريخ شعري نظمه عند وفاة صديقه الشيخ أحمد فارس الشدياق ونقل جثمانه سنة 1887 من القسطنطينية إلى لبنان مسقط رأسه قال:
باليمن وافى اليوم مسقط رأسه
علم بأرض فروق وافاه الردى
ستين عاما قد قضى متغربا
فالعود أحمد بعدما طال المدى
للحازمية شيعوا جثمانه
فعلا النواح مجددا ومرددا
وأخو الرشاد بنى له في قلبه
لحدا يظل العمر فيه ملحدا
وبنو القوافي والحمية أرخوا
ترثي الحمية والقوافي أحمدا
1887 ‡
انظر رسم جبرائيل دلال وترجمته في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع] من كتابنا هذا. §
كانت جريدة «الاعتدال» تنشر باللغتين العربية والتركية، وكان هذا شأن كثير من الصحف العربية التي صدرت بدار الخلافة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ||
كانت جريدة «المعلومات» أقدم جميع الصحف المصورة وأرقاها في عاصمة السلاطين الأتراك، وكانت تطبع بلغات ثلاث وهي: العربية والتركية والفارسية. ¶
هي جريدة أصدرها عبد الحميد الزهراوي وكان يطبعها على الجلاتين ثم يوزعها سرا ويظاهر بها شبان الأتراك القائلين بالدستور ويمالئهم على الحكام المستبدين، وقد ورد ذكر هذه الجريدة في ترجمة الزهراوي المنشورة في مجلة «العروس» الدمشقية (مجلد 6، جزء 3) وكان الزهراوي من أحرار السوريين الذين أعدمهم الأتراك شنقا أثناء الحرب العظمى في دمشق، وقد ترأس المؤتمر العربي الأول الذي التأم سنة 1913 في مدينة باريس حيث جرى البحث عن منح البلاد السورية استقلالا لا مركزيا، وكان الأستاذ شارل دباس رئيس الجمهورية اللبنانية السابق كاتبا للقسم الفرنسي في المؤتمر المشار إليه.
بدأ محمد باشا المخزومي حياته الصحافية سنة 1888 في عاصمة وادي النيل عندما أنشأ مجلة «الرياض المصرية» بالاشتراك مع خاله عبد الرحمن الحوت، وكان يدعى حينئذ محمد سلطاني وهي الكنية التي كانت تعرف بها أسرته لدى الخاصة والعامة، فصدر أمر عبد الحميد الثاني سلطان الدولة العثمانية بوجوب إلغاء تلك الكنية لئلا يحصل التباس بينها وبين لقبه، فاضطرت أسرة «سلطاني» أن تخضع لإرادة المليك المطلق وتتخذ لنفسها كنية «مخزومي» نسبة إلى مخزوم الذي تنتمي إليه وهو أحد رؤساء القبائل المشهورة قديما عند العرب، وفي 31 آب سنة 1893 أصدر في القسطنطينية جريدة «البيان» التي انتشرت كثيرا في الأقطار الإسلامية ولا سيما في الهند، ولكن لم يطل عمر هذه الجريدة لما كان من التضييق على الصحافة وأرباب الأقلام ولكثرة جواسيس السلطان المشار إليه، فصدرت الإرادة السلطانية بتعطيلها؛ لأن حكام الأتراك كانوا يحسبون ألف حساب من أن تنعش هذه الجريدة روح النهضة والاستقلال في الأقوام العربية، وكان صاحبها بعد صدور كل عدد منها يستنطق عما يكتبه في جريدته، فمل من هذه المعاملة وترك الجريدة وشأنها، وعلى أثر إعلان الدستور في الدولة العثمانية سنة 1908 أسس جريدة «المساواة» التي ظهر منها ثلاثة أعداد فقط، وقد تعطلت عند تعيين منشئها مفتشا للأوقاف في ولاية حلب. ولمحمد باشا المخزومي تأليف نفيس جمع فيه مذكرات السيد جمال الدين الأفغاني وعلق عليه آراءه الخاصة، وحلت وفاته في بيروت مسقط رأسه عام 1930. **
كان شفيق بك المؤيد من صفوة المفكرين في دمشق ومن عيون أعيانها، وكان في عداد الشهداء الذين أعدمهم الأتراك شنقا بتاريخ 6 آيار 1916 أثناء الحرب الكبرى لاشتغالهم في قضية الاستقلال العربي، وينتمي شفيق بك إلى أسرة آل العظم التي اشتهر منها أحد عشر واليا حكموا دمشق في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، وكان حكمهم بوجه عام عادلا ونال النصارى في عهدهم عزا وصيتا وسطوة كما شهد المؤرخ ميخائيل بريك في كتابه الذي نشره العالم المدقق الخوري قسطنطين الباشا. ومن آثار آل العظم الخالدة خان أسعد باشا في سوق البزورية وهو آية في الهندسة الشرقية، ومنها أيضا القصر الواقع على مسافة وجيزة من الخان وهو من أروع نموذجات الهندسة العربية، وقد اشترته الدولة الفرنسية في عهد الجنرال غورو وحولته إلى معرض جمعت فيه شتى التحف العربية. ††
لا نرى لزوما للتعريف عن محمد عبيد الله مبعوث آيدين «أزمير» وصاحب جريدة «العرب» في الآستانة، فإنه انتحل لها اسمه واتخذها ذريعة للطعن فيهم والقدح بأعز ما لديهم، وكان عبيد الله مشهورا بمبادئه الرجعية وتصرفه في شرح الآيات القرآنية كما جرى له في خطبة ألقاها في جامع «قابو»، ولولا لطف الله لخرج من الجامع جثة باردة (جريدة طرابلس، عدد 1047، بتاريخ 27 كانون الأول 1911). على أن محمد عبيد الله هذا لم يقف عند هذا الحد من القحة بل أعاد الكرة في خطبة أخرى ألقاها في جامع آيا صوفيا بشهر رمضان، فأمرت الحكومة بتوقيفه؛ لأنه حرف بها بعض آيات دينية، وما عتم أن ألقت الحكومة القبض عليه بعد فراره إلى ولاية بروسة وساقته إلى الديوان الحربي، وفي 17 تشرين الثاني 1912 حكم عليه الديوان المذكور بالسجن خمس سنين بتهمة خيانة، وذلك عندما حاكمت زعماء الاتحاديين الذين تآمروا على قتل السلطان محمد الخامس وكامل باشا الصدر الأعظم أثناء حرب تركيا مع دول البلقان.
جرائد دولة روسيا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: بطرسبرج العاصمة (1)
التلميذ
عبد الرشيد إبراهيم
1907
ثانيا: مدينة باغجة سراي (بلاد القريم) (1)
ترجمان
إسماعيل غصبرينسكي
1903
جرائد جمهورية سويسرا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة جنيف (1)
القصاص
الجمعية الوطنية المصرية
أيلول 1918 (2)
منبر الشرق ⋆
علي الغاياتي *
5 شباط 1922 *
هو مصري الأصل ولد سنة 1884 بمدينة دمياط وتلقى علومه الدينية بجامع البحر في مسقط رأسه، ثم انصرف إلى قرض الشعر والاشتغال بكتب الأدب فصنف كتابا اسماه «القول الوافي في علمي العروض والقوافي»، وفي عام 1907 رحل إلى القاهرة على أمل الالتحاق بقلم من أقلام تحرير صحفها اليومية، فاشتغل تباعا في «الجوائب المصرية» و«اللواء» و«العلم» و«الشعب» و«الدستور» و«مصر الفتاة» وغيرها.
واشتهر بالشعر السياسي الذي نال إعجاب زعماء الحزب الوطني، وقد بعثه ذلك على جمع أشعاره في كتاب سماه «وطنيتي» وذيل صفحاته ببيان لذكر الحوادث السياسية التي أتى عليها في شعره مع ذكر تواريخها، فما كادت الأيدي تتداول هذا الكتاب حتى صادرته الحكومة وأمرت بمصادرة مؤلفه، فاضطر الشيخ الغاياتي أن يهاجر من مصر في 5 تموز سنة 1910 قبيل وصول يد الحكومة إليه، وسافر إلى الآستانة حيث تولى تحرير جريدة «دار الخلافة».
أما الجرم الذي رأته الحكومة في كتاب «وطنيتي» فهو التحريض عليها والتشهير بها وتحبيذ بعض الجرائم التي عاقب عليها القانون، كجريمة الورداني قاتل بطرس باشا غالي وأمثاله، وفي أواخر السنة المذكورة زايل الآستانة ميمما مدينة جنيف حيث أخذ يتعلم اللغة الفرنسية التي برع فيها كثيرا، وقد فكر كثيرا في سياسة التطرف وسلوك المتطرفين بعد أن قضى أكثر من عام بعيدا عنهم في وسط أوروبي هادئ عاقل، فلاح له أنه أخطأ في بعض عمله، فهداه التفكير إلى العظة بالماضي والحذر في الآتي، وخدمة الوطن بالعمل قبل الكلام والتدبر قبل العمل، وهو الآن يتعاطى الكتابة في بعض صحف سويسرا التي تعول على آرائه ولا سيما «لا تريبون دي جنيف» التي أصبح رسميا محررها الشرفي، وفي سنة 1922 أنشأ جريدة «منبر الشرق» باللغتين العربية والفرنسية خدمة للعرب وللقضية العربية، ولما كان كتاب «تاريخ الصحافة العربية» قد نال لديه استحسانا فإنه قرظه بهذين البيتين الخالدين قال:
إن كان قد رفع الغربي منزلة
لذي يراع وقام الغرب إجلالا
ففي كتابك «تاريخ الصحافة» قد
رفعت للكاتب الشرقي تمثالا
جرائد الدولة الألمانية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: برلين العاصمة (1)
الجهاد
رسمية
5 آذار 1915 (2)
لواء الإسلام
الأمير شكيب أرسلان
1921 (3)
حرية الشرق
عبد الرحمن سيف
1921 (4)
صدى الإسلام
1927
ثانيا: مدينة همبورغ (1) ⊙
مرآة الدنيا *
رسمية
1915 *
كانت هذه الجريدة تصدر في اثنتي عشرة لغة شرقية وغربية، وقد أنشأتها الحكومة الألمانية ترويجا لمصالحها وتعزيزا لسيادتها العسكرية أثناء الحرب العظمى ولا سيما بين شعوب الشرق الأدنى.
جرائد مملكة إيطاليا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة نابولي (1)
الخلافة *
إبراهيم المويلحي
1879
ثانيا: مدينة غلياري (قاعدة جزيرة سردينيا) (1)
المستقل †
يوسف باخوس
28 آذار 1880
ثالثا: مدينة ليفورنو (1)
الأنباء
إبراهيم المويلحي
9 آب 1883
رابعا: مدينة بولونيا (1)
السياسة المصورة
عبد الحميد زكي
1 كانون الثاني 1908 *
راجع أخبار هذه الصحيفة في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الأول]، طالع أيضا ترجمة منشئها إبراهيم المويلحي في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الثاني]. †
من أراد التوسع في معرفة تاريخ هذه الجريدة وترجمة منشئها فعليه بمراجعة [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الثالث - الفصل الخامس].
جرائد الجمهورية الفرنسية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: باريس العاصمة (1)
برجيس باريس *
الكونت رشيد الدحداح
24 حزيران 1858 (2)
المشتري †
1867 (3)
الصدى
جبرائيل دلال ‡
1877 (4)
رحلة أبي نظارة زرقاء
يعقوب صنوع
7 آب 1877 (5)
أبو نظارة زرقاء
يعقوب صنوع
21 آذار 1879 (6)
مصر القاهرة
أديب إسحاق §
24 كانون الأول 1879 (7)
الحقوق
ميخائيل عورا
16 نيسان 1880 (8)
الاتحاد
إبراهيم المويلحي
1880 (9)
أبو صفارة
يعقوب صنوع
4 حزيران 1880 (10)
أبو زمارة
يعقوب صنوع
17 تموز 1880 (11)
الرجاء
إبراهيم المويلحي
1880 (12)
الحاوي
يعقوب صنوع
5 شباط 1881 (13)
أبو نظارة
يعقوب صنوع
8 نيسان 1881 (14)
البصير
خليل غانم
21 نيسان 1881 (15)
كوكب الشرق
عبد الله مراش ||
1883 (16)
الوطني المصري
يعقوب صنوع
29 أيلول 1883 (17)
العروة الوثقى ¶
جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده
13 آذار 1884 (18)
الشمس
سليم قويطة والياهو ساسون
22 شباط 1885 (19)
الثرثارة المصرية
يعقوب صنوع
1886 (20)
التودد
يعقوب صنوع
15 كانون الثاني 1888 (21)
المرصد
يوسف حاج
24 تشرين الثاني 1893 (22)
كشف النقاب
الأمير أمين أرسلان
9 آب 1894 (23)
الرجاء
الأرشمندريت ألكسيوس كاتب
5 نيسان 1895 (24)
تركيا الفتاة **
خليل غانم والأمير أمين أرسلان
13 كانون الأول 1895 (25)
المنصف ††
يعقوب صنوع
1899 (26)
باريس
جورج مسرة ونجيب نسيم طراد
8 آيار 1908 (27)
نهضة العرب
يوسف دوريغلو
9 نيسان 1909 (28)
المحبة الإسلامية
جمعية المحبة الإسلامية
15 كانون الأول 1914 (29) ⊙
المستقبل ‡‡
رسمية
1 آذار 1916 (30) ⊙
التصاوير
رسمية
5 حزيران 1916 (31) ⊙
الصباح
12 تشرين الأول 1918 (32)
الراية الحمراء (ثورية)
1927 (33)
الكفاح النقابي (ثورية) ⋆
المكتب المختص بشئون المستعمرات
2 كانون الأول 1928
ثانيا: مدينة مرسيليا (1)
عطارد §§
منصور كرلتي
1858 (2)
المرصاد |||
أنطون فارس والكولونيل سليم نفاع
1 كانون الثاني 1897
ثالثا: مدينة أنجه (1)
الشهرة
منصور جاماتي ¶¶
1 آب 1888
رابعا: مدينة بوردو (1)
عامل النقل في العالم (ثورية) ⋆
لجنة الدعاية الدولية لعمال النقل
نيسان 1928 *
كان عنوان هذه الجريدة مزدانا في أسفله بصورة قصر نابليون الثالث وفي أعلاه برسم النسر الإمبراطوري، وتعد هذه الجريدة باكورة الصحف العربية قاطبة بكبر حجمها وجودة حروفها وإتقان طبعها واتساع موادها؛ ولأجل ذلك ذاعت شهرتها في الخافقين وأقبل الأدباء من جميع الأقطار على الاشتراك فيها. †
إننا نجهل اسم منشئ هذه الجريدة التي ما توفقنا إلى إحراز عدد منها في مجموعتنا الصحافية، ولكننا وقفنا على أبيات شعرية من قصيدة نظمها فرنسيس مراش الحلبي في تقريظ «المشتري» ننقلها عن مجلة «المشرق» مجلد 15، سنة 1912، صفحة 101 وهي:
لي عين تظل جنح الدياجي
ترقب المشتري فيما سعد عيني
كوكب قد غدت أشعته أخ
بار صدق ما شابها من مين
فمن الغرب قد بدا وللقيا
ه غدا الشرق باسط الراحتين
يرشد الناس للتمدن والته
ذيب فهو الآتي من النوعين
فيه شمل الأخبار يحكي الثريا
فإليه يشار بالكفين ‡
طالع ترجمته في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع]. §
إن الصحف الثماني الواردة في فهرس جرائد باريس وهي: «الصدى» و«مصر القاهرة» و«الحقوق» و«الاتحاد» و«المرصد» و«كشف النقاب» و«الراية الحمراء» و«الكفاح النقابي» كانت تطبع على الحجر مكتوبة بخط منشئيها، وقس عليها سائر الصحف التي أنشأها يعقوب صنوع المشهور بأبي نظارة، وقد نشرنا رسمه وترجمته في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الأول]. ومن أصدقاء أبي نظارة والمعجبين بكتاباته نذكر الشاعر الشهير فتح الله بك خياط الموصلي الذي نشر الشيء الكثير على صفحات جرائد أبي نظارة المشار إليه وغيرها من جرائد مصر والقسطنطينية، وقد نظم هذا الشاعر الفاضل قصائد شتى في تقريظ كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» رأينا أن نقتطف منها الأبيات الآتية:
إن رمت وصف الندب طراز العلى
اللوذعي المفرد الممتاز
سل عنه تاريخ الصحافة معجبا
بطراز سفر فاق كل طراز
أنى تباري إبرة الخياط من
بخستها إبرة صنوه الطرازي
هذي حقيقة فضله الأسنى قضت
عن وصفه المأثور كل مجاز
إن أحكمت عنه بنات الفكر أو
أبت القياد اصطادها كالباز
شهم غزا أهل الجهالة علمه
فلذاك حق بأن يسمى الغازي
فعليه من خياط برد مديحه
أزكى سلام فاح بالإعزاز ||
طالع ترجمته في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الثاني]. ¶
كفى هذه الجريدة شهرة منزلة صاحبيها الرفيعة في عالمي السياسة والأدب، وهي تعد الحجر الأول لأساس النهضة الإسلامية الحديثة بما كانت تنشره من المقالات الرنانة تعزيزا للإسلام وتنديدا بالسيطرة الإنكليزية في الهند ومصر، وكانت ترسل إلى كل من يطلبها في جميع الجهات بدون مقابل ليتداولها السري والحقير والغني والفقير، وقد صدر من هذه الجريدة ثمانية عشر عددا، آخرها في 16 تشرين الأول 1884 فحالت الموانع دون الاستمرار في نشرها إذ صادرتها حكومة إنكلترا ومنعت دخولها إلى الهند وسائر البلاد التي لها فيها نفوذ، واعتنى أحد الأدباء بجمع مواد تلك الجريدة في كتاب مخصوص عنوانه «العروة الوثقى» ثم طبعه في مدينة بيروت، ومن شاء الوقوف على ترجمة العلامتين منشئي جريدة «العروة الوثقى» عليه أن يطالع الجزء الثاني من تاريخ الصحافة العربية.
