إهداء
خليج الإسكندرية
مذكرات ونبذ لبعض المهندسين وغيرهم عن ترعة الإسكندرية
وثائق دار المحفوظات المصرية الملكية عن حفر ترعة المحمودية
ما ذكره سائر المؤرخين عن ترعة المحمودية
إهداء
خليج الإسكندرية
مذكرات ونبذ لبعض المهندسين وغيرهم عن ترعة الإسكندرية
وثائق دار المحفوظات المصرية الملكية عن حفر ترعة المحمودية
ما ذكره سائر المؤرخين عن ترعة المحمودية
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية
تأليف
الأمير عمر طوسون
إهداء
الأمير عمر طوسون
يهدي إلى حضرة صاحب العزة مصطفى فهمي بك مؤلفه تاريخ خليج الإسكندرية القديم وترعة المحمودية، مع أطيب التحيات.
محمد علي باشا
مقدمة
بقلم عمر طوسون
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه نبذة عن ترعة الإسكندرية، نقلناها إلى العربية من المجلد الثامن من مؤلفنا الفرنسي: «تاريخ النيل»، المطبوع بمطبعة المجمع العلمي بالقاهرة سنة 1925م، وضممنا إليها ما كتبه المؤرخون عنها، آملين أن يكون من وراء نشرها على أبناء هذا الوطن العزيز بلغة بلادهم المحبوبة ما يعود عليهم بالنفع، لا سيما أنها تتعلق بتاريخ مرفق عظيم من مرافق بلادهم الحيوية. والله المسئول أن يوفقنا إلى ما فيه نفع الوطن وأهله.
خليج الإسكندرية
لقد سمى المؤرخون على اختلاف عصورهم مجرى ماء باسم «خليج الإسكندرية» على حين أن هذا المجرى انتقل من مكانه خمس مرات في فترات متباينة فظن الكثيرون أنه هو هو منذ نشأته الأولى.
وسنذكر فيما يلي تاريخ هذا الخليج، وتاريخ الفرع الكانوبي، والتطورات التي لحقت بهذا الفرع إلى أن صار ترعة، ونبين أيضا بعض أوصافه العامة والخاصة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى استقصاء كل قسم من أقسامه. (1) لمحة عامة
كان الفرع الكانوبي في العصور الخالية أهم فروع النيل السبعة
1
القديمة (انظر الخريطة 1) حتى إن أرسطو الفيلسوف اليوناني الذائع الصيت الذي عاش من سنة 384 إلى سنة 377ق.م - وكان أستاذا وصديقا للإسكندر الأكبر - قال: «إن هذا الفرع وحده هو المجرى الطبيعي، وإن ما سواه من الفروع الأخرى حفرتها يد البشر ابتغاء تجفيف أراضي الدلتا».
وكان مبدأ هذا الفرع من رأس الدلتا القديم في الطرف الجنوبي من جزيرة الوراق التي يتكون عندها نقطة انفصال الفرع البيلوزي الممتد إلى بيلوز؛ أي: الفرما، عن الفرع الكانوبي الممتد إلى كانوب؛ أي: أبي قير. وهذان الفرعان كانت تنحصر بينهما الدلتا قديما.
ويسير الفرع الكانوبي بعد خروجه من رأس الدلتا في مجرى فرع رشيد الحالي إلى قرية زاوية البحر (الرافقة) التابعة لمركز كوم حمادة من مديرية البحيرة. وفي هذه النقطة يكون هذا الفرع كوعا؛ أي: زاوية، ويتجه إلى الشمال الغربي، ويحتمل كثيرا أن قرية زاوية البحر إنما سميت كذلك لهذا السبب، ومن المحقق أن القسم المتجه هذا الاتجاه من الفرع الكانوبي وجد قبل الفتح الإسلامي، غير أن اسمه القديم عرب في الزمن الذي حدث فيه هذا الفتح، ألا ترى مثلا أن ناحية بيلوز التي معناها باللغة اليونانية الطين تسمى في أيامنا هذه: الطينة.
ومن قرية زاوية البحر يسير الفرع المذكور في مجرى ترعة أبي دياب في اتجاه الشمال الغربي، ويمر غرب كوم جعيف الذي كان يسمى في القرون الماضية نقراطس، وهي مدينة كان قد تنازل عنها للإغريق أمازيس؛ خامس ملوك الفراعنة، وأحد الأسرة السادسة والعشرين (سنة 568-535ق.م) في مقابل الخدم التي أدوها له فاستغلوها زمنا طويلا، ودرت عليهم خيرا جزيلا، وبعد ذلك يستمر الفرع سائرا إلى أن يصل إلى قرية جنباواي، ومنها يمتد مجراه مارا بجانب قرية العوجه، وبعد ذلك يمر قرب قرية دسونس أم دينار وقراقص، ويصل إلى دمنهور (هيرموبوليس بارفا) التي قال عنها استرابون، وهو من أهل القرن الأول الميلادي: إنها بنيت على نفس النهر.
وبعد دمنهور يسير الفرع الكانوبي في مجرى ترعة دمنهور القديمة المبينة بخريطة علماء الحملة الفرنسية، والتي يشغل موضعها في الوقت الحاضر الطريق الزراعي بين دمنهور والعطف، ويستمر في سيره إلى أن يتصل بترعة الأشرفية بجوار قرية أفلاقة.
ومن هناك يسير الفرع المذكور إلى الكريون وشديا (النشو البحري) التابعة لمركز كفر الدوار؛ أي إلى مبدأ خليج الإسكندرية القديم.
وبعد شديا يتتبع الفرع الكانوبي جانب ترعة الإدكاوية القديمة المسماة الآن الترعة الكانوبية ، (انظر الخريطة 4)، تاركا كوم مازن على يمينه، ثم يسير عندئذ متتبعا مرتفع الأرض الصغير الفاصل بحيرة أبي قير عن بحيرة إدكو، ولا ريب أن هذا المرتفع هو محل الفرع القديم الذي كانت ضفافه كما هي الحال الآن مرتفعة بلا شك ارتفاعا قليلا عن سطح الأرض بحكم فعل الطمي، وبعد ذلك يمر بين كوم الذهب وكوم الطرفاية، ويبلغ البحر عند الكوم الأحمر الواقع على سكة رشيد، والمسمى الآن بالطابية الحمراء؛ نسبة إلى الحصن الذي بني فوقه، (انظر الخريطة 3).
والفرع الكانوبي كان لا يقع عند هذه النقطة، بل يمتد فوق ذلك ستة كيلومترات في خليج أبي قير، حسبما ذكر محمود باشا الفلكي بالصفحة 79 من مذكرته الفرنسية عن مدينة الإسكندرية في الأزمان الغابرة، وإليك ترجمة ما قاله: «إن سبر غور الماء الذي قام به مسيو لاروس
Larousse
قبيل عام 1859م في مرفأ أبي قير لا يترك مجالا للشك في أن موقع مصب الفرع الكانوبي كان في سفح تل الكوم الأحمر.
فمجرى مصب النهر يرى في الواقع جيدا في قاع ماء المرفأ وظاهرا بين رأسين. وهذان الرأسان الممتدان من الكوم الأحمر إلى أن يقتربا من جزيرة أبي قير على مسافة زهاء ستة كيلومترات من اليابسة في الوقت الحالي، لا يزالان إلى الآن يضمان بين جوانبهما مجرى المصب على مسافة ستة أو سبعة أمتار تحت سطحومسيو لاروس الذي ذكره الماء، بينما لا يزيد عمق هذا الماء نفسه فوق الرأسين عن مترين أو ثلاثة أو أربعة.
وقد تكون الرأسان المذكوران تحت سطح البحر من طمي النيل بالطبع، كما تكون الرأسان اللذان نراهما الآن في كلا المصبين الحاليين اللذين يمتدان في البحر مسافة تزيد على ستة كيلومترات، فتكون من كليهما بهذه الكيفية رأسان ممتدان بعد رشيد ودمياط.
ولا بد أن رأسي المصب الكانوبي كانا في الأزمان الغابرة فوق مستوى سطح البحر، وبالتالي مكونين مع الساحل لغاية رأس أبي قير شبه ميناء لمدينة كانوب». أ.ه.
ومسيو لاروس الذي ذكره هنا محمود باشا الفلكي كان مهندسا تابعا لشركة قناة السويس ، وقد كلفه الوالي سعيد باشا أن يسبر غور خليج أبي قير، والأبحاث التي قمنا بها بنفسنا في مايو سنة 1933م في الخليج المذكور، والأطلال التي عايناها أيدت صحة ما ذكره لاروس تأييدا تاما. وتأكدنا فوق ذلك أن سطح هذا الخليج كان في الأزمنة الخالية فوق مستوى سطح البحر. (2) تاريخ خليج الإسكندرية
لما أنشأ الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية كان عليه بادئ بدء أن يفكر بالطبع في إيجاد وسيلة لتزويد المدينة الجديدة بالماء؛ لأن الماء القليل الذي يحصل عليه أهالي ضيعة راكوتيس
2
من المطر والآبار لا يمكن أن يكفي حاجة سكان مدينة لها أهمية المدينة التي عزم هذا الفاتح الكبير على إنشائها، فكان من المحتم أن يوجه الفكر إلى ينبوع آخر ماؤه أكثر غزارة، وهذا الينبوع لا يمكن أن يوجد إلا في البحر الكبير؛ أي: النيل. وكان فرع هذا النهر الأقرب إلى موقع المدينة الجديدة هو الفرع الكانوبي (انظر الخريطة 3)، وإلى هذا الفرع اتجه النظر للحصول على الماء من مدينة شيديا - النشو البحري - لأن المسافة التي بينها وبين المدينة التي عقد العزم على تشييدها أقصر منها بين هذه وأي موقع آخر. وعلى هذا حفرت من شيديا إلى الإسكندرية أول ترعة للإسكندرية في فترة إنشائها، وذلك في عام 331ق.م، ورأس هذه الترعة القديم وفمها لا يزالان إلى اليوم بالحالة التي كانا عليها في عصر إقامتهما على ترعة الناصري القديمة التي تمثل مجرى الفرع الكانوبي مصغرا عن شكله القديم. (3) الفرع البولبتيني
يتفرع الفرع البولبتيني من الفرع الكانوبي عند زاوية البحر، ويسير متتبعا في سيره فرع رشيد الحالي إلى أن يبلغ البحر، أما اسمه هذا فقد استعير من مدينة بولبتين: وهي مدينة رشيد الحالية.
وهذا الفرع لم يكن في عصر هيرودوت سنة 450ق.م سوى ترعة حفرتها يد البشر كما ذكر هذا المؤرخ (انظر الخريطة 1)، وقد ورد ذكره بأنه فرع في زمن استرابون فقط؛ أي: في القرن الأول الميلادي، ولما كان هذا الفرع أكثر انحدارا واستقامة في مجراه فقد اكتسب بالتدريج مع مرور السنين والأيام لسرعة جريان الماء في النهر من الأهمية ما جعل الفرع الكانوبي يفقد أهميته، فتضاءلت أهمية جزئه الممتد من زاوية البحر إلى البحر حتى صار هذا الجزء عبارة عن ترعة لا أكثر.
وبهذا صار البولبتيني فرعا، وأصبح الكانوبي ترعة، وسنشرح ذلك فيما بعد. (4) تطورات ترعة الإسكندرية
لما ابتلع الفرع البولبتيني شيئا فشيئا الجزء العلوي من الفرع الكانوبي من زاوية البحر إلى رأس الدلتا للأسباب التي سبق إيضاحها - وذلك ليكون فرع رشيد الحالي - انحط بالتدريج الجزء السفلي من الفرع الكانوبي من زاوية البحر إلى خليج أبي قير حتى صار ترعة لا غير، ومن الواضح أن هذا التطور لم يتم طفرة بل ببطء وتدريج.
ومن العسير معرفة الوقت الذي ابتدأ فيه انحطاط هذا الفرع، الذي كان أهم فروع النيل، غير أنه من رأينا أن ذلك لا بد أن يكون قد حدث قبيل القرن الخامس الميلادي؛ لأن إميان مارسلان
Amien Marcellin
الذي زار مصر في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي ذكر الفرع الكانوبي بهذه الحالة كما ذكر مصبه.
أما هذا الانقلاب بقضه وقضيضه فلا بد أن يكون قد تم قبيل القرن السادس الميلادي؛ أي: قبل فتح العرب لمصر، والدليل على هذا أنه لم يذكر ذلك مؤرخ من مؤرخي العرب حتى المتقدمين منهم، بل لم ينوه أحد منهم بذكره أيضا، وعلى ذلك يكون هذا الفرع قد زال واختفى من الوجود بهذه الكيفية في القرن الخامس الميلادي.
وبعد أن أضحى هذا التطور أمرا مقضيا صار الجزء الممتد من زاوية البحر إلى الكريون؛ ترعة يتفرع منها فرعان: أولهما: يشغل مجرى الفرع الكانوبي القديم (الترعة الكانوبية الآن) يذهب إلى خليج أبي قير. والثاني: يبدأ من شديا ويذهب إلى الإسكندرية وهو خليج الإسكندرية، وقد توارى أولهما عن الأعين وزال سريعا، وذلك أيضا قبل الفتح الإسلامي، كما يؤخذ من بيان جان
Jean
أسقف نيكيو
Nikiou
3
في تاريخه الاستقرائي، ومن بيانات مؤرخي العرب؛ وذلك لأمرين: (1)
أن الفرع المتجه إلى الإسكندرية كان عليه تموين مدينة لها تلك الأهمية؛ لذا كان دائما أبدا موضع عناية كبرى، الأمر الذي ساعد على جر المياه نحوه. (2)
أما الفرع المتجه إلى خليج أبي قير فقد كان يمر بمنطقة قاحلة أو على أكثر تقدير ذات محصول زهيد، فأهمل وجف بسبب تحول الماء جميعه إلى الفرع الآخر؛ ولذا اختفى وتوارى على عجل أو انحط وصار ترعة لا أهمية ولا قيمة لها البتة؛ لأننا لم نر أحدا تكلم عنه.
وهذه الحالة هي التي دعت أولا جان أسقف نيكيو في القرن الأول الهجري - القرن السادس الميلادي - ومن بعده ابن عبد الحكم في القرن الثالث الهجري - القرن التاسع الميلادي - وغيره من مؤرخي العرب الذين نقلوا جميعا عنه إلى القول بأن الملكة كليوبطرة هي التي ساقت خليج الإسكندرية حتى أدخلته إليها، ولم يكن يبلغها الماء، كان يعدل من قرية يقال لها كسا قبالة الكريون، فحفرته حتى أدخلته الإسكندرية.
ومن الجلي أن هذه الرواية ليس لها نصيب من الصحة؛ لأن كليوبطرة ليست هي التي أنشأت هذه الخليج، غير أن الإنسان لو فحصها فحصا دقيقا صارفا النظر عن مسألة كليوبطرة؛ لتبين له أنها لا تخلو من شيء ترتكز عليه.
ذلك أن الفرع الممتد من الكريون إلى الإسكندرية ظل باقيا، وظلت سيرته كذلك باقية تتداولها الألسن، وفحواها أن هذا الفرع حفر ليوصل إلى الإسكندرية مياه الكريون، وذلك من الفرع الكانوبي، أما فرع الكريون الممتد إلى خليج أبي قير، فكان قد زال وزالت من الوجود أيضا سيرته.
وبما أن هؤلاء المؤرخين لم يروا قدام أعينهم شيئا ثابتا يعتمدون عليه سوى مياه النيل ووقوفها عند الكريون، وسمعوا أيضا الرواية المتداولة في البدء من أن الجزء الذي بين الكريون والإسكندرية حفرته يد البشر؛ لجلب المياه إلى الإسكندرية، فهذا هو الذي سوغ لهم أن يظنوا أن المياه لم يسبق أن جرت في مجرى آخر.
ولما كان من الثابت أن الجزء الواقع بين زاوية البحر والكريون يفوق الجزء الواقع بين الكريون والإسكندرية أهمية كما ذكر المسعودي فيما يلي فقد ساعد ذلك كثيرا على تمسكهم بهذه النظرية.
قال المسعودي:
وقد كان النيل انقطع عن بلاد الإسكندرية قبل سنة 332ه (943م)، وقد كان الإسكندر بنى الإسكندرية على هذا الخليج من النيل، وكان عليها معظم ماء النيل، فكان يسقي الإسكندرية وبلاد مريوط، وكانت بلاد مريوط في نهاية العمارة والجنان المتصلة بأرض برقة، وكانت السفن تجري في النيل وتتصل بأسواق الإسكندرية. وقد بلط أرض خليجها في المدينة بالأحجار والمرمر، وانقطع الماء عنها لعوارض سدت خليجها ومنعت الناس دخوله فصار شربهم من الآبار وصار النيل على يوم منهم. أ.ه.
ومسافة اليوم التي ذكرها المسعودي هي عبارة عن المسافة من الإسكندرية إلى الكريون؛ أي: طول ترعة شيديا القديمة، بينما الفرع الذي يوصل الماء إلى الكريون كان أثرا للفرع الكانوبي القديم. ويعلم لنا مما قاله المسعودي أن الجزء الثاني في ذلك الحين كان أيضا يفوق الأول أهمية، إذ إنه كان يوصل المياه إلى الجزء الآخر.
أما عزو إنشاء هذه الترعة إلى كليوبطرة فهذا أمر يشق علينا أن نجد له تفسيرا يقبله العقل، فهو غلطة فادحة في التاريخ، فالذي حفرها إنما هو الإسكندر الأكبر عند إنشائه مدينة الإسكندرية.
ومجمل القول: إن ترعة الإسكندرية كانت لدى الفتح العربي تمر بهذه النواحي وهي: زاوية البحر، والنقيدي، ودنشال، ودمنهور، وأفلاقه، وكفر الحمايدة، والكريون، والإسكندرية، (انظر الخريطة 4).
وقد روى مؤرخو العرب أن هذه الترعة حفرت أو طهرت ست مرات في أزمنة متباينة بالكيفية الآتية:
ففي المرة الأولى قام بذلك الحارث بن مسكين قاضي مصر، وذلك في سنة 245ه (859م).
وفي المرة الثانية أحمد بن طولون حاكم مصر في سنة 259ه (872م).
وفي المرة الثالثة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وذلك في سنة 404ه (1013م).
وفي المرة الرابعة السلطان الظاهر بيبرس وذلك في سنة 664ه (1265م).
وفي المرة السادسة السلطان الأشرف بارسباي، وذلك في سنة 826ه (1432م).
وفيما خلا هذه المرات الست دعت الحالة إلى حفر أو تطهير الترعة المذكورة، وذلك في أوقات أخرى أغفل المؤرخون التحدث عنها، فالقسم من شابور إلى النقيدي حفر في تاريخ غير التواريخ التي ذكرناها، وقد حفره شخص ظل مجهولا.
وزيادة في الإيضاح نرى أنفسنا مضطرين أن نقسم الترعة إلى ثلاثة أقسام وهي:
القسم الأول :
من النيل إلى كفر الحمايدة.
القسم الثاني:
من كفر الحمايدة إلى الكريون.
القسم الثالث:
من الكريون إلى الإسكندرية.
وقد قلنا القسم الأول من النيل إلى كفر الحمايدة؛ لأنه هو الذي توالى على موقعه التغيير والتبديل، فاستبدلت نقطة مصدره من النيل مرارا وتكرارا، ومن هنا نشأت استحالة تعيين موضع ثابت له.
أما القسمان الآخران فإنهما مع عدم تبدل موضعهما نرانا مضطرين إلى فصلهما عن بعضهما؛ لأن كليهما كان تابعا لمجرى يختلف عن الآخر، فأولهما كان تابعا للفرع الكانوبي، وثانيهما لترعة الإسكندرية الأولى؛ أي: خليج الإسكندرية.
وها نحن أولاء نبين أحوال الأقسام الثلاثة والمواضع الخاصة بها:
القسم الأول: من النيل إلى كفر الحمايدة
لقد تغير موضع هذا القسم خمس مرات والمراحل التي كان يمر بها كانت كالآتي مرتبة حسب توالي الأزمان:
أولا:
الرافقة أو زاوية البحر والنقيدي ودنشال وقرطسا أو دمنهور وأفلافة وكفر الحمايدة.
ثانيا:
شابور والنقيدي ودنشال وقرطسا أو دمنهور وأفلافة وكفر الحمايدة.
ثالثا:
منية أبيج أو الضهرية وأبو منجوج ومحلة فرنوي ومحلة نصر ومسروق وقرطسا أو دمنهور وأفلاقة وكفر الحمايدة.
رابعا:
العطف وكفر الحمايدة.
خامسا:
الرحمانية وأفلاقة وكفر الحمايدة.
والآن نشرع في بيان الأزمنة المختلفة التي وجدت فيها هذه المراحل والأشخاص الذين قاموا بتطهيرها أو حفرها:
أولا:
المسافة من الرافقة إلى كفر الحمايدة:
هذه المرحلة هي التي كانت في فترة الفتح الإسلامي، وقد قص علينا خبرها المؤرخون القدماء. وآخر من ذكر الرافقة كنقطة تحويل الترعة من النهر هو قدامة بن جعفر المتوفى سنة 310ه (922م) في كتابه «الخراج وصنعة الكتابة» وذكرها بعده مؤرخ آخر هو المقدسي المتوفى سنة 380ه (990م) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، ولكن في هذه المرة لم تذكر كنقطة تحويل الترعة من النهر؛ لأن هذه النقطة - كما يرى فيما بعد - كانت انحدرت في تلك الفترة إلى شابور، فذكرها المقدسي في كتابه المذكور في رحلته من الفسطاط إلى الإسكندرية، وبعد المقدسي توارت هذه المدينة واختفت عن الأنظار ولم يعد يذكرها بعد مؤرخ ما.
وقد كان قدامة كما ذكرنا سابقا آخر مؤرخ ذكر الرافقة كنقطة تحويل الترعة من النهر، ولا بد أن هذه الحالة هي التي ظلت ثابتة لغاية تاريخ وفاته في سنة 310ه (922م)، ولننظر الآن مع مراعاة ترتيب التواريخ التي ذكرها المؤرخون: من هم الأشخاص الذين باشروا تطهير هذه المرحلة؟
إنه بحسب التواريخ التي ذكرناها قبلا نجد أن الحارث بن مسكين هو الذي قام بعملية تطهيرها أولا، وذلك في سنة 245ه (859م)، وأحمد بن طولون ثانيا، وذلك في سنة 259ه (872م)، إذ هما وحدهما اللذان ذكرا قبل وفاة قدامة.
ثانيا:
المرحلة من شابور إلى كفر الحمايدة:
هذه المرحلة مماثلة للمرحلة التي أتينا توا على ذكرها غير أن جزء الرافقة النقيدي استبدل بجزء شابور النقيدي، وأول مؤرخ ذكر هذا التخطيط ابن حوقل المتوفى سنة 350ه (961م)، «في كتابه المسالك والممالك»، فيكون هذا الجزء قد تم إنجازه بين هذا التاريخ وتاريخ وفاة قدامة في سنة 310ه (922م)، ولم ينقل لنا التاريخ أي تطهير أو حفر بين هذين التاريخين. وبذا يكون إنجاز هذا القسم قد تم بمباشرة شخص وفي تاريخ ظل كلاهما مجهولا. وذكر الشريف الإدريسي المتوفى سنة 548ه (1153م) في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» أيضا هذه المرحلة، ولكن إجمالا مع التي بعدها، والظاهر أنهما من ناحية أخرى ظلتا تؤديان وظيفتهما معا كما سيذكر بعد.
ثالثا:
المرحلة من الضهرية إلى كفر الحمايدة:
إن أول مؤرخ تكلم عنها هو الشريف الإدريسي المتوفى سنة 548ه (1153م)، وعلى هذا يكون تم إنجازها بين هذا التاريخ وتاريخ وفاة ابن حوقل قبيل سنة 350ه (961م)، ويوجد في هذه الفترة بالتدقيق الحفر أو التطهير الذي باشره الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في سنة 404ه (1013م)، ومن رأينا أن هذا الخليفة هو الذي لا بد أن يكون قد أنجز هذا القسم، وهو من ناحية أخرى لم ينشئ إلا جزءا منه إنشاء جديدا كما يتضح ذلك مما يأتي:
إن مرحلة منية ببيج أو الضهرية لغاية محلة نصر ومسروق تشغل موضع فرع فرنوى بلهيب (العطف) الذي ذكره ابن حوقل، والذي لا بد أن يكون قد توارى بعد أن مات هذا المؤرخ؛ لأنه لم يعد يتكلم عنه أحد بعده. ومن هنا نستنبط أن ما حدث في الوقت الذي أراد فيه الخليفة الفاطمي أن ينجز مشروعه هو ما يأتي:
أن الجزء السفلي من فرع فرنوى الواقع تحت محلة نصر ومسروق لغاية بلهيب (العطف) كان قد اختفى أو كاد، وعلى ذلك اضطر لدى تطهيره الترعة أن يحفر فرعا جديدا مبتدئا من محلة نصر ومسروق ومنتهيا عند ترعة شابور بين دنشال ودمنهور، ولعل هذا الفرع يكون الجزء السفلي من ترعة الضاهر الحالية. والغرض من هذه العملية فتح باب جديد لتغذية ترعة الإسكندرية، وهذه الحالة هي التي دعت الإدريسي لأن يقول: إن الترعة الموصلة للإسكندرية تسمى ترعة شابور، وإن مدخلها كان في النهر تحت أبيج.
