قلنا: إن السبب في هذا هو الدعاية الأنقرية والدعاية البلشفية نفسها، فإن كلا من موسكو وأنقرة أخذتا بالحروف اللاتينية، فالأتراك المسلمون في الروسية قلدوا في ذلك أنقرة، وأما الأتراك غير المسلمين مثل «الكاكاس، والأيرات» فبقوا متمسكين بالحروف الروسية، وذلك لأنه لا يجمعهم بأنقرة جامعة إسلامية حتى يقلدوها، وقد بلغ من انقلاب الأوضاع أن صارت الحروف اللاتينية هي موضوع دعاية الأتراك المسلمين، ويقلد بعضهم بعضا فيها، وأن الأتراك غير المسلمين لا يعرفونها، وجاء في الانسيكلوبيدية أنه في إحصاء سنة 1885 كان عدد الترك في الروسية 26 مليونا، وقيل إن هذا العدد مبالغ فيه، وأن أتراك الروسية ليسوا غير 16 مليونا، وأن جميع الأمة التركية في العالم ثلاثون مليونا، ولكن كتاب الأترك ومؤلفيهم يجعلون للترك أكثر من هذا العدد بكثير، فأحمد أغاييف يقول: إنهم من سبعين إلى ثمانين مليونا، ومصطفى كمال باشا يقول: مئة مليون. انتهى ما في الانسيكلوبيدية الإسلامية.
والحقيقة أن الذين قالوا إن الترك بأجمعهم ثلاثون مليونا قد نقصوا عددهم كثيرا، كما أن كتاب الترك قد يكونون زادوا العدد على ما هو الحقيقة ولا شك أن الترك الذين في الروسية لا يقلون عن ثلاثين مليونا كما أن الترك الذين في التركستان الصيني يبلغون عشرة ملايين، فيبقى ترك الأناضول ومن يليهم من الترك الذين في تراقية وبلاد البلغار ورومانيا، فهؤلاء كلهم لا يقلون عن خمسة عشر مليونا، ويجب أن نضيف إلى هذا العدد أتراك إيران وهم أربعة إلى خمسة ملايين فالجميع ستون مليونا وهذا أقرب تعديل.
وقد جاء في «صبح الأعشى» في الجزء الخامس خبر كيفية استيلاء الترك على بلاد الأناضول بعد أن كانت كلها للروم قال: إن ثغور المسلمين كانت من جهة الشام «ملطية» ومن جهة أذربيجان «أرمينية» إلى أن دخل بعض قرابة «طغرل بك» أحد ملوك السلجوقية في عسكر إلى بلاد الروم هذه، فلم يظفروا منها بشيء، ثم دخلها بعد ذلك «مماني» أحد أمرائهم بعد الثلاثين وأربع مئة ففتح وغنم، وانتهى في بلادهم حتى صار من القسطنطينية على خمس عشرة مرحلة، ثم فتح «قطلمش » بن إسرائيل بن سلجوق «قونية» و«أقصرا» وأعمالها. ثم وقعت الفتنة بين قطلمش وبين ألب أرسلان السلجوقي وقتل قطلمش في حربه سنة ست وخمسين وأربع مئة وملك البلاد من بعده ابنه سليمان ومات سنة ثمان وسبعين وأربع مئة. وملك بعده «قلج أرسلان» ثم خلفه بقونية وأقصرا ابنه مسعود، ثم توفي مسعود سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، وملك بعده ابنه قلج أرسلان. وهذا قسم المملكة بين أولاده، فأعطى قونية وأعمالها ابنه غياث الدين كيخسرو، وأعطى أقصرا والسيواس ابنه قطب الدين، وأعطى «دوفاط» ابنه ركن الدين، وأعطى أنقرة ابنه محيي الدين، وأعطى ملطية ابنه عز الدين قيصر، وتخلى إلى ابنه غياث الدين عن الأبلستين، ولابنه نور الدين محمود عن قيسارية، وأعطى أماسيا لابن أخيه. ثم ندم على هذه القسمة وأراد انتزاع هذه الأعمال من أولاده، فخرجوا عن طاعته إلا ابنه غياث الدين فإنه بقي معه، وحاصر قلج أرسلان ابنه محمود في قيسارية فتوفي وهو محاصر لها سنة 558، ووقعت الحروب بين الإخوة، وتغلب عليهم أخيرا ركن الدين صاحب دوفاط، وخلفه ابنه قلج أرسلان، ثم قبض عليه أهل قونية وملكوا عمه غياث الدين كيخسرو، وبقي حتى قتل في حرب مع صاحب القسطنطينية، وملك بعده ابنه كيكاوس الغالب بالله وبقي حتى مات سنة 616، وخلفه أخوه علاء الدين فتوفي سنة 634، وملك بعده ابنه غياث الدين كيخسرو، وتوفي سنة 654 وملك بعده ابنه علاء الدين.