صاحبا هذه الجريدة من أبناء تونس الإسرائيليين، نشرا جريدتهما هذه نصفها بحرف عربي، أما النصف الآخر فكان يطبع بحرف عبراني عبارته عربية لا تختلف بشيء عن عبارة النصف الأول سوى بصورة الحروف، وهي أول جريدة من نوعها وشكلها برزت في لسان الناطقين بالضاد، وغرضها نشر حوادث المملكة التونسية والدفاع عن مصالح شعبها الوطني بعد إعلان الحماية الفرنسية عليها، فكان طبعها متقنا، لكن عبارتها ركيكة وخالية من مسحة البلاغة في الإنشاء. **
طالع ترجمة خليل غانم ورسمه في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الثاني]. ††
إن الصحف التي أنشأها في باريس يعقوب صنوع (الملقب بأبي نظارة) بلغ عددها إحدى عشرة جريدة ومجلة كان يكتبها منشئها بخط يده ويطبعها على مطابع حجرية، ولهذه الصحف مجموعة فريدة في العالم كاملة الأجزاء قد أهداها أبو نظارة قبل وفاته إلى مؤلف كتاب «تاريخ الصحافة العربية»، وهذا أهداها بدوره إلى دار الكتب الأهلية التي أسسها في بيروت سنة 1921. ‡‡
جريدة «المستقبل» أنشأتها حكومة الجمهورية الفرنسية في باريس أثناء الحرب العظمى، وفوضت شئون إدارتها وتحريرها إلى حقي بك العظم رئيس الحكومة السورية سابقا، فتجلت فيها أخلاقه العالية وخبرته الواسعة في السياسة والأدب والإدارة. §§
هي تاسعة الصحف العربية منذ تأسيس الصحافة في لغة الضاد، ويعد صاحبها منصور كرلتي من كبار المستشرقين ومن أعضاء الجمعية السورية العلمية التي قامت عام 1847 في بيروت، ولما شاء محمد الصادق باشا باي تونس أن ينشئ «الرائد التونسي» وهي الجريدة الرسمية لمملكته أوعز إلى منصور كرلتي المشار إليه في إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود. |||
كان «المرصاد» يكتب بالخط ثم يطبع على مطبعة حجرية لخلو مدينة مرسيليا حينذاك من حروف الطباعة العربية، وبعد صدور بضعة أعداد منه على النمط المذكور أصبح ينشر بحروف مطبعية، وقد توقفت هذه الجريدة عن الصدور عندما أصدرت حكومة فرنسا أمرا سنة 1905 بإبعاد أنطون فارس من فرنسا لأسباب تتعلق باللبنانيين النازحين إلى أميركا لدى مرورهم بمرسيليا، فألقى عصا الترحال في مدينة جنوا ولم يرجع إلى مرسيليا إلا سنة 1911 بتوسط شكري غانم وقنصل فرنسا في جنوا، أما شريكه سليم نفاع فينتسب إلى مشائخ آل نفاع من بطشية، وقد نال لقب «كولونيل» من حكومة فنزويلا في أميركا الجنوبية. ¶¶
منصور بن حبيب جاماتي، لبناني الأصل ولد في الزوق وتلقى العلوم في مدرسة عينطورا الشهيرة، وسنة 1876 نزح إلى وادي النيل حيث تعين أستاذ الترجمة في «مدرسة المهندسخانة المصرية» لعهد الخديو إسماعيل، وبعد ذلك ارتحل إلى فرنسا فأنشأ مطبعة عربية سنة 1888 في مدينة أنجه ونشر فيها جريدة «الشهرة» التي تحدى بها جريدة
L’Illustration
الفرنسية في كل شيء، فزينها بالرسوم النفيسة ووقفها على خدمة البلاد العربية عموما والإسلامية خصوصا، وضمنها كل ما يتوق أبناء الضاد إلى معرفته من الأخبار الكونية والاختراعات العصرية والاكتشافات العلمية والإحصاءات والنوادر وأسماء الكتب الحديثة المطبوعة بلغات شرقية في بلاد الغرب إلخ، واحتجبت هذه الجريدة المعتبرة بعد سنة من ظهورها؛ لأن الدولة الفرنسية انتدبت منشئها إلى باريس ووجهت إليه وظيفة مهمة في وزارة الحرب، وتوفي منصور جاماتي مناهزا السنة الثمانين من عمره، وهو عم صديقنا حبيب جاماتي أحد أدباء اللبنانيين الذين يخدمون الصحافة المصرية بنشاط وإخلاص.
جرائد دولة بريطانيا العظمى
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: لندن العاصمة (1)
آل سام
رزق الله حسون
1872 (2)
مرآة الأحوال *
رزق الله حسون
19 تشرين الأول 1876 (3)
الخلافة †
الدكتور لويس صابونجي
3 كانون الثاني 1881 (4)
الغيرة ‡
عبد الرسول الهندي
10 شباط 1881 (5)
الاتحاد العربي
الدكتور لويس صابونجي
1881 (6)
النحلة
الدكتور لويس صابونجي
26 نيسان 1884 (7)
كليات ملكم
ميرزا ملكم خان
1890 (8)
ضياء الخافقين §
حبيب سلموني
1 شباط 1892 (9)
رجع الصدى ||
سليم سركيس
15 كانون الثاني 1894 (10)
الخلافة
سليم فارس الشدياق
28 أيلول 1899 (11) ⊙
الحقيقة
رسمية
1916 *
أنشأ رزق الله حسون الحلبي الأصل جريدة بهذا الاسم في مدينة القسطنطينية عام 1854 أثناء حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية، فكانت أول جريدة عربية فيها، وأول جريدة سياسية على الإطلاق ظهرت في لغة الضاد، وقد تضمنت فصولا مسهبة قبح فيها منشئها مظالم الأتراك وندد بمساوئ السلطنة العثمانية؛ لأن حسون كان حر الأفكار طويل الباع في الإنشاء مر الهجو في الشعر كالفرزدق، فصمم الباب العالي على إلقاء القبض عليه ففر حسون هاربا إلى روسيا، فحكم عليه الأتراك حكما غيابيا بالإعدام، وقد نظم حينئذ رزق الله حسون بعض أبيات في الفخر خاطب بها دولة الترك، نورد منها هذين البيتين اللذين رواهما لنا صديقنا محمد باشا المخزومي:
أنا ابن حسون رزق الله أشهر من
نار على علم والكل بي علموا
يا صاح قل لبني الأتراك قاطبة
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
ومن أراد زيادة إيضاح عليه أن يراجع ما أثبتناه من أخبار هذه الجريدة وترجمة منشئها في الجزء الأول من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية». أما صحيفة «مرآة الأحوال» التي نحن بصددها في لندن فإن صاحبها كان يكتبها بخطه الجميل ويطبعها في المطبعة الحجرية ويرسلها إلى جميع الأنحاء؛ لإظهار الخلل السائد في تركيا. وكانت «مرآة الأحوال» آية في الظرف وجودة الإنشاء تنشر المقالات الممتعة لأفاضل كتاب ذلك العصر كالدكتور لويس صابونجي، وجبرائيل دلال، وأمين الشميل، وسليم دي بسترس، وفتح الله طرازي، وعبد الله مراش، والكنت رشيد الدحداح، وسليم دي نوفل، وخليل غانم، وسواهم. †
كان الدكتور لويس صابونجي في عصره من أركان النهضة السياسية في الشرق، ومن أكبر عارفي أسرارها ومعالجي أمراضها، وقد اتخذ الصحافة وسيلة لقمع استبداد الحكام الغاشمين ونشر المبادئ الحرة القويمة، فمن صحفه التي تستحق الوصف المخصوص جريدة «الخلافة» التي لعبت دورا مهما في سياسة الأمم الشرقية عموما والإسلامية خصوصا، فكانت «الخلافة» مكتوبة بخط الصابونجي على قرطاس ناعم يرسلها مختومة بالبريد إلى جميع أنحاء العالم تعميما لفوائدها. ويعد الصابونجي أول رجل من أبناء سام بن نوح قد أتيح له أن يقوم بسياحتين حول الكرة الأرضية، وأشار إلى ذلك في هذين البيتين من قصيدة له في الفخر قال:
وقد طفت حول الأرض شرقا ومغربا
وصيتي سرى قبلي يذيع برحلتي
وما طاف قبلي من بني سام طائف
ولا جال منهم بالبسيطة جولتي
وكان الدكتور صابونجي غريبا في أطواره وأفكاره وفي أقواله وأفعاله وفي حركاته وسكناته، ولبث متمتعا بكل قواه العقلية والبدنية حتى وافته المنية في 24 نيسان 1931 بالغا الثامنة والتسعين من العمر وهو مشتغل بين الأقلام والمحابر، فكأنه شعر بأنه سيبلغ شوطا بعيدا من الحياة كما تنبأ عن نفسه في هذين البيتين اللذين نظمهما سنة 1894 في مدينة القسطنطينية قال:
العمر مني جاوز الستين لم
أشك بها للداء يوما واحدا
إن شاء ربك سوف أبلغ مائة
فيها أراعي للحياة قواعدا
وكان يعلل النفس بأن يعيش أكثر من ذلك لو لم تغتله يد أثيمة طمعا بالمال أودت بحياته ليلا وهو راقد في سريره، وحدثت هذه الجريمة في فندق كان الفقيد نازلا فيه بمدينة «لوس أنجلوس» التابعة لولاية كاليفورنيا من أميركا الشمالية، وكان قد اتخذ هذه المدينة محلا لسكناه في شيخوخته؛ لأن مناخها وافق مزاجه من وجوه شتى. وخلاصة القول أننا لا نعرف صحافيا عربيا بين المتقدمين والمتأخرين أنعم الله عليه بمثل هذا العمر الطويل وأتيح له أن يخدم الصحافة مدة اثنتين وستين سنة بلا ملل ولا انقطاع (طالع رسمه وترجمته وأسماء مؤلفاته وأخبار رحلاته حول الكرة الأرضية في الجزء الثاني من تاريخ الصحافة العربية). ‡
اشتهر عبد الحميد الثاني سلطان تركيا بخوفه من الصحافة الحرة وانتقاداتها المرة، وكان جواسيسه منتشرين في كل البلدان شرقا وغربا ينقلون إليه ما يقال عن أعماله ويكتب عن استبداده، فلما ظهرت جريدة «الخلافة» في لندن لمنشئها الدكتور لويس صابونجي حسب لها السلطان ألف حساب؛ لأنها كانت تنتصر للعرب وتسعى جهارا في أن تعود الخلافة إليهم، وقد ضمنها الصابونجي آراءه وآراء أعلام المسلمين ناشرا على صفحاتها المقالات الرنانة التي قرأناها برمتها، ولا نزال نذكر منها واحدة بعنوان «الخلافة في آل عثمان خرافة» ومقالة أخرى عنوانها «الموازنة بين الخلفاء من العرب وبين الخلفاء من آل عثمان» وغيرهما، فلما اطلع عليها عبد الحميد ارتعدت فرائصه واضطرب اضطرابا شديدا كاد يقضي على حياته المحفوفة بالوساوس والمخاوف، وللحال أوعز إلى موزوروس باشا سفيره في لندن أن يقنع الصابونجي ويلاطفه ويطمعه بالمال لإبطال نشر جريدته المشار إليها، فذهبت مساعي السفير أدراج الرياح؛ لأن الصابونجي كان ذا مبادئ ثابتة وأخلاق شريفة لا يخدعه كغيره ربح المال، وفي ذاك الحين كان يتردد على السفارة العثمانية للاستعطاء رجل هندي يسمى عبد الرسول، فكلفه موزوروس باشا بإنشاء جريدة «الغيرة» وأمده بالمال لدحض مقالات جريدة الخلافة والرد عليها، وكان عبد الرسول نحيف الجسم قاصر البصر والبصيرة ذا عين واحدة قد شوه الجدري وجهه، فلما رأى السفير العثماني أن «الغيرة» ركيكة العبارة ضعيفة الحجة قطع المدد عن صاحبها بعد صدور تسعة أعداد منها فدخلت في خبر كان. §
لعبت جريدة «ضياء الخافقين» دورا مهما في عالم الأدب والسياسة يضاهي عظمة اسمها ونبوغ مؤسسها في العلوم واللغات، وحسبها شهرة أن الصحافي الكبير إبراهيم بك المويلحي حرر فيها زمنا غير يسير عندما كان في لندن، وينتمي حبيب بن أنطون بن حبيب بن لطف الله سلموني إلى أسرة نشأت في جزيرة أقريطش (كريت) ثم نزحت إلى لبنان في أواخر القرن السابع عشر، وتولى جده لأمه إلياس بك نحاس كتابة أسرار إبراهيم باشا المصري (1832-1840) في حلب، وكان فرح نحاس جد والدته كاتبا عند عبد الله باشا والي عكا. ولد حبيب سلموني سنة 1860 في بيروت وسافر سنة 1878 إلى لندن حيث تعرف باللورد روزبري وغيره من نبلاء الإنكليز، وحظي بمقابلة الملكة فكتوريا، وقد وجد لديه منها رسائل عديدة بعد وفاته، وحظي أيضا بمقابلة السلطان عبد الحميد وبعض ملوك العرب، وكان عضوا في الجمعية الملكية الشرقية بلندن، وساعد السر ريشار برتون في ترجمة كتاب «مجنون ليلى»، ووضع معجمين كبيرين أحدهما عربي-إنكليزي، والآخر إنكليزي-عربي، ونشر كتاب
The Resurrection of Turkey
روى فيه أحوال الدولة العثمانية وأسباب هبوطها، وقد أتى سليم سركيس في جريدته «المشير» على وصف مؤلف هذا الكتاب فقال ما نصه :
صدر في لندن كتاب باللغة الإنكليزية عن حالة تركيا الحاضرة تأليف حضرة الفاضل الأستاذ حبيب سلموني الذي اشتهرت مقالاته في صحف إنكلترا المعتبرة، والذي نشرت مجلة القرن التاسع عشر إحدى مقالاته عن تركيا جنبا إلى جنب مع مقالات المستر غلادستون، وهذا يظهر للقارئ منزلة حضرة الأستاذ عند أرباب الصحافة وأكتب العظماء في إنكلترا، وهذه المجلة يندر أن تفرغ مجالا لكاتب على صفحاتها إلا إذا اشتهر بفضله وصدقه.
وبتاريخ 23 تشرين الأول 1904 توفي حبيب سلموني عن 44 عاما ملأها بأشرف الأعمال، فرثته الصحف العربية وبعض الأجنبية كالتيمس والدالي نيوز وغيرهما بما يستحقه من الاحترام والمدح. ||
كان سليم سركيس يذيع على صفحات «رجع الصدى» ما يكنه قلبه من التوجع على حال الدولة العثمانية التي ولد فيها وقضي على كتابها بانحباس أقلامهم من شدة الضغط والاستبداد، وقد نشر فيها الرسالة التي وجهها الصدر الأعظم فؤاد باشا الكبير عند احتضاره إلى السلطان وورد فيها ما يأتي:
مولاي المعظم، لم يبق من عمري إلا أيام أو ساعات معدودة أقوم فيها بواجب المصلحة العمومية، وأريد أن أبسط أمام عرشكم السامي آرائي الأخيرة وهي آراء محزنة اتضحت لي بعد خدمة طويلة تاعسة، على أنها لا تبلغ أريكتكم ولا تعرض على نظر جلالتكم إلا وأنا قد فارقت هذا العالم، ولذلك تتأكدون صحة أقوالي هذه المرة ولا يخامركم سوء ظن فيها؛ لأن الصوت الخارج من القبر لا يكون إلا صادقا. إن الله عز وجل أولاكم مأمورية عظيمة الشأن محفوفة بالأخطار، فلكي توفوها حقها يجب على جلالتكم قبل كل شيء أن تعرفوا هذه الحقيقة المحزنة وهي أن الدولة العثمانية في خطر ... وما كنت لأخدع مولاي وبلادي وأهل ديني وأنا في حالة لا يطول معها اقتران روحي بجسدي، فأشهد وأؤكد لجلالتكم ... إلخ إلخ.
وهنا بسط فؤاد باشا أسقام السلطنة العثمانية والعلاجات الواجبة لشفائها.