وقد ذكر المقريزي أنه أنفق في هذه العملية 15000 دينار أي ما يساوى 9000 جنيه.
ونحن نثبت فيما يلي تخطيط هذا الفرع عن المؤرخين الآتي ذكرهم وهم: (1)
قال أبو الحسن المخزومي
4
أحد قضاة مصر في كتاب المنهاج، وقد عاش قبيل سنة 580ه (1184م)؛ أي في نفس العصر الذي كان فيه الإدريسي: «أما خليج الإسكندرية فإنه من فوهة الخليج إلى ترعة بو درة (أبو درة) ليس على شيء منها سد. بو منجوج (أبو منجوج). محلة بتوك (أبتوك) أسينة (أسمانية) أورين. محلة فرنوى. محلة حسن. منية طراد وتعرف بالقاعة. محلتا نصر ومسروق». أ.ه.
وهذا المجرى هو بعينه فرع فرنوى الذي ذكره ابن حوقل لغاية هذه القرية الأخيرة، ومجرى ترعة الضاهر الحالية. (2)
ذكر القلقشندي المتوفى عام 821ه (1418م) في كتابه «صبح الأعشى» أنه في الأزمان الغابرة كان مدخل خليج الإسكندرية بالظاهرية، وأنه كان يمر بدمنهور، وهذا هو بالضبط مجرى هذه المرحلة.
واتحاد وجهة أعمال هذه المرحلة مع التي قبلها لم يؤيده الإدريسي فحسب - كما سبق القول - بل أيدته أيضا الأعمال التي أمر السلطان الظاهر بيبرس بمباشرتها في المرحلتين، وذلك في سنة 662 و664ه (1263 و1265م).
أما المرحلة السالفة فيلوح أن هذا السلطان لم يفعل شيئا سوى أن طهر الجزء الواقع بين شابور والنقيدي، بينما يقول المقريزي أنه طهر بين أعمال أخرى الترعة بين النقيدي وفمها، وبالتالي القسم الواقع تماما بين هذه القرية الأخيرة وشابور وهي التي طهرها السلطان الظاهر بيبرس.
ورب سائل يسأل: هل تم تطهير جزء المرحلة الواقع بين النقيدي ونقطة الاتصال بالمرحلة التي ذكرناها؟ والجواب على ذلك صعب جدا لعدم وجود شيء يمكن الاستناد إليه.
أما آثار الأعمال التي تمت في عهد هذا السلطان فلدينا عنها الأدلة الآتية: (1)
بعض الأبنية التي أقامها في قرية الضهرية الحالية التي يجب أن يكون حقيقة اسمها الظاهرية، والقائمة قرب فمها والتي قال بصددها المرحوم جورجي بك زيدان في كتابه (تاريخ مصر الحديث): إن هذا السلطان هو الذي بناها، وكان الأجدر به أن يقول: إنه أطلق عليها اسمه بعد أن أقام فيها تلك الأبنية، وإنها كانت كما ذكر ابن دقماق منشأة قبله بأزمان باسم منية ببيج. (2)
ترعة الضاهر المسماة باسمه في الوقت الحاضر، والتي كان يجب أن تسمى ترعة الظاهر، كما هو الحال في مسجده القائم بالقاهرة هي برهان ساطع على أن هذا السلطان لم يطلق اسمه على هذه الترعة إلا لأنه أجرى بها بعض الأعمال.
وقال ابن مماتي المتوفى سنة 606ه (1209م) في كتابه: «قوانين الدواوين» بمناسبة ذكر هذه المرحلة:
رأيت جماعة من أهل الخبرة وذوي المعرفة يقولون: إنه إذا عملت من قبالة منية ببيج إلى ببيج زلاقة مثل زلاقة أخنويه (ويقيننا أنه يقصد بذلك عمل سد) استمر الماء جاريا فيه (أي خليج الإسكندرية)، إلى الإسكندرية صيفا وشتاء، ورويت البحيرة جميعها، وحوف رمسيس والكفور الشاسعة، وزرع عليه القصب والقلقاس والنيلة، وأنواع زراعة الصيفي، وجرى مجرى بحر الشرق والمحلة وتضاعف عبر البلاد وعظم ارتفاعها، وإن الآن إقامة هذه الزلاقة ممكنة، وأسباب عمارتها ميسرة؛ لوجود الحجارة في الربوة والطوب في البحيرة، وإنهم قدروا ما يحتاجون إليه برسم ذلك، فوجدوا فيه ما يناهز عشرة آلاف دينار (6000 جنيه). أ.ه.
ويلوح أن السدود كانت تقام على النيل في الأزمان الغابرة بنفقة أقل منها في أيامنا هذه.
ويقول هذا المؤرخ عينه إن طول خليج الإسكندرية في عصره كان يبلغ من فمه 30630 قصبة، والقصبة المقصودة هنا هي القصبة الحاكمية التي طولها 3,85 من الأمتار. فيكون طول الخليج ما يقرب من 118 كيلو مترا. وامتداد هذه المرحلة الآن لغاية الإسكندرية حسبما هو مرسوم على خريطة مصلحة المساحة 111 كيلومترا.
وعلى ذلك يكون هذا القسم من الأقسام التي ورد ذكرها في التاريخ، وأن حفره أو تطهيره حدث مرتين اثنتين:
الأولى:
في عهد الحاكم بأمر الله، وذلك في سنة 404ه (1013م).
الثانية:
في عهد الظاهر بيبرس، وذلك في سنة 664ه (1265م).
رابعا:
المرحلة بين العطف وكفر الحمايدة:
قال المقريزي في خططه ج1 ص276 و277: ثم تعطل استمرار جريان الماء فيه (أي الخليج) بطول السنة، وصار يحفر سريعا بعد شهرين أو نحوهما من دخول الماء إليه، واحتاج أهل الإسكندرية في طول السنة إلى الشرب من الصهاريج التي يخزن فيها الماء إلى أن كانت سنة 710ه (1310م)، فقدم الأمير بدر الدين بكتوت الخزنداري المعروف بأمير شكار ومتولي الإسكندرية إلى قلعة الجبل، وحسن للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون حفره، وذكر له ما في ذلك من المنافع:
أولها:
حمل الغلال وأصناف المتجر إلى الإسكندرية في المراكب، وفي ذلك توفير للكلف وزيادة في مال الديوان.
وثانيها:
عمارة ما على حافتي الخليج من الأراضي بإنشاء الضياع والسواقي؛ فينمو الخراج بهذا نموا كثيرا.
وثالثها:
انتفاع الناس به في عمارة بساتينهم وشرب مائه دائما، فأعجب السلطان ذلك وندب الأمير بدر الدين محمد بن كندعدي ابن الوزيري مع بكتوت لعمله، وتقدم إلى جميع أمراء الدولة بإخراج مباشريهم لإحضار رجال النواحي الجارية في إقطاعاتهم للعمل للحفر، وكتب لولاة الأعمال بالوقوف في العمل فاجتمع من النواحي نحو الأربعين ألف رجل جمعت في نحو العشرين يوما ووقع العمل في شهر رجب من السنة المذكورة. أ.ه.
ولم يعين المقريزي المدة التي استغرقها هذا العمل إلا أنه قال:
وعظمت المشقة في حفر هذا الخليج، فإن الذي تجاوز البحر منه غلب عليه الماء، فصارت الرجال تغطس فيه وترفع الطين من أسلفه، ثم كثر الماء فركبت السواقي حتى نزحته إلا أن عظم النفع به سهل جميع ذلك، فإن السفن جرت فيه طول السنة، واستغنى أهل الإسكندرية عن شرب ماء الصهاريج، وبادر الناس للعمارة على جانبي الخليج، فلم يمض غير قليل حتى استجد عليه ما يزيد على 100000 فدان زرعت بعد ما كانت سباخا، وما ينيف على 600 ساقية، برسم القلقاس والنيلة والسمسم وفوق الأربعين ضيعة، وأزيد من ألف غيط بالإسكندرية، وعمرت منه عدة بلاد كثيرة، وتحول عالم عظيم إلى سكنى ما استجد عليه. أ.ه.
وبعد انتهاء الأعمال من هذا الخليج سمي الخليج الناصري نسبة إلى السلطان الناصر قلاوون الذي تم حفره في عهده.
هذا ومع أن المقريزي صرح في بيانه الآنف الذكر بأن جانبا من هذا الخليج أو الترعة أنشئ إنشاء، إلا أنه لم يدلنا على موضع ذلك الجانب الجديد الذي أنشئ، أما القلقشندي المعاصر لهذا السلطان فقد تلافى هذا النقص، إذ قال: إن مدخل الترعة في زمنه كان في العطف قبال فوة. وقال الجبرتي كذلك في تاريخه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»: إن والي مصر محمد علي أجرى حفر ترعة المحمودية في موضع ترعة الناصري القديمة ابتداء من العطف. مرجحا هذا الموضع على موضع الأشرفية الذي يبتدئ في الرحمانية لقصره.
ويلوح أن الأعمال التي باشرها هذا السلطان تعد أعظم أهمية من التي ذكرها مؤرخو العرب بصدد هذا الخليج.
خامسا:
المرحلة من الرحمانية إلى كفر الحمايدة:
لقد وصلنا الآن إلى آخر تغيير حدث في محل هذا القسم، وإلى المرة الوحيدة التي فيها تقهقرت نقطة تحويل النهر من الشمال إلى الجنوب، ومن هذه النقطة صارت تؤدى الأعمال لغاية الوقت الذي جدد فيه محمد علي جريان هذه الترعة وأرجعها إلى العطف مرة أخرى.
قال المقريزي في خططه ج1 ص278:
ولم يزل الخليج فيه الماء طول السنة إلى ما بعد سنة 770ه (1368م)، فانقطع الماء منه وصار الماء لا يدخل إليه إلا في أيام زيادة ماء النيل فقط، ثم يجف عند نقصه، فتلف من أجل هذا أكثر بساتين الإسكندرية وخربت، وتلاشى كثير من القرى التي كانت على هذا الخليج - إلى أن قال - وقصد من أدركناه من ملوك مصر حفر هذا الخليج غير مرة فلم يتهيأ له ذلك، إلى أن كانت سلطنة الملك الأشرف برسباي، فندب لحفره الأمير جرباش الكريمي المعروف بعاشق، فتوجه إليه وجمع له من قدر عليه من رجال النواحي، فبلغت عدتهم ثمانمائة وخمسة وسبعين (875) رجلا، ابتدءوا في حفره من 11 شعبان (20 يوليه) لتمام 90 يوما، فانتهى عملهم ومشى الماء في الخليج حتى انتهى إلى حده من مدينة الإسكندرية، وجرت فيه السفن فسر الناس به سرورا كبيرا، وجبى ما أنفق على العمال في الحفر من أرباب النواحي التي على الخليج ومن أرباب البساتين بالإسكندرية. أ.ه.
ويبدو جليا أن عدد الرجال الذي ذكره المقريزي في عبارته السابقة لا يتفق قاطبة مع أهمية العمل الواجب تأديته في حفر هذا الخليج؛ ولذا لا يحتمل قبوله إلا مع التحفظ الشديد.
وبعد أن تمت أعمال هذا الحفر سميت الترعة في قسمها الجديد باسم الأشرفية تيمنا باسم السلطان الأشرف المذكور.
وقد ظل هذا الاسم إلى الآن علما على هذا الجزء من الترعة القديمة.
وزاد المقريزي على كلامه السابق فقال: فلم يستمر ذلك إلا قليلا حتى انطم (أي الخليج) بالرمل وتعذر سلوك الخليج بالمراكب إلا في أيام النيل فقط. أ.ه.
وظلت الترعة على هذه الحال إلى الوقت الذي باشر فيه الوالي محمد علي أعمال الحفر فيها، وذلك في سنة 1234ه (1818م).
ونحن نجعل لك فيما يلي المراحل التي مرت على حفر هذه الترعة منذ الفتح العربي إلى الزمن الذي أجرى فيه الوالي محمد علي أعمال الحفر فيها مع بيان مددها:
المرحلة الأولى:
من الرافقة إلى كفر الحمايدة، وذلك من وقت الفتح العربي في سنة 20ه (641م) إلى سنة 330ه (942م )، أي 301 سنة.
المرحلة الثانية:
من شابور إلى كفر الحمايدة، وذلك من سنة 330ه (942م) إلى سنة 404ه (1013م) أي 71 سنة.
المرحلة الثالثة:
من الظاهرية إلى كفر الحمايدة، وذلك في سنة 404ه (1013م) إلى سنة 710ه (1310م) أي 297 سنة.
المرحلة الرابعة:
من العطف إلى كفر الحمايدة، وذلك من سنة 710ه (1310م) إلى سنة 826ه (1422م) أي 112 سنة.
المرحلة الخامسة:
من الرحمانية إلى كفر الحمايدة، وذلك من سنة 826ه (1422م) إلى سنة 1232ه (1816م) أي 394 سنة.
ومما ينبغي ملاحظته أنه كان كلما انتقلت مرحلة من موضعها لا تتوارى الأخرى عن الأعين بل يبطل فقط استعمالها كطريق نهري أو مجرى مياه موصل للإسكندرية، ويقصر استخدامها على القيام بحاجات الناحية التي تمر منها.
وعلى هذا لما كانت المرحلة من شابور إلى أفلاقة توصل الماء إلى الإسكندرية كانت المياه تجري متجهة من القرية الأولى إلى الثانية، ثم لما انتقلت مرحلة الإسكندرية هذه من هذه الترعة رأيناها انقسمت إلى قسمين: فالقسم من شابور إلى دمنهور يوصل الماء إلى هذه المدينة الأخيرة، أي بنفس الاتجاه الذي كانت تتجه قبلا، بينما القسم الآخر تكونت منه ترعة جديدة سميت ترعة دمنهور تسير فيها المياه في اتجاه معاكس لسيرها في ترعة الإسكندرية الجديدة من أفلاقة إلى دمنهور، ومن ناحية أخرى فإن ترع هذه المراحل كلها ظلت باقية إلى أيامنا هذه.
القسم الثاني: من كفر الحمايدة إلى الكريون
إن هذا القسم لم ينقل البتة من موضعه منذ أقدم العصور إلى أيامنا هذه؛ أي من وقت ما وجد الفرع الكانوبي الذي في مجراه محل هذا القسم، وهذا المجرى هو أقدم المجاري التي شاهدتها مصر، وهو يتقابل الآن مع جانب من ترعة المحمودية في بعض جهاتها، ولكن الجزء الأكبر من هذا القسم ظل منعزلا عن هذه الترعة وقت أن أجرى حفرها الوالى محمد علي. والقسم الذي لم يدخل فيها ظل دائما أبدا بهيئة ترعة صغيرة مسماة باسم الناصري، ولقد يشعر الإنسان بشيء كثير من الأسف عندما يرى هذه الترعة الصغيرة، ويتذكر أنها تمثل الفرع الكانوبي العظيم الشأن، والذي كان أكبر أفرع النيل جميعها.
القسم الثالث: من الكريون إلى الإسكندرية
هذا القسم يشغل موضع ترعة شديا القديمة برمته التي استعيض عنها بترعة المحمودية الحالية عدا موضعين:
الأول:
الكيلومتر الأول بعد الكريون الواقع شمال المحمودية.
الثاني:
المسافة بين حديقة النزهة وملك أفيروف بين كيلو 69 وكيلو 71، وهنا مجرى الترعة القديم واقع جنوب المحمودية.
هوامش
مذكرات ونبذ لبعض المهندسين وغيرهم عن ترعة الإسكندرية
(1) مذكرة لانكريه وشابرول
وضع مسيو لانكريه
Lancret
ومسيو شابرول
Chabrol
من مهندسي القناطر والجسور ومن علماء الحملة الفرنسية على مصر مذكرة عن ترعة الإسكندرية نشرت بالمجلد الثاني من كتاب: «وصف مصر»، لعلماء هذه الحملة، طبعة باريس سنة 1813م، من (ص185 إلى ص195)، وإليك ترجمة هذه المذكرة: «إنه لدى الاقتراب من الرحمانية ينقسم فرع رشيد إلى قسمين رأسيين، يتكون منهما سلسلة جزر يبلغ طولها من 1500 إلى 1800 متر. وأهم الفرعين هو الفرع الشرقي، وهذا الفرع يبقى صالحا للملاحة طول السنة، أما الآخر فقد كان الماء يظل به مدى السنة - على قول الأهالي - إلى ما قبل اثني عشر عاما لا أكثر، ومن بعد ذلك امتلأ بالردم لدرجة أن صار يجف من ثمانية إلى تسعة شهور في السنة، وعلى شواطئ هذا الفرع تقوم قرية الرحمانية.
وعلى فرع النيل هذا تقع أيضا فوهة ترعة الإسكندرية على بعد 1200 متر تحت الرحمانية، ويدخل الماء فيها من فوهتين مرتفعتين
متر تحت مياه النهر المنخفضة وتبعد الواحدة عن الأخرى 600 متر.
وأقدمها هي الفوهة السفلى، وهذه تركت وبطل استعمالها؛ لأن التطهير المتوالي نجم عنه ارتفاع جسورها بحيث أضحى من غير المستطاع وصول الهواء إلى أشرعة المراكب، ولذا أقيمت الأخرى منذ 4 سنوات لتحل محلها.
وترعة الإسكندرية في الفرسخ الأول (4000 متر) من مجراها تشبه حفرة عرضها من خمسة إلى ستة أمتار حفرت لاتصال هذه الترعة بفرع رشيد، وذلك عندما انطم فرع الكانوب الذي كان في العصور الخوالي المصدر الذي تستمد منه هذه الترعة المياه.
ويرى الإنسان جزء الفرع الكانوبي القديم هذا على بعد 250 مترا من قرية محلة داود ،
1
ولا يفصل هذا الفرع عن الترعة في هذه البقعة إلا جسر سمكه 4 أو 5 أمتار. وعندما يتقدم الإنسان بعد هذه النقطة يرى الترعة تزداد في الاتساع والنظام، وتستمر على هذه الحالة إلى أن تبلغ قرية سماديس، حيث تأخذ في اتساع يبلغ متوسطه 50 مترا، ويظل هذا الاتساع مستمرا إلى ما بعد قرية أفلاقة؛ أي: مسافة فرسخين ونصف فرسخ (10000 متر)، وذروة ارتفاع جسوره فوق القاع أكثر من أربعة أمتار، على حين أن هذا القاع متر واحد تحت مستوى الأراضي المجاورة لها، وبهذه القطعة من الترعة كل سمات القدم، ففيها مواني على شكل نصف دائرة عرضها 80 مترا، وهذه حالة لا تدع مجالا للشك في أن هذا الموضع كان يموج في الزمن الغابر بأفواج المراكب وكثرة البضائع، وهذا الموضع هو الذي وقع عليه الاختيار أيضا في الوقت الحاضر لتكديس محاصيل مديرية البحيرة والسلع الأخرى التي يراد شحنها للإسكندرية.
وهو من ناحية أخرى واقع من القدم بجوار مدينة كبيرة - أعني دمنهور - التي حلت على ما يلوح محل مدينة هيرموبوليس بارفا.
وليس في الفرسخين التاليين (8000 متر) بعد ذلك شيء يلفت النظر، اللهم إلا بين قريتي زاوية غزال وقابيل، حيث تركت الترعة القديمة من زمن يسير، وحفرت ترعة أخرى ذات طول مستقيم وعمق منتظم.
وبعد قابيل يدخل الإنسان في بقعة تختلف كثيرا عن البقعة التي تقدمتها، إذ لم يعد يرى سهلا خصبا تزينه المزارع، وقرى عامرة منبثة في جوانبه، بل يقع نظره على مدائن مدمرة، وأرض بائرة، وخرائب غير مأهولة، ومناظر تفوق رهبتها رهبة الصحارى، وربما كان الباعث على ذلك أن هذا المنظر يعيد على الذاكرة حالة ازدهار سابق أدركها العفاء فأمست أثرا بعد عين.
ومتوسط اتساع ترعة الإسكندرية بعد قابيل في مسافة أربعة فراسخ متتالية (16000 متر) عشرون مترا، وجسورها في هذه المسافة تارة تكون مرتفعة ارتفاعا قليلا، وطورا يتراوح ارتفاعها بين 8 و10 أمتار، وهذا الجزء من الترعة أجمل الأجزاء منظرا، وأكثرها تناسقا في العرض والعمق، وفي الفرسخ التالي (4000 متر) أعني لغاية ليلوها - قرية السعرانية - تقريبا يحتفظ بنفس هذا الاتساع، ونفس هذه المساواة التي كان محتفظا بها قبلا، ولكن السهل الذي يكتنفه يأخذ في الانحطاط شيئا فشيئا إلى أن يصير مستواه في مستوى قاع الترعة، حتى إن هذا القاع يعلوه في كثير من المواضع، ولا يعود إلى الانخفاض تحت مستوى السهل إلا عندما يقترب من الإسكندرية بنصف فرسخ (2000 متر).
وبعد ليلوها (السعرانية) مباشرة تتسع الترعة فجأة، ويصير عرضها في مسافة نصف فرسخ (2000 متر) 100 و200 بل 250 مترا، وجسورها لا تكاد ترتفع إلى مترين، أما من جهة المتانة فليست على شيء منها، حتى إن الماء ليرشح من جوانبها، وبعد ذلك تضيق كثيرا، وعندما تجاوز (قرية البيضاء) يصير عرضها 5 أمتار فقط، وارتفاع جسورها أكثر من 7 أمتار، والرمال المتحركة تغطيها، وتهدد الترعة بأن تطمها طما وتردمها ردما، والترعة في هذه البقعة تقع على مسافة متوسطة من بحيرة أبي قير قدرها 100 متر، وبعد ذلك تبتعد عنها، وفي فسحة فرسخ (4000 متر) تشبه في النظام والمساحة المسافة التي قبل ليلوها (السعرانية) تقريبا، وتدنو من البحيرة قبيل طرفها الغربي، وتحصرها عن كثب بحيث تصير لا يفصلها عنها إلا جسر من الأحجار سمكه من 6 إلى 7 أمتار.
ويتكون الجسر الذي ناحية السهل من حائط آخر يبعد عن الجسر الأول 50 مترا، وهذه البقعة سميت البوصات بسبب مساحة البوص الواسعة التي ينمو فيها هذا النبات، وهي إحدى بقاع الترعة الأشد انسدادا؛ لأن الأوحال التي نجمت من التطهيرات السنوية كانت دائما تلقى فيها ذات اليمين وذات اليسار داخل نفس الجسور.
ومن نهاية البحيرة تسير الترعة في أرض تفصلها عن بعضها غدران مغطاة بقشرة من الملح سمكها يبلغ من 10 إلى 12 سنتيمترا، وتمر بعد ذلك في وسط غابة من النخل امتدادها نصف فرسخ (2000 متر) تاركة على يمينها عددا كبيرا من الصهاريج بعضها مطبوع بطابع العمارة اليونانية أو الرومانية، ولكن أغلبها شوهته الترميمات التي حدثت في الزمن الحديث.
ويقع على هذا الجزء القريب من الإسكندرية من ناحية اليمين عدة تلال يتخللها عدد كبير من الدور المدمرة، هجرها العرب الذين كانوا آخر من عمرها، وذلك من نحو مائتي أو ثلثمائة سنة، وفي هذه البقعة يوجد عدد كبير من قطع أعمدة الجرانيت وأجزاء أخرى من بقايا صناعة المعمار الإغريقي الذي أنشأ قطر مصر هذا وجمله.
وقاع الترعة على بعد نصف فرسخ (2000 متر) من الإسكندرية منخفض قليلا عن مستوى سطح البحر، لكن ابتداء من هذه النقطة لغاية سور العرب به منحدر عكسي أعني أنه يرتفع كلما تقدم نحو السور.
وفي النهاية تدور ترعة الإسكندرية بعرض 20 أو 25 مترا حول سفح التل الذي نصب فوقه عمود سفير
Sévére «عمود السواري»، وبعد ذلك تضيق كثيرا، وتمر في قلب سور العرب ، وتسير إلى حيث تنتهي في الميناء القديمة تصب فيها بشكل مجرور.
والفرق بين ارتفاع مياه النيل في زمن الفيضان، وزمن التحاريق بجانب مدخل ترعة الإسكندرية أربعة أمتار في السنين العادية، ومتوسط عمقها في هذه الترعة متى بلغ أقصى حد يكون زهاء متر واحد أو ستة أعشار المتر.
