تعليق على ما جاء في السطر 2 من الصفحة 27 من الجزء الأول من ابن خلدون
هذه الأمة هي بدون شك من أشهر أمم الكرة الأرضية، وأكثرها عددا وأشدها شكيمة وأوسعها فتوحات، وأمجدها تاريخا، وقد حررت خلاصة تاريخها في حواشي «حاضر العالم الإسلامي » بما أرى مناسبا إعادته هنا مع زيادة تفصيل.
قلت هناك : إن الترك هم من أكبر وأشهر الأمم الآسيوية، وإنهم معدودون من الشعوب الطورنية، وهم متشابهون في الخلقة مع الصين والتبت واليابان عبرة بما تجده من سحناء أتراك الأستانة والأناضول، فإن هؤلاء قد تولدوا وتناسلوا في غربي آسيا من قرون متطاولة، واختلطوا بالأمم الأخرى كالقوقازيين والمكدونيين والأرناءوط والروم والبلغار والأكراد والصرب وبقايا أهالي الأناضول القدماء، وتولدت منهم أمة لا تشبه المغول ولا الصين، ولكن الترك الأناضوليين الذين لم يختلطوا بهذه الأمم الغربية يشبهون كثيرا أتراك بخارى وخيوه وكاشغر، وهم ذو ملامح ظاهرة الشبه مع أهل الصين والتبت والمغول.
كان الترك من على عنق الدهر في جبل الذهب بين سيبيريا والصين، ثم أخذوا ينتشرون في الأقطار، فهاجروا إلى شمالي سيحون وجيحون، وإلى الشرق الشمالي من بحر خوارزم، وإلى الشمال الغربي من الصين والخطا، فكان منهم قسم الغرب وهم «المجار والفنلانديون» - أهل فنلاندا على البلطيك - والبلغار وهؤلاء هم الذين يقال لهم «الأوراليون» وكان منهم قسم في الشرق وهم الذين يقال لهم «المانشو والتونغوز» وقسم في الجنوب الشرقي وهم «المغول».
وكان لهم مناسبات ومحاربات مع الأمة الفارسية وقيل إن هيرودتس أبا المؤرخين أشار إليهم تحت اسم تاركيتاوس.
وباني أول دولة منهم أوغوز خان بن قرة خان، وكان له ستة أولاد، وهم كون خان، وآي خان، ويلديز خان، وكول خان، وطاغ خان، ودكز خان. فمن هؤلاء ثلاثة سكنوا الشرق وثلاثة سكنوا الغرب، وكان لكل منهم أربعة أولاد فصار لأوغوز خان 24 حفيدا هم رؤساء القبائل التركية هكذا قال نسابوهم.
ومن البداية انقسم الترك إلى قسمين؛ الساكنين في شرق تركستان وهم «الاويغور» والسكانين في الغرب منها وهم «الترك أو التركمان» وكان «الاويغور» بادئ ذي بدء أرقى وأرق وأكثر مدنية، وكان لسانهم لسان الترك الأدبي وكان لهم خط ومؤلفات. ثم جاء رهبان من النساطرة ونصروا بعضهم وعلموهم خطا مأخوذا من السريانية، وموجود بهذا الخط كتب تركية إلى اليوم.
وفي سنة 85 للهجرة غزا «قتيبة الباهلي» بالمسلمين العرب بلاد الترك ، وافتتح بخارى، ومرو، وخوزارزم، وسمرقند وغيرها، واجتمع عليه ملك السند وملك الشاش وغيرهما فهزمهم وأثخن في الترك فصالحوه على أموال يؤدونها إليه، وكان في صلحة بيوت الأصنام والنيران فأخرجت الأصنام فسلبت حليتها، وكانوا يقولون إن هناك أصناما من استخف بها هلك، فلما حرقها قتيبة بيده أسلم من الترك خلق وهذا أول إسلامهم.
وفي خلافة هشام بن عبد الملك تولى خالد بن عبد الله القسري العراقي، وأخوه أسد بن عبد الله خراسان، وغزا أسد بلاد الترك ومنها «جبال نمرود» فصالحه نمرود وأسلم ثم استعمل هشام على خراسان أشرس بن عبد الله السلمي، فدعا أهل ما وراء النهر إلى الإسلام، وطرح الجزية عن الذين أسلموا فسارعوا إلى الإسلام، ثم لما صارت الخلافة إلى بني العباس وتولى المأمون خراسان - وذلك قبل خلافته - أخذ يغزو السند وأشروسنة، وفرغانة، ويقول البلاذري في «فتوح البلدان» إنه كان مع تسريته الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما.
نعم، ولما تولى المأمون الخلافة سنة 198 دخل في الإسلام كاوس ملك أشروسنة بعد حروب ومقاتلات تغلب فيها العرب على أهالي تلك البلدان، وكان المأمون رحمه الله بينما هو يغزو الترك من جهة يدعوهم إلى الإسلام من جهة أخرى، قال البلاذري: «وكان يوجه رسله فيفرضون لم رغب في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالرغبة، فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم، ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك، حتى صار جل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السند والفراغنة والأشروسنة، وأهل الشاش وغيرهم، وحضر ملوكهم بابه وغلب الإسلام على من هناك»ا.ه.
Bilinmeyen sayfa