وعند «هربرت سبنسر» في كتابه «مبادئ الاجتماع» أن أصل العبادة كلها الرجل الميت. وعند الدكتور جيفونز في كتابه «مقدمة لتاريخ الدين في 1896» أن الدين الأولي يرجع إلى «التيتو تيميزم» عبادة الحيوان. وعند «تايلور» في كتابه «الثقافة الأولية» أن الاعتقاد في الكائنات مسألة روحية. وعند الدكتور روبرتسون في كتابه «محاضرات عن ديانة الساميين» أن الطقوس الدينية مسألة أولية. أما العقائد والأساطير فمسألة ثانوية، وعند «هويت» في كتابه «القبائل الوطنية في أستراليا الجنوبية الشرقية» أن هذه القبائل تذهب إلى أن القوانين والطقوس الدينية، قد بدأها كائن أعلى مثل «نوراند بيري»، الذين عمل كل شيء على الأرض أو «نوريلي» الذي خلق البلاد بأنهارها وأشجارها وحيوانها.
وعلى الجملة يذهب علماء أوروبا إلى أن «الإله» هو الذاتية التي تتخذ للعبادة، ومن ثم تنطبق على الكائنات التي هي أسمى من الإنسان، والتي تصور في القصص السماوية والأساطير بأنها ذات سلطان على الطبيعة والإنسان ومشخصة في دائرة خاصة من النشاط أو في مادة مرئية أو صنم. فالكائن الأسمى، على وجه عام، هو خالق الكون أو من كان محلا لعقيدة أو عبادة دينية.
ويقول دوركيم في كتابه: «صور أولية للحياة الدينية»: إن الحفلات والأعياد والمجتمعات التي كان الإنسان البدائي يشهدها كانت تبعث في نفسه شعورا بالنشاط والقوة واللذة، ومن ثم يغمره الأمل والزهو، فيحسب نفسه أعلى مرتبة من الأفراد الآخرين. ولما لم يكن عقل ذلك الإنسان قد نضج وأوتي الرجاحة بعد، فقد اعتقد أن هناك قوة فوق طبيعيته تسيطر عليها وتعلو بها عن محيطه.
وهناك جماعات بدائية لم تدرك الفكرة الإلهية على صورة واضحة، فتعددت آلهتها ووظيفة كل إله منها، وشملت الأشباح وجثث الموتى وأنواع الحيوان وما في السماء وما على الأرض، بل شملت - إلى المرئيات والحسيات - المعنويات، منتهية من هذا كله إلى أن هناك قوة أو قوى مجهولة أو سلطات لا حد لها تتحكم في حياة البشر.
ويذهب الفيلسوف الفرنسي «رينان» في كتابه: التاريخ العام للغات السامية ومقاله في الجريدة الآسيوية وكتاب أصل اللغة، إلى أن الجنس في مجموعه ينبغي أن يحكم عليه وفاقا للنتيجة النهائية التي وصل إليها على غرار الشئون الإنسانية، وأن الصبغة العامة للجنس ينبغي أن توضع تبعا لصبغة الشعوب الممثلة لهذا الجنس تمام التمثيل، وأن الجنس السامي هو الواضع لمبدأ التوحيد الإلهي والمبشر به كنتيجة لاستعداد جنسي خاص، وأن الأمة اليهودية التي تمثل الجنس السامي لم تنتقل من التعدد إلى التوحيد على أثر تفكير طويل في الإلهيات أو تطور عقلي بطيء انتهى إلى تصور أصدق مما سبقه للسبب الأعلى، وأن من هذا الاستعداد الخاص للجنس السامي جاءت غريزة التوحيد الذي جعل هذا الجنس ينعم بنهج خاص من المناهج الدينية، التي تستند إلى فكرة وجود سلطة عليا مطلقة مركزة في ذات واحدة هي التي خلقت السماء والأرض. وأن هذه الفكرة جاءت إلهاما فطريا كالإلهام الذي أفضى إلى خلق الكلام.
