وعند «دي فريز» النباتي الهولندي أن أصل الأنواع يرجع إلى الطفرة؛ أي إلى تغييرات فجائية. (3) رأي المؤلف
أوردنا فيما تقدم آراء الفلاسفة القدماء والعصريين في نظرية «التطور»، ثم في نقيضها «التدهور»، وعندنا أن الفريقين قد غاليا في آرائهما، ذلك أن نشوء الحياة ونموها أو ضمورها من المسائل التي أعيت المفكرين، فإذا كان بعضهم، خاصة في نظرية التطور، قد وفق فيما أراد أن يقرره بعد القيام ببعض التجاريب فليس هذا التوفيق يناهض دليلا على تعميم النظرية في كل شيء حتى في الشئون الاجتماعية.
وجملة ما يسعنا أن نقوله: هو أن في حياة الكون أشياء، قد ظهرت فجأة كثوران العواصف والبراكين والزلازل مهما نحاول تعليل حدوثها.
وثم أشياء لا تتكون ولا تنضج إلا بعد تدرجها في سلم الارتقاء كالجنين والعلوم والمستحدثات. كذلك هناك أشياء تنقص وتضعف وتتقهقر وتنمحي من الحياة محوا، كحالة الإنسان حين يمرض أو حين يبلغ الشيخوخة إلى أن يموت، وكحالة الضواري المنقرضة واشتداد البرودة في إحدى البقاع.
وعلى هذا نستطيع أن نقرر أن الحياة مزيج من الثورة والتطور والتدهور، وأنه قد يكون الإنسان البدائي، الذي لم نعرف عنه شيئا ما أو عرفنا عنه شيئا كثيرا، أعظم حضارة من خلفه. أو قد يكون ما نعده الآن أرقى مما مضى ليس تطورا إلى الأرقى، بل هو خروج على الحياة الطبيعية، قد يفضي إلى نهاية غير سارة إذ إننا نقيس الأشياء بعقولنا لا بحقيقة الأشياء، هذه الحقيقة التي أكثرها لا يزال مجهولا.
الفصل التاسع
العصور الچيولوچية وعصور المصنوعات المعدنية
رأينا في (الفصل الثالث: الحياة على الكرة الأرضية) أن الحياة على الأرض قد تقلبت في مراحل كثيرة، وأنه كان هناك عصر لم تكن فيه حياة ما على الأرض وهو «العصر الآزويكي» كما يؤخذ من الصخور والبقايا التي خلفها، وأن عصر البليزويك الأدنى قد ظهرت فيه أمارات الحياة كقشر المحار والقواقع والدنيئيات والديدان البحرية، وأن الأرض قد استهدفت لصنوف من الطقس خاصة عصور الجليد، وأنه قد تبع هذا ظهور البرمائيات فالزواحف «الفصل الرابع»، فاللبونات «الفصل الخامس»، فالقردة والإنسان الناقص «الفصل السادس»، فالإنسان التام «الفصل السابع».
هذا وقد تتابعت على الأرض أزمنة أو عصور چيولوچية. (1) الچيولوچيا: علم طبقات الأرض «چيولوچيا» يونانية: «چو» أرض و«لوچيا» علم، وعلى هذا كانت الچيولوچيا علم البحث عن التاريخ الطبيعي للأرض. فهو يتتبع التقدم التركيبي للأرض منذ ابتدائها متمشيا مع عصورها إلى الآن. كذلك يبين حالة تطور مظاهر سطح الأرض وكيف انفصلت بعض القارات عن بعض، وبرزت الجبال وانفتحت الوديان وعرفت رءوس الصخور والمهاوي التي بينها. والچيولوچيا - إلى هذا - توضح حالة النبات والحيوان وسلالاتهما الدائبة التطور. وهناك الچيولوچيا التنجيمية والفلكية التي تتحقق ظواهرها بالمجهر والمرقب الطيفي وبالتحليل الكيمائي فيما يتصل بحالة الأجسام الأخرى السماوية. وهناك الچيولوچيا الكيمائية والنهرية والحيوانية. ولكن الصخور هي في الواقع موضوع الچيولوچيا: تكوينها وتغييراتها.
ومما يقدره الأرضيون أن أفريقيا كانت متصلة برا بأوروبا وفرنسا بإنجلترا وآسيا بأمريكا شمالا. وأن حوادث وأسبابا وتقلبات خطيرة قد أحدثت هذا الانفصال.
Bilinmeyen sayfa