ثانيا:
السناتو للنظر في الأمور العادية والفصل فيها.
ثالثا:
الجمعية العمومية المؤلفة من جميع الأشراف (كوميسيوم) للنظر في المسائل المهمة التي لها تأثير شديد على نظام الحكومة.
وكان الملك يجلس كل تسعة أيام للحكم فيما يرفع إليه من القضايا، لكن لم يكن حكمه نهائيا بل كان قابلا للاستئناف أمام الجمعية العمومية، ولما كانت لا تسمح له أشغاله بنظر القضايا بنفسه كان يعين قاضيين يصدران الأحكام باسمه، وفي حالة الحرب تكون سلطة الملك مطلقة إطلاقا كليا خارج أسوار المدينة فقط، وهو الذي كان يعين أعضاء السناتو ويدعوهم للاجتماع في الأوقات المعينة كما يدعو الجمعية العمومية لعقد اجتماعاتها، وكان له حرس خصوصي مؤلف من ثلاثمائة فارس (شواليه) ينتخبون من أكثر الأهالي ثروة وأعزهم جاها، وكانوا هم القوة الراكبة؛ أي السواري أثناء الحرب، وكان ينتدب في غيابه أحد أعضاء السناتو للقيام بمهام وظيفته، وأخيرا كانت الأمور المالية وجباية الأموال منوطة بموظفين مخصوصين من اختصاصاتهم الحكم في مسائل التعدي على الأنفس أو الأموال، فيرى القارئ من هذا الترتيب أن هذه الأمة بلغت مع حداثتها شأوا عظيما من حسن الانتظام وتمام الترتيب، وكانت حكومتها جمهورية تقريبا حيث لم يكن للملك فيها سلطة استبدادية، بل كان الملك كملوك أوروبا المقيدين الآن بنظامات عمومية كملك إيطاليا وملكة الإنكليز وغيرهما، ولولا تجاوز تركان الشامخ حدوده، وعدم احترامه للدستور، ونبذه أرآء السناتو ظهريا؛ لما سقطت الحكومة الملكية واستبدلت بالحكومة الجمهورية البحتة.
ثم تأتي طبقة العوام المؤلفة من الأمم التي أخضعها الرومانيون وألزموهم بالإقامة حول المدينة والأخلاط الذين أتوا إليها للاحتماء بها، وهذه الطبقة كانت مجردة من جميع الحقوق المدنية والسياسية؛ كالانتخاب والتبني والوصية بعد الموت وغير ذلك من الحقوق التي كانت مخولة للرومانيين، وكان لا يجوز لهؤلاء العوام الدخول في العائلات الشريفة أو الارتباط معها بالمصاهرة إلا أنهم كانوا من جهة أخرى أحرارا في تصرفاتهم لا يخضعون لأحكام السناتو أو الجمعية العمومية، بل كانوا تابعين للملك رأسا وينتخبون قضاة من بينهم للفصل في قضاياهم الخصوصية، وكانت أهم أشغالهم الزراعة والتجارة لعدم اشتغالهم بالأمور السياسية وتفرغهم لأعمالهم الخصوصية، واستمرت هذه الطبقة من الأهالي في هذه الحالة من العزلة والانحطاط السياسي حتى خولت لها جميع الحقوق الرومانية في عهد الملك (سرفيوس)، وصاروا كباقي الرومانيين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وقد فعل ذلك لما آنس الكراهية والبغضاء من الأشراف، فأراد إضعاف سطوتهم وتقليل نفوذهم، فجمع أهالي هذه الطبقات السفلى النازلة خارج المدينة وأنزلهم على مرتفع (أفانتان) داخل أسوارها ومنحهم الحقوق والامتيازات، ثم أبطل تقسيم الأهالي إلى طبقات تبعا للحسب والشرف، وقسمهم تقسيما جديدا جعل أساسه الثروة والغنى، وللوصول إلى ذلك أحصى تعداد الأهالي من أشراف وغيرهم وثروة كل فرد منهم بأن يأتي كل منهم إلى الموظف المنوط بذلك، ويقسم إنه يقول الحق، ثم يملي اسمه واسم عائلته وسنه ومقدار ثروته مع ما تساويه عقاراته، وكان جزاء من يرتكب غشا أو تدليسا حرمانه من حريته أو مصادرته في الأموال أو قتله حسب الأحوال، وقرر عمل مثل هذا الإحصاء كل خمس سنوات.
