ومن أعمالهم أيضا أنهم كانوا يرسمون صور الآلهة على جدران الأقباء أو الدهاليز المظلمة المقامة تحت الأرض، وما هي إلا لحظة حتى تلتهب تلك الصور كأنها بقوة سحرية. والمعروف أن تلك الصور كانت من مواد قابلة للالتهاب، فإذا مست النار جزءا منها سرت في سائر الأجزاء وأحدث التهابها دهشة عظيمة!
وهناك ضروب أخرى من الشعوذة كان يمارسها قدماء المصريين. وعنهم أخذ اليونان حتى قيل إن كهنة دلفي وأفسس وغيرهم تلقوا السحر والشعوذة عن المصريين. ومن عادة الرومان أنهم ما كانوا يقيمون وليمة إلا وللشعوذة منها نصيب كبير.
ولم يتفق العلماء حتى الآن على تعليل الشعوذة التي كان يقوم بها كهان دلفي ببلاد اليونان. فقد كان الملوك وقادة الجيوش يقصدونهم إذا عزموا على القيام بغزوة أو حرب، ويستطلعون ما هو مقدر لهم في صحف الغيب كما قدمنا. فإذا ألقوا على أولئك الكهان سؤالا سمعوا أصواتا لا يعلمون من أين هي ردا على سؤالهم. ومن المحتمل أن الكهان كانوا يحسنون إخراج الأصوات من بطونهم؛ وهو ما يعرف اليوم «بالفتيرولوكويسم».
وإذا عدنا إلى العصور المتوسطة رأينا أن الشعوذة كانت منتشرة فيها انتشارا عظيما. فقد أشار تشوسر الشاعر الإنجليزي إلى مرئيات غريبة كانت تظهر في بعض الاحتفالات وتمثل مواقع قتال ومشاهد صيد وحوادث مختلفة. وذكر السر چون مندفيل أنه شاهد مثل ذلك في قصر أحد أقيال الشرق. وروى «تشليني» في أواسط القرن السادس عشر أنه رأى صورا ورسوما مدهشة بارزة على ستار في الظلام في بناء الكولوسيوم بمدينة روما. والأرجح أن جميع هذه المناظر كانت مما يعرف اليوم بالفانوس السحري. وقد كان البعض يعتقدون أن الفانوس السحري من مخترعات القرن السابع عشر.
ومما يجدر بالذكر أن الفيلسوف ديكارت الذي نبغ في النصف الأول من القرن السابع عشر صنع تمثالا شبيها بالإنسان الميكانيكي، الذي شاع صنعه اليوم في أمريكا والذي يسمى «روبوت» أو «أوتومات»، وكان ينطق بكلمات وعبارات تدهش السامعين. قيل إن ديكارت كان مسافرا ذات يوم في سفينة ومعه هذا التمثال، فلما رآه ربان السفينة تشاءم منه وقذفه إلى البحر وفي أواخر القرن السابع عشر عرض رجل إنجليزي يسمى توماس إبرسون في قصر تشارلس الثاني تمثال رجل يتكلم ويجيب على أسئلة السائلين. وتعليل ذلك أن التمثال كان دقيق الصنع جدا، وكان مجوفا يختفي في داخله رجل ذكي الفؤاد يتكلم عدة ألسنة ويخرج من جوفه أصواتا غريبة كأنها آتية من بعد. ولم تنكشف جلية هذا الاختراع إلا بعد مرور الزمن.
ومن ضروب الشعوذة أن أحدهم قد يدفن نفسه حيا ويظل مدفونا أياما في مكان لا يتطرق إليه النور أو الهواء أو الغذاء حسب الظاهر. ومع ذلك ينتفض بعد أيام من قبره كأنه ينفض عنه غبار الموت.
ومن أعمال مشعوذي الهند أيضا أنهم يمشون حفاة على النار جيئة وذهابا ولا تحترق أقدامهم. ولعل هذا من قبيل الخداع البصري أو لعله يستند إلى الاستهواء؛ أي التنويم المغناطيسي. وأغرب منه ما يفعله بعض دراويش الهند حين يلقي حبلا في الهواء فينتصب الحبل في الجو فيتسلقه الدرويش كأنه يصعد في الجو، ويظل صاعدا صاعدا إلى أن يختفي عن الأنظار. وما هي إلا لحظة حتى يظهر بين الجمهور بغتة. أو قد يتسلق الحبل الممدود في الجو ومعه ولده وبيده سكين، ومتى وصل إلى ارتفاع كبير عمد إلى الولد فذبحه وألقى رأسه بعيدا وظل الدم يسيل غزيرا، فيهيج الجمهور ويريد الفتك بذلك الدرويش، الذي يختفي في الجو فجأة، ومتى هدأت ثائرة القوم ظهر بينهم ومعه الولد المذبوح!
وقد حاول الكثيرون أن يعرفوا سر هذه الشعوذة فلم يوفقوا إلى ذلك. وحاول بعضهم رشوة بعض دراويش الهند بمبالغ كبيرة؛ ليكشفوا لهم سر تلك الظاهرة فلم يفوزوا بطائل. وعند بعض علماء النفس أن التعليل الوحيد لتلك الظاهرة هو التنويم المغناطيسي؛ أي إن المشعوذ يستهوي الجمهور وينومه تنويما مغناطيسيا ويوهمه أنه يرى ذلك المنظر الغريب.
ومن هذا القبيل ما عرضه منذ سنة تماما رجل هندي من البراهمة في إنجلترا، فإنه كان يثب أمام جمهور النظارة في الهواء ويجلس القرفصاء وهو غير معلق بشيء أو مستند إلى شيء، وكان يظل كذلك مدة وهو مكتوف اليدين، وقد تبين بعد ذلك أنه كان في الحقيقة يجلس على أسلاك حديدية غير منظورة.
ويقول الكاتب: لعل أغرب أنواع الشعوذة في الوقت الحاضر ما يشبه أعمال دراويش الهند من قطع رأس الإنسان أو نثر بعض أعضاء جسمه، ثم إعادة الرأس المقطوع أو الأعضاء المبتورة إلى أماكنها. وليس من السهل شرح هذه الحيلة في مثل هذه العجالة، وإنما نقول: إنها تستلزم استعدادا خاصا وأدوات وآلات خاصة. (3) الخرافة
Bilinmeyen sayfa