ومن أكابر السادات شيخنا وبركتنا وقدوتنا، أعظم من لقينا، وفتح منه علينا، العابد الزاهد العالم العامل الورع المحقق الولي، أوحد الرجال الأبدال القائم في الله، ولله على كل حال، العلم المشهور، ذو المهابة والنور، والوقت المعمور، لقاح المهج سيدي الشيخ فرج، أصله من العرب، نشأ يتيما بقرية الصياده من البلاد الصفدية، من عمل طرابلس، ثم سافر إلى الشرق فقرأ وتعلم العلم، وصحب الفقراء ففتح عليه بمواهب جزيلة، ثم سلب ذلك، وبقي مسلوبا مدة طويلة، ثم فتح عليه مرة ثانية على يد الشيخ عبد العزيز المغربي ببلاد عجلون، فلزمه حتى مات، ثم انتقل إلى قرية يقال لها الساهلية من عمل طبرية، متصلة بالغور، ولذلك يعرف بين الفقراء بالغوري، فلما استقر بالساهلية، اشتهر حاله، وسارت بذكره الركائب، وقصده الخلق من كل مكان لنفعه العام، وحاله التام، ونشأ له أصحاب وأحباب، وانتفع به كل من عرفه، وفي الجملة لم تر عيني مثله، ومثل شيخي أبي بكر بن تقية.
أما أبو بكر بن تقية فصحبته صغيرا، فانتفعت به نفعا كثيرا، وفتح علي من بركته، ورأيت الخير بأدعيته، وكان من سادات الرجال، جمع بين الحال والمقال، أمره نافذ بين الخواص، وإذا حضر مجلسا لم يبق فيه لغيره كلام، نهاره في الصيام، وليله في القيام، ضيق الدنيا على الشيطان لقوة الإيمان، وكان كشفه ظاهرا، ومعروفه متواترا، إن رأى عاريا كساه، أو ضالا هداه، أو جائعا أطعمه، أو غريبا أكرمه، أو مذنبا رحمه، أو مقربا خدمه، يتألف للمساكين، ويهجر المتكبرين، لا يتوقف في ملبس ولا يأنف، وما رأيت أحيا منه ولا ألطف، جمع الله الشمل به في الآخرة، ورفعه أعلى الدرجات الفاخرة.
وأما الشيخ فرج فصحبته أولا وآخرا، ولحظني باطنا وظاهرا، ففتح علي من بركاته ورأيت نفعه في حياته وبعد مماته، وكان يطعم الطعام للخاص والعام، ولا يأكل إلا من زاده، ولا يقبل هدية لعظيم اجتهاده،
Sayfa 164