جرائد جزيرة مالطة *
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: لافالتا «قاعدة الجزيرة» (1) ⊙
مالطة تيعنا ⋆
1889 (2) ⊙
الصليب
عمنوئيل فسالو ويوسف أبيلا †
1907 (3) ⊙
النحلة
أوغوسطينو ليفنزين
5 أيلول 1908 (4) ⊙
الحمار ⋆
وليم أرينا
1917 (5)
باتريا
خريستيان وشركاه
1923 (6)
ذي مالطا لابور ليدر ⋆
رسمية
1924 (7)
بروغرس ⋆
فسالو
1924 *
مالطة جزيرة في البحر المتوسط واقعة بين صقليا وإفريقيا تسمى عاصمتها «لافالتا»، ويبلغ مجموع عدد سكان الجزيرة مائتين وأحد عشر ألف نسمة. يستعمل المالطيون لغة خاصة بهم لها روابطها وقواعدها ومعاجمها يكتبونها بحروف لاتينية، وهم شديدو التمسك بلغتهم هذه الوطنية التي يقدسونها ويحترمونها ويبذلون في سبيلها كما يبذلون في سبيل وطنهم كل غال ونفيس. واللغة المالطية خليط من لغات الأقوام الذين سادوا تلك الجزيرة ولا سيما اللغة العربية ولغة جيرانهم الإيطاليان. على أن جميع جرائدهم السياسية والعلمية والأدبية والدينية تكتب بلغتهم المار وصفها، ولدينا منها في مجموعة معرضنا الصحافي عدد وافر. †
لأسرة أبيلا تاريخ مجيد يتقادم عهده إلى القرن الرابع عشر للميلاد، وقد أفرد لها الأب العلامة لويس شيخو مقالا في مجلة المشرق البيروتية (6: 254-265) أتى فيه على خلاصة أخبار آل أبيلا في مختلف العصور والبلدان مستندا في بحثه إلى أوثق المصادر. ولهذه الأسرة فرع في لبنان ومصر أتاها من جزيرة مالطة في أواخر القرن الثامن عشر، واشتهر منه أفراد تعاطوا أعمالا شتى كخدمة الدول في المناصب القنصلية وأعمال التجارة وإدارة المصارف ومهنة الطب وصناعة الأدب والاشتغال في المشاريع العامة. ومن مشاهيرهم يعقوب بن يوسف بن إلياس بن توما بن يعقوب أبيلا، فإنه تولى قنصلية إنكلترا في صيدا من سنة 1844 إلى وفاته سنة 1872، وله من المساعي المبرورة آيات بينات شهدت له بها الجرائد الأوروبية مثنية على شهامته، ونال الأوسمة ومراتب الشرف من السلطانين العثمانيين عبد المجيد وعبد العزيز، والبابا بيوس التاسع، والملكة فكتوريا، والبطريرك الأورشليمي. ولما زار البرنس دي غال (صار بعد ذلك ملكا على بريطانيا العظمى باسم إدوارد السابع) مدينة صيدا في 9 آيار 1862 راكبا يخته الملكي حل ضيفا في بيت يعقوب أبيلا وأهدى إليه بعض التحف التي لم تزل محفوظة بكل حرص لدى أحفاده، وقد طلب من مؤلف هذا الكتاب نظم بيتين يكتبان تحت رسم يعقوب أبيلا؛ فقال:
سليل قوم سموا من أعصر سلفت
ونورهم كالثريا غير محجوب
مثاله عند كل الناس محترم
الله بارك فيه وجه يعقوب
جرائد جزيرة قبرص
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة نيكوزيا (1)
زمان *
درويش باشا والشيخ حبيب الخوري
1878 (2)
جهينة الأخبار †
الشيخ عبد الله البستاني وإسكندر عمون
1879 (3)
ديك الشرق
علكسان سرافيان ‡
1889 (4)
البرهان
الشيخ حبيب الخوري §
كانون الثاني 1897 (5)
مجموعة قبريس
1898 *
كانت هذه الجريدة تصدر في اللغتين العربية والتركية. †
كان الشيخ عبد الله البستاني علما من أعلام اللغة العربية في القرن العشرين، وفرع الدوحة البستانية التي اشتهر نوابغها في إعلاء شأن المعارف، وأول رئيس للمجمع العلمي اللبناني، ومؤلف معجم «البستان» ومعجم «فاكهة البستان» وغيرهما من المؤلفات النفيسة نثرا ونظما، ملك ناصية اللغة واشتغل بها حياته كلها حتى صار حجة الناطقين بالضاد في عصره، وبعد وفاته سنة 1930 رأينا من باب معرفة الجميل أن ننصب رسمه في دار الكتب الكبرى بجانب رسوم أعاظم علماء وطننا تخليدا لذكره في القرون اللاحقة، وهو لما اطلع على كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» تلطف بتقريظه وأرسل إلينا القصيدة التالية التي تنم عن سمو أخلاقه ووافر علمه، قال:
قل للصحافة تثني فضل فيليبا
فتنشقي الناس من أنبائك الطيبا
لولاه لم تدركي عرقا ولا نسبا
ولا إليك أديب كان منسوبا
لرفع شأنك سباق بهمته
وإن تأخر عربا أو أعاريبا
دعي الصحافي يطريه على صحف
تذيع ذكراه للألباب تطريبا
تروي الجوائب عن مسعاه جائبة
للبر والبحر إدلاجا وتأويبا
إن لم يقابل جميل من صنائعه
بأضوع الشكر ضاع الحزم محجوبا
قد غيبته الليالي في ضمائرها
حينا لكي تمنع الأيام تهذيبا
فناصرته بدور العلم خارقة
أستارها فانثنى بالنور مصحوبا
وهب يرصف ذا السفر الأنيق وما
ينال في غيره الكتاب مطلوبا
يا حبذا من تقاضته يراعته
تقريظه بمداد التبر مكتوبا
فناشر الفضل لا تطوى مناقبه
لكن يرى غرضا للمدح منصوبا
وناكر البر في أخلاقه جنب
وعن ربيب العلى تلقاه مجنوبا
إن كان سفر ابن طرازي له هبة
فليجعلن له الإعظام موهوبا
فالدهر مهما استحفته عجائبه
يهاب في سفر فيليب الأعاجيبا
يرى الرسوم التي أعيانها درجت
كأنها حية للدهر ترهيبا
قضى بموت نصير العلم يثلبه
فعاد يقضي بخذل الدهر مثلوبا
حككت معدن ذا التاريخ منتقدا
فراقني الذهب الإبريز مهذوبا
وقد تدبرته حينا فكنت أرى
فيه لمن رام نثر الدر تدريبا
وقد تولج من أبوابه نظري
فراقه الوضع تنسيقا وتبويبا
لا مغمز فيه إلا أنه سلس
عذب الشريعة لا شيء به عيبا
حسب الصحافة فخرا أن واضعه
قاوى لإحيائها الأيام تنقيبا
فكل ذي أدب غض يجلله
تأدبا ولطاوي البر تأديبا
وكل من يبتغي فضلا يؤرخه
على الصحافة يلقى فضل فيليبا
1913 ‡
كان علكسان سرافيان صحافيا في القاهرة حيث أصدر جريدة «الزمان» بتاريخ 6 آذار 1882 واحتجبت بعد خمسة أعوام من ولادتها، وقد أوردنا أخبارها في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الأول - الفصل الخامس] من هذا الكتاب، ثم أوعز إليه الإنكليز أن ينشئ جريدة في قبرص لخدمة سياستهم، فذهب إلى الجزيرة المذكورة وأنشأ سنة 1889 جريدة «ديك الشرق» التي ما كادت تولد حتى أقفلها مؤسسها لقلة قراء الجرائد العربية في ذلك المحيط اليوناني. §
كان الشيخ حبيب الخوري من قرية «رشميا» التابعة لقضاء الشوف بلبنان، واشتغل نحو العشرين سنة في الصحف العربية بجزيرة قبرص، وبعد ذلك هاجر إلى أميركا الجنوبية حيث أسس سنة 1900 جريدة «الصواب» في ريو دي جانيرو بالاشتراك مع ميخائيل مراد اللبناني، ثم ترك الصحافة للتعليم في مدارس الحكومة البرازيلية حتى آخر أيامه. وينتمي هذا الصحافي الأديب إلى أسرة المشايخ آل الخوري الذين اشتهر منهم في عصرنا الحاضر حبيب باشا السعد والشيخ بشارة الخوري رئيسا الوزارة اللبنانية سابقا، وغيرهما من رجال القضاء والمحاماة والتجارة والهندسة، إلخ.
الباب الثاني
فهارس جميع المجلات العربية في أوروبا
يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في أوروبا على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
مجلات الدولة التركية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة القسطنطينية (1)
مدرسة الفنون
حميد وهبي
25 كانون الأول 1882 (2)
الإنسان
حسن حسني باشا الطويراني *
28 آيار 1884 (3)
كوكب العلم
نجيب نادر
13 كانون الأول 1884 (4)
الحقائق
أبو النصر يحيى السلاوي
8 كانون الأول 1885 (5)
الحقوق †
الدكتور إلياس مطر وإلياس رسام
13 تموز 1890 (6)
منظره
محمد طاهر بك ‡
29 نيسان 1896 (7)
سفينة الإسلام
محمد صفا
12 تشرين الأول 1912 (8)
مناظر الحرب
عبيد الله أسعد
17 تشرين الأول 1912 (9)
لسان العرب
أحمد عزت الأعظمي
11 آذار 1913 (10)
المدارس
محمد نور الله
16 آيار 1913 (11)
المنتدى الأدبي
أحمد عزت الأعظمي وعاصم بسيسو
27 شباط 1914 (12)
جهان إسلام
الجمعية الخيرية الإسلامية
9 نيسان 1914 (13)
العالم الإسلامي
الشيخ عبد العزيز جاويش
4 آيار 1916 *
بعدما اشتغل بالصحافة ردحا من الزمان في دار الخلافة أصبح تعاطي هذه المهنة عسرا لسبب ضغط الحكومة على الصحافيين وتشديد المراقبة عليهم في العهد الحميدي؛ فآثر حسن حسني باشا الطويراني، على رغم تقربه من العرش السلطاني، أن يرتحل من ضفاف البسفور ليعيش تحت سماء الحرية في وادي النيل، وهناك أنشأ في 17 كانون الأول 1891 جريدة «النيل» وظل ينشرها إلى آخر حياته، ثم أنشأ فيها «المجلة الزراعية» في 1 أيلول 1894 ومجلة «الشمس» في 13 تشرين الأول من السنة ذاتها (راجع ترجمة هذا الصحافي الشهير في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الرابع] من هذا الكتاب). †
كتبنا في الجزء الثاني من تاريخ الصحافة العربية أخبار مجلات القسطنطينية الواردة من العدد الأول إلى العدد الخامس في هذا الفهرس، وأردفناها بتراجم أصحابها مزينة برسوم أكثرهم؛ فنحيل القارئ إلى مطالعتها في الجزء المذكور. وكان نجيب نادر والدكتور إلياس مطر من أدباء بيروت، أما إلياس رسام فأصله من مدينة الموصل ولم يزل في قيد الحياة عند كتابة هذه السطور يتعاطى مع بكر أنجاله مهنة المحاماة في مدينة القسطنطينية. ‡
هو منشئ جريدة «المعلومات» الشهيرة التي كانت تطبع باللغات العربية والتركية والفارسية، وهي أول جريدة مصورة على الإطلاق صدرت في عاصمة سلاطين آل عثمان، ولما نشبت الحرب بين الدولة العثمانية واليونان عام 1896 أصدر محمد طاهر بك هذه المجلة المسماة «منظرة» في اللغات التركية والعربية والفرنسية وزينها برسوم تتعلق بالحرب المذكورة.
مجلات دولة روسيا
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة قزان (1)
الدين والأدب
جان البارودي
17 آذار 1906
مجلات دولة بريطانيا العظمى
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: لندن العاصمة (1)
رجوم وغساق إلى فارس الشدياق
رزق الله حسون *
4 آيار 1868 (2)
النحلة †
القس لويس صابونجي
2 نيسان 1877 (3)
الشرق الأدنى
1908 *
كان غرض رزق الله حسون في إنشاء هذه المجلة الرد على أحمد فارس الشدياق صاحب جريدة «الجوائب» لإطالة لسانه وتحريك قلمه بالسفاهة في حق زرق الله حسون، فاشتد الجدال بهذا المقدار حتى انقلبت المناظرة بينهما إلى مشاتمة ومهاترة، وكانت كتابات كليهما وردود الواحد على الآخر مشحونة بالهجو المر والطعن الموجع. تلك كانت خلة صاحب الجوائب في المناظرات العلمية التي جرت له مع أدباء عصره كالكونت رشيد الدحداح والمعلم بطرس البستاني والشيخ إبراهيم اليازجي والدكتور لويس صابونجي والشيخ سعيد الشرتوني إلخ. ونعطي مثالا على ذلك مناظرته مع جريدة «ثمرات الفنون» البيروتية لمنشئها الشيخ عبد القادر قباني المشهور بالتقوى ومسالمة الناس بل الجدير بكل احترام بين الخاص والعام، فإننا قرأنا المناظرة كلها من بدايتها إلى نهايتها ولم نخرم منها حرفا واحدا، ولكي يقف القراء على شيء من ذلك نكتفي هنا بإيراد عنوان إحدى المقالات التي كتبها أحمد فارس الشدياق ضد خصمه الأديب وهو: «السيف المسلول المسنون لإذاقة ثمرات الفنون غمرات المنون وسكرات الجنون»، ثم استهل المقالة بهذا البيت:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالا بدينار
بمثل هذه اللهجة التي يمجها الأدب والمنطق والذوق السليم كان صاحب الجوائب يخاطب مناظريه من الأدباء والعلماء والصحافيين لدى اشتداد الخصومة بينه وبينهم، وكان العقلاء منهم يعرضون عنه ويتحاشون النزول معه في ميدان المناظرة، هكذا فعل الشيخ إبراهيم اليازجي في معرض رده على أحمد فارس الذي انتقد كتب والده الشيخ ناصيف اليازجي وشدد الطعن عليه بعد وفاته، فنظم الشيخ إبراهيم اليازجي حينذاك هذين البيتين المشهورين اللذين جريا مجرى الأمثال على ألسنة الأدباء، قال:
ليس الوقيعة من شأني فإن عرضت
أعرضت عنها بوجه بالحياء ندي
إني أضن بعرضي أن يلم به
غيري فهل أتولى خرقه بيدي
ذلك كله لا يحجمنا عن الإقرار علما بمنزلة أحمد فارس العلمية وفضله الوافر على اللغة العربية التي خدمها قولا وعملا مدة حياته التي استغرقت ستا وثمانين سنة، وقد عرفنا له ذلك الفضل فرثيناه بقصيدة دالية نشرت في مجموع المراثي التي طبعها يوسف آصاف سنة 1305 هجرية تخليدا لذكر الشيخ أحمد فارس الشدياق. †
أول من اختار لفظة «النحلة» عنوانا لنشرة دورية كان العلامة الشهير القس لويس صابونجي السرياني، فإنه أنشأ بهذا العنوان: أولا مجلة «النحلة» بتاريخ 11 آيار 1870 في بيروت، ثانيا مجلة «النحلة الحرة» عام 1871 في القاهرة ولم يصدر منها سوى عدد واحد، ثالثا مجلة «النحلة» بتاريخ 2 نيسان 1877 في لندن، فكانت أول مجلة عربية منتظمة ظهرت مزينة بالرسوم، رابعا جريدة «النحلة» بتاريخ 26 نيسان 1884 في لندن، فكان يكتبها بخطه النقي ويطبعها في مطبعة حجرية، خامسا جريدة «النحلة» عام 1895 في القاهرة وقد فوض إدارتها إلى صديقه العلامة أمين الشميل منشئ مجلة «الحقوق» في عاصمة وادي النيل، أما سائر الذين اتخذوا «النحلة» عنوانا لنشرات دورية أسوة بالدكتور لويس صابونجي فهم: أولا أوغسطينو ليفنزين بتاريخ 5 أيلول 1908 في جزيرة مالطه، وكانت هذه الجريدة تطبع بحروف لاتينية تبعا لأصول اللغة المالطية، وقد نوهنا بذكر هذه اللغة في محل آخر من كتابنا هذا، ثانيا شبلي رزق وخليل فارس بتاريخ 15 شباط 1917 في مدينة بونس أيرس (الجمهورية الفضية)، ثالثا القس مبارك مارون سنة 1918 في مدينة ريو دي جانيرو عاصمة جمهورية البرازيل، رابعا داود جرجس الخوري في شهر تشرين الثاني 1916 في مدينة سان باولو (البرازيل)، خامسا مصباح شريخ في آب 1922 بمدينة اللاذقية.
مجلات الجمهورية الفرنسية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: باريس العاصمة (1)
النظارات المصرية
يعقوب صنوع
16 أيلول 1879 (2)
مصر القاهرة *
أديب إسحاق
24 كانون الأول 1879 (3)
التودد †
يعقوب صنوع
1892 (4)
الحياة الجديدة ‡
حبوبة حداد وأنطون فرح
1 آيار 1921 (5)
الشرق الأدنى §
إلياس طنوس الحويك
15 آب 1925
ثانيا: مدينة مرسيليا (1)
مطامير لبنان
عقل البشعلاني
1 آب 1905 *
صدرت «مصر القاهرة» بمظهرين؛ أولهما في 24 كانون الأول 1879 بشكل مجلة، وثانيهما في 7 نيسان 1880 بشكل جريدة، وكان منشئها أديب إسحاق يكتبها بخط يده ثم يطبعها على الحجر ويرسلها إلى المشتركين ضمن غلاف مختوم في البريد حذرا من وقوعها بيد حكام الأتراك الذين كانوا يصادرونها؛ لأنها كانت تطعن في أعمالهم وتفضح مظالمهم. طالع ترجمة أديب إسحاق وأخبار جرائده في الجزء الثاني من كتابنا «تاريخ الصحافة العربية». †
أصدر يعقوب صنوع «أبو نظارة» جريدة «التودد» بتاريخ 15 كانون الثاني 1888 ثم حولها إلى مجلة بعد أربعة أعوام من التاريخ المذكور. ‡
صاحبة هذه المجلة كاتبة أديبة من أرقى سيدات، لبنان أنشأت «الحياة الجديدة» بتاريخ 1 آيار 1921في باريس، وبعد إصدارها العدد الأول أحبت الرجوع إلى الوطن فاستأنفت نشر هذه المجلة المفيدة في بيروت، وقد عاشت خمسة أعوام ثم احتجبت. §
كان هذا الصحافي رئيس كتاب مجلس إدارة جبل لبنان في عهد المتصرفية، وبعدما وضعت الحرب العظمى أوزارها أبعدته الحكومة الفرنسية من وطنه لأسباب سياسية مع بعض أعضاء المجلس المذكور، وقد عينت مركزا لإقامتهم جزيرة كورسكا ثم خففت عنهم تلك العقوبة وأباحت لهم السكنى في باريس. ويعد إلياس الحويك الذي قضى حياته بين الأقلام والمحابر من أفاضل الكتبة، فإنه ألف كتبا شتى نخص بالذكر منها «تاريخ نابوليون الأول» في ثلاثة مجلدات مزينة بمائة وعشرين رسما، وهو أشهر كتاب برز حتى الآن مطبوعا في اللسان العربي عن هذا العاهل العظيم.