وتظهر زيادة النهر السنوية في الرحمانية بين 10 و20 يوليه، وقبيل آخر الشهر الذي يليه؛ أي: أغسطس، تصل إلى مدخل ترعة الإسكندرية، وبعد ذلك تستمر شهرا واحدا في جولتها في الترعة؛ لأنها تبطئ في السير بسبب عدم تساوي انحدار قاع الترعة وبالأخص لكثرة اعوجاجها، إذ إن امتداد الترعة يبلغ عشرين فرسخا (80000 متر)، في حين أن المسافة بين طرفيها لم تكن سوى خمسة عشر فرسخا (60000)، وعلى ذلك لا تصل المياه إلى الإسكندرية إلا قبيل 20 سبتمبر، وبما أن هبوط مياه النيل يكون في الرحمانية في 5 أكتوبر فيتبين من ذلك أن الملاحة لا تمكث في الترعة إلا 20 أو 25 يوما.
ومتى وصلت المياه إلى الإسكندرية تدخل في أربعة مجار صغيرة سائرة تحت الأرض، ومداخلها موزعة على امتداد نصف فرسخ (2000 متر) من الإسكندرية قبل مصب الترعة، وتسير المياه في هذه المجاري الصغيرة إلى أن تصل إلى أحواض فترفع منها بواسطة (سواقي طارة) بقواديس، وتصبها في مساقي صغيرة توزعها في مختلف الصهاريج بالمدينة، وهذه السواقي البالغ عددها 72 ساقية تدار بالخيول والثيران التي توردها مديرية البحيرة سنويا لهذا العمل بطريقة جبرية.
ومن وقت غير بعيد كان عدد الصهاريج المخصصة لخزن الماء 360 صهريجا، والآن لا يتجاوز عدد هذه الصهاريج 308 تقريبا، وسينقص عددها سريعا؛ لأنها صنعت من زمن بعيد جدا، ولم يعد يحدث فيها أي ترميم من أمد مديد، وكان هنالك أيضا عدد أكبر من المساقي لتحويل المياه، لكن البعض منها انسد والبعض الآخر لم يعد يصل إلا إلى بعض البساتين الخاصة.
ولا يغلق البتة مصب الترعة في الميناء القديمة في أثناء العمل في تعبئة الصهاريج؛ لأن المنحدر العكسي الذي سبق الكلام عنه يمنع تسرب كمية جسيمة من الماء من هذا المنفذ والكمية التي تتسرب ينتفع بها في تموين السفن.
وحالما تكون كافة صهاريج الإسكندرية امتلأت امتلاء كافيا يسمح لسكان القرى القائمة على ضفاف الترعة بقطع جسورها، سواء أكان ذلك لري الأراضي، أم لملء الصهاريج الخاصة بهم، وأهالي القرى الوقعة على ضفة الترعة اليسرى في قسمها العالي الذين تروى أراضيهم من ترع أخرى، ينتظرون بفارغ الصبر هذا الوقت؛ ليقطعوا جسري ترعة الإسكندرية؛ ليصرفوا في الحال المياه عن أراضيهم، لكي يجففوها في أقرب وقت، وإذا كانت الأهالي تصرف هذه المياه في الترعة بحكم الاضطرار، فهذه المياه ينتفع بها في الأراضي الواقعة أسفل منها ولم ترتو مطلقا ريا وافيا، ولا تروى بعض أجزاء هذه الأراضي إلا حينما يكون الفيضان عاليا جدا، أما في الفياضات العادية، فتبقى بورا ويترك الفلاحون مساكنهم ويرحلون للبحث عن أشغال في المدائن أو في القرى الكبيرة، وينتظرون الوقت الذي فيه يروي النهر حقولهم؛ لكي يعودوا إلى مساكنهم.
ومما لا ريب فيه أنه ينبغي أن يعزى الرحيل عن ضفاف الترعة إلى قلة العناية بحفرها والماء الشحيح الذي يدخلها كل سنة؛ لأن الأرض فيها صالحة للزراعة إلى حد كبير، فهي كباقي جميع أرض مصر في الصلاحية. نعم هي في الحقيقة مغطاة بطبقة رملية في بعض المواضع، ولكن هذا هو المعلول لا العلة في عزلة هذه الجهة.
وفي عهد حكم المماليك كان أحد كشاف حاكم مديرية البحيرة يعسكر على ضفاف الترعة من وقتما تدخل فيها المياه إلى الوقت الذي فيه تمتلئ صهاريج الإسكندرية، ومأموريته تنحصر في منع أعراب الصحراء والفلاحين من إحداث قطوع بها، وأن يحدث هو نفسه بها قطوعا عندما تزداد كمية المياه لدرجة يخشى معها حدوث قطع في بعض أجزاء الجسر.
ومن وقتما تكون صهاريج الإسكندرية قد أوشكت على الامتلاء يدخل المدينة ليتحقق من امتلائها. وهذا التحقيق يعمل بناء على طلبه من الحاكم والقاضي والعلماء، وبعد ذلك يملأ إناء من مياه هذه الصهاريج ويختتم من أولئك الذي أجروا التحقيق، ويستعمل هذا الإناء مع الشهادة التي ترفق به في إقناع حاكم القاهرة بأن الماء صالح، وأن الصهاريج قد ملئت.
وبعد أن بينا ماهية ترعة الإسكندرية في العصر الحاضر والترتيبات المقررة بصدد مائها نشرع الآن في ذكر بعض أشياء عن حالتها في العصور القديمة، فنبحث في عجالة ارتباطها بالتجارة والزراعة، وأخيرا نتكلم عن الإصلاحات التي لا بد منها والزيادات المفيدة القابلة لها فنقول:
لم يبق الآن أية ذكرى لترعة كانت توصل مياه النيل من ناحية بحيرة مريوط قبل الإسكندر، ويلوح أن سكان ضيعة راكوتيس (Racotis)
والحامية التي كانت ملوك مصر تقيمها فيها كانت تجد الماء الكافي الصالح للشرب في برك الماء التي كانوا يحفرونها على ساحل البحر، ومن المعروف أن يوليوس قيصر وجيشه عندما كانا محصورين اضطرا أن يشربا الماء من هذا الينبوع الوحيد، وهذا ما حققته التجربة والاختبار.
ولكن إذا كانت شواطئ بحيرة مريوط لم تحرث وتزرع قبل الإسكندر، فلا يمكن أن يداخل أي إنسان شك في أن جزءا كبيرا من السهل الواقع بين الإسكندرية ودمنهور رواه قدماء المصريين وحرثوه، ولا يزال يوجد إلى الآن في هذا الجزء بعض آثار هيروغليفية، الأمر الذي يدل على أنه كان قد أقيم فيه أنصاب. ووجد في قرية أفلاقة بين آثار أخرى باب طاحونة مزين بثلاثة أحجار منقوشة نقشا متناسبا بديعا، وأهم هذه الأحجار هو الذي انتزعناه يمثل إيزيس جاثما بنسبة ستة أعشار المتر، ورأسه مزين بجلد عقاب وقابض بيده على غصن يمثل زهرة النيلوفر. وقطعة الحجر الجيري هذه غاية في الصيانة ومنقوشة نقشا بارزا بنفس العناية ونفس التفصيلات اللتين في حيطان معبد دندرة.
إن الرأي القائل بأن الترعة الحالية هي الترعة التي حفرت في وقت تأسيس هذه المدينة (أي الإسكندرية) عندما عرض اعتبره الرأي العام صحيحا ورحب به. ونحن نرى أن من واجبنا بحث هذا الموضوع.
لقد علم من شهادة إسترابون أنه لدى خروج الإنسان من الإسكندرية من باب كانوب يجد على يمينه الترعة المسماة بهذا الاسم تسير بموازاة شاطئ البحر على مسافة يسيرة منه، وهذه الترعة التي كان لها مخرج في بحيرة مريوط ليس لها بلا شك مخرج من ناحية كانوب الواقعة على شاطئ البحر، ولكن المياه تصل إليها من النيل بواسطة ترعة مصدرها الفرع الكانوبي قرب مدينة شديا الواقعة على مسافة قليلة من فوهة النهر.
فما هي الأسباب التي حدت بالمهندس المعماري دينوقراط
Dinocrate
أن يحفر ترعة امتدادها ثمانية عشر فرسخا (72000 متر) في حين أنه كان في استطاعته أن يجر المياه من جوار كانوب بواسطة ترعة امتدادها ستة أو ثمانية فراسخ فقط (24000 أو 32000 متر).
لقد كانت ترعة كانوب على وجه التحقيق هي الترعة الوحيدة التي توصل المياه المخصصة للشرب إلى الإسكندرية، إذ لو فرض أنه حينما أضحت هذه المدينة أكثر مدن مصر سكانا لدعت الحالة إلى فتح ترع ابتداء من رأس الدلتا؛ لتزداد كمية المياه الصالحة للشرب في الإسكندرية، وهذا يقتضي أيضا التسليم بأن هذه المياه ما كانت تستطيع أن تصل إلى الإسكندرية إلا بعد أن تجتمع بمياه ترعتي شديا وكانوب. وبغير ذلك كان من المحتم أن تخترق بحيرة مريوط فيتطرق إليها الفساد بحكم الطبيعة.
وقد يجوز أن يكون جزء الترعة الحالي المحصور بين قرية الكريون والبطاح الملحة التي سبق الكلام عنها بقية إحدى هذه الترع القديمة التي كانت قد أعدت لتنمية كمية المياه في ترعة كانوب، وهذا الجزء يدور حول موضع بحيرة مريوط القديمة؛ لأن قاعه مرتفع كثيرا عن منسوب السهل. وهكذا يكون على ما يلوح لنا قد عملت ترعة بجوار الماء الملح أعدت لتوصيل المياه اللازمة لحاجات المعيشة.
وكان - على ما ذكره إسترابون - يصب عدد كبير من الترع متفرع من أجزاء النهر العليا، وكانت إحدى هذه الترع تمر بهيرموبوليس بارفا، ولقد بينا فيما سلف أن هذه الترعة كان بها طابع القدم، وذلك بجوار هذه المدينة المسماة الآن دمنهور، وعلى هذا نحن لا نرتاب في انضمام عدة ترع لبعضها ليتكون من مجموعها الترع الموجودة في الوقت الحاضر.
وهذا أمر يمكن الاستعانة به؛ لتعليل كثرة التعاريج الغريبة التي بهذه الترعة وتعدد ارتفاع قاعها في مواضع وانخفاضه في أخرى وذلك في أرض يستطاع فيها جعل امتدادها مستقيما جدا وقاعها في غاية الاعتدال.
ويحدونا تاريخ ترعة الإسكندرية إلى بحث مسألة أخرى لا تخرج عن الموضوع الذي نعالجة الآن:
يؤخذ من قصة حرب يوليوس قيصر بالإسكندرية أن قسما من هذه المدينة كانت تخترقه ترعة، وكان ماء هذه الترعة يستعمل لقضاء حاجة قسم كبير من الشعب؛ لأن ماء الصهاريج كان لا يمكن أن يفي إلا بحاجة فريق الأغنياء وتابعيهم، وكان يظن بعض الناقدين أن هذه الترعة هي نفس الترعة التي تتقابل مع بحيرة مريوط في ميناء كيبوتوس (الغربية) (Kibotos) ، وذلك بدون التفات إلى أنه حتى لو فرض أن مياه هذه الترعة أمست صالحة للشرب؛ لوفرة عدد ترع النيل التي تصب فيها لصارت بحكم الضرورة ملحة في الترعة التي توصلها إلى البحر، وما دامت هذه الترعة صالحة للملاحة فلا بد أنها كانت واسعة.
ومن ناحية أخرى فالعبارة التي أوردها هرتيوس
Hirtius
من أهل القرن الأول قبل الميلاد، وهو الذي سمى الترعة التي كانت الأهالي تشرب منها بنهر النيل لا تنطبق بتاتا على رأي أولئك الذين ظنوها تستمد المياه من بحيرة مريوط، وهذا ما يجعلنا على الاعتقاد بأن المياه التي كان الأهالي يستعملونها تأتي من ترعة كانوب نفسها، وهي التي سبق الكلام عنها، وعلاوة على ما ذكر فإن هذا الرأي لا يتعارض مطلقا مع ما قصه هرتيوس بشأن الموضع الذي كان يوليوس قيصر محصورا به في الإسكندرية، فيوليوس قيصر هذا لم يكن كما هو معروف صاحب النفوذ في الحي الذي تخترقه الترعة المسماة نهر النيل، والترعة التي نتكلم عنها لم تكن في الواقع ونفس الأمر تمر في حي القصور الذي كان يمتلكه يوليوس قيصر، بل كانت تمر من المدينة بين سورها الجنوبي والشارع المستطيل، وتصب من فتحة ضيقة في الترعة التي تتلاقى مع بحيرة مريوط في مينا كيبوتوس.
ولقد شوهد في وصف ترعة الإسكندرية أنها لم يعد يكتنفها الآن في القسم الأكبر من مجراها إلا أطلال وصحاري، مع أنها كانت منذ 460 سنة لا أكثر تتزين وتتحلى بجميع ما في مصر من أنواع الزخارف والثراء، وإليك ما رواه عنها المؤرخ العربي أبو الفداء الذي كان على قيد الحياة في ذلك العهد:
والقمح يجلب لها من البلاد الأجنبية، والحقول التي تحيط بها مجدبة؛ لأن أرضها مشوبة بالملح.
2
أ.ه.
ويقول بالشرح المسطر على الهامش:
الإسكندرية واقعة على جزيرة رملية كونها البحر وترعة الإسكندرية، وهذه الجزيرة على امتداد يسير أقل من نهار مغروسة كروما ومزينة بالبساتين، ومع أن أرضها لم تكن مكونة إلا من رمال، فالعين لا تستنكف رؤيتها، والترعة الموصلة الماء للإسكندرية منظرها بديع، فالجنائن والرياض المزروعة على ضفتيها تجمل مجراها.
3
أ.ه.
ويلوح من أول وهلة أن عبارتي أبي الفداء السالفتين متعارضتان ولفهمهما يلزم ملاحظة أن أولاهما خاصة بجزء السهل الواقع على يسار الترعة، فهذا الجزء نظرا لانغماره بمياه بحيرة مريوط كانت أرضه حقيقة مشوبة بملح البحر، أما العبارة الثانية فينطبق نصها على جميع الفضاء المحصور بين ضفة الترعة اليمنى والبحر. فهذه الأرض لم تكن جميعها تقريبا مغمورة بالمياه في ذلك الوقت، كما هي الآن إذ إن بحيرة أبي قير التي لا ينبغي خلطها مع بحيرة إدكو (بحيرة المعدية القديمة) لم تكن ظهرت في عالم الوجود حتى ذلك الحين.
ومما لا ريب فيه أن ضفاف ترعة الإسكندرية كانت مزدهرة زاهية حتى بعد أن أضحى العرب أصحاب السلطة والسيطرة على المدينة، ومما يبرهن على أن الحاجة كانت ماسة جدا لاتصال إحدى الضفتين بالأخرى، الكباري الأربعة التي مدوها بطول امتداد الفرسخ (4000 متر) الواقع قبل الإسكندرية، وأحد هذه الكباري وهو الأكثر مجاورة لسور العرب قد تهدم، وأما الثلاثة الأخر فكانت مشيدة على غرار واحد، وكل واحد منها مكون من قنطرة واحدة مرتفعة ارتفاعا كبيرا؛ لتيسير الملاحة.
وقبل أن نتكلم على الأعمال التي يلزم عملها لترعة الإسكندرية حتى تقوم بالغاية التي حفرت من أجلها على أتم وجه وأفضله نوضح الأسباب المهمة التي تحتم على الحكومة إنجاز هذه الأعمال.
إن ترعة الإسكندرية - بعد ترعة السويس - هي أهم الترع التي ينبغي على ولاة الأمور في مصر أن يعنوا بها كل العناية، ويوجهوا أفكارهم لمباشرة إصلاحها؛ لتصير صلة لا بد منها، ولا غنى عنها للترعة التي تربط النيل بالبحر الأحمر؛ لأن النقطة التي تنتهي إليها هذه الترعة في أي موضع كان من النهر لا بد للمراكب التي تمخر فيها أن تصل إلى الإسكندرية، ومن سداد الرأي أن يكون ذلك بواسطة الترع التي تسير في داخلية البلد عوضا عن تعريضها لبحر عجاج كثير الرياح والأمواج، أو تعريضها في أوقات الحروب لغارات الأعداء، ولقد أدرك الإغريق هذه الأشياء تمام الإدراك؛ ولذا كانت جميع التجارة في عهدهم تجري بواسطة بحيرة مريوط التي كانوا يؤثرون موانيها على مواني البحر الأبيض المتوسط، ولكن فيما خلا ترعة السويس كانت ترعة الإسكندرية لم يزل لها قسط وافر من الأهمية جدير بأن يستوقف الأنظار.
ومهما يكن من أمر الطريقة التي بها تستورد تجارة الهند أو البحر الأحمر إلى مصر من السويس أو القصير، ففي الواقع يدرك بالبداهة أنها كانت ولا بد من أن توجه إلى الإسكندرية لتشحن منها على السفن، وهذه توزعها على كافة البلاد الأوربية، وعلى ذلك تتطلب الأسباب التي أوردناها توا بشأن الاحتياج إلى النقل في داخلية البلاد أن تعود ترعة الإسكندرية صالحة للفلاحة طول السنة، وهذه العملية تكون من ناحية أخرى مصدر سعادة وفلاح لمصر وتهيئ للحرث والزرع جانبا لا يستهان به من أرضها ضيعته يد إهمال ذوي الحل والعقد الإجرامي فتظهر مرة أخرى ضفافها الجافة المهجورة في الوقت الحاضر وقد أعيد لها خصبها القديم، وهذه الحالة تنطبق انبطاقا تاما عجيبا على حاجات الإسكندرية الحديثة التي هي الآن مع ازدياد عدد سكانها وازدياد نشاطها لا تستهلك جزءا كبيرا من حاصلات مصر الحالية.
وكيفما قلبنا الطرف وأجلنا الفكر فيما عساه أن تصلح له الترعة التي نتحدث عنها نرى أنه لا غنى لمصر عن الإسكندرية فلا يجوز أن تترك عرضة لأن يضيع كل اتصال بينهما وبين النيل في طرفة عين.
لقد قلنا فيما سلف: إنه يوجد في اتجاه نهاية بحيرة أبي قير جسر مبني بالأحجار عرضه من 6 إلى 7 أقدام يفصلها عن الترعة، ومع أن هذا الجسر قد أقيم حديثا وفي بنيانه من المتانة حد الكفاية غير أنه نظرا لإهماله وعدم إجراء أي شيء في سبيل صيانته تطرق إليه الفساد والدمار، وقد تحدث العوارض الشديدة انهياره، وبما أن مياه البحيرة أشد انحطاطا من مياه الترعة فينجم من ذلك أن تنسكب جميع هذه المياه في البحر، والأنكى من ذلك أنه إذا كان القطع ينشأ على أثر عاصفة شديدة يحدث عنها أيضا انقلاب جسر الترعة الثاني فعندئذ تنحدر مياه بحيرة أبي قير في كل عرض السهل الذي كانت تشغله في العصور الخالية بحيرة مريوط، وهذا السهل لا يزال مستواه إلى الآن أحط من مستوى البحر، وعند ذلك تكون مدينة الإسكندرية مرة أخرى قائمة على برزخ ضيق جدا كما كانت في زمن وجود هذه البحيرة، ولكن مع هذا الفرق وهو أنه لن يعود بعد في حكم الاستطاعة توصيل مياه النيل إليها.
ولهذا يجب إعادة بناء الجسور التي تفصل البحيرة عن الترعة لتصير بالحالة التي كانت عليها قبلا وبناء جسور أخرى في كافة المواضع التي تخترقها بل ربما قد يكون من سداد الرأي ومن الأسهل كثيرا إبعاد الترعة عن البحيرة.
وهذا الأمر لا يحدث زيادة في النفقة؛ لأن السهل الذي تمر منه الترعة نظرا لشدة انخفاضه كما ذكرنا سلفا يدعو إلى الاكتفاء بإقامة جسور فقط؛ لحفظ الترعة، والحاصل أنه إذا أعيد بناء الجسر الذي يفصل البحيرة عن البحر أو على الأقل إذا اعتنى بملاحظته لكي لا يزداد سوءا على سوء، فلا يكون هنالك خوف مطلقا من العوارض التي قد تحدثها اضطرابات مياه البحيرة الشديدة.
والأشغال التي يمكن مباشرتها لتبقى دواما ترعة الإسكندرية صالحة للملاحة لا يمكن إتمامها في سنة واحدة، بل من المستطاع تدبيرها بكيفية تجعلها من السنة الأولى لمباشرتها تأتي بفوائد جمة، وهكذا يستطاع في سنة واحدة بقاء الملاحة سهلة مدة ثلاثة أشهر من السنة التالية لبدء العمل، ويكفي لإنجاز هذه العملية مبلغ قدره (260000) مائتان وستون ألف فرنك، (1002950 قرشا) وإليك الكيفية التي بها يمكن الحصول على هذه النتيجة.
إن قياس المناسيب الذي عمل في الثمانية فراسخ الأولى (32000 متر) من الترعة دل على أن انحدارها شديد للغاية في هذا الجزء لدرجة أنه لم يعد يوجد بعدها انحدار في باقي مجراها، وهذا الانحدار الجسيم ناجم من رواسب الطمي السنوي التي تزداد جسامة قرب الرحمانية أكثر مما تزداد قرب الإسكندرية، وإذن يكتفى بمباشرة الأشغال أولا في الثمانية فراسخ الأولى (32000 متر)، وذلك بحفر مترين ونصف عند مدخل الترعة وبتقليل العمق تقليلا يتناسب مع المسافة التي يكون الإنسان عندها من المدخل بحيث يجد عند نهاية الثمانية فراسخ قاع الترعة القديم، وإنجاز هذه العملية بعرض عشرة أمتار يستلزم رفع 468000 متر مكعب. وإذا أضيف إلى ذلك 132000 متر مكعب عن الأشغال التي تتطلبها بعض أجزاء الترعة لا سيما الجزء الواقع بجوار بحيرة أبي قير يكون المجموع 600000 متر مكعب يقدر تطهير المتر الواحد منها بمبلغ 12 ميدي (12 بارة أو 3 مليمات) بما في ذلك جميع النفقات، وتقدر بما يقل قليلا عن 260000 فرنك (1002950 قرشا).
أما الوقت اللازم لإتمام هذه العملية فهي لا تتطلب أكثر من 150 يوما، إذ في الإمكان حشد 2700 (ألفين وسبعمائة) عامل حيث يمكن للمزارعين أن يحصلوا على 150 يوما في السنة، وذلك في الفترتين المحصورتين بين البذار والحصاد وبين الحصاد والفيضان.
ونحن لا نزج بأنفسنا في جميع التفاصيل الخاصة بالاتجاه الجديد الذي يلزم أن تتخذه بعض أجزاء الترعة لجعل الملاحة أكثر سهولة، ولكن نلاحظ فقط أنه لما كان مجرى الترعة العمومي يتجه تقريبا من الشرق إلى الغرب بينما الريح تهب في معظم الأوقات من الشمال إلى الجنوب، فيلزم العمل على أن لا يكون أي اعوجاج من هذه الاعوجاجات في هذا الاتجاه الأخير حتى يمكن طلوع ونزول المراكب في جميع فصول السنة، أما مدخل ومصب الترعة فهذان يلزم أن تتخذ فيهما تغيرات لا بد منها، وهاك بيانها:
إن التغيرات التي يلزم إجراؤها في المدخل هي وضعه قرب طابية الرحمانية، فهذا الموضع الذي يحتفظ في أوقات التحاريق بماء عمقه أكثر من ثلاثة أمتار يستطيع بقليل من العمل أن يصير ميناء فسيحا وحسنا، وهو واقع بجوار جزيرة صالحة جدا لإقامة المخازن الضرورية لمثل هذه الملاحة.
والعوائق التي يجب اجتنابها بعناية تامة في الطريق الجديد الذي يراد إعداده للتجارة هي وسق المراكب والمخازن المختلفة، وهذا الأمر الذي كثيرا ما يكون سببا في التأخيرات يستدعي تشييد محال للجمارك، وبالتالي تحصيل رسوم على البضائع، وإذن يجب أن تتصل ترعة الإسكندرية بالبحر حتى لا يكون هنالك احتياج لنقل البضاعة المجلوبة بطريق الترعة برا.
ولكن قبل أن ندل على موضع الميناء الذي يكون فيه - على ما يلوح - من المناسب أن تنتهي الترعة نعيد على الذاكرة أنه لما ضم الإسكندر جزيرة المنار إلى الأرض اليابسة، وجعل بهذه الكيفية ميناءين للإسكندرية شعر الناس بضرورة اتصالهما حتى تستطيع المراكب أن تخرج في كل الفصول تقريبا، فترك لهذا الغرض فتحتين في الهبناستاديم
Hepnastadium ، وهاتان الفتحتان تكونتا في نفس الوقت الذي اتسع فيه عرض الهبناستاديم من جراء رواسب المياه، بحيث حلت المدينة الحديثة كما هو معلوم محل السد القديم.