ولماء جاء المغول واستولوا على بغداد كان الملك لعز الدين كيكاوس، وركن الدين قلج أرسلان، فخضعا لهولاكو سلطان المغول، وبعد هلاك هولاكو غلب ركن الدين على جميع ملك الترك في الأناضول، وكان هولاكو أقام رجلا اسمه «البرواناه» وكيلا من قبله في بلاد الأناضول فغلب على ركن الدين قلج أرسلان ثم قتله، وحجر على ابنه غياث الدين كيخسرو. وفي تلك الأيام دخل الملك الظاهر بيبرس صاحب الديار المصرية إلى بلاد الروم سنة 675 ولقيه صمغان بن بيدو الشحنة من جهة التتار فهزمهم وثار بيبرس إلى قيسارية فملكها، وجلس على تخت آل سلجوق بها، ثم رجع إلى مصر وبلغ ذلك «أبغا» بن هولاكو صاحب إيران فسار في جموعه إلى قيسارية ورأي مصارع قومه، فشق عليه واتهم البرواناه بمالأة الظاهر بيبرس فقبض عليه وقتله، واستقل بالملك غياث الملك بن ركن الدين قلج أرسلان، وبقي في الملك حتى قتله «أرغون بن أبغا» صاحب إيران سنة 681، وجعل مكانه مسعود ابن عمه كيكاوس، وجعل شحنة في الأناضول رجلا اسمه هولاكو وليس لمسعود بن كيخسرو من الملك إلا الاسم. وبعد ذلك استقل الشحنة بالمملكة وصار ملوك التتر يرسلون إلى الأناضول شحنة بعد شحنة (أصل معنى الشحنة حامية البلد من قبل السلطان) وربما عصى عليهم بعض هؤلاء فلجئوا إلى صاحب مصر، وكثيرا ما تقلدوا الإمارة بعهد من صاحب الديار المصرية مثل «الناصر محمد بن قلاوون»، وصارت الأناضول من مضافات الديار المصرية، وكان في بلاد الأناضول - وصبح الأعشى يقول بلاد الروم - طوائف كثيرة من التركمان كان السلاجقة يستعينون بهم في الحروب، فظهر منهم أمراء وأسسوا ممالك مثل «أولاد قرمان» أصحاب «أرمتاك» و«قسطمونية» و«بنو الحميد» أصحاب «أنطالية» و«وبنو آيدين» أصحاب البلاد التي يقال لها «أزمير» اليوم و«بنو منتشة» وبلادهم إلى الجنوب من أزمير «وبنو أورخان بن عثمان جق» وهو صاحب «بورسة». وكان قد اتخذ «بورسة» دارا لملكه لكنه لم يفارق الخيام إلى القصور، وكان ينزل بخيامه في ضواحي بورسة ولم يزل على ذلك إلى أن مات.
قال القلقشندي في صبح الأعشى: وملك بعده ابنه «مراد بك» وتوغل في بلاد النصرانية فيما وراء الخليج القسطنطيني في الجانب الغربي، وفتح بلادهم إلى أن قرب من خليج البنادقة، وصير أكثرهم أمراء ورعايا له، وأحاط بالقسطنطينية من كل جانب حتى أعطاه صاحبها الجزية، ولم يزل حتى قتل في حرب الصقالية سنة 791، وملك بعده ابنه أبو يزيد فجرى على سنن أبيه، وغلب على البلاد فيما بين سيواس وأنطالية والعلايا، ودخل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته، ولم يبق خارجا عن ملكه إلا سيواس التي كانت بيد قاضيها إبراهيم المتغلب عليها وملطية الداخلة في مملكة الديار المصرية، ولم يزل أبو يزيد حتى قصده «تمرلنك» بعد تخريب الشام في سنة ثلاث وثمان مئة وقبض عليه، فبقي في يده حتى مات، وملك بعده ابنه سليمان شلبي، وبقي حتى مات، وملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بن عثمان جق، وهو القائم بمملكتها إلى الآن. انتهى بتصرف.
