ويبدو أن الإنسان قد خال أن ما كان يشهده من التغييرات والأحداث، إنما كان من أثر تدخل كائن غير منظور مثل عجلة إله الشمس التي حسبها مسوقة في السماء يوما بعد يوم، كما حسب أن السحب فيها بقر يدر اللبن فينزل من السماء إلى الأرض مغذيا تربتها بالخصوبة! صحيح أن هذه الأساطير صبيانية، لكنها تنم، ولا ريب، عن التقدم نحو الشعور بحاجة الإنسان إلى توضيح ما يرى. إنها فروض هيأت إلى تعرف الجمال والإلهام الشعري والفني، قائمة بمهمة أولية وخطيرة في التمهيد إلى بحث أوفى، مكسبة معرفة مفيدة وعظيمة في التحليل المنطقي قبل أن تتأيد هذه الإيضاحات الأولية. هذا وثم نظريات صحيحة قد لا ينتفع بها في عصر الهمجية، كنظرية «نيوتن» في الثقل، في حين أن النظريات الباطلة كان ينتفع بها يومئذ، وأن النظريات الصحيحة مجدية في عصر الحضارة.
ولعل ظواهر السماء كانت أول ما استرعى نظر الإنسان الأول؛ ولذا كان علم الفلك على رأس العلوم الإنسانية. فقد برهنت آثار ما قبل التاريخ على أن الإنسان البدائي كان يعرف شيئا من الملاحظة التنجيمية، وعلى أن الكلدانيين قد عرفوا شيئا من قوانين الكسوف والخسوف.
وعن آسيا أخذ اليونانيون الأفكار الأولى للعلم، وفي فلسفة ثيلز ميليتاس (580ق.م) وفلاسفة اليونان، يتبين المثل الأول في تقدم النظرة المثيولوچية للطبيعة، ثم جاء أناكسمينز فأيد دوران السماء حول النجم القطبي، ذاكرا أن القبة التي فوقنا نصف دائرة كاملة، وكانت الأساطير تصور الأرض محرومة من قاعدة تمتد إلى الأعماق؛ أي لا عمق لها، وأنها تركت حرة لتكون كأسطوانة سطحت عند مركز الكرة الكستيلية. هذا ويبدو أن أناكسمينز قد عرف أيضا مذهب تناسق الطبيعة القاضي بأن جميع التغييرات المادية لا بد أن يكون لها سبب حقيقي.
بعد هذا جاء الفيثاغوريون فبسطوا هذه النظريات: فعندهم أن الأرض ذاتها قد تكون دائرة تدور حول نقطة مركزية ثابتة كحجر في طرف خيط، وأن الجزء غير المسكون من الأرض هو النقطة الثابتة. أما الجزء المسكون فهو يواجه الأجزاء المختلفة للسماء. وقد وضعوا في النقطة المركزية الثابتة نارا عامة كنار المذبح تستخدم كمركز لدوران الأرض العابدة. ثم إنه في القرن الرابع قبل الميلاد لم يأت الكشف الجغرافي بما ينبئ عن أية علامة على هذه النار المركزية، بل إن فكرة وجود النار قد ماتت وحل محلها نظرية دوران الأرض حول محورها. وكان عند «أريستارخوس في 280ق.م» أن الشمس أكبر من الأرض، وأنه لا بد أن تكون الأولى دائرة حول الثانية، غير أن أكثر معاصري «أريستارخوس» لم يحفلوا بنظريته، فلبثت الأرض قرونا مركز النشوء.
هذا وفي الوقت الذي ولد فيه علم الفلك، ظهرت مسألة المادة. ذلك أن الفلاسفة الطبيعيين الأبونيين كانوا يتتبعون سير التغييرات من الأرض والمادة إلى تركيب جهاز النبات وأجسام الحيوان. ومن هذا التتبع نشأت نظرية أن المادة لا تفنى. (2-1) الإحصاء وتعداد النفوس
يفسر «معجم ليتراي» لفظة إحصاء بعلم غايته إظهار مساحة البلاد وعدد سكانها ومواردها الزراعية. هذا ويبدو أن باو إمبراطور الصين أمر في سنة 2238 قبل المسيح بإحصاء رعاياه وتقدير مقتنياتهم. أما موسى فقد أحصى الشعب العبراني على ما هو مبين في سفر العدد بالتوراة؛ وذلك قبل المسيح بسبعة عشر قرنا، وأحصي الشعب الفرنسوي سنة 1328. وكان نابليون الكبير شديد العناية بالإحصاء، ففي سنة 1801 أمر بإحصاء الشعب الفرنسوي . ومنذ ذلك الحين اتسعت دائرة الإحصاء، فأول إحصاء قضائي حدث سنة 1825، وأول إحصاء تجاري وصناعي تم في سنة 1834، أما أول إحصاء في السكك الحديدية فقد كان في سنة 1846.
هناك نظريتان عن تعداد النفوس والإحصاء، أولهما أن الإنسان البدائي لا يمكن أن يكون قد عرف ذلك. أما النظرية الثانية فلا تجعل معرفته بالتعداد والإحصاء أمرا مستحيلا. يبدو هذا كما ذكرته التوراة من أن داود أحصى شعبه. وكان الغرض من الإحصاء تعداد الرجال للحرب وتقدير الجباية. وكان الرومانيون، لما طبعوا عليه من النظام، مغرمين بالإحصاء؛ فقد ذكر الإحصاء وتعداد نفوس في عهد أوغسطس إمبراطور الدولة.
أما في القرون الوسطى فكان الإحصاء من أجل تقدير الرجال والمال للأغراض الحربية. أما الإحصاء الحديث فيبتدئ من سنة 1749 حين أحصت السويد سكانها إحصاء لا يختلف عن الإحصاءات التي تجريها الحكومات الآن من حيث المبدأ. وفي سنة 1753 حاولت الحكومات الإنجليزية أن تجري إحصاء فرفض البرلمان؛ لأن الأعضاء شعروا أن الغاية من هذا الإحصاء هو معرفة الزوايا التي تختبئ فيها الثروات بغية فرض ضرائب عليها؛ وذلك لأن في ورقة الإحصاء أسئلة خاصة عن مقدار الدخل وماهية الصناعة وما إلى ذلك. أما الإحصاء العام الآن في جميع البلاد المتدينة فهو يؤخذ مرة كل 10 سنوات أو مرة كل 5 سنوات. ويذكر فيه هل الشخص متزوج أم أعزب، أبله أم عاقل، أعمى أم مبصر، وكذلك قيمة دخله وصناعته وما إلى ذلك.
ونحن في غنى عن بيان ما للتعداد والإحصاء من الفوائد والضرورات. (2-2) علم الطب والصيدلة
ليس من اليسير تقصي فكرة العلاج والطب واتخاذ الأدوية، وإن كانت الأمراض قد صاحبت الإنسان منذ ظهر على الأرض. غير أننا سنذكرها شيئا عن الطب القديم.
Bilinmeyen sayfa