مجلات الدولة الألمانية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: برلين العاصمة (1)
مجلة صنائع ألمان وشرق
1923 (2)
الحمامة
محمد صبحي أبو غنيمة
1923
مجلات جزيرة مالطة
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: لافالتا «قاعدة الجزيرة» (1) ⊙
رسالة قلب يسوع المالطية ⋆
1 كانون الثاني 1861
القسم الرابع
في فهارس صحافة أميركا الشمالية والوسطى منذ تكوين الصحافة العربية إلى ختام السنة 1929
الباب الأول
فهارس جميع الجرائد العربية
في أميركا الشمالية والوسطى
يتضمن فهارس جميع الجرائد العربية في أميركا الشمالية والوسطى على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
جرائد الولايات المتحدة الأميركية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة نيويورك (1)
كوكب أميركا *
الدكتور إبراهيم ونجيب عربيلي
15 نيسان 1892 (2)
العصر
نعوم مكرزل
1894 (3)
الأيام
يوسف نعمان المعلوف
3 تموز 1897 (4) ⊙
الهدى ⋆
نعوم مكرزل †
22 شباط 1898 (5)
العالم
جرجي جبور
25 تشرين الثاني 1898 (6)
الإصلاح
شبل ناصيف دموس
1898 (7) ⊙
مرآة الغرب ⋆
نجيب موسى دياب ‡
19 أيلول 1899 (8)
الصخرة
الخوري جبرائيل قرقماز
1 آب 1901 (9)
المحيط
منصور وسليم حداد
1901 (10)
جراب الكردي
أنطون أنسطاس زريق §
24 آيار 1902 (11)
الراوي
سليم سركيس
27 أيلول 1902 (12)
الشمس
الشيخ قيصر الخوري ||
7 تموز 1903 (13)
المهاجر
أمين الغريب ¶
25 تموز 1903 (14)
الجهاد
مارون خليل الخوري وفيليب فارس
تشرين الأول 1904 (15)
الذمام
يوسف محفوظ
7 تشرين الثاني 1904 (16)
الدليل
أسعد الملكي ونجيب بدران
1904 (17)
المنبر
عيد ميخائيل ذيبة
21 كانون الثاني 1906 (18)
بريد أميركا
سلوم مكرزل
1907 (19)
الجامعة (اليومية)
فرح أنطون **
2 كانون الثاني 1907 (20)
الكون
نجيب أنطون صوايا
1907 (21)
المودة (خطية)
نقولا الخوري مجاعص
آذار 1910 (22)
السهام
نجيب نمر قسطنطين
7 حزيران 1910 (23) ⊙
البيان ⋆
سليمان بدور وعباس أبو شقرا
31 كانون الثاني 1911 (24)
الاتحاد
يوسف إلياس يواكيم
10 حزيران 1911 (25)
الهدى (الأسبوعي)
نعوم مكرزل
11 تشرين الأول 1911 (26)
الابتسامة
نسيب كرم
1912 (27) ⊙
السائح ⋆
عبد المسيح عبده حداد
22 نيسان 1912 (28)
الارتقاء
أنطون أنسطاس زريق
5 كانون الثاني 1914 (29) ⊙
النسر
نجيب جرجي بدران
23 شباط 1914 (30) ⊙
الحرب والسلم
نسيب عريضة
تشرين الأول 1914 (31) ⊙
بيت نهرين ⋆
نعوم فائق ††
8 نيسان 1916 (32) ⊙
الشعب
يوسف مراد الخوري
1917 (33) ⊙
الفتاة ⋆
شكري بخاش ‡‡
1917 (34) ⊙
سوريا الشهيدة
لجنة إعانة منكوبي سوريا ولبنان
5 نيسان 1918 (35)
حويودو (الاتحاد) §§
الجمعية الوطنية الآثورية الكلدانية
28 آيار 1921
ثانيا: مدينة بوسطن (1)
البستان
سليم سركيس
كانون الأول 1903 (2)
سوريا الجديدة
الدكتور نسيم خوري
25 تشرين الأول 1910 (3)
فتاة بوسطن
إبراهيم خوري
2 نيسان 1914 (4)
الجامعة السورية
الجامعة السورية في بوسطن
15 آيار 1922 (5)
الرسول
وديع شاكر
3 تموز 1923
ثالثا: مدينة دترويت (1)
الحرية
نسيب عامر وهبة
17 آب 1921 (2)
الدفاع العربي
محمد المحيسن ومحمد حسن خروب
1 تشرين الأول 1921 (3)
الاتحاد
يوسف إلياس يواكيم
1925 (4)
الصباح
يوسف قهوجي
1926 (5)
لسان العدل
شكري كنعان
6 آب 1926
رابعا: مدينة لورنس ماس (1)
الإقبال
يوسف صليبا وغصن غصن
نيسان 1903 (2)
الوفاء
يوسف مراد الخوري وفريد غصن
كانون الثاني 1907 (3)
الفجر
فريد غصن
1921
خامسا: مدينة فيلادلفيا (1)
الوطنية
نعوم مكرزل
1 كانون الأول 1899
سادسا: مدينة سانت لويس (1)
المعرض
سليم شاهين |||
1 أيار 1904
سابعا: مدينة فول رفرماس (1)
الإنسانية
إسكندر أبي سمعان
1915
ثامنا: مدينة منيابوليس (1)
الأمة
إبراهيم منصور منعم
1915 *
هي أول جريدة عربية ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية بل في العالم الجديد كله، وقد قاسى منشئاها مصاعب جمة ومتاعب كثيرة في سبيل مشروعهما؛ لخلو تلك الديار البعيدة من مهيئات المطابع العربية ومرتبي حروفها؛ لأن الدولة العثمانية منعت بأمر سلطاني بيع الحروف العربية وتصديرها إلى البلاد الأجنبية، فاضطرا إلى اتخاذ وسائل فعالة لبلوغ أمنيتهما، وكان أقوى مساعد لهما سفير الولايات المتحدة الأميركية في عاصمة بني عثمان، وهكذا تيسر لهما بعد عناء شديد وصبر طويل استحضار الحروف العربية من بيروت مع مرتبيها بأجرة مكفولة، نذكر منهم يوسف الحاج اللبناني صاحب مطبعة السلام في مدينة القاهرة، وكانت جريدة «كوكب أميركا» في أول عهدها تنشر في اللغتين العربية والإنكليزية مزينة بالرسوم الشرقية وصور مشاهير الرجال، وكانت تكتب المقالات الضافية عن الشعب الأميركي النشيط وعن أحوال الشرق الأدنى وأخباره وعادات أهله نفيا لما كان ينقله السياح الأميركيون عن الشرقيين من الروايات المخالفة للحقيقة، فإن فريقا من سكان أميركا كانوا إلى ذاك الحين يظنون الشرقيين من المتوحشين أكلة لحوم البشر أو من الأمم التي لا يهنأ لها عيش إلا بالقتل والسلب والنهب، لكنهم تبدلت أفكارهم بما كانوا يقرءونه على صفحات «كوكب أميركا» عن الأراضي المقدسة وعن أهل الشرق من الفصول الممتعة التي توضح جليا فضل أبناء بلادنا وكرمهم واجتهادهم في سبيل العلم والحضارة. ولهذه الجريدة فضل عظيم في تمهيدها سبل العلاقات التجارية بين سوريا والعالم الجديد، وها أن أبناء وطننا في المهجر يجنون الآن ثمرة تلك المساعي الطيبة المشكورة، وكانت خطتها معتدلة حرة المبدأ تنشر الأخبار الصادقة وتنقلها إلى القراء على علاتها بلا تحيز ولا تحزب؛ ولذلك أحرزت مقاما رفيعا بين رصيفاتها العربيات وانتشرت انتشارا عظيما في السلطنة العثمانية والعالم الإسلامي وسائر أنحاء المعمورة؛ لأن الناطقين بالضاد كانوا تواقين إلى معرفة أحوال البلاد الأميركية، كما أن الأميركيين كانوا راغبين في الوقوف على أخبار الشرق والشرقيين، واشتهر «كوكب أميركا» في وصف معرض شيكاغو سنة 1893 وإذاعة رسوم أبنيته واستنهاض همم اللبنانيين والسوريين للاشتراك فيه، وبعد وفاة المرحوم نجيب عربيلي عام 1907 استقل أخوه الدكتور إبراهيم بإدارة الجريدة حتى اشتراها منه سعيد بن يوسف شقير، وما لبثت أن احتجبت في عامها السابع عشر مسجلة لها ذكرا خالدا على كرور الأحقاب. وخلاصة القول أن هذه الصحيفة خدمت الجالية اللبنانية السورية في المهجر بكل أمانة ولم تترك موضوعا مفيدا إلا طرقت بابه أو اختراعا حديثا إلا شرحته. ومن مزاياها أنها كانت تتحامى ذكر الأخبار الجارحة التي تحط من كرامة أهل بلادنا في عيون الغربيين. أما الكتبة الذين ساعدوا في إنشاء فصولها وتحبير مقالاتها فنذكر منهم: نجيب دياب صاحب جريدة «مرآة الغرب»، والمعلم عبد الله جبور، وسعيد شقير، وإلياس الحاج، وإبراهيم الرحباني وغيرهم. وكان الدكتور إبراهيم عربيلي (1852-1922) باكورة الأطباء الذين تخرجوا في الجامعة الأميركية ببيروت ونالوا شهادتها الطبية، وقد خلف آثارا علمية شتى أهمها كتاب «حل العقدة بملخص الإفادة في إنتاج الأولاد حسب الإرادة»، ولهذا السفر المفيد نسخة في دار الكتب الكبرى ببيروت أهداها إليها المؤلف وكتب عليها بخط يده. †
ظهر «الهدى» بتاريخ 22 شباط 1898 بشكل مجلة شهرية في مدينة فيلادلفيا، وبعد مرور زمن يسير نقلت إدارته إلى نيويورك وحوله منشئه حينذاك إلى جريدة نصف أسبوعية ثم إلى جريدة يومية في ثماني صفحات كبرى، وهي الجريدة الأولى التي صدرت يومية في العالم الجديد، واستمرت على هذه الحال حتى الآن رغم المصاعب التي تحول دون ثبات الصحف العربية في المهجر، وقد وصفتها جريدة «الإخاء» في حماة بقولها: «هي عروس الجرائد العربية بلا منازع.» وللهدى مميزات كثيرة لا تجتمع في أية جريدة عربية أخرى جعلت انتشارها عظيما بين القراء والإقبال عليها كبيرا من المعلنين، وقد بذل صاحبها النفس والنفيس في كل ما يعود على المشتركين بالفائدة غير مبال بما ينجم عن ذلك من الخسائر. وبيانا لعلو منزلة هذه الجريدة وشهرة مؤسسها في عالم الصحافة نورد فقرة من مقالة نشرتها جريدة «أبو الهول» في سان باولو بتاريخ 1 كانون الأول 1913 قالت:
نعوم مكرزل هو أمير من أمراء الإنشاء العربي، بل فريد من نوابغ اللبنانيين، بل رجل يوجد من اللاشيء شيئا ومن الضعف قوة. إن الطوارئ التي طرأت على هذا الرجل لهي كافية لتوهن عزائم أعظم رجل أوروبي وتذهب به إلى أعماق الأبدية، أما نعوم مكرزل فمن الذين يعاركون الدهر والدهر يعاركهم إلى أن يتغلب هو عليه، تغلب نعوم مكرزل على الدهر بأمور كثيرة وكان يصحب هذا التغلب تجلد وصبر وعزم وحزم وثبات. نعوم مكرزل في مكتبه كأمير في إمارته تهتز لصرير قلمه أفئدة الألوف، ويأسر بقوة عارضته وفصاحة بيانه كثيرا من الناس، فهو من هذا القبيل كاتب فصيح وشاعر مجيد وصحافي قدير. وجملة القول أن الأستاذ مكرزل مفخرة من مفاخر لبنان علما وإخلاصا وكرما وإنه «النمر اللبناني» كما يدعوه إخواننا في العالم الجديد. ولقد دعاه إخلاصه لوطنه الأول «لبنان» أن يزايل مركز أشغاله في نيويورك متجها إلى عاصمة فرنسا ليبذل قصاراه في تحقيق الأماني الوطنية ويسعى في تنفيذ بعض الإصلاحات العائدة بالخير والفائدة على لبنان، وقد شعر وهو في باريس بداء كان يشعر به منذ أعوام شتى، فأشار عليه نطس الأطباء بإجراء عملية جراحية، وعلى أثرها قضى نعوم مكرزل في 7 نيسان 1932 مأسوفا عليه ومذكورا بجهاده الطويل رحمه الله، وقد تولى بعده إدارة «الهدى» شقيقه سلوم مكرزل فكان خير خلف لخير سلف، وهو في ديار المهجر من صفوة أبناء وطننا المبرزين في صناعتي الطباعة والإنشاء. ‡
إذا أحصينا أسماء صحفنا في ديار الهجرة كانت «مرآة الغرب» من أقدم الجرائد التي رسخت رسوخ الجبال رغم ما اعترضها في حياتها الطويلة من المصاعب الجمة والحوادث المهمة، وإذا تحرينا أفاضل الكتاب كان السيد نجيب موسى دياب اللبناني من مشاهير الأسرة الصحافية في العالم الجديد، فإنه تطوع لخدمتها منذ عام 1893 حين تولى تحرير جريدة «كوكب أميركا» جدة جميع الصحف العربية في تلك الأصقاع النائية، وله فيها وفي جريدته «مرآة الغرب» مواقف مجيدة دفاعا عن وطنه ضد مظالم الأتراك الذين استصدروا أمرا سلطانيا سنة 1903 بإعدامه وحجز أملاكه في لبنان، لكن سفير الولايات المتحدة الأميركية في الآستانة اهتم للمسألة ورفع الحجز وأجبر الحكومة العثمانية على اعتبار ممتلكات نجيب دياب أميركية، ولما أعلن الدستور العثماني سنة 1908 كان اسم صاحب «مرآة الغرب» في قائمة المجرمين السياسيين الذين شملهم العفو السلطاني، وجرت مناقشات خطيرة بين هذه الجريدة وبين جريدة «الهدى» النيويوركية أدت إلى التنافر بين الفريقين، وقد انشطرت حينئذ الصحافة العربية في الولايات المتحدة إلى شطرين: أحدهما ماروني بزعامة نعوم مكرزل منشئ «الهدى» والآخر أرثوذكسي يرأسه نجيب دياب مؤسس «مرآة الغرب»، فاشتبكت المجادلات وكان لكل منهما جرائد تضرب على وتره وتحارب خصومه، وكانت أسباب ذلك حزازات شخصية انقلبت إلى تعصبات طائفية ومماحكات موجعة كادت لا تحمد عاقبتها لو لم تتداركها حكمة بعض أبناء الوطن، فإن هؤلاء سعوا للتوفيق بين الفريقين المتخاصمين حتى أعادوا المياه إلى مجاريها. ومن أشهر الكتبة الذين حرروا في «مرآة الغرب» ووقفنا على أسمائهم نذكر: الشيخ عباس أبو شقرا، وأسعد حاماتي، وعيسى الخوري، وأمين ظاهر خير الله، ووليم كتسفليس، وجبران خليل جبران، وسليم الخازن، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم. ولما عقد المؤتمر العربي الأول سنة 1913 في باريس سافر إليه نجيب دياب مندوبا من جمعية الاتحاد السوري في أميركا ليمثلها فيه، فألقى هناك خطابا ممتعا طبع في أعمال هذا المؤتمر، وقد اقترح إضافة بند في مقررات المؤتمر يحظر على أعضائه قبول أية وظيفة في الدولة العثمانية قبل الفوز بالإصلاحات المطلوبة. §
ينتسب إلى أسرة زريق في طرابلس الفيحاء، رحل في عنفوان العمر إلى مدينة نيويورك حيث اشتغل بالصحافة وكان يندد بمساوئ الأتراك على صفحات جريدته، وقد ساقته الأقدار إلى وطنه قبيل الحرب العظمى لقضاء مدة من الزمان بين الأهل والأصدقاء، فلما نشبت الحرب تعذر عليه الرجوع إلى أميركا لانقطاع المواصلات والأسفار برا وبحرا، فتحين الأتراك فرصة وجوده في بلادهم للانتقام منه، وما عتم أن حاكموه بالديوان الحربي في عاليه ثم أعدموه هناك مع شقيق له رميا بالرصاص. ||
ينحدر صاحب هذه الجريدة من مشايخ آل الخوري في رشميا بلبنان، وهو كاتب أديب هام بالقريض فنظم كثيرا من القصائد التي لو جمعت لتألف منها ديوان شعر كبير، وقد شاء تلطفا منه أن يقرظ كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» بثلاثة أبيات ضمن الشطر الأول منها تاريخا لسنة 1913 حين ظهور الجزأين الأول والثاني من الكتاب المشار إليه، وضمن الشطر الثاني من تلك الأبيات تاريخا لسنة 1914 عندما باشرنا طبع الجزء الثالث منه، قال:
كتاب حافظ الأعصار حق
تقاد به الحقيقة قد تسطر
1913
1914
يشير إلى اقتدار بدر تم
ببشر نهاية كشريف مصدر
1913
1914
وقد ختم الدعا فالشكر يبدي
لفيليب بسر نظم قيصر
1913
1914 ¶
لهذا الصحافي القديم العهد أساليب خاصة في الإنشاء يستحسنها جمهور الأدباء، باشر حياته الصحافية في نيويورك بنشر جريدته «المهاجر» التي عاشت سبعة أعوام وانتقلت من بعده إلى الشاعر الهزلي الشهير أسعد رستم، ثم دعاه حب الوطن إلى تعاطي مهنته فيه فأنشأ في بيروت جريدة «الحارس » التي ظهرت بتاريخ 3 تشرين الثاني 1910 واحتجبت بعد أربع سنوات عندما نفاه الأتراك ظلما إلى بر الأناضول أثناء الحرب العظمى، ولما وضعت هذه الحرب أوزارها رجع إلى بيروت فاستأنف في 15 آيار نشر «الحارس» بشكل مجلة ولم يزل، ولأمين الغريب آثار أدبية شتى تشهد ببراعته في عالمي الصحافة والتاريخ.
كان سلوم معاونا لشقيقه نعوم مكرزل في إدارة «الهدى» ومطبعته في أول عهدهما، ولما استقل بأشغاله أنشأ في 1 شباط 1910 مجلة «العالم الجديد» التي استبدلها في 1 كانون الأول 1918 بمجلة أخرى عنوانها «المجلة التجارية»، وقد أوقفها سنة 1927 لينشر مجلته الإنكليزية
Syrian World
متوخيا فيها فائدة بني وطنه الذين يجهلون لغتهم العربية في ديار الهجرة، وبعد وفاة أخيه نعوم حل محله في إدارة «الهدى» كما سلف الكلام. **
هو أديب كبير نشأ في طرابلس الفيحاء وأصدر مجلة «الجامعة» بتاريخ 15 آذار 1899 في الإسكندرية، وبعد زمن يسير نقلها إلى القاهرة فنالت نصيبا وافرا من الشهرة، ثم طمحت نفسه إلى تعزيز مهنة الصحافة العربية بين أبناء قومه في العالم الجديد، فارتحل إلى نيويورك وأصدر «الجامعة» بتاريخ 2 كانون الثاني 1907 جريدة يومية وجريدة أسبوعية ومجلة شهرية، وعلى رغم انتشار «الجامعات» الثلاث هناك لم تكن مواردها لتوازي العناية بها، فعاد فرح أنطون إلى مصر التي قضى عهد الشبيبة فيها عاقدا النية أن يخدم هذه البلاد عن طريق السياسة لا عن طريق العلم، فجعل يشتغل في الصحافة، وتقلب في معظم الصحف المصرية يكتب فيها كاللواء والبلاغ المصري والشعب والأهالي ومصر الفتاة وغيرها، وخلف فرح أنطون آثارا أدبية شتى تخلد ذكره في بطون التاريخ، وهو أول من أدخل النوع الغنائي الراقي في فن التمثيل العربي. ††
كانت جريدة «بيت نهرين» تصدر في اللغات السريانية والتركية والعربية بعناية منشئها الذي كان من أعلام اللغة الآرمية، وكان القسمان العربي والتركي منها يطبعان أيضا بحروف سريانية أي كرشونية وظلت كذلك إلى حين وفاة مؤسسها الطيب الأثر نعوم فائق سنة 1930. ‡‡
كان السيد شكري بخاش قد أصدر بتاريخ 3 كانون الأول 1910 جريدة «زحلة الفتاة» بالاشتراك مع زميله إبراهيم الراعي في وطنهما زحلة، وقد سافر أولهما إلى أميركا وما كاد يصل إليها حتى وقعت الحرب العظمى، فاضطر أن يبقى هناك حيث انتهز الفرصة لإصدار جريدته بعنوان «الفتاة»، وعلى أثر انتهاء الحرب المذكورة رجع إلى مسقط رأسه واستأنف إصدار جريدة «زحلة الفتاة» التي تعد من أهم جرائد جبل لبنان وأوسعها انتشارا، وقد عول على إعادة إصدار جريدة «الفتاة» منفردا بعد أن أصبحت «زحلة الفتاة» لزميله إبراهيم الراعي يحررها نجله الأستاذ راجي الراعي. §§
بلغت هذه الجريدة منتهى الإتقان وكانت تطبع باللغات الثلاث: السريانية والعربية والإنكليزية. |||
هو سليم بن شاهين سركيس اللبناني، الذي مر ذكره في فهارس صحف الإسكندرية والقاهرة ولندن ونيويورك وبوسطن، وسبب إسقاط كنيته هنا أنه كان فارا من وجه الأحكام التي أصدرتها عليه الدولة العثمانية ومحكمة مصر لنشره المقالات المشحونة بالطعن في السلطان عبد الحميد الثاني ورجال سلطنته المستبدين، وقد أسهبنا الكلام عن سليم سركيس في [الكتاب الثاني - الصحافة العثمانية - الباب الأول] من هذا الكتاب.
