158

İbn Haldun Tarihi

تاريخ ابن خلدون

Türler

والخلاصة أن السلطان محمود شاهد في هذه الحرب هزائم لم تحل بالدولة من قبل فطلب الصلح بواسطة روسيا، وإنقدت معاهدة أدرنة التي بموجبها إستولى الروس على مصاب الطونة، وصار لهم الحق في حرية الملاحة في البحر الأسود والخروج منه إلى البحر الأبيض. وأخذوا «بوتى «في آسيا، وفصلوا بين تركيا وبلاد القوقاس. فخسرت تركيا علاقتها بتلك الأمم القوقآسيا التي كانت من أشد أنصارها! فسهل على الروسيا إدخالهم في الطاعة تدريجا، وتعهدت الدولة بأن لا تعزل أمراء الفلاخ ومولدافيا وأما سربيا فبقيت على حالها، وتمهد الباب العالى بدفع غرامة حربية 125 مليون قرش يؤديها تقسيطا على عشر سنوات على شرط أن الروس لا يحتلون بلاد الفلاخ ومولدافيا قبل دفع الأقساط كلها. وفى سنة 1830 إعترفت الدولة بإستقلال اليونان وبالحدود التي وضعتها الدول بينها وبين تركيا.

وكان السلطان محمود معتقدا أنه لابد من الإصلاح في داخل السلطنة والسير بتركيا على الطرق المصرية الأوروبية، ولما توالت الهزائم على الجيوش العثمانية في زمان سليم الثالث ومحمود الثاني تحققت الناس أن السبب في هذه الهزائم إنما كان قصور الإنكشارية في التعليم العسكرى عن الجيوش الأوروبية، وأنه لابد للدولة من جيش مرتب على نسق الجيوش الأوروبية حتى يمكنه أن يقاتلها بنجاح أو ثبات، ولم يكن في الإمكان تنظيم هذا الجيش الجديد مع وجود الإنكشارية الذين كانوا يعارضون في هذا الأمر معارضة من يقاتل عن حياته. وكانت الدولة تعانى من ثورات الإنكشارية ما لا يوصف، وكم من مرة كانت ثوراتهم سببا في الإنهزام أما الأعداء وكم إستبدوا بالأهالى وعاشوا في البلاد حتى عاف الناس مجرد سماع ذكرهم، فكانت الصدور ملأى من أعمالهم، وكانت الأمة ترجو الخلاص منهم. فلما أمر السلطان محمود بتنظيم الجيش الجديد كانت جميع الأمة مؤيدة لفكرته هذه، وبدأ السلطان بتنظيم هذا الجيش، وأخذت ضباط الإنكشارية تتعلم الحركات العسكرية في «آت ميدان «. وإذا بالإنكشارية تآمروا وثاروا على السلطان بنتة، وزحفوا إلى السراي يهددون السلطان ويطلبون منه رؤوي الذين وقافقوا على النظام الجديد ولم يكن السلطان محمود خوار العزيمة ولا ممن يهاب الاخطار فامتنع من إجابة طلبهم ونادى بالأمة وأخرج السنجق النبوي فأجتمعت الامة تحته والعلماء لي مقدمتهم وصمدوا إلى الإنكشارية ورموهم بالنيران، وأطلقوا المدافع عليهم فكسروهم، وبعد أن أنهزموا أعلمت الأمة السيوف في رقابهم فقتلوا منهم عشرة آلاف رجل وقيل عشرين الف ا وتخلصت الأمة من معرفتهم وبعد ذلك نشر السلطان خطا شريلا يقول فيه: إنه من المعلوم بين المسليمن أن السلطنة العثمانية إنما رقت ونمت واستولت على الشرق والغرب بقوة الدين الإسلامي، وأن نظام الانكشارية كان في أول الأمر يوم كانت الطاعة شعاره حصنا حصينا للدولة وطالما كان النصر معقودا برايات هذا النظام ولكن في العصر الأخير فشا في الانكشارية روح التمرد وصاروا بلاء على الدولة وصاروا لا يلقون الأعداء إلا أنهزموا فأجمعت الأمة على إيجاب التخلص من هذا النظام البالي وعلى تنظيم جيش جديد يمكننا أن نصادم به أعداء الدين الخ

وما أكتفي السلطان باستئصال النكشارية بل أراد استصال جميع جراثيم الفساد التي كانت آفة على المملكة فألغى الطريقة البكتاشية وقتل رؤساءها وأقفل تكاياها ولكن بعد أن سار على خطة التجدد في امملكة وغير الأزياء القديمة حاول الرجعيون الانتقام فأشعلوت النار عدة مرار وفي إحدى المرار أحرقوا ثمن الأستانة ولكن السلطان ضمد الجروح وساعد المصابين وفي مرة أخرى أحرقوا بيك أوغلوا محله الأوروبيين وحصلت أيضا ثورة بالسلاح فقضى السلطان عليها ولم يثنه شيء عن عزمه ومضى في سياسة التجدد، وبني المدارس، وأسس المدرسة العسكرية الكبرى وأنشأ المراكب النارية وأسس المحاجر الصحية.

وكان بالجملة مقتنعا بوجوب الإصلاح والتجديد حازما رابط الجأش غير هياب للموت عادل بالرعية مهتما بالصغيرة والكبيرة من شئون الأمة مساويا بين جميع أجناس رعيته ولكن المصائب بسبب أطماع الدول الأوروبية توالت على السلطنة في زمانة.

وفي سنة 1831 استولى الفرنسيس على الجزائر في خبر ليس هنا موضعه فعجزت الدولة عن دفع هذا الاعتداء، لاسيما أن الجزائر كانت منفصلة عنها ولم تكن سيادتها عليها إلا بالاسم، ثم خرج محمد علي والي مصر على الدولة وأغزى ابنه إبراهيم بلاد الشام بخمسين ألف جندي فأستولى على غزة، ويافا، وحيفا، وحاصر عكة التي كان قائدها عبد الله باشا، فأمر السلطان محمد علي برد عساكره إلى الوراء، فاشترط محمد علي على السلطان توليته سورية، فأبى السلطان قبول طلبه، وأرسول جيشا لقتال الجيش المصري تحت قيادة حسين باشا، فانكسر حسين باشا وفتح إبراهيم باشا عكة عنوة، واستولى على جميع سورية، وفي ذلك يقول الشيخ أمين الجندي الشاعر:

لو قيل إبراهيم جاء محاربا

سقطوا ولو كان الكلام تقولا

قامت قيامة عكة من بأسه

وأحاك من كل الجهات بها البلا

بمدافع ما إن لها من دافع

Bilinmeyen sayfa