من العسير تعريف «الحياة» ماهيتها. وعند جمهرة الفسيولوچيين أن الحياة نوع من التوازن بين الأفعال الكيمائية والطبيعية المعقدة. وكلما نجم حافز يضيع هذا التوازن، بادر البروتوبلازم إلى إعادته، أما إذا عجز، مات الكائن حتما، ووجب أن نرجع هذا العجز إلى أن الحافز كان من القوة بحيث أصبح فقدان التوازن كبيرا لا يمكن إعادته.
هذا وقد استنبطت أداة جديدة يطلق عليها اسم «ثرموبيل» لقياس الحرارة التي تطلقها العضلة حين تنقبض إلى أربعة أجزاء من مليون جزء من درجة مقياس سنتيجراد. وثمة كواشف كيمائية أبانت أن هذا الانقباض لا يرجع إلى تأكسد السكر في الخلايا، بل إلى تكون مادة «الفوصفچين» التي يحل محلها الحامض اللبنيك بتحول الفوصفچين إلى العناصر التي تؤلفه، ثم إن الحامض اللبنيك يتحول بالتأكسد إلى ثاني أوكسيد الكربون والماء.
هذا والمفروض أنه حين بردت القشرة الأرضية وهدأت الأمطار والعواصف والرياح الشديدة، وذاب ماء البخار والغازات ونفذت أشعة الشمس رقيقة هينة، أصبحت الأرض صالحة لبدء الحياة فيها، فنبت النبات واخضر العود، ثم برز الحيوان من تربة الأرض ثمرة للتفاعل بين بعض موادها، بعد أن تدرج في مراحل عدة في ملايين السنين، ثم انتهى المزج والتفاعل بين: (1) الحيوان. (2) والنبات. (3) ومواد الأرض. أو من أحد هذه العناصر الثلاثة إلى خلق الإنسان.
ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون (قرآن كريم).
غير أن الفيلسوف آرينيوس يذهب إلى أن قوة الدفع في الضوء قد دفعت جراثيم الحياة إلى الأرض، ذلك أن هذه الأشعة تدفع الجسم الذي تهبط عليه، ثم تعود فتنسحب كما أن المدفع يعود إلى الوراء بعد الانطلاق. أما قوة الدفع فهي أقل من عشرة جرامات في الهكتار المربع، ومن ثم كانت قوة الدفع في الأشعة الشمسية على سطح الأرض مائة مليون كيلوجرام، وهي قوة تدفع جراثيم الحياة من الفضاء إلى الأرض، على أنه ليس من البعيد أن بعض هذه الجراثيم التي وصلت إلى الأرض قد انتقلت إلى بعض الأجرام الفلكية الأخرى، وعلى هذا تصل الحياة من الأرض إلى المريخ في عشرين يوما، وإلى المشتري في ثلاثة أشهر، وإلى نبتون في أربعة عشر شهرا.
ولما صعد منذ عشر سنوات العالم الأمريكي «سيتل» في منطاد إلى طبقة الستراتوسفير في الجو العالي، أبدت الخلايا المكروسكوبية، التي كان العالم قد وضعها على مقدمة المنطاد، نشاطا غريبا، وزاد توالدها في وسط الهواء الرقيق والجو البارد جدا والأشعة التي وراء البنفسجية المالئة الفضاء، وقد عادت الجراثيم حية إلى الأرض.
وعند الفيلسوف كيزرلنج أن الحياة أزلية تنتقل في الفضاء من جرم فلكي إلى آخر ومن مكان إلى مكان، وجراثيم هذه الحياة لا تفتأ تنتقل في الفضاء الفاصل بين هذه الأجرام إلى أن تهبط إلى الأجرام والأماكن التي تصلح حالتها الجوية والطبيعية لإيوائها ونموها وتكاثرها. وقد أيد العالم البريطاني الكبير اللورد كلفن هذه النظرية قائلا إنه يحتمل جدا أن تكون الحياة قد وصلت إلى أرضنا من أجرام أخرى. ذلك أن المفروض أن النبات الذي في الأرض جزء من نبات يكسو سطح الكثير من الأجرام الفلكية.
غير أن علماء آخرين يذهبون إلى أن هذه الأجرام بعضها مستقل عن بعضها الآخر، وعلى هذا لا يكون مصدر الحياة فيها جميعا واحدا. أما الأستاذ روچيه سيمونه الكاتب العالم في مجلة ميروار دي موند، فيرى أن عزلة بعض الأجرام عن بعضها الآخر عزلة خيالية، ذلك أن الكثير من الرجم والنيازك يهبط إلى الأرض من أجرام أخرى، وأن من المحتمل أن تصحب جراثيم الحياة ما يصل إلينا من الرجم، وإن كان من الرجم ما يصل إلينا مصهورا على أثر احتكاكها بالهواء الذي ينشئ على سطحها حرارة تكاد تجعل الحياة مستحيلة.
وعندي أن هناك برودة شديدة جدا من شأنها وقاية الجراثيم من أسباب الفناء كما أثبته «سيتل» فيما قدمنا.
وعند الأستاذ روچيه أنه إذا أخذنا بهذه النظرية - نظرية وصول جراثيم الحياة إلى الأرض - وجب القول بأن هذه الجراثيم قد وصلت إلينا على دفعات، على حين أنه قد ثبت أن الحياة ظهرت على الأرض، ومضت في سلك الارتقاء رويدا وتدريجا، فكانت الكائنات الحية حلقات متتابعة في خط واحد. •••
Bilinmeyen sayfa