جرائد كندا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة منتريال (1)
الشهاب
ميخائيل ناصيف زربطاني
1909 (2)
المكتب الكندي
م. ج. صباغ
1910 (3)
البومبا
1910 (4)
جريدة العالمين *
الخوري أفتيموس عفيش وحافظ عبد الملك
1 تشرين الأول 1910 *
خدم الخوري أفتيموس عفيش كنيسة الروم الأرثوذكس في منتريال ردحا من الزمان، ثم ارتقى إلى الكرامة الأسقفية على كرسي بروكلين نيويورك للملة المشار إليها بعد وفاة السيد رافائيل هواويني مؤسس الكرسي المذكور، وقد أنشأ السيد أفتيموس في كانون الثاني 1926 مجلة «اليتيم» التي وقفها لمنفعة الميتم السوري في أميركا، وبعد سنتين من التاريخ المذكور أبطلها وأصدر مجلة «الحق» التي جعلها لسان حال الفرع السوري للكنيسة الأميركية الأرثوذكسية الجامعة، وفي 16 نيسان 1933 عقد زواجه على الفتاة مريم نعمة خلافا لقوانين الكنيسة وتقاليدها؛ لأنه ما سمع قط في تواريخ النصرانية شرقا وغربا قديما وحديثا أن مطرانا جمع بين التاج والزواج، وقد صرح المطران أفتيموس عفيش تبرئة لعمله أن ليس من شريعة تحرم عليه الزواج لأن الزواج سر من أسرار الكنيسة. هكذا جاء ببدعة جديدة أثبتت أن عمله ليس من الحكمة في شيء ، فثار غضب أبناء ملته عليه بعدما نبذوا طاعته وأعلنوا تنزيله من الرئاسة وأسقطوا اسمه من الذبتيخا، ثم مزق بعضهم رسمه وداسوه بأرجلهم دفاعا عن شرف الكهنوت وقياما بواجباتهم كأرثوذكسيين حقيقيين، وبداعي هذا العمل الشاذ أذاع ألكسندروس الثالث بطريرك أنطاكية الأرثوذكسي بتاريخ 2 حزيران 1933 منشورا قطع فيه المطران أفتيموس من كل خدمة دينية ومن كل صلة بالكهنوت.
جرائد جمهورية المكسيك
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مكسيكو العاصمة (1)
السهام
ميخائيل جرجس الباشا
7 كانون الثاني 1905 (2)
الشرق
عقل البشعلاني *
1906 (3)
صدى المكسيك
سعيد فاضل عقل †
1908 (4)
الخواطر
يوسف صالح الحلو
24 تموز 1908 (5)
المطامير
عقل البشعلاني
20 تشرين الأول 1909 (6)
الصاعقة
يوسف مسلم
1910 (7)
القضاء
فيليب جرجي بدران
1910 (8) ⊙
العصر الجديد
خليل ضاهر
1918 (9)
بريد الشرق وأميركا
الدكتور يوسف شمونتي
20 تموز 1921 (10)
العلم
يوسف صالح الحلو
كانون الأول 1921 (11)
الغربال
يوسف مسلم
تشرين الثاني 1923 (12)
الرفيق
محبوب الشرتوني
1925 (13)
الاتحاد السوري ⋆
شكري بعقليني
1926 (14)
الخواطر (غير الأولى) ⋆
يوسف صالح الحلو ‡
7 تشرين الثاني 1924 (15)
المسامير ⋆
حليم بشارة نصار
7 أيلول 1926 *
نشأ هذا الصحافي بلبنان، ولما حدثته نفسه بهجرة مسقط رأسه رحل إلى مرسيليا حيث أنشأ في 1 آب 1905 مجلة «مطامير لبنان» التي عاشت شهورا، وبعد ذلك شخص إلى المكسيك فاشتغل هناك بالصحافة حتى وفاته، وقد أصدر في عاصمة تلك الجمهورية جريدتين: أولاهما «الشرق» عام 1906، وثانيتهما «المطامير» في 20 تشرين الأول 1909. †
ينتسب إلى أسرة عقل في الدامور، وقد عاد من هجرته في بلاد المكسيك إلى لبنان مسقط رأسه سنة 1910، حيث اشتغل بالصحافة وأسس جريدة البيرق المشهورة، ونظرا لجرأته في الكتابة اتهمه الترك بخيانة دولتهم فأعدموه شنقا في بيروت أثناء الحرب العظمى تاركا من بعده نجلا وحيدا، وأطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة اللبنانية إقرارا بفضله وتخليدا لذكره، ونبغ من أسرته بعض الأدباء والشعراء نخص بالذكر منهم: السيد وديع عقل رئيس المجمع العلمي اللبناني سابقا ومنشئ جريدة «الراصد» البيروتية، والسيد أسعد عقل صاحب جريدة «البيرق» ومراسل جريدة الأهرام المصرية، والمحاميان الأستاذ سليم عقل والأستاذ جورج عقل، والسيد أديب عقل من موظفي دار الكتب الأهلية في بيروت، وغيرهم. وكان الشهيد سعيد فاضل عقل من نوابغ الصحافيين وصفوة حملة الأقلام في عصره، وكان ينظم الشعر الجيد ارتجالا بلا أدنى تكلف، فإنه لما اطلع على كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» نظم من فوره البيت التالي، قال:
إن الصحافة تاريخ البلاد وقد
جعلت سفرك للتاريخ تاريخا ‡
صدرت «الخواطر» المكسيكية بشكل جريدة مرتين: أولاهما في 24 تموز 1908، وثانيتهما بتاريخ 7 تشرين الثاني 1924، ثم حولها منشئها في أيلول 1931 إلى مجلة مصورة، وتعد «الخواطر» بلا جدال أرقى صحيفة عربية ظهرت في جميع أنحاء جمهورية المكسيك بهمة مؤسسها الفاضل الأديب ورئيس تحريرها السيد يوسف بن صالح الحلو اللبناني.
الباب الثاني
يتضمن فهارس جميع المجلات
العربية في أميركا الشمالية والوسطى على الإطلاق
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
مجلات الولايات المتحدة الأميركية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة نيويورك (1)
الدائرة
عيسى ميخائيل الخوري
1 أيار 1900 (2)
الفكاهة
سعيد شقير
تشرين الثاني 1901 (3)
الكلمة
الأسقف رفائيل هواويني
1 كانون الثاني 1905 (4)
الدر المختار
نعمة ساروفيم
1 تموز 1908 (5)
الحكمة
الخورفسقفوس خير الله إسطفان
1 أيار 1909 (6)
العالم الجديد
سلوم مكرزل
1 شباط 1910 (7)
الصحة
يوسف يبرودي
1 آب 1912 (8)
العالم الجديد النسائي *
عفيفة كرم
أيلول 1912 (9)
الفنون
نسيب عريضة ونظمي نسيم
1 نيسان 1913 (10)
الحق
طالب خير الله
1916 (11)
المجلة التجارية
سلوم مكرزل
1 كانون الأول 1918 (12)
الأخلاق ⋆
يعقوب روفائيل
1 كانون الثاني 1920 (13)
البرهان
رشيد تقي الدين وعباس أبو شقرا
1 تشرين الأول 1920 (14)
برج المراقبة
1924 (15)
اليتيم ⋆
المطران أفتيموس عفيش
1 كانون الثاني 1926 (16)
الحق †
المطران أفتيموس عفيش
1 كانون الثاني 1928 (17)
السمير ⋆
إيليا أبو ماضي ‡
15 نيسان 1929
ثانيا: مدينة دترويت (1)
ساحة علي
نسيب عامر وهبة
1913 (2)
الحرية
نسيب عامر وهبة
4 تموز 1920
ثالثا: مدينة بوسطن (1)
الحياة
حنا خليل الهندي
1915 (2)
فتاة بوسطن
وديع شاكر
1 تموز 1919 (3)
العروس
طانيوس سليمان الكفرحلداوي
1 كانون الثاني 1920
رابعا: مدينة كليفلند-أوهايو (1)
الزهرة
سليم العازار
1906 (2)
المعارف
أنيس جريج
1 آب 1910
خامسا: مدينة لورنس ماس (1) ⊙
الروضة
بطرس شعيا وعزيز فرنسيس
تشرين الثاني 1917
سادسا: مدينة تريهوت أنديانا (1)
الخالدات ⋆
الخوري إيليا الحاماتي والأرشمندريت أنطونيوس بشير
تشرين الثاني 1927
سابعا: مدينة واشنطون (1)
العاصمة ⋆
إلياس يوسف وجرجي حلو
1 كانون الثاني 1928 *
عرفت أولا هذه المجلة الراقية بعنوان «العالم الجديد» عندما كانت بعهدة مؤسسها سلوم مكرزل، وفي شهر أيلول 1912 تحول امتيازها إلى السيدة عفيفة كرم التي استقلت حينذاك بالإدارة والتحرير وجعلت عنوان مجلتها «العالم الجديد النسائي»، وهي أول مجلة عربية نسائية ظهرت في جميع الأقطار الأميركية بعناية هذه الكاتبة اللبنانية. وتنتسب السيدة عفيفة إلى أسرة كرم في قرية «كفر شيما» التي أنجبت كثيرا من ذوي الفضل كآل اليازجي وشبيل ونقلا وشدودي وكسباني وغيرهم، وقد مر بنا في [الكتاب الأول - الباب الثاني] ذكر بعض أفراد هذه الأسر التي رفعت لواء العلم عاليا بين الناطقين بالضاد في كل صقع وناد. †
طالع ما أثبتناه عن المطران أفتيموس عفيش في فهرس جراند كندا [الكتاب الرابع - القسم الرابع - الباب الأول]. ‡
هذا الأديب الكبير غني عن التعريف، وهو من مشاهير حملة الأقلام الناطقين بالضاد في أميركا الشمالية، فإنه اشتغل في أهم صحفها ونشر ديوان شعر نفيس ينم عن علو كعبه في هذه الصناعة، ومجلته «السمير» تعد في هذا الزمان من أوسع المجلات العربية انتشارا في العالم الجديد.
مجلات كندا
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة منتريال (1)
الملح
الخوري فيلبس جرو
1906 (2)
النور
الخوري فيلبس جرو
1907
مجلات جمهورية المكسيك
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مكسيكو العاصمة (1)
المطامير
عقل البشعلاني
1909 (2)
سوريا المتحدة
الدكتور يوسف شمونتي
15 آذار 1919
القسم الخامس
في فهارس صحافة أميركا الجنوبية منذ تكوين الصحافة العربية إلى ختام السنة 1929
الباب الأول
فهارس جميع الجرائد العربية
في أميركا الجنوبية
يتضمن فهارس جميع الجرائد في أميركا الجنوبية على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
جرائد جمهورية البرازيل
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: ريو دي جانيرو العاصمة (1)
الرقيب
أسعد خالد ونعوم لبكي
17 كانون الأول 1896 (2)
الصواب *
الشيخ حبيب الخوري وميخائيل مراد
1 كانون الثاني 1900 (3) ⊙
العدل ⋆
شكري جرجس أنطون †
5 تشرين الثاني 1901 (4)
الشبيبة السورية
جمعية الشبان السوريين
تشرين الثاني 1903 (5)
الحرية
بطرس حنا جعارة ويوسف بدوي
1 أيلول 1908 (6)
البريد
يوسف ناصيف ضاهر
15 أيار 1909 (7)
الشدياق
جورج شدياق
1 نيسان 1910 (8)
الغربال
11 شباط 1911 (9)
المنطاد
زوين يوسف زوين
3 تموز 1912 (10)
الحمراء
إلياس طعمة
15 نيسان 1913 (11) ⊙
فتى الشرق
عبده فارس أبي راشد
26 نيسان 1914 (12) ⊙
أرزة لبنان ⋆
يوسف أيوب الحتي ‡
16 تشرين الثاني 1916 (13) ⊙
سوق عكاظ
جورج شدياق
1916 (14) ⊙
سوريا الجديدة
حبيب حنون
1 تشرين الأول 1918 (15)
حمارة بلدنا
يوسف ناصيف جرجس
23 شباط 1919 (16)
التساهل
جورج شدياق
1919 (17)
الماشطة
1919 (18)
سائق الحمارة
جورج شدياق
22 نيسان 1919 (19)
الكلمة الحرة
حبيب بمبينو
17 حزيران 1919 (20)
الإخلاص
جرجي قصاص وجبرائيل شامي
1 أيلول 1919 (21)
العاصمة
منير اللبابيدي §
26 أيلول 1919 (22)
الهراوة الصفراء
جرجي حبيب الصيداوي
26 كانون الأول 1919 (23)
المبرد
1919 (24)
الميماس
أنطون شكور
1 كانون الثاني 1920 (25)
لبنان الكبير
يوسف ناصيف
تشرين الثاني 1920 (26)
الاستقلال
محمد زينو
15 تشرين الأول 1921 (27)
جمعية أرزة لبنان
جمعية أرزة لبنان
1 تشرين الثاني 1922 (28)
النهضة
حبيب حنون وشركاؤه
كانون الأول 1922 (29)
النجوم
إلياس أبو ناضر
كانون الثاني 1924 (30)
الأرزة ⋆
جمعية أرزة لبنان ||
1926
ثانيا: مدينة سان باولو (1)
الأصمعي
خليل ملوك وشكري الخوري
12 أيار 1898 (2)
المناظر ¶
نعوم لبكي وفارس سمعان نجم
9 شباط 1899 (3)
خلايا النحل
نعوم لبكي
15 تموز 1901 (4)
المنارة
الجمعية الخيرية المارونية
14 أيلول 1901 (5)
الرموز
رشيد الخوري
أيلول 1902 (6) ⊙
الأفكار ⋆
الدكتور سعيد أبو جمرة
24 كانون الثاني 1903 (7) ⊙
أبو الهول ⋆
شكري الخوري **
1 أيار 1906 (8)
بشراي
خليل يوسف سعد
تشرين الأول 1906 (9) ⊙
الميزان ⋆
أسطفان وجورج غلبوني
1909 (10)
الحديقة
قيس لبكي
28 كانون الثاني 1909 (11) ⊙
الوطن ⋆
إبراهيم وإلياس فرح
1910 (12)
الجديد
نجيب طراد وفارس نجم
2 كانون الأول 1911 (13)
الأمازون
فارس دبغي
17 تشرين الأول 1912 (14) ⊙
الفرائد
إبراهيم شحادة فرح
10 كانون الثاني 1913 (15) ⊙
القلم الحديدي ⋆
جورج حداد ††
15 حزيران 1913 (16) ⊙
أميركا
إسكندر شاهين ‡‡
18 تشرين الأول 1913 (17)
المقرعة
سليم لبكي
11 شباط 1914 (18) ⊙
فتى لبنان ⋆
رشيد عطية
13 تموز 1914 (19) ⊙
النهضة اللبنانية
جمعية النهضة اللبنانية
21 تموز 1914 (20) ⊙
البرازيل ⋆
جورج مسرة
10 آذار 1915 (21) ⊙
العثماني
قيس لبكي
1915 (22)
الزهراوي
جورج أطلس
14 أيلول 1916 (23)
النحلة
داود جرجس الخوري
تشرين الثاني 1916 (24) ⊙
المؤدب
نجيب قسطنطين حداد
1917 (25) ⊙
الصاعقة
ميخائيل دحروج
أيلول 1917 (26) ⊙
النهضة اللبنانية (غير الأولى)
جمعية النهضة اللبنانية
16 نيسان 1918 (27) ⊙
الإكرام
لجنة إكرام السوريين للبرازيل
15 حزيران 1918 (28)
الرائد ⋆
نجيب قسطنطين حداد
15 نيسان 1919 (29)
الاتحاد العربي
جورج ميخائيل أطلس
23 آب 1919 (30)
النجمة السورية
نجيب عزيز صفدي
23 آب 1919 (31)
الجريدة
الدكتور خليل سعادة
آب 1920 (32)
السياسة
سليم شديد عقل
22 كانون الثاني 1921 (33)
الجالية ⋆
سامي يواكيم الراسي
26 حزيران 1922 (34)
الوطن الحر
الحزب الوطني السوري
1923 (35)
نشرة الرابطة الوطنية السورية ⋆
الرابطة الوطنية السورية
1927 (36)
الشرق ⋆
موسى كريم §§
1 نيسان 1928 (37)
الدليل ⋆
توفيق ضعون
نيسان 1928 (38)
الرابطة ⋆
الرابطة الوطنية
1 كانون الثاني 1929 (39)
الجعبة ⋆
بطرس الزغبي
1929
ثالثا: مدينة مناوس (1)
السهام
جورج إسحق يارد
4 كانون الأول 1912 (2)
أبو النواس
جورج إسحق يارد
1915 (3)
المراقب
هنري ضو
20 كانون الأول 1920
رابعا: مدينة بورتو إليكري (1)
الفوائد
سليمان الزغبي
نيسان 1909 (2) ⊙
الرقيب
إلياس طربيه ويوسف نحاس
15 كانون الأول 1917
خامسا: مدينة بلو أوريزنتي (1)
الاستقلال
الجمعية العربية
1 آب 1910
سادسا: مدينة كمبيناس (1)
الفيحاء |||
سليم ودعيبس بالش
28 تشرين الأول 1894
سابعا: مدينة سانتوس (1)
البرازيل ¶¶
سليم بالش وأنطون النجار
2 نيسان 1896
ثامنا: مدينة كمبوس (1)
الفجر
جورج حداد وناصر شاتيلا
1 تشرين الأول 1911
تاسعا: مدينة سلطو أورينتال (1)
أمنية العرب
نجيب يوسف عازوري
15 تشرين الثاني 1913
عاشرا: مدينة نيكتيراو (1)
لبنان الكبير
نعمان العندرافيلي
1 أيلول 1921
حادي عشر: مدينة أوليفايرا (1)
الإصلاح
سعيد مطر ونجيب العسراوي
29 كانون الثاني 1921
ثاني عشر: مدينة بوا (1)
الخربر
عباس طربيه
1921 *
ظلت هذه الجريدة عائشة حتى أوائل عام 1909؛ حيث احتجبت لما لحق بصاحبها ميخائيل مراد من الخسائر الفادحة؛ لأن شريكه الشيخ حبيب الخوري تركها عند نهاية سنتها الأولى بدسيسة من السلطان عبد الحميد الثاني، فنقلت إدارة «الصواب» من ريو دي جانيرو إلى مدينة بلواوريزنتي منذ غرة أيلول 1909، ثم انطفأ نبراس حياتها في 11 شباط 1911. †
جريدة «العدل» هي الأولى والوحيدة التي توفقت إلى بلوغ يوبيلها الفضي بين جميع صحف مدينة ريو دي جانيرو العربية، وثباتها إلى يومنا هذا في عالم النشر أكبر دليل على رضا القراء عن الخطة القويمة التي اتبعها منشئها الفاضل منذ عهد تأسيسها. ‡
برزت «أرزة لبنان» للوجود بتاريخ 16 تشرين الثاني 1916 في ريو دي جانيرو، ثم نقلها صاحبها إلى بيروت لدى عودته إلى الوطن بعد نهاية الحرب العظمى. §
لهذا الأديب أربع جرائد أنشأها تباعا في أربع عواصم مختلفة وهي: أولا «العاصمة» بتاريخ 26 أيلول 1919 في ريو دي جانيرو عاصمة جمهورية البرازيل، ثانيا «الحضارة» بتاريخ 1 حزيران 1924 في بغداد عاصمة مملكة العراق، ثالثا «الحضارة» وهي غير السابقة بتاريخ 5 حزيران 1927 في بيروت عاصمة الجمهورية اللبنانية، رابعا «المستقبل العربي» بتاريخ 15 كانون الثاني 1922 في روما عاصمة مملكة إيطاليا. ومنير لبابيدي من كتاب بيروت المسلمين الذين اشتغلوا بالأدب في عصرنا الحاضر، أما والده محمد لبابيدي فقد نال قسطا وافرا من الآداب العربية التي درسها على الشيخين العلامتين إبراهيم الأحدب ويوسف الأسير، وهو من جملة الشعراء الذين قرظوا كتابنا «تاريخ الصحافة العربية» فنقتطف من تقريظه الأبيات الآتية وهي:
طرزت يا فيليب أبدع حلة
وبها كسوت نوابغ الأوطان
ألفت تاريخا فكنت مجليا
في حلبة التدقيق والإتقان
صورت من ترجمته ليكون في
دور الحياة على مدى الدوران
هذا هو الأثر العظيم تجمعت
فيه الأعاظم نخبة الأعيان
قوم بصورتهم وسيرتهم معا
تتلذذ العينان والأذنان
لله درك يا بديع زمانه
أيدت ما ألفت بالبرهان
وبذلت جهد المستطيع بهمة
شماء نحمدها بكل لسان
وسلكت أسلوب الحكيم بوضعه
فأتى قويما ثابت الأركان
ومن المحقق أن أعظم خدمة
هي خدمة الإنسان للإنسان ||
اختصرت «جمعية أرزة لبنان» عنوان هذه الجريدة المعروفة باسمها وجعلته «الأرزة» التي ما زالت تصدر حتى الآن، وقد وقفنا على بعض أعداد منها تشير إلى أنها أنشئت في أول تشرين الثاني 1923 حين أنها برزت للوجود في أول تشرين الثاني 1922 كما يتضح ذلك صريحا من العدد الأول المحفوظ في معرضنا الصحافي، فوجب التنبيه إلى هذا الغلط لاستدراكه. ¶
بعد رجوع نعوم لبكي من المهجر إلى لبنان أخذ ينشر جريدة «المناظر» بتاريخ 7 كانون الثاني 1910 في بيروت حيث صدرت زهاء عام كامل، ثم نقل إدارتها إلى قرية بعبدات مسقط رأسه؛ لتكون أقرب إلى المصادر السياسية اللبنانية في ذاك العهد، وقد صرح نعوم لبكي في العدد 996 من «المناظر» عن مبادئ جريدته أنها تدعو الشرقيين إلى الكفر بالعصبية الدينية ليسهل عليهم الأخذ بالرابطة الوطنية ، وقد جاهر بعداوته للطغمة الكهنوتية وللرهبان وللسلطة البابوية حتى اضطر القاصد الرسولي في بيروت إلى إصدار منشور مؤرخ في 11 آب 1912 به يحرم قراءة جريدة «المناظر» ومعاضدتها على جميع الرهبان والشعب الخاضعين لولايته الروحية، ولما أعلنت الحرب العظمى عام 1914 توارى نعوم لبكي عن الأبصار ولجأ إلى أديار الرهبان الذين أساء إليهم في جريدته، فعاملوه بالرفق والمحبة والكرم، وصفحوا عن إساءته لهم عملا بوصية السيد المسيح، وكانت الدولة التركية في الوقت ذاته ساعية في إلقاء القبض عليه ومحاكمته لما كان ينشره على صفحات جريدته من الحقائق الجارحة والمطاعن الكثيرة في حكام الدولة المذكورة، غير أنه تعذر عليها الوصول إليه وإنزال العقوبة به. ولما تألفت حكومة لبنان الكبير بعد استقلاله على يد الجنرال غورو عين عضوا في اللجنة الإدارية، ثم انتخب رئيسا للمجلس النيابي، ولبث في هذه الوظيفة حتى اخترمته المنية رحمه الله تعالى. وقد شاء أصدقاؤه في الوطن والمهجر أن يكرموه بعد وفاته فنصبوا له تمثالا في بعبدات تخليدا لذكره.