وبما أن ضرورة اتصال الميناءين ببعضهما لم تزل كما كانت في تلك العصور القديمة، فمن رأينا أنه لو عمل قطع متسع يصل الواحدة بالأخرى، لدعت الحالة لجعل نهاية ترعة الإسكندرية في هذا القطع بكيفية تجعلها خاصة بالميناءين على السواء، وأن تخترق المدينة الحديثة بالطول، واستمرار وجود مياه النيل بالإسكندرية يصبح أمرا ضروريا جدا لو فرض أن عدد السكان زاد زيادة كبرى؛ لأن كمية المياه التي يمكن أن تسعها جميع صهاريج المدينة لا تستطيع أن تكفي على أكثر تقدير عدد سكانها في الوقت الحاضر إلا مدة سنة ونصف.
وهذا الفم الجديد المفتوح على النهر يضعف على وجه التحقيق كثيرا فرع رشيد الذي تختلط ماؤه في فصل الصيف بماء البحر الملح في مرحة أربعة أو خمسة فراسخ (16000 أو 20000 متر) فوق مصبه، ولكن عدا أنه في حكم الاستطاعة تكثير جريان مياه النيل في كل الأوقات، وذلك بتضييق مصباته في البحر، وأنه قد يمكن دواما التحكم في مياه الترعة بألا يعطى شيء منها إلا المقدار الكافي للضرورات والاحتياجات الصحية، فإقامة سد (هويس) عند منتصف طولها وآخر عند نهايته في الميناء يكفيان لعدم ضياع الماء سدى.
والسد الذي في الطرف وحده قد يكفي كل الكفاية لتأدية هذا الغرض ولكن يجب أن تكون الأبواب مرتفعة ارتفاعا كبيرا والجسور أيضا عالية كثيرا؛ لأنه يلزم أن تكون قممها أفقية في جميع طولها.
ونحن لا نأخذ على عاتقنا التعمق في مناقشة الوسائل الممكن التذرع بها لجعل ترعة الإسكندرية صالحة للملاحة طول السنة، ولا في تعداد الأشغال الصناعية التي تلزم لذلك.
ولكن الغرض المهم الذي يجب تقديره أن هذا الحصر يتعذر ولو بوجه التقريب في جميع ما يدخل تحت اسم (بناء)، أما رفع الأتربة فهذا شيء يمكن تقديره.
فقد بينا فيما سلف أن 260000 فرنك (1002950 قرشا) تكفي لجعل الترعة صالحة للملاحة لمدة ثلاثة أشهر من السنة.
ولكن لا يلزم أن نستنتج من ذلك أن أربعة أمثال هذه القيمة تجعلها صالحة للملاحة طول السنة، إذ إنه يؤخذ من ناموس حركة مياه النهر أنه إذا كان يلزم في العملية الأولى خفض مدخل الترعة بمترين ونصف متر فلا يلزم خفضه في العملية الثانية أكثر من متر واحد وثلاثة أعشار المتر، أي مجموع قدره ثلاثة أمتار وثمانية أعشار المتر في الحالتين.
ولما كان امتداد الترعة من 19 إلى 20 فرسخا (أي 76000 أو 80000 متر)، وأنها عميقة في الإسكندرية العمق الكافي فعلى فرض أن عرضها 10 أمتار دائما يكون اللازم رفعه من الأتربة 1730000 (مليون وسبعمائة وثلاثين ألف) متر مكعب.
وهذا هو الذي يمكن عمله حسب التقدير السالف في سنتين أو ثلاثة بمبلغ 750000 فرنك (2893125 قرشا). أ.ه. (2) نبذة عن ترعة المحمودية لمسيو كوست
وتكلم مسيو كوست كبير مهندسي ترعة المحمودية عنها في كتابه: (ملاحظات وتفكيرات عن السياحات من سنة 1817م إلى سنة 1877م) طبع مرسليا سنة 1878م من (ص9 إلى ص46)، وقبل أن نأتي على ما ذكره مسيو كوست عن هذه الترعة نذكر لك فذلكة تاريخية عنه فنقول:
لما كان محمد علي يرغب إحياء مصر كان يتقبل الأجانب قبولا حسنا ليعاونوه في إنجاز مشروعاته. وكان من بين هؤلاء الأجانب مسيو بافي
Baffi
الكيماوي، وهذا كان قد أتى من روما؛ ليعرض عليه إنشاء مصنع لعمل ملح البارود بدون قزان ولا نار ينتج سنويا 3000 قنطار من هذه المادة في نظير منحة قدرها خمسمائة ألف فرنك (1928750 قرشا)، مع طلب مهندس معماري ليدير حركة بناء هذه المؤسسة الجديدة وغيرها مثل مصنع البارود ومصنع الصابون ... إلخ، فقبل محمد علي هذا الطلب، ولمباشرة الشروع في هذا العمل أرسل محمد علي عاملا فرنسيا إلى فرنسا لمسيو جومار
Jomard
في باريس؛ ليرجوه اختيار مهندس معماري فرنسي ذي كفاءة للقيام بتأدية هذه المأمورية.
وتذكر مسيو جومار وقت إقامته في باريس مسيو كوست فعرض عليه أن يسافر لتأدية هذه المأمورية فقبلها مع وافر الشكر.
وتعهد مسيو كوست في الشروط التي عملت أن يعترف بمسيو بافي
Baffi
مديرا عاما للأشتغال التي يراد عملها. وتحددت أتعابه بمبلغ (18000) قرش صاغ؛ أي: (7200) سبعة آلاف ومائتي فرنك، وأخذ على عاتقه استحضار معلم بناء؛ ليعلم العمال، ودفعت له نفقات السفر لغاية ما يصل لمسيو بافي، وعلاوة على ما ذكر صرف له مبلغ (2000) فرنك (7715 قرشا)؛ لشراء آلات وغيرها ووقع الطرفان على الشروط في سبتمبر سنة 1817م بمرسليا لمدة سنة واحدة.
مسيو كوست كبير مهندسي ترعة المحمودية
وكان كوست في ذلك الحين في السنة الثلاثين من عمره، وكان سفره من مرسليا في 6 أكتوبر سنة 1817م على القرويت (بلا نينا
Bella Nina ) من ممتلكات محمد علي، وكان يقودها ربان تركي. وكان تحت إمرته عدد كبير من الملاحين يتألف من خليط من الترك واليونان والمالطية والطليان، وربان السفينة الثاني هو الوحيد الذي كان يتكلم الفرنسية والذي معه كان يستطيع أن يتحدث.
والوصول كان في أول نوفمبر من السنة المذكورة، وبعد استيفاء الإجراءات الجمركية سكن في حي الإفرنج في منزل مسيو ناردي (Nardy)
تاجر ومراسل مسيو بافي (Baffi)
وظل عشرة أيام في الإسكندرية، الأمر الذي سوغ له التفرج على الخرائب التي في المدينة.
وسافر مسير كوست إلى رشيد في 10 نوفمبر بعد أن استأذن مسيو ناردي شاكرا ضيافته الودية، ووصل إلى رشيد في الغد 11 نوفمبر، ونزل عند مسيو تورنو (Tourneau)
من فرسان الخيالة القدماء ومن التجار ووكيل قنصلية فرنسا ومراسل مسيو بافي، وهذا أركبه متن ذهبية إلى الطرانة محل سكن هذا الأخير، وكانت الرحلة طويلة في هذا الفصل الذي فيه تكثر رياح الجنوب وتكون الأشرعة عديمة الجدوى ولا ينفع غير السحب باللبان ومجهود الملاحين، وعلى ذلك لم يصل إلى الطرانة إلا قبيل آخر الشهر.
واستقبله مسيو بافي أحسن استقبال هو وجميع أتباعه وهم كثيرون، وكان يدير في هذا الوقت مصنعا لملح البارود بقزانات بناه على أطلال طيرينيتس القديمة
Térénutis (كوم أبو يلو) الواقعة على مسافة 4 كيلو مترات جنوب غرب الطرانة الواقعة على طرف الصحراء، وكان مسيو بافي قد حاز ثقة محمد علي الذي سماه عمر بك ورئيس المماليك الفرنسيين، وهؤلاء هم جنود جيش بونابرت الفرنسيون القدماء الذين بقوا في مصر وخدموا محمد علي في ظروف مختلفة، ولم يبق منهم إلا زهاء مائة وجميعهم عاجزون، وقد أذن لهم أن يعملوا بصفة تراجمة للسياح الأجانب، وأسكنوا في الترسخانة وفي مختلف المصانع التي أقيمت حديثا ويديرها أوربيون، وكان مع مسيو بافي نحو العشرين منهم.
وبعد بضعة أيام استراح خلالها طلب منه مسيو كوست أن يقدم له بيانا عن مصنع ملح البارود بدون نار ليرسم مشروعا إجماليا بكافة الأبنية التي تلزم، وبما أن طريقة الصناعة هذه كانت سرا من الأسرار، تردد في إجابة طلبه، إذ كان يريد قبل أن يطلعه على ذلك أن يعرف سجيته ومبلغ أمانته، فأجل هذه الإجابة إلى ما بعد سفرهما إلى مصر واطلاع محمد علي على هذا الطلب.
وفي يناير سنة 1818م توجها إلى القاهرة، وسارع مسيو بافي إلى تقديمه بواسطة باغوص بك الأرمني الجنس والمترجم الأول لمحمد علي إلى سموه في سرايه القائمة في القلعة، فأكرم محمد علي وفادته، ودعاه للجلوس على الديوان حيث قدمت إليه القهوة والشبق، وقال مسيو كوست: إنه لدى الدخول في قاعة الجلسة كان محمد علي متربعا في ركن الديوان (المقعد) ويلوح أنه كان يتهجى حروفا بجانب أحد المشايخ، وعند خروجه من المقابلة لاحظ لباغوص بك أن سموه كان يتعلم القراءة فأجاب: «نعم» إن الباشا أدرك ضرورة التعلم، وكانت سنه وقتئذ أربعين سنة، وقد وخطه الشيب وتوصل بمحض قوة إرادته أن يقرأ ويتثبت من مصلحته.
وبعد أن انتهت المقابلة زارا كيخيا بك ناظر الداخلية وشريف بك ناظر المالية حيث أجرى مسيو بافي قيده بصفة موظف من موظفي الباشا طبقا للشروط التي تم توقيعها في مرسليا، وفي الأيام التالية قدمه لمشاهير التجار المقيمين بمصر.
والحاصل أنه في شهر فبراير بعد أن حاز ثقة مسيو بافي بأن يحيطه ببيانه عن تشييد مصنع ملح البارود الذي يقال إنه (بدون نار) والأصوب أن يقال عنه: إنه يصنع بواسطة التبخير. وهذا ما تم عمله على الأرض المخصصة لهذه المنشأة المقامة قرب البدرشين بمديرية الجيزة، وتمت الأشغال الرئيسية في يونيه الأمر الذي سوغ لمسيو بافي الشروع في صناعته، وكانت النتيجة أن أخذت هذه الصناعة تتقدم يوما بعد يوم وتفوز بالحصول على ملح البارود النقي.
وفي شهر سبتمبر سنة 1819م انتهت جميع أشغال مصنع ملح البارود المصطنع بالتبخير، وعند ذلك أرسل مسيو بافي بأمر محمد علي مسيو كوست إلى مصر القديمة؛ لينظم ويشرع في أشغال بناء معمل كبير للبارود يقام في ركن جزيرة الروضة الجنوبي الملاصق لمقياس النيل، وتم جميع ذلك بإدارته وتحت مباشرته طبقا لرسومه ومفصلاتها، وكان قد عين مفتشين ذكيين للقيام على الأشغال في أثناء غيابه أحدهما مصري للبناء، والثاني إغريقي للأشغال الأخرى، وتم كل ذلك سنة 1820م وارتاح الباشا كثيرا لأعمال البناء ومختلف عينات البارود التي كان ينتجها المصنع.
وفي غضون مباشرة هذه الأعمال كان محمد علي يفكر في حفر ترعة الإسكندرية وجعلها صالحة للملاحة، فاستدعى مسيو كوست وكلفه بصفته كبير المهندسين بهذه المهمة.
وهاك الآن ترجمة ما قاله مسيو كوست في كتابه الآنف الذكر في شأن حفر هذه الترعة:
فكر محمد علي باشا في أن ينشئ ترعة للملاحة تتمكن بواسطتها المراكب المشحونة بمختلف محصولات أقاليم مصر العليا والوسطى والسفلى من الوصول مباشرة للإسكندرية؛ لاجتناب المرور من بوغاز رشيد الواقع في مصب نهر النيل، وذلك لصعوبة وخطر المرور منه وكثرة ما يحدث من الغرق فيه. فجمع محمد علي كل مديري الوجه البحري السبعة؛ لينظموا الوسائل اللازمة لإنجاز هذا المشروع، فأجمعوا الرأي على أن يكلف شاكر أفندي المهندس التركي برسم وتتميم الأشغال اللازمة للترعة، وأن يجعل مدخلها في قرية العطف الواقعة تحت مدينة فوه وعرضها ثلاثون مترا ومتوسط عمقها 3,65 من الأمتار وامتدادها 80 ألفا وبضعة أمتار. وأن يورد كل مدير الرجال والمقاطف بنسبة تعداد أهالي مديريته موزعين كالآتي: الجيزة 30 ألفا، والبحيرة 50 ألفا، والقليوبية 30 ألفا، والمنوفية 120 ألفا، والشرقية 25 ألفا، والمنصورة 15 ألفا، والغربية 130 ألفا، فيكون المجموع 400 ألف رجل.
وكان المديرون مخيمين على رأس مديرياتهم كل منهم مع لفيف جماعته، وكان لكل قرية خيمة، أما غذاؤهم فكان البصل والفول والجزر وخبز الذرة، وكان على كل قرية امتداد معين من الترعة لتحفره، وذلك بنسبة سكانها، وعندما تنتهي مأموريتها تسرح أنفارها وترجع إلى بلدها.
ورسم المهندس التركي الترعة، وعوضا عن أن يرسم امتدادها مستقيما رسمها خطا معوجا غير مستوف للشروط بدون أن يعمل قبل كل شيء عملية قياس تسوية السطوح، (وذلك لجهله بعلم مقياس السطوح - جيئوديزي -
Géodésie ).
وشرع في العمل في سنة 1818م، وذلك بحفر 3,65 من الأمتار بموازاة سطح الأرض وعرض ثلاثين مترا، فنجم من هذه العملية ارتفاع قاع الترعة في مواضع وانخفاضه في أخرى، ولما وصل الحفر إلى محطة السد
4
الذي بين بحيرتي أبي قير ومريوط وقف العمل وقفا تاما فوقعوا في حيرة ولم يعودوا يعرفون كيف يصنعون ليجتازوا هذا الممر وصرفوا الرجال فعادوا إلى مديرياتهم.
واستدعاني الباشا عند ذلك إلى الإسكندرية وكان هذا الاستدعاء في شهر مارس سنة 1819م وكلفني أن أتمم الترعة ونبهني بأنه لا يريد أن يغير شيئا من الرسم الذي أمسى في حكم الأمر الواقع. فقبلت واستحضرت التلاميذ المصريين الذين ثقفتهم؛ ليساعدوني في إجراءاتي ويراقبوا أشغالي.
وابتدأت بإجراء عمليتين لتسوية مناسيب الأرض: إحداهما: من الإسكندرية لغاية العطف والنيل، والثانية: من النيل إلى الإسكندرية، فحصلت على فرق طفيف فأخذت المتوسط لتحديد عمق حوض الترعة وأجريت غرس أوتاد من الخشب يبعد الواحد عن الآخر 365 مترا على شواطئ الترعة، وبينت عليها العمق الذي يجب أن يصل إليه حوض الترعة، وبعد أن انتهت هذه الترتيبات قدم الفلاحون من مختلف المديريات بفئوسهم ومقاطفهم يقودهم عمال المديرين؛ ليعدلوا عمق الترعة وشواطئها بطول امتدادها، وكان تلاميذي مرصوصين بجانب الأوتاد المرقومة بأرقام تدل على عمق حوض الترعة.
وعدلت أيضا بعض المنحنيات غير المستوفاة الشروط، وكنت أراقب هذه الأعمال يوميا على متن جواد ذهابا وإيابا من الإسكندرية إلى العطف، وفي الوقت نفسه كنت أقوم بعملية الجسور لحصر الترعة في الممر الواقع بين بحيرتي أبي قير ومريوط على امتداد 2500 متر ببناء حيطان قوية وسنادات مبنية بالجير المائي قائمة على دعائم في الماء، وكل هذه الأشغال تمت في شهر ديسمبر سنة 1820م. واحتفل بفتح فوهتها لدخول مياه النيل للإسكندرية في شهر فبراير سنة 1821م، وارتاح محمد علي باشا من هذه الأعمال أشد الارتياح (وسميت المحمودية تيمنا باسم السلطان الجالس على عشر الخلافة في ذلك الوقت).
أما الأشغال الأخرى مثل الهويس الكبير القائم على رأس الترعة في العطف وقناطر الهويس التي عند مخرج المياه في الميناء القديمة والميناء الجديدة بالإسكندرية وقنطرة باب رشيد وغيرها فهذه بنيت في السنين التالية وفقا للرسوم التي خططتها وبينت مفصلات إنجازها.
أما الحي الذي كنت أقيم به في أثناء تأدية أشغال الترعة فكان في معسكر إسماعيل باشا (نجل محمد علي) قرب عمود السواري، وهو الذي كان متوليا منصب مدير العمل في هذه الترعة، وكان الطاعون في ذلك الحين منتشرا انتشارا شديدا ويفتك بخلائق عديدة، وأعرب إسماعيل باشا عن رغبته في وضع معسكره تحت الحجر وكلفني بالمراقبة فأجريت إحاطة المعسكر بحبال من الليف مربوطة بأوتاد متباعدة وأجريت أيضا نصب خيمة في الخارج للأشخاص الذين يقدمون من المدينة.
وكان مدير الجمارك عثمان أغا الذي كانت تربطني به رابطة صداقة يأتي يوميا ليزور الباشا، وذلك بدون أن يدخل في حظيرتنا، وفي يوم جاء الحاج عثمان وأخبرنا أن جميع حاشيته وعددها ثلاثون شخصا ماتوا بالطاعون، وأنه أتى إلينا طالبا ضيافته في معسكرنا فأجريت إقامته في الحجر خمسة أيام ثم أذن له بالدخول واستقبله إسماعيل باشا استقبالا حسنا.
ولم يصدني الطاعون عن الذهاب لتفقد أحوال أشغال الترعة حيث هذه الضربة لحسن الحظ كانت لا تفتك إلا بقليل من العمال الكثيري العدد.
وفي مدة إقامتي الطويلة في مصر كان يظهر الطاعون بشدة قليلة أو كثيرة كل سنة في شهر ديسمبر ويختفي في شهر مايو أو يونيه ثم ينتقل إلى القسطنطينية وكل بلاد الشرق، وأشغالي الكثيرة لم تكن لتترك وقتا للقلق وانشغال البال، وكنت فقط آخذ بعض الاحتياطات، وراح ضحية هذا المرض ترجماني وثلاثة خدم وشاب من الزنوج وبعض التلاميذ.
وفي غضون إقامتي في معسكر عمود السواري زارني فرنسي وهو مسيو سيف أحد ضباط السواري. وكان قد قدم حديثا للإسكندرية وأبدى رغبته في الالتحاق بخدمة محمد علي باشا فبادرت بتقديمه لسموه فقابله أحسن قبول، وعينه لإدارة ورش صناعة المدافع في ترسانة القاهرة.
وفي ديسمبر سنة 1821م قدم مسيو هيو
Huyot
المهندس المعماري إلى القاهرة، فرافقته إلى الإسكندرية ليبحر منها ويرجع إلى فرنسا، ولما علم محمد علي بوجود مسيو هيو بالإسكندرية بعث إليه بترجمانه بوغوص بك ليكلفه بأن يجول بترعة المحمودية وليحصل على رأيه عن الأعمال التي تمت وعن الأشغال التي يجب القيام بها ووجوب مرافقتي له في هذه السياحة .
وجبت معه الترعة على طول امتدادها، وأطلعته على رسوم وبيان الأشغال الواجب القيام بإجرائها لتتميمها نهائيا. ولدى رجوعه للإسكندرية كتب تقريرا وقدمه إلى الباشا ووافق فيه على ما كنت قدمته مع بعض التعديلات، وارتاح الباشا لذلك وشكره ومنحه هبة سخية.
وعدت إلى القاهرة لأرتب أشغال معمل البارود التي انتهت وأشغال مصنع ملح البارود الذي يسوى بالتبخير حيث نجح فيه مسيو بافي نجاحا باهرا وحصل على إنتاج أكثر من 3000 قنطار من ملح البارود سنويا، ونقده الباشا 500000 فرنك (1928750 قرشا) حسب الاتفاق المعقود بالقنصلية الإنكليزية بالقاهرة.
وسافر مسيو بافي إلى إيطاليا مرتديا ملابس شرقية، وهناك بدد هذا المبلغ في سنتين ثم عاد إلى مصر حيث استخدمه محمد علي في تصفية النطرون الذي أنتجته البحيرات في الصحراء على مرحلة 40 كيلومترا من الطرانة. أ.ه.
وإتماما للفائدة نستطرد بذكر أعمال أخرى قام بها مسيو كوست لمصلحة مصر وهاكها: (1)
في سنة 1821م إقامة سلاملك على شاطئ الميناء قرب سراي رأس التين. (2)
ومن سنة 1821م إلى سنة 1822م الأبراج التلغرافية التسعة عشر ابتداء من الإسكندرية لغاية قلعة القاهرة، وأقطارها من 5 إلى 7 أمتار وارتفاعها من 9 إلى 22 مترا بما في ذلك الآلة الميكانيكية والملحقات التلغرافية التي توصل الأخبار في ظرف 15 دقيقة. (3)
حوض حديقة شبرا الكبير مع ممشى ومقاصير للجلوس. (4)
ترعة وادي الطميلات وطولها 35 كيلومترا وعرضها 11 مترا وعمقها 3,65 من الأمتار، وأنجز هذا العمل بمعاونة تلاميذه المصريين في 15 يوما بواسطة 80000 فلاح، والأهوسة والقناطر أنجزت في السنين التالية، وأنشئت هذه الترعة لري مزارع التوت. (5)
مشروع بناء مسجدين أحدهما بالقاهرة والثاني بالإسكندرية. (6)
وفي أغسطس سنة 1820م أرسله محمد علي إلى معبد أبي صير غرب الإسكندرية لارتياده وادي أبي صير حيث يزعم العرب أنه في حكم الاستطاعة بواسطة مد ترعة لتوصيل مياه النيل إلى ذلك الوادي إمكان إنشاء مزارع به، ولكن من عمليات قياس السطوح التي أجراها تحقق أن لا سبيل لتوصيل مياه النيل إليه.
وبعد أن أقام مسيو كوست بمصر خمس سنوات شعر بالرغبة بل بالاحتياج إلى أن يعود إلى مسقط رأسه ويرى آله وأصدقاءه، وعلى ذلك طلب من محمد علي إجازة غير محدودة فأذن له بذلك وزاد أن قال له: «إلى المتلقى ... وعاجلا».
وقبل أن يسافر جمع كل تلاميذه وترك لهم كل البيانات والرسوم والتفاصيل؛ لكي يتمكنوا من الاستمرار في مواصلة الأشغال التي بدءوها.
وفي 27 أكتوبر سنة 1822م ركب البحر من الإسكندرية ميمما فرنسا، وظل فيها لغاية سبتمبر سنة 1823م وسافر من مرسيليا في الثالث من هذا الشهر ووصل في 8 أكتوبر من هذه السنة الأخيرة إلى الإسكندرية، وزار محمد علي فأعرب عن ارتياحه من أن رآه مرة أخرى وعينه رئيسا لكافة أشغال الوجه البحري. (7)
وبعد أن استراح زمنا يسيرا ذهب إلى القاهرة حيث جمع تلاميذه ورحل ليعاين كافة الأشغال التي تمت في زمن غيابه، ولسهولة إنجاز الأشغال في المديريات عرض على الوالي ترتيب هيئة مهندسين من تلاميذه في مديريات الوجه البحري، وأن يكون لكل مديرية ثلاثة مهندسين درجة أولى وثانية وثالثة، وصادق الوالي على ذلك. (8)
وفي سنة 1824م طلب منه محمد علي أن يعمل المشروعات الآتية:
سراي تقام قرب محل إقامته في شبرا.
مسجد كبير في الإسكندرية.
سراي في الإسكندرية لترجمانه ووزير الخارجية بوغوص بك.
