القسم الخامس:
من الفتح الروماني إلى خراب أورشليم، أي: سنة خراب بيت المقدس الثاني 63ق.م-70 بعد الميلاد، الموافقة سنة 3408 إلى سنة 3828 عبرية.
القسم السادس:
من خراب أورشليم إلى عصرنا الحاضر، أي: من حين شقوا عصا الطاعة على الرومان، فأتاهم فسبسيان وابنه تيطس فأخربا أورشليم ودكا معاقلها وحصونها، ومزقا شمل اليهود كل ممزق، فتفرقوا في بلاد الله وانتشروا في أطراف الأرض. (1) القسم الأول
فلما خرج الإسرائيليون من مصر وعبروا البحر الأحمر ساروا في البرية الواقعة جنوبي فلسطين نحو أربعين سنة أنزل الله في خلالها الشريعة على موسى، فبين فيها كيفية عبادته وشرح لهم معاملاتهم وأعيادهم ومواسمهم وذبائحهم وتقدماتهم وأنواع الجرائم والذنوب والقصاص الذي ينال من يقترف هذه الذنوب والجرائم كما ستراه مفصلا في بابه، وأهم ما أنزل على موسى في طور سيناء الوصايا العشر التي يصح اتخاذها بمثابة دستور لعقائدهم وقاعدة لإيمانهم، وسنأتي على ذكرها في الكلام على ديانتهم.
وأصابهم في مدة تيههم هذا أمور ومحن كثيرة يضيق بنا المقام عن استيفائهما أخصها فناء الجيل الذي خرج من مصر إلا رجلين فقط وقيامهم على موسى وهارون أخيه يطلبون العودة إلى مصر واطراحهم عبادة الله والاستعاضة منها بعبادة الأوثان، فنزلت بهم الضربات والأمراض حتى تابوا، ولما صاروا على مقربة من أرض الموعد توفي موسى وعهد بالقيادة إلى يوشع بن نون غلامه، فدخل هذا بالإسرائيليين إلى أرض فلسطين من الجهة الشرقية وحارب الأمم المقيمة فيها، فغلبهم على ملكهم واستباحهم قتلا ونهبا وقسم أرضهم بين جزء من شعبه، ثم عبر الأردن وحارب من بقي من شعوب كنعان السبعة، فغلبهم أيضا، وهكذا حتى انتشر الإسرائيليون في أكثر الأرض واستعبدوا أهلها.
ولما مات يوشع تولى أمورهم قضاة منهم نشئوا فيهم واشتهروا بأعمالهم الحربية وبسالتهم، فكانوا يفصلون الخصومات بين الشعب أيام السلم ويتولون الأحكام ويدفعون عنه شر الغزاة الذين كانوا يغيرون على البلاد آونة بعد أخرى.
وبلغ عدد هؤلاء القضاة 15 أولهم عثنئيل الذي خلص الإسرائيليين من ملك آرام النهرين وآخرهم صموئيل الذي كان نبي الله وهو الذي خلصهم من قبضة الفلسطينيين، ومن أشهر هؤلاء القضاة أهود وشمجر وباراق وجدعون ويفتاح وشمشون الجبار، وسيأتي الكلام على بعضهم في ذكر مشاهير اليهود من الجبابرة وغيرهم، وكانت مدة حكم هؤلاء القضاة بعد موت يشوع 450 سنة كانت البلاد فيها أشبه شيء بولايات متحدة في كل ولاية سبط من الأسباط الاثني عشر يحكمه كبار العشائر فيه، وهذه الأسباط جميعا مرتبطة برباط واحد أعني به عبادة الإله الواحد والاتحاد معا في دفع العدو المفاجئ أو رد الغزاة، وكانوا يشتركون في الحفلات الدينية الكبرى على أنهم كثيرا ما ارتدوا عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام، وفي التوراة أن ذلك كان سببا لتسلط الأجانب عليهم، فكان لهم من قضاتهم هؤلاء قواد يلمون شعثهم ويجمعون شملهم ويسيرون بهم إلى الحرب، فيطردون الأجانب ويطهرون البلاد من الأرجاس والأدناس، ولم يكن لهم شيء من امتيازات الملوك ولا أبهتهم، فإذا وضعت الحرب أوزارها عادوا إلى بيوتهم وعاد الشعب كل إلى مدينته أو قريته، ومن القضاة من انحصر عمله في رد غارة أو دفع عدو، ومنهم من تولى الحكم طول حياته لحكمة فيه وخبرة ميزتاه عن بني عصره، فاعترف له الإسرائيليون بالولاية وفرغوا إليه في فض مشاكلهم وحسم منازعاتهم فيقضي بينهم بحسب شريعة الله وبحسب ما يوحيه إليه التقليد والعقل السليم.
لكن هذا النمط من الحكومة كاد يؤدي إلى الفوضى، ولا سيما في أيام صموئيل، فإن ابنيه لم يكونا متخلقين بأخلاقه، فقام الشعب يطلب صموئيل باختيار ملك يضم شتاتهم ويتولى أمورهم أسوة بالشعوب الأخرى المحيطة بهم فعارضهم صموئيل في بادئ الأمر وأفهمهم أن في الملكية استعبادا لهم ولبنيهم من بعدهم، وعدد لهم ما للملك من الحقوق والامتيازات التي ترفعه عن بني جنسه وتجعله في مصف آخر، فألحوا عليه بانتقاء ملك رغما عما أبداه لهم من النصح، ولا يبعد أن ما شاهدوه من أبهة الملك وزخرفه في الشعوب المحيطة بهم شوقهم إلى الاقتداء بهم وتمليك ملك عليهم، وظنوا أن في حصر السلطة في يد واحد منهم فوائد للأمة لا تحرزها إذا ظلت تلك السلطة متفرقة بين كثيرين ولا قاعدة لانتقالها من واحد إلى آخر، كما كان الأمر في أيام القضاة فلما أعيا صموئيل أمرهم جاراهم على هواهم، واختار لهم ملكا شاول بن قيس من سبط بنيامين، وكان طويل القامة حسن المنظر، فلقيه صموئيل وأخذ قنينة الدهن المقدس وصبها على رأسه ومسحه ملكا.
1 (2) القسم الثاني (2-1) الملوك
Bilinmeyen sayfa