Napolyon Bonaparte Tarihi
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Türler
كانت النمسا علقت آمالها على غياب نابوليون وحرسه وبعد جيوش مارنغو وأوسترلتز القديمة؛ إذ كانت تعلم أنه لم يبق هناك إلا ثمانون ألف فرنسي مشتتون في ألمانيا جميعها، في حين أن جيشها المقسوم إلى تسع فرق، والذي يقوده الأرشيدوق كارلوس، كان يعد لا أقل من خمسمائة ألف رجل.
ظهرت بوادر الحركات النمسوية ظهورا سعيدا؛ إذ إن ملك البافيير اضطر إلى الهرب من مونيخ لدى ظهور الأرشيدوق وتعرض الجيش الفرنسي للخطر. ولكن وصول نابوليون غير الحالة عما كانت عليه، فتلاشت حمية الأمير كارلوس وجيشه، واشتدت حمية الجنود الفرنسيين. وما هي إلا عصفة من عصفات الردى حتى بر نابوليون بوعده لملك البافيير، وحمله منتصرا إلى عاصمته قبل اليوم العاشر من إعطائه الوعد. في الخامس والعشرين من شهر نيسان دخل هذا الأمير إلى مونيخ، أما نابوليون فلم يمر عليه ستة أيام حتى انتصر ست مرات على الجيش النمسوي. لم يقيض للفرنسيين أن يدركوا العدو إلا في اليوم التاسع عشر الذي أبلوا فيه بلاء حسنا في مواقع بلافنهوفن وتان وبيسنغ؛ أما في بيسنغ فقد انتصرت الكتيبة السابعة والخمسون، التي يقودها الكولونيل النشيط شاريير، انتصارا باهرا بعد أن قضت على ست كتائب نمسوية دفعة واحدة. وفي العشرين من الشهر انتصر الجيش الفرنسي انتصارا جديدا في إبنسبرج، حيث لم يقو العدو على الدفاع أكثر من ساعة واحدة، وترك في تصرف المنتصر ثمانية أعلام واثني عشر مدفعا وثمانية عشر ألف أسير. وفي الواحد والعشرين حصلت موقعة لاندشوت؛ في ذلك النهار هجم الجنرال موتون على رأس صف من الجند نحو النيران التي كانت تلتهم أحد جسور نهر الأيزر صارخا في جنوده: «تقدموا دائما ولا تطلقوا النار!» وما هي إلا بضع دقائق حتى دخل المدينة فأصبحت مسرحا لموقعة دموية هائلة ولم يلبث الأعداء أن هجروها. وفي تلك الآونة باغت الأرشيدوق كارلوس في راتيسبون، على رأس فرقة بوهيميا، ألف رجل عهد إليهم بالمحافظة على الجسر فأحاط بهم وأخذهم أسراء، ولما شاع هذا النبأ أقسم الإمبراطور أنه لا يمر أربع وعشرون ساعة حتى تجري الدماء النمسوية في رتيسبون. وفي الثاني والعشرين زحف نابوليون إلى هذه المدينة فالتقى بالعدو الذي يعد عشرة آلاف مقاتل، ولما اشتبك القتال بين الطرفين قدر للفرنسيين في وقت قصير أن يطردوا العدو من جميع مستحكماته، ويشتتوه تشتيتا، ويغنموا منه معظم مدافعه وخمسة عشر علما وعشرين ألف أسير. أما الأرشيدوق كارلوس فلولا سرعة جواده لما نجا بنفسه.
وفي اليوم التالي مثل الجيش المنتصر أمام راتيسبون، التي حاولت ست كتائب من بقايا جيش الأرشيدوق كارلوس أن تدافع عنها. ولما قدم الإمبراطور بنفسه ليأمر بالهجوم أصابته رصاصة في رجله اليمنى، لم يلبث نبؤها أن انتشر في الجيش، فأسرع الجند ليستطلعوا الأمر، إلا أنهم لم يكادوا يصلون حتى كان الإمبراطور امتطى جواده، بعد أن ضمد الجرح بفترة من الوقت قصيرة، وهجم الجميع على الجدران فتسلقوها واحتلوا المدينة. في تلك الآونة كان المرشال بسيير يطارد بقايا الفرق النمسوية التي قوتلت في أبنسبرج ولاندشوت فأدركها في اليوم الرابع والعشرين في حين أوشكت أن تنضم إلى فرقة احتياطية قدمت على شاطئ الأين وأعمل فيها القتل، وغنم منها ألفا وخمسمائة أسير. وفي اليوم نفسه نشر الإمبراطور في راتيسبون الكلمة الآتية:
أيها الجنود
لقد حققتم أملي إذ لم تعبأ شجاعتكم بكثرة العدد، ولقد بينتم، بأبهى ما يكون من المجد، الفرق العظيم بين جنود القيصر وجيوش كسرسيس.
لقد انتصرنا ست مرات في أيام قلائل، أما المائة مدفع والأربعون علما، والخمسون ألف أسير، والثلاثة آلاف عجلة الملأى بالأمتعة والذخائر التي غنمناها جميعا فهي نتيجة سرعتكم وشدة بطشكم.
كان العدو الذي أسكرته دسائس مجلس كاذب سفاح قد نسيكم ولم يستبق منكم أقل تذكار، إلا أن يقظته كانت فجائية لما ظهرتهم أمامه بذلك المظهر الرهيب! ... لقد عبر الأين واخترق أراضي حلفائنا في الماضي؛ وفي الماضي كان يأمل أن يحمل الحرب إلى قلب وطننا! ... أما اليوم، وقد كسر شر كسرة، وحل به من الرعب ما حل، فهو يهرب مشتتا تشتيتا! ... وقد لا يمضي شهر واحد حتى نحتل فيينا.