ولكن أوقف إنجاز هذه المشروعات بسبب نفقات الجيوش المرسلة مساعدة للدولة العثمانية في حرب المورة. (9)
وفي 5 مايو سنة 1821م كان محمد علي في محل إقامته في شبرا، واستدعى مسيو كوست ليذهب إلى الوجه القبلي ويقابل مدير أسيوط؛ لينظم أشغال الترعة السوهاجية، وفي 11 يونيه رجع إلى القاهرة وفي الغد توجه إلى شبرا ليزور الوالي ويقدم له تقريرا عن المأمورية التي عينه فيها فحاز ذلك رضى الوالي. (10)
وفي سبتمبر سنة 1822م كلفه محمد علي أن يخطط له مشروعا بتجديد طابية أبي قير التي كانت تهدمت وخربت من بعد جلاء الجيش الفرنسي مع ضم متراسين فوق النقطتين الأشد ارتفاعا على الساحل لصد نزول العدو على شواطئ هذا المرفأ في وقت الحرب. (11)
وقبيل آخر سنة 1824م أجرى حفر ترعة طنطا بامتداد 40 كيلومترا وعرض 11,50 من الأمتار وعمق 6 أمتار، وفمها قائم على ترعة شبين الكبيرة في قلب الدلتا. (12)
وفي سنة 1825م حفر ترعة كفر طلخان بمديرية الجيزة بامتداد 3 كيلومترات وعرض 16 مترا وعمق 4 أمتار. (13)
وحفر في السنة نفسها في مديرية المنصورة ترعة من النيل إلى السنبلاوين امتدادها 28 كيلومترا وعرضها 12 مترا وعمقها 4 أمتار. (14)
وفي سنة 1826م حفر بمديرية البحيرة على امتداد الضفة اليسرى لفرع رشيد ترعة امتدادها 63 كيلومترا وعرضها 15 مترا وعمقها 6 أمتار (رياح البحيرة). (15)
وفي بدء سنة 1827م حفر ترعة القاهرة (الخليج) المارة بين المدينة وبولاق لغاية اليهودية بامتداد 28 كيلومترا وعرض 20 مترا وعمق 7 أمتار.
وكل أشغال البناء من أحجار وطوب وقرميد اللازمة لهذه الترع المختلفة من أجل الأهوسة والقناطر وغيرها أنجزت حسب رسومه ومواصفاته في السنين التالية.
وفي غضون ذلك الوقت أعياه التعب والنصب المتواصل بسبب كثرة الأشغال فمرض مرضا شديدا لدرجة أن أشار عليه الأطباء ومن بينهم كلوت بك بمبارحة البلد فقرر العودة إلى فرنسا، واستدعى تلاميذه المهندسين وقدم لهم الرسوم ومواصفات تنفيذ كافة الأشغال التي شرع في إنجازها لكي يستطيعوا تتميمها ثم عانقهم وودعهم.
وزار بعد ذلك كيخيا بك وزير الداخلية ليحيطه بإزماعه على الرحيل، وزار كذلك شريف بك وزير المالية، وهذا سوى له ما يستحقه، وسافر في الحال إلى الإسكندرية حيث قابل محمد علي ليخبره بعزمه على السفر إلى فرنسا ليعالج صحته ويبدي له ما شمله من الأسى والأسف لفراقه، فأعرب له الوالي عما يشعر به من الأسف من جراء عزمه هذا وتمنى له سفرا سعيدا، وأبدى أمله أن يراه عائدا عندما يبل من مرضه وينال الشفاء.
وبعد ذلك أبحر من الإسكندرية في 7 نوفمبر سنة 1827م، وهكذا بارح نهائيا مصر.
ومسيو كوست هذا مؤلف كتابين عظيمين حجمهما ضخم: أحدهما عن آثار القاهرة، والثاني عن آثار الفرس، وكلاهما مزين بالرسوم والصور. (3) نبذة لمسيو مانجان عن ترعة المحمودية
ونذكر فيما يلي ترجمة ما قاله عن ترعة المحمودية مسيو فلكس مانجان
Felix Mengin
قنصل فرنسا العام في مصر في عهد محمد علي في كتابه: (تاريخ مصر في عهد حكم محمد علي) ج2 من ص331 إلى ص334 طبعة باريس سنة 1823م:
إن القيام على صيانة الترع الكبيرة ملقى على عاتق الحكومة، بينما الترع الثانوية صيانتها تتكفل بها القرى، وتطهر هذه الترع سنويا قبل الفيضان، وهذه الأشغال التي لا بد منها ولا غنى عنها تؤدى بغير اكتراث ولا مبالاة، فالفلاح وقد فترت عزيمته يتهاون في القيام كما يجب بما هو مفروض عليه، ومن المحتم عمل رسم لعموم الإصلاحات ونظام خاص لتوزيع المياه، وها هو الوالي قد صرف همته لإجراء عمل هذا الرسم وهذا النظام، ومنذ ثلاث سنوات أجرى حفر ترعة قرب العطف لسهولة المواصلات مع مدينة الإسكندرية واجتناب مرور المراكب من ممر بوغاز رشيد المحفوف بالمخاطر، وهذه الترعة التي تنضم لترعة الرحمانية تحت قرية بركة غطاس
5
تصل مياهها إلى الميناءين، وهي واسعة وعميقة وكثيرا ما تتدهور حافتها في كثير من المواضع لعدم انحدارها الانحدار الكافي، وأنشئ بالطين الناتج من التطهير ضفاف مرتفعة تبعد عن الشط خمسة أمتار، وهذا ما يجعل سحب المراكب باللبان سهلا.
وقبل الفيضان ولدى الاقتراب من الإسكندرية يكون الماء أجاجا؛ لأن مياه بحيرة مريوط التي تمر الترعة على مقربة منها ولا يفصلهما عن بعضهما إلا جسر بسيط ترشح في جوف الأرض، وبعد ذلك أقيم من الجانبين حائطان متوازيان مدعمان بأوتاد وحشو زيادة في تمتين هذا الجسر وجسر بحيرة المعدية أيضا ولتقليل الرشح، وهذا مع ذلك لا يقلل من أهمية ضرورة تجفيف بحيرة مريوط التي تدفع مياهها الريح الغربية فتلتطم بالأرض وتأكلها شيئا فشيئا.
والماء الذي ينقص من هذه البحيرة بواسطة التبخر تعوضه سنويا المياه التي تنحدر إليها من مياه مديرية البحيرة في زمن الفيضان، ولقد حاولوا التخلص من هذا المحذور بإجراء فتحات واسعة متباعدة تباعدا مناسبا، وهذه الفتحات تتلقى المياه غير اللازمة للري في ضواحي دمنهور وتصبها في الترعة، وهذه الاحتياطات لا تفي بالغرض المقصود منها؛ لأن ترعة بني سلامة (رياح البحيرة) التي تتلقى مياه الجيزة تجري في اتجاه حوش عيسى وتصب مباشرة في البحيرة بعد أن تكون روت أرض المديرية العالية.
إن الترعة التي جميع طول امتدادها يبلغ 80252 مترا يكاد انحدارها لا يشعر به، ومع ذلك تستدعي الأحوال إغلاقها بسد شديد المتانة في مدة الفيضان، وإلا ارتفعت المياه وعلت الشط وأتلفت بلا نزاع جسور البحيرتين.
ويكون من الأفضل الاستعاضة عن هذا السد المكون من تراب تكتنفه أوتاد، بكبري حاجز وحوض (هويس) بقرب مدخل المياه، وبذلك يمكن أن يستغنى عن هذا السد الذي يقام ويهدم سنويا فضلا عن الفائدة التي تعود من عدم تعطيل سير المراكب، وفي فترة امتدادها أربعة أشهر تقوم العوائق في سبيل المواصلات، ويضطر إلى تفريغ البضائع من المراكب القادمة من القاهرة قبل السد ونقلها بقوة السواعد على مراكب أخرى في الترعة، والبضائع التي تشحن من الإسكندرية تتعرض لنفس هذه الإجراءات بكيفية عكسية، وهذه الارتباكات تزيد نفقات النقل وينشأ عنها تأخيرات.
وكان في الإمكان من بادئ الأمر اجتناب هذه العوائق لو أن المهندس التركي الذي كلف بإنجاز هذه الأشغال لم يبدأ الأعمال بادئ بدء بدون اتباع قواعد الفن، إذ إنه لم يهتم بأي عمل تحضيري بل وجه طائفة من فلاحي الوجه البحري إلى هذه النقطة بدون أن تستحضر الآلات اللازمة لمثل هذه العملية، ولم يعمل مخازن للمؤن لتأمين معايشهم، فهلك خلق كثيرون من هؤلاء التعساء من العطش والجوع أو من سوء المعاملة وشدة التعب التي لم يتعودوها، والجنود المكلفون بحراستهم لم يدعوا لهم وقتا للراحة وأخذوا في تشغيلهم من شروق الشمس إلى أن يرخي الظلام سدوله.
وكان هؤلاء الفلاحون مكرهين على أن يحفروا الأرض بأيديهم، وأن يظلوا في الماء الذي يرشح من كل النواحي، وراح منهم ضحية زهاء 12000 فلاح في ظرف عشرة شهور وغطى الشط عظامهم.
والوالي سمى الترعة المحمودية؛ لأنها حفرت في زمن حكم السلطان محمود. أ.ه. (4) مذكرة لمسيو لينان باشا
وكتب مسيو لينان دي بلفون بك (باشا)
Linant de Bellefonds
مهندس القناطر الخيرية في عهد محمد علي باشا، وفيما بعد ناظر الأشغال العمومية، مذكرة عن ترعة المحمودية في كتابه الفرنسي: «مذكرات عن أعمال المرافق العامة الهامة التي تمت في مصر» طبع باريس سنة 1872م، و1873م من ص348 إلى ص355، وإليك ترجمتها:
لقد كانت مدينة الإسكندرية في سنة 1810م كما يقال مدينة عربية صرفة، وكان النادر من الأوربيين المشتغلين فيها بالتجارة والقناصل هم وحدهم الأجانب، ولم يكن هناك من يفكر في إقامة المنشآت والمصانع وانتشار التجارة التي أخذت طفرة تنتشر وتتسع اتساعا كبيرا في عهد حكم محمد علي، والمواصلات التجارية الداخلية مع الإسكندرية كانت تجري بطريق البحر من دمياط أو رشيد، والمسافرون الذين اعتادوا السفر إلى القاهرة كانوا يأخذون هذا الطريق أو يذهبون برا بامتداد طول البحر، ويركبون المراكب في رشيد؛ ليصعدوا في النيل، وفي سنة 1816م، وحتى سنة 1819م كانوا لا يزالون يستعملون هذا الطريق. غير أنه منذ بضع سنوات خلت كانوا يشعرون بالحاجة الملحة لتحسين المواصلات.
ولما كان عدد سكان مدينة الإسكندرية أخذ في النمو والازدياد فقد شعروا بالعوز إلى الماء الحلو . والواقع أن الماء لم يكن يوجد إلا في بعض الصهاريج التي كانت تتغذى في فصل الشتاء بمياه الأمطار أو المياه التي يجلبها النيل في زمن الفيضان السنوي بواسطة ترعة الإسكندرية القديمة وبمجاري تحت الأرض.
وكانت فوهة ترعة الإسكندرية واقعة في الرحمانية وتصل إلى الإسكندرية ابتداء من زاوية غزال متتبعة تقريبا نفس اتجاه ترعة المحمودية الآن.
لينان باشا ناظر الأشغال العمومية
وما زال يرى للآن مواضع كثيرة من حافات هذه الترعة القديمة التي كان عرضها صغيرا وتكاد تكون العناية بصيانتها معدومة وغير صالحة للملاحة مطلقا.
ولم يرد محمد علي أن تحصل الإسكندرية على كفايتها من الماء فحسب بل أراد فوق هذا أن تكون كافية لإنشاء البساتين والحقول والمزارع في ضواحي الإسكندرية وعلى ضفاف الترعة، وأراد كذلك ترتيب الملاحة ابتداء من النيل لغاية الإسكندرية بواسطة المراكب الكبيرة.
وللوصول إلى هذا الغرض أمر بتنظيم ترعة المحمودية بالحالة التي هي عليها الآن، وسماها ترعة المحمودية باسم مليكه السلطان محمود الجالس على العرش.
ويدهش الإنسان لدى فحص رسم هذه الترعة، فعوضا عن أن يقام مدخل المياه محل نفس مدخل الرحمانية القديم أو موضع آخر أكثر ارتفاعا يرى أنه وضع في محل أشد انحطاطا حتى عن فوة وأن جانبا من هذه الترعة عاد فصعد مجرى النهر لغاية زاوية غزال قرب دمنهور، ويدهش أيضا من كثرة الاعوجاج والانحناء في تخطيط الترعة.
والترعة القديمة التي كان مأخذها قائما عند الرحمانية كان تخطيطها أيضا مماثلا لترعة المحمودية، فكانت تصعد لغاية قرب مدينة دمنهور، وذلك بقصد الابتعاد عن أراضي ملقة دسيا
6
الشديدة الانحطاط والتي كانت ملأى تقريبا دواما بالغدران، وهذه الأراضي كانت في العصور الخالية على ما يحتمل جزءا من بطائح بحيرة إدكو، ومن المحتم أن هذه الترعة كانت تمر على جزء من هذه الأراضي مردوم، وهذا أمر على كل حال فيه ما فيه من الضرر.
والسبب في عدم إقامة مدخل المياه في الترعتين القديمة والجديدة في موضع أبعد جنوبا هو أنه عندما يصعد مدخل الماء فيكون أبعد جنوبا يزيد انحدار الترعة ويحول دون ترك مجراها حرا، وهذه الحالة تستدعي إقامة أهوسة لمرور المراكب وحجز المياه للري.
والسبب الذي حمل على نقل مدخل المحمودية إلى العطف التي هي أحط من فوة هو غالبا أن مدخل الرحمانية كان مسدودا بجزيرة، وأن الضفة في هذه الناحية كانت مستقيمة الامتداد في مسافة طويلة بينما كان يوجد في العطف كوع شديد الانحناء ودوامات هائلة، الأمر الذي أوجب تعميق قاع النهر وأدى إلى ارتفاع قليل في هذا الموضع، وهذا الارتفاع مما يساعد مدخل الترعة.
والسبب عينه الذي جعل الجزء الأول من الترعة القديمة يصعد نحو الاتجاه الجنوبي الغربي عوضا عن اتجاهه رأسا نحو الغرب هو أنه لدى تخطيط ترعة المحمودية عوضا عن أن يراد اجتناب الجزء المنخفض من ملقة ديسا اجتنبت الأراضي المنحطة المجاورة لبحيرة إدكو التي لم يكن من المستطاع اجتيازها.
أما المنعرجات التي في الترعة فالبعض منها اقتضته مواقع القرى والبعض الآخر نجم عن غلط محض.
وكان النظام في الوقت الذي فيه أنجزت أشغال المحمودية التحضيرية أقل كثيرا أيضا مما كان فيما بعد. فلقد كان المهندسون غير حاصلين إلا على قسط صغير جدا من المعارف، وتعرفت بهم بعد، وأمكنني أن أرى كل المصاعب التي لا بد أن يكون قد عاناها مسيو كوست الذي كان وقتئذ كبير المهندسين في هذه الأشغال، والمهندسون من ناحية أخرى لم يكونوا أعلنوا بقرار محمد علي إلا وقتما كان العمال قد استعدوا وأخذوا يفدون على ساحات العمل، ولم يكن هنالك وقت للقيام بأي شيء من الاستعدادات، والرأي لم يكن استقر بعد على الرسم، والأوتاد لم تكن غرست في الأرض، وكان هذا القياس يجري وقتما حضر جميع العمال وأخذوا في العمل، ولم يكن حينئذ هناك وقت ليعين لكل واحد المحل الذي يجب أن يشتغل فيه. وكل مأمور قسم أو شيخ قرية كان يصل مع جماعته من العمال الذين لم يكونوا معروفين من قبل، وبما أن المهندسين كانوا لا يعرفونهم اضطروا أن يتركوا كل واحد منهم يعمل في الوضع الذي يناسبه ، وكانوا يحفرون حسبما اتفق وبوجه التقريب في الاتجاه، ولضم هذه القطع المحفورة بلا روية ولا تعقل بعد ذلك إلى بعضها دعت الحالة لخلق زوايا ومنحنيات بقدر ما يستحسن، وهذا هو سبب وجود هذه المنعرجات التي تدق خفاياها عن الفهم.
وكان استحضار الفلاحين للسخرة أمرا سهلا للغاية في تلك المدة حتى إنه على ما يقول أهالي ذلك العصر جمع للعمل في هذه الترعة 360000 فلاح.
وكثير من مأموري المراكز وكبار المشايخ اشتركوا هم أنفسهم في نفقات الرجال الذين استحضروهم، ودعت الحالة في كثير من المواضع إلى الحفر في الطين وفي محال أخرى قريبة من الإسكندرية عثر بالحجر. وتكلف المرور من غوطات بحيرة أبي قير كثيرا من الوقت والنقود، ودعت الحالة لإقامة ضفاف الترعة بالردم وحصر جانبيها بين جسرين مبنيين امتدادهما من 10 إلى 12 كيلومترا على أقل تقدير.
وبعد حفر الترعة بزمن طويل كان من اللازم نقل شحنات المراكب عند مأخذ الماء من مركب لآخر إذ لم يكن هناك أهوسة، وهذا ما جعل للعطف أهمية كبرى فأثرى فيها كثيرون.
وقسم الترعة من العطف إلى زاوية غزال انطم بالردم أولا فأقيم مأخذ جديد للماء قدامه ، وأخذ هذا المدخل يصب ماءه في ترعة المحمودية، ولكن هذا ما لبث أن اعتراه أيضا ما اعترى المأخذ الأول.
والأرض الشاسعة الواسعة المعروفة بملقة دسيا
7
استعملت كذلك لتغذية المحمودية، وكانت هذه الأرض تستخدم في فصل التحاريق بصفة خزان، فكانوا يملئونها بالماء في وقت الفيضان.
وهذا الماء يلقي فيها ما فيه من الرواسب، وبعد ذلك يصرفونه رويدا رويدا في ترعة المحمودية، وملقة دسيا هذه لعبت إذن هنا نفس الدور الذي لعبته في الأزمنة الخالية بحيرة موريس الكبيرة (في الفيوم في زمن الفراعنة).
وفي سنة 1842م أقيم هويس عند مأخذ مياه المحمودية في العطف فيه تسير المراكب مطلقة الحرية وأيضا هويس آخر في مصبها عند البحر في ميناء الإسكندرية القديم.
ولتغذية الترعة في زمن التحاريق استعملت ترعة الخطاطبة التي مأخذ مائها في هذا الفصل يعلو 7,80 من الأمتار عن المحمودية والخطاطبة تستمد الماء رأسا من النيل، وفي استطاعتها أيضا أن تجعل مياه ترعة المحمودية ترتفع الارتفاع اللازم للملاحة.
ولهذه العملية ضرر لا يستهان به؛ ذلك أن ترعة الخطاطبة هذه تستخدم لري المديرية، ولسهولة هذا الري تقام بين مسافة وأخرى سدود من مدر الأرض وقش الأرز أو حزم الحطب، ومن اللازم فتح هذه السدود بين وقت وآخر لتجري المياه في أجزاء الأرض الأكثر انحطاطا لتأخذ هذه هي الأخرى نصيبها من هذه المياه، وبما أن من كانوا يقومون بعملية الفتح لا يكلفون أنفسهم عناء رفع المدر الذي تتكون منه هذه السدود فتقذفه المياه في المحمودية، وهذا مع طمي المياه الذي يتكدس على مدى السنين ينشأ عنه ردم الترعة ردما شديدا.
ولقد حدث مرارا كثيرة أن جرى الكلام بصدد إزالة هذه الضرر وتحسين ترعة الخطاطبة، ولكن لم يحصل شيء من ذلك. وهذه الترعة مخططة تخطيطا حسنا للغاية وتقريبا بامتداد مستقيم بموازاة النهر لكنها تمتلئ بالردم؛ لأنه يوجد على امتدادها كثير من السدود التي تقام في زمن الفيضان، وهذه السدود تدعو الضرورة لبقائها خوفا من تدفق المياه بكميات كبيرة في المديرية، وبالأخص في ترعة المحمودية التي تصب فيها هذه المياه، فمن الواجب أولا بعد تقوية شواطئ وسنادات الخطاطبة تقوية شديدة إقامة سحارة من الموضع الذي منه تصل مياه هذه الترعة إلى مياه ترعة المحمودية؛ لتمر منها مياه الخطاطبة تحت مياه ترعة المحمودية وتذهب إلى بحيرة إدكو وتنصب فيها.
وعند فتح جمع السدود في وقت الفيضان وبعد زرع الذرة يحدث تيار شديد فيه القوة الكافية لرفع الطمي والرمال الراسبة في قاع الترعة، وبهذه الوسيلة يتم تطهير مجراها بطول امتدادها فلا تعطي المحمودية - سواء أخذت الطبقة العليا من مياهها التي ليس بها إلا القليل من الطمي أم من فوهتها التي بالعطف - إلا القدر الضروري من الماء، وتصريف ماء الخطاطبة هذا في بحيرة إدكو بواسطة السحارة له أيضا فوائد جمة: أولا: صيد السمك في البحيرة الذي يأتي بدخل وافر فيزداد دخله وفورة عندما تصب كميات كبيرة من الماء الحلو في البحيرة ؛ لأن السمك يدخل فيها من البحر من مصب إدكو بكثرة، وطالما طلب صيادو السمك في البحيرة وأهالي ضواحيها وألحوا في طلباتهم بزيادة كميات مياه النيل في البحيرة، ثم إنه مع كرور الأيام ومرور السنين ترتفع أيضا سواحل البحرية بسبب الطمي الذي يجلب إليها وتصير سواحلها بعد بضع سنين صالحة للزراعة.
وبما أن المياه في زمن التحاريق تكون مشوبة بالطمي أقل مما تكون في زمن الفيضان وانحدارها يكون أيضا أقل فلا يوجد أي مانع يحول دون تغذية ترعة المحمودية من ترعة الخطاطبة.
وهناك فقط احتياطات كان من الواجب اتخاذها، ولهذه الاحتياطات كثر القال والقيل بشأنها منذ سنين ولكن وقف الأمر عند حد الكلام، والاحتياطات المذكورة هي مع إقامة سدود عديدة وخاصة من التراب والاستعاضة عنها بسدود صغيرة من البناء والخشب وهذه تكون زهيدة التكاليف عندما تكون صغيرة الحجوم.
وعندما حفرت ترعة المحمودية كانت المزروعات الصيفية في السنين الأولى لا تكاد تبلغ 4000 فدان، ولكن ما أسرع أن زادت هذه المساحة زيادة كبرى لدرجة أن صارت المياه لم تعد تفي بالحاجة في زمن التحاريق، وفي سنة 1849م كان يوجد على ضفافها 11545 فدانا ، وكان على الخطاطبة أن تروي هذا القدر من الفدادين وكمية أخرى أكبر منها على شواطئها في فصل التحاريق، فلم تعد المياه كافية لجميع الاحتياجات، والخطاطبة في هذا الفصل لم تكن تعطى من الماء إلا ما يكفي 20000 فدان. أما المحمودية فكانت تنظم على مدار السنين فأرسلوا لها كراكات وهذه لم تأت بفائدة ولا عائدة اللهم إلا كثرة النفقات والعمال.
وفي السنة المذكورة طلب الوالي (عباس باشا الأول) عمل مشروع لتغذية ترعة المحمودية. فقدمه إليه مسيو لينان بك الذي كان وقتئذ مديرا عاما للأشغال العمومية وشرع في تنفيذه.
وركبت الآلات في العطف، وهي عبارة عن مؤسسة عملت بدقة وإتقان تام ووضعت بإحكام حسن للغاية وأخذت تدور على ما يرام بمباشرة المهندس الذي نيط به إدارتها.
ولكن بعد وضع هذه الآلات انطمت الترعة، ولأجل الحصول على القدر الكافي من المياه في الترعة لمرور المراكب في الأجزاء المطمومة اضطرت الآلات أن تشتغل بكل ما فيها من قوة، وهذا باعث من البواعث الخطرة، ثم إن المزروعات التي على جانبي الترعة أخذت في الازدياد زيادة مضطردة، ولم يعد الآن الأمر قاصرا على ال 11545 فدانا بل أكثر من عشرين ألفا وبضعة آلاف، وعدا ذلك مدينة الإسكندرية، فهذه هي الأخرى لها حصة في الماء يلزم عمل حسابها؛ لأن الصهاريج التي كانت حالتها في الزمن السالف جيدة أمست الآن مهجورة ومتروكة، وإذا كان لا سمح الله يطرأ خلل في إحدى الآلات في صميم قلب التحاريق ولم يمكن إصلاحه فهنالك لا تجد الإسكندرية ما يكفيها من الماء، أفلم يحتج الأمر إلى المياه في سنة 1869م بل في سنة 1870م وكان ذلك وقتما أخذت مياه الفيضان في الارتفاع وحدث هذا مع أن الآلات كانت تشتغل على الوجه الأكمل.
وكل هذا ناجم من خطأ بين، ذلك أن إدارة مياه الترع لم تكن مركزة في يد واحدة بل في أياد متعددة فكان لترعة الإسكندرية رئيس خاص والمدير له رئاسة جانب منها. وترعة الخطاطبة تابعة له فيما يختص بتطهيرها ولكن توزيع مياهها تابع لشخص آخر وهو وكيل الأملاك الخديوية، أما الآلات فهذه تابعة فيما يتعلق بالإدارة لناظر المالية فليحكم المرء بعد ذلك ما عساه أن يحدث من جراء هذا التوزيع في إدارة المياه.