على أن «رينان» لا يذهب إلى أن مبدأ التوحيد كان عقيدة الساميين جميعا، بل عقيدة الطبقة العالية في أول الأمر، بل أفراد منها، شأن كل العقائد في بداية الأمر. ثم إن «رينان» يذهب إلى أن سمات الساميين الوثنيين لا يستطاع تفسيرها إلا إذا قلنا إنه كانت لهم غريزة فطرية عن الألوهية تناقض تصور الآريين لها، ومن هنا كان الذي يميز الجنس السامي هو نقاء عقيدته من التعقيدات مع الإحساس المطلق بالوحدة، ذلك أن الوحدة والبساطة هما ميزتاه، ومن ثم فهو جنس غير كامل بسبب بساطته، على أن هذه البساطة قد ساعدته على تبسيط التفكير الإنساني والحيلولة دون التعدد والتعقيد الذي كان ديدن الآريين. (1-1) رأي المؤلف
هذا ما ينادي به «رينان» وعندنا أن التوحيد، كسائر المعتقدات والآراء لا يمكن أن يكون قد جاء دفعة واحدة استجابة للغريزة الفطرية في الجنس السامي وحده، بل إن التوحيد قد جاز مراحل شتى في الحياة البشرية، وأن الكثير من الأحداث والعوامل قد أدى إليه. ذلك أن العرب غير اليهود وهم من الجنس السامي لم يعرفوا التوحيد قبل الإسلام، وأن الآريين، وهم من البشر وإن افترقوا عن الساميين في النشأة وأحداث الحياة ومطالبها، لم يكن هناك ما يدعو إلى أن لا تنبت عندهم هذه الغريزة؛ غريزة التوحيد. (2) التأليه
عند الفلاسفة المتأخرين أن التأليه يرجع إلى ثلاثة مصادر: أولها التأليه الأولي أو الاجتماعي، ومبعثه القصص المتوارثة بين عامة الناس والتربية والعادة، أعني أن المميز الفاصل لهذا التأليه هو أنه يؤخذ بالتواتر لا عن الروية وإمعان النظر. وثانيها التفلسف، أعني التأليه الناشئ عن العقل الإنساني الذي هو منحة سماوية؛ فتأليه الذوات والأشياء يجيء ثمرة للتفكير والمنطق، وعند أصحاب هذه النظرية أن الإله هو مبدأ كل وجود وتعقل، وأساس كل معرفة يقينية. أما ثالثها الإشراق، فهي حالة روحية نفسانية نورانية شخصية يشعر بها الفرد شعورا داخليا مستقلا عن غيره، فيحس أن هناك إلها قد خلقه وألهمه ووجهه، دون أن يكون مأتى هذا الشعور محاكاة للجمهور كما في التأليه الاجتماعي أو منطقا كما في التفلسف. (2-1) الإلهام والوحي
هناك لحظات يغيب فيها بعض الناس عما بين ظهرانيهم، وبعدئذ تتفجر قرائحهم عن أروع الحكم والشعر وصنوف الإنتاج الفكري والابتكار الفني والصناعي، أو تغمرهم موجة روحية تنتهي بهم إلى أن يعتقدوا أنهم أصحاب رسالة ما في الحياة، وأن عليهم أن يؤدوا هذه الرسالة إلى قومهم أو إلى العالم كله، مهما تكن الشقة بعيدة والعقبات غير مشجعة.
وعند علماء الاجتماع أن أصل الديانات يرجع إلى تقديس الحيوان وعبادته (تيتو تيميزم)، أو تعظيم الأشجار. على أن علماء آخرين يذهبون إلى أن تأليه الحيوان أو الجماد إنما جاء على أنه رمز للإله المعنوي أو الآلهة أو القوى غير المنظورة السامية على الطبيعة. (2-2) عبادة الشمس
Bilinmeyen sayfa