احتفى مطالعو «الأفكار» وأصدقاء منشئها في 24 آذار 1928 بعيدها الفضي احتفاء باهرا دل على مكانة الدكتور سعيد أبي جمرة في عالمي الصحافة والطب، ولليوبيل المذكور كتاب لطيف الحجم والشكل جمعت فيه الرسائل والقصائد وكل ما يتعلق بذلك العيد، وصاحب «الأفكار» لبناني الأصل وعضو في المجمع العلمي العربي بدمشق ومنشئ بعض التآليف الجزيلة الفائدة. **
يعد السيد شكري الخوري من أكثر الصحفيين جرأة وأبعدهم همة في سبيل إصلاح وطنه اللبناني، يجول في ميدان السياسة كما يجول في ميادين الأدب والفكاهة، ناهض الاستبداد في الدولة العثمانية قبل إعلان الدستور سنة 1908 فبرهن عن إخلاص المبدأ، وقد وصفته جريدة «الهدى» النيويوركية (عدد 120، السنة 14، في 14 تموز 1911) وصفا ينطبق على حقيقة حاله قالت: «صاحب «أبو الهول» كالأمازون بغزارة مادته، ميزته بطبيعته، وطبيعته كلام مقبول وسهولة جميلة، فهو غير متكلف يقرؤه الخاصة والعامة بإعجاب ولذة، وخير ما فيه أنه لا يدعي بما ليس فيه وأنه يعول على المعاني دون المباني، فقد بعثر اللغوي على أغلاط نحوية وصرفية في سطر واحد دون نفور واشمئزاز؛ ذلك لأن شكري أفندي الخوري من غير أولئك الصحافيين الذين يستكتبون الأدباء فتظهر جرائدهم رقطاء رقشاء، وفي كل عدد ذوق وطريقة مختلفان؛ لأنه لا يدعي اللغة بل يفتخر بطريقة جديدة هو واضعها، أبو الهول جريدة لطائف وفكاهات وجد في معرض الهزل ومبادئ بين الضحك واللعب، وله في كل معترك أدبي موقف يحسد عليه، لا نعرف جريدة يجرح صاحبها الجرح البليغ ويكاد المجروح منه لا يتألم أو إذا تألم فعلى غير حفيظة إلا شكري أفندي الخوري ... فكما أنه من غير المدعين هو أيضا من غير المراوغين، يخز أصدق أصدقائه في سبيل الحقيقة أو ما يعتقده الحقيقة، وينام ملء عينيه إذ يكون خصومه يضجون ويعجون، وهذه هي الجرأة الحقيقية.»
ولصاحب «أبو الهول» مواقف مشرفة في سبيل العلم والوطن، فما عدا التآليف المفيدة التي نشرها نذكر له بالافتخار مساعيه في جمع الأموال الكافية لعمل تمثال الشيخ إبراهيم اليازجي الذي استصنعه في سان باولو وأهداه إلى مدينة بيروت لينصب في إحدى ساحاتها، وقد تألفت في عاصمة لبنان لجنة كنا نحن من أعضائها، غايتها جمع الأموال لتشييد قاعدة التمثال المذكور التي جاءت على أحدث طرز فني، وفي 17 تموز 1924 جرى الاحتفال الرسمي برفع الستار عن هذا التمثال، فألقينا فيه الخطبة الافتتاحية، وكان لشكري الخوري اليد الطولى في التطوع الذي جرى من أبناء لبنان في أميركا لإنقاذ وطنهم من يد الأتراك، وأول فرقة سافرت من ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل تألفت بسعي صاحب «أبو الهول»، وهو الذي اقترح وجوب اشتراك اللبنانيين والسوريين في العيد المئوي (1822-1922) لاستقلال البرازيل، وشكل لجنة من أفاضل الجالية المذكورة للاهتمام بهذا الأمر واختيار نوع الهدية، فقر الرأي على أن يصنع تمثال رمزي يبلغ ارتفاعه أربعة عشر مترا، وينصب في إحدى الساحات العامة من مدينة سان باولو، وهو أعظم تمثال شوهد في البرازيل بعد تمثال الاستقلال في أيبرانكا الذي اشتركت في نفقاته كل طبقات الأمة، وفي ثالث أيار 1928 صار تقديم التمثال الرمزي باسم الجالية اللبنانية السورية رسميا للأمة البرازيلية بمهرجان عظيم، وقد نظم فيه المرحوم فوزي المعلوف الأبيات التالية:
حياك تمثال أصم وأبكم
لو يملك النطق الأصم الأبكم
هو رمز معرفة الجميل وحسبه
في صمته أن الوفا يتكلم
انظر إليه فكل نقش ألسن
للشكر فيه وكل حرف مبسم
يا موطنا رتع الغريب بجنة
فيه فلا يشقى ولا يتظلم
لو أننا صغنا لك التمثال من
ذهب ووشت جانبيه الأنجم
ما كان يمكننا وفاءك منة
سعد الشقي بها وأثرى المعدم
لكن لها في قلب كل مهاجر
صنم يصلي عنده ويسلم ††
هو حفيد الشيخ ناصيف اليازجي وابن شقيقة الشيخ إبراهيم اليازجي. ‡‡
ولد بتاريخ 21 آذار 1865 في بيروت، وكان والده جرجس شاهين من المشتغلين بالأدب وله مطبعة سماها «المطبعة الوطنية» نشرت كثيرا من التآليف المفيدة، وبعدما نال إسكندر شهادته العلمية من الجامعة الأميركية سافر إلى السودان في خدمة الجيش الإنكليزي، ثم عاد إلى مصر حيث احترف الصحافة وحرر في «المقتطف» و«الوطن» وغيرهما، واشترى جريدة «الرأي العام» التي كان قد أسسها إسكندر شلهوب في 25 نيسان 1893 بالاشتراك مع نجيب الحاج، فأجمعت الأفكار على أنه ليس في القطر المصري جريدة تقرأ من أولها إلى آخرها غير «الرأي العام» التي عاشت أربعة عشر عاما، وأدخل إسكندر شاهين على جريدته بابا عنوانه «الحديث عن الملوك»، وقد بلغ ما كتبه عنهم مقدارا عظيما؛ لأنه لم يترك أحدهم بلا حديث عنه وعن أعماله ونوادره وتاريخ أسرته وما يقال عن بلاده، وتفرد في هذا المعنى دون سواه من الناطقين بالضاد حتى إنه كان يعد ثقة في معرفة أصول الأسر الحاكمة وفروعها، فإذا كتب عنها فكأنما يحدثك عن أفراد أسرته وبيته. وفي سنة 1913 هاجر إلى مدينة سان باولو في البرازيل، وهناك أنشأ في 18 تشرين الأول 1913 جريدة «أميركا» التي نالت إقبالا عظيما، وكان إسكندر شاهين رئيسا لنقابة الصحافة العربية البرازيلية التي أنشئت في سان باولو بتاريخ 4 شباط 1917 (راجع أخبار النقابة في مجلة «الأنيس» السانبولية لحبيب مسعود صفحة 314 سنة أولى). §§
السيد موسى كريم سوري الأصل سرياني الملة، ولد في مدينة يبرود وتثقف على أفضل الأساتذة، ثم سافر في صباه إلى مدينة سان باولو فتولى هناك تحرير جريدة «أبو الهول» أعواما عديدة قبل أن ينشئ مجلة «الشرق» التي تحصى بين أرقى الصحف العربية في الديار الأميركية، وفي سنتي 1927 و1928 قام برحلة إلى وطنه وسائر أنحاء الشرق الأدنى، ودون تفصيل أخبارها في كتابيه «البرازيل والشرق» و«تأثيرات سياحة» وفي مجلته «الشرق» المعتبرة، وقد أقيمت له أثناء جولته المآدب والحفلات التكريمية من ذوي الفضل ونقابات الصحافة، واحتفى به المجمع العلمي العربي بدمشق احتفاء يليق بأدبه العالي، فألقى السيد موسى إذ ذاك في ردهة المجمع يوم 18 تشرين الأول 1927 محاضرة نفيسة موضوعها «البرازيليون والسوريون - اللغتان البرازيلية والعربية» تجلت فيها عبقريته الوطنية وبراعته الخطابية، ثم لفظ محاضرة أخرى في ردهة الجمعية الجغرافية الملكية في عاصمة وادي النيل لا تقل عن تلك أهمية واعتبارا. |||
جريدة أسبوعية ظهرت في 28 تشرين الأول 1894 لصاحبها سليم بن يوحنا بن منصور بالش ودعيبس بن عبد الله بالش اللبنانيين، وهي أم جميع الصحف العربية وباكورتها في بلاد البرازيل وسائر أنحاء أميركا الجنوبية، كانت تطبع في مطبعة «الرضا» بحروف دقيقة تشابه الحروف الباريسية القديمة، ومباحثها تتناول الحوادث الكونية وأخبار تركيا ولبنان وغير ذلك من المواضيع المتنوعة بلهجة مألوفة يفهمها الخاص والعام، وقد احتجبت بعد أشهر قليلة وأنشئت بدلا منها جريدة «البرازيل» في سانتوس. ¶¶
كانت تطبع بحروف شبيهة بالحروف الباريسية القديمة، فلما توفي محررها سليم بالش في سنتها الأولى استقل بها شريكه أنطون النجار وجاء بها إلى سان باولو، وقد عهد بكتابة مقالاتها إلى خليل عمون الذي تركها بعد سنة وسافر إلى مصر، فخلفه الدكتور يوسف رزق الله حتى تحول امتيازها عام 1898 إلى قيصر بك معلوف وهو الكاتب المشهود له بطول الباع نثرا ونظما، فحسنها قيصر المعلوف وكبر حجمها ووسع نطاق مباحثها، وأنشأ لها مطبعة جديدة سماها «المطبعة السورية» التي جهزها بالمعدات الحديثة واستحضر لها الحروف الإسلامبولية الجميلة، وقد نقش في صدر الجريدة هذين البيتين:
ترى ما الذي ترجو الصحافة خيره
إذا لم يكن ما ترتئيه له صدى
فهل نفعت خيل بدون فوارس
وهل دفعت سمر القنا وحدها العدى
وفي سنة 1901 انضم إلى قيصر المعلوف أخوه جورج، فعملا معا على خدمة الجالية اللبنانية السورية، وزادا على أبواب الجريدة قسما جديدا ينطوي على تاريخ الأمير حيدر الشهابي المشهور، وعاشت هذه الجريدة إلى سنة 1903، فورثتها جريدة «الأفكار» لصاحبها الدكتور سعيد أبي جمرة، واشتهرت «البرازيل» بخطتها المعتدلة ودفاعها عن شرف اللبنانيين والسوريين في المهجر.
جرائد جزيرة كوبا
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: هافانا العاصمة (1)
الارتقاء السوري
خومس وجر
1914 (2)
فرنسا والشرق
يعقوب صفير
12 أيار 1919 (3)
الاتحاد ⋆
شكري بعقليني
1927 * *
بين الصحف العربية التي صدرت في مدينة هافانا عاصمة جزيرة كوبا جريدتان أيضا كان ظهورهما بعد سنة 1929، وهما: «الفيحاء» للسيد قاسم الهيماني الدمشقي ظهرت عام 1931، وكانت قصيرة العمر، وللقاسم الهيماني جريدة سابقة بهذا الاسم أنشأها بتاريخ 24 تموز 1923، وقد أشرنا إليها بين جرائد دمشق، أما الجريدة الثانية فتدعي «صوت الشعب» ظهرت عام 1932، ولم يتصل بنا اسم منشئها، وسنذكر هاتين الجريدتين في الذيل الذي عولنا على نشره إتماما لفهارس الصحف العربية بوجه عام منذ فاتحة سنة 1930 إلى الزمان الحاضر.