كما تحقق القسم الذي أعطاه نابوليون إلى ملك البافيير، هكذا ستتحقق هذه الأمنية أو هذه النبوءة الجريئة. في الثلاثين من شهر نيسان كانت أركان جيشه في برغوسن، حيث خفت الكونتيس دارمنسبرج إلى الإمبراطور تتوسل إليه لكي يرجع إليها زوجها الذي أخذه النمسويون أسيرا بتهمة أنه متحيز إلى الأمة الفرنسية. وفي أول أيار استوطنت أركان الجيش في رييد التي وصلها الإمبراطور ليلا. وفي الثالث منه انحدرت فرقة مؤلفة من ثلاثين ألف نمسوي، وهي بقية مقهوري لاندشوت، إلى إبرسبرج حيث أعمل فيها الفرنسيون قتلا وحملوها خسائر جسيمة؛ كان باسيير وأودينو وماسينا متجهين نحو إبرسبرج ليلاشوا الفرقة النمسوية، في حين كان الجنرال كلاباريد زاحفا في المقدمة على رأس فرقته التي تعد سبعة آلاف رجل لا غير، فلم يكد يلج إبرسبرج حتى أعمل العدو النار في هذه المدينة التي كانت مبنية بالخشب. ولم تمر فترة من الوقت حتى التهمت النار كل شيء، ووقفت سدا في وجه باسيير، الذي كان يعبر الجسر مع فرقة الخيالة ليعضد كلاباريد. عند هذا اضطر هذا القائد أن يدافع وحده مدة ثلاث ساعات مع سبعة آلاف رجل ضد ثلاثين ألفا. وأخيرا فتح معبر في وسط النيران ودخل منه القائدان لوغران ودوروسنيل . أما الجند الفرنسيون فقد أتوا عجائب في تلك المعركة ، وأحرقوا القصر، وشتتوا العدو حتى أوصلوه إلى «إن» حيث أحرق الجسر ليتمكن من ضمن هربه في طريقه إلى فيينا. ولقد حملت موقعة إبرسبرج النمسويين خسارة اثني عشر ألف رجل، بينهم سبعة آلاف وخمسمائة أسير. ننقل هنا ما جاء في المذكرة الخامسة عن منتصري هذه المعركة المجيدة: «إن فرقة كلاباريد، التي هي قسم من جيش أودينو، تكللت بمجد لا يزول، فلقد قتل منها ثلاثمائة رجل وأسر ستمائة أما جرأة كتائب اليو والكتائب الكرسكية فقد استلفتت نظر جميع الجيش. إن مدينة إبرسبرج وجسرها إنما هما تمثالان خالدان لتلك الجرأة النادرة. وسيقف المسافر غدا أمام هذين التمثالين، ويقول: من هنا، من هذا المركز الجميل، من هذا الجسر الذاهب في مذاهب الطول، من هذا القصر المنيع طرد سبعة آلاف إفرنسي جيشا مؤلفا من خمسة وثلاثين ألفا من النمسويين.»
استقبل الإمبراطور في إبسبرج وفدا من ولايات النمسا العليا، وفي اليوم الرابع من الشهر بات ليلته في إمس في قصر الكونت ده أوسبرج، وفي السادس منه وصل إلى دير مولك العظيم الذي صرف فيه بضعة أيام عهد حملة سنة 1805، والذي وجد الجيش في أقبيته بضعة ملايين من قناني النبيذ. لما مر الإمبراطور أمام خرائب قصر دييرنستن في اتجاهه نحو فيينا قال للمرشال لان، الذي كان إلى جنبه: «انظر، هذا هو سجن ريكاردوس قلب الأسد الذي زحف مثلنا إلى سوريا وفلسطين. لم يكن قلب الأسد أشد بسالة منك يا صديقي الباسل، إلا أنه كان أسعد مني بختا في عكا. ولقد باعه أحد دوقيتي النمسا لأحد أباطرة ألمانيا الذي سجنه في هذا المكان. كان ذلك العهد عهد البربرية، فيا للفرق العظيم بينه وبين عهدنا هذا! لقد رأى الجميع كيف نهجت مع إمبراطور النمسا الذي كنت أستطيع سجنه لو أردت. وإني لسوف أنهج معه النهج نفسه فالأيام تريد ذلك وليس أنا!» كان نابوليون مصيبا في كلامه، فالأيام هي التي اضطرته أن يكون كريما، نبيل النفس، سهل الخلق بعد الانتصار؛ ولقد كان العصر يتحرك فيه ساعة كان يتكلم عن الفرق بين عهده وعهد البربرية، وهو يسلك تلك المسالك الشريفة مع الأمراء المقهورين. ولكنه، ولو تظاهر بممثل العصر الراقي أمام الملكية القديمة، فإن هذه إنما ستبقى جديرة بأصلها فتقف وقفة الحارس الأمين على مجاهل البربرية. إن روح القرن التاسع عشر إنما كانت الضيفة اللطيفة في معسكر أوسترلتز، إلا أن روح القرون الوسطى ستكون الجلاد الشرس في سنت هيلين.
في نهار اليوم الثامن من الشهر انتقلت أركان جيش الإمبراطور من مولك إلى سان بولتن، وبعد يومين كان نابوليون على أبواب فيينا، في الساعة التاسعة صباحا.
Bilinmeyen sayfa