Osmanlı Fethinden Yakın Zamana Kadar Mısır Tarihi
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
Türler
وإن اهتمام هذه الأسرة وأمثالها بجمع الكتب وتسهيل إعارتها يدلنا بعض الدلالة على مقدار إقبال الناس على العلم في هذه الأيام. ويؤيد لنا ميل الناس إلى الانقطاع إلى طلب العلم ذكر ذلك العدد الكبير من أهل العلم والتأليف الذي عني «الجبرتي» بكتابة تراجمهم؛ من مشايخ الأساتذة والعلماء، والمؤرخين والشعراء، وغيرهم ممن ليس لهم نظير في زماننا، غير أن اشتغالهم كان قاصرا على مدارسة قواعد العلوم اللسانية والشرعية والرياضة النظرية، فلا هم تأثروا بالنهضة العلمية بأوروبا، ولا هم رجعوا إلى النهضة العربية القديمة التي جعلت عصر الرشيد والأمين والمأمون من أزهر عصور العلوم العملية. (5) تجارة مصر وشواطئ البحر الأبيض، وتأثرها بالاستكشافات البرتقالية في أفريقيا
كان سلاطين دولتي المماليك البحرية والبرجية في سعة عظيمة من المال، تدل عليها مبانيها الشاهقة وآثارهم النفيسة؛ لأن موارد ثروتهم لم تكن بالطبع قاصرة على الزراعة التي هي أساس ثروة مصر الآن، بل إن كثيرا منها كان من الضرائب المفروضة على التجارة الهندية العظيمة عند مرورها إلى أوروبا؛ وذلك أنه قبل الاهتداء إلى الطريق المؤدية من أوروبا إلى الهند حول جنوبي أفريقيا لم يكن للتجارة الهندية مع أوروبا إلا طريق البحر المتوسط؛ تنقل البضائع برا من الخليج الفارسي أو البحر الأحمر إلى إسكندرونة أو الإسكندرية على شاطئ البحر الأبيض، ومنهما تنقل بطريق هذا البحر إلى مدينة «البندقية» حيث توزع في أوروبا، وسواء أنقلت البضائع بطريق الخليج الفارسي أم بطريق البحر الأحمر - وهو الأغلب لموافقته - تمر لا محالة من أراضي المماليك؛ إذ هم المالكون في ذلك الوقت لمصر والشام معا؛ فانتفع المماليك بهذه المزية أيما انتفاع، وضربوا مكوسا كبيرة على التجارة عند دخولها في أملاكهم وعند خروجها منها؛ فكان ذلك يأتيهم بدخل لا يستهان به.
بقايا الصناعات المصرية: (1) مصنع نسيج (2) مصنع زجاج.
وقد كان لمرور التجارة الهندية من هاتين الطريقين أكبر أثر في ترويج تجارة البحر الأبيض المتوسط، وعظمت بسببها ثروة الدولتين اللتين اشتهرتا بالملاحة فيه؛ وهما: «جنوة» و«البندقية»، ولا سيما الأخيرة؛ فإن تجارها نالوا لدى المماليك حظوة كبيرة وصلت بهم في آخر الأمر إلى احتكار نقل هذه التجارة العظيمة.
ولم يتفق المؤرخون على تفاصيل مقدار المكوس التي كان يجبيها المماليك من هذه التجارة، ولكن المفهوم من تقدير معظمهم أنها لم تقل عن سدس ما تساويه البضاعة وقت وصولها إلى حدود الأملاك المصرية، وسدس ما تساويه أيضا عند خروجها من موانيها؛ فإذا فرضنا أن أحد تجار العرب اشترى من الهند بضاعة بما يعادل 10000 جنيه مثلا، وسلك طريق البحر الأحمر حتى رسا بها في السويس، أصبحت قيمتها بالطبع أعظم كثيرا مما اشتريت به من المواني الهندية، ولنفرض أنها صارت تساوي 18000 جنيه مثلا؛ فيكون ما يدفع عنها من المكوس حينئذ يعادل 18000 × = 3000 جنيه، ثم يشتريها تاجر آخر، فينقلها إلى الإسكندرية ليبيعها إلى أحد تجار البندقية، فتزيد قيمتها بالطبع بقدر ما دفع عليها من المكس وأجر النقل، وبقدر الربح الذي يريده التاجر الثاني، ولنفرض أنها صارت تساوي 30000 جنيه، فتكون مكوسها بالإسكندرية تعادل 30000 × = 5000 جنيه؛ أي إن مجموع ما دفع عليها من المكوس يبلغ 3000 + 5000 = 8000 جنيه، وذلك عدا ما يكون قد دفع عنها لعمال الحكومة على سبيل الهدايا أو الرشوة مما يقدر بألف جنيه أو ألفين؛ أي إن مجموع ما دخل الأراضي المصرية من المال بسبب مرور هذه البضاعة فيها «10000 جنيه تقريبا» يقرب من الثمن الأصلي الذي دفع عنها في الهند. زد على ذلك أن تجار العرب كانوا تحت رحمة المماليك؛ يصادرونهم أحيانا، ويقترضون منهم قهرا كلما احتاجوا إلى المال، ومن ذلك نعلم السر في بقاء دولتي المماليك البحرية والجراكسة على تلك الدرجة العظيمة من الثروة التي مكنتهم من حفظ أبهة الملك وتشييد القصور الشاهقة والمباني الفاخرة جيلا بعد جيل.
