وقد أسست الأمة الفروجية في وسط شبه جزيرة آسيا الصغرى مملكة لم نقف على تاريخها كمال الوقوف، ومن القرن العاشر كان اليونان قد أحدثوا على الساحل الغربي جملة مستعمرات يونانية وأيولية، ودورية، وكلها متقاطرة الواحدة وراء الأخرى ، وهي ميليت (ملطية)، وأزمير، وفوكيا،
10
وكولوفون، وهاليكارناس
11
وقد أسرعت هذه المستعمرات في طريق الثروة والعمارية، فخرج من أهليها رجال أحدثوا مستعمرات أخرى على سواحل البحر الأسود.
وفي نفس ذلك الزمان أخذت مملكة ليديا القديمة في الظهور، ونفضت عنها غبار الخمول الذي عاشت فيه إلى تلك الأيام، ولا شك أن روح الغيرة إنما دبت فيها حينما رأت من اجتهاد جيرانها اليونان ما رأت، ويقولون: إن ثلاث عائلات ملوكية تعاقبت على إدارة الأحكام في سرد (المعروفة الآن بمدينة سرت) تخت هذه المملكة، وهم عائلة الأتياد (عائلة خرافية لا وجود لأفرادها)، ثم الهرقليون (لأنه جاء في الرواية أنهم من ذرية هرقل الجبار)، ثم عائلة مرمناس المعروفة باسم مرمنا، وهي من سلالة سيجيس بن مرمناس الذي تولى الأحكام في حدود سنة 675، وقد اجتهد هذا الملك في إزالة المستعمرات اليونانية المتواصلة التي كانت تحول بينه وبين البحر، فأقام حروبا طويلة على مدينة ميليت (ملطية)، ولم يجده ذلك شيئا يذكر، وانتهى حكمه بمصيبة عليه، فإن الكيماريين قتلوه في إحدى الوقائع الحربية، وأخذوا سرد (سرت)، ونهبوها في نحو سنة 650، فقام ابنه أرديس (650-630) وهزمهم، ولكنه لم يوفق إلى كسر شوكتهم، فإنهم ما زالوا بعد ذلك إلى ثلاثين سنة سادات آسيا الصغرى. (4) إغارة السكيثيين والكلام على الحروب بين الليديين والماديين (سنة 591-585)
قد نزل إلى آسيا السكيثيون
12
مع الكيماريين بعد أن طردوهم من مواطنهم الأصلية، وكان قد لاقاهم آشوربانيبال في سنة 660 عند جبال أرمينية، ولكنهم في سنة 624 تقوت جماعاتهم واشتدت عصبيتهم بمن انضم إليهم من المهاجرين، فانقضوا على سهول آشور وماداي لتوفر أسباب الثروة فيهما، ولم يصدهم عن ذلك مانع فنهبوا آشور وألزموا كياكسار بأن يدفع لهم الإتاوة، ولم يتيسر لهذا الملك الرجوع لمشروعاته في الفتوحات والأطماع إلا بعد أن تخلص منهم بالقوة والقهر على رأي البعض، وبالخيانة والغدر على رأي آخرين وذلك في سنة 608 ثم تحالف مع ملك بابل فنجح في تدمير نينوي سنة 606، وكانت حصته في الغنيمة آشور الحقيقية وملحقاتها.
ولم يقف عند هذا الحد من الفوز بل نازل أمم أرمينية، وقد كاد السكيثيون يأتون على كل بلادهم خرابا، فلم تقاومه مقاومة تذكر ودخل من غير صعوبة إلى قلب آسيا الصغرى فصادمه فيها الليديون فإن ساديات (630-618) ابن أرديس استمر في محاربة اليونان وجاء بعده اليات (618-563) فانتزع منهم أزمير وأمعن في داخل البلاد حتى وصل الأقطار التي يسقيها نهر هاليس (قزل يرمق) وقد دامت الحرب بين الليديين والماديين ست سنين، ولم يفز بالغلبة فريق على الآخر، وإنما كانت بينهما سجالا، وذكروا أن الجيشين استعدا ذات يوم للقتال وفصل الخطاب وإذا بالشمس قد كسفت بغتة؛ فأحجمت أمم إيران عن القتال إلا إذا كان ضياء النهار منتشرا في الآفاق وكذلك الليديون، فإنهم على ما ظهر لم يكونوا متوثقين أكثر من أخصامهم، ولو أن طاليس الفيلسوف الملطي - على ما يقال - أنبأهم بقرب حصول هذه الظاهرة الجوية؛ فتداخل حلفاء الملكين وحملوهما على الصلح، فتقرر بينهما بقاء نهر الهاليس (قزل يرمق) حدا رسميا للمملكتين، ولأجل توطيد هذا الصلح عقد اليات على ابنته لاستياج
Bilinmeyen sayfa