وهناك إنسان ناقص أو إنسان حيواني آخر يدعى «إيؤنثروباس»؛ أي «إنسان الفجر»؛ أي الإنسان الذي ظهر عند بزوغ فجر التاريخ، ذلك أنه قد وجد بيلتداون في ساسيكس، رواسب تدل على زمن بين مائة ألف سنة وبين مائة وخمسين ألفا. وعند أقلية العلماء أنه وجد قبل هذه المدة وقبل «إنسان هايدلبرج» غير أن إنسان الفجر يمتاز بكثرة أدواته وتنوعها كالمثقاب والمقشطة والسكين والرمح والسهم والبلطة. (5) الإنسان النيانديرتالي
منذ خمسين ألف سنة أو ستين ألفا، في عصر الجليد الرابع كان هناك إنسان خلف لنا جماجمه وعظامه وأدواته، وعرفنا أنه كان يستطيع أن يوقد النار وكان يسكن الكهوف ويلبس الجلود. أما فكه فقد كان ثقيلا وبارزا وأما جبهته فكانت منخفضة جدا، خطوط حاجب عينيه عظيمة جدا ورقبته لا تستطيع التحرك إلى الخلف، وإبهامه كانت إلى جانب أصابعه غير مواجهة إياها؛ أي على نقيض إبهامنا، وكان رأسه لا يتجه إلى فوق بل أماما وتحتا وعظام فكه من غير ذقن؛ أي مماثلة «لإنسان هايدلبرج»، وأسنان وجنتيه كانت أكثر تعقيدا من أسناننا فلم يكن لها أنيابنا الطويلة. أما جمجمته فتماثل جماجمنا، ولكن مخه كان أكبر من الخلف وأوطأ في مقدم الرأس. أما كفايته العقلية فتباين كفايتنا، وهو - في الجملة - لا يعد جدا لنا. وقد وجدت جماجم هذا الإنسان وعظامه في «نيانديرتال» في أوروبا؛ ولهذا فقد لقب «بالإنسان النيانديرتالي» و«النيانديرتالي».
وكان الطقس مختلفا عن طقسنا؛ أي أبرد، فقد كان الجليد يغطي شمال أوروبا إلى نهر التيمس وأواسط ألمانيا وروسيا، ولم يكن هناك قناة تفصل الأراضي البريطانية عن فرنسا، وكان البحر المتوسط والبحر الأحمر وديانا عظيمة ذات بحيرات، وكان هناك بحر داخلي يبدأ من البحر الأسود مجتازا جنوبي روسيا إلى آسيا الوسطى. وكان الطقس المعتدل لا وجود له في إسبانيا وفي أوروبا، وإنما كان يبدأ من شمال أفريقيا. وفي المدرجات الباردة وأوروبا الجنوبية كان نبات المنطقة المتجمدة قليلا متفرقا، وكان يتجمع أنواع حيوان صعب المراس كالماموث ووحيد القرن المكسوين بالصوف والثيران والإبل، وكان «النيانديرتالي» - إنسان نيانديرتال - يهيم على وجهه يأكل ما يحصل عليه من الحب والفاكهة والجذور؛ إذ إنه كان في الأصل نباتيا وإن كان يتناول قليلا من الصيد الصغير. ولم تكن أسلحته، في الجملة لتصلح للفتك بالوحوش، وإن كان يستخدم الرماح في الهجوم عليها في المعابر النهرية العصية، أو يفتح الحفر لكي تهوي إليها الضواري متتبعا قطعانها متغذيا بموتاها.