ولا يخفى أن البضاعة التي اشتراها تاجر البندقية من مصر بمقدار 35000 جنيه كانت تباع في أوروبا بأبهظ الأسعار، وربما بلغ ثمنها هنالك 70000 جنيه؛ فاشتغل الحسد في الممالك الأوروبية الأخرى من هذه الأرباح العظيمة، التي لا ينقطع تدفقها في جيوب البنادقة والمصريين بسبب احتكار التجارة الهندية؛ فدفعهم ذلك إلى التفكير في الاهتداء إلى طريق أخرى توصل إلى الهند، حتى ينالهم شطر من أرباح تلك التجارة العظيمة، وساعد على إثارة هذه الهمة قيام النهضة العلمية العامة التي ابتدأت في أوروبا بعد فتح القسطنطينية - نهضة إحياء العلوم - وولدت في تلك البلاد روح الاستطلاع والاستكشاف.
وأول من فكر من الأوروبيين في البحث عن طريق أخرى إلى الهند هم «البرتقال»، وهم أمة تسكن الجزء الغربي من شبه جزيرة الأندلس، كانوا إحدى الإمارات التي استولت عليها العرب في الأندلس، وانسلخوا عن حكمهم قبل إجلاء العرب من تلك البلاد في سنة (897ه/1492م) بقرنين تقريبا. ومن ذلك الحين أخذوا يدافعون عن استقلالهم من غارات مملكة «قشتالة» - كستيل - المجاورة لهم، حتى أمنوا شرها بانتصارهم عليها في واقعة «الجبروتا» سنة (787ه/1385م).
ثم تولى عرش البرتقال الأمير «هنري» - الشهير بهنري «الملاح» لكثرة استكشافاته البحرية وعظم ما أصلحه في الملاحة - فتم في أيامه من الاستكشافات ما نسخ آراء الأقدمين بشأن شكل العالم المعمور، وكانت عاقبته كشف طريق الهند والدنيا الجديدة.
شرع هذا الملك منذ سنة (821ه/1418م) في العمل على كشف طريق جديد للهند، فأقام بثغر «سجر» في الجنوب الغربي من البرتقال - وهو يكاد يكون أقصى نقطة في أوروبا من جهة الغرب - وأنشأ فيه مرصدا ومدرسة بحرية لتعليم الملاحة، ودعا إليها علماء الفلك وكبار الملمين برسم المصورات الجغرافية، وعني بصنع السفن العظيمة للاستكشاف خاصة، وأدخل فيها استعمال بيت الإبرة - البوصلة - ناقلا استعمالها عن العرب، وحسن آلة «الأسطرلاب» التي يعرف بها خط العرض بالتقريب.
ثم عول بعد استشارة من حوله من العلماء على تتبع شاطئ أفريقيا بقصد بلوغ الهند. وكان الشاطئ الغربي من أفريقيا لا يعلم منه حينئذ لأهل أوروبا شيء جنوبي «رأس بوجادور». وكانت المصورات الجغرافية التي رسمها الأقدمون بعضها يمثل بقية أفريقيا بنصف دائرة تمتد من الشمال الغربي - جهة مراكش - إلى جنوبي البحر الأحمر، وبعضها يتركه غير محدود إشارة إلى أنه لم يكشف بعد.
Bilinmeyen sayfa