وقد انطمت الترعة واستحضرت لها الآلات ولكن هذه لم تأت مع تشغيل عدد أكبر من الخلائق إلا بعشر ما يمكن أن تأتي به فانقطع سير المراكب وصدرت أوامر مشددة تحتم على آلات العطف البخارية أن ترفع أقصى ما يمكن أن ترفعه من الماء، ولكن من الأمور المستغربة والتي لا يسلم بها عقل عاقل أن يحتم مع هذا رئيس المصلحة التابعة له هذه الآلات أن يستعمل للوقود التبن عوضا عن الفحم، الأمر الذي أوجب أن لا ترفع تلك الآلات إلا سدس ما كان يمكن أن ترفعه مع أن الأطيان التي تزرع الآن زادت فوق ذلك زيادة كبيرة.
إن ترعة الخطاطبة كانت حفرت وكان بها كثير من الماء ولم يحدث شيء من المدير يستوجب اللوم. ولكن المياه لم تصل إلى المحمودية، والخطاطبة كانت مغلقة بسدود في جملة مواضع لري القطن إلا أن مراقب هذه الزراعة كان ينكر ذلك بتاتا مع أنه أمر واقع وحقيقي، وسواء أكان هذا أم ذاك فإن الإسكندرية لم يكن بها ما يكفيها من الماء في سنة 1869م، وكذلك كان الحال في السنة التالية.
ورغم هذه المحن كان أيضا يزداد صرف المياه وذلك على ما يحتمل بدون حدوث أي تغيير في الإيراد. وإذا تم تطهير ترعة المحمودية فهذا التطهير لا يتأتى منه زيادة في كمية الماء بل يسهل فقط الملاحة تسهيلا عظيما، ومع ذلك فقد شرع في تركيب آلة بخارية على ترعة المحمودية لتغذية ناحية الرمل بالماء وذلك بدون اتخاذ أي احتياط لتزويد المحمودية بزيادة المياه التي هي في حاجة شديدة إليها.
وهنا كان لا بد من زيادة التروي وإعمال الفكر إذ ربما تحرم مدينة الإسكندرية من جزء من الماء الذي هو لها من الضروريات. وتقف الملاحة ويتعذر توزيع الماء على ناحية الرمل ولا تجد الأراضي الواقعة على شاطئ المحمودية الماء الذي تحتاج إليه. فيلزم لذلك التفكير في مضاعفة آلات التغذية وبناء سحارة تحت ترعة المحمودية. أ.ه.
هوامش
وثائق دار المحفوظات المصرية الملكية عن حفر ترعة المحمودية
(1) ترجمة خطاب تركي إلى أحمد كاشف ناظر بلاد الأرز برشيد
في 11 شوال سنة 1233ه/14 أغسطس سنة 1818م مقيد بالدفتر رقم 3 صفحة 3:
قد انتدبنا حضرة صاحب السعادة الخازندار بك مأمورا لعملية حفر الترعة الأشرفية بمقتضى التصميم والمعدل السابق عمله. لكن حيث إن وصوله للترعة المذكورة وعمل كشف وتحقيق وإفادته لنا عن ذلك يتوقف على عشرة أيام يلزم أن تفيدونا سريعا بعد الاتفاق مع من يلزم من أرباب الفن والمعرفة عما إذا كان يمكن إجراء عملية الحفر في عموم أماكن الترعة حسب المعدل المذكور أو الاكتفاء بحفر بعض الجهات العالية وترك المنخفض منها لوقت آخر إلى حين جفاف المياه منها، كل هذه الدقائق يجب بحثها ومعرفتها وإفادتنا بالمطلوب. (2) ترجمة الوثيقة التركية الصادرة من الجناب الخديوي إلى حضرة محمود بك خازن ولي النعم
بتاريخ 9 ذي القعدة سنة 1233ه / 10 سبتمبر سنة 1818م رقم 47 ص6 دفتر 3 معية تركي:
لقد ذكرتم في عريضتكم التي شارككم في تحريرها حسن بك حاكم البحيرة وعمر بك حاكم المنوفية ومحمد أغا كاشف الغربية وغيرهم، وهي العريضة المرسلة إلينا مع الحاج عثمان أغا أمين جمرك الإسكندرية أنكم بعد ما استصحبتم أحمد الكاشف والحاج يوسف في ذهابكم من قرية العطف إلى السد
1
واستصحبتم الحاج عثمان أغا في إيابكم من السد إلى قرية العطف مشاهدين في أثناء ذلك الأماكن المصمم حفرها لم تلبثوا أن عبرتم إلى فوة حيث عقدتم مع المومأ إليهم مجلسا استقر رأيه على تقسيم العمل بحيث تلقى الأماكن المزمع حفرها من السد لغاية ميناء الكافر (كاور ليماني)
2
على عاتق البحيرة والمنوفية والغربية وتوزع الأماكن الباقية على سائر الأقاليم تبعا لمقتضى الحال كما أشعرتمونا في عريضتكم المذكورة بما هو جار من إحضار الأدوات اللازمة إلى حيث تجمع في مخرن قرية العطف وبأنه لن يمضي شهران حتى تكون مهمة الحفر قد بلغت تمامها وختامها بفضل الله تعالى.
فاعلموا أننا باطلاعنا على هذا الذي كتبتموه وعلى الأنباء التي شافهنا بها الحاج عثمان أغا قد أحطنا علما بجميع الأمور فانشرحنا غاية الانشراح وسررنا غاية السرور، وإن مشروع هذه الترعة وإن يكن - كما لا يخفى على أحد - من المشاريع الكبرى والمصالح العظمى فإن المأمول من الألطاف الإلهية - على حد قولكم أن يتيسر له قريبا حسن الختام على وجه السهولة إذا تضافرت همم ذوي الغيرة من رجالنا المخلصين على مباشرة حفره والقيام بتنظيم أمره، وإني بمقتضى ما فطرتم عليه من شيمة الحمية والدراية وما ركب في جبلتكم من جوهر الإصلاح والكفاية لأهيب بكم أن تحسنوا رعاية الشروط التي اتفقتم مع الحكام السالفي الذكر على تنفيذها والسير بموجبها مشمرين في سبيل هذا العمل الخيري عن ساق الجد والاهتمام ومقبلين عليه أتم إقبال وإقدام حتى يقترن في المدة الموعودة بالختام وحسن النظام.
هذا ونطالبكم أن تحرصوا على الكتابة إلينا حينا بعد حين منبئين عن حقيقة الحال ومبينين الصورة التي بلغتها الأعمال. (3) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب الخديوي إلى خازنه حضرة محمود بك
بتاريخ 29 ذي القعدة سنة 1233ه / 30 سبتمبر سنة 1818م رقم 81 ص10 دفتر رقم 3 معية تركي:
اطلعت على كتابكم الوارد أخيرا مع شاكر أفندي المهندس والمفهوم من كتب التاريخ أن حضرة الإسكندر كان أول من عني بالترعة المطلوب الآن حفرها وتطهيرها إذ احتفرها بمشورة من كان في حاشيته من حكماء اليونان على طريقة موافقة لقانون علم الطبيعة. ثم آلت حكومة مصر بعد ذلك إلى أيدي الأكراد وكان أكثرهم من ذوي الهمة وحسن السعي فضلا عن وفرة من كان في خدمتهم من أولي المعرفة والفن فجدد السلطان الأشرف رحمه الله هذه الترعة وأحياها على وضعها القديم بحيث اتخذت في زمن ما سبيلا للذهاب والإياب، فهاتان الدولتان قد دلهما طول الوقت الذي وليتا فيه الأمر كما دلتهما تجربتهما لأكثر الأشياء المتعلقة بالنافع والضار من الشئون على استعمال الترعة المذكورة وتسخيرها بالكيفية التي لا تزال عليها إلى يومنا هذا على حين مضى منا الوقت في معاجلة مشاغل أخرى فلم نظفر في هذا الشأن كما ظفرتا به من التجربة والاختبار، ومن ثم لم تكن لنا مندوحة عن سلوك سبيلهما واقتفاء أثرهما بحفر هذه الترعة وتطهيرها وفقا لوضعها القديم على أن نراعي آخر الأمر أن يكون مصبها في البحر الملح من جنب ميناء الإفرنج بحيث لو فتحنا لها هناك منفذا على شيء من العلو لم يبق ريب في ملاءمة موضعها وجمال موقعها.
فعليكم إذن بالدقة والاجتهاد في إنجاز هذه العملية مع اتباع ما هو معلوم في هذا الصدد من أمرنا وإرادتنا. (4) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من إسماعيل إلى ولي النعم
بتاريخ 29 جمادى الأولى سنة 1234ه / 26 مارس سنة 1819م رقم 57 محفظة 6 بحر برا:
صدر أمر ولي النعم بسفرنا من الإسكندرية إلى العطف، وامتثالا لأمر دولتكم سافرنا (خادمكم كاتب هذه السطور وخادمكم عثمان أغا والمهندسون الأجانب) معا فتشاورنا كلنا جيدا بمشاركة المثني عليكم أحمد الكاشف، ثم سألنا المهندسين الأجانب: هل تستطيعون أن تدلوا إلينا ببيان عن القياس الذي سيعمل هذه المرة؟ فردوا علينا: نبدأ القياس من العطف ونذهب إلى الإسكندرية فإذا استيقنا هناك في الإسكندرية بصحة القياس فحينئذ نستطيع أن ندلي بيان. وإن عرضت لنا شبهة فلا بد أن نقيس مرة أخرى من الإسكندرية إلى العطف، وبعد ذلك نجاوبكم. ثم سألناهم: في كم يوم تنهون عملية القياس؟ فردوا: ننهيها في ستة عشر يوما. قلنا لهم: ليشارككم في عملية القياس سيد أحمد أحد المهندسين الوطنيين (أبناء البلد). فقالوا: «نحن لا نستسيغ هذا لأنفسنا فإنه بمثابة تلميذنا، ثم إن أفندينا تفضل فأمرنا بأن نقيس مع شاكر أفندي فلا نقيس الآن مع سيد أحمد أفندي، وحيث إن شاكر أفندي سافر إلى مصر فنقيس نحن وحدنا»، وكان خادمكم محمد الكاشف كاشف الغربية وعلي الكاشف كاشف الشرقية حاضرين بالمجلس ولما سمعنا منهم هذا الجواب قالا: «يمكننا أن ننهي كثيرا من أشغالنا في مدة الستة عشر يوما فكيف نبقي الفلاحين الذين فرغوا من أعمالهم مع العلم بأن موسم الزرع قريب»، وإزاء هذا لم يستطع المهندسون أن يعطوا جوابا قاطعا مما أوقعنا جميعا في الحيرة وحينئذ قلنا نحن عبيدكم للكاشفين: أعطوا الإذن طبقا للقياس المختوم، ثم سألنا المهندسين الأجانب: هل يحتاج الأمر إلى الحفر أعمق من هذا؟ فأجابوا: لا حاجة لذلك ومع ذلك لا نقطع بشيء، وحينئذ قال خادمكم كاتب هذه السطور بكل متانة: احفروا طبقا للمعدل المختوم. هذا وقد عرضت على أعتاب دولتكم في طي عريضتي أسماء القرى التي انتهى فيها الحفر. وأخيرا الأمر بيد مولاي حضرة صاحب الدولة والعناية والمرحمة ولي النعماء.
العبد
إسماعيل (ملاحظة)
يوجد في ظهر هذه الوثيقة ما معربه: من أفندينا إسماعيل باشا
3
في 5 جمادى الآخرة سنة 1234ه/أول أبريل سنة 1819م. (5) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى ناظر بلاد الأرز ببرمبال
في 19 ربيع الأول سنة 1234ه/16 يناير سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص19:
لمناسبة الشروع في عملية حفر الترعة الأشرفية ولزوم بناء بعض جسور بالطوب يلزم تدارك عشرة آلاف حمل حطب من البلاد التابعة لكم وإرسالها ووضعها على الجسور لعميلة حرق الطوب. (6) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى محمد أفندي ناظر الأرز برشيد
في 19 ربيع الأول سنة 1234ه/16 يناير سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص19:
لأجل المباني اللازمة في بعض الأماكن بالترعة الأشرفية الجاري مباشرة العمل بها الآن يلزم تدارك أربعين ثورا من الثيران غير الصالحة بدوائر رشيد لعملية نقل الطوب للجهات اللازمة وتسليمها إلى أحمد كاشف ناظر بلاد الأرز برشيد. (7) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى حاكم المنوفية عمر بك
في 19 ربيع الأول سنة 1234ه/16 يناير سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص20:
مع سابق علمكم باتفاقنا واهتمامنا جميعا بحفر وتعمير الترعة الأشرفية الجاري العمل بها الآن لم تحضروا لمباشرة عملكم مع أني كنت سررت عندما اطلعت على الخطاب الوارد منكم لعثمان أغا أمين الجمرك من وعدكم له بالحضور في أول ربيع مع رجالكم لمباشرة ما خصكم من هذا العمل الخيري، واليوم 19 ربيع الأول ولم يظهر أثر لحضوركم أو أي خبر عن حضوركم، وحيث إن مثل هذه الخدمة الخيرية لا يتم عملها بالكلام فبمجرد وصول خطابي هذا إليكم أسرعوا بجمع رجال العمل واحضروا معهم وباشروا مأموريتكم في الحصة الخاصة بكم حسب الاتفاق السابق علمه. (8) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى الكتخدا
4
بك
في 19 ربيع الأول سنة 1234ه/16 يناير سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص20:
بما أن الأدوات والأشياء اللازم تداركها لعملية الحفر بالترعة الأشرفية تعملون الآن على تداركها وتجهيزها فلا بد من وجود أحد المهندسين الماهرين لمراقبة العمل مثل أحمد أفندي (خريج المهندسخانة) أو شاكر أفندي ناظر ورشة الحدادة، وذلك بعد الاتفاق والمذاكرة مع محمود بك الخازندار. وبعد التأكد من لزوم ذلك أسرعوا بتعيينه وإرساله في الحال والبحث أيضا عن أوسطى ماهر يكون له إلمام بفن بناء الأرصفة وإرساله وملاحظة إرسال كل ما هو لازم لهذه العملية حسب الترتيب السابق عمله. (9) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى كاشف الغربية وقد أرسلت صورته إلى حاكم المنوفية عمر بك وكاشف المنصورة محمد أغا وكاشف الشرقية علي أغا وكاشف القليوبية تيمور أغا وكاشف الجيزة إبراهيم أغا
بتاريخ غرة ربيع الآخر سنة 1234ه/28 يناير سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص22:
لحلول موعد حفر الترعة الأشرفية التي قصد من حفرها نفع العباد وعمار البلاد أسرعوا بجمع الأنفار الخاصة بهذا العمل واحضروا معهم في أقرب فرصة ممكنة لمباشرة العمل الذي بدئ به منذ أيام مع ملاحظة أن يكون حضوركم من طرق وسكك خالية من الزراعة لأني لا أرغب حصول أي ضرر أو تلف لزراعة أو مواشي أو ممتلكات الناس. (10) ترجمة خطاب تركي من سمو الوالي إلى ناظر المحمودية إسماعيل باشا حضر تلري
في 5 جمادى الآخرة سنة 1234ه/أول أبريل سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 3 ص25:
اطلعت على الخطاب الوارد منكم عن كيفية إلباس الخلع لبعض مشايخ قرى الشرقية بمناسبة انتهاء العمل المخصص لهم في عملية حفر الترعة وعودتهم لقراهم، والمشعر بحسن غيرة الحكام، كما اطلعت على دفتر إلباس الخلع، وقد طلبتم أن نرسل عدد 4 أكراك من صنف عال لأجل إلباس أخي كاشف الشرقية واحدا منها، والباقية لسائر المقتضى خلعها عليهم، وطلبتم أيضا عدد 20 (كبودا أحمر بشمسية) لأجل إلباس من يلزم من بعض القائمقامية الموجودين. وها هو مرسل إليك 20 (كبودا أحمر بشمسية) لإجراء اللازم نحو خياطتها عندكم وتوزيعها على أربابها لدى الاقتضاء فلا يصح لمن يراد إلباسه الكرك أو الكبود الاكتفاء بالنظر إلى منظره الظاهري فقط بل العلم بعدد التذاكر التي يحملها ومعرفة دخله من الإيراد. وبعد ذلك يصير إلباسه الخلعة باعتبار الرتبة، ولهذه المناسبة ترون أنكم لو ألبستم أخا على كاشف الشرقية الكرك وتركتم أمثاله وهم كثيرون وكذلك المتقدمين عنه بدون إلباسهم الخلع مثله تكون النتيجة كسرا لخواطرهم. وكذلك مسألة إلباس الكبود فمثلا لو أردتم إلباس قائمقام من الحاملين لعشر تذاكر كبودا أحمر بشمسية وتركتم من هم أرقى منه من الحاملين لعدد 20 أو 40 أو 60 تذكرة فماذا تكون النتيجة غير كسر قلوبهم. فاللازم يا ولدي مراعاة درجات الرتب أولا لمن يراد إلباسه الخلع وبعد ذلك يصير إلباسهم وذلك في صالح المصلحة فبادروا باتباع ما جاء بخطابي هذا. (11) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من محمد نجيب
5
إلى ولي النعم
6
بتاريخ 17 رمضان سنة 1234ه/10 يوليو سنة 1819م رقم 97 محفظة 6 بحر برا:
مولاي صاحب الدولة والأبهة ولي نعمتي المطبوع على الإحسان
إن اغتباط عبدكم حضرة صاحب العطوفة إليك قهوجي باشي الحضرة السلطانية بما حبوتموه به يا مولاي من آثار الإكرام واللطف والعطف وبما تفضلتم بإظهاره نحو الذات الشريفة ليفوق الملكية من كمال الإخلاص وصدق العبودية ليجل عن التعريف والتقرير، وإن ما أداه حضرته في حق دولتكم من حسن الشهادة ليفوق كل وصف وتقدير بحيث أراني يا مولاي عاجزا عن رواية عباراته وتبليغ رفيع آياته. والواقع أنه وإن يكن أهلا من وجوه كثيرة للرعاية والإكرام ممتازا عن الأنداد والأقران فإن ما ناله من لطف مولاي وعطفه لم يكن مما عهد له نظيرا من قبل وإنما كان شيئا جديرا بما اختص به شخصكم المنعم متناسبا وما تفردتم به من مناقب الكرم، إذ تفضلتم فأفسحتم له محافل الوفادة والحفاوة وخفضتم له جناح الرعاية والعناية أسبغ الله على ذاتكم كامل العافية والصحة وأطال عمركم وإقبالكم وأنعم على دولتكم بالفيض والبركة آمين بحق النبي الأمين.
ولقد أذن لي فقابلت البك المومأ إليه مرتين قضينا في كل منهما ساعة أو ساعتين من الوقت في المدح والدعاء لدولتكم، فضلا عن أنه أقسم لي بالله إنه لا يفتأ يلتمس المناسبات فيذكر كل يوم مآثر دولتكم بين يدي مولانا السلطان روح العالم وأنه كلما فعل ذلك ازداد حسن نظر الحضرة الملكية إلى دولتكم مما ستتفضلون بمعرفة تفصيله من مضمون عريضته الخصوصية.
هذا وإني كنت قدمت إلى عتباتكم أجوبتي عن أوامر دولتكم الواردة مع عبدكم (سليم) ساعي البريد. أما الأمران اللذان وردا إلي أخيرا فإن أحدهما يتضمن طلب الإشعار بما تتعلق به إرادة الدولة العلية في أمر عبد الله وأقاربه وأتباعه الذين حضروا وما زالوا يحضرون إلى مصر وهم زهاء خمسمائة أو ستمائة نسمة. ويتضمن الآخر لزوم قبول الحكومة السعر الرائج للبن والأرز اللذين سيرسلان محسوبا ثمنهما من أقساط الخراج المقرر تقديمها إلى الضربخانة العامرة (بإستامبول) ما دام سك النقود الصغيرة في ضربخانة مصر قد أمر بمنعه وكف عنه كما يتضمن طائفة من التفصيلات عن نقود مصر وكيف أنها لم يطرأ عليها أي تبديل أو تغيير بل بقيت إلى الآن على الوجه الذي نظمت عليه أيام يوسف ضيا باشا. وقد قدمت كلا الأمرين والدفتر أيضا إلى الباب العالي الذي حرصت على تفهيمه المراد شفويا بقدر ما وسعه بياني ولساني فإن أكن إلى الآن لم أتلق منه أي جواب فإني عندما تتعلق الإرادة بشيء في موضوعهما سأبادر إلى تقديم الجواب على جناح السرعة.
وأما الترعة التي وفقتم إلى حفرها من جديد فإنه لما كان التبرع بها للجناب الملكي قد اقتضى تفضلكم بإيصاء عبدكم البك السالف الذكر أن ينظم لها حجرين تذكاريين منقوشا عليهما تاريخها ومزدانين باسم الحضرة السلطانية الكريم فإن تنظيم الحجرين والتاريخ قد حولا بأمر جلالته على عهدة عبدكم بعدما ذكر لي أن البك المومأ إليه قد أفضى بالموضوع إلى العتبات السنية فكان هذا باعثا على كمال ارتياح الحضرة السلطانية ولذلك فسيقدم الحجران المذكوران متى تم تنظيمهما وتنميقهما.
هذا ما وجب عرضه رجاء أن يتفضل ولي النعمة بالإحاطة به
وعلى كل حال فالأمر والتدبير لمن بيده مقاليد الأمور.
ختم
محمد نجيب
لوح التاريخ التذكاري لحفر ترعة المحمودية المقام عند فمها بقرية العطف
الترجمة النثرية لأبيات الشعر التركية التي على لوح التاريخ التذكاري لحفر ترعة المحمودية بقرية العطف
قد أجرى السلطان محمود خان النيل من الرحمانية إلى الإسكندرية
فيا له من خير عميم اكتسبت به مصر فيض الرحمة.
وبذلك نال البحر والنيل نصيبهما من بحر جود هذا السلطان الأعظم.
ولو رأى الإسكندر هذا الصنيع لحمده وأثنى على مسديه.
ولاعترف بأن لطائف هذا السلطان الأعظم التي أحيت موات هذه الأرض وجعلتها وهي حفنة من التراب تعطي كل هذا الخير.
وإن السماء مهما جادت على الأرض بصيبها المدرار لا تساوي إلا صبابة حقيرة من بحر إحسانه.
ولو منح عبد كنز خسرو الزاخر لما بلغ عشر معشار جوده.
فلله هو من ملك يبذل كل وزير من وزرائه كنوز الأموال في سبيل تنفيذ أمره
وإن حجتي التي أثبت بها دعواي هي ذكر اسم محمد علي باشا ذي القدرة الحيدرية.
فها هو ذا قد قام بهذا الخير العميم باسم ملك العالم الذي جلب به دعاء مستجابا.
إن ذلك الملك هو بحر الهمة فليكن مطمئنا.
وليكن أعداؤه الشبيهة بالموجات الحقيرة في اضطراب.
من أجل ذلك قلت (أنا عزت):
7
تاريخها الشبيه بالجوهر:
فتح محمود خان فتحا عظيما بأن جعل للنيل فرعا كريما»
1234 (12) ترجمة المكاتبة التركية رقم 71 الصادرة من سمو الوالي إلى نجيب أفندي
بتاريخ 15 ذي الحجة سنة 1234ه/4 أكتوبر سنة 1819م والمقيدة بالدفتر رقم 4:
بناء على التماسي السابق وضع تاريخ معنون بالطغراء السلطانية في مبدأ الترعة التي أحييت وفي منتهاها، كان أحيل إلى صاحب العطوفة حضرة الأغا قهوجي باشي الاستئذان في ذلك من الطرف الهمايوني وقد وصلت في هذه المرة شقتكم المبينة لإرسال صورة ما أنشأه صاحب الفضيلة عزت ملا أفندي من التاريخين المعروضين على الأنظار الهمايونية وأنهما اقترنا بالإجابة والاستصواب وأحاط علمنا وشمل اطلاعنا بمضمونهما وبمآل التاريخين، بيد أن الترعة المجراة من حيث إنها من آثار الإسكندر والملك الأشرف قايتباي من ملوك الأسلاف، وإنها من عظائم الأمور الدنيوية ومن الأشياء التي لم يسبق لها مثيل في الربع المسكون ولم تكن من الآثار التي ينسب إحياؤها وإجراؤها إلى هذا المواظب على الثناء ولا هي من المواد التي تقبل تلك التسمية فعلى ذلك لا يلزم ذكر اسم هذا المثنى في التاريخ. وحيث إن هذا الأثر الخيري إنما خرج إلى حيز الوجود بمحض ثمرة العناية الملكية من حضرة مولانا وولي نعمتنا صاحب الشوكة والقدرة والمهابة والعظمة سلطان العالم وملك ملوك الأمم وما حصل إلا ببركات الهمم السنية السلطانية فالتماس المثني عليكم يتلخص في تنظيم تاريخين على عمودي حجر رخام وترسم أعلاها بالطغراء السلطانية المزينة للعالم وصرف الروية لشأن إرسالهما بعد الحك والترسيم على الوجه المحرر لدى اقتران ذلك بالتجويز. (13) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من محمود
8
إلى ولي النعم
9
بتاريخ 27 محرم سنة 1235ه/15 نوفمبر سنة 1819م رقم 2 محفظة رقم 7 بحر برا:
سيدي حضرة صاحب الدولة والعناية والعطوفة والأبهة والرأفة ولي النعم وفير الهمم
كنتم تفضلتم وأمرتم في كتابيكم الواردين من قبل بما أن الفلاحين المستخدمين في الترعة قد حل موسم زراعتهم وأعياهم العمل، وفضلا عن ذلك لا ينتظر أن يتم الليمان (الميناء) أيضا إلى آخر المحرم الحرام فيقام أمام الليمان سد قوي محكم وجسر وتروى الإسكندرية ويمنح الفلاحون إجازة في آخر الشهر المذكور، ولكن خادمكم لم يجرؤ على منح الفلاحين إجازة.
