وفي زمن معاوية استولى العرب على خراسان، وكان الوالي عبيد الله بن زياد وهو لا يزال ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في 24000 مقاتل فأتي «بيكند» وقصد إلى بخارى، فأرسلت «خاتون» ملكة بخارى إلى الترك تستنجدهم، فزحفوا إلى العرب فهزمهم العرب واستولوا على بخارى ورامدين وبيكند، ثم ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان فقطع النهر بجنده، وكان معه رجل يقال له رفيع أبو العالية الرياحي، فتفاءل بهذا الاسم خيرا وقال: رفيع أبو العالية رفعة وعلو. وبلغ خاتون ملكة بخارى عبوره النهر فحملت إليه الصلح، وأدت الإتاوة، وبينا هي داخلة في الطاعة أقبل الترك من «السند وكش ونف» في مئة وعشرين ألف مقاتل والتقوا ببخارى، وندمت خاتون على طاعتها للعرب، ونكثت العهد، إلا أن العرب هزموا الترك فرجعت خاتون إلى الصلح، ودخل سعيد بن عثمان بن عفان مدينة بخارى، ثم زحف إلى سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها، وما زال يضيق عليها الحصار حتى صالحوه وأعطوه رهائن من أبناء ملوكهم، ثم أقام على الترمذ وما زال يضيق عليها حتى فتحها ثم انتفض أهل الترمذ ففتحها قتيبة بن مسلم الباهلي.
وفي فتح بلاد الترك استشهد قم بن العباس بن عبد المطلب، كان مع سعيد بن عثمان فلما بلغ خبر شهادته أخاه عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: شتان ما بين مولده ومقبره. ولم يوجد أناس تباينت قبورهم مثل أولاد العباس بن عبد المطلب؛ فقد توفي عبد الله من عباس بالطائف، وتوفي الفضل بن عباس شهيدا بوقعة أجنادين بفلسطين، وقيل بطاعون عمواس واستشهد معبد وعبد الرحمن ابنا عباس بأفريقيا وقيل إن معبدا مات شهيدا بأفريقيا، وعبد الرحمن مات بالشام، واستشهد قم بن العباس بسمرقند، ومات عبيد الله بن العباس بالمدينة، وقيل باليمن، ثم إنه بعد موت معاوية ولى ابنه يزيد بن معاوية سلم بن زياد ما وراء النهر، فصالحه أهل خوارزم على أربع مئة ألف وحملوها إليه، وقطع النهر ومعه أمرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وكانت أول عربية عبرت النهر، وأقام سلم بن زيادة بالسند وسرح جيشا إلى «خنجدة» وفيهم أعشى همدان الشاعر، فانهزم هذا الجيش فقال الأعشى:
ليت خيلي يوم الخجندة لم ته
زم وغودرت في المكر سليبا
تحضر الطير مصرعي وتروح
ت إلى الله في الدماء خضيبا
ثم رجع سلم بن زياد إلى مرو وحشد هناك جيشا وغزا بلاد الترك، فجمع له أهل السند فقاتلهم ودوخهم، ثم إن سلم بن زياد انصرف عما وراء النهر وتولاها عبد الله بن خازم السلمي بعهد من سلم بن زياد، فعصاه سليمان بن مرثد من بني سعد بن مالك من المراثد بن ربيعة واقتتلا، وكان ذلك في أثناء فتنة ابن الزبير مع بني أمية، وطال القتال بين العرب، فانتهز الترك الفرصة وشنوا الغارات حتى بلغوا قرب نيسابور، ولكن انتهت هذه الفتنة بين العرب بالطائلة لابن خازم، وكانت العصبية العربية بين القبائل هي العامل في تلك الفتن كما كانت في الأندلس وفي بلاد الإفرنجة، وكان عبد الله بن خازم لا يتولى غير عبد الله بن الزبير، ولا يطيع عبد الملك بن مروان، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح يوليه خراسان، فقاتل ابن خازم وتغلب عليه وقتله وأرسلوا برأسه إلى