ويبدو أن «النيانديرتالي» غزير شعر الجسم، وأن نظراته كانت غير إنسانية وأن قامته لم تكن تامة الانتصاب، وأن مفاصل يده كان يستعين بها إلى جانب أقدامه حين يريد القيام ، وأنه كان يسير منفردا أو مع جماعته، ويبدو من تركيب فكه أنه لم يكن يستطيع النطق مثلنا. وقد عاش طويلا في أوروبا في خلال ألوف السنين. (6) إنسان شتاينهيمر
وقد وفق معهد التاريخ الطبيعي في «ورثمبورغ» في ألمانيا إلى العثور على بقايا عديدة من عصر ما قبل التاريخ. فقد وقع مدير المعهد الدكتور بركهيمر في ضواحي «ستوتجارت» الألمانية، على جمجمة يقدر عمرها بمائتي ألف سنة أو ثلاثمائة، أطلق عليها اسم «إنسان شتاينهيمر» وتشبه جمجمة إنسان نيانديرتال في بروز قاعدة الحاجبين وسعة المنخرين وضخامة الفك الأعلى، وتختلف الأولى عن الأخيرة في أن زاوية الوجه أدنى إلى زاوية وجه الإنسان الحاضر منها إلى الوجه النياندرتالي. كذلك كشف «بركهيمر» على مقربة من الجمجمة، بقايا فيل من أفيال أوروبا قبل نهاية العصر البليستوسيني الجليدي. وعند «بركهيمر» أن الجمجمتين لسلالتين من البشر من جد واحد لم يعرف بعد. (7) إنسان روديسيا
وبعد زمن بين الثلاثين ألفا والخمسة والثلاثين ألف سنة؛ أي بعد أن زاد الطقس دفئا، ظهرت كائنات بشرية أذكى وأعرف بالحياة وأقدر على النطق والتفاهم والتعاون، زاحفة من الجنوب أو الشرق إلى دنيا النيانديرتاليين، طاردة إياهم من كهوفهم أو مبددة لهم، متغذية بالطعام الذي كانوا يتناولونه. ومن المرجح أن تكون هذه الكائنات من دمنا وقرابتنا؛ أي أصولا للإنسان الحقيقي، فإن وعاء مخ أفرادها وإبهامها وعنقها تماثل ما لدينا من ذلك المماثلة كلها، فقد وجدت جماجم في «كروماجنون» و«جريمالدي» تدل على هذا، ثم إن قطعانا من الجياد أخذت تظهر في المدرجات حالة محل أيل فرنسا وإسبانيا، وأصبح الماموث نادرا في جنوب أوروبا عديم الوجود شمالا.
على أنه قد وجدت في صيف 1921 جمجمة، وإلى جانبها أجزاء من جمجمة أخرى في «بروكين هيل» في جنوب أفريقيا. وجاء الفحص دالا على أنه كان هناك إنسان آخر وسط بين «النيانديرتالي» وبين الإنسان الحقيقي. أما وعاء مخ الإنسان الآخر، فيدل على أن مخه كان عند مقدم الرأس أكبر من النيانديرتالي وأصغر عند الخلف مما عنده، والجمجمة منتصبة على العمود الفقري كما في الإنسان التام، وإن كان يبدو أن الوجه كان مماثلا لوجه القرد وأن خطوط حاجب العين غزيرة. وهناك خط بارز في وسط الجمجمة. وهذا هو الإنسان الذي أطلق عليه اسم «إنسان روديسيا».
وقد عثر الدكتور دارت أستاذ التشريح في جامعة ويتواتر ستراند في جوهانسبرغ على أدوات من عصر الحجر في روديسيا. وهذه البقايا تدل على أن سكانها كانوا يجمعون المنجنيز تحت إشراف المصريين الذين يرسلونه إلى مصر، وتستعمله المصريات في الزينة وتزجيج الحواجب. (8) إنسان بيكين والترنسفال وبلتدون وكينيا وفلسطين
أبانت الأحافير عن بقايا عظام وهياكل في جهات مختلفة: فوجد من هذه البقايا في بيكين ما يدل على وجود إنسان قديم أسماه العلماء أخيرا «إنسان بيكين»، وقد كان يعيش في مرتفعات الصين في بداية عصر الجليد الأكبر؛ لأن المرتفعات كانت خالية من الجليد، وكان هناك جماعات بشرية منتشرة في آسيا ومتفاوتة التطور.
وعند الدكتور (فيدنريخ) الألماني أن إنسان بيكين من أكلة لحوم البشر؛ لأنه وجدت بقاياه في كهف صيني مع بقايا 24 من الصغار.
Bilinmeyen sayfa