عند علماء الإنسان البدائي أن المادة في الحياة تتألف من عنصر واحد، في رأي بعضهم أنه الماء وعند آخرين أنه الهواء أو النار، ثم جاء علماء المصريين والصينيين منذ 1500ق.م فقدروا أن العناصر أربعة هي التراب والهواء والنار والماء. وجاء فيثاغورس في 600ق.م، فصاغ نظرية العناصر الأربعة صياغة علمية جديدة، ذاكرا أن لهذه العناصر صلة وثيقة بالحرارة والبرودة والرطوبة والجفاف، وقفا آخرون قفو فيثاغورس مقابلين بين العناصر الأربعة وبين ما في الكون من الفصول الأربعة، وأركان الأرض الأربعة والرياح الأربع وأنهار الجنة الأربعة، والأرواح الأربعة والملائكة الحارسة الأربعة.
ولعلنا في غنى عن القول بأن هذا التقدير لم يصب شاكلة الصواب. فإن العناصر تبلغ نحو المائة. (8-1) توالد المادة
هذه الظاهرة المشهودة في الحياة ترجع إلى توالد المادة ذات العناصر العديدة، فمن اندماج بعضها في بعض ينشأ النبات والحيوان ويتكاثران، فتنبض الدنيا بالحركة وتعمر بالتوالد والتكاثر.
وفي أدنى أنواع الحيوان؛ أي «الأميبيا»، يحدث التكاثر والتوالد بانقسام الحيوان إلى قسمين ، ومن الحيوان ما يبدأ الجنين على الجسم الأصلي نتوءا مطرد النمو إلى أن يستوي حيوانا مستقلا. أما في الهيدرا أو أخطبوط الماء العذب فإن الجنين يكون متصلا بأمه إلى أن يستكمل نموه. أما أكثر الأنواع في النبات والحيوان، فيحدث التوالد والتكاثر فيها باندماج نواة الخلية المذكرة بنواة الخلية المؤنثة في خلية الزيجوت. وهناك التكاثر البكري في الحيوان والنبات، وهو أن يتم التوالد بنواة الخلية المؤنثة وحدها، وهي البيضة، كما في الحيوان المائي «اللفاف» الذي يعيش في المستنقعات. أما برغوث الماء فهناك أفراد مذكرة وأخرى مؤنثة، ومن هذه: المخصب ذو القشرة الصلبة وغير المخصب البكري. وتتلاقح حشرة المن في أوقات خاصة كالخريف. ومن التكاثر البكري بيض النحل، ذلك أن الملكة تجتمع بقرينها مرة واحدة في العمر فتودع الخلايا المنوية كيسا ينفتح في قناة يمر فيها البيض إلى الخارج بارتخاء العضلات وانقباضها. وفي نبات النوشيرنا، الطحلب الأخضر، تنمو كل من الخلية المذكرة والخلية المؤنثة، فيكونا فردا.
هذا ومن النبات ما يعيش على نبات آخر كالمزلتو الذي ينمو في فرنسا وإنجلترا متطفلا على شجر التفاح، إذ تتعمق ممصاته في أنسجته، ممتصة الماء والأملاح الذائبة فيه، ذلك أن النبات يتناول غذاءه إما من الأرض بامتصاص جذوره محاليل الأملاح، وإما من الجو بامتصاص الأجزاء الخضر (الكولوروفيل) من النبات غاز الكربونيك الذي يؤلف مع الماء المادة السكرية.
على أن من النبات ما يأكل الحيوان، مثل نبات الجرة في بلاد الملايو، وفي حديقة الزهرية بالقاهرة وحامول الماء في الواحات الخارجة المصرية، ففي بعض أوراق النبات هذه ما ينطوي انطواء يشبه الجرة إلى مسافة عشرة سنتيمترات، مفرزة سائلا متخمرا ورحيقا يجذب الحشرة إليه، فتنزلق إلى القاع، وهنا يبتلعها النبات.
الفصل الرابع
عصر الزواحف
أعقب عصر البرمائيات، عصر الفحم «الكاربون» جيل أو دورة من العصور الجافة المريرية، كما يؤخذ مما خلفته الأحافير القليلة من رواسب الأحجار البلاطية والرملية. فقد طغت على اليابسة برودة ثلجية أمدا طويلا، وكان من عواقبها زوال نبات المستنقعات الذي أسلفنا الكلام عليه، وابتداء كبس سطح الأرض وتعدينها، وكان من شأن هذا أن تألفت الرواسب الفحمية. ثم إن انقشاع البرودة الثلجية رويدا رويدا، أفضى إلى دفء ورطوبة أعانا على إنتاج سلالة جديدة من النبات والحيوان الفقري، الذي قبل أن يفقس بيضه، ينمو دعموصه (أنثى الضفدع) داخل البيضة نموا يعينه على التنفس توا عوضا عما كانت عليه حال دعموصه من الحاجة إلى البقاء في الماء؛ لكي يتنفس هواءه قبل أن يستطيع تنفس الهواء من غير وساطة الماء، وفي هذا العصر لم يبق للحيوان خيشوم. أما شقوق الخيشوم فقد لازمت الجنين الحيواني قبل خروجه إلى الحياة، هذا هو عصر الزواحف الذي أعد اليابسة للحياة الحيوانية والنباتية، تاركا لظهورها الظروف المواتية والفرص الملائمة. أما الأشجار البذرية؛ أي التي تنتج من البذور، فقد وسعها أن تنمو مستقلة؛ أي في غنى عن تلمس ماء المستنقع والبحيرة، وظهر نبات السرخس والنبات الصنوبري؛ أي الذي يحمل ثمارا مخروطية الشكل. أما الزهور والحشائش فلم توجد بعد، وظهرت الخنافس قبل النحل والفراش.
هذا وتقدر المدة التي تم خلالها تنوع القشرة الأرضية على الصورة، التي هيأت الحياة المشار إليها بمائتي ألف سنة، ويطلق على هذه المدة «الزمن الميزويكي» تمييزا لها عن الزمنين الآزويكي والبالازويكي، ومدتها نحو بليون سنة و400 ألف سنة، وكانا سابقين عليه، ويسمى «الكانوزيكي»؛ أي الزمن الجديد للحياة أو عصر الزواحف الذي انتهى منذ 80 ألف سنة. وقد بقي من عصر البرمائيات نسل قليل، ومن الزواحف أكثر منها كالثعابين والسلاحف البرية والبحرية «الترسة» والتماسيح الإفريقية والأمريكية والسحالي؛ أي أنواع الحيوان الذي لا غنى له عن الحرارة والدفء طول العام. ومن الزواحف المنقرضة ما هو أكبر حجما من خلفه، كالدناصير والقياطس والحيتان والديبلودوكاس كارنيجي، وهي سحالي هائلة طولها 84 قدما، ثم الجيجانتوسوراس وطوله مائة قدم، والتيراتوسوراس أكبر من ذلك وهو هائل جدا ومرعب جدا، وظهرت أيضا الطيور الفقرية كالبتيروداكتيل قافزة واثبة بين أشجار الغابة، ومن زواحف اليابسة ما عاد إلى البحر كالموموسور والبليسيوسور والأشتيوسور وأجسامها كبيرة وبدينة ذات مجاذيف، تستطيع السباحة والزحف في الماء الضحل، ورأسها تستند إلى عنق يشبه عنق الأفعى وأكبر من عنق الأوز العراقي، متغذية بالأسماك وبما تقتات به الطيور. وقصارى القول أن الحيوان البري كان أضخم مما نعرفه.
Bilinmeyen sayfa