وفي أثناء هذه الحرب كان وكيل حاكم حماة في مدة غيابه رجلا اسمه عثمان السبيتاري سام الناس خسفا وظلما وجار في حكمه جدا واستباح الأعراض والأموال وسفك الدماء فقتل كثيرين، وكان له رفيق يشاركه في الحكم فقتله أيضا وانفرد بالحكم وحده ولقب نفسه الملك الرحيم، وبقي على هذا المنوال حتى استولى المسلمون على دمشق وفر التتر فحينئذ قبل عودة حاكمها أرسل إليها صارم الدين أزبك المنصوري الحموي ليكون حاكما إلى أن يحضر كتبغا، فلما وصل إلى حماة عصي عثمان السبيتاري في القلعة مدة ثم قبض عليه صارم الدين ووضعه في السجن. وفي أثناء ذلك كان حاكم حلب متوجها إليها فمر في طريقه على حماة ونزل على تل صفرون، وأرسل إلى عامل حماة أن يسلمه عثمان السبيتاري، فأرسله إليه وأخذه مكرما إلى حلب بعد ما أخذ منه رشوة - ولم يسمع عليه شكاية الحمويين وأن القاضي حكم بقتله - فبقي عنده حتى استخلص الملك لأبي الفداء فأرسل من قبض عليه وجاء به إلى حماة فقتله في محلة المدينة في سوق الخيل.
ثم إن قراسنقر عين إلى حلب، وعين إلى حماة مكانه الأمير «كتبغا زين المنصوري» فدخل حماة ونزل في دار السعادة وهي دار المظفر.
وفي سنة 700 عادت التتر إلى البلاد السورية محاربة قاصدة استرجاع دمشق فعبر ملكهم بعساكره الفرات، وقد جفل المسلمون منهم فكانوا يهربون أمامهم تاركين منازلهم خالية حتى إن حلب خلت من أهلها، ورحل قراسنقر صاحب حلب بعسكره إلى حماة واستقبله صاحبها أيضا بعسكره، وجاءت عساكر دمشق إلى حماة فخيم الجميع في ظاهر البلد، وانهالت التتر على بلاد سرمين والمعرة والعمق وغيرها تقتل وتنهب، وظلوا يعيثون في الأرض فسادا ثلاثة أشهر، ثم رجعوا من تلقاء أنفسهم بلا حرب وتراجع المسلمون إلى منازلهم.
وفي سنة 702 سار كتبغا بالعساكر الحموية إلى بلاد الأرمن فكانت له هناك حروب ثم عاد على طريق أنطاكية، وبعد وصوله لحماة عادت التتر واحتلت القريتين من أعمال حمص، فقدمت العساكر الحلبية وانضمت إليها العساكر الحموية وساروا إلى القريتين فقامت سوق الحرب هناك، وانتصر المسلمون، وهرب التتر وقتل منهم خلق كثير. ولم تكد العساكر تصل بلادها حتى عادت التتر بقيادة قطلوشاه، ووصلوا إلى حماة فجفلت عساكرها وحاكمها كتبغا إلى دمشق - وكان كتبغا مريضا - فنزل التتر شمال حماة قريبا من محلة باب الجسر ثم رحلوا إلى دمشق، وكانت العساكر الإسلامية متجمعة فيها من كل مكان، وهناك كانت الحرب الطاحنة فقتل من المسلمين ما لا يحصى، وبعد ذلك فر التتر هاربين وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، حتى وصلوا الفرات وأرادوا العبور عليه وجدوه في قوة زيادته فمشوا على جانبه إلى بغداد، فتبعهم عرب البادية قتلا ونهبا حتى كادوا يهلكونهم عن آخرهم ثم عادت العساكر إلى بلادها.
وفي هذه السنة توفي زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة - وهو من مماليك قلاوون الصالحي ملك البلاد المصرية والسورية - فكان خلفه «سيف الدين قبجق» جاء من مصر ووصل إلى حماة سنة 703 فاستقبله الحمويون وأنزلوه في دار المظفر. وفي أوائل هذه السنة حصلت زلزلة عظيمة خربت بعض أسوار قلعة حماة وغيرها.
وفي هذه السنة ولي سيف الدين قبجق على حلب فرحل عن حماة، وعين مكانه «أسندمر» ولم يأت إلى حماة بل أرسل نائبا عنه «تنليك السديدي».
وفي سنة 710 جاء أسندمر - المذكور - إلى حماة ونزل في دار المظفر على جاري العادة، فلم يرض بتوليته على حماة رئيس العشائر البادية مهنا بن عيسى فسافر حالا إلى مصر، وكان ذا مكانة عظيمة عند الملوك فطلب من قلاوون الصالحي تنصيب أبي الفداء على حماة فأجابه لذلك، ونقل أسندمر إلى السواحل، وعين أبا الفداء ملكا على حماة فعادت المملكة بتعيينه للبيت الأيوبي، وفرح السكان بذلك، وذلك في جمادى الأولى من السنة المذكورة، وسكن في بادئ الأمر في دار ابن عمه المظفر، ولم يلبث مدة حتى سار إلى حلب مع عساكر السلطان للقبض على نائبها أسندمر فأحاطوا بقلعتها وقبضوا عليه فسيق إلى مصر مغلولا بالحديد، ورجع أبو الفداء إلى حماة ثم سافر إلى مصر فضم إليه محمد بن قلاوون الصالحي المعرة وبعرين ملكا خالصا.
وفي سنة 713 جاء الخبر إلى حلب بمسير «خربندا» رئيس التتر بجيوشه إلى حلب فخافت حاميتها وأميرها سودي وقدموا إلى حماة، وقدم أيضا بهادر أمير الشام وعساكره فأقاموا عند أبي الفداء ضيوفا مدة طويلة، والتتر محاصرون مدينة الرحبة ثم تركوها ورجعوا من حيث أتوا فرجعت العساكر الدمشقية والحلبية إلى أماكنها.
وفي سنة 714 ألحقت المعرة بحلب ولم يبق بيد أبي الفداء سوى حماة وبعرين وتوابعهما.
وفي هذه السنة سارت العساكر السلطانية لفتح ملاطية فمرت بحماة، وسار أبو الفداء بعساكره معهم فقطعوا المسافات ثم افتتحوا ملاطية بلا حرب، وآبت العساكر فنزلت في حماة، وعمل ملكها أبو الفداء ضيافة عظيمة وأنزل الأمراء في داره. وبعد ذهابهم أصدر أبو الفداء أمرا إلى جميع نوابه أن لا يقبل أحد حماية لأحد بل الكل متساوون في الحقوق ودفع ما عليهم؛ وذلك لأن الإسماعيليين في مصياف كانوا لا يدفعون لسلفه أموالا بدعوى الحماية فأخذت الأموال من الجميع.
Bilinmeyen sayfa