عبد الملك بن مروان فنصبه بدمشق، واشتدت ا لفتنة بين العرب في خراسان إلى أن كتب وجوه العرب إلى عبد الملك بن مروان أنه لا تصلح خراسان بعد هذه الفتنة إلا برجل من قريش، فولى عبد الملك على خراسان أمية بن عبد الله بن خالد، وغزا أمية بلاد الختل فافتتحها، ثم جاءت أيام الحجام بن يوسف وكانت خراسان من جملة ولايته فولاها المهلب بن أبي صفرة من الأزد وذلك سنة 99، فغزا مغازي كثيرة وانتقضت الختل في أيامه فدوخها وفتح خجندة وأطاعت له السند وكش ونسف، ومات المهلب فقام بعده ابنه يزيد بن المهلب فغزا مغازي كثيرة في بلاد الترك، وفتح «البتم» ثم غزا يزيد خارزم ثم ولى الحجاج بن يوسف المفضل بن المهلب بن أبي صفرة ففتح المفضل بلدانا منها بادغيس وشومان، وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بعد قتل أبيه قد امتنع بالترمذ فاستنجد أهل الترمذ الترك على موسى فهزمهم موسى، وحدث مع موسى هذا وقائع كثيرة وحروب ذات بال تغلب فيها كلها.
وكان أهل خراسان يقولون عن موسى بن عبد الله بن خازم السلمي هذا: ما رأينا مثل موسى قاتل مع أبيه سنتين لم يفل، ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدة يسيرة وأخرج ملكها عنها، ثم قاتل الترك والعجم فأوقع بهم، إلا أنه لما تولى المفضل بن المهلب خراسان أرسل جيشا يقاتل موسى على الترمذ، فانهزم موسى وقتل وتولى الترمذ مدرك بن المهلب، وكان قتل موسى في آخر سنة 85 وقيل إن رجلا ضرب ساق موسى وهو قتيل، فلما تولى قتيبة الباهلي وعلم به قتله، ثم ولى الحجاج بن يوسف قتيبة، وهو أشهر فاتح عربي لبلاد الترك، خرج يريد بلاد «آخرون» فلما كان ببلاد الطالقان تلقاه داهقين بلخ، فعبروا معه النهر، وقدم عليه ملك الصغانيان بهدايا وأعطاه الطاعة واستعان به على ملك «آخرون» و«شومان» الذي كان عدوا لملك الصغانيان، ثم أقبل على قتيبة ملك «كفيان» وقدم له الطاعة فانصرف قتيبة إلى مرو، وخلف أخاه صالحا على ما وراء النهر، ففتح صالح «كاسان» و«أورشت» من بلاد فرغانة و«بيمنخر» و«خشكت» وكان في جيش صالح هذا نصر بن سيار المشهور، وأطاع ملك «الجورجان» وقدم على قتبة ثم غزا قتيبة «بيكند» سنة 87 فاستصرخ أهالي «بيكند» أتراك السند فهزمهم قتيبة وفتح «بيكند» ثم فتح «تومشكت» ودخلها صلحا، ثم أوقع بالسند وافتتح «كش ونسف» وكان ملك خارزم قد عصاه أخوه خرزاد فالتجأ الملك إلى قتيبة، فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم بجيش فقاتل خرزاد فقتله وأوقع بجماعته، وأعاد الملك إلى أخيه ثم وثب الأهالي بالملك فقتلوه، فولى قتيبة أخاه عبيد الله بن مسلم على خارزم، ثم غزا قتيبة «سمرقند» فاجتمعوا لقتاله، وكتب ملك السند إلى ملك الشاش (الشاش ما يقال له اليوم طاشقند) فنهدوا إليه في خلق كثير فقاتلهم المسلمون وهزموهم، وصالحهم أهل سمرقند على ألف ومائتي ألف درهم في كل عام وعلى أن يصلي قتيبة في المدينة، فدخل قتيبة سمرقند وصلى واتخذ مسجدا، وخلف بها جماعة من المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم (صاحب التفسير) وكان في صلح قتيبة بيوت الأصنام والنيران، فأخرج قتيبة الأصنام وسلب حليتها وأحرقها وكانوا يعتقدون بها، فلما رأوا قتيبة قد أحرقها بيده ولم يحصل له سوء أسلم منهم خلق.