ولما تم الإحصاء وعلمت درجة كل إنسان من الغنى أو الفقر، قسم الأهالي إلى ست طبقات غير متساوية، وخصت الطبقات العليا منها بأوفر قسم من الضرائب بحيث كانت نسبة الضرائب إلى الثروة تزداد من طبقة إلى أعلى منها (وهذه الطريقة هي التي تسمى الآن في علم الاقتصاد السياسي بالضريبة التدريجية، بمعنى أن من يكون إيراده ألف قرش مثلا يدفع واحدا في المائة ومن بلغ إيراده عشرة آلاف قرش يدفع اثنين في المائة وهلم جرا بكيفية منتظمة)، وبهذا الترتيب الذي يدل على توقد ذهن واضعه اختلط الأشراف الأصليون بمن دخل حديثا في الجنسية الرومانية، وتفرقت كلمة الأشراف وضعفت شوكتهم خصوصا وقد حمل سرفيوس الطبقات العليا أكثر مصاريف الحروب وخصهم بأخطر مواقع القتال.
ولما كان هذا التقسيم الجديد مبنيا على الثروة، وكانت الثروة من طبيعتها قابلة للنمو والاضمحلال تبعا لاجتهاد وخمول مالكها؛ كان من الممكن لكل إنسان الانتقال من طبقة إلى أرقى بجده واجتهاده كما هو حاصل في هذا العصر ببلاد الإنكليز حيث يعطى لقب لورد لكل من امتاز في فن أو علم أو خدم وطنه خدما جليلة أو أثرى في التجارة أو غيرها، فتتجدد طبقة الأشراف في إنكلترا بدخول عناصر جديدة فيها تعيد إليها ما تفقده من القوة الحيوية بتلاشي وانحلال بعض العائلات القديمة.
ومما يذكر لهذا الملك العادل من الأعمال التي تخلد له حسن الذكر وطيب الأحدوثة مدى الدهر، أن أبطل العادة القديمة التي كانت تجعل المدين المعسر رقيق دائنه حتى يوفيه ما عليه، وجعل حق الدائن على مال المدين ليس إلا كما هو الحال الآن في جميع شرائع الأمم المتمدنة، لكن لسوء حظ الرومانيين أبطل تركان الشامخ هذا القانون وأعاد الطريقة القديمة مع ما فيها من مخالفة العقل والعدل والذوق السليم، ولم يتحصل الرومانيون على إبطالها ثانيا إلا بعد جهاد ونضال استمر نحو مايتي سنة، وبالاختصار كانت أيامه أيام سعد ورفاهية وعدل وإنصاف بما وضعه من القوانين العادلة وسنه من الشرائع التي تشهد له بعلو الإدراك وكرم الأخلاق، ثم لما أتى بعده تركان الشامخ هدم ما أسس وأفسد ما أصلح وسلب طبقة العوام جميع ما منحها سرفيوس من الحقوق والمزايا التي جعلتهم كجميع الرومانيين أعضاء جسم واحد لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وأبطل كيفية تقسيم الأهالي إلى طبقات بنسبة ثروتهم، وأعاد النظام القديم القاضي بتقسيمهم إلى أشراف وعوام، فكان كالساعي إلى حتفه بظلفه إذ بغضه العموم وانتهى الأمر بإبطال الحكومة الملوكية وتأسيس الجمهورية، لكن لم يتحصل العوام ثانيا على جميع ما سلبوه من الحقوق إلا في عدة من السنين، وبعد حروب داخلية جرت فيها الدماء كالسيول؛ فأخر تقدم رومة نحو جيلين بعمله الاستبدادي وإعادة النظامات القديمة مع عدم ملاءمتها للوقت.
Bilinmeyen sayfa