قلنا: أيام زحف جنكيز خان على بلاد خوارزم جاء رجل يقال له «سليمان شاه بن كيالب» من بعض قبائل الأوغرز ومعه خمسين ألفا من قبيلته ونزل على شواطئ الفرات بين أرزنجان وخلاط، وذلك في سنة 1224 مسيحية، وتوفي سليمان شاه هذا غريقا في الفرات، وبعد وفاته رجع أكثر قومه إلى خراسان، وبقي منهم أربع مئة عائلة مع ولديه «دندار» و«أرطغول» وتقدم أرطغرل إلى الغرب. وكانت حصلت في ذلك الوقت حرب مع «علاء الدين السلجوقي» فخدمه أرطغول ونصره فأقطعه السلجوقي إقطاعات معلومة مكافأة له، ثم تقدم عنده فأقطعه بلادا على مقربة من «بني شهر» وولد لأرطغول ولد سماه عثمان، وكان عثمان يخطب ابنة شيخ من الأولياء اسمه «آده بالي» ووالدها يأبى أن يزوجه بها، فرأى يوما فيما يرى النائم أنه تزوج بملك خاتون ابنة الآده بالي وخرج من حجرها هلال وصعد إلى صدرها، ثم ظهرت من جوانبها شجرة عمت البر والبحر، إلا آخر ما تحدثوا عن هذا الحلم ... فلما أصبح الصباح قص رؤياه على الشيخ الآده بالي فأزوجه ابنته، وولدت له ابنه أورخان، وكان عثمان كبير أولاد أرطغرل، وكان المقدم عند سلطان قونية، فحسده الأمراء على حظوته عند السلطان، ثم ملك عثمان بلدة «قره حصار» وزاد السلطان في إقطاعه ومنحه حق ضرب السكة، وصار اسمه يقرن باسم السلطان في صلاة الجمعة، وكان المغول قد غزوا بلاد الأناضول سنة 1300 للمسيح، فانهزم علاء الدين الثالث الذي كان يقال له سلطان الروم، والتجأ إلى «ميشيل باليوغ» ملك القسطنطينية، فمات من حبسه وصار كرسي ملك الإسلام في الروم فارغا، فتولى عدة أمراء منهم: بنو قرمان ومنهم بنو قرمسي ومنهم بنو صاروخان ومنهم بنو ايدين ومنهم بنو حميد ومنهم بنو منتشه ومنهم بنو عثمان الذين كان بيدهم بني شهر وما والاها.
وكان عثمان شديد البأس صارما، وكان لا يزال للقسطنطينية قلاع وبلاد في الأناضول، فأرسل عثمان إلى قواد هذه القلاع يخيرهم بين الإسلام أو الخضوع له، وكان له صاحب من الروم اسمه ميشيل كيوز فأسلم، وأقطعه عثمان بلادا، وهذا هو جد عائلة ميكال أوغلو التي لها ذكر شهير في الدولة العثمانية، وخضع له بعض أمراء الروم وأدوا الجزية، ثم استولى ابنه أورخان على بورسة أخذها من أيدي الروم، وكانت أحصن بلدة في آسيا الصغرى، وذلك الفتح كان سنة 1326 مسيحية، ومات عثمان وحزن عليه قومه لأنه كان بطلا مغوارا، وهو الذي أسس هذا الملك فقيل الدولة العثمانية من ذلك الوقت، وكان زاهدا يقتدي بأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يدخر مالا، بل يوزع كل ما يدخل في يده على أصحابه، وكان يعيش في بيته من قطيع غنم لا يزال في ذريته حتى اليوم في نواحي بورسة.
بويع للسلطان عثمان مؤسس السلطنة السمانية في سنة 699 تسع وتسعين وست مئة، وقد كان الأدبالي الذي تزوج السلطان عثمان ابنته من علماء القرامان وتفقه في البلاد الشامية، وكان عاملا عالما عابدا زاهدا وكانوا يرجعون اليه بالمسائل الشرعية.
ومن العلماء المعروفين في أيام عثمان المولى طوسون ختن الأدبالي، وقد قرأ عليه وقام مقامه في أمر الفتوى.
Bilinmeyen sayfa