وفي زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وفد قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم غدرا وأسكنها المسلمين، فكتب عمر يأمر بنصب قاضي للنظر فيما ذكروا، فنصب لهم جميع بن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء، فكره أهل سمرقند الحرب وبقي المسلمون فيها، ثم فتح قتيبة عامة بلاد الشاش وبلغ «اسبيجاب» وقالوا إن قتيبة فتح خارزم وسمرقند عنوة، وقد كان سعيد بن عثمان بن عفان قد تغلب على سمرقند وخارزم صلحا، ولكن قتيبة استقل هذا الصلح وأبى إلا فتحها بالقوة، ثم فتح بيكند وكش ونسف وقيل والشاش وبعض فرغانة وغزا أشروسنة. ولما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك كان قتيبة بن مسلم الباهلي مستوحشا، كارها لخلافته، فكتب سليمان إلى قتيبة يأمره بإطلاق كل من في حبسه، وأن يعطي الناس أعطياتهم، ويأذن لمن أراد القفول في القفول، وكانوا متطلعين إلى ذلك، وكان من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفا، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف، ومن الموالي سبعة آلاف، فلم يأذن قتيبة في القفول، فثاروا به فانتصر له العجم على العرب وكانت حرب بين الفريقين فظفر العرب بقتيبة وقتلوه، وهو الذي مهد لهم بلاد خراسان وما وراء النهر، وقتل معه جماعة من إخوته وقتلت زوجته ونجا أخوه ضرار بواسطة بني تميم، وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمه وبعثوا به إلى الخليفة مع سليط بن عطية الحنفي، وكان قتيبة يوم قتل ابن 55 سنة، وبعد أن قتل قتيبة رحمه الله تولى خراسان وكيع بن حسان بن قيس التميمي، وأراد سليمان بن عبد الملك أن يثبته في الولاية فقيل له: إن وكيعا ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة وفيه جفاء وأعرابية، وكان وكيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرون إليه، فلم يكن يصلح للولاية، فقدم عليه يزيد بن المهلب وآليا فقدم يزيد ابنه مخلدا فعزا مخلد «البتم» ففتحها، ثم نقض أهلها العهد فكر عليهم وفتحها ثانية، وأصاب بها مالا وأصناما.
ولما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام، فإنه همه كان نشر الإسلام قبل كل شيء فأسلم بعضهم، وكان عامل عمر على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي، فوجه الجراح أحد قواده عبد الله بن معمر اليشكري إلى ما وراء النهر فأوغل في بلاد العدو وهم بدخول الصين، فلما تكاثر عليه الترك رجع إلى الوراء وامتنع ببلد الشاش، ورفع الخليفة رضي الله عنه الخراج عمن أسلم بخراسان، وفرض العطاء للمسلمين منهم، وبنى الخانات. وكان الجراج بن عبد الله الحكمي قد كتب للخليفة أنه لا يصلح خراسان إلا السيف، فاغتاظ عمر من كلامه هذا، وعلم أنه وال يستخف بالدماء فعزله، ولكن قضى الدين الذي عليه، ثم ولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي حرب خراسان وعبد الرحمن بن عبد الله القشيري خراجها، وفي خلافة يزيد بن عبد الملك تولى خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية، فنزل خراسان وبعث ابنه إلى ما وراء النهر فنزل «اشتيخن» فزحف إليه الترك فقاتلهم وهزمهم، ثم لقي الترك مرة ثانية فانهزم أصحاب سعيد، فولى سعيد نصر بن سيار على الجيش وشخص قوم من وجوه خراسان إلى مسلمة بن عبد الملك وإلى العراق وشكوا سعيدا فعزله مسلمة، وولى سعيد بن عمر الجرشي على خراسان فافتتح الجرشي عامة حصون السند.
Bilinmeyen sayfa