وكنت اقترحت أن يمنح نصفهم إجازة بشرط أن يتعهد الإسكندرانيون بإتمام الليمان لغاية عشرين من الشهر القادم تاركا البت فيه إلى رأي دولتكم، على أن أستأذن في ذلك أيضا من ولي النعم
10
لدى تشريفه وأكتب إليكم الأمر الذي أتلقاه من دولته، وقد شرف مصر أفندينا ولي النعم المشار إليه مصحوبا بالعز والإقبال في هذا اليوم السعيد أعني به السادس والعشرين من شهر محرم الموافق يوم الأحد بعد العصر فعرضت على دولته أمريكم الكريمين فتفضل وأصدر أمره العالي قائلا إن رأي ولدنا الباشا مناسب فليقم أمام الليمان سد قوي محكم وجسر وليمنح الفلاحون إجازة في آخر المحرم، وعليه إذا منح الفلاحون إجازة في آخر المحرم طبقا للإرادة العلية وشرع من الآن في إنشاء السد القوي المحكم والجسر أمام الليمان فبها ونعمت وإلا فليتفضل بالشروع في إنشائه وبذل الهمة بشأن ري الإسكندرية، ولإفادة ذلك قدمت هذه العريضة ومتى تشرفت بالوصول إن شاء الله تعالى وتفضلتم وأحطتم علما بما فيها فالأمر فيها بيد حضرة من له الأمر والإحسان.
العبد
محمود
الترجمة النثرية لأبيات الشعر التركية التي على لوح التاريخ التذكاري لحفر ترعة المحمودية بالإسكندرية
خليق بالعبد محمد علي باشا أن يبذل في سبيل مولاه
سلطان العالم - روحه لا ماله فقط
فإن قوته القاهرة مستمدة من همته الملكية
ولم يأت له مثيل منذ أن خلقت مصر (حاضرة) العالم
فكم من آثار وفقه المولى لها
حتى لقد أرضى بخدمته ملك الزمان.
ولقد أسال هذا الوزير اللجين والنضار في سبيل هذه الخدمة بدلا من الماء
وأنشأ لأجل مليكه أثرا جديدا نافعا للعالم
فأجرى النيل مرة أخرى
كما كان يجري سابقا في الترعة الأشرفية
ولا عجب فلو فاض كرم هذا الملك على أحد عبيده
لجعل الترعة بحرا إذا شاء
ولو كان إسكندر في عداد وزرائه
لدفع شر يأجوج بدون حاجة إلى إقامة السد
لقد فاق العالم حتى لا يخطر بالفكر وزن نيل إحسانه
وأصبح بحيث لا يوجد ما يقاس به
فليكن الوزراء في ظل عدله في طمأنينة
وليستمر ذلك الملك ظل الله في أرضه مجريا لجميع أوامره
وقد نطق عزت مؤرخا هذا الحادث العظيم بقوله:
جرى النيل مرة أخرى بالترعة التي أنشأها السلطان محمود
1234
الفقير يساري
11
زاده مصطفى عزت غفر لهما
لوح التاريخ التذكاري لحفر ترعة المحمودية المقام عند مصبها في القبارى بالإسكندرية (14) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من محمود إلى ولي النعم
بتاريخ غرة صفر سنة 1235ه/19 نوفمبر سنة 1819م رقم 3 محفظة رقم بحر برا:
سيدي حضرة صاحب الدولة والعناية والعطوفة والأبهة ولي النعم وفير الكرم
لما تفضلتم وأشعرتموني في كتابكم السابق بشأن منح الإجازة في آخر محرم للفلاحين المستخدمين في الترعة بناء على حلول موسم الزراعة كنت اقترحت منح الإجازة لنصفهم وتشغيل النصف الباقي في الميناء كما كان وبعد ذلك استأذنت بشأن هذه المسألة من حضرة صاحب الدولة أفندينا ولي النعم لدى تشريفه مصر فأمر بمنح الإجازة للفلاحين كلهم في آخر الشهر المذكور وإقامة سد قوي محكم وجسر أمام الليمان فكنت قدمت إلى دولتكم عريضة أخرى أشعركم بهذا الأمر، وإذا كنتم دولتكم قد أبقيتم طبقا لتقريرنا السابق عدة أنفار من الفلاحين على أن يستخدموا في بناء الجسر ومنحتم الباقين إجازة فإرادة ولي النعم تقضي بأن يعطى من أبقي منهم شوربة صبح مساء؛ نظرا لأن الوقت الحاضر فصل الشتاء، وأما صنع الشوربة من الأرز أو الدشيش لوجوده بكثرة في رشيد فهو محول إلى رأيكم العالي وعلى كل حال فتمنون بإعطاء الشوربة للفلاحين المذكورين صبح مساء. هذا على تقدير إبقاء عدد منهم، وأما إذا منحتم الكل الإجازة طبقا للإشعار الثاني فلا بأس أيضا في ذلك. وإني انتهزت إفادة ما ذكر فرصة لعرض إخلاصي وعبوديتي لكم والأمر فيه لسيدي حضرة من له الإحسان.
ختم
بحقك يا معبود
أنل مراد محمود
العبد محمود (15) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من محمود إلى ولي النعم
بتاريخ 3 صفر سنة 1235ه/21 نوفمبر سنة 1819م رقم 6 محفظة رقم 7 بحر برا:
حضرة صاحب الدولة والعناية والعطوفة والأبهة سيدي ولي النعم وعلي الهمم
تفضلتم فقلتم في كتاب دولتكم الوارد أخيرا أنك وإن كنت قد اقترحت منح الإجازة لنصف العمال الفلاحين واستخدام نصفهم الثاني كالأول إلا أن دولتكم قد شاورتم الكشاف والوكلاء الموجودين هناك فرأوا منح الإجازة لجميعهم؛ نظرا لأن الميناء لا ينتظر أن يتم لغاية شهرين، ولأنهم لم تبق عندهم قدرة على العمل من جهة، وأن استمرارهم فيه يعطلهم عن شئون الزراعة من جهة أخرى ثم تفضلتم وسألتم أيضا المهندسين عن ذلك فاقترحوا إنشاء جسر قوي أمام الميناء؛ نظرا لعدم إتمامه ثم إطلاق النيل في الترعة، وأن دولتكم عملا بمشورتهم قد منحتم الفلاحين كلهم إجازة وستتفضلون بالشروع في إقامة الجسر في غد تاريخ كتابكم العالي، وإني قد علمت ذلك فأقول: إنكم قد أصبتم فيما فعلتم كل الإصابة وحسن جدا ما رأيتموه من تسريح الفلاحين وإنشاء الجسر أمام الميناء وإطلاق المياه في الترعة وري الإسكندرية، وكل هذا موافق تمام الموافقة لإرادة ولي النعم، ثم إني قد انتهزت إفادة الحال فرصة لعرض إخلاصي وعبوديتي لكم والأمر فيه بيد حضرة من له الأمر.
ختم
بحقك يا معبود
أنل مراد محمود
العبد محمود (16) ترجمة المكاتبة الصادرة من الأمير إسماعيل باشا كامل إلى الجناب العالي
بتاريخ 11 صفر سنة 1235ه/29 نوفمبر سنة 1819م رقم 8 محفظة رقم 7 بحر برا:
أتشرف بأن أعرض بأني يوم تحرير عريضتي هذه قد سرحت جميع فلاحي الغربية وعددهم 500 فلاح وهم الذين اشتغلوا في جسور المنوفية والشرقية والملاحة فذهبوا إلى أوطانهم وفي يوم الاثنين (غدا) وهو الموافق لليوم التالي لتاريخ عريضتي ... سأذهب إلى العطف وأشرع في إسالة ماء النيل إلى داخل الترعة. وعليه قد حررت هذا لإحاطة علم مولاي ولي النعم بذلك. (17) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من إسماعيل إلى ولي النعم
بتاريخ 14 صفر سنة 1235ه/2 ديسمبر سنة 1819م رقم 9 محفظة رقم 7 بحر برا:
حضرة صاحب الدولة والعناية والمرحمة ولي النعم كثير اللطف والكرم
سبق أن عرض على عتباتكم العلية أننا عندما نصل من الإسكندرية إلى العطف سنشرع في إطلاق مياه النيل إلى الترعة المحمودية، ولما تيسر لنا الوصول إلى العطف في 12 صفر الموافق يوم الاثنين شاورنا جميع المهندسين في شأن افتتاح الترعة المذكورة فأفاد حضراتهم أننا وجدنا مياه النيل زادت عن تقديرنا أربعة أشبار فليس بجائز والحالة هذه الافتتاح من فم الترعة، ولما استوضح كلامهم قالوا: إن هذه الترعة عظيمة جديرة بالتقدير ولو فتحت من فمها بلا اختبار فلا يؤمن أن يؤثر ذلك في الأجرف والجسور الواقعة في طرفيها، ولكي لا يحدث أي ضرر فلا بد من حفر ترعة صغيرة في عرض نصف قصبة وطول خمسين قصبة تكون فوق فم الترعة المحمودية بعشر قصبات من جهة مصر، وفي الواقع أن فتح مثل هذه الترعة العظيمة من الفم دفعة ليس بجائز وهذا من الأمور البديهية لدى أولي الأبصار؛ ولذلك شرع يوم الأربعاء ظهرا في حفر الترعة الصغيرة طبقا لمطلوبهم، وعندما يتيسر إتمامها إلى يوم الجمعة إن شاء الله تعالى تطلق مياه النيل من طريق هذه الترعة الصغيرة بالتدريج إلى الترعة الكبيرة حتى إذا تساوت وما قدره المهندسون، ولم يحدث أي خلل في جهة من الجهات فحينئذ يفتح فم الترعة أيضا، وإعلاما بما تقدم قد اجترأت على تقديم عريضتي والأمر بيد سيدي حضرة صاحب الدولة والعناية والمرحمة ولي النعم كثير اللطف والكرم.
العبد إسماعيل (18) ترجمة خطاب تركي من الجناب العالي إلى ناظر المحمودية سعادة إسماعيل باشا
في 20 صفر سنة 1235ه/8 ديسمبر سنة 1819م مقيد بالدفتر رقم 5 ص3:
علمنا من خطابكم الوارد أولا والخطاب الوارد الآن أنكم كنتم وصلتم إلى العطف يوم 12 صفر لأجل الاحتفال بمباشرة افتتاح فم الترعة، وأنكم أجلتم الاحتفال بسبب ارتفاع النيل أربعة أشبار زيادة عن الحساب المقرر بمعرفة المهندسين. بهذه المناسبة علمنا ما اتخذتموه من الاحتياط اللازم ولحفظ الجسور من أن يصيبها ضرر بفتح جدول صغير عمقه عشر قصبات وطوله خمسون قصبة وعرضه نصف قصبة، وقد تم العمل في يوم الجمعة المبارك 16 صفر المذكور (4 ديسمبر)، ووردت مياه النيل بعد ذلك جارية بالترعة. فإذا ظهر أن المياه الجارية لا تصيب الجسور بضرر كما كان ملحوظا لكم أجريتم الاحتفال بفتح فم الترعة أيضا، وإذا ظهر عكس ذلك فسيصير سد فم الجدول المذكور باتخاذكم إجراءات أخرى كما تقتضي الحالة ذلك، هذا وحيث إننا على كل حال في جميع أحوالنا معتمدون ومستندون على الفضل الإلهي وأننا سررنا ببشرى تصميمكم على افتتاح الترعة حسب الترتيب الذي عملتموه، فنأمل بهمتكم وحسن رعايتكم ورود ما يفيد إنجاز هذا العمل أيضا كما هو أملنا فيكم. (19) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى
12 ...
بتاريخ 5 ربيع الأول سنة 1235ه/22 ديسمبر سنة 1819م:
إشعاره بوصول مكاتبته المتضمنة إتمام معاينة الترعة لغاية قصر السد، كما أن المهندس قسطي
13
أيضا اعتمد ذلك، وأنه بفضل الله تعالى سيتم ترميم الجهات الخطرة في الترعة بالعمال والفلاحين القادمين من البحيرة وإدكو ودسوق في عهد قريب، وأنه تقرر فتح فم الترعة وإبلاغه سرور الجناب العالي من إجراءاته وأنه نبه على حسن بك حاكم البحيرة، ومحمد أغا كاشف الغربية بإرسال الأنفار المطلوبين منهما وطلب صرف الهمة في إتمام الأعمال. (20) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى
14 ...
بتاريخ 12 ربيع الأول سنة 1235ه/29 ديسمبر سنة 1819م:
إشعاره بوصول خطابه المتضمن إيقاف العمل في عملية السد بسبب الأمطار، وإرسال رجال البحيرة إلى بلادهم بضمانة رجال حسن بك، وإقامة فلاحي الغربية في القرى القريبة من قرى البحيرة، وانتداب المهندسين الإفرنج لعمل مقايسة عن مقدار الجدران اللازم بناؤها في نفس الترعة، وانهيار جزء من سد أبي قير بسبب العواصف، وإرسال الحاج عثمان أغا لترميم الجزء المنهار، وشكره على همته وحثه على إنهاء الأمور المحالة على عهدته. (21) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى
14 ...
بتاريخ 16 ربيع الأول سنة 1235ه/2 يناير 1820م:
إشعاره بوصول كتابه المتضمن شروعه في تقوية الترعة وإقامة الجسور والجدران بموجب المقايسة الموضوعة بمعرفة المهندسين الإفرنج، وترميم الترعة الصغيرة وتقويتها، وأن المياه ستطلق فيها بعد عدة أيام حتى إذا تساوت مع النيل يفتح الفم الأصلي، والدعاء له بالتوفيق وطلب مداومة إرسال الأخبار. (22) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى
15 ...
بتاريخ 26 ربيع الأول سنة 1235ه/12 يناير 1820م:
إبلاغه سرور الجناب العالي من كتابه الوارد المتضمن أن المهندس قسطي قام بمعاينة الجهات المقتضي إصلاحها وترميمها في الترعة، وأخبر أن إطلاق المياه لا يعود منه ضرر، وأنه لذلك تقرر فتح الترعة يوم السبت وطلب مداومة إرسال الأخبار. (23) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى
16 ...
بتاريخ 27 ربيع الأول سنة 1235ه/13 يناير سنة 1820م:
إبلاغه سرور الجناب العالي من محتويات كتابه المتضمن جريان الماء من المصرف الكبير ليلة 24 الجاري، وأن ارتفاع الماء عند فم المصرف ثلاثة أشبار وأربعة قراريط، وعند آخره ثلاثة أشبار وقيراطان، وإن الإسكندرية لم تتذوق طعم الماء إلا أن المرارة الموجودة في الماء ستتحول إلى حلوة. (24) ترجمة المكاتبة الصادرة من إسماعيل إلى الجناب العالي
بتاريخ 27 ربيع الأول سنة 1235ه/13 يناير سنة 1820م رقم 17 محفظة رقم 7 بحر برا:
حضرة صاحب الدولة والعناية والمرحمة سيدي ولي النعم موفور اللطف والكرم
كنت عرضت في كتاب سبق أن رفعته إلى عتباتكم العلية أن المهندسين الأجانب سيرسلون إلى ولي النعم مع الخرائط والرسائل التي وضعوها، وذلك عندما تتساوى مياه النيل والمياه العذبة التي بداخل الترعة بمنسوب واحد، وقد أشعرني خادمكم أحمد الكاشف قبل يومين من تاريخ عريضتي بتساوي مياه النيل والمياه العذبة التي بداخل الترعة، فقدمت من فوري إلى العطف حيث سلمت الخرائط والرسائل التي وضعها المهندسون المذكورون، والتي بينوا فيها بالتفصيل عرض أعالي الجسور وأسافلها وعرض وطول الحيطان اللازمة لبعض الأمكنة وطول الأوتاد، نعم سلمت هذه الخرائط إلى خادمكم أحمد أفندي الكاشف وأرسلتها هي والمهندسين في رفقته إلى مقامكم العالي تاركا البت فيها إلى إرادة ولي النعم. وبعد فالأمر بيد حضرة صاحب الدولة والعناية والرحمة سيدي ولي النعم موفور اللطف والكرم.
العبد إسماعيل (25) ترجمة خطاب تركي محرر إلى كتخدا بك
في 11 شوال سنة 1235ه/22 يوليه سنة 1820م مقيد بالدفتر رقم 5 ص40:
حيث إن صيانة ترعة المحمودية متوقف على تصريف مياه البحيرة؛ لذلك أرسلت الحاج عثمان أغا لكشف محل الصرف الذي أخبرونا بوجوده بناحية مريوط، فذهب ونظر المحل المذكور وحضر وأجاب بأن المحل الذي قيل بأنه مصرف ظهر أنه ترعة من قديم الزمن بها قناطر قائمة إلى الآن، ولكنها بمرور الزمن انطمت وتحتاج إل تطهير، هكذا أخبرنا وعلى هذه الصورة يحتاج الأمر إلى مهندس ماهر لأهمية الأمر، فإذا كان قطسي المهندس لم يذهب إلى فوة فليحضر ومعه عدد من مهندسي المهندسخانة الحاليين، وتسلموه ما يلزم مثل طبلية وجنزير إلى غير ذلك من آلات العمل وتسفيرهم جميعا بالمراكب وإرسالهم إلينا سريعا، أما إذا كان قطسي المهندس قد ذهب إلى فوة، فأرسلوا المهندسين الآخرين ومعهم قواس إلى فوة أولا ونبهوا عليهم بمقابلة قسطي هناك وحضوره معهم إلينا، وقد حرر هذا إشعارا بتنفيذ إرادتنا بما ذكر. (26) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من صقي الحاج إبراهيم أغا إلى الجناب العالي
بتاريخ 19 شوال سنة 1235ه/30 يوليه سنة 1820م رقم 45 محفظة رقم 7 بحر برا:
جاء فيها: أن البوشانجي باشي أثناء مرافقته لجلالة السلطان في الذهاب إلى الخزان حصل حديث بينهما يتعلق بمسألة قيام الجناب العالي بإيصال المياه العذبة إلى الإسكندرية وأسماها «الترعة المحمودية» فتعطف جلالته ودعا للجناب العالي بالخير. (27) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى شاكر أفندي مدير المحمودية
بتاريخ 13 ذي الحجة سنة 1247ه/14 مايو سنة 1832م:
إشعاره بأنه كتب إلى أحمد أفندي مأمور الرحمانية لتكليف الشيخ يوسف الباشمهندس بتقوية جسور سمخراط، وحفر ترعة الأشرفية صيفيا بواسطة أهالي القرى التي أتمت الحصاد، وأنه كتب إلى رستم أفندي مأمور دمنهور لتقوية جسور زرقون وأفلاقة وسرنباي ولوية وسنابادة، وطلب أخذ الماء قبل النقطة والمبادرة إلى حفر ترعة المحمودية في أول محرم. (28) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى شاكر أفندي مدير المحمودية
بتاريخ 9 صفر سنة 1249ه/28 يونية سنة 1833م:
إشعاره بأنه طبقا لما طلبه قد صدر الأمر إلى ناظر فوة والشباسات بتوريد الطوب اللازم للقنطرة، وإلى محافظ رشيد بإرسال الجير اللازم، وإلى الأقاليم بإرسال الأنفار اللازمين للرياح، وطلب حفر الجزء الباقي من المحمودية وتكليف أحد موظفيه بالإشراف على المباني. (29) ترجمة المكاتبة التركية رقم 3 الصادر من الجناب العالي إلى عثمان بك ناظر المحمودية
بتاريخ 8 ربيع الأول سنة 1261ه/17 مارس سنة 1845م:
تكديره على عدم قيامه بعمل ما خصه من عملية مديرية البحيرة، وهو 19 مترا مكعبا، وتكليفه القيام بالعملية المحالة عليه تخليصا لنفسه من الهلاك، وطلب إرسال الأنفار اللازمين لإنهاء المفروض عليه بدون تأخير. (30) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى عارف قبودان ناظر أشغال المحمودية
بتاريخ 16 ذي الحجة سنة 1262ه/5 ديسمبر سنة 1846م:
إشعاره بأن مهندس المحمودية أرسل إلى إبراهيم زكي أفندي مدير ديوان ملكي بالإسكندرية يبلغه ضرورة إقفال الحوض لحين تزايد النيل خوفا من عدم سير المراكب في المحمودية بسبب قلة المياه، وطلب عدم السماح للمراكب القادمة بالمرور من الحوض إلى الداخل، ونقل البضاعة إلى مراكب صغيرة، وإمرارها مجتمعة غير منفردة؛ وذلك لعدم تسرب مياه كثيرة إلى البحر الأعظم. (31) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى سليم بك وكيل القناطر الخيرية
بتاريخ 14 شعبان سنة 1263ه/28 يوليه سنة 1847م:
بطلب إرسال العساكر البحرية الموجودة في القناطر إلى الإسكندرية لانتهاء أعمال الأساس المقررة عن هذا العام وطلب ترميم الكراكات وإرسالها إلى ترعة المحمودية لتطهيرها. (32) ترجمة المكاتبة التركية الصادرة من الجناب العالي إلى عارف قبودان ناظر فم المحمودية
بتاريخ 13 صفر سنة 1264ه/20 يناير سنة 1848م:
الموافقة على إقفال حوض المحمودية كالعام الماضي؛ لتوفير المياه في المحمودية، بسبب انحطاط ماء النيل والسعي لعدم إضاعة المياه هدرا. (33) ترجمة المكاتبة التركية رقم 2 الصادرة من الجناب العالي إلى مأمور المحمودية والحوض
بتاريخ 21 جمادى الثانية سنة 1267ه/23 إبريل سنة 1851م:
الموافقة على فتح أبواب الحوض وإمرار المراكب المشحونة بالطلبات الخاصة بوابور المياه الذي استورده من أوربا، والذي سيركب في الناحية التي في عهدة سعادة سليمان باشا رئيس رجال الجهادية من باب الاستثناء وعدم السماح لغيره بذلك.
هوامش
ما ذكره سائر المؤرخين عن ترعة المحمودية
جاء في كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» للشيخ عبد الرحمن الجبرتي المتوفى نحو سنة 1825م ما نصه:
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء
1
سنة 1232 (18 أبريل سنة 1817م). (وفي يوم الخميس حادي عشرينه)
2
رأى رأيه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضا بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها، ومبدؤها من مبدأ خليج الأشرفية عند الرحمانية، فطلب لذلك خمسين ألف فأس ومسحة يصنعها صناع الحديد، وأمر بجمع الرجال من القرى وهم مائة ألف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة، وبرزت الأوامر بذلك، فارتبك أمر الفلاحين ومشايخ البلاد؛ لأن الأمر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزودون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم بأقل أو أكثر.