جرائد الجمهورية الفضية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة بونس إيرس (1)
الصبح
خليل ملوك وشكري الخوري وخليل شاول
آذار 1899 (2)
الصدق
إبراهيم وهبة خزامة
20 أيلول 1900 (3) ⊙
السلام ⋆
وديع شمعون *
17 تشرين الثاني 1902 (4) ⊙
الزمان ⋆
ميخائيل السمرا †
21 تشرين الأول 1905 (5)
الحقائق
ملحم فارس أبو علي كرباج
28 كانون الأول 1905 (6)
الجالية
جورج مسرة †
30 تموز 1910 (7)
القرن العشرون
لبيب الرياشي
19 شباط 1911 (8)
الحاوي
يوسف ملحم شعيا
1 آب 1912 (9)
جراب الحاوي
سمعان منصور الحاماتي
5 آب 1912 (10)
النسر
سمعان منصور الحاماتي
5 شباط 1913 (11) ⊙
المرسل ⋆
الخوري يوحنا غصن
15 أيار 1913 (12) ⊙
العلم العثماني
سيف الدين رحال
1915 (13)
الأرجنتين
سليم أبو سمهيل
1915 (14) ⊙
الشمس ⋆
اسبر الغريب ‡
8 أيار 1915 (15) ⊙
الاتحاد اللبناني ⋆
جمعية الاتحاد اللبناني
1915 (16)
الصاعقة
سليمان أبي شر
1916 (17) ⊙
الكاوي
جميل دكدانيان
22 نيسان 1916 (18)
التحالف اللبناني ⋆
جمعية التحالف اللبناني
23 كانون الثاني 1919 (19)
الجامعة السورية
حسني عبد الملك
6 شباط 1919 (20)
يقظة العرب
الدكتور جورج صوايا
7 أيار 1919 (21)
الشرق
سيف الدين رحال وحسن دركل
20 أيلول 1921 (22)
النشرة الاقتصادية
يعقوب غطاس
حزيران 1922 (23)
الفطرة
محمود محمد سلوم
27 تموز 1922 (24)
الحياة
جورج عساف
آذار 1924 (25)
لبنان
يوسف خويري وميخائيل بوريدان
1 أيار 1926 (26)
الاستقلال ⋆
الأمير أمين أرسلان §
1926 (27)
المنبر
رشيد زين
1927 (28)
الإصلاح ⋆
الدكتور جورج صوايا
1928 (29)
الجريدة السورية اللبنانية ⋆
موسى عزيزة ||
12 كانون الثاني 1929 (30)
المنتقد ⋆
عبود حداد
1929
ثانيا: مدينة تو كومان (1)
سوريا الفتاة
إلياس طربيه وسمعان الحاماتي
14 كانون الثاني 1914 (2) ⊙
الوطن
ميخائيل هبلا ويوسف خويري
11 أيلول 1915 (3) ⊙
صدى الشرق
نجيب بعقليني
24 تشرين الأول 1917 (4) ⊙
حط بالخرج
يوسف نجم الدين الرشماني
17 تموز 1918 (5) ⊙
الإخاء ⋆
جبران مسوح
9 آب 1922 (6)
الشبيبة المتحدة
جمعية الشبيبة المتحدة
3 شباط 1923 (7)
المهجر ⋆
يوسف نجم الرشماني
1926
ثالثا: مدينة كوردبا (1)
الحكيم
عزيز حكيم
30 نيسان 1908 (2)
كوردبا
شبلي رزق وجاد ورور
7 تشرين الأول 1922 (3)
العصر الجديد
قبلان الرياشي وحنا وهبة
13 تشرين الأول 1926 (4)
الحقيقة
قبلان الرياشي ومنصور سلهب
1926 *
تعد جريدتا «السلام» و«الزمان» أقدم الصحف العربية الحية وأكثرها انتشارا في الجمهورية الفضية، ولهما مساع مشكورة في سبيل الجالية اللبنانية السورية في الأصقاع المذكورة، وقد أتيح لكل منهما بعد جهاد أدبي طويل أن تحتفل بيوبيلها الفضي. †
بدأ جورج بن نقولا مسرة حياته الصحافية في عاصمة الفرنسيس حيث أنشأ جريدة «باريس» في 8 أيار سنة 1908 بالاشتراك مع أخيه إلياس، وبعد سنتين سافر إلى بونس إيرس عاصمة الجمهورية الفضية فأصدر بتاريخ 30 تموز 1910 جريدة سماها «الجالية»، وما لبث أن ارتحل إلى مدينة سان باولو في البرازيل حيث أسس بتاريخ 10 أذار سنة 1915 جريدته الثالثة «البرازيل» التي لم تزل منتشرة حتى الآن، وينتسب هذا الصحافي إلى أسرة «مسرة» التي نزحت منذ نيف وأربعة قرون من مدينة أرض الروم إلى ديار بكر ثم إلى حلب كما أفادنا صديقنا البحاثة الشيخ عيسى إسكندر المعلوف، وأسرة «مسرة» يونانية الأصل انقسمت لدى نزوحها من حلب إلى ثلاثة فروع، وتنتمي هذه الفروع بدورها إلى ثلاثة إخوة يعتبر كل منهم جدا لأحد الفروع المذكورة، وهم: يوسف وجرجس وحنا، فالأول يوسف سكن دمشق ومن سلالته الصحافي الذي نحن بصدده وأخوه توفيق ترجمان قنصلية ألمانيا في بيروت، والثاني جرجس سكن اللاذقية ومن سلالته السيد جراسيموس مسرة مطران بيروت الأرثوذكسي، والثالث حنا سكن مصر ومن سلالته الكنت يوسف باشا مسرة ابن العلامة الكنت يوحنا مسرة ابن الكنت أنطون بن إبراهيم بن حنا مسرة، وما عدا الذين أوردنا ذكرهم فقد نبغ قديما من آل مسرة بعض الأدباء الذين تخلدت أسماؤهم في المخطوطات القديمة كمخطوطات دير الشرفة، واشتهر منهم أيضا الشماس عبد الله مسرة المصور اليدوي الماهر، ومن آثاره أيقونة في كنيسة القديس جرجس بمصر العتيقة تدل على براعته بفن التصوير. ‡
بعد نهاية الحرب العظمى عاد أسير الغريب إلى مسقط رأسه «الدامور » بلبنان وأخذ ينشر جريدته «الشمس» في بيروت بشكل مجلة ولم تزل. §
هو الأمير أمين ابن الأمير مجيد ابن الأمير ملحم ابن الأمير حيدر ابن الأمير عباس ابن الأمير فخر الدين ابن الأمير حيدر أرسلان، هاجر من لبنان على أثر اختلاف عائلي في أسرته، ولم يلبث هذا الاختلاف أن تلاشى وزال بزوال الأسباب، فسافر هذا الأمير إلى فرنسا حيث أنشأ بتاريخ 9 آب 1894 جريدة «كشف النقاب» التي كان يكتبها بخطه ويطبعها على مطبعة حجرية في باريس، ثم أبطلها ليؤسس في 12 كانون الأول 1895 جريدة «تركيا الفتاة» بالشركة مع صديقه وابن وطنه خليل غانم (راجع ترجمته في [الكتاب الثاني - صحافة أوروبا - الباب الثاني]) واضع مواد القانون الأساسي للدولة العثمانية سنة 1877 في عهد مجلس المبعوثان الأول. وفي أواخر القرن التاسع عشر ذهب الأمير أمين إلى بلاد الجمهورية الفضية فأقام في بونس إيرس عاصمتها حيث عينته الدولة العثمانية قنصلا عاما لها، وسنة 1926 أنشأ هناك جريدته الثالثة «الاستقلال» التي نشر فيها آراءه السياسية عن بلاد الشرق الأدنى ولا سيما عن سوريا ولبنان. وأصغر إخوة الأمير أمين كان الأمير فؤاد أرسلان الذي اشتهر بالجرأة الأدبية وأصالة الرأي في مجلس النواب اللبناني، وقد عرف له أبناء وطنه تلك المزايا العالية، فنصبوا له بعد وفاته تمثالا فخما في «خلده»؛ جزاء إخلاصه للأمة والوطن. ||
نشرت جريدة «الأقلام» البيروتية بتاريخ 8 تموز 1922 لمنشئها حليم دموس مقالا عن هذا الصحافي الكريم نورده هنا بالحرف الواحد:
موسى عزيزة من مدينة حماة (سوريا) سافر إلى الأرجنتين وعمره نحو خمس عشرة سنة، وهناك تعاطى التجارة وأظهر اجتهادا ونشاطا زائدين إلى أن أتت الحرب الكونية، فسافر إلى أوروبا ونيويورك لإنماء تجارته وتوسيع دوائرها، وعندما انتهت الحرب كان له المنزلة التجارية الأولى بين الجالية، وكان مع التجارة يدرس لنفسه علم القانون، وكان جل همه التفكير في إعلاء اسم أهل بلاده بين بقية الجوالي في الأرجنتين، وبهمته ونشاطه أسس عدة جمعيات منها الجمعية السورية اللبنانية لحماية المهاجرين، وبمدة قريبة جمع من تبرعاته وتبرعات الذين آمنوا بمبدئه مبلغا لا يقل عن عشرين ألف ليرة إنكليزية اشترى بها ملكا وسماه «بيت الجالية»، وأنشأ المجلس الملي الأرثوذكسي، وبمسعاه بنى مدرسة كلفت نحو عشرة آلاف ليرة إنكليزية لأجل التعليم العربي، وبمسعاه أنشأ مصرفا كشركة مساهمة دعاه «البنك السوري اللبناني»، واليوم له منزلته الرفيعة في الأرجنتين، وأسس غرفة تجارية سماها «الغرفة التجارية السورية اللبنانية»، وأنشأ جريدة يومية تصدر في العربي والإسباني سماها الجريدة السورية اللبنانية، وهي اليوم أكبر جريدة عربية إسبانية في العالم أجمع، ولها منزلتها الرفيعة بين جرائد تلك البلاد، وأخيرا أهدى الجريدة ومدخولها للجمعيات الخيرية السورية اللبنانية، وعددها خمس وعشرون جمعية، وباجتهاده التجاري توصل إلى أن يكون صاحب بناء مؤلف من أربع وستين شقة، وهو أعلى بناء في عاصمة الأرجنتين سماه ناطحة السحاب، وعنده أرض زراعية تبلغ مساحتها نصف مساحة الجمهورية اللبنانية.
ولما كان منشئ «الأقلام» المشار إليه من شعرائنا المبرزين في هذا العصر؛ لا نجد بدا من التنويه بعبقريته والتصريح بأدبه العالي، وبيانا لمنزلته الشعرية نرى من باب معرفة الجميل أن نورد هنا نص الأبيات التي نظمها عندما أحيلت إلى عهدتنا أمانة دار الآثار علاوة على أمانة دار الكتب في عاصمة الجمهورية اللبنانية قال:
إن قلت فيما مضى: يا حبذا السلف
فاليوم يا مي قولي: حبذا الخلف
حي ببيروت أم الشرع مأثرة
أمامها كل حر رهبة يقف
حي بها معهدي فن ومعرفة
أضحت بفضلهما الأوطان تعترف
فذاك معهد علم كله طرف
وذاك معهد مجد ملؤه تحف
تجاورا بعدما طال النوى فهما
لام تعانقها في عطفها ألف
داران خلدت الأيام طيهما
ذكرى البنين وذكرى للألى سلفوا
مفاخر للعلى تغني روائعها
عن كل ما وصف الرائي وما يصف
وقفت أنظر للعهد القديم ولل
عهد الجديد وبالعهدين لي كلف
فكل آت لنا في صدره أمل
وكل ماض لنا في صدره أسف •••
لا يخدم الشعب في سر وفي علن
إلا الذين بحب الشعب قد شغفوا
وليس بسعي إلى إنهاض أمتهم
إلا رجال على أمجادها عطفوا
ما كل من خدم الأوطان أصلحها
هيهات تصلح أيد دأبها التلف
بئس النفوس التي باسم الوظائف بل
باسم الطوائف والأديان تختلف
متى أرى أمتي والجد غايتها
وفي سبيل اتحاد السعي تأتلف
فليس كالجهل لاستبعاد من غفلوا
وليس كالعلم لاستقلال من رسفوا
أريد في وطني ما عز في وطني
من مكرمات بها الأحرار تتصف
أريد فيه أبيا ملء بردته
قلب كبير إلى الإصلاح ينصرف
وأن يكون أخا بذل وتضحية
يهزه العاليان: الجود والشرف
كذلك الفرد من أضحت عزيمته
كدافق الموج حيث الموج يزدحف
من شاد للعلم والإحسان أبنية
وليس في نفسه إلا التقى هدف
عنيت «فيليب طرازي» المؤرخ من
نسل الألى بجميل الصنع قد عرفوا
المنفق الوقت لا من ولا طمع
والباذل المال لا تيه ولا صلف
والممتطي غارب الأسفار ليس له
إلا إلى طلب الأسفار منصرف
هم الكثيرين من قومي مراتبهم
وهمه البحث والتأليف والصحف
لولاه ما كان للآثار من أثر
ولا تنظمت القاعات والغرف
ولا رأينا جنود العلم عاكفة
كظامئ الطير حول الماء يعتكف
فدونكم منهلين اليوم فازدحموا
عليهما واستقوا ما راق واغترفوا
فههنا فتنة الألباب فابتدروا
وههنا روضة الآداب فاقتطفوا
وهذه تحفة الأجداد فاعتبروا
وهذه شرعة الوراد فارتشفوا
جرائد جمهورية تشيلي
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة سنتياغو (1)
المرشد
الخوري بولس الخوري
7 تشرين الثاني 1912 (2) ⊙
الشبيبة
جميل شوحي
1918 (3)
الوطن ⋆
شركة جريدة «الوطن» المساهمة
15 كانون الثاني 1920 (4)
التفاهم
اللجنة الفرنساوية الشرقية
كانون الثاني 1923 (5)
الإصلاح ⋆
1929
ثانيا: مدينة كونسبسيون (1)
المنير
يوسف مسعد
21 حزيران 1916
جرائد الجمهورية الدومينيكية
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة سان بدرو دي ماكوريس (1)
الجرأة الأدبية
عبد الله الدريبي
4 أيلول 1910
جرائد جمهورية أروغواي
عدد
عنوان الجريدة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة مونتفيدايو (1)
العروة الوثقى
إلياس جبران قطان
23 أيلول 1907
الباب الثاني
فهارس جميع المجلات العربية
في أميركا الجنوبية
يتضمن فهارس جميع المجلات العربية في أميركا الجنوبية على الإطلاق.
وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا وجغرافيا لكل مراكز هذه الصحف في الأصقاع المذكورة. ***
مجلات جمهورية البرازيل
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: ريو دي جانيرو العاصمة (1)
الروايات العصرية
رشيد عطية *
31 تموز 1913 (2)
النحلة
القس مبارك مارون
1918
ثانيا: مدينة سان باولو (1)
الأصمعي †
خليل ملوك وشكري الخوري
15 كانون الثاني 1899 (2)
الفرائد
إبراهيم شحادة فرح
1 كانون الثاني 1910 (3) ⊙
الكرمة ⋆
سلوى سلامة وجورج أطلس
1 حزيران 1914 (4)
الأنيس
حبيب مسعود وأنطون سعد
1 أيلول 1916 (5)
المنتخبات
إلياس سليمان اليازجي
كانون الثاني 1918 (6)
الجديد
توفيق ضعون وإلياس فرحات
1919 (7)
المدرسة
موسى كريم
1919 (8)
مسامرات المهاجر
نجيب موسى ويعقوب طيسون
1 أيلول 1922 (9)
العاصمة
لويس أبي نادر وميخائيل مراد
6 كانون الثاني 1924 (10)
الدليل ⋆
توفيق ضعون
1 نيسان 1928
ثالثا: مدينة مناوس (1)
الأمازون
أمين ضومط
1 تشرين الثاني 1917 *
هو كاتب لغوي من أبناء لبنان، اشتغل سنوات عديدة بتحرير جريدة «لسان الحال» البيروتية، وتولى منبر التعليم في المدرسة البطريركية حيث تخرج عليه عدد وافر من حملة الأقلام وناشئة الوطن، وسنة 1913 سافر إلى ريو دي جانيرو ومنها إلى سان باولو حيث أنشأ جريدة «فتى لبنان» التي تعد من كبريات الصحف الأميركية باستقامة مبادئها وتعدد مواضيعها ورجاحة آراء صاحبها. وللسيد رشيد عطية مكانة سامية في آداب اللغة العربية التي وضع فيها كتبا شتى (بعضها مطبوع وبعضها غير مطبوع) تشهد له بطول الباع ورسوخ القدم، نذكر منها كتابه «الدليل إلى مرادف العامي والدخيل» وله قصائد رنانة نظمها في مواضيع مختلفة تؤيد ما له من علو الكعب في هذه الصناعة. †
ظهر «الأصمعي» في 12 أيار 1898 بشكل جريدة، ثم تحول إلى مجلة في التاريخ المذكور أعلاه.
مجلات الجمهورية الفضية
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة بونس إيرس (1)
صدى الجنوب
الخوري يوحنا سعيد
كانون الثاني 1899 (2)
الصاعقة
الخوري يوحنا سعيد
11 أيار 1901 (3)
الرموز
رشيد خوري *
20 أيار 1906 (4)
الحياة الجديدة
جرجس عساف
15 كانون الأول 1907 (5)
الأستاذ
يوسف خويري
1 كانون الثاني 1910 (6) ⊙
المجلة ⋆
الدكتور خليل سعادة †
15 حزيران 1915 (7)
الرواية
نجيب السمرا ويوسف نحاس
2 تشرين الأول 1915 (8) ⊙
النحلة
شبلي رزق وخليل فارس
15 شباط 1917 (9)
الإصلاح ⋆
الدكتور جورج صوايا ‡
1 كانون الثاني 1929
ثانيا: مدينة كوردبا (1)
سوريا
النادي السوري اللبناني
1922
ثالثا: مدينة توكومان (1) ⊙
السعادة
يوسف نجم الرشماني
1 أيلول 1918 (2) ⊙
النسر
سمعان الحاماتي
1918 (3)
حط بالخرج
يوسف نجم الرشماني
1919 (4)
الحديقة
نجيب بعقليني ووديع هدلا وجبران قندلفت
3 كانون الثاني 1922 (5)
التمدن
حبيب أسطفان وجبران مسوح
1 آب 1926
رابعا: مدينة مندوسا (1)
اليقظة ⋆
رشوان عيسى ونجيب عزيز دامرجي
1 آذار 1928
خامسا: مدينة سنتياغو دل أستيرو (1)
الفصول ⋆
الأب مارون مبارك
21 أيلول 1929 *
نشأ رشيد الخوري في بعلبك وأحرز قصب السبق بنبوغه في الصناعات اليدوية، وبعض الفنون الجميلة؛ فإنه اخترع آلة للف الورق وآلة «اللينوتيب» للطباعة العربية، وقد ورد وصف ذلك في العدد 693 من جريدة «السلام» التي تطبع في مدينة بونس إيرس، وهو أول من اصطنع مثالا مجسما حقيقيا، لقلعة بعلبك قبل أن يفتكر المرحوم جان دبس بوضع المثال الذي عرضه في معرض باريس سنة 1931، ومعرض شيكاغو سنة 1933، ولما كان الفضل للمتقدم فإننا نرى من باب معرفة الجميل أن ننوه هنا بجدارة رشيد الخوري الذي لم يستند إلى مرجع في عمله سوى نبوغه واجتهاده، أما جان دبس فإنه عول في شغله على المراجع الرسمية والوثائق الفنية التي أرشدناه إليها في دار الكتب الأهلية التي أنشأناها في بيروت سنة 1921. †
الدكتور خليل بك سعادة لبناني الأصل، تلقى العلوم في الجامعة الأميركية ببيروت في عهد نشأتها الأولى، وهو من الأطباء المشهود لهم بالفضل وسعة الاطلاع، ومن مآثره الكتابية ما يلي: «قيصر وكليوبطره» وهي رواية إنكليزية، ثم ترجمة «إنجيل برنابا» ورواية «أسرار الثورة الروسية» ورواية «أسرار الباستيل» وكتاب «الوقاية من السل الرئوي وطرق علاجه» ورسالة عنوانها «نبلة من كنانة» رد فيها على مجلة المقتطف، وأشهر مؤلفاته «قاموس سعادة» وهو معجم إنكليزي عربي يمتاز على سائر المعاجم التي من نوعه بغزارة المادة ودقة البحث وأمانة الترجمة، وفي 15 آذار سنة 1884 اشترك مع الشيخ إبراهيم اليازجي والدكتور بشارة زلزل في إصدار مجلة «الطبيب» البيروتية التي خدمت اللغة العربية بوضع ألوف من الأوضاع اللغوية والمسميات العصرية والمعربات العلمية، وهي أول صحيفة عربية استعملت لفظة «مجلة» بالمعنى المصطلح عليه اليوم. ‡
ولد في كفر حاتا بلبنان سنة 1882، ودرس الطب في الجامعة الأميركية ببيروت، ثم سافر إلى نيويورك ومنها إلى بونس إيرس عاصمة الأرجنتين للالتحاق بأسرته فيها. ولما كانت قوانين هذه البلاد لا تسمح بتعاطي الطب لغير المتخرجين من مدارسها؛ ثابر على تحصيل الطب في إحدى جامعاتها وأحرز منها الشهادة النظامية. والمشهور عن الدكتور صوايا أنه كاتب بليغ وخطيب فصيح وطبيب ماهر، وهو يجيد ما عدا لغته العربية اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية كأحسن أبنائها، بدأ حياته الصحافية بنشر المقالات الضافية على صفحات جريدة «القرن العشرين» تحت إمضاء ابن عابدين، ثم أنشأ جريدة «يقظة العرب»، ثم «جريدة الإصلاح» اليومية التي حولها الآن إلى مجلة، ومن مؤلفاته كتاب «المناهج الطبية في الأمراض الإفرنجية» جمع فيه آراء أشهر أطباء الإنجليز والفرنسيس والألمان فأضافها إلى اختياراته العديدة. والدكتور صوايا مفطور على الإحسان وحب الوطن وإعلاء شأن المعارف، وسنة 1925 عينته حكومة الأرجنتين قنصلا عاما لها في سوريا ولبنان، فاستقال من هذا المنصب لأسباب سياسية، وسنة 1926 اقترن بالسيدة جوزفين استانيارو التي تنتسب إلى أسرة من أعرق الأسر الأرجنتينية وأغناهن، وقد زينها الله بالعلم والرقة والوجاهة وحب الخير، وبالإجمال فإن من عرف الدكتور صوايا وعرف المشاريع النافعة التي يقوم بها وحده أو ينشطها في ديار المهجر يحكم بكل صواب بأن لهذا الفرد قوة الجماعات.
