قال عبد النبي بن علي المهدي للحاضرين: إني أتحسب من أهل هذين الواديين. قالوا: وما رأيت من عجائبه؟ قال: رأيت كل خلق الله من الرجال يميل طبعهم إلى النحولة والذكورة إلا من سكن بين هذين الواديين فإن طباعهم مائلة إلى الخنث وخصال النساء. قالوا: وبم تحقق عندك ذلك؟ قال: كل من الخلق يميل إلى ما يصلح به دينه ودنياه إلا أهل زبيد فإنهم مائلون إلى الأكل والشرب والملابس النظاف والمركوب الواطئ وشم الطيب وميل طباعهم إلى النساء اكثر من ميل طباعهم إلى الرجال. فقال بعض من حضر المجلس: ما وضعت بين واديين إلا كرجل يسكن بين امرأتين يميل إلى من مالت نفسه وسكنت جوارحه إليها. قال ابن المجاور: ومعضم رجالهم يتحدثون ويغانجون ويتمنطعون ويتقصفون تقصيف النساء في الحديث والحركة. حدثني أحمد بن علي بن عبد الله الجماعي الواسطي قال: ملك اليمن ملك من التبابعة يسمى الزبا فسأل رجل آخر فقال: ما فعل الله بزبا؟ فقال: بيد أي هلك فسمى البلد زب بيد. وقال آخرون: إنما سميت زبيد لأن لها واديا يسمى زبيد فسميت البلد باسم الوادي. وقال آخر: بل كانت الإبل ترعى في العقدة وفي جمع الإبل ناقة تسمى زبيد عضت الناقة في الغقدة فعرف الموضع باسم الناقة. وأما العقدة فصحيحة بقى إلى الآن شجر الأراك كثير مما يلي ادرب وخصوصا موضع يسمى حافة مسجد الهند وغيرها من المواضع. وقال آخرون: بل كانت امرأة تسكن رأس وادي زبيد تسمى زبيدة. وقال ابن المجاور: ما أظنها إلا زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور فإن محمد المنصور بن زياد بنى لها دارا ما بين وادي زبيد ورمع وهي التي سعت في بناء المكان في دولة أمير المؤمنين الأمين.
ذكر تمام قصة آل زياد
لمّا مات الحسين بن سلامة انتقل الأمر إلى طفل من آل زياد واسمه عبد الله وكفلته عمته وعبده أستاذ الدار واسمه مرجان وهو من عبيد الحسين بن سلامة. فاستقرت الوزارة لمرجان وكان له عبدان فحلان من الحبشة رباهما في الصغر وولاهما في الكبر أحدهما يسمى نفيس وهو الذي تولى التدبير في الحضرة والثاني يسمى نجاح وهو جد ملوك زبيد الذين أبادهم علي بن المهدي سنة أربع وخمسين وخمس مائة. ونجاح هذا هو أبو الملك سعيد الأحول قاتل علي ابن محمد الصليحي القائم في اليمن بالدعوة المستنصرية وهو أيضًا أبو المكرم الفاضل أبي الطامي جياش، ولم يزل الملك في عقب جياش المذكور إلى التاريخ المذكور. فكان نجاح يتولى أعمال الكدراء والمهجم ومور والواديين، هذه الأعمال الشامية والأعمال الشمالية عن زبيد. ثم وقع التنافس بين نفيس ونجاح عبدي مرجان على وزارة الحضرة، وكان نفيس ظلوما غشوما ونجاح عادلا رؤفا إلا أن مولاهما مرجان يميل مع نفيس على نجاح. ونم إلى نفيس إنّ إبراهيم بن زياد مولاه وعمته كاتبا نجاحا وإنّها تميل إليه فشكى فعلها إلى مولاه مرجان فقبض مرجان عليها وعلى ابن أخيها إبراهيم بن زياد وهو آخر بني زياد ودفعهما إلى نفيس فبنى عليهما جدارا وهما قائمان يناشدانه الله ﷿ حتى ختم عليهما. وزالت دولة بني زياد وانتقلت إلى عبيد عبيدهم فتكون دولة بني زياد في اليمن مائتين وثلاث سنين لأنهم اختطوا مدينة زبيد سنة أربع ومائتين وزالت عنهم سنة سبع وأربعمائة.
فصل
1 / 27