واستهل شهر شعبان بيوم الاثنين سنة 1232 (16 يونيو سنة 1817)، وفيه قوي اهتمام الباشا لحفر الترعة الموصلة إلى الإسكندرية كما تقدم، وأن يكون عرضها عشرة أقصاب، والعمق أربعة أقصاب بحسب علو الأراضي وانخفاضها، وتعينت كشاف الأقاليم لجمع الرجال وفرضوا أعدادهم بحسب كثرة أهل القرية وقلتها وعلى كل عشرة أشخاص شخص كبير، وجمعت الغلقان ولكل غلق فأس وثلاثة رجال لخدمته وأعطوا كل شخص خمسة عشر قرشا ترحيلة، ولكل شخص ثلاثون نصفا في أجرته كل يوم وقت العمل، وحصل الاهتمام لذلك في وقت اشتغال الفلاحين بالحصيدة والدراس وزراعة الذرة التي هي معظم قوتهم، وشرعوا في تشهيل احتياجاتهم وشراء القرب للماء فإن بتلك البرية لا يوجد الماء إلا ببعض الحفائر التي يحفرها طالب الماء، وقد تخرج مالحة؛ لأنها أراض مسبخة، وتعين جماعة من مهندسخانة ونزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الأشرفية حيث الرحمانية إلى حد الحفر المراد بقرب عمود السواري الذي بالإسكندرية، فبلغ ذلك ستا وعشرين ألف قصبة، ثم قاسوا من أول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداؤها من المكان المعروف بالعطف عند مدينة فوة فكان أقل من ذلك ينقص عنه خمسة آلاف قصبة وكسر، فوقع الاختيار على أن يكون مبدؤها هناك.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت
3
سنة 1234 (28 يناير سنة 1819). فيه حصل الاهتمام بحفر الترعة المعروفة بالأشرفية الموصلة إلى الإسكندرية وقد تقدم في العام الماضي بل والذي قبله اهتمام الباشا ونزل إليها المهندسون ووزنوا أرضها وقاسوا طولها وعرضها وعمقها المطلوب، ثم أهمل أمرها لقرب مجيء النيل وتركوا الشغل في مبدئها ولم يترك الشغل في منتهاها عند الإسكندرية بالقرب من عمود السواري، فحفروا هناك منبتها، وهي بركة متسعة وحوطوها بالبناء المحكم المتين وهي مرسى المراكب التي تعبر منها إلى الإسكندرية بدلا من البوغاز وهي ملتقى البحرين وما يقع فيه من تلف المراكب فتكون هذه أسلم وأقرب وأقل كلفة إن صحت بل وأقرب مسافة، ونزل الأمر لكشاف الأقاليم بجمع الفلاحين والرجال على حساب مزارع الفدادين فيحصون رجال القرية المزارعين ويدفعون للشخص الواحد عشرة ريالات ويخصم له مثلها من المال، وإذا كان له شريك وأحب المقام لأجل الزرع الصيفي أعطاه حصته وزاده عليها حتى يرضي خاطره وزوده ما يحتاج إليه أيضا وعند العمل يدفع لكل شخص قرش في كل يوم ويخرج أهل القرية أفواجا ومعهم أنفار من مشايخ البلاد، ويجتمعون في المكان المأمورين باجتماعهم فيه، ثم يسيرون مع الكاشف الذي بالناحية ومعهم طبول وزمور وبيارق ونجارون وبناءون وحدادون، وفرضوا على البلاد التي فيها النخيل غلقانا ومقاطف وعراجين وسلبا وعلى البنادر فئوسا ومساحي شيء كثير بالثمن وطلبوا أيضا طائفة الغواصين؛ لأنهم كانوا إذا تسفلوا في قطع الأرض في بعض المواضع منها ينبع الماء قبل الوصول إلى الحد المطلوب.
واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1234 (26 فبراير سنة 1819). (وفي سابعه يوم الخميس) قوي الاهتمام بأمر حفر الترعة المتقدم ذكرها، وسيقت الرجال والفلاحين من الأقاليم البحرية، وجدوا في العمل بعدما حددوا لكل أهل إقليم أقصابا توزع على أهل كل بلد من ذلك الإقليم، فمن أتم عمله المحدود انتقل إلى مساعدة الآخرين وظهر في حفر بعض الأماكن منها صورة أماكن ومساكن وقيعان وحمام بعقوده وأحواضه ومغاطسه، ووجد ظروف بداخلها فلوس نحاس كفرية قديمة، وأخرى لم تفتح لا يعلم ما فيها رفعوها للباشا مع تلك.
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1234 (28 مارس سنة 1819). وفي أواخره (أواسط أبريل) رجع الكثير من فلاحي الأقاليم إلى بلادهم من الأشرفية وهم الذين أتموا ما لزمهم من العمل والحفر، ومات الكثير من الفلاحين من البرد ومقاساة التعب.
واستهل شهر شعبان سنة 1234 (26 مايو سنة 1819). وفيه صرفوا الفلاحين عن العمل في الترعة لأجل حصاد الزرع ووجهوا عليهم طلب المال.
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة
4
سنة 1234 (24 يوليو سنة 1819). وفي رابع عشره (6 أغسطس) الموافق لآخر يوم من شهر أبيب نودي بوفاء النيل، وكان الباشا سافر إلى جهة الإسكندرية بسبب ترعة الأشرفية، وأمر حكام الجهات بالأرياف بجمع الفلاحين للعمل، فأخذوا في جمعهم فكانوا يربطونهم قطارات بالحبال وينزلون بهم المراكب وتعطلوا عن زرع الدراوي الذي هو قوتهم، وقاسوا شدة بعد رجوعهم من المرة الأولى بعد ما قاسوا ما قاسوه ومات الكثير منهم من البرد والتعب، وكل من سقط أهالوا عليه من تراب الحفر ولو فيه الروح، ولما رجعوا إلى بلادهم للحصيدة طولبوا بالمال وزيد عليهم عن كل فدان حمل بعير من التبن وكيلة قمح وكيلة فول، وأخذ ما يبيعونه من الغلة بالثمن الدون والكيل الوافر، فما هم إلا والطلب للعود إلى الشغل في الترعة ونزح المياه التي لا ينقطع نبعها من الأرض وهي في غاية الملوحة، والمرة الأولى كانت في شدة البرد، وهذه المرة في شدة الحر، وقلة المياه العذبة، فينقلونها بالروايا على الجمال مع بعد المسافة وتأخر ري الإسكندرية.
واستهل شهر ذي القعدة سنة 1234 (22 أغسطس سنة 1819).
والعمل في الترعة مستمر.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأحد
5
سنة 1235 (18 ديسمبر سنة 1819). وفي أواخره (أوائل يناير سنة 1820) انقضى أمر الحفر بترعة الإسكندرية، ولم يبق من الشغل إلا القليل، ثم فتحوا لها شرما خلاف فمها المعمول خوفا من غلبة البحر، فجرى بها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من أرضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسبخة وبها روبة عظيمة، وساح على الأرض وليس هناك جسور تمنع، وصادف أيضا وقوع نوة وأهوية علا فيها البحر المالح على الجسر الكبير ، ووصل إلى الترعة، فأشيع في الناس أن الترعة فسد أمرها، ولم تصح وأن المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الإسكندرية، وخرج أهلها منها إلى أن تحقق الخبر بالواقع، وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون إلى بلادهم بعد ما هلك معظمهم.
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1235 (17 يناير سنة 1820). وفي سابعه (23 يناير) سافر الباشا إلى الإسكندرية للكشف على الترعة، وسافر صحبته ابنه إبراهيم باشا ومحمد بيك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس أوغلى (وفي ثالث عشره) حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها، وكذلك سافرت فيها مراكب رشيد والنقاير بالبضائع، واستراحوا من وعر البوغاز والسفر في المالح إلى الإسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البوغاز والبحر الكبير، ولم يبق في شغل الترعة إلا الأمر اليسير وإصلاح بعض جسورها.
واستهل شهر ذي الحجة سنة 1235 (9 سبتمبر سنة 1820) ومنها (أي من حوادثها) أن ترعة الإسكندرية المحدثة لما تم حفرها وسموها بالمحمودية على اسم السلطان محمود، فتحوا لها شرما دون فمها المعد لذلك، وامتلأت بالماء فلما بدأت الزيادة فزادت وطف الماء في المواضع الواطية، وغرقت الأراضي؛ فسدوا ذلك الشرم، وأبقوا من داخله فيها عدة مراكب للمسافرين، فكانوا ينقلون منها إلى مراكب البحر، ومن البحر إلى مراكبها، وبقي ماؤها مالحا متغيرا، واستمر أهل الثغر في جهد من قلة الماء العذب، وبلغ ثمن الراوية قرشين. أ.ه.
وجاء في كتاب «لمحة عامة إلى مصر» لكلوت بك، تعريب محمود مسعود بك ج1 من ص413 إلى ص415 ما نصه:
ومرفآ الإسكندرية هما الوحيدان اللذان على السواحل المصرية، وإذا كانت الأساطيل ضرورية لصيانة استقلال القطر المصري الذي لا تستطيع الدول الأوربية تهديده إلا من طريق البحر فالإسكندرية المرفأ الوحيد الذي تستطيع هذه الأساطيل اتخاذه مكمنا يتعذر الهجوم عليها فيه، فقد كان من الواجب اغتنام هذه المزية الطبيعية، وهو ما لم يغفل عنه محمد علي؛ لأنه جعل الإسكندرية ثغرا حربيا، وأنشأ بها دارا للصناعة (ترسانة) فارتفع لها شأن بين مرافئ البحر الأبيض المتوسط.
أما الأهمية التجارية لكل نقطة من نقط سواحل مصر على البحر الأبيض المتوسط فتابعة لسهولة المواصلات بينها وبين القاهرة التي هي المركز التجاري والصناعي والسياسي لذلك القطر، وكانت الإسكندرية قديما تتصل بالجهات الداخلية من القطر بفرع النيل الذي كان واصلا إليها، فلما انسدت هذه الترعة بانهيار الأتربة فيها كان أول ما عني الفاتحون العرب به إيصالهم إياها بالقاهرة بترعة أجاد المؤرخون الشرقيون وصفها، ولكن هذه الترعة لم تلبث في أيام أن اندثرت كسابقتها وأصبحت لا فرق بينها وبين الخندق البسيط يجف الماء منها أثناء الشطر الأكبر من السنة، فنشأ عن ذلك أن فقدت الإسكندرية مكانتها التجارية التي آلت من بعدها إلى ثغر رشيد.
غير أن محمدا عليا أبى أن يستمر هذا الغبن فأعاد إلى الإسكندرية أهميتها الأولى بإنشائه ترعة تسير فيها السفن أسماها بالمحمودية نسبة إلى السلطان محمود؛ إجلالا له وتخليدا لاسمه، ومنذ هذا الحين انحصرت دائرة التجارة في الإسكندرية وجعل ناظر التجارة المصرية مقره فيها لهذا السبب ولكي يباشر أيضا مبيع الحاصلات الخاصة بالتصدير إلى التجار الأوربيين. أ.ه.
وجاء عنها أيضا في هذا الكتاب ج2 من ص702 إلى ص703:
كانت أهمية المواصلات بين الإسكندرية والقاهرة وصعوبة الملاحة في فرعي النيل لصعوبة اجتياز بوغازيهما مما حمل محمدا عليا على حفر ترعة المحمودية.
وكان العرب قد فتحوا إثر فتحهم لمصر ترعة شبيهة بترعة المحمودية ولكنها كانت أقل أهمية منها فأهمل المماليك أمرها بسوء إدارتهم حتى طمستها الرمال والأتربة فأصبحت أثرا بعد عين.
وطول ترعة المحمودية خمسة وعشرون فرسخا (100 كيلومتر) ومأخذها من فرع رشيد على مسافة ربع فرسخ (1 كيلومتر) من فوة وهي صالحة للملاحة، وقد تم حفرها في عشرة أشهر وقام بالعمل فيها ثلاثمائة ألف وثلاثة عشر ألفا من العمال، وترعة المحمودية جديرة بأن تعد من الأعمال الخطيرة والآثار الجليلة التي كان قدماء المصريين يقومون بمثلها في غابر الأزمان. أ.ه.
وجاء في كتاب «نخبة الفكر في تدبير نيل مصر» لعلي باشا مبارك المتوفى سنة 1893م من ص84 إلى ص87 المطبوع سنة 1297ه (1880م) تحت عنوان «ترعة المحمودية» ما نصه:
هذه الترعة خارجة من النيل نفسه فمها في الشط الغربي قبلي ناحية العطف، وتصب في البحر الأبيض عند الإسكندرية، وطولها ثمانية وسبعون ألف متر، ومتوسط عرضها خمسة وعشرون مترا، وهي نيلية لا يدخلها الماء في أيام التحريق إلا بواسطة الوابورات، فتنقل إليها في اليوم والليلة ثمانمائة ألف متر مكعب، وبها ثلاث قناطر؛ قنطرة الفم بهويس، وقرب المالح قنطرتان بهويسين، وعليها ثمانية وعشرون وابورا في قوة خمسمائة وخمسة وأربعين حصانا، ويتفرع منها نحو اثنين وعشرين ترعة وهي:
ترعة العطف فمها بلصق مساكن المحمودية وتصب في بحيرة إدكو وطولها خمسة آلاف متر وعرضها متران.
وترعة منشأة أرمون فمها بجوار العزبة وتصب في بحيرة إدكو بعد مسافة أربعة آلاف متر في عرض متر ونصف.
وترعة قابيل فمها في مجرى مصب ترعة الخطاطبة وتصب في المحمودية قبلي عزبة عيد حبيب وطولها سبعة آلاف متر وعرضها متران وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين وقنطرة قبلي منشأة دمسينة بعينين ويخرج منها فرع بسنته يصب في بحيرة إدكو.
ومن فروع المحمودية ترعة الناصري فمها قبلي بركة غطاس وتعود إلى المحمودية شرقي الكريون وطولها ستة آلاف متر ومتوسط عرضها أربعة أمتار وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين وقنطرة بالانتهاء كذلك.
وترعة الكريون فمها قرب الكريون وتصب في بحيرة إدكو بعد امتدادها سبعة آلاف متر في عرض مترين وبفمها قنطرة بعين واحدة.
ومصرف كفر عزاز فمه بالمحمودية أمام أبي حمص ويصب في بحيرة إدكو أيضا بعد سيره ثمانية آلاف متر في عرض متر ونصف وبفمه قنطرة بعين واحدة.
وترعة كفر سليم فمها أمام عزبة كنج عثمان وتصب في بحيرة أبي قير وطولها خمسة آلاف متر وعرضها متر ونصف وبفمها قنطرة بعين واحدة.
وترعة زرقون فمها غربي قصر محمد بيك الترجمان تلتقي مع ترعة الخزان وتصب في فرع الأشرفية القديم غربي ضريح الشيخ حسن النوام وطولها ثمانية آلاف متر وعرضها متران وبها قنطرتان الأولى قنطرة الفم بعين واحدة والثانية تحت السكة الحديد.
وترعة آبار يوسف فمها بجواز عزبة بسطره وتصب في مصرف أبعدية دمنهور بعد امتدادها سبعة آلاف متر في عرض متر ونصف وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة سحالي فمها شرقي عزبة سحالي تصب في مصرف أبعدية دمنهور بعد طول سبعة آلاف متر في عرض متر ونصف وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة زاوية نعيم فمها غربي عزبة سحالي وتصب في مصرف العموم بعد طول ثمانية آلاف متر في عرض متر ونصف وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة القروي فمها في شرقي كوم القروي وتصب في مصرف العموم وطولها عشرة آلاف متر وعرضها متران وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة الزرقا فمها في غربي عزبة زكي أفندي وتصب في مصرف العموم وطولها ثمانية آلاف متر وعرضها متر ونصف وبها ثلاثة قناطر قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد وقنطرة عزبة تومة.
وترعة محلة كيل فمها في غربي أرتين بيك وتصب في ترعة الشرشرة وطولها ألفا متر ومتوسط عرضها خمسة أمتار وبها خمس قناطر: قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد وقنطرة بجوار عزبة قناوي وقنطرة أبي طاحون والخامسة قنطرة الزيني.
وترعة قفلة فمها في غربي فم ترعة محلة كيل وتصب في بركة الغراقة وطولها عشرة آلاف متر وعرضها متران وبها قنطرتان قنطرة الفم وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة بلقطر فمها غربي فم ترعة قفلة وتصب في بركة الغراقة وطولها وعرضها كما قبلها وبفمها قنطرة واحدة بعين واحدة.
ومثلهما ترعة دسونس الحلفاية وفمها أمام بركة غطاس وتصب في مصرف العموم وبها قنطرتان قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة معمل الزجاج فمها بجوار المعمل وتصب في مصرف العموم وطولها ثمانية آلاف متر ومتوسط عرضها متران، وبها قنطرتان: قنطرة بالفم وقنطرة تحت السكة الحديد، وفي نهايتها مصرف يصب في بركة غراقة طوله سبعة آلاف متر وعرضه متر ونصف.
وترعة أبعدية لوقين فمها غربي عزبة رسكوفتش النمساوي وتصب في مصرف ترعة معمل الزجاج وطولها اثنا عشر ألف متر ومتوسط عرضها متران، وبها ثلاث قناطر: قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد والثالثة عند عزبة أحمد بيك راغب.
وترعة البسلقون فمها في غربي ترعة بردله وتصب في بحيرة مريوط وطولها اثنا عشر ألف متر وعرضها متران، وبها ثلاث قناطر: قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد والثالثة تجاه كفر الشيخ حسن.
وترعة بردله وتعرف بالسعرانية فمها بالمحمودية شرقي عزبة السعرانية وتلتقي مع ترعة البسلقون وطولها ستة آلاف متر وعرضها متران وبها قنطرتان: قنطرة الفم بعين واحدة وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة يبيس (أبيس) فمها في شرقي عزبة كنج عثمان وتصب في برية البسلقون، وطولها خمسة آلاف متر وعرضها متر ونصف وبها قنطرتان: قنطرة الفم وقنطرة تحت السكة الحديد.
وترعة كنج عثمان فمها بجوار العزبة وتصب في بحيرة مريوط وطولها خمسة آلاف متر ومتوسط عرضها متر ونصف، وبها قنطرتان: قنطرة الفم وقنطرة تحت السكة الحديد، ومن عزبة كنج عثمان إلى إسكندرية يخرج من المحمودية برابخ كثيرة من الجانبين لسقي المزارع والبساتين.
ولهذه المديرية على فرع رشيد نفسه ثمانية وعشرون وابورا بقوة أربعمائة وأربعة وأربعين حصانا إيرادها في اليوم والليلة أربع مئة ألف متر مكعب من الماء وإيرادها من السواقي نحو ثلثمائة ألف متر ومن الرياح ثمانمائة ألف متر ومن المحمودية من مياه وابورات العطف نحو أربعمائة ألف فمجموع مياه المديرية نحو مليون وتسعمائة ألف متر. أ.ه.
وجاء أيضا في كتاب «الخطط التوفيقية» لعلي باشا مبارك ج7 ص50 و51 المطبوع سنة 1305ه (1888م) ما نصه:
ولما كان المقصود من تمدين تلك المدينة (أي الإسكندرية) وتكثير خيراتها لا يتم إلا بكثرة المياه العذبة فيها وسهولة وصول أهل القطر إليها بمتاجرهم، وكان خليجها القديم بسبب إهماله وعدم الاعتناء بشأنه قد ردم وارتفع قاعه على ضعف عمقه الأصلي حتى كان في كثير من السنين لا يدخله الماء إلا في وقت انتهاء زيادة النيل ثم يجف في باقي السنة، وذلك سبب في حصول مشقات زائدة لأهل المدينة والطارئين عليها من أهل القطر والأغراب سيما ومجاورته للبحائر التي تكتنفه من الجانبين مثل بحيرة أبي قير وبحيرة المعدية وبحيرة مريوط، كانت تستوجب سرعة ملوحة مائه وتعطيل منفعته، وربما لا تكفي الصهاريج بقية السنة خصوصا مع كثرة الناس فيها جدا كما علمت صدرت أوامره
6
السنية سنة 1233ه الموافقة سنة 1819 ميلادية بحفر ترعة المحمودية، وأن تعمق حتى تجري صيفا وشتاء وتوسع بحيث يسهل لجميع مراكب النيل الوصول منها إلى المدينة بأنواع المحصولات في زمن قريب بلا كبير مصرف ولا مشقة مع حصول تمام النفع للآدميين وسائر الحيوانات والمزروعات، وكانت قبل ذلك تجارات القطر لا تصل إلى تلك المدينة إلا من ثغر رشيد أو دمياط، وذلك مستوجب لكثرة المصرف وزيادة المشقة جدا فإن سفر البحر الملح لا يخلو عن الخطر فكانت لا تخلو سنة عن حصول غرق لبعض المراكب والبضائع والآدميين ولأهميتها جمع لها عددا كثيرا من الأهالي من جميع مديريات القطر حتى تمت في أقرب وقت من الأبنية اللازمة لها، وقد بلغ ما صرف عليها إلى أن تمت ثلثمائة ألف جنيه على ما نقله قولوط بيك، وهذا بالنسبة لما ترتب عليها من المنافع شيء يسير كما هو مشاهد، ولم يجعل فمها في مكان فم الخليج القديم عند ناحية الرحمانية بسبب ما حدث أمامه من الارتدام والرمال فنقل بالقرب منه فارتدم أيضا وفعل ذلك مرارا فلم ينفع، فجعل عند ناحية العطف فصلح وأنتج المطلوب فاستمر على ما هو عليه الآن، وكان ذلك سببا في عمارة ناحية العطف واتساعها وكثرة خيراتها حتى ألحقت بالبنادر حيث كانت مرسى للسفن التجارية الداخلية والخارجية وجعل انتهاؤها البحر الأبيض بحيث تصب قريبا من مصب الخليج القديم الذي كان في زمن البطالسة، وبتمامها على هذا الوجه حصل منها المقصود من المنافع العميمة والفوائد الجسيمة مما ذكرنا وخلافه كإحياء غالب الأراضي التي بجوانبها من ناحية العطف إلى الثغر بعد أن كانت ميتة غير صالحة للزراعة بسبب هجرها من قلة وصول الماء إليها مع أنها كانت في قديم الزمان معمورة بالناس وأصناف المزروعات بل حصل بحفرها إحياء كثير من الأراضي البعيدة عن شواطئها بواسطة المساقي والترع التي تفرعت عنها من الجانبين على توالي الأزمان حتى بلغ ما أحيي بها 11545 فدانا.
وكان الصالح قبل ذلك لا يزيد على 4000 فدان، وهكذا لم تزل المزارع والأحياء تتزايد بسبب تلك الترعة إلى وقتنا هذا فقد بلغ الصالح للزراعة زيادة عن مئة ألف فدان حتى استوجب عدم كفاية ماء المحمودية بجميعه واحتيج إلى تركيب وابورات العطف، ثم إنه عند تمام حفرها جعل في فمها وفي مصبها قناطر فكانت مانعة لمراكب النيل من الدخول فيها وكانت التجارات الآتية من القطر إلى إسكندرية تنقل عند فمها إلى مراكب أخر من مراكب المحمودية، وعند وصولها إلى الثغر ينقل ما كان منها على ذمة الأجنبيين إلى مراكب البحر الملح وما كان على ذمة الأهالي يخرج إلى البر، وكذلك التجارات الآتية من الأقطار الأجنبية فكانت تنقل مرتين ولا يخفى ما في ذلك من الضرر والخطر فصدرت أوامره السنية بإزالة تلك القناطر وعمل هويسات في فمها وفي مصبها وذلك سنة 1842 ميلادية موافقة 1258 هجرية، فعملت على هذا الوجه الذي هي عليه الآن بأن جعل في فمها هويسان: أحدهما صغير عرضه أربعة أمتار للمراكب الصغيرة والآخر كبير سعته ثمانية أمتار للمراكب الكبيرة، وفي مصبها كذلك فارتفعت بذلك الصعوبات وخفت المصاريف.
وقد ألحق بذلك أبنية عديدة منها أنه بنى جامعين أحدهما عند فمها والآخر عند مصبها قرب الميناء، وجعل محراب كل واحد منهما قطعة واحدة من الرخام الأبيض، وكتب عليه تاريخ البناء ورقم عليه اسم السلطان محمود، والجامع الذي عند مصبها يعرف الآن بجامع التاريخ، وكذلك الشارع الذي عنده يسمى بشارع التاريخ. ومنها أنه جدد عدة أشوان لخزن الغلال الميرية، ومنها حفر مجرى تحت الأرض لتوصيل الماء الحلو إلى جهة الترسانة، والجمرك قد فتح في مواضع منه موارد لأخذ السقائين والأهالي في أي وقت شاءوا.
ولحرصه على دوام نفع تلك الترعة جعل لها ما تتغذى منه عند الحاجة فجعل ملقة ديسة (دسيا) مخزنا للماء يملأ وقت فيضان النيل ويبقى مملوءا حتى يصرف فيها على حسب الحاجة، وجعل فيه قناطر للصرف والمخزن المذكور هو ما يعرف الآن بخزائن الزرقون وكان قريبا من عشرين ألف فدان. ولما استغنى عنه بوابورات العطف جعله المرحوم سعيد باشا جفلكا وهو الآن في ملك نجله المرحوم طوسون باشا، وقد حدث على جوانب تلك الترعة وبعيدا عنها في ضواحي المدينة عدة بلدان عامرة وقصور مشيدة وبساتين مملوءة بأشجار الفواكه والرياحين وغير ذلك من المحاسن المشاهدة هناك.
ثم إن من أسباب جعل قاع الخليج القديم مرتفعا حتى كان لا يجري فيه النيل إلا وقت الفيضان مجاورته للبحائر المالحة كما علمت، فلذا لما عمل العزيز ترعة المحمودية أمر بسد أفواه تلك البحيرات من جهة البحر المالح فصارت المحمودية آمنة مما يغيرها ويعطل منافعها. فهذه الأعمال الجليلة من أعظم أسباب العمارة بتلك المدينة وكثرة الأهالي والأغراب فيها.
وبسط الكلام على الخليج القديم وترعة المحمودية مذكور في تاريخنا
7
لمصر فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه. أ.ه.
هوامش
Bilinmeyen sayfa