مجلات جمهورية تشيلي
عدد
عنوان المجلة
اسم منشئها
تاريخ ظهورها
أولا: مدينة سنتياغو (1)
العواطف
أنطونيوس جمل
1 كانون الأول 1916 (2)
الشرق والغرب
لبيبة هاشم *
15 أيلول 1923 *
طالع في فهرس مجلات القاهرة ما أثبتناه باختصار عن هذه المنشئة الفاضلة ومنزلتها الأدبية بين نساء هذا العصر وكاتباته [الكتاب الرابع - القسم الثاني - الباب الثاني] فنحيل القارئ اللبيب إلى مطالعته في المكان المذكور.
ذيل
يحتوي على خاتمة وخمسة إحصاءات
الخاتمة
إلى هنا انتهى بحوله تعالى ما توفقت إلى جمعه من فهارس الجرائد والمجلات العربية التي ظهرت في الخافقين قديما وحديثا؛ ذلك ثمرة جهاد شاق طويت لأجله الشطر الأوفر من حياتي بين المطالعة والمراجعة والتنقيب، ويطيب لي الآن أن أقدم للخاصة والعامة نتيجة أبحاثي في هذه الحقبة الطويلة التي صرفتها في الدرس والكتابة والمراسلة بلا أدنى كلال؛ لأني كنت أجد في هذا العمل لذتي وبهجتي وفائدتي.
فأرفع آيات الحمد للعزة الصمدانية التي قيضت لي بلوغ هذه الأمنية في سبيل خدمة الصحافة والعلم والتاريخ ؛ لأن مؤلفي جاء موسوعة غنية بفوائدها جديرة بثقة المؤرخين واهتمام الباحثين، وهي تشتمل على كل ما ظهر في لغتنا الشريفة من الصحف مع أسماء منشئيها وتواريخ صدورها ومراكز نشرها في أقطار الشرق والغرب مذ تكوين الصحافة حتى نهاية السنة 1929، هكذا يتسنى بعد الآن لحملة الأقلام أن يستندوا إلى هذه المراجع الراهنة في أبحاثهم عن الصحافة العربية وعن آداب مزاوليها وتطور أحوالهم السياسية والعلمية والاجتماعية عصرا بعد عصر.
وقد بلغ مجموع الصحف مذ ظهور أول جريدة عربية عام 1800 حتى نهاية عام 1929 (أي أثناء مائة وثلاثين عاما) ثلاثة آلاف وثلاثا وعشرين صحيفة، وقد سردت عناوينها بالأمانة والتفصيل كما يتأكد للقارئ اللبيب من مطالعة شتى الفهارس في مختلف البلدان، ومن المحتمل أن يكون قد فاتني ذكر بعض صحف ما توقفت إلى إحرازها أو الوقوف على أسمائها بالرغم من أبحاثي الدقيقة ومراسلاتي المتواترة، فألتمس المعذرة لأن العذر من شيم الكرام والعصمة والكمال للإله المتعال.
ومن دواعي الافتخار أن القطر المصري كان سباقا في مضمار الصحافة العربية إلى نشر الجريدتين الأوليين اللتين قرأهما أبناء الضاد وهما: جريدة «التنبيه» صدرت بتاريخ 6 كانون الأول 1800 في الإسكندرية بعناية جيش الاحتلال الفرنسي، وجريدة «الوقائع المصرية» ظهرت بتاريخ 3 كانون الأول 1828 في القاهرة بأمر محمد علي باشا رأس العترة المالكة، ويعتبر وادي النيل في مقدمة جميع الأقطار من حيث وفرة عدد النشرات الدورية التي أنشأها المصريون في كل فن وبحث ومطلب، وإذا جاز لنا أن نقيس عدد الصحف المصرية بسائر الصحف العربية في العالم ألفينا القطر المصري من هذا القبيل يضارع بالتقريب مجموع بقية البلدان ؛ لأنه وحده يشتمل على 1398 صحيفة يقابلها 1625 صحيفة في سائر الأمصار شرقا وغربا كما أوضحنا ذلك وكما سيتضح أيضا في الإحصاءات التي سنأتي على ذكرها.
لكننا إذا اعتبرنا عدد الصحف في كل دولة بنسبة عدد سكانها ومساحة أرضها؛ فيكون لبنان أسبق جميع البلدان في ميدان الصحافة العربية؛ فإنه يحوي من السكان ثمانمائة وخمسين ألف نسمة طبقا لإحصاء سنة 1932، ومن الصحف أربعمائة وستا وعشرين صحيفة؛ أي أن لكل ألفي نسمة صحيفة واحدة في الجمهورية اللبنانية، بينما نرى غيرها من كبريات الدول العربية تصيب فيها الجريدة الواحدة نحوا من ستمائة ألف نسمة، يدل ذلك على ثقافة أبناء لبنان ومبلغ اهتمامهم بلغة عدنان وانصرافهم إلى تعزيزها على رغم تفشي اللغات الأوروبية في هذه البقعة الصغيرة من الديار الشامية.
ولما كنت قد أنجزت طبع الفهارس برمتها لم أر بدا من أن أردفها بإحصاءات مفيدة يتوق إلى مطالعتها كل صحافي ومؤرخ وباحث وأديب؛ لأنها تميط اللثام عن أمور كثيرة تتعلق بصحافتنا كان يجهلها أبناء الضاد وعلماء الاستشراق من هواة العتائق والآثار، وليست غايتي من ذلك كله سوى تعزيز المعارف وتنشيط الأمة العربية في نهضتها الحديثة حتى تصبح في مستوى واحد مع سائر الأمم الراقية، وهذه الإحصاءات التي ألمعت إليها خليقة بالاعتبار وهي تنطوي على المواضيع التالية:
أولا:
إحصاء عام للجرائد والمجلات العربية في كل بلد من البلدان شرقا وغربا مذ تكوين الصحافة حتى نهاية السنة 1929.
ثانيا:
إحصاء إجمالي مبني على التسلسل العددي لجميع الصحف العربية في خمسة أقطار المسكونة حتى نهاية سنة 1929.
ثالثا:
إحصاء إجمالي أساسه التسلسل الدولي بالنسبة إلى عدد الصحف العربية في الخافقين مذ تكوين الصحافة العربية عام 1800 حتى سلخ السنة 1929.
رابعا:
إحصاء إجمالي أساسه التسلسل العددي للصحف العربية في عواصم الدول وشهيرات المدن.
خامسا:
إحصاء إجمالي لمنشئي الصحف العربية تبعا لأديانهم
1
مذ تكوين الصحافة العربية عام 1800 لغاية عام 1929.
وفي الختام أنبه القراء الكرام إلى أني قدمت نشر الجزء الرابع على الجزء الثالث اضطرارا، وسأنشر الجزء الثالث في أقرب وقت وأردفه بسائر الأجزاء التي نجز تأليفها حتى الجزء الثاني عشر، فأرجو من المؤرخين وذوي البحث أن يؤازروني بأدعيتهم ويمدوني بآرائهم ريثما يتم هذا العمل المفيد الذي قمت به خدمة للأمة والعلم، وإعلاء لشأن الصحافة والصحافيين.
إحصاء عام
إحصاء عام لجميع الجرائد والمجلات العربية في كل بلد من البلدان شرقا وغربا منذ تكوين الصحافة العربية حتى نهاية السنة 1929. ***
صحف آسيا
أسماء البلدان
جرائد
مجلات
المجموع
الجمهورية اللبنانية
272
154
426
الجمهورية السورية
178
66
244
بلاد العلويين
20
7
27
إمارة شرق الأردن
4
4
فلسطين
60
22
82
ما بين النهرين
2
1
3
مملكة العراق
158
62
220
إمارة الكويت
1
1
مملكة الحجاز
12
2
14
إمارة اليمن
2
2
سلطنة المكلا
1
1
مملكة فارس
1
1
الهند الإنكليزية
11
4
15
الهند الهولندية
11
8
19
732
327
1059
صحف أفريقيا
أسماء البلدان
جرائد
مجلات
المجموع
المملكة المصرية
761
637
1398
السودان
7
1
8
طرابلس الغرب
13
13
مملكة تونس
85
13
98
الجزائر (المغرب الأوسط)
25
3
28
سلطنة مراكش (المغرب الأقصى)
13
1
14
سلطنة زنجبار
3
1
4
907
656
1563
صحف أوروبا
أسماء البلدان
جرائد
مجلات
المجموع
القسطنطينية
34
13
47
روسيا
2
1
3
جمهورية سويسرا
2
2
ألمانيا
5
2
7
مملكة إيطاليا
4
4
الجمهورية الفرنسية
37
6
43
بريطانيا العظمى
11
3
14
جزيرة مالطا
7
1
8
جزيرة قبرص
5
5
107
26
133
صحف أميركا الشمالية وأميركا الوسطى
أسماء البلدان
جرائد
مجلات
المجموع
الولايات المتحدة الأميركية
52
27
79
كندا
4
2
6
المكسيك
15
2
17
71
31
102
صحف أميركا الجنوبية
أسماء البلدان
جرائد
مجلات
المجموع
البرازيل
82
13
95
كوبا
3
3
الجمهورية الفضية
41
17
58
جمهورية تشيلي
6
2
8
الجمهورية الدومينيكية
1
1
جمهورية أروغواي
1
1
134
32
166
إحصاء إجمالي (1)
مبني على التسلسل العددي لجميع الصحف العربية في خمسة أقطار المسكونة. ***
رقم التسلسل
مركز النشر
جرائد
مجلات
المجموع (1)
أفريقيا
907
656
1563 (2)
آسيا
732
327
1059 (3)
أميركا الجنوبية
134
32
166 (4)
أوروبا
107
26
133 (5)
أميركا الشمالية
71
31
102
1951
1072
3023
إحصاء إجمالي (2)
أساسه التسلسل الدولي بالنسبة إلى عدد جميع الصحف العربية في الخافقين مذ تكوين الصحافة العربية عام 1800 لغاية عام 1929. ***
رقم التسلسل
اسم الدولة
جرائد
مجلات
المجموع (1)
المملكة المصرية
761
637
1398 (2)
الجمهورية اللبنانية
272
154
426 (3)
الدولة السورية
178
66
244 (4)
مملكة العراق
158
62
220 (5)
مملكة تونس
85
13
98 (6)
جمهورية البرازيل
82
13
95 (7)
فلسطين
60
22
82 (8)
الولايات المتحدة الأميركية
52
27
79 (9)
الجمهورية الفضية
41
17
58 (10)
القسطنطينة
34
13
47 (11)
الجمهورية الفرنسية
37
6
43 (12)
الجزائر (المغرب الأوسط)
25
3
28 (13)
بلاد العلويين
20
7
27 (14)
الهند الهولندية
11
8
19 (15)
المكسيك
15
2
17 (16)
الهند الإنكليزية
11
4
15 (17)
بريطانيا العظمى
11
3
14 (18)
سلطنة مراكش (المغرب الأقصى)
13
1
14 (19)
مملكة الحجاز
12
2
14 (20)
طرابلس الغرب
13
13 (21)
السودان
7
1
8 (22)
جزيرة مالطة
7
1
8 (23)
جمهورية تشيلي
6
2
8 (24)
ألمانيا
5
2
7 (25)
كندا
4
2
6 (26)
جزيرة قبرص
5
5 (27)
إمارة شرق الأردن
4
4 (28)
مملكة إيطاليا
4
4 (29)
سلطنة زنجبار
3
1
4 (30)
ما بين النهرين
2
1
3 (31)
روسيا
2
1
3 (32)
جزيرة كوبا
3
3 (33)
إمارة اليمن
2
2 (34)
جمهورية سويسرا
2
2 (35)
إمارة الكويت
1
1 (36)
مملكة فارس
1
1 (37)
سلطنة المكلا
1
1 (38)
الجمهورية الدومينيكية
1
1 (39)
جمهورية أورغواي
1
1
1951
1072
3023
إحصاء إجمالي (3)
أساسه التسلسل العددي للصحف العربية في عواصم الدول وشهيرات المدن. ***
رقم التسلسل
اسم المدينة
جرائد
مجلات
المجموع (1)
القاهرة
543
495
1038 (2)
بيروت
179
115
294 (3)
الإسكندرية
128
80
208 (4)
بغداد
123
49
182 (5)
دمشق
97
40
137 (6)
تونس
82
12
94 (7)
حلب
53
16
69 (8)
نيويورك
35
17
52 (9)
سان باولو
39
10
49 (10)
القسطنطينية
34
13
47 (11)
بونس إيرس
30
9
39 (12)
باريس
33
5
38 (13)
طنطا
23
13
36 (14)
ريو دي جانيرو
30
2
32 (15)
طرابلس الفيحاء
19
5
24 (16)
اللاذقية
19
5
24 (17)
الجزائر (المغرب الأوسط)
17
2
19 (18)
حيفا
11
7
18 (19)
مكسيكو
15
2
17 (20)
البصرة
16
1
17 (21)
حمص
11
5
16 (22)
حماة
11
5
16 (23)
زحلة
11
4
15 (24)
يافا
11
3
14 (25)
لندن
11
3
14 (26)
المنصورة
8
6
14 (27)
بعبدات
10
3
13 (28)
الموصل
9
4
13 (29)
أسيوط
5
8
13
يتضح من هذا البيان أن بعض المدن النائية في أوروبا وأميركا والتي لا ينطق سكانها بالضاد فاقت بعدد جرائدها ومجلاتها كثيرا من عواصم الدول وشهيرات المدن الواقعة في صميم البلدان العربية، ويعزى ذلك إلى هجرة العدد الوافر من الكتاب في عهد الدولة العثمانية التي كانوا من رعاياها، فقد كانت هذه الدولة تضطهد المفكرين والمثقفين من سكان بلادها وتشدد عليهم وتخاف صرير أقلامهم، ويرجع أكثر الفضل في هذه النهضة الصحافية الميمونة إلى أدباء لبنان الذين نزح منهم مئات الألوف إلى تلك الديار العامرة، ولا سيما إلى العالم الجديد، ثم نقلوا إليها مع ثقافة الشرق وتجارته وصناعاته محبة اللغة العربية التي رفعوا منارها في كل واد وناد، وقد اقتفوا في ذلك آثار الفينيقيين أجدادهم الذين افتتحوا البلدان ناشرين فيها أعلام حضارتهم القديمة، ومن المعلوم أن أولئك الفينيقيين كانوا أول من اخترع الحروف الهجائية فعم استعمالها لدى جميع الشعوب الراقية حتى صارت أداة التفاهم بين القاصي والداني على اختلاف البلدان والأديان والأزمان.
إحصاء إجمالي (4)
لمنشئي الصحف العربية تبعا لأديانهم مذ تكوين الصحافة العربية عام 1800 لغاية عام 1929. ***
مركز النشر
نوع الصحيفة
مسلمون
مسيحيون
إسرائيليون
مختلفو الأديان
غفل وجمعيات
صحف رسمية
الجمهورية اللبنانية
جريدة
68
176
1
3
16
7
مجلة
29
108
1
4
7
5
الدولة السورية
جريدة
125
40
1
3
3
6
مجلة
33
17
1
2
6
7
بلاد العلويين
جريدة
14
4
2
مجلة
4
1
2
شرق الأردن
جريدة
3
1
فلسطين
جريدة
19
26
4
8
3
مجلة
3
12
1
4
2
مملكة العراق
جريدة
116
12
4
1
15
10
مجلة
37
13
6
6
ما بين النهرين
جريدة
2
مجلة
1
الكويت
مجلة
1
مملكة الحجاز
جريدة
7
1
1
3
مجلة
1
1
اليمن
جريدة
1
1
المكلا
جريدة
1
فارس
جريدة
1
الهند الإنكليزية
جريدة
7
1
3
مجلة
4
الهند الهولندية
جريدة
10
1
مجلة
6
2
المملكة المصرية
جريدة
469
226
9
9
39
10
مجلة
328
203
5
11
79
11
السودان
جريدة
2
2
2
1
مجلة
1
طرابلس الغرب
جريدة
9
1
1
2
مملكة تونس
جريدة
72
3
8
1
1
مجلة
9
1
3
الجزائر
جريدة
17
5
2
1
مجلة
2
1
مراكش
جريدة
3
4
1
5
مجلة
1
زنجبار
جريدة
2
1
مجلة
1
قسطنطينية
جريدة
24
9
مجلة
11
2
روسيا
جريدة
2
مجلة
1
سويسرا
جريدة
ألمانيا
جريدة
2
1
2
مجلة
1
إيطاليا
جريدة
3
1
فرنسا
جريدة
6
13
10
5
2
مجلة
4
2
بريطانيا العظمى
جريدة
3
7
مجلة
2
مالطة
جريدة
6
مجلة
1
قبرص
جريدة
3
الولايات المتحدة
جريدة
3
46
3
مجلة
3
23
1
كندا
جريدة
4
3
مجلة
2
1
المكسيك
جريدة
15
مجلة
2
البرازيل
جريدة
2
67
13
مجلة
13
كوبا
جريدة
3
الجمهورية الفضية
جريدة
7
31
3
مجلة
16
1
جمهورية تشيلي
جريدة
3
3
مجلة
2
الجمهورية الدومينيكية
جريدة
1
أروغواي
جريدة
1
المجموع
1469
1137
48
37
241
94
